المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأدلة من الكتاب والسنة : العمليات الإستشهادية ((التفجيرات))



saif al islam
21-11-2003, 05:39 PM
الإصابة في طلب الشهادة



جابر بن عبد القيوم الساعدي الشامي أبو قتيبة




بسم الله الرحمن الرحيم



إلى المجاهدين في سبيل الله في كل مكان

أقدم هذا العمل المتواضع

سائلاً الله سبحانه وتعالى الإخلاص والقبول






المقدمة
الحمد لله الذي لا إله غيره، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وجنده، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته.

أما بعد:

بين يديك أخي الموحد أدلة نقلية على جواز الانغماس في أعداء الله وفضله، نقلناها بمعية الله وحده مستدلين بآيات ربنا تبارك وتعالى، وأحاديث قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه صحابته الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- من حب الموت والقتل في سبيل الله وانغماسهم في أعدائه. داحضين بذلك كل الشبهات التي افتراها واقترفها علماء السلطة وأعوانهم، ولله الفضل من قبل ومن بعد.

وأخيرا أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي أخي الحبيب المعتز بالله أبا مجزأة الشامي وكل من ساهم بإخراج هذا الكتاب خيراً .

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المجاهدين لما يحبه ويرضاه، وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله بعد كثرة قتل لأعدائه.

إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك



جابر بن عبد القيوم الشامي


أبو قتيبة








معالم على الطريق


اعلم أخي المجاهد أن الله سبحانه وتعالى لا يتقبل من العمل إلا إذا تحقق فيه أمران اثنان، الأمر الأول: أن يكون هذا العمل خالصاً لله مبتغيا به وجهه طالباً به رضاه، والأمر الثاني: أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أولاً: الإخلاص لله
قال الله سبحانه وتعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين}[1]، وقال سبحانه وتعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}[2].

وقد بّين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القتال في سبيل الله يجب أن يكون لإعلاء كلمة الله، جاء في صحيح الإمام مسلم وغيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله[3].

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله لا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصاً وابتغي وجهه[4]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رجل: يا رسول الله إني أقف الموقف أريد به وجه الله وأريد أن يرى موطني، فلم يرد عليه صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }.[5]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء وقد قيل، ثم أمر فسحب على وجهه حتى ألقي في النار).[6]

وعن يحي بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غزا في سبيل الله وهو لا ينوي في غزاته إلا عقالاً فله ما نوى.[7]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله الرجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرض الدنيا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجر له فأعظم الناس ذلك، وقالوا للرجل: عد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلّه لم يفهم، فعاد فقال: يا رسول الله الرجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرض الدنيا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجر له، ثم عاد الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجر له.[8]

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو فقال يا عبد الله بن عمرو إن قاتلت صابراً محتسبا بعثك الله صابراً محتسباً وإن قاتلت مرائياً مكاثراً بعثك الله مرائياً مكاثراً. يا عبد الله بن عمرو على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تيك الحال.[9]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام: هذا من أهل النار. فلمّا حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال، وكثرت به الجراح فأثبتته، فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل الذي تحدثت أنه من أهل النار، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال، فكثرت به الجراح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع منها سهماً، فانتحر بها فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله صدق الله حديثك قد انتحر فلان فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.[10]

وعن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.[11]

كل هذه الأحاديث بينت لنا أن الله تعالى لا يقبل العمل إلا أن يكون خالصاً له لا تشوبه شائبة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، والأخ المقدم على أن يجود بنفسه ويحتسبها لله فإن لم يكن مخلصاً لله يكون قد خسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله لهذا أردنا أن نبين هذا الأمر لأهميته القصوى.

ثانياً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعلم أخي المجاهد أن أي عمل لا يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه. قال صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.[12] وفي رواية البخاري: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد، والدماء شأنها عظيم جداً لا يجوز سفكها إلا بنص شرعي صريح، قال تعالى: {يـا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا }[13] لهذا على الأخ المقدم على هذا العمل أن لا يتعمد قتل النساء والأطفال ممن نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم، إلا لضرورة لا يمكن التمييز فيها، كما في حديث الصعب بن جثامة الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون -أي الإغارة عليهم ليلاً- فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: هم منهم.[14]

قال ابن حجر رحمه الله: قوله هم منهم أي في الحكم في تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريقة القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى المشركين إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم.[15]

قال النووي رحمة الله عليه: وهذا الحديث الذي ذكرناه -يقصد حديث جثامة رضي الله عنه- من جواز بياتهم وقتل النساء والصبيان في البيات وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور ومعنى البيات ويبيتون أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة.[16]

وجاء في كاشف القناع أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال: يجوز تبييتهم وهو كسبهم ليلاً وإن كان فيهم نساء وأطفال ،وقال: لانعلم أحدا كره بيات العدو، وهل غزو الروم إلا البيات.[17]

وقال ابن حجر: ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفـــار.[18]

وعن نافع أن عبد الله رضي الله عنه أخبره: أن امرأة وجدت في بعض المغازي مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيــان.[19]

وروى أبو داود في المراسيل عن عكرمة: أنه صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة بالطائف فقال: ألم أنهى عن قتل النساء؟ من صاحبها؟ فقال رجل: يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها، فأمر أن توارى.

