مسلم2003
09-11-2003, 11:58 AM
أدار الندوة - حمد الفحيلة
يحاول بعض أصحاب الأفكار المنحرفة استغلال بعض الشعارات الإسلامية لترويج فكره وهدفه، فقد كان قتال الكفار والمستأمنين عندهم جهاداً فاستغل اسم الجهاد الذي يتقرر في النفوس مكانته وفضله، فسمو بعض الأعمال المخالفة للشريعة باسم الجهاد مما جعل بعضهم ممن غرر به يقبل على دعواتهم دون تفكيراً، "الرياض" قامت في هذه الصفحة بطرح ندوة عن هذا الموضوع اشترك فيها الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري أستاذ أصول الفقه والشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان الأستاذ المساعد بقسم أصول الفقه وكلاهما في كلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فإلى المحاور:
7في البدء كيف يمكننا فهم الجهاد وهل سفك الدماء وقتل الكفار والمستأمنين في بلاد الإسلام جهاد كما يزعم أصحاب الأفكار المنحرفة؟
- د. الخثلان: لا شك أن الجهاد له منزلة عالية فهو ذروة سنام الإسلام، وهو باق إلى قيام الساعة، وينقسم إلى عدة أقسام: فهناك جهاد النفس وجهاد الشيطان، وجهاد المنافقين، وجهاد الفساق من المسلمين، وجهاد الكفار، فهذه خمسة أقسام للجهاد ذكرها الإمام ابن القيم وغيره.
أما جهاد النفس فكيون بمجاهدة النفس على طاعة الله عز وجل، ويكون بتعلم العلم وتعليمه للناس والصبر على ذلك.
وجهاد الشيطان يكون بدفع ما يلقي الشيطان في قلب العبد من فتن من الشبهات ومن الشهوات، وجهاد المنافقين يكون بالحجة والبيان، وهو من أعظم أنواع الجهاد كما يقول الإمام ابن القيم، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، ويكون بالحجة والبيان.
أما جهاد الفساق من المسلمين فيكون بانكار المنكر حسب الاستطلاعة، فمن استطاع بيده وإلا فبلسانه أو بقلبه، والنوع الخامس هو جهاد الكفار وهو المراد بلفظ الجهاد عند الاطلاق أي قتال الكفار، ولكن قتال الكفار انما هو فرع من جهاد النفس كما قرر ذلك الإمام ابن القيم، وذلك لأن العبد ما لم يجاهد نفسه على إخلاص النية لله عز وجل فإن هذا الجهاد لا يكون في سبيل الله عز وجل ولا يؤجر عليه المسلم، بل يؤزر عليه يوم القيامة أي يكون وبالاً عليه كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة وذكر رجلاً منهم قاتل من أجل أن يقال هو الجريء، فهو قتال للكفار ولكن مع ذلك كان من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وذلك لأنه لم يجاهد نفسه على إخلاص النية لله عز وجل، ودل ذلك على أن جهاد الكفار فرع عن جهاد النفس.
الجهاد في الإسلام ينقسم إلى قسمين جهاد طلب، وجهاد دفع.
أما جهاد الدفع فيكون عندما يعتدي الكفار على بلاد المسلمين، فواجب على المسلمين في ذلك البلد أن يدفعوا هؤلاء الكفار.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان ممنوعاً من قتال الكفار في مكة، ولم يؤمر بقتال الكفار والجهاد إلا بعد أن هاجر إلى المدينة وتكونت الدولة الإسلامية، وأصبح عنده قوة ومنعة حينئذ أمر بالجهاد، إلا أنه حينما كان في مكة وكان المسلمون في حالة ضعف كان ممنوعاً من الجهاد بجهاد الطلب وهم في حالة ضعف.. ففي الوقت الحاضر الأمة الإسلامية لم تصل بعد إلى مرحلة جهاد الطلب.. وفي هذه الحالة يبقى جهاد الدفع ولكن ليس معنى ذلك الغاء جهاد الطلب كما يقول بذلك بعض المثقفين المسلمين فجهاد الطلب باق، ولكن عند قوة المسلمين، أما عند ضعف المسلمين فإن الأدلة الشرعية وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على أن جهاد الطلب لا يكون في حالة ضعف المسلمين، وذلك لما يترتب عليه من أضرار كبيرة بالإسلام والمسلمين وبالدعوة الإسلامية، فهذا مفهوم الجهاد في الإسلام.
الأمة الإسلامية لا تخلو من أحوال ثلاث، الحالة الأولى حالة القوة فهنا هي مأمورة بالجهاد دفعاً وبدءاً أي جهاد دفع وجهاد طلب.. الحالة الثانية: حالة الضعف الشديد فحينئذ هي مأمورة بترك الجهاد والصبر كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفترة المكية. الحالة الثالثة هي حالة وسطى بين الحالتين وحينئذ هي مأمورة بجهاد الدفع عند اعتداء الكفار عليها وأما جهاد الطلب فإنه حينئذ لا يكون بجهاد الطلب وانما يكون بجهاد الدفع فقط في الحالة الوسطى.. وسمعت شيخنا العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - يقول: الأقرب - والله أعلم - أن حال المسلمين في هذا العصر أقرب إلى الحالة الوسطى، فتكون مأمورة بجهاد الدفع دون جهاد الطلب، ونرجو الله عز وجل أن يكون للأمة الإسلامية في المستقبل قوة ومتعة بحيث تتغلب على أعدائها، ويكون لها إن شاء الله النصر والتمكين.
- د. سعد الشثري: من الأحاديث النبوية الواردة في الجهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، ويقاتل ليقال جريء.. ويقاتل حمية أي ذلك في سبيل الله فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. متفق عليه.
ولا شك أن الجهاد قد تواترت النصوص في بيان فضله وعلو منزلته، وهناك عدد من الأسباب التي تدعو إلى الجهاد فأولها: حالة الاعتداء على بلاد الإسلام، كما قال الله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين}، وذلك أن العدو إذا انتهك حرمات المسلمين في أموالهم وأعراضهم أو دمائهم فإنه يشرع حينئذ مدافعة ذلك العدو لصيانة هذه الحرمات، وكذلك من أسباب الجهاد في دين الإسلام هو رفع السلطة الظالمة الكافرة التي تصد الناس عن اتباع الحق والسير على نهج الإسلام كما قال جل وعلا: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً}.
فحينئذ يجب حال وقوع واحد من هذين السببين ان يهب أهل الإسلام إلى هذا الأمر المشروع، لكن مع مراعاة الضوابط الشرعية التي جاءت النصوص بجعلها شروطاً في الجهاد.. ومن هذه الشروط:
أولاً: أن تكون النية خالصة لوجه الله تعالى لأن الجهاد عبادة من العبادات فلا بد أن تكون مسبوقة بنية التقرب لله عز وجل والحصول على الأجر الاخروي كما ورد في حديث أبي موسى الصحيح "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليقال جريء أي ذلك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
ومن ضوابط الجهاد في دين الإسلام أن يكون بإذن الإمام، فلا يجوز لأحاد الناس الافتيات على الإمام بأن يجاهدوا بدون إذن، وذلك أن الله عز وجل قال: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإمام جنة يتقي به ويقاتل من خلفه" فإذا لم يكن للمسلمين إمام يدعوهم للجهاد فإنه حينئذ لا يشرع الجهاد لأنه إذا لم تكن هناك راية مرفوعة وإمام يدعو الله، يكون أعمال الناس حينئذ على خلاف ما يطلب عقلاً وشرعاً ولا يتحقق به شيء من المصالح، فلا بد أن يعلم انه إذا كان الناس ضمن ولاية حرم على الواحد من أفراد هذه الولاية أن يخرج للجهاد إلا باستئذان أصحاب هذه الولاية، لأنهم يكونون حينئذ قد خالفوا النصوص الشرعية السابقة، ويكونون حينئذ قد افتاتوا على الإمام وتصرفوا بدون استئذانه فيما يجب عليهم استئذانه فيه ومن ضوابط الجهاد في دين الإسلام مراعاة مصلحة دين الإسلام، فإذا كان الاقدام على الجهاد سيؤدي إلى نتائج عسكية وسيجعل أعداء هذا الدين يتمكنون منه، ويقومون بصد الناس عنه فإنه حينئذ يحرم على أهل الإسلام أن يقوموا بهذه الشعيرة لأنها لا تؤدي المقصود منها بحسب ما يتر
آى لمن يكون مخولاً له النظر في هذا الأمر.
