ثريول
12-12-2003, 01:48 PM
:: المشهد رقم واحد ::
في أحد شوارع الدوحة أمام مبني يُبنى ..
في الحادي عشر من شهر يوليو ..الساعة الثانية عشر ظهراً..
رأيت في هذا المشهد مجموعةً من العمال الآسيويين وقد بانت على وجوههم ملامح الكره لما يعملون به.. وكذلك بانت عليهم مشاعر الحنين إلى الوطن البعيد ..
وقد لبسوا ثيابا رثّة مكسوة بالألوان والأصباغ والأتربة ولم تقتصر الأصباغ على ملابسهم بل جاوزته إلى أوجههم المكسوة بالسذاجة ..
وهم مستمرون في العمل .. بكل كلل وملل ..!!!!
رأيت أحدهم وهو يمسح العرق من جبينه ولايدري هذا المسكين بأنه حين يمسحه يوسخ وجهه ببقايا الأسمنت !
ثم نظر ناحيتي نظرة لاتوحي بأي شيء البتة .. مما أخافني فتحركت فوراً ..
:: المشهد رقم اثنين ::
في نفس المكان من نفس المبنى ولكن في الأول من شهر يناير ..
وجهت بصرى نحو هذا المشهد .... نفس العمال .. ونفس الملابس ..ونفس المشاعر .. بل ونفس الأوجه المكسوة بالغباء ..!
وقد بدأوا بالإنتفاض "لاعلى معزبينهم "
بل من الزمهرير الذي هم فيه.. !
فترى ذاك العامل وهو ينظر إلى السماء ونقاط المطر تبلل ثيابه الرثّة .. ثم ينظر ناحية المبنى نظرة العبد لسيده الظالم ..!
ولكنهم أستمروا بالعمل ... بنفس الكلل ونفس الملل ..!!
بعد سنتين .. أنتهى البناء .. وقام المبنى على سواعد هؤلاء ..
وبعد عشر سنوات .. أصبحت المنطقة كلها مباني ضخمة .. بعد أن كانت فراغ خالي من أي شيء ...
:: المشهد رقم ثلاثة ::
في المنطقة الصناعية .. في أحدى مساكن العمال ... حيث رائحة الكيما والصلونة و الشباتي منتشرة في أنحاء المسكن .. ونسبة الرطوبة 100% ..
وقد عُلِّقت على الجدران المليئة بالتصدعات ملابس العمال الملونة بألوان الطيف .. وأنسدح على الأرضية 25 عاملا بالرغم من أن الغرفة 6×6 فقط ..!
( I )
يعيشون حياتهم المعزولة .. الخالية من مظاهر الحياة الطبيعية ..
يعيشون في الظلمات ... فليس لهم سوى الليل .. والباقي للمطرقة والمنشار... فتراهم يتهامسون في طرف الغرفة ...وكأنهم يخططون لتفجير مبنى مليء بالأمريكان .. لكنهم أقل من هذا بكثير جداً ... فلا تتجاوز "سوالفهم" .. حاجز )أميتاب باتشان *( و )بقوان وصراعه الأسطوري مع ولد عمّ جدته "راما" **..( و )منظر غروب الشمس في مزارع الشاي في مدراس***( .. !
هم ليسوا من النوع المتذوق لجمال الكون ... لكنهم من النوع المحب لأي شيء .. أي شيء .. من الوطن ...!
*ممثل هندي معروف
** من آلهة الهندوس
***مدينة في شرق الهند
( II )
أحلامهم لا تتجاوز غرفهم .. ثمة من يحلم بأن يشتري راديو علّة يؤنسه في لياليه .. وهناك من يتمنى الذهاب للسينما لرؤية فيلم هندي لايهمه مضمونه ..
ثمة من يعبث بأنفه في الركن .. ويغني أغنية ألحانها وكلماتها تشبه ألحان وكلمات أغاني الفنان المخضرم .. أو بالأحرى )المُحَضرم( .." أبوبكر سالم" ..!!
أحدهم جلس يلعن أمه وأباه طول الليل لأنهم أخرجوه من المدرسة .. والآخر يتمتم بكلام لاتفسير له إلا أنه من لغة يأجوج و مأجوج ..!!
حينما تراهم ترسم لك مخيلتك مشهداً من مسرحية سمير غانم حينما يقول لأمرأته رديئة الطبخ :
البؤساء ..
( III )
سبحان مقلب الأحوال ... في السابق كان اللؤلو مصدر مال أجدادنا .. وزبائنهم في الغالب هم "مهرجو الهند " )صراحة ماعرفت جمع مهراجا ..!(
( IIII )
هذا هو عالمهم ... وعالمنا في الوقت ذاته ... بل قل هذه الدنيا ذات الوجهان .. الأسود والأبيض ...
نعيش نحن حياتنا بكل متعة .. التي بنى جزء منها ذاك الشخص ... ليس له أهمية ... بالرغم دوره الفعال فيها ... فقد أخذنا حيزاً ضخماً ولم يأخذ هو من الكعكة سوى أربع مئة ريال شهرياً قابلة للنقصان...
يعمل بصمت مطبق .. يضرب بالمطرقة المسمار .. أو يصلح بالمفك السخان .. أو يمد أسلاك الدش.. أو يزرع جرجيراً وجزراً .. والقليل من الفراولة اللذيذة ..!
يبني حضارتنا .. دولتنا .. مدينتنا .. فرجاننا ..ونحن نسكن عالمه الذي بناه لغيره...
فمن هذا المنبر ... أتكلم نيابة عن كل خليجي وخليجية ... فأقول لأولئك :
شكراً
وما قصرتوا صراحة ...