وقد أخرج الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة أتي بامراة مقتولة فقال: ما كانت هذه لتقاتل.- وأخرجه أبو داود وأحمد والنسائي وابن حبان من حديث رباح بن ربيع التيمي وفيه أن قاتل المرأة هو خالد رضي الله عنه-.

قال الصنعاني: ومفهوم قوله "تقاتل" وتقريره لهذا القاتل يدل على أنها إذا قاتلت قتلت.[20]

قال ابن رشد: ويحرم قتل المرأة والصبي إن لم يقاتلا، عند الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة، فإن قاتلا قتلا.[21]

قلت: وما أكثر النساء في جيوش الكافرين في هذا العصر ومنهم من عنده مراتب قيادية في جيوشهم ومنهم من خاض معارك كثيرة كما حصل في حرب الخليج .

ثالثاً التركيز:
على الإخوة المجاهدين التركيز في مثل هذه الأعمال -من تفجير النفس- على عمليات نوعية وعلى أهداف عسكرية توقع أكبر عدد ممكن في صفوف العدو، وعلى مباني البرلمنات الشركية التي يشرع فيها القوانين الوضعية من دون الله، وغيرها من الأهداف المؤثرة التي يختبىء وراءها الطواغيت إن لم يقدر عليهم إلا من خلال هذه العمليات، وعلى الأخ أن لا يقوم بتفجير نفسه لقتل واحد أو اثنين يمكن قتلهم ببضع رصاصات لا تساوي بضع سنتينات، وذلك لأن الأخ درة ثمينة، والإخوة من هذا النوع قلة لا بد أن يستفاد منهم لأهداف كبيرة موجع

saif al islam
21-11-2003, 05:41 PM
الإصابة في طلب الشهادة


الانغماس في الأعداء ليس من التهلكة


عن أسلم أبي عمران رضي الله عنه قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه، لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: إنما نزلت هذه فينا معشر الأنصار لمّا نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا هلّم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تـعالى:

{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد، قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية.[22]

روى ابن جرير الطبري عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله.[23]

قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس في قوله تعـالى: {وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، قال: ليس ذلك في القتال إنما هو في النفقة أن تمسك عن النفقة في سبيل الله.[24]

قال السيوطي: الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد، أو تركــه -أي الجهاد- لأنه يقوي العدو عليكم.[25]

عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، لأن الله عز وجل بعث رسوله صلى الله عليه وسلم فقال ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) إنما ذاك في النفقة.[26]

وأخرج الحاكم عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: قال له رجل: ياأبا عمارة قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) أهو الرجل يلقى العدو فيقتال حتى يقتل؟ قال: لا، ولكنه الرجل يذنب الذنب ، فيقول: لا يغفره الله لي.[27]

قال السرخسي رحمه الله: فوقع عند السائل أن من حمل على جماعة من الأعداء يكون ملقيا نفسه في التهلكة، فبين له البراء بن عازب رضي الله عنه أن الملقي نفسه في التهلكة من يذنب الذنب ثم لا يتوب فإنه يصير مرتهناً بصنيعه، فأما من حمل على العدو فهو يسعى في إعزاز الدين، ويتعرض للشهادة التي يستفيد بها الحياة الأبدية، كيف يكون ملقياً نفسه في التهلكة.[28]

وقال الشيباني رحمة الله عليه: لا بأس بأن يحمل الرجل وحده وإن ظن أنه سيقتل إذا كان يرى أنه يصنع شيئا يقتل أو يجرح أو يهزم. وقال السرخسي في الشرح: فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة بين يدي رسول الله صلى وسلم يوم أحد ومدحهم على ذلك.

وقال الشيباني: فأما إذا كان يعلم أنه لا ينكى فيهم فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم.

وقال السرخسي في الشرح: لأنه لا يحصل شيء مما يرجع إلى إعزاز الدين، ولكنه يقتل فقط، وقد قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}.[29]

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو فصرح الجمهور بأنه إذا كان لفرط شجاعته، وظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرىء المسلمين عليهم، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع لا سيما إن ترتب على ذلك وهن المسلمين.[30]

وعن القاسم بن مخيمرة أحد أئمة التابعين وأعلامهم، أنه قال في قوله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: التهلكة ترك النفقة في سبيل الله، ولو حمل الرجل على عشرة آلاف لم يكن بذلك بأس.[31]

وأخرج البيهقي في سننه عن مدركة بن عوف الأحمسي أنه كان جالساً عند عمر فذكروا رجلاً شرى نفسه يوم نهاوند فقال: ذاك خالي، زعم الناس أنه ألقى بنفسه إلى التهلكة. فقال عمر: كذب أولئك، بل هو من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا.[32]

قلت: صدق أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه عندما قال: إن التهلكة هي الإقامة بالأموال وإصلاحها وترك الجهاد، وما أصاب أمتنا هذا الهلاك والذل والهوان إلا من بعد الانشغال بهذه الدنيا وتركنا الجهاد في سبيل الله. قال صلى الله عليه وسلم: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.[33]






فضل الانغماس في أعداء الله


قال تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}.[34]

