القعقاع100
18-11-2003, 08:06 PM
وحدة دار الاسلام
إن وحدة دار الاسلام -بيت الإسلام- ضرورة ملحة وواجب شرعي وأمل عزيز على الأمة. فيا من يقرأ قول الله جل وعلا :" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" (الأنبياء، 92)، " وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" (المؤمنون، 52)، خطابا وجه للأنبياء عليهم السلام، ويقرأ قوله عز من قائل يخصص بالخطاب هذه الأمة المرحومة : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله." (آل عمران، 110) يا من يقرأ القرآن بعقل يعقل عن الله لابذهنية تقلد، بقلب يخشى الله ولا يخشى الناس، كيف تفرق بين شطري الأمة سنة وشيعة طائفة ممن لايعقلون وأنت ساكت؟ كيف ترى نباشي الخلافيات سفلة القراء يعيثون فسادا وتلزم الحياد؟
ماذا تريد يا أخي من دنياك لآخرتك؟ وهل تريد من هذه لتلك شيئا حقا وتحقيقا أم ألهاك الجدل ومفاخر الظهور والإبانة في الخصام عن آخرتك؟ كيف تلقى الله العزيز الجبار وقلبك هنا في الدنيا لم ينفطر ألما على أمة القرآن مافعل بها الطغيان والكفران والفرقة والهجران؟ كيف تنتسب إلى أمة محمد (وأنت ما خلفت محمدا) في أمته إلا بإشعال النيران؟
إن تبذير جهود الأمة عملية تجند لها الطغاة من قديم، وهم اليوم لهذه العملية الشيطانية أكثر تجندا. إن نقض عرى الإسلام استمر منذ قرون طويلة حتى وصلنا الى عصر أضاع أهله الصلاة واتبعوا الشهوات. وإن تقدير أي مومن يخلص لله ويعبد الله ويتقيه لايتسع لإسبال رداء الصون والمعذرة على أفعال طغاة لم يكتفوا بقيادة الأمة بغير القرآن، ولا تهيبوا من اللعب بالصلاة على شاشات التلفزيون، بل تولوا الذين كفروا.
والله عز وجل يقول: " ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لايهدي القوم الظالمين." (المائدة، 51).
فكل وقت يضيع لا نشتغل فيه بجمع جند الله في كل قطر وفي كل بلد مضيعة جلى للأمة. وكل دعاية للتفرقة المذهبية والخلافات على ذكاة الحلزون تنافس انتحاري. وكل جهد يمكن أن يخدم الدعوة نبذره ولا نستصلحه مأساة.
لن تكون أقطارنا الموزعة قددا إلا رمادا تذروه الرياح إن أضفنا الى جهود الهيمنة الاستراتيجية العالمية التي تضيق علينا الخناق جهودنا نحن لننسف كياننا من أسفل. نكون أقدر على المقاومة كي لاتتلفنا الأحداث وتعدمنا إن لذنا بالعروة الوثقى الخالدة الباقية كتاب الله تعالى. حول القرآن يجب أن نلتف. وبالصبر والزمن تأتي الوحدة إن شاء الله، لا تأتي بأمر يصدر إليها. يصدر إليها من أين؟ من يريدها ؟ لم يريدها؟ من يخافها ؟ ولم؟ من يكرهها ويكيد لها؟ ولم؟
من يقود دويلات التجزئة؟ من يمولهم ويسلحهم؟ ما بال الأهوال الجسام تقرب شعوب الأرض لتتعاون، وتباعد بين المسلمين الحاصلين في قبضة الحكم المستبد الأناني، وقبضة الدعاة المفرقة المخربة، وقبضة الأمية السياسية، والأمية التاريخية، والأمية الأمية؟
فقه هذه الأسئلة، فقه وضعها وبحثها والتنقيب عن أصولها والإجابة عنها، كفيل أن يرفعنا من حيث يجثو الجاثون عند أقدام الهيمنة الجاهلية والأموال اليهودية إلى حيث العزة بالله وبرسوله وبدينه، يتيه بها في غد الإسلام شكرا لله لا استكبارا في الأرض ألف مليون مسلم ومسلمة هم اليوم محض غثاء.
حمولتنا الثقيلة من الخلافات والترسبات العاطفية والفكرية، ومن العادات والحسابات الفردية الأنانية التي مردها أول شيء إلى هواجس الخوف من ظل السيف وقهر السلطان تشل إرادتنا وتردع نوازع الإيمان فينا. فيركبنا كابوس الشك والحذر والانطواء على إسلام فردي وفقه جزئي وولاء لله ورسوله ودينه لانتوجه به الى المولى عز وجل مباشرة مكتملي العبودية له، بل نوسط فيه آراء الأئمة وأقوال العلماء وجدال المتكلمين.