والشريعة كما تأمر بالجهاد فإنها تأمر أيضاً بملاحظة جانب المصالح والمفاسد، ومن ضوابط الجهاد في دين الإسلام ألا يؤدي إلى سفك الدماء المعصومة، أو أخذ الأموال المحرمة أو اتلافها بغير وجه شرعي، فإن النصوص الشرعية قد تواترت بتحريم سفك الدم وبتحريم اتلاف أموال الآخرين، قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، وقال جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ومن النفوس المعصومة نفوس أهل الإسلام، لأن الشريعة تحرم على المسلمين أن يقتل بعضهم بعضاً.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً بضرب بعضكم رقاب بعض" وكذلك عصمت الشريعة دماء أهل الذمة ممن يدخلون في الولاية الاسلامية ويكونون ضمن نطاق الدولة المسلمة دخلوا بعهد صحيح وامان صحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا.." كما رواه الامام البخاري من حديث ابن عمر..
ومن ضوابط الجهاد التي لابد ان تسبقه الاستعداد له بايجاد القوة المناسبة للجهاد والاستعداد له بتعلم العلوم الشرعية ومنها تعلم احكام الجهاد وضوابطه وان الانسان اذا اقدم على الجهاد وهو لا يعلم احكام الجهاد فانه حينئذ يكون مقدماً على امر لا يعلم احكام الشريعة فيه وبالتالي يؤدي ذلك الى ان يكون ممن يخبط بلا استناد الى حكم شرعي صحيح.
وليعلم ان احكام الشريعة انما تؤخذ من العلماء الموثوقين الذين يشهد لهم بالامانة وبالعلم والورع ولا تؤخذ ممن يجهل حالهم ولا تؤخذ ممن لم يعرفوا الا بسبب انهم قد تكلموا في دولة ما، فان العلماء تسبر احوالهم وتعرف من خلال معرفة ما قدموه للامة الاسلامية من علم نافع عبر سنين كثيرة، قال تعالى {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فلابد ان يكون من يرجع اليهم ممن لديهم القدرة على الفهم والاستنباط من النصوص الشرعية كتاباً وسنة، أما كون الشخص قد اشتهر بكونه يخالف دولة ما، ولا يعرف بعلم شرعي صحيح مؤصل فحينئذ لا يلتفت لهذا القائل، ولا يلتفت الى ما يصدره بوجوب الانخراط في سلك بعض الجماعات المخالفة للمنهج الصحيح.. هذا شيء مما يتعلق بضوابط الجهاد الاسلامي..
7"الرياض": في الآونة الاخيرة بدأ البعض يطالب بمجاهدة جميع الكفار مطلقاً ويطرح الجهاد في كل مجلس من المجالس او في المحاضرات للشباب فما هو الموقف الشرعي من هذه المطالبة وهذا الطرح؟
- د. سعد الخثلان: بعض الناس يقولون ان الكفار الموجودين في بلاد المسلمين كفار حربيون، فاذا كانوا كفاراً حربيين فينبغي جهادهم وذلك بقتلهم ولكن ينبغي ان نعرف احوال الكفار الذين يكونون في بلاد المسلمين فالكفار لهم اربعة احوال:
الحالة الاولى: الكافر الذمي.. وهو الذي يعيش في بلاد المسلمين، ويوفر له الامان والحماية نظير دفعه للجزية لولي الامر وهذا لا وجود له في الوقت الحاضر.. اي لا يوجد كفار يدفعون الجزية للمسلمين..
الحالة الثانية: الكافر المعاهد.. وهو الذي يدخل بلاد المسلمين بموجب عهد، وهذه هي حال معظم الكفار الذين يوجدون في البلاد الاسلامية، وهؤلاء - كما تفضل الدكتور سعد - لا يجوز التعرض لهم فدماؤهم واموالهم معصومة، للحديث الذي رواه البخاري فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قتل معاهداً بغير حق لم يرح رائحة الجنة" فهذا يدل على ان قتل المعاهد من كبائر الذنوب.. كيف يدخل هذا الكافر الى بلاد المسلمين بموجب عهد وذمة وأمان ثم يغدر به ويقتل، فهذه الفعلة لا تأتي بها شريعة الاسلام. لذلك فان دم هذا المعاهد معصوم، لا يجوز التعرض له ولا يجوز قتله ولا أخذ شيء من ماله بل دمه معصوم وماله معصوم.
الحالة الثالثة: الكافر المستأمن، وهو الكافر الذي يدخل بلاد المسلمين بموجب امان، اما من ولي الامر، او حتى من افراد المسلمين، قال بعض الفقهاء: ولو كانت امرأة، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "قد اجرنا من اجرت يا ام هاني" حتى ولو كان هذا الكافر حربياً ولكننا امناه ودخل بلاد المسلمين بموجب امان فإن دمه معصوم وان ماله كذلك معصوم ولا يجوز التعرض له.
فهذا يبين لنا عناية الشريعة الاسلامية بالعهود والمواثيق، وانها محل العناية، والاحترام والتعظيم في دين الله عز وجل فما دام هذا الكافر دخل بموجب امان وبموجب عهد فانه لا يجوز التعرض له، ولا قتله ولا اخذ شيء من ماله، وان فعل ذلك يعتبر من كبائر الذنوب..
الحالة الرابعة: الكافر الحربي، وهو الذي ليس بينه وبين المسلمين اي عهد، او اي ميثاق فهذا اولاً: لابد من تبليغه الدعوة، بان ندعوه الى دين الاسلام، ولا نبدأ في القتال قبل تبليغه الدعوة، فاذا بلغته الدعوة نطلب منه إما دفع الجزية، واما اعتناق دين الاسلام.. وذلك ان قتل الكافر ليس مقصوداً لذاته، وانما المقصود من الجهاد في سبيل الله هو اعلاء كلمة الله.. {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} لذلك فإن المسلم اذا اراد ان يقتل كافراً حربياً ورفع السيف عليه وقال الكافر "لا إله إلا الله" لا يجوز لك قتله، لان المقصود ان يسلم هذا الكافر.
وحينما قتل اسامة بن زيد رضي الله عنه رجلاً من الكفار لحقه حتى لاذ بشجرة فلما رفع عليه السيف قال الكافر "لا إله إلا الله" فقتله اسامة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلته بعد ان قال "لا إله إلا الله" قال اسامة: يارسول الله انما قالها متعوذاً وانما قالها خوفاً من السلاح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلته بعد ان قال لا إله إلا الله" فكيف بلا إله إلا الله اذا جاء يحاجك بها عند الله عز وجل، فقال اسامة: فتمنيت اني لم اكن اسلمت إلا يومئذ..
وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم هلا شققت عن قلبه حتى تعلم هل قالها كذلك ام لا، قال اسامة مازال يكررها علي.. اذن الكافر الحربي هو الذي يجاهد ولكن بعد ان تبلغه الدعوة.. فان اسلم او دفع الجزية لم يجز قتله..
فاذا نظرنا الى الكفار الذين يوجدون في بلاد المسلمين هم من الكفار المعاهدين لانهم يدخلون بموجب عهود ومواثيق من قبل ولي الامر..