قال جماعة من المفسرين إنها نزلت في صهيب رضي الله عنه عندما أقبل مهاجراً إلى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وتخلى عن ماله في مكة.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وأما الأكثرون، فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله، كما قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.[35] ولما حمل هشام بن عامر بين الصفين أنكر عليه بعض الناس، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وغيرهم وتلوا هذه الآية {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}.[36]

قال القرطبي: قال الحسن: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية؟ نزلت في المسلم لقي الكافر فقال له: قل لا إله إلا الله فإن قلتها عصمت مني مالك ونفسك، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله فتقدم فقاتل حتى قتل... وقال القرطبي: وقيل نزلت في كل مجاهد في سبيل الله او مستشهد في ذاته أو مغير منكر.[37]

قال ابن العربي: في سبب نزولها أربعة أقوال:

الأول: نزلت في الجهاد

الثاني: فيمن يقتحم القتال، أرسل عمر رضي الله عنه جيشاً فحاصروا حصناً فتقدم رجل عليه فقاتل فقتل، فقال الناس: ألقى بيده للتهلكة، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال: كذبوا، أوليس الله تعالى يقول: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} وحمل هشام بن عامر على الصف فشقه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}.

الثالث: نزلت في الهجرة وترك المال والديار لأجلها، روي أن صهيباً رضي الله عنه أخذه أهله وهو قاصد النبي صلى الله عليه وسلم، فافتدى منهم بماله، ثم أدركه آخر فافتدى منه ببقية ماله، وغيره عمل عمله فأثنى عليهم.

الرابع: أنها نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال عمر: وقرأ هذه الآية واسترجع، وقال: قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.

هذا كله من الأقوال، لا امتناع في أن يكون مراداً بالآية، داخلاً في عمومها، إلا أن منه متفقاً عليه ومنه مختلفاً فيه، أما القول: أنها في الجهاد والهجرة فلا خلاف فيه. أما اقتحام القتال فمختلف فيه تقدم أن الصحيح جوازه، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا خاف منه المرء على نفسه، سقط فرضه بغير خلاف، وهل يستحب له اقتحام الغرر فيه تعريض النفس للإذاية أو الهليكة؟ مختلف فيه وعموم هذه الآية دليل عليه - أي دليل على جوازه.[38]

قال القرطبي: قال القاسم بن مخيمر، والقاسم بن محمد، وعبد الملك: لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة. وقيل إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل، لأن مقصوده واحد، وذلك بيّنُُ في قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}.[39]

قال ابن العربي: والصحيح عندي جوازه لأن فيه أربعة أوجه: الأول طلب الشهادة، الثاني وجود النكاية، الثالث تجرية المسلمين عليهم، الرابع: ضعف نفوسهم ليروا هذا صنع واحد، فما ظنك بالجميع.[40]

عن ابن أبي عدي عن محمد، قال: جاءت كتيبة، من قبل المشرق من كتائب الكفار، فلقيهم رجل من الأنصار، فحمل عليهم، فخرق الصف،حتى خرج، ثم كر راجعا، فصنع مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً فإذا سعد بن هشام يذكر ذلك لأبي هريرة، فتلا هذه الآية: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}.[41]

عن المغيرة بن شعبة، قال كنا في غزاة، فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى بيديه إلى التهلكة، فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر رضي الله عنه: ليس كما قالوا، هو من الذين قال الله فيهم: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله }.[42]

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } قال: أي شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله، والقيام، بحقه حتى هلكوا على ذلك.[43]

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجب ربنا عز وجل من رجل غزا في سبيل الله فانهزم -يعني أصحابه- فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي، رجع طمعاً فيما عندي، وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه.[44]

قال ابن النحاس الدمياطي رحمه الله تعالى: ولو لم يكن في الباب إلا هذا الحديث الصحيح لكفانا في الاستدلال على فضل الانغماس.[45]

قلت : انحاز المجاهدون في أفغانستان في معركة قرب مدينة جلال آباد بعد هجوم كبير قام به الروس على المنطقة، مستعملين أعداداً كبيرة من الدبابات، فبقي أخونا الشهيد -نحسبه كذلك- شفيق إبراهيم المدني يصد الهجوم وحده، بعد أن انحاز الإخوة لكثرة القصف عليهم، فقاتلهم بمدفعه حتى قتل رحمة الله عليه، فأتته قذيفة انفجرت به فلم يرى له أثر ولم يحو جسده قبر، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه، قال: فحدثه الحديث، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال: إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا، فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة، فقال: لا إلا من كان ظهره حاضراً، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ،قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.[46]

قال النووي رحمه الله تعالى: وفيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة،وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء.[47]

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: في الجنة. فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل.[48]

وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن انغمست في المشركين فقاتلتهم حتى قتلت أإلى الجنة؟ قال: نعم، فانغمس الرجل في صف المشركين فقاتل حـتى قتــل.[49]

وفي رواية للحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أسود منتن الريح، لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ قال: في الجنة، فقاتل حتى قتل، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد بيض الله وجهك وطيب ريحك وأكثر مالك.[50]

وروى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمرو بن قتادة قال: لما التقى الناس يوم بدر قال عوف بن الحارث: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: أن يراه غمس يده في القتال يقاتل حاسراً. فنزع درعه ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيداً.[51]