انحطاطنا من الأفق العلي، أفق القرآن والخلافة على منهاج النبوة، لم يسقط من أيدينا الشورى والعدل فقط، بل أذهب من قلوبنا معنى الإحسان الذي به يعبد المحسن ربه كأنه يراه. احتل الخوف من الناس، وهو جبن سافل، مكان المزية العظيمة: مزية الخوف من الله العلي العظيم. لولا تدني الشعور عبر الأجيال من سماء الإشفاق على وحدة الأمة إلى أرض حب الدعة والعافية الخرساء لما تدنت مواقفنا المحافظة على بيضة الإسلام المعتنية ببقاء شوكته الى أن تصبح الاستقالة غير المشروطة بين يدي السلطان دينا. وفي طريقنا صعودا إلى ذلك الأفق لن نستعيد الوحدة الضائعة، ولا الشوكة المخضودة المكسورة، ولا الشورى ولا العدل إن لم نعد تربية أنفسنا على الإيمان والإحسان.
الأمر يتوقف على إحياء الإرادة الجهادية فينا. لايكفي أن نعرف ما ينخر في ذاتنا وقوانا الداخلية وإن كانت المعرفة بالمرض مقدمة ضرورية للعلاج. ولا يكفي أن نعرف الحمولة التاريخية ومراحل تطارحها علينا وإن كانت هذه المعرفة شرطا أساسيا. إنما نبرأ من المرض المتوغل ونتحرر من الحمل القاصم للظهور باليقظة الإيمانية والهبة الإحسانية والتعبئة الجهادية. ومع يقظتنا وهبتنا إلى الجهاد نحتاج إلى الاستفادة من تجارب تاريخنا وإلى عرض مانتج عن أوزار الماضي وسلبياته نستخرج منه دروسا إيجابية لتاريخ مستأنف.
وعندئذ نختار عن وعي كامل، وعن استعداد لما تتطلبه منا المهام العالية. هل نختار الدخول بفرقتنا وتجزئة فكرنا وموروث خلافاتنا في ميزان القوى العالمي تطحننا رحاهم، أو نختار التقارب، فالتفاهم، فالتعاون، فتوحيد النية وتجريد العزم على توحيد الأمة واستعادة ما ضاع من متانة تركيبها الأول.
هل نريد؟ هل نريد؟ هل نريد؟
ذكرت إمكانية الاختيار وإمكانية الإحياء بإرادة متجددة. إن الرحى الجاهلية تطحن بالفعل جسمنا ومعنانا، وإن استمرار الطحن والدك والتهديد بالقضاء المبرم علينا يدفع التحدي إلى مداه. مانراه من ردود الفعل الشديدة المراس في أفغانستان المجاهدين وفي لبنان الفدائيين وفي إيران وعدائها للشياطين ليس هو الاختيار الواعي لكنه بشائره. ليس هو الإدارة الساعية الى التوحيد بل هو مقدماتها.
إن الأحداث لا تنتظر، وإن حقائق التاريخ ودفاع الله الناس بعضهم ببعض من شأنها أن تتداخل فيها الحركات، وتتضارب الإرادات، وتصطك العجلات، وتتراكب العمليات. فإذا قلنا بضرورة اليقظة الإيمانية والهبة الإحسانية والتعبئة الجهادية فإننا لا نتصور مراحل يتهيأ فيها لجند الله هدوء الخلوة وصفاء العشرة وحلاوة الأخوة بعيدا عن ضوضاء الأحداث، خارج التاريخ الصاخب، ريثما تتم تعبئتهم للدخول في ساعة الصفر للميدان. ولانتصور مصحة نعالج فيها في الجو المعقم أمراض النفس ورواسب الفتنة، لا نحتك بأحد مخافة العدوى، حتى يتم البرء وتكتسب المناعة. ولا نتصور محطات للاستراحة والترميم والتعديل عندها نحط الأحمال ونتخفف مما ينوء بنا من نازل الآفات.
عندما أتحدث عن الأفق العالي وعن ركوب متن التاريخ من أعاليه لا من أسافله، فأنا أعنى دخول المعمعة، واقتحام العقبة، ومخالطة المجتمع، وخوض غمار الجهاد والمجتمع مفتون سادر في خموله أو هيجانه، والأفكار في تفاعل، والاتجاهات السياسية في تصارع، والتخلف الصناعي والعلمي والاقتصادي ضارب أطنابه، وحكام الجور في كيد يكيدون، ومن خارج رحى الجاهلية تطحن.