اقول ان الكفار الموجودين في بلاد المسلمين اما ان يكونوا كفاراً معاهدين، وهذا هو الظاهر، وتكون دماؤهم معصومة.. وإما ان يكونوا كفاراً حربيين فتكون دماؤهم معصومة بموجب الامان الذي عقد لهم، ويعتبرون مستأمنين والمستأمن دمه معصوم، وماله معصوم ولا يجوز التعرض له ولا قتله.. بل ظاهر الادلة ان قتله من كبائر الذنوب. اما قتال الكفار الموجودين في بلاد المسلمين واعتبار ذلك جهاداً فلا شك ان هذا مفهوم خاطىء للجهاد في سبيل الله عز وجل.
وهذا الفهم الخاطىء موجود من قديم الزمان.. فهناك طوائف ضلت في مفهوم الجهاد في سبيل الله، حتى في زمن الصحابة رضي الله عنهم ظهر الخوارج الذين سفكوا دماء المسلمين واستحلوا ارواحهم واعتبروا هذا العمل جهاداً في سبيل الله.. وهم الذين قتلوا سيدنا عثمان رضي الله عنه وقتلوا علياً، وقتلوا عدداً من الصحابة، ويرون هذا من الجهاد في سبيل الله. قتلوا عثمان رضي الله عنه اعتقاداً منهم ان هذا يتقرب به الى الله تعالى وقتلوا علياً ويقول قائلهم ان هذا العمل نتقرب به الى الله.. اذن الضلال في مفهوم الجهاد من قديم الزمان وليس جديداً.. والخوارج كما جاء في الحديث يبقون الى خروج الدجال لذلك فهم موجودون في كل عصر.. ففكرهم موجود ومنهجهم موجود لذلك يجب ان يكون المسلم حذراً من هذه التيارات ومن هذه المناهج الفكرية التي تلتقي في اصولها مع فكر هذه الطائفة المبتدعة وهي طائفة الخوارج...
- سعد الشثري: انا احب ان انبه الى امر مهم وهو ان عهد ولي الامر يلزم جميع افراد الأمة الاسلامية حينئذ فالاتفاقيات التي تعقدها الدولة مع دول اخرى، يجب على جميع افراد الامة ممن يتبعون هذه الدولة ان يلتزموا بها ويحرم علي بعض افراد هذه الدولة ان يقوموا بما يخالف هذا العهد والاتفاق. فقد ورد في الاحاديث ان ذمة المسلمين واحدة، حينئذ فان الذي يخفر ذمة ولي الامر يكون قد اقدم على امر محرم.
ولا شك ان الشريعة قد جاءت باحترام العهود والمواثيق.. وقد جاءت النصوص بذلك متواترة قال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} حينئذ يجب على افراد الامة ان يقوموا باحترام الاتفاقيات التي تعقدها الدولة ويحرم عليهم الافتيات بما يخالف ذلك.. ومما اشير اليه في هذا ان هذه الشريعة ايضاً قد جاءت لتنظيم امر الجهاد بوضع الضوابط له، وحينئذ لابد من ادخال هذه الضوابط في مناهج التعليم لئلا تكون العاطفة الدينية عند بعض الناس تجعلهم يقدمون على الاستجابة لبعض الدعوات للجهاد بدون النظر الى الضوابط الشرعية المنظمة لامر الجهاد..
ومن الامور الاخرى المتعلقة بهذا ان بعض من يدعو للجهاد يدخل فيه محاولة ايذاء اعداء الامة وهذا منهج خاطىء لان الايذاء لذات الايذاء ليس مقصوداً من الجهاد، وانما المقصود من الجهاد اعلاء كلمة الله.. فاذا كان ايذاء العدو سينتج عنه خسارة لأهل الاسلام ونقص لحالهم، وتشويه سمعة الاسلام عند المسلمين وعند غير المسلمين فانه حينئذ لا يكون لهذا الامر ما يسوغه شرعاً..
ومن الامور التي قد يستدل بها بعض الناس ما ورد في النصوص الشرعية في فضل الجهاد، ولا شك ان الجهاد له مكانة ومنزلة في شريعة الاسلام ولكن لابد ان يكون بالضوابط الشرعية، اما اذا كان مخالفاً للضوابط الشرعية فانه حينئذ لا يكون مشروعاً.. مع التنبيه الى انه يجب ان يتقدم الجهاد طلب العلم الشرعي.. والنصوص الشرعية جاءت لبيان ان العلم الشرعي وطلبه من افضل الاعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم، وكفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، بل ان الله عز وجل قال: {..الذين أنعم الله عليهم من النبيين ..} هؤلاء في المرتبة الأولى والصديقين الذين هم العلماء هؤلاء في المرتبة الثانية، والشهداء فهؤلاء هم في المرتبة الثالثة، والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً. فحينئذ فعلى شباب الأمة إذا أرادوا ارضاء رب العالمين أن يبذلوا من أنفسهم لتعلم العلوم الشرعية لتكون عاصمة لهم من الدعوات التي تتخذ شعاراً إسلامياً وهي في حقيقتها مخالفة لدين الإسلام.. بعض المضلين يستدل في إباحة دماء المعاهدين بما روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى
لا أدع إلا مسلماً"، ويستدلون بما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب" فهذا الحديث حديث ثابت لا شك فيه ولكن العلماء قد فهموا منه أفهاماً مختلفة فإن منهم من قال إن المراد من هذا الحديث مكة والمدينة كما هو المشهور من مذهب الإمام أبي حنيفة، وبعضهم قالوا إن المراد بهذا الحديث من يقيم إقامة كاملة وليس المراد منه من يأتي لعمل ونحوه ثم يذهب بعد انقضاء عمله.. بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفد إليه بعض غير المسلمين، وكذلك وفدوا إلى أبي بكر وعمر، ومازال غير المسلمين يفدون إلى خلفاء المسلمين في جزيرة العرب برسائل وبكتب ومن المشهور أن الذي قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو أبو لؤلؤة المجوسي وكان مجوسياً، فحينئذ فغير المسلمين كانوا يقيمون في هذه الجزيرة ولكن ليس على جهة دائمة وإنما على جهة مؤقتة لأداء عمل ونحوه وإذا انقضى عملهم فإنهم يرجعون فكذلك من ورد إلى جزيرة العرب على هذا المفهوم وجب على المسلمين حينئذ أن لا ينقضوا عهده وذمته.. فإذا كان فهم هذا الحديث موضع خلاف بين العلماء والحديث محتمل لهذه الآراء والأقوال، فإذا أخذ الإمام بأحد هذه الأقوال فإنه حينئذ يجب احترام
اجتهاده.. لأن من القواعد المقررة أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، هذا شيء مما يتعلق بالجواب عمّا قد يستدلون به في الدعوة إلى قتل المتعاهدين باسم الجهاد.