عن نعيم بن همار أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الشهداء أفضل؟ قال: الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا أولئك ينطلقون في الغرف العلى من الجنة ويضحك إليهم ربهم وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه .[52]

عن عتبة بن عبدٍ السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القتلى ثلاثة رجال: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى قتل، ذلك الشهيد الممتحن - أي: المصفى المهذب المخلص- في خيمة تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة. ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى قتل، فتلك مصمصة محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء للخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب،وبعضها أسفل من بعض، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى قتل، فذلك في النار إن السيف لا يمحو النفاق.[53]

عن عكرمة مولى ابن عباس قال: كان عمرو بن الجموح -شيخ من الأنصار- أعرج فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر، قال لبنيه: أخرجوني. فذُكر للنبي عرجه وحاله، فأذن له في المقام، فلما كان يوم أحد فخرج الناس، فقال لبنيه: أخرجوني، فقالوا: قد رخص لك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن، قال: هيهات، منعتموني الجنة ببدر، وتمنعونيها بأحد! فخرج، فلما التقى الناس، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قتلت اليوم، أطأ بعرجتي الجنة؟ قال: نعم،. قال: فوالذي بعثك بالحق لأطأن بها الجنة اليوم إن شاء الله. فقال لغلام له كان معه يقال له سليم: ارجع إلى أهلك. قال: وما عليك أن أصيب اليوم خيراً معك؟ قال: فتتقدم إذاً،. قال: فتقدم العبد، فقاتل حتى قتل. ثم تقدم هو وقاتل حتى قتل.[54]

وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الجنة تحت ظلال السيوف، فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاها، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب حتى قتل.[55]

وعن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها دون أحد،. فقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس كنا نرى -أو نظن- أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}.[56]

قال ابن حجر رحمه الله في شرحه لحديث أنس رضي الله عنه : وفي قصة أنس بن النضر من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد، وفضل الوفاء ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها، وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء في التهلكة. وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة والتّورع وقوة اليقين.[57]

وقال ابن حجر رحمة الله عليه: وفي الحديث جواز الأخذ بالشدة في الجهاد، وبذل المرء نفسه في طلب الشهادة، والوفاء بالعهد، وتقدمت بقية فوائده في كتاب الجهاد.[58]

قال ابن القيم رحمه الله: في الفوائد المأخوذة من غزوة أحد: ومنها: جواز الانغماس في العدو كما انغمس أنس بن النضر وغيره.[59]

وعن يزيد بن السكن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لحمه القتال يوم أحد، وخلص إليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يومئذ، ودنا منه العدو، فذب عنه مصعب ابن عمير حتى قتل، وأبو دجانة سماك بن خرشة حتى كثرت فيه الجراح، وأصيب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثلمت رباعيته، وكلمت شفته وأصيبت وجنته، فقال عند ذلك: من رجل يبيع لنا نفسه؟ فوثب فتية من الأنصار خمسة فيهم زياد بن السكن رضي الله عنه، فقتلوا حتى كان آخرهم زياد بن السكن رضي الله عنه فقاتل حتى أثبت، ثم ثاب إليه الناس من المسلمين، فقاتلوا عنه حتى أجهضوا عنه العدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدن مني، وقد أثبتته الجراحة، فوسده رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه حتى مات عليها.[60]

وفي رواية للإمام مسلم وأحمد عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضاً فقال: من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا.

وجاء في سنن النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وولى الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلا من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيد الله، فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كما أنت، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: من للقوم، فقال طلحة: أنا، قال: كما أنت، فقال رجل من الأنصار: أنا، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتال من قبله حتى يقتل، حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال: حس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون. ثم رد الله المشركين.

وروى البخاري من حديث موسى بن أنس قال وذكر يوم اليمامة قال: أتى أنس بن مالك ثابت بن قيس، وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط، فقال: يا عم ما يحبسك ألا تجيء؟ قال: الآن يا ابن أخي، وجعل يتحنط –يعني من الحنوط- ثم جاء فجلس، فذكر الحديث انكشافا من الناس، فقال: هكذا عن وجوهنا حتى نضارب القوم، ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بئس ما عودتم أقرانكم.[61]

قال الحافظ : وقد أخرجه ابن سعد والطبراني والحاكم وفيه: أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين يكفن فيهما، وقد انهزم القوم، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء-ثم قال- بئس ما عودتم أقرانكم منذ اليوم، خلوا بيننا وبينهم ساعة، فحمل فقاتل حتى قتل.