إمكانية الاختيار وإمكانية الإحياء بالإرادة الإيمانية الإحسانية ومضة يلمحها جند الله من بين وهج الأحداث، وفرصة يغنمونها وطبول الحرب العامة المتداعية من كل حدب وصوب علينا تدق. ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم. به وحده العزة وبرسوله.
هذا وجه أخيك الشيعي. هذا وجه أخيك المنضم الى جماعة غير جماعتك. هذا وجه مسلم ومسلمة لا يفصله عنك إلا مرحلة سبقته بها. هو ماد يده إليك على استحياء وحذر. هل نظرت إلى هذه الوجوه من أعالي الأمور ودواعي الوحدة والأخوة؟ أم نظرت إليها من خلال كتب مليئة بآثار الصراع الماضي حين كان يكال بالصاع صاعان؟ هل شوه تاريخ مضى، وحرب قائمة وخلافات في الوسائل والمنطلقات والأساليب وجوه إخوتك في عينك؟ هل يروقك أن تدمر قوى الشر الهجينة البشعة ديارك، وتيتم أولادك، وتقتل إنسانيتك ثم لاتفزع إلى الملاذ الأوحد، كتاب الله العروة الوثقى الموحدة المنجية؟ امسح عن عينك غشاوة التقليد، وعن قلبك امسح ران الغفلة عن الله رب العالمين، ومن عقلك انزع ذهنية التبلد على عادة الكسل، تبصر وجه أخيك في مرآة المحبة وقد مسح عنه تشويهات صنعها وهمك حبه لله ورسوله، وإيمانه بالله وباليوم الآخر، وتشبته بالقرآن، ودفاعه عن الحوزة، وسخاؤه بالدماء والجهد لنصرة دين الله.
إن أعداءنا ياكلون دنيانا حلوة هنيئة، ونحن ناكلها مرة مرارة مضاعفة بضعف الفقر والذل، ثم نغص بمعاشنا هذا الكئب غصتين، غصة الدنيا بما قعدنا وعجزنا عن الجهاد، وغصة الآخرة بما ضيعنا من وحدة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت تلك الوحدة ولا تزال شرط حياتنا.
تاريخ النشر : 2003/11/17
- مصدر المقال :نظرات في الفقه والتاريخ ص. 52.
http://aljamaa.com/arabic/detail_khabar2.asp?id=1110&idRub=49
إن وحدة دار الاسلام -بيت الإسلام- ضرورة ملحة وواجب شرعي وأمل عزيز على الأمة. فيا من يقرأ قول الله جل وعلا :" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" (الأنبياء، 92)، " وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" (المؤمنون، 52)، خطابا وجه للأنبياء عليهم السلام، ويقرأ قوله عز من قائل يخصص بالخطاب هذه الأمة المرحومة : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله." (آل عمران، 110) يا من يقرأ القرآن بعقل يعقل عن الله لابذهنية تقلد، بقلب يخشى الله ولا يخشى الناس، كيف تفرق بين شطري الأمة سنة وشيعة طائفة ممن لايعقلون وأنت ساكت؟ كيف ترى نباشي الخلافيات سفلة القراء يعيثون فسادا وتلزم الحياد؟
ماذا تريد يا أخي من دنياك لآخرتك؟ وهل تريد من هذه لتلك شيئا حقا وتحقيقا أم ألهاك الجدل ومفاخر الظهور والإبانة في الخصام عن آخرتك؟ كيف تلقى الله العزيز الجبار وقلبك هنا في الدنيا لم ينفطر ألما على أمة القرآن مافعل بها الطغيان والكفران والفرقة والهجران؟ كيف تنتسب إلى أمة محمد (وأنت ما خلفت محمدا) في أمته إلا بإشعال النيران؟
إن تبذير جهود الأمة عملية تجند لها الطغاة من قديم، وهم اليوم لهذه العملية الشيطانية أكثر تجندا. إن نقض عرى الإسلام استمر منذ قرون طويلة حتى وصلنا الى عصر أضاع أهله الصلاة واتبعوا الشهوات. وإن تقدير أي مومن يخلص لله ويعبد الله ويتقيه لايتسع لإسبال رداء الصون والمعذرة على أفعال طغاة لم يكتفوا بقيادة الأمة بغير القرآن، ولا تهيبوا من اللعب بالصلاة على شاشات التلفزيون، بل تولوا الذين كفروا.
والله عز وجل يقول: " ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لايهدي القوم الظالمين." (المائدة، 51).
