تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل تارك الصلاة كافر كفر مخرج من المله أم كفر دون كفر؟؟؟؟؟



abo_7ozayfa
06-02-2004, 06:22 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن كثيراً من المسلمين اليوم تعاونوا بالصلاة وأضاعوها حتى تركها بعضهم تركاً مطلقاً تهاوناً.
ولما كانت هذه المسألة من المسائل العظيمة الكبرى التي ابتلي بها الناس اليوم ، واختلف فيها علماء الأمة وأئمتها قديماً وحديثاً ، أحببت أن أكتب فيها ما تيسر.



إن هذه المسألة من مسائل العلم الكبرى، وقد تنازع فيها أهل العلم سلفاً وخلفاً، فقال الإمام أحمد بن حنبل: "تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، يقتل إذا لم يتب ويصل".

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: "فاسق ولا يكفر".

ثم اختلفوا فقال مالك والشافعي: "يقتل حداً" وقال أبو حنيفة: "يعزر ولا يقتل".

وإذا كانت هذه المسألة من مسائل النزاع، فالواجب ردها إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى:(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه) (الشورى:من الآية 10). وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء : من الآية 59).

ولأن كل واحد من المختلفين لا يكون قوله حجة على الآخر؛ لأن كل واحد يرى أن الصواب معه ، وليس أحدهما أولى بالقبول من الآخر، فوجب الرجوع في ذلك إلى حكم بينهما وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وإذا رددنا هذا النزاع إلى الكتاب والسنة ، وجدنا أن الكتاب والسنة كلاهما يدل على كفر تارك الصلاة ، الكفر الأكبر المخرج عن الملة .

أولاً: من الكتاب:

قال تعالى في سورة التوبة : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين) (التوبة : من الآية 11) .

وقال في سورة مريم : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (مريم : 59-60).

فوجه الدلالة من الآية الثانية – آية سورة مريم – أن الله قال في المضيعين للصلاة ، المتبعين للشهوات : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ) فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات غير مؤمنين .

ووجه الدلالة من الآية الأولى – آية سورة التوبة – أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين ثلاثة شروط :

* أن يتوبوا من الشرك .

* أن يقيموا الصلاة .

* أن يؤتوا الزكاة .

فإن تابوا من الشرك ، ولم يقيموا الصلاة ، ولم يؤتوا الزكاة ، فليسوا بإخوة لنا. وإن أقاموا الصلاة ، ولم يؤتوا الزكاة ، فليسوا بإخوة لنا .

والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية ، فلا تنتفي بالفسوق والكفر دون الكفر.

ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القتل : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) (البقرة : من الآية 178). فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول ، مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر، لقول الله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء : 93) .

ثم ألا تنظر إلى قوله تعالى في الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلوا : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) ، إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم) (الحجرات : 9-10) . فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة والطائفتين المقتتلتين ، مع أن قتال المؤمن من الكفر، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر"(1). لكنه كفر لا يخرج من الملة ، إذ لو كان مخرجاً من الملة ما بقيت الأخوة الإيمانية معه . والآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية مع الاقتتال .

وبهذا علم أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة ، إذ لو كان فسقاً أو كفراً دون كفر، ما انتفت الأخوة الدينية به ، كما لم تنتف بقتل المؤمن وقتاله .

فإن قال قائل : هل ترون كفر تارك إيتاء الزكاة كما دل عليه مفهوم آية التوبة ؟

قلنا : كفر تارك إيتاء الزكاة قال به بعض أهل العلم ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .

ولكن الراجح عندنا أنه لا يكفر، لكنه يعاقب بعقوبة عظيمة ، ذكرها الله تعالى في كتابه ، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، ومنها ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر عقوبة مانع الزكاة ، وفي آخره : "ثم يرى سبيله ، إما إلى الجنة وإما إلى النار". وقد رواه مسلم بطوله في : باب "إثم مانع الزكاة"(1) ، وهو دليل على أنه لا يكفر، إذ لو كان كافراً ما كان له سبيل إلى الجنة .

فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم آية التوبة ؛ لأن المنطوق مقدم على المفهوم كما هو معلوم في أصول الفقه.



ثانياً : من السنة :

1- قال صلى الله عليه وسلم : "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " .

رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).

2- وعن بريده بن الحصيب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يقول : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر". رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه(3).

والمراد بالكفر هنا : الكفر المخرج عن الملة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فصلاً بين المؤمنين والكافرين ، ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام ، فمن لم يأت بهذا العهد فهو من الكافرين .

3- وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "ستكون أمراء ، فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع . قالوا : "أفلا نقاتلهم ؟ قال : "لا ما صلوا"(1).

4- وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويعلنونكم". قيل : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : "لا ما أقاموا فيكم الصلاة"(2).