ومن الأمور التي يجب لفت الأنظار إليها ضرورة الرجوع إلى العلماء لفهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .. وإن من الأمور التي تحزن القلب أن يقوم بعض من ينتسب إلى علم متسرعي بالتقليل من مكانة العلماء، أو القدح في بعضهم أو الادعاء أنهم ليسوا محل ثقة أو أمانة أمام عامة الناس، فهذه دعوات باطلة يجب أن نرد على قائلها.. فإن النصوص الشرعية قد أمرت باحترام العلماء بتقديرهم والأخذ عنهم والرجوع إليهم.. قال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
7(الرياض): إن ممن تم القبض عليهم بعض الشباب المُغرر بهم فما توجيهكم لهؤلاء الشباب؟
- د. سعد الخثلان: ينبغي على الشاب المسلم أن يحرص على طلب العلم الشرعي ويتفقه في دين الله عز وجلّ لأن هذا أمر مهم جداً لأن المسلم لا يمكن أن يعبد الله عز وجل إلا عن طريق العلم، ولا يمكن أن يفهم مقصود الشريعة من الجهاد في سبيل الله وماذا يراد بالجهاد في سبيل الله إلا بالعلم ولا بد أن يكون عند المسلم ورع وخوف من الله عز وجل ألا يقدم على أمر من الأمور إلا بعدما يتبين له أن هذا جائز في دين الله عز وجل.. وأن هذا سائغ في شريعة الله سبحانه.. ونحن نتعجب حينما نرى هذه الجرأة العظيمة على قتل المسلمين وقتل المعاهدين في البلاد الإسلامية، وهذه الجرأة العظيمة تدل على قلة العلم وقلة الخوف من الله عز وجلّ.. كيف يقدم مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر على قتل مسلم.. فهؤلاء قتلوا مسلمين، ثم أيضاً قتلوا معاهدين وحتى لو قلنا أنهم كفار حربيون فإنهم مستأمنون. ولكن يبدو أن هؤلاء الشباب مُغرر بهم ليس عندهم علم وليس عندهم فقه.. وربما وجدوا من يغرر بهم ومن يفتيهم فتاوى مضللة، ولكن لا عذر لمسلم أمام الله عز وجل.. خاصة عندما يكونون لنا في مثل هذه البلاد فالعلماء فيها موجودون وطلاب العلم موجودون، فلا يجوز أن يقدم مسلم على أمر يعبد الله به حتى ي
علم يقيناً بأنه من دين الله عز وجل خاصة فيما يتعلق بالدماء لأنه أول ما يُقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء.. ما حجتك أمام الله عز وجل عندما تقدم على القتل عندما يأتي المقتول لهذا القاتل ويقول يا ربي فيم قتلني.. ولكن عندما تستحوذ الأفكار المنحرفة والمناهج المضللة على عقول هؤلاء الشباب يحصل منهم مثل هذا بل وقد يحصل الأعجب منه والأشنع.. لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفات الخوارج: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.. يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.." ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهم وصفين، وهذان الوصفان ينطبقان على أكثر أهل البدع.. الوصف الأول أنهم لا يفهمون النصوص لهذا قال: يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.. لهم دوي في القرآن كدوي النحل.." قوله لا يجاوز حناجرهم يعني أنهم لا يفهمون ولا يتدبرون ولا يعقلون.. الوصف الثاني استحلال الدماء لهذا قال يقتلون أهل الإسلام.. لذلك من وقع في البدعة يهون عليه استحلال المداء، فيكون منحرفاً وضالاً عن المنهج، وشاذاً عن هذه البلاد وغريباً عنها ولذلك ينبغي للعلماء أن يقفوا لهذه الأفكار المنحرفة وهذه المناهج المضللة بكل حزم، وأن يبينوا للشباب المنهج الصحيح المبني على كتاب
الله عز وجل وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم سلف هذه الأمة.
- د. سعد الشثري: أتوجه إلى الآباء أيضاً بنصيحة أبنائهم لأنها مسؤولية في أعناقهم، يقول الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} إذ لا يعقل أن يتغيب الابن عن أبيه الليلة أو الليلتين أو ثلاث ليالٍ لا يعلم مع من ذهب ولا إلى أين ذهب، هذا يقع في ذمته وفي مسؤوليته وإذا وجد أن ابنه قد تغيب وجب عليه ابلاغ الجهات ذات العلاقة، إذ من الواجب على والده أن يتعرف على من يذهب معه من أصدقائه، ومن يأتي معهم.. كما أوصي المدرسين بملاحظة طلابهم وبتوجيههم إلى العلماء والأخذ من العلماء..
كذلك أوصي وسائل الإعلام بعدم التحقير من مكانة العلماء، وعدم القدح فيهم لأن هذه الأمور مخالفة للشريعة، لهذا لا يجوز لأي وسيلة إعلامية أن تقدح فيهم.. ومن المؤسف أن نجد بعض المنتسبين إلى علم شرعي يقدح في غيره من العلماء مما يزهد الناس في علم أولئك فينتج عن ذلك أن يتخذ الناس رؤوساء جهالاً يفتونهم بغير علم..
ومن الأمور أيضاً التي لا بد أن نلتفت إليها أن نلاحظ من يسكن حولنا، جاءني شخص وقال إن أحد جيراني بدأ يخرج مع أناس يتغيب معهم ليال عديدة، ولا أعلم ما حاله، وسمعته يذكر أمر الجهاد في بعض البلدان فطلبت ذلك الشخص الراغب في الجهاد، وبعد إلحاح جاء إليّ، فلما جاء إليّ ناقشته في هذا الأمر فقال: بفضل الله أنا أريد أن أجاهد حتى أكون من الشهداء، وقد تواترت النصوص بفضل الشهادة وبيان منزلتها، وقلت له: هل تعرف هؤلاء الذين يدعونك لهذا الأمر؟ فقال: هؤلاء أخوة لنا. قلت له: هل تعرف أحوالهم حقيقة؟ قال: لا.. فقلت: ما يدريك عنهم قد يكون لهم مناهج مخالفة لشريعة الإسلام أو على بدع أو على أمور مغايرة لما يدعونه أو مناقضة لما يظهرونه لك.
ثم ذكرت له أن النصوص الشرعية الواردة في فضل العلم تبين أن العلماء أعظم مكانة من الشهداء.. ولا شك أن حاجة الأمة إلى العلماء أعظم من حاجتهم إلى الشهداء.. وإذا أردت أن تخدم نفسك حقيقة .. وإذا أردت أن تخدم أمتك والعالم أجمع فعليك بطلب العلم.. فإن حاجة الناس إلى العلم أعظم ما تكون في مثل هذه الأيام.. وبفضل الله عز وجل كان ذلك سبباً في اقتناعه وفي ابتعاده عن أصحاب هذه الدعوة.
ومن الأمور التي أود أن ألفت الذهن إليها أن بعض وسائل الإعلام تلتقي مع ذوي من حصل منهم التفجير ويثنون عليهم ببعض سلوكهم كونهم قد حصلوا على درجات عالية وكانوا على أخلاق جيدة، وهذا يجعل الناس يقدّرونهم ويظنون أن الفكر الذي معهم ليس فكراً باطلاً دخيلاً، وهذا ينبغي التحذير منه لأنه ليس المراد السلوك الظاهر للناس بل المراد الفكر الذي يحمله ذلك الشخص ويجعله يعتدي على الآخرين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن الخوارج: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم" فهؤلاء الخوارج كانوا أصحاب عبادة وأصحاب سلوك، صلاة وقراءة قرآن ومع ذلك كان لهم فكر منحل وعقيدة فاسدة جعلتهم يعتدون على أرواح الآخرين ويستحلون أموالهم لهذا لا بد من فضح هذا الفكر، وعدم الثناء على أصحابه وترك ذكر ما يكون لهم من عبادات لأن لديهم فكراً سيئاً نحن في أمس الحاجة لمحاربة هذا الفكر السيء.
- د. سعد الخثلان: أقول لهؤلاء المغرر بهم اتقوا الله عز وجل يا شباب المسلمين، فإن من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر كأوزار من تبعه.. وهذا المذهب الذي يسير عليه هؤلاء هو مذهب مخالف للنصوص الشرعية ولما كان عليه سلف هذه الأمة.. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فرقت اليهود على (71) فرقة، وفرقت النصارى على (72) فرقة، وستفترق هذه الأمة على (73) فرقة كلها في النار إلا واحدة قال من هي يا رسول الله، قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي.. فهذه هي الفرقة الناجية من كان ما عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه.