قال الحافظ رحمه الله تعالى: قال المهلب وغيره: فيه جواز استهلاك النفس في الجهاد وترك الأخذ بالرخصة، والتهيئة للموت بالتحنط والتكفين. ، وفيه قوة ثابت بن قيس وصحة يقينه ونيته، وفيه التداعي إلى الحرب والتحريض عليها، وتوبيخ من يفر، وفيه الإشارة إلى ما كانت الصحابة عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الشجاعة، والثبات في الحرب.[62]

قال الإمام العيني رحمه الله : فيه دلالة على الأخذ بالشدة في استهلاك النفس وغيرها في ذات الله عز وجل وترك الأخذ بالرخصة لمن قدر عليها، وفيه أن التطيب للموت سنة من أجل مباشرة الملائكة للميت، وفيه التداعي للقتال قال لعمه: ما يحبسك ألا تجيء، وفيه قوة ثابت بن قيس رضي الله عنه وصحة يقينه ونيته، وفيه التوبيخ لمن فر من الحرب، وفيه الإشارة إلى ما كانت عليه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والثبات في الحرب..[63]

قال ابن النحاس الدمياطي رحمه الله تعالى: الحنوط -بفتح الحاء- هو: ما يحنط من الطيب للموتى خاصة، وتحنط إذا تطيب به، وإنما كانوا يفعلون ذلك -والله اعلم- لتوطين النفوس على الموت، وتصميم العزم على نيل الشهادة. - مشارع الأشواق المجلد الأول،صفحة 673-.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال يوم أحد لأخيه زيد: خذ درعي يا أخي؟ قال: أريد من الشهادة مثل الذي تريد، فتركاها جميعاً.[64]

زيد ابن الخطاب أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكان يحمل راية المسلمين يوم اليمامة، وقد انكشف المسلمون حتى غلبت بنو حنيفة عن الرحال، فجعل زيد رضي الله عنه أما رحال فلا رحال، وأما الفرار فلا فرار، ثم جعل يصيح بأعلى صوته: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة، وجعل يشتد بالراية ينفذ بها في نحر العدو ، ثم ضاربَ بسيفه حتى قتل ووقعت الراية، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون: يا سالم إنا نخاف أن نؤتى من قبلك فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي.[65]

وجاء في كتاب الجهاد لابن المبارك عن إبراهيم ابن حنظلة عن أبيه أن سالم مولى أبي حذيفة قيل له يومئذ في اللوى: أي تحفظ به، فقال غيره: تخشى من نفسك شيئاً، فتولي غيرك، فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. فقطعت يمينه، فأخذ اللوى بيساره، فاعتنق اللوى وهو يقول: { وما محمد إلا رسول …}، { وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير …}، فلما صرع، قال لأصحابه: ما فعل أبو حذيفة؟ قيل: قتل، قال فما فعل فلان -لرجل قد سمّاه-؟ قيل: قتل. قال فأضجعوني بينهما.[66]

عن جعفر بن عبد الله بن أسلم قال: لما كان يوم اليمامة واصطف الناس كان أول من جرح أبو عقيل، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فأخرج السهم ووهن له شقه الأيسر في أول النهار، وجر إلى الرحل، فلما حمي القتال وانهزم المسلمون وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهنٌ من جرح، سمع معن بن عدي يصيح: يالأنصار الله، الله، الكرة على عدوكم. قال عبد الله بن عمر : فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد؟ ما فيك قتال، قال: قد نوه المنادي باسمي. قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني الجرحى، قال أبو عقيل: أنا من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبواً، قال ابن عمر: فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: ياللأنصار! كرة كيوم حنين، فاجتمعوا رحمكم الله جميعاً، تقدموا فالمسلمون دريئة دون عدوهم، قال ابن عمر رضي الله عنه: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت إلى الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جرحاً كلها قد خلصت إلى مقتل، وقُتل عدو الله مسيلمة. قال ابن عمر: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت: يا أبا عقيل ! قال: لبيك -بلسان ملتاث- لمن الدبرة؟ قلت: أبشر قد قتل عدو الله فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله. ومات يرحمه الله. .. قال ابن عمر: فأخبرت عمر بعد أن قدمت خبره كله، فقال: رحمه الله، ما زال يسعى للشهادة ويطلبها.[67]

وعن أنس رضي الله عنه قال: رمى أبو دجانة رضي الله عنه بنفسه يوم اليمامة إلى داخل الحديقة فانكسرت رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل.[68]

saif al islam
21-11-2003, 05:43 PM
الإصابة في طلب الشهادة



جابر بن عبد القيوم الساعدي الشامي أبو قتيبة


قال ابن الجوزي أبو دجانة سماك بن خرشة ابن لوذان، شهد بدراً وأحداً وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وبايعه على الموت، وقتل يوم اليمامة.[69]

وذكر ابن حجر في الإصابة عن أبي إسحاق قال: زحف المسلمون إلى المشركين يوم اليمامة حتى ألجؤهم إلى حديقة فيها عدو الله مسيلمة، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني إليهم فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم ، فقاتلهم على حديقة حتى فتحها على المسلمين، ودخل المسلمون فقتل الله مسيلمة.[70]

وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة في قصة عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك رضي الله عنه قال: خرج في غزوة الرجيع فأخذه المشركون ليدخلوه مكة مع خبيب.فلما كان بمر الظهران قال: والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة. يعني أصحابه الذين قتلوا، ونزع يده من رباطه وأخذ سيفه وجعل يشتد فيهم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه[71]

عن محمد بن سيرين قال: نبئتُ أن عبد الله بن سلام، قال: إن أدركني -يعني القتال-، وليس بي قوة فاحملوني على سرير حتى تضعوني بين الصفين.[72]

وأخرج الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن المسيب قال: قال عبد الله بن جحش: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غداً، فيقتلوني، ثم يبقروا بطني، ويجدعوا أنفي، وأذني، ثم تسألني: فيم ذلك؟ فأقول: فيك. فلقي العدو فقتل، وفعل ذلك به.[73]

