المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية صواريخ صديقة- بقلم إدريس الكنبوري



القعقاع100
18-11-2003, 08:15 PM
صواريخ صديقة- بقلم إدريس الكنبوري


الأمريكيون في العراق مشغولون هذه الأيام بمهمة صعبة وهي تعداد القتلى في صفوفهم، ما أن يشرق صباح اليوم التالي حتى تكون الطائرات الأمريكية في الطريق إلى الولايات المتحدة حاملة على متنها نعوش المودعين. ولكن الأمريكيين هذا الأسبوع وجدوا أمامهم المفاجأة الكبرى التي لم يكونوا يتوقعونها، وهي أن سلاح الأمريكيين يضرب سلاح الأمريكيين، إذ اكتشفت قوات التحالف أن الطائرات الأمريكية التي تتساقط هذه الأيام مثل تفاح نيوتن بسبب نعمة الجاذبية التي منحها الله للأرض تسقط بفعل استهدافها بصواريخ أمريكية الصنع من نوع''ستينغر'' المتطورة، وهكذا وجد الأمريكيون أنفسهم أمام سؤال: من أين لك هذا؟.

ويتذكر الذين كانوا يجلسون أمام شاشات القنوات التلفزيونية أثناء حرب العراق كيف كان يفسر البنتاغون سقوط القتلى في صفوف قوات التحالف، فقد رد ذلك إلى''النيران الصديقة'' التي كانت تمشي خطأ إلى الهدف غير الصواب، ولذلك تعجز وزارة رامسفيلد عن الإقتناع بأن وراء سقوط الطائرات الأمريكية''صواريخ صديقة''، وتتساءل عن مصدر هذه الصواريخ وكيف استطاعت التسلل إلى العراق، مع أن الأمريكيين يقولون بأن هذا النوع من الصواريخ أصبح نادرا حتى في السوق السوداء. ولكن يبدو أن المفاجآت في أرض العرب لم ترح الأمريكيين الذين لم يستريحوا منها، فبعد لعنة''حرب الخليج'' والمرض الغامض في حرب الخليج الأولى جاءت النيران الصديقة التي أفسدت الود بين الأمريكيين، وها هي الصواريخ الصديقة تطلع من الأرض فتسقط الطائرات من السماء.

قال الأمريكيون إنهم جاؤوا ليحرروا العراق فإذا بهم يبحثون عمن يحررهم هم من العراق، ولذا شاهدنا جورج بوش''جونيور'' يمد يده متوسلا إلى الأمم المتحدة التي تبحث هي نفسها عمن يحررها من الصورة المشوهة التي أصبحت لها في مرايا العالم، وخاصة في مرآة الفلسطينيين الذين يعرفون جيدا قبحها. وقد رأى المغاربة هم أيضا بدورهم هذا القبح في قضية وحدتهم الترابية، وكيف أصبح كوفي عنان في التقرير سيئ الذكر هو جيمس بيكر، وبيكر هو بوش، وبوش هو المحافظون الجدد الذين لا يملون من تذكيرنا بأن الرب المسيحي بعثهم مخلصين، مع أنهم مجموعة من المسيلمات الكذابين.

أمريكا مشغولة بنفسها بسبب العراق، ولا يمر وقت قصير حتى يقول مسؤول أمريكي ما يقول عكسه المسؤول الآخر في الغد. رامسفيلد كسر الكأس تماما قبل أيام وقال إن الولايات المتحدة تغرق في المستنقع العراقي، وبول وولفويتز يقول إن العراق الجديد الذي بشرت به الإدارة الأمريكية في طريقه إلى الظهور ، متى؟ لا يجيب، وأرميتاج في السعودية قال قبل يومين إن ''العملية'' ناجحة في العراق، أي عملية يا أرميتاج؟ عملية سقوط الطائرات الأمريكية...طبعا، العراق أصبح أكثر من عراق واحد، عراق بوش وعراق رامسفيلد وعراق أرميتاج ولكل عراقه، ولكن العراقيين لهم عراقهم، عراق الصواريخ الصديقة التي تسقط الصواريخ العدو، ومكان''ليلى في العراق مريضة'' يقول الأمريكيون أنهم مريضون في العراق. نسي الأمريكيون أن هولاكو مر من هذا الطريق وذهب. نسي الأمريكيون هولاكو.

ثمة ما يستدعي قلق الأمريكيين. لقد قال الأوروبيون قبل أيام أن الولايات المتحدة بعد دودته الزائدة الكيان الصهيوني هما ما يهددان السلام في العالم، أما العرب وسكان أمريكا اللاتينية وشعوب آسيا فقد قالوا كلمتهم قبل عقود من الزمن، قالوها دما ودمارا ومقابر، ولذا كتب مهندس السلام والتطبيع وبائع النصائح للصهاينة هنري كيسنجر أن العراق اختبار صعب بالنسبة للإدارة الأمريكية، إما أن تنجح، فتربح الحرب التي جاءت من أجلها، أو تخسر فتخسر صورتها في القرن الحادي والعشرين. الجميع الآن ينظر إلى أمريكا التي تنظر إلى العراق الذي ينظرإلى المقاومة التي تنظر إلى المستقبل، الأوروبيون ينظرون وينتظرون الفرصة ليقولوا:ألم نقل لكم؟ والعرب ينظرون ويتوقعون، حتى الذين يصفقون فوق المسرح، فهؤلاء يتوقعون خلف الكواليس وأيديهم على قلوبهم، أما الأمريكيون فينظرون إلى أنفسهم ويحصون قتلاهم والصواريخ الصديقة، وحين يقال ''الأمريكيين''، فذلك لا يعني الشعب الأمريكي، ولكن العالم يرى في الولايات المتحدة الذين يزرعون الرعب والخراب لا الذين يريدون الإنتقال إلى العصر الصناعي، عصر العقل والحوار مع الآخرين، هؤلاء كثيرون وموجودون وحاضرون، ومنهم من يسعى إلى تحسين صورة بلاده في العالم، ليس بطريقة التقرير الأخير الذي أوصى بتغيير مناهج التعليم وثقافة العرب، ولكن بتغيير السياسة الأمريكية.