- د. سعد الشثري: أريد من أصحاب هذا الفكر السيء أن يفكروا في عواقب دعوتهم، فإنها ستؤدي إلى تقويض الأمة الإسلامية وتمكن أعدائها منها بإيجاد المبررات والأسباب التي تدعو إلى جعل أعداء هذه الأمة يتسلطون عليها، وحينئذ لا بد من الحذر من هذه الدعوات المخالفة لدين الإسلام والمؤدية إلى العواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة
والسلام عليكم
يحاول بعض أصحاب الأفكار المنحرفة استغلال بعض الشعارات الإسلامية لترويج فكره وهدفه، فقد كان قتال الكفار والمستأمنين عندهم جهاداً فاستغل اسم الجهاد الذي يتقرر في النفوس مكانته وفضله، فسمو بعض الأعمال المخالفة للشريعة باسم الجهاد مما جعل بعضهم ممن غرر به يقبل على دعواتهم دون تفكيراً، "الرياض" قامت في هذه الصفحة بطرح ندوة عن هذا الموضوع اشترك فيها الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري أستاذ أصول الفقه والشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان الأستاذ المساعد بقسم أصول الفقه وكلاهما في كلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فإلى المحاور:
7في البدء كيف يمكننا فهم الجهاد وهل سفك الدماء وقتل الكفار والمستأمنين في بلاد الإسلام جهاد كما يزعم أصحاب الأفكار المنحرفة؟
- د. الخثلان: لا شك أن الجهاد له منزلة عالية فهو ذروة سنام الإسلام، وهو باق إلى قيام الساعة، وينقسم إلى عدة أقسام: فهناك جهاد النفس وجهاد الشيطان، وجهاد المنافقين، وجهاد الفساق من المسلمين، وجهاد الكفار، فهذه خمسة أقسام للجهاد ذكرها الإمام ابن القيم وغيره.
أما جهاد النفس فكيون بمجاهدة النفس على طاعة الله عز وجل، ويكون بتعلم العلم وتعليمه للناس والصبر على ذلك.
وجهاد الشيطان يكون بدفع ما يلقي الشيطان في قلب العبد من فتن من الشبهات ومن الشهوات، وجهاد المنافقين يكون بالحجة والبيان، وهو من أعظم أنواع الجهاد كما يقول الإمام ابن القيم، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، ويكون بالحجة والبيان.
أما جهاد الفساق من المسلمين فيكون بانكار المنكر حسب الاستطلاعة، فمن استطاع بيده وإلا فبلسانه أو بقلبه، والنوع الخامس هو جهاد الكفار وهو المراد بلفظ الجهاد عند الاطلاق أي قتال الكفار، ولكن قتال الكفار انما هو فرع من جهاد النفس كما قرر ذلك الإمام ابن القيم، وذلك لأن العبد ما لم يجاهد نفسه على إخلاص النية لله عز وجل فإن هذا الجهاد لا يكون في سبيل الله عز وجل ولا يؤجر عليه المسلم، بل يؤزر عليه يوم القيامة أي يكون وبالاً عليه كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة وذكر رجلاً منهم قاتل من أجل أن يقال هو الجريء، فهو قتال للكفار ولكن مع ذلك كان من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وذلك لأنه لم يجاهد نفسه على إخلاص النية لله عز وجل، ودل ذلك على أن جهاد الكفار فرع عن جهاد النفس.
الجهاد في الإسلام ينقسم إلى قسمين جهاد طلب، وجهاد دفع.
أما جهاد الدفع فيكون عندما يعتدي الكفار على بلاد المسلمين، فواجب على المسلمين في ذلك البلد أن يدفعوا هؤلاء الكفار.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان ممنوعاً من قتال الكفار في مكة، ولم يؤمر بقتال الكفار والجهاد إلا بعد أن هاجر إلى المدينة وتكونت الدولة الإسلامية، وأصبح عنده قوة ومنعة حينئذ أمر بالجهاد، إلا أنه حينما كان في مكة وكان المسلمون في حالة ضعف كان ممنوعاً من الجهاد بجهاد الطلب وهم في حالة ضعف.. ففي الوقت الحاضر الأمة الإسلامية لم تصل بعد إلى مرحلة جهاد الطلب.. وفي هذه الحالة يبقى جهاد الدفع ولكن ليس معنى ذلك الغاء جهاد الطلب كما يقول بذلك بعض المثقفين المسلمين فجهاد الطلب باق، ولكن عند قوة المسلمين، أما عند ضعف المسلمين فإن الأدلة الشرعية وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على أن جهاد الطلب لا يكون في حالة ضعف المسلمين، وذلك لما يترتب عليه من أضرار كبيرة بالإسلام والمسلمين وبالدعوة الإسلامية، فهذا مفهوم الجهاد في الإسلام.
الأمة الإسلامية لا تخلو من أحوال ثلاث، الحالة الأولى حالة القوة فهنا هي مأمورة بالجهاد دفعاً وبدءاً أي جهاد دفع وجهاد طلب.. الحالة الثانية: حالة الضعف الشديد فحينئذ هي مأمورة بترك الجهاد والصبر كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفترة المكية. الحالة الثالثة هي حالة وسطى بين الحالتين وحينئذ هي مأمورة بجهاد الدفع عند اعتداء الكفار عليها وأما جهاد الطلب فإنه حينئذ لا يكون بجهاد الطلب وانما يكون بجهاد الدفع فقط في الحالة الوسطى.. وسمعت شيخنا العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - يقول: الأقرب - والله أعلم - أن حال المسلمين في هذا العصر أقرب إلى الحالة الوسطى، فتكون مأمورة بجهاد الدفع دون جهاد الطلب، ونرجو الله عز وجل أن يكون للأمة الإسلامية في المستقبل قوة ومتعة بحيث تتغلب على أعدائها، ويكون لها إن شاء الله النصر والتمكين.
- د. سعد الشثري: من الأحاديث النبوية الواردة في الجهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، ويقاتل ليقال جريء.. ويقاتل حمية أي ذلك في سبيل الله فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. متفق عليه.
ولا شك أن الجهاد قد تواترت النصوص في بيان فضله وعلو منزلته، وهناك عدد من الأسباب التي تدعو إلى الجهاد فأولها: حالة الاعتداء على بلاد الإسلام، كما قال الله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين}، وذلك أن العدو إذا انتهك حرمات المسلمين في أموالهم وأعراضهم أو دمائهم فإنه يشرع حينئذ مدافعة ذلك العدو لصيانة هذه الحرمات، وكذلك من أسباب الجهاد في دين الإسلام هو رفع السلطة الظالمة الكافرة التي تصد الناس عن اتباع الحق والسير على نهج الإسلام كما قال جل وعلا: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً}.
فحينئذ يجب حال وقوع واحد من هذين السببين ان يهب أهل الإسلام إلى هذا الأمر المشروع، لكن مع مراعاة الضوابط الشرعية التي جاءت النصوص بجعلها شروطاً في الجهاد.. ومن هذه الشروط:
أولاً: أن تكون النية خالصة لوجه الله تعالى لأن الجهاد عبادة من العبادات فلا بد أن تكون مسبوقة بنية التقرب لله عز وجل والحصول على الأجر الاخروي كما ورد في حديث أبي موسى الصحيح "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليقال جريء أي ذلك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
ومن ضوابط الجهاد في دين الإسلام أن يكون بإذن الإمام، فلا يجوز لأحاد الناس الافتيات على الإمام بأن يجاهدوا بدون إذن، وذلك أن الله عز وجل قال: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإمام جنة يتقي به ويقاتل من خلفه" فإذا لم يكن للمسلمين إمام يدعوهم للجهاد فإنه حينئذ لا يشرع الجهاد لأنه إذا لم تكن هناك راية مرفوعة وإمام يدعو الله، يكون أعمال الناس حينئذ على خلاف ما يطلب عقلاً وشرعاً ولا يتحقق به شيء من المصالح، فلا بد أن يعلم انه إذا كان الناس ضمن ولاية حرم على الواحد من أفراد هذه الولاية أن يخرج للجهاد إلا باستئذان أصحاب هذه الولاية، لأنهم يكونون حينئذ قد خالفوا النصوص الشرعية السابقة، ويكونون حينئذ قد افتاتوا على الإمام وتصرفوا بدون استئذانه فيما يجب عليهم استئذانه فيه ومن ضوابط الجهاد في دين الإسلام مراعاة مصلحة دين الإسلام، فإذا كان الاقدام على الجهاد سيؤدي إلى نتائج عسكية وسيجعل أعداء هذا الدين يتمكنون منه، ويقومون بصد الناس عنه فإنه حينئذ يحرم على أهل الإسلام أن يقوموا بهذه الشعيرة لأنها لا تؤدي المقصود منها بحسب ما يتر
آى لمن يكون مخولاً له النظر في هذا الأمر.