عن سيار بن مالك قال: سمعت مالك بن دينار قال: لما كان يوم الزاوية قال عبد الله بن غالب: إني لأرى أمراً مالي عليه صبر، روحوا بنا إلى الجنة، قال فكسر جفن سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل، وكان يوجد من قبره ريح المسك، قال مالك: فانطلقت إلى قبره فأخذت منه ترابا فشممته فوجدت منه ريح المسك[74]

وروى ابن المبارك رحمه الله تعالى: عن السري بن يحى، ثنا العلاء بن هلال الباهلي: أن رجلاً من قوم صلة، قال لصلة رضي الله عنه: يا أبا الصهباء إني رأيت أني أعطيت شهدة - أي قطعة من العسل في شمعه-، وأعطيت أنت شهدتين، فقال له صلة رضي الله عنه: خيراً رأيت، تستشهد وأستشهد أنا وابني، قال: فلما كان يوم يزيد بن زياد لقيهم الترك بسجستان، فكان أول جيش ينهزم من المسلمين ذلك الجيش،فقال صلة لابنه: يا بني ارجع إلى أمك، فقال: يا أبت أتريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجعة، وأنت والله كنت خيراً لأمي مني ، قال أما إذ قلت هذا فتقدم، فتقدم فقاتل حتى أصيب، فرمى صلة عن جسده، وكان رجلاً رامياً حتى تفرقوا عنه، وأقبل يمشي حتى قام عليه فدعا له، ثم قاتل حتى قتل.[75]

وعن ثابت البناني أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ترجل يوم كذا - اليرموك-، فقال له خالد بن الوليد رضي الله عنه: لا تفعل، فإن قتلك على المسلمون شديد، قال: خل عني يا خالد، فإنه قد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإني وأبي كنا أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمشى فقتل.[76]

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية: قال عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه يوم اليرموك: قاتلت رسول الله في مواطن كثيرة وأفر منكم اليوم؟ ثم نادى من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراح، وقتل منهم خلق، منهم ضرار بن الأزور رضي الله عنه، وقد ذكر الواقدي وغيره أنهم لما صرعوا من الجراح استسقوا الماء، فجيء إليهم بشربة ماء فلما قربت الى أحدهم نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فتدافعوا كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعاً ولم يشربها أحد منهم رضي الله عنهم أجمعين.[77]

وقال ابن كثير: إن أول من قتل من المسلمين يومئذ شهيداً - يعني في معركة اليرموك- رجل جاء إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فقال: إني قد تهيأت لأمري فهل لك من حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم، تقرأه عني السلام وتقول: يا رسول الله إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً . قال فتقدم هذا الرجل حتى قتل رحمه الله.[78]

أبو ذر التونسي رحمه الله تعالى، قتل في أفغانستان، كان حافظاً لكتاب الله شوقه للشهادة وللقاء الله لم يصبّره إلى انتظار المعركة، قرأ شيئاً من القرآن الكريم، ثم تقدم وحده على أعداء الله من الشيوعيين فقاتلهم حتى قتل.

كذلك فعل أبو هانئ المصري رحمه الله تعالى: كان المجاهدون في خنادقهم وكانت خنادق الشيوعين في الجهة المقابلة، فسمع المجاهدون صوت انفجارات ورصاص غزير، فإذا بأبي هانىء حمل على الأعداء وحده فقاتلهم حتى قتل رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

وروى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده حديث سلمة بن الأكوع الطويل وفيه، قال سلمة رضي الله عنه: قدمنا إلى المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت أنا ورباح غلام النبي صلى الله عليه وسلم بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله أريد أن أُنَدِّيَه[79] مع الإبل، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها، وخرج يطردها هو وأناس معه في الخيل، فقلت: يا رباح، اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد أغير على سرحه، قال: وقمت على تل فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه، قال: ثم اتبعت القوم معي سيفي ونبلي، فجعلت أرميهم واعقر بهم - إلى أن قال رضي الله عنه- فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي، وعلى أثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بعنان الأخرم فقلت: يا أخرم، احذرهم لا يقتطعوك، حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه ولحق أبو قتادة بعبد الرحمن فقتله. - الحديث-. قال النووي رحمه الله: في فوائد الحديث، ومنها: ما كانت الصحابة رضي الله عنهم من حب الشهادة والحرص عليها، ومنها إلقاء النفس في غمرات القتال، وقد اتفقوا على جواز التغرير بالنفس في الجهاد في المبارزة ونحوها، ومنها أن من مات في حرب الكفار بسبب القتال يكون شهيداً سواء مات بسلاحهم أو رمته دابة أو غيرها أو عاد إليه سلاحـــه.[80]

قال ابن النحاس الدمياطي رحمة الله عليه: وفي هذا الحديث الصحيح الثابت أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده، وإن غلب على ظنه أنه يقتل، وإذا كان مخلصاً في طلب الشهادة، كما فعل الأخرم الأسدي رضي الله عنه، ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم ينه الصحابة عن مثل فعله، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله،فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم، مع أن كلاهما حمل على العدو وحده، ولم يتأن إلى أن يلحق به المسلمون.[81]