فكل وقت يضيع لا نشتغل فيه بجمع جند الله في كل قطر وفي كل بلد مضيعة جلى للأمة. وكل دعاية للتفرقة المذهبية والخلافات على ذكاة الحلزون تنافس انتحاري. وكل جهد يمكن أن يخدم الدعوة نبذره ولا نستصلحه مأساة.
لن تكون أقطارنا الموزعة قددا إلا رمادا تذروه الرياح إن أضفنا الى جهود الهيمنة الاستراتيجية العالمية التي تضيق علينا الخناق جهودنا نحن لننسف كياننا من أسفل. نكون أقدر على المقاومة كي لاتتلفنا الأحداث وتعدمنا إن لذنا بالعروة الوثقى الخالدة الباقية كتاب الله تعالى. حول القرآن يجب أن نلتف. وبالصبر والزمن تأتي الوحدة إن شاء الله، لا تأتي بأمر يصدر إليها. يصدر إليها من أين؟ من يريدها ؟ لم يريدها؟ من يخافها ؟ ولم؟ من يكرهها ويكيد لها؟ ولم؟
من يقود دويلات التجزئة؟ من يمولهم ويسلحهم؟ ما بال الأهوال الجسام تقرب شعوب الأرض لتتعاون، وتباعد بين المسلمين الحاصلين في قبضة الحكم المستبد الأناني، وقبضة الدعاة المفرقة المخربة، وقبضة الأمية السياسية، والأمية التاريخية، والأمية الأمية؟
فقه هذه الأسئلة، فقه وضعها وبحثها والتنقيب عن أصولها والإجابة عنها، كفيل أن يرفعنا من حيث يجثو الجاثون عند أقدام الهيمنة الجاهلية والأموال اليهودية إلى حيث العزة بالله وبرسوله وبدينه، يتيه بها في غد الإسلام شكرا لله لا استكبارا في الأرض ألف مليون مسلم ومسلمة هم اليوم محض غثاء.
حمولتنا الثقيلة من الخلافات والترسبات العاطفية والفكرية، ومن العادات والحسابات الفردية الأنانية التي مردها أول شيء إلى هواجس الخوف من ظل السيف وقهر السلطان تشل إرادتنا وتردع نوازع الإيمان فينا. فيركبنا كابوس الشك والحذر والانطواء على إسلام فردي وفقه جزئي وولاء لله ورسوله ودينه لانتوجه به الى المولى عز وجل مباشرة مكتملي العبودية له، بل نوسط فيه آراء الأئمة وأقوال العلماء وجدال المتكلمين.
انحطاطنا من الأفق العلي، أفق القرآن والخلافة على منهاج النبوة، لم يسقط من أيدينا الشورى والعدل فقط، بل أذهب من قلوبنا معنى الإحسان الذي به يعبد المحسن ربه كأنه يراه. احتل الخوف من الناس، وهو جبن سافل، مكان المزية العظيمة: مزية الخوف من الله العلي العظيم. لولا تدني الشعور عبر الأجيال من سماء الإشفاق على وحدة الأمة إلى أرض حب الدعة والعافية الخرساء لما تدنت مواقفنا المحافظة على بيضة الإسلام المعتنية ببقاء شوكته الى أن تصبح الاستقالة غير المشروطة بين يدي السلطان دينا. وفي طريقنا صعودا إلى ذلك الأفق لن نستعيد الوحدة الضائعة، ولا الشوكة المخضودة المكسورة، ولا الشورى ولا العدل إن لم نعد تربية أنفسنا على الإيمان والإحسان.
الأمر يتوقف على إحياء الإرادة الجهادية فينا. لايكفي أن نعرف ما ينخر في ذاتنا وقوانا الداخلية وإن كانت المعرفة بالمرض مقدمة ضرورية للعلاج. ولا يكفي أن نعرف الحمولة التاريخية ومراحل تطارحها علينا وإن كانت هذه المعرفة شرطا أساسيا. إنما نبرأ من المرض المتوغل ونتحرر من الحمل القاصم للظهور باليقظة الإيمانية والهبة الإحسانية والتعبئة الجهادية. ومع يقظتنا وهبتنا إلى الجهاد نحتاج إلى الاستفادة من تجارب تاريخنا وإلى عرض مانتج عن أوزار الماضي وسلبياته نستخرج منه دروسا إيجابية لتاريخ مستأنف.
وعندئذ نختار عن وعي كامل، وعن استعداد لما تتطلبه منا المهام العالية. هل نختار الدخول بفرقتنا وتجزئة فكرنا وموروث خلافاتنا في ميزان القوى العالمي تطحننا رحاهم، أو نختار التقارب، فالتفاهم، فالتعاون، فتوحيد النية وتجريد العزم على توحيد الأمة واستعادة ما ضاع من متانة تركيبها الأول.