والشريعة كما تأمر بالجهاد فإنها تأمر أيضاً بملاحظة جانب المصالح والمفاسد، ومن ضوابط الجهاد في دين الإسلام ألا يؤدي إلى سفك الدماء المعصومة، أو أخذ الأموال المحرمة أو اتلافها بغير وجه شرعي، فإن النصوص الشرعية قد تواترت بتحريم سفك الدم وبتحريم اتلاف أموال الآخرين، قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، وقال جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ومن النفوس المعصومة نفوس أهل الإسلام، لأن الشريعة تحرم على المسلمين أن يقتل بعضهم بعضاً.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً بضرب بعضكم رقاب بعض" وكذلك عصمت الشريعة دماء أهل الذمة ممن يدخلون في الولاية الاسلامية ويكونون ضمن نطاق الدولة المسلمة دخلوا بعهد صحيح وامان صحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا.." كما رواه الامام البخاري من حديث ابن عمر..
ومن ضوابط الجهاد التي لابد ان تسبقه الاستعداد له بايجاد القوة المناسبة للجهاد والاستعداد له بتعلم العلوم الشرعية ومنها تعلم احكام الجهاد وضوابطه وان الانسان اذا اقدم على الجهاد وهو لا يعلم احكام الجهاد فانه حينئذ يكون مقدماً على امر لا يعلم احكام الشريعة فيه وبالتالي يؤدي ذلك الى ان يكون ممن يخبط بلا استناد الى حكم شرعي صحيح.
وليعلم ان احكام الشريعة انما تؤخذ من العلماء الموثوقين الذين يشهد لهم بالامانة وبالعلم والورع ولا تؤخذ ممن يجهل حالهم ولا تؤخذ ممن لم يعرفوا الا بسبب انهم قد تكلموا في دولة ما، فان العلماء تسبر احوالهم وتعرف من خلال معرفة ما قدموه للامة الاسلامية من علم نافع عبر سنين كثيرة، قال تعالى {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فلابد ان يكون من يرجع اليهم ممن لديهم القدرة على الفهم والاستنباط من النصوص الشرعية كتاباً وسنة، أما كون الشخص قد اشتهر بكونه يخالف دولة ما، ولا يعرف بعلم شرعي صحيح مؤصل فحينئذ لا يلتفت لهذا القائل، ولا يلتفت الى ما يصدره بوجوب الانخراط في سلك بعض الجماعات المخالفة للمنهج الصحيح.. هذا شيء مما يتعلق بضوابط الجهاد الاسلامي..
7"الرياض": في الآونة الاخيرة بدأ البعض يطالب بمجاهدة جميع الكفار مطلقاً ويطرح الجهاد في كل مجلس من المجالس او في المحاضرات للشباب فما هو الموقف الشرعي من هذه المطالبة وهذا الطرح؟
- د. سعد الخثلان: بعض الناس يقولون ان الكفار الموجودين في بلاد المسلمين كفار حربيون، فاذا كانوا كفاراً حربيين فينبغي جهادهم وذلك بقتلهم ولكن ينبغي ان نعرف احوال الكفار الذين يكونون في بلاد المسلمين فالكفار لهم اربعة احوال:
الحالة الاولى: الكافر الذمي.. وهو الذي يعيش في بلاد المسلمين، ويوفر له الامان والحماية نظير دفعه للجزية لولي الامر وهذا لا وجود له في الوقت الحاضر.. اي لا يوجد كفار يدفعون الجزية للمسلمين..
الحالة الثانية: الكافر المعاهد.. وهو الذي يدخل بلاد المسلمين بموجب عهد، وهذه هي حال معظم الكفار الذين يوجدون في البلاد الاسلامية، وهؤلاء - كما تفضل الدكتور سعد - لا يجوز التعرض لهم فدماؤهم واموالهم معصومة، للحديث الذي رواه البخاري فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قتل معاهداً بغير حق لم يرح رائحة الجنة" فهذا يدل على ان قتل المعاهد من كبائر الذنوب.. كيف يدخل هذا الكافر الى بلاد المسلمين بموجب عهد وذمة وأمان ثم يغدر به ويقتل، فهذه الفعلة لا تأتي بها شريعة الاسلام. لذلك فان دم هذا المعاهد معصوم، لا يجوز التعرض له ولا يجوز قتله ولا أخذ شيء من ماله بل دمه معصوم وماله معصوم.
الحالة الثالثة: الكافر المستأمن، وهو الكافر الذي يدخل بلاد المسلمين بموجب امان، اما من ولي الامر، او حتى من افراد المسلمين، قال بعض الفقهاء: ولو كانت امرأة، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "قد اجرنا من اجرت يا ام هاني" حتى ولو كان هذا الكافر حربياً ولكننا امناه ودخل بلاد المسلمين بموجب امان فإن دمه معصوم وان ماله كذلك معصوم ولا يجوز التعرض له.
فهذا يبين لنا عناية الشريعة الاسلامية بالعهود والمواثيق، وانها محل العناية، والاحترام والتعظيم في دين الله عز وجل فما دام هذا الكافر دخل بموجب امان وبموجب عهد فانه لا يجوز التعرض له، ولا قتله ولا اخذ شيء من ماله، وان فعل ذلك يعتبر من كبائر الذنوب..
الحالة الرابعة: الكافر الحربي، وهو الذي ليس بينه وبين المسلمين اي عهد، او اي ميثاق فهذا اولاً: لابد من تبليغه الدعوة، بان ندعوه الى دين الاسلام، ولا نبدأ في القتال قبل تبليغه الدعوة، فاذا بلغته الدعوة نطلب منه إما دفع الجزية، واما اعتناق دين الاسلام.. وذلك ان قتل الكافر ليس مقصوداً لذاته، وانما المقصود من الجهاد في سبيل الله هو اعلاء كلمة الله.. {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} لذلك فإن المسلم اذا اراد ان يقتل كافراً حربياً ورفع السيف عليه وقال الكافر "لا إله إلا الله" لا يجوز لك قتله، لان المقصود ان يسلم هذا الكافر.
وحينما قتل اسامة بن زيد رضي الله عنه رجلاً من الكفار لحقه حتى لاذ بشجرة فلما رفع عليه السيف قال الكافر "لا إله إلا الله" فقتله اسامة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلته بعد ان قال "لا إله إلا الله" قال اسامة: يارسول الله انما قالها متعوذاً وانما قالها خوفاً من السلاح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلته بعد ان قال لا إله إلا الله" فكيف بلا إله إلا الله اذا جاء يحاجك بها عند الله عز وجل، فقال اسامة: فتمنيت اني لم اكن اسلمت إلا يومئذ..
وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم هلا شققت عن قلبه حتى تعلم هل قالها كذلك ام لا، قال اسامة مازال يكررها علي.. اذن الكافر الحربي هو الذي يجاهد ولكن بعد ان تبلغه الدعوة.. فان اسلم او دفع الجزية لم يجز قتله..
فاذا نظرنا الى الكفار الذين يوجدون في بلاد المسلمين هم من الكفار المعاهدين لانهم يدخلون بموجب عهود ومواثيق من قبل ولي الامر..