ففي هذين الحديثين الأخيرين دليل على منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة ، ولا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفراً صريحاً ، عندنا فيه برهان من الله تعالى ، لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه : "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فكان فيما أخذ علينا ، أن بايعنا على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ". قال : " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"(3).

وعلى هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، منابذتهم وقتالهم بالسيف كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان .

ولم يرد في الكتاب والسنة أن تارك الصلاة ليس بكافر أو أنه مؤمن ، وغاية ما ورد في ذلك نصوص تدل على فضل التوحيد ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وثواب ذلك ، وهي إما مقيدة بقيود في النص نفسه يمتنع معها أن يترك الصلاة ، وإما واردة في أحوال معينة يعذر الإنسان فيها بترك الصلاة ، وإما عامة فتحمل على أدلة كفر تارك الصلاة ؛ لأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة ، والخاص مقدم على العام .

فإن قال قائل : ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جاحداً لوجوبها ؟

قلنا : لا يجوز ذلك لأن فيه محذورين :

الأول : إلغاء الوصف الذي اعتبره الشارع وعلق الحكم به .

فإن الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود ورتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة ، دون الإقرار بوجوبها ، فلم يقل الله تعالى : فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة ، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة . أوالعهد الذي بيننا وبينهم الإقرار بوجوب الصلاة ، فمن جحد وجوبها فقد كفر.

ولو كان هذا مراد الله تعالى ورسوله لكان العدول عنه خلاف البيان الذي جاء به القرآن الكريم ، قال الله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل من الآية 89). وقال تعالى مخاطباً نبيه:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم) (النحل:من الآية 44).

الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطاً للحكم :

فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك .

فلوا صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل ما يعتبر لها من شروط ، وأركان ، وواجبات ، ومستحبات ، لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه لكان كافراً مع أنه لم يتركها .

فتبين بذلك أن حمل النصوص على من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها غير صحيح ، وأن الحق أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تتركوا الصلاة عمداً ، فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة ".

وأيضاً فإننا لو حملناه على ترك الجحود لم يكن لتخصيص الصلاة في النصوص فائدة، فإن هذا الحكم عام في الزكاة ، والصيام ، والحج ، فمن ترك منها واحداً جاحداً لوجوبه كفر إن كان غير معذور بجهل .

وكما أن كفر تارك الصلاة مقتضى الدليل السمعي الأثري ، فهو مقتضى الدليل العقلي النظري .

فكيف يكون عند الشخص إيمان مع تركه للصلاة التي هي عمود الدين ، والتي جاء من الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها . وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها ؟ فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقي إيماناً مع التارك .

فإن قال قائل : ألا يحتمل أن يراد بالكفر في تارك الصلاة كفر النعمة لا كفر الملة ؟ أو أن المراد به كفر دون الكفر الأكبر؟ فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم : "اثنتان بالناس هما بهم كفر: الطعن في النسب ، النياحة على الميت"(1). وقوله : "سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر(2)" ونحو ذلك .

قلنا : هذا الاحتمال والتنظير له لا يصح لوجوه :

الأول : أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الصلاة حداً فاصلاً بين الكفر والإيمان ، وبين المؤمنين والكفار. والحد يميز المحدود ويخرجه عن غيره ، فالمحدودان متغايران لا يدخل أحدهما في الآخر.

الثانى : أن الصلاة ركن من أركان الإسلام ، فوصف تاركها بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الإسلام ؛ لأنه هدم ركناً من أركان الإسلام ، بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلاً من أفعال الكفر.

الثالث : أن هناك نصوصاً أخرى دلت على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً من الملة؛ فيجب حمل الكفر على ما دلت عليه لتتلاءم النصوص وتتفق .

الرابع : أن التعبير بالكفر مختلف .

ففي ترك الصلاة قال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر(1)" فعبر بـ "أل" الدالة على أن المراد بالكفر حقيقة الكفر بخلاف كلمة "كفر" منكراً أو كلمة "كفر" بلفظ الفعل ، فإنه دال على أن هذا من الكفر، أو أنه كفر في هذه الفعلة وليس هو الكفر المطلق المخرج عن الإسلام .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص70 طبعة السنة المحمدية) على قوله صلى الله عليه وسلم : "اثنتان في الناس هما بهم كفر"(1) .

قال : "فقوله : "هما بهم كفر" أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس ، فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من أعمال الكفر، وهما قائمتان بالناس ، لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير بها كافراً الكفر المطلق ، حتى تقوم به حقيقة الكفر. كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمناً حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته . وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة(3)" وبين كفر منكر في الإثبات انتهى كلامه .