في أحد شوارع الدوحة أمام مبني يُبنى ..
في الحادي عشر من شهر يوليو ..الساعة الثانية عشر ظهراً..
رأيت في هذا المشهد مجموعةً من العمال الآسيويين وقد بانت على وجوههم ملامح الكره لما يعملون به.. وكذلك بانت عليهم مشاعر الحنين إلى الوطن البعيد ..
وقد لبسوا ثيابا رثّة مكسوة بالألوان والأصباغ والأتربة ولم تقتصر الأصباغ على ملابسهم بل جاوزته إلى أوجههم المكسوة بالسذاجة ..
وهم مستمرون في العمل .. بكل كلل وملل ..!!!!
رأيت أحدهم وهو يمسح العرق من جبينه ولايدري هذا المسكين بأنه حين يمسحه يوسخ وجهه ببقايا الأسمنت !
ثم نظر ناحيتي نظرة لاتوحي بأي شيء البتة .. مما أخافني فتحركت فوراً ..
:: المشهد رقم اثنين ::
في نفس المكان من نفس المبنى ولكن في الأول من شهر يناير ..
وجهت بصرى نحو هذا المشهد .... نفس العمال .. ونفس الملابس ..ونفس المشاعر .. بل ونفس الأوجه المكسوة بالغباء ..!
وقد بدأوا بالإنتفاض "لاعلى معزبينهم "
بل من الزمهرير الذي هم فيه.. !
فترى ذاك العامل وهو ينظر إلى السماء ونقاط المطر تبلل ثيابه الرثّة .. ثم ينظر ناحية المبنى نظرة العبد لسيده الظالم ..!
ولكنهم أستمروا بالعمل ... بنفس الكلل ونفس الملل ..!!
بعد سنتين .. أنتهى البناء .. وقام المبنى على سواعد هؤلاء ..
وبعد عشر سنوات .. أصبحت المنطقة كلها مباني ضخمة .. بعد أن كانت فراغ خالي من أي شيء ...
:: المشهد رقم ثلاثة ::
في المنطقة الصناعية .. في أحدى مساكن العمال ... حيث رائحة الكيما والصلونة و الشباتي منتشرة في أنحاء المسكن .. ونسبة الرطوبة 100% ..
وقد عُلِّقت على الجدران المليئة بالتصدعات ملابس العمال الملونة بألوان الطيف .. وأنسدح على الأرضية 25 عاملا بالرغم من أن الغرفة 6×6 فقط ..!
( I )
يعيشون حياتهم المعزولة .. الخالية من مظاهر الحياة الطبيعية ..
يعيشون في الظلمات ... فليس لهم سوى الليل .. والباقي للمطرقة والمنشار... فتراهم يتهامسون في طرف الغرفة ...وكأنهم يخططون لتفجير مبنى مليء بالأمريكان .. لكنهم أقل من هذا بكثير جداً ... فلا تتجاوز "سوالفهم" .. حاجز )أميتاب باتشان *( و )بقوان وصراعه الأسطوري مع ولد عمّ جدته "راما" **..( و )منظر غروب الشمس في مزارع الشاي في مدراس***( .. !
هم ليسوا من النوع المتذوق لجمال الكون ... لكنهم من النوع المحب لأي شيء .. أي شيء .. من الوطن ...!
*ممثل هندي معروف
** من آلهة الهندوس
***مدينة في شرق الهند
( II )
أحلامهم لا تتجاوز غرفهم .. ثمة من يحلم بأن يشتري راديو علّة يؤنسه في لياليه .. وهناك من يتمنى الذهاب للسينما لرؤية فيلم هندي لايهمه مضمونه ..
ثمة من يعبث بأنفه في الركن .. ويغني أغنية ألحانها وكلماتها تشبه ألحان وكلمات أغاني الفنان المخضرم .. أو بالأحرى )المُحَضرم( .." أبوبكر سالم" ..!!
أحدهم جلس يلعن أمه وأباه طول الليل لأنهم أخرجوه من المدرسة .. والآخر يتمتم بكلام لاتفسير له إلا أنه من لغة يأجوج و مأجوج ..!!
حينما تراهم ترسم لك مخيلتك مشهداً من مسرحية سمير غانم حينما يقول لأمرأته رديئة الطبخ :
البؤساء ..
( III )
سبحان مقلب الأحوال ... في السابق كان اللؤلو مصدر مال أجدادنا .. وزبائنهم في الغالب هم "مهرجو الهند " )صراحة ماعرفت جمع مهراجا ..!(
( IIII )
هذا هو عالمهم ... وعالمنا في الوقت ذاته ... بل قل هذه الدنيا ذات الوجهان .. الأسود والأبيض ...
نعيش نحن حياتنا بكل متعة .. التي بنى جزء منها ذاك الشخص ... ليس له أهمية ... بالرغم دوره الفعال فيها ... فقد أخذنا حيزاً ضخماً ولم يأخذ هو من الكعكة سوى أربع مئة ريال شهرياً قابلة للنقصان...
يعمل بصمت مطبق .. يضرب بالمطرقة المسمار .. أو يصلح بالمفك السخان .. أو يمد أسلاك الدش.. أو يزرع جرجيراً وجزراً .. والقليل من الفراولة اللذيذة ..!
يبني حضارتنا .. دولتنا .. مدينتنا .. فرجاننا ..ونحن نسكن عالمه الذي بناه لغيره...
فمن هذا المنبر ... أتكلم نيابة عن كل خليجي وخليجية ... فأقول لأولئك :
شكراً
وما قصرتوا صراحة ...