هل نريد؟ هل نريد؟ هل نريد؟
ذكرت إمكانية الاختيار وإمكانية الإحياء بإرادة متجددة. إن الرحى الجاهلية تطحن بالفعل جسمنا ومعنانا، وإن استمرار الطحن والدك والتهديد بالقضاء المبرم علينا يدفع التحدي إلى مداه. مانراه من ردود الفعل الشديدة المراس في أفغانستان المجاهدين وفي لبنان الفدائيين وفي إيران وعدائها للشياطين ليس هو الاختيار الواعي لكنه بشائره. ليس هو الإدارة الساعية الى التوحيد بل هو مقدماتها.
إن الأحداث لا تنتظر، وإن حقائق التاريخ ودفاع الله الناس بعضهم ببعض من شأنها أن تتداخل فيها الحركات، وتتضارب الإرادات، وتصطك العجلات، وتتراكب العمليات. فإذا قلنا بضرورة اليقظة الإيمانية والهبة الإحسانية والتعبئة الجهادية فإننا لا نتصور مراحل يتهيأ فيها لجند الله هدوء الخلوة وصفاء العشرة وحلاوة الأخوة بعيدا عن ضوضاء الأحداث، خارج التاريخ الصاخب، ريثما تتم تعبئتهم للدخول في ساعة الصفر للميدان. ولانتصور مصحة نعالج فيها في الجو المعقم أمراض النفس ورواسب الفتنة، لا نحتك بأحد مخافة العدوى، حتى يتم البرء وتكتسب المناعة. ولا نتصور محطات للاستراحة والترميم والتعديل عندها نحط الأحمال ونتخفف مما ينوء بنا من نازل الآفات.
عندما أتحدث عن الأفق العالي وعن ركوب متن التاريخ من أعاليه لا من أسافله، فأنا أعنى دخول المعمعة، واقتحام العقبة، ومخالطة المجتمع، وخوض غمار الجهاد والمجتمع مفتون سادر في خموله أو هيجانه، والأفكار في تفاعل، والاتجاهات السياسية في تصارع، والتخلف الصناعي والعلمي والاقتصادي ضارب أطنابه، وحكام الجور في كيد يكيدون، ومن خارج رحى الجاهلية تطحن.
إمكانية الاختيار وإمكانية الإحياء بالإرادة الإيمانية الإحسانية ومضة يلمحها جند الله من بين وهج الأحداث، وفرصة يغنمونها وطبول الحرب العامة المتداعية من كل حدب وصوب علينا تدق. ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم. به وحده العزة وبرسوله.
هذا وجه أخيك الشيعي. هذا وجه أخيك المنضم الى جماعة غير جماعتك. هذا وجه مسلم ومسلمة لا يفصله عنك إلا مرحلة سبقته بها. هو ماد يده إليك على استحياء وحذر. هل نظرت إلى هذه الوجوه من أعالي الأمور ودواعي الوحدة والأخوة؟ أم نظرت إليها من خلال كتب مليئة بآثار الصراع الماضي حين كان يكال بالصاع صاعان؟ هل شوه تاريخ مضى، وحرب قائمة وخلافات في الوسائل والمنطلقات والأساليب وجوه إخوتك في عينك؟ هل يروقك أن تدمر قوى الشر الهجينة البشعة ديارك، وتيتم أولادك، وتقتل إنسانيتك ثم لاتفزع إلى الملاذ الأوحد، كتاب الله العروة الوثقى الموحدة المنجية؟ امسح عن عينك غشاوة التقليد، وعن قلبك امسح ران الغفلة عن الله رب العالمين، ومن عقلك انزع ذهنية التبلد على عادة الكسل، تبصر وجه أخيك في مرآة المحبة وقد مسح عنه تشويهات صنعها وهمك حبه لله ورسوله، وإيمانه بالله وباليوم الآخر، وتشبته بالقرآن، ودفاعه عن الحوزة، وسخاؤه بالدماء والجهد لنصرة دين الله.
إن أعداءنا ياكلون دنيانا حلوة هنيئة، ونحن ناكلها مرة مرارة مضاعفة بضعف الفقر والذل، ثم نغص بمعاشنا هذا الكئب غصتين، غصة الدنيا بما قعدنا وعجزنا عن الجهاد، وغصة الآخرة بما ضيعنا من وحدة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت تلك الوحدة ولا تزال شرط حياتنا.
تاريخ النشر : 2003/11/17
- مصدر المقال :نظرات في الفقه والتاريخ ص. 52.
http://aljamaa.com/arabic/detail_khabar2.asp?id=1110&idRub=49