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يحبهم الله عز وجل، رجل أتى قوماً فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلفهم رجل بأعقابهم فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله عز وجل والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به نزلوا فوضعوا رءوسهم فقام يتملقني ويتلو آياتي. ورجل كان في سرية فلقوا العدو فانهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له.[82]

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: ألا أخبركم بأفضل الشهداء عند الله منزلة يوم القيامة؟ الذين يلقون العدو في الصف، فإذا واجهوا عدوهم، لم يلتفت يمينا ولا شمالاً، واضعاً سيفه على عاتقه، يقول: اللهم إني أجزيك نفسي اليوم بما أسلفت في الأيام الخالية، فيقتل عند ذلك، فذلك من الشهداء الذين يتلبطون في الغرف العلى من الجنة حيث شاءوا.[83]

عن أبي إسحق عن البراء قال: جاء رجل من بني النبيت قبيل من الأنصار فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم فقاتل حتى قتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمل هذا يسيراً وأجر كثيراً.[84]

عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً استعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر، فإن قتل أو استشهد، فأميركم عبد الله بن رواحة، فلقوا العدو فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه، وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن إخوانكم لقوا العدو وإن زيداً أخذ الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه.[85] قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم، أن جعفر أخذ اللواء بيمينه، فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء، ويقال: إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة قطعه نصفين.[86]

قوله صلى الله عليه وسلم "فقاتل حتى قتل " أي أن الصحابي ينغمس في جيش الكافرين فيقاتلهم لا يخرج من المعركة حتى يقتل، فما بالك بجعفر الطيّار رضي الله عنه قطعت يده الأولى فلم يخرج من المعركة بل حمل الراية في يده الثانية، فقطعت، ولم يثنيه ذلك عن الخروج من المعركة، بل ضم الراية بذراعيه حتى قطع نصفين رضي الله عنه وأرضاه، فهل بعد هذا الانغماس ومن الإلقاء بالنفس في مهاوي الردى من دليل؟ ولم يعب الرسول صلى الله عليه وسلم صنيعهم هذا، بل بشرهم بالجنة، وبيّن أن جعفر رضي الله عنه يكون له جناحين بدل يديه يسرح في الجنة حيث شاء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه.[87]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل .[88]

قلت: أفضل حياة هي حياة المجاهد الذي يبتغي القتل والموت، في أي مكان يظن أن فيه قتل أو موت في أي معركة في أي جبهة تراه موجوداً فيها راغباً في القتل والموت في سبيل الله.

قال القرطبي: قال محمد بن الحسن الشيباني: لو حمل رجل واحد على ألف من المشركين، وهو وحده، لم يكن بذلك بأس، إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن لم يكن ذلك فهو مكروه، لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه، لأن فيه نفعاً للمسلمين على بعض الوجوه، فإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين في الدين، فلا يبعد جوازه، وإذا كان فيه نفع للمسلمين، فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر، فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه.[89]

قال الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى في تعليقه على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع" وذم الجبن يوجب مدح الإقدام والشجاعة فيما يعود نفعه على الدين وإن أيقن فيه التلف والله أعلم.[90]

عن عبد الله بن قيس قال: رأيتني خرجت في غزاة لنا، فدعي الناس إلى مصافهم في يوم شديد الريح، والناس يثوبون إلى مصافهم، فإذا رجل على فرس له، ورأس فرسي عند عجز فرسه، كأنه يقول وهو لا يشعرني: يا نفس، ألم أشهد مشهد كذا وكذا، فقلتِ لي: ولدك وأهلك، فأطعتُكِ ورجعت، أما والله لأعرضنك اليوم على الله عز وجل، أخذك أو ترككِ. قال: قلت لأرمقن هذا فرمقته -أي أتبعه بصري فأطلت النظر إليه-، فصف الناس، ثم حملوا على عدوهم، فكان في أوائلهم. ثم إن العدو حمل على الناس،فانكشفوا، فكان في حماتهم، ثم أن الناس حملوا، فكان في أوائلهم، ثم أن العدو حمل، فانكشف الناس فكان في حماتهم قال: فوالله مازال دأبه حتى مررت به، فعددت به وبدابته ستين طعنة، أو قال: أكثر من ستين طعنة.[91]

عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب رضي الله عن مقسم مولى ابن عباس، قال: بينما أنا جالس في بيت المقدس، ومعي رجل إذ أقبل إلينا رجل، فقال له صاحبي مرحبا بأبي إسحاق، فلما جلس، قلت لصاحبي: من هذا؟ قال: كعب الأحبار. فقلنا حدثنا رحمك الله، فقال: ينتهي الإثم إلى أن يشرك العبد بالله عز وجل وينكح أمه، وينتهي البر إلى أن يهراق دم العبد في الله عز وجل، والشهداء ثلاثة: رجل خرج من بيته يحب الشهادة، ويحب الرجعة، فيهدي الله عز وجل سهم غرب، فذلك أول قطرة من دمه يغفر الله تبارك وتعالى له كل خطيئة خطئها، ويرفع بكل قطرة من دمه درجة، حتى تنفى آخر قطرة من دمه. ورجل خرج من بيته يحب الشهادة، ويحب الرجعة، ثم باشر القتال، فذاك تمس ركبته ركبة إبراهيم عليه السلام في الرفيع، ورجل خرج من بيته يحب الشهادة ولا يحب الرجعة، فباشر القتال، فذلك كملك شاهر سيفه في الجنة، يتبوأ منها حيث شاء، ما سأل أعطي، وإن شفّع شفع.[92]