اقول ان الكفار الموجودين في بلاد المسلمين اما ان يكونوا كفاراً معاهدين، وهذا هو الظاهر، وتكون دماؤهم معصومة.. وإما ان يكونوا كفاراً حربيين فتكون دماؤهم معصومة بموجب الامان الذي عقد لهم، ويعتبرون مستأمنين والمستأمن دمه معصوم، وماله معصوم ولا يجوز التعرض له ولا قتله.. بل ظاهر الادلة ان قتله من كبائر الذنوب. اما قتال الكفار الموجودين في بلاد المسلمين واعتبار ذلك جهاداً فلا شك ان هذا مفهوم خاطىء للجهاد في سبيل الله عز وجل.
وهذا الفهم الخاطىء موجود من قديم الزمان.. فهناك طوائف ضلت في مفهوم الجهاد في سبيل الله، حتى في زمن الصحابة رضي الله عنهم ظهر الخوارج الذين سفكوا دماء المسلمين واستحلوا ارواحهم واعتبروا هذا العمل جهاداً في سبيل الله.. وهم الذين قتلوا سيدنا عثمان رضي الله عنه وقتلوا علياً، وقتلوا عدداً من الصحابة، ويرون هذا من الجهاد في سبيل الله. قتلوا عثمان رضي الله عنه اعتقاداً منهم ان هذا يتقرب به الى الله تعالى وقتلوا علياً ويقول قائلهم ان هذا العمل نتقرب به الى الله.. اذن الضلال في مفهوم الجهاد من قديم الزمان وليس جديداً.. والخوارج كما جاء في الحديث يبقون الى خروج الدجال لذلك فهم موجودون في كل عصر.. ففكرهم موجود ومنهجهم موجود لذلك يجب ان يكون المسلم حذراً من هذه التيارات ومن هذه المناهج الفكرية التي تلتقي في اصولها مع فكر هذه الطائفة المبتدعة وهي طائفة الخوارج...
- سعد الشثري: انا احب ان انبه الى امر مهم وهو ان عهد ولي الامر يلزم جميع افراد الأمة الاسلامية حينئذ فالاتفاقيات التي تعقدها الدولة مع دول اخرى، يجب على جميع افراد الامة ممن يتبعون هذه الدولة ان يلتزموا بها ويحرم علي بعض افراد هذه الدولة ان يقوموا بما يخالف هذا العهد والاتفاق. فقد ورد في الاحاديث ان ذمة المسلمين واحدة، حينئذ فان الذي يخفر ذمة ولي الامر يكون قد اقدم على امر محرم.
ولا شك ان الشريعة قد جاءت باحترام العهود والمواثيق.. وقد جاءت النصوص بذلك متواترة قال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} حينئذ يجب على افراد الامة ان يقوموا باحترام الاتفاقيات التي تعقدها الدولة ويحرم عليهم الافتيات بما يخالف ذلك.. ومما اشير اليه في هذا ان هذه الشريعة ايضاً قد جاءت لتنظيم امر الجهاد بوضع الضوابط له، وحينئذ لابد من ادخال هذه الضوابط في مناهج التعليم لئلا تكون العاطفة الدينية عند بعض الناس تجعلهم يقدمون على الاستجابة لبعض الدعوات للجهاد بدون النظر الى الضوابط الشرعية المنظمة لامر الجهاد..
ومن الامور الاخرى المتعلقة بهذا ان بعض من يدعو للجهاد يدخل فيه محاولة ايذاء اعداء الامة وهذا منهج خاطىء لان الايذاء لذات الايذاء ليس مقصوداً من الجهاد، وانما المقصود من الجهاد اعلاء كلمة الله.. فاذا كان ايذاء العدو سينتج عنه خسارة لأهل الاسلام ونقص لحالهم، وتشويه سمعة الاسلام عند المسلمين وعند غير المسلمين فانه حينئذ لا يكون لهذا الامر ما يسوغه شرعاً..
ومن الامور التي قد يستدل بها بعض الناس ما ورد في النصوص الشرعية في فضل الجهاد، ولا شك ان الجهاد له مكانة ومنزلة في شريعة الاسلام ولكن لابد ان يكون بالضوابط الشرعية، اما اذا كان مخالفاً للضوابط الشرعية فانه حينئذ لا يكون مشروعاً.. مع التنبيه الى انه يجب ان يتقدم الجهاد طلب العلم الشرعي.. والنصوص الشرعية جاءت لبيان ان العلم الشرعي وطلبه من افضل الاعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم، وكفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، بل ان الله عز وجل قال: {..الذين أنعم الله عليهم من النبيين ..} هؤلاء في المرتبة الأولى والصديقين الذين هم العلماء هؤلاء في المرتبة الثانية، والشهداء فهؤلاء هم في المرتبة الثالثة، والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً. فحينئذ فعلى شباب الأمة إذا أرادوا ارضاء رب العالمين أن يبذلوا من أنفسهم لتعلم العلوم الشرعية لتكون عاصمة لهم من الدعوات التي تتخذ شعاراً إسلامياً وهي في حقيقتها مخالفة لدين الإسلام.. بعض المضلين يستدل في إباحة دماء المعاهدين بما روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى
لا أدع إلا مسلماً"، ويستدلون بما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب" فهذا الحديث حديث ثابت لا شك فيه ولكن العلماء قد فهموا منه أفهاماً مختلفة فإن منهم من قال إن المراد من هذا الحديث مكة والمدينة كما هو المشهور من مذهب الإمام أبي حنيفة، وبعضهم قالوا إن المراد بهذا الحديث من يقيم إقامة كاملة وليس المراد منه من يأتي لعمل ونحوه ثم يذهب بعد انقضاء عمله.. بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفد إليه بعض غير المسلمين، وكذلك وفدوا إلى أبي بكر وعمر، ومازال غير المسلمين يفدون إلى خلفاء المسلمين في جزيرة العرب برسائل وبكتب ومن المشهور أن الذي قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو أبو لؤلؤة المجوسي وكان مجوسياً، فحينئذ فغير المسلمين كانوا يقيمون في هذه الجزيرة ولكن ليس على جهة دائمة وإنما على جهة مؤقتة لأداء عمل ونحوه وإذا انقضى عملهم فإنهم يرجعون فكذلك من ورد إلى جزيرة العرب على هذا المفهوم وجب على المسلمين حينئذ أن لا ينقضوا عهده وذمته.. فإذا كان فهم هذا الحديث موضع خلاف بين العلماء والحديث محتمل لهذه الآراء والأقوال، فإذا أخذ الإمام بأحد هذه الأقوال فإنه حينئذ يجب احترام
اجتهاده.. لأن من القواعد المقررة أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، هذا شيء مما يتعلق بالجواب عمّا قد يستدلون به في الدعوة إلى قتل المتعاهدين باسم الجهاد.