فضـل الشــهادة

اعلم أخي الموحد أن أفضل ما يتحصل عليه المرء وخير ما يؤتى أن يتخذه الله شهيداً، قال الله تعالى: {ويتخذ منكم شهداء}، وقال نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي دعا الله فقال: اللهم آتني خير ما تؤتي عبادك الصالحين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذاً يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله.[93]

والشهادة رتبة عظيمة ومرتبة رفيعة لا ينالها إلا من كان أهلاً لها، ومن كان ذا حظ عظيم {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}

قال تعالى:

{ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}.[94]

{وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء}.[95]

{ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون }.[96]

{فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب}.[97]

{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون }[98]

{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.[99]

{والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين}[100]

{والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم}.[101]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سأل جبريل عن هذه الآية {ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله}، من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم شهداء الله[102]

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها[103]

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أنها ترجع إلى الدنيا ولا أن لها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل في الدنيا لما يرى من فضل الشهادة (وفي رواية: لما يرى من الكرامة).[104]

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول ثلة تدخل الجنة، الفقراء المهاجرون الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا، وإن كانت للرجل منهم حاجة إلى سلطان لم تقض له حتى يموت وهي في صدره، وإن الله عز وجل ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها، فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا أو أوذوا وجاهدوا في سبيلي، أدخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب، فتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.[105]

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق نهر باب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا.[106]

وعن جابر رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي يا جابر ما لي: أراك منكسراً، قلت: يا رسول الله استشهد أبي، قتل يوم أحد وترك عيالاً وديناً. قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً. فقال: يا عبدي تمنّ علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: وأنزلت هذه الآية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) .[107]

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه. تابعه ابن جريج أخبرني محمد بن المنكدر سمع جابرا رضي الله عنه.[108]

عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا.[109]

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع. فقال: ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي؟! إنها جنان كثيرة وإنه لفي جنة الفردوس.

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقف العباد للحساب، جاء قوم واضعوا سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحما على باب الجنة، فقيل من هؤلاء؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء مرزوقين[110]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق نهر في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً وعشياً.[111]

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين.[112]

عن خالد بن معدان قال: الشهداء أمناء الله قتلوا أو ماتوا على فرشهم.[113]

عن نعيم بن همار أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الشهداء أفضل؟ قال: الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه.[114]

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه.[115]

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها -يعني الخمار- خير من الدنيا وما فيها.[116]

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، حتى يرى مخها، وذلك بان الله عز وجل يقول: {كانهن الياقوت والمرجان}[117]



تم بعون الله تعالى

المحب في الله
21-11-2003, 10:02 PM
أسألك بالله الذي لا يعزب عنه مثقال حبة في الأرض و لا في السماوات , هل قرأت ما نسخت ولصقت ؟

محب الحقيقه
21-11-2003, 10:40 PM
أفتى علمائنا الأفاضل بأننها (((أنتحـــــــــــــــــار)))

ولم يكن السلف يحرقون أنفسهم ويدخلون على العدو..

أفهمت يا تكفيري

saif al islam
22-11-2003, 04:35 PM
اعلم حفظك الله أني فعلا نسخت ولصقت ولكن الذي لصقته هو موضوعي أنا
فأبـــــــــــــــــويحيى المغربي هو نفسه أنا سيف الإسلام عندكم هنا بالمنتدى
وأنا من رواد منتدى البلسم
وأشارك في برنامج البالتوك بنفس الإسم أبايحيى ----- فلوا أردت النقاش العلمي صوتيا
أهلا بك في غرفة الأنصـــــــــــــــــار القسم العربي منبر أهل السنة والجماعة
وستجدني بنفس الإسم = ABA - YAHYA
وستجد جمع كبير من الإخوة ومستعدين جميعا لنقاش أفكاركم من أجل استيضاح الحق

والردود على الأمور العلمية التأصيلية ليست بهذه الطريقة حفظك الله
رد على التأصيل بالتأصيل لالالالا بالإنتقاص من قدر الأشخاص فرب أشعث ---- لو أقسم على الله
لأبره
وختاما أحيلك الى قوله تعالى :
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ , فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ , فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ

والى قوله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم بأن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله , والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحياثم أقتل) رواه البخاري ومسلم

وقال أيضا : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدمه حتى يأتيه الموت , وإن من شر الناس رجلا فاجرا يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه)

أســـــــــــــــــــــأل الله لك الهداية والجنــــــــــــــــــــــة

alamid
22-11-2003, 04:42 PM
جزاك الله خير..

وهُنالك فتاوي كثيرة من علمائنا الموثوقين تُجيز العمليات الإستشهادية..

محب الحقيقه
22-11-2003, 11:35 PM
سبحان الله الطيور على أشكالها تقع


العميد+سيف التكفير