ومن الأمور التي يجب لفت الأنظار إليها ضرورة الرجوع إلى العلماء لفهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .. وإن من الأمور التي تحزن القلب أن يقوم بعض من ينتسب إلى علم متسرعي بالتقليل من مكانة العلماء، أو القدح في بعضهم أو الادعاء أنهم ليسوا محل ثقة أو أمانة أمام عامة الناس، فهذه دعوات باطلة يجب أن نرد على قائلها.. فإن النصوص الشرعية قد أمرت باحترام العلماء بتقديرهم والأخذ عنهم والرجوع إليهم.. قال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
7(الرياض): إن ممن تم القبض عليهم بعض الشباب المُغرر بهم فما توجيهكم لهؤلاء الشباب؟
- د. سعد الخثلان: ينبغي على الشاب المسلم أن يحرص على طلب العلم الشرعي ويتفقه في دين الله عز وجلّ لأن هذا أمر مهم جداً لأن المسلم لا يمكن أن يعبد الله عز وجل إلا عن طريق العلم، ولا يمكن أن يفهم مقصود الشريعة من الجهاد في سبيل الله وماذا يراد بالجهاد في سبيل الله إلا بالعلم ولا بد أن يكون عند المسلم ورع وخوف من الله عز وجل ألا يقدم على أمر من الأمور إلا بعدما يتبين له أن هذا جائز في دين الله عز وجل.. وأن هذا سائغ في شريعة الله سبحانه.. ونحن نتعجب حينما نرى هذه الجرأة العظيمة على قتل المسلمين وقتل المعاهدين في البلاد الإسلامية، وهذه الجرأة العظيمة تدل على قلة العلم وقلة الخوف من الله عز وجلّ.. كيف يقدم مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر على قتل مسلم.. فهؤلاء قتلوا مسلمين، ثم أيضاً قتلوا معاهدين وحتى لو قلنا أنهم كفار حربيون فإنهم مستأمنون. ولكن يبدو أن هؤلاء الشباب مُغرر بهم ليس عندهم علم وليس عندهم فقه.. وربما وجدوا من يغرر بهم ومن يفتيهم فتاوى مضللة، ولكن لا عذر لمسلم أمام الله عز وجل.. خاصة عندما يكونون لنا في مثل هذه البلاد فالعلماء فيها موجودون وطلاب العلم موجودون، فلا يجوز أن يقدم مسلم على أمر يعبد الله به حتى ي
علم يقيناً بأنه من دين الله عز وجل خاصة فيما يتعلق بالدماء لأنه أول ما يُقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء.. ما حجتك أمام الله عز وجل عندما تقدم على القتل عندما يأتي المقتول لهذا القاتل ويقول يا ربي فيم قتلني.. ولكن عندما تستحوذ الأفكار المنحرفة والمناهج المضللة على عقول هؤلاء الشباب يحصل منهم مثل هذا بل وقد يحصل الأعجب منه والأشنع.. لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفات الخوارج: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.. يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.." ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهم وصفين، وهذان الوصفان ينطبقان على أكثر أهل البدع.. الوصف الأول أنهم لا يفهمون النصوص لهذا قال: يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.. لهم دوي في القرآن كدوي النحل.." قوله لا يجاوز حناجرهم يعني أنهم لا يفهمون ولا يتدبرون ولا يعقلون.. الوصف الثاني استحلال الدماء لهذا قال يقتلون أهل الإسلام.. لذلك من وقع في البدعة يهون عليه استحلال المداء، فيكون منحرفاً وضالاً عن المنهج، وشاذاً عن هذه البلاد وغريباً عنها ولذلك ينبغي للعلماء أن يقفوا لهذه الأفكار المنحرفة وهذه المناهج المضللة بكل حزم، وأن يبينوا للشباب المنهج الصحيح المبني على كتاب
الله عز وجل وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم سلف هذه الأمة.
- د. سعد الشثري: أتوجه إلى الآباء أيضاً بنصيحة أبنائهم لأنها مسؤولية في أعناقهم، يقول الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} إذ لا يعقل أن يتغيب الابن عن أبيه الليلة أو الليلتين أو ثلاث ليالٍ لا يعلم مع من ذهب ولا إلى أين ذهب، هذا يقع في ذمته وفي مسؤوليته وإذا وجد أن ابنه قد تغيب وجب عليه ابلاغ الجهات ذات العلاقة، إذ من الواجب على والده أن يتعرف على من يذهب معه من أصدقائه، ومن يأتي معهم.. كما أوصي المدرسين بملاحظة طلابهم وبتوجيههم إلى العلماء والأخذ من العلماء..
كذلك أوصي وسائل الإعلام بعدم التحقير من مكانة العلماء، وعدم القدح فيهم لأن هذه الأمور مخالفة للشريعة، لهذا لا يجوز لأي وسيلة إعلامية أن تقدح فيهم.. ومن المؤسف أن نجد بعض المنتسبين إلى علم شرعي يقدح في غيره من العلماء مما يزهد الناس في علم أولئك فينتج عن ذلك أن يتخذ الناس رؤوساء جهالاً يفتونهم بغير علم..
ومن الأمور أيضاً التي لا بد أن نلتفت إليها أن نلاحظ من يسكن حولنا، جاءني شخص وقال إن أحد جيراني بدأ يخرج مع أناس يتغيب معهم ليال عديدة، ولا أعلم ما حاله، وسمعته يذكر أمر الجهاد في بعض البلدان فطلبت ذلك الشخص الراغب في الجهاد، وبعد إلحاح جاء إليّ، فلما جاء إليّ ناقشته في هذا الأمر فقال: بفضل الله أنا أريد أن أجاهد حتى أكون من الشهداء، وقد تواترت النصوص بفضل الشهادة وبيان منزلتها، وقلت له: هل تعرف هؤلاء الذين يدعونك لهذا الأمر؟ فقال: هؤلاء أخوة لنا. قلت له: هل تعرف أحوالهم حقيقة؟ قال: لا.. فقلت: ما يدريك عنهم قد يكون لهم مناهج مخالفة لشريعة الإسلام أو على بدع أو على أمور مغايرة لما يدعونه أو مناقضة لما يظهرونه لك.
ثم ذكرت له أن النصوص الشرعية الواردة في فضل العلم تبين أن العلماء أعظم مكانة من الشهداء.. ولا شك أن حاجة الأمة إلى العلماء أعظم من حاجتهم إلى الشهداء.. وإذا أردت أن تخدم نفسك حقيقة .. وإذا أردت أن تخدم أمتك والعالم أجمع فعليك بطلب العلم.. فإن حاجة الناس إلى العلم أعظم ما تكون في مثل هذه الأيام.. وبفضل الله عز وجل كان ذلك سبباً في اقتناعه وفي ابتعاده عن أصحاب هذه الدعوة.
ومن الأمور التي أود أن ألفت الذهن إليها أن بعض وسائل الإعلام تلتقي مع ذوي من حصل منهم التفجير ويثنون عليهم ببعض سلوكهم كونهم قد حصلوا على درجات عالية وكانوا على أخلاق جيدة، وهذا يجعل الناس يقدّرونهم ويظنون أن الفكر الذي معهم ليس فكراً باطلاً دخيلاً، وهذا ينبغي التحذير منه لأنه ليس المراد السلوك الظاهر للناس بل المراد الفكر الذي يحمله ذلك الشخص ويجعله يعتدي على الآخرين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن الخوارج: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم" فهؤلاء الخوارج كانوا أصحاب عبادة وأصحاب سلوك، صلاة وقراءة قرآن ومع ذلك كان لهم فكر منحل وعقيدة فاسدة جعلتهم يعتدون على أرواح الآخرين ويستحلون أموالهم لهذا لا بد من فضح هذا الفكر، وعدم الثناء على أصحابه وترك ذكر ما يكون لهم من عبادات لأن لديهم فكراً سيئاً نحن في أمس الحاجة لمحاربة هذا الفكر السيء.
- د. سعد الخثلان: أقول لهؤلاء المغرر بهم اتقوا الله عز وجل يا شباب المسلمين، فإن من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر كأوزار من تبعه.. وهذا المذهب الذي يسير عليه هؤلاء هو مذهب مخالف للنصوص الشرعية ولما كان عليه سلف هذه الأمة.. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فرقت اليهود على (71) فرقة، وفرقت النصارى على (72) فرقة، وستفترق هذه الأمة على (73) فرقة كلها في النار إلا واحدة قال من هي يا رسول الله، قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي.. فهذه هي الفرقة الناجية من كان ما عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه.
- د. سعد الشثري: أريد من أصحاب هذا الفكر السيء أن يفكروا في عواقب دعوتهم، فإنها ستؤدي إلى تقويض الأمة الإسلامية وتمكن أعدائها منها بإيجاد المبررات والأسباب التي تدعو إلى جعل أعداء هذه الأمة يتسلطون عليها، وحينئذ لا بد من الحذر من هذه الدعوات المخالفة لدين الإسلام والمؤدية إلى العواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة
والسلام عليكم