فإذا تبين أن تارك الصلاة بلا عذر كافر كفراً مخرجاً من الملة بمقتضى هذه الأدلة ، كان الصواب فيما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل وهو أحد قولي الشافعي كما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات) (مريم : من الآية 59) . وذكر ابن القيم في "كتاب الصلاة" أنه أحد الوجهين في مذهب الشافعي ، وأن الطحاوى نقله عن الشافعي نفسه.

وعلى هذا القول جمهور الصحابة ، بل حكى غير واحد إجماعهم عليه .

قال عبد الله بن شقيق : "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما(4).

وقال إسحاق بن راهويه الإمام المعروف : "صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر" .

وذكر ابن حزم أنه قد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ، قال : "ولا نعلم لهؤلاء مخالفاً من الصحابة". نقله عنه المنذري في (الترغيب والترهيب)(1) وزاد من الصحابة : عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وأبا الدرداء رضي الله عنهم . قال : "ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه ، وعبد الله بن المبارك ، والنخعي ، والحكم بن عتيبة ، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي ، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم". أ. هـ.

فإن قال قائل:ما هو الجواب عن الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة؟

قلنا : الجواب : أن هذه الأدلة لم يأت فيها أن تارك الصلاة لا يكفر، أو أنه مؤمن ، أو أنه لا يدخل النار، أو أنه في الجنة . ونحو ذلك .

ومن تأملها وجدها لا تخرج عن خمسة أقسام كلها لا تعارض أدلة القائلين بأنه كافر.

القسم الأول : أحاديث ضعيفة غير صريحة حاول موردها أن يتعلق بها ولم يأت بطائل .

القسم الثاني : ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة .

مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء) (النساء : من الآية 48). فإن معنى قوله تعالى : (مَا دُونَ ذَلِكَ) ما هو أقل من ذلك ، وليس معناه ما سوى ذلك ، بدليل أن من كذب بما أخبر الله به ورسوله ، فهو كافر كفراً لا يغفر وليس ذنبه من الشرك .

ولو سلمنا أن معنى (مَا دُونَ ذَلِكَ) ما سوى ذلك ، لكان هذا من باب العام المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر بما سوى الشرك ، والكفر المخرج عن الملة من الذنب الذي لا يغفر وإن لم يكن شركاً .

القسم الثالث : عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة .

مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل : "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار"(1) وهذا أحد ألفاظه ، وورد نحوه من حديث أبي هريرة(2) وعبادة بن الصامت(3) وعتبان بن مالك(4) رضي الله عنهم .

القسم الرابع : عام مقيد بما لا يمكن معه ترك الصلاة .

مثل قوله صلى الله عليه و سلم في حديث عتبان بن مالك : "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" رواه البخاري(5) .

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ : "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار" رواه البخاري(6) .

فتقييد الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصلاة ، إذ ما من شخص يصدق في ذلك ويخلص إلا حمله صدقه وإخلاصه على فعل الصلاة ولابد ، فإن الصلاة عمود الإسلام ، وهي الصلة بين العبد وربه ، فإذا كان صادقاً في ابتغاء وجه الله ، فلابد أن يفعل ما يوصله إلى ذلك ، ويتجنب ما يحول بينه وبينه ، وكذلك من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه ، فلابد أن يحمله ذلك الصدق على أداء الصلاة مخلصاً بها لله تعالى متبعاً فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ لأن ذلك من مستلزمات تلك الشهادة الصادقة .

القسم الخامس : ما ورد مقيداً بحال يعذر فيها بترك الصلاة .

كالحديث الذي رواه ابن ماجه(1) عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب" الحديث . وفيه : "وتبقى طوائف من الناس ، الشيخ الكبير والعجوز يقولون : "أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها" فقال له صلة : "ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون لا صلاة ، ولا صيام ، ولا نسك ، ولا صدقة " فأعرض عنه حذيفة ، ثم ردها عليه ثلاثاً ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال : " يا صلة ، تنجيهم من النار" ثلاثاً .

فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام ؛ لأنهم لا يدرون عنها ، فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه ، وحالهم تشبه حال من ماتوا قبل فرض الشرائع ، أو قبل أن يتمكنوا من فعلها ، كمن مات عقب شهادته قبل أن يتمكن من فعل الشرائع ، أو أسلم في دار الكفر فمات قبل أن يتمكن من العلم بالشرائع .

والحاصل أن ما استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة لا يقاوم ما استدل به من يرى كفره ، لأن ما استدل به أولئك : إما أن يكون ضعيفاً غير صريح ، وإما ألا يكون فيه دلالة أصلاً ، وإما أن يكون مقيداً بوصف لا يتأتى معه ترك الصلاة ، أو مقيداً بحال يعذر فيها بترك الصلاة ، أو عاماً مخصوصاً بأدلة تكفيره ! .

فإذا تبين كفره بالدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم ، وجب أن تترتب أحكام الكفر والردة عليه ، ضرورة أن الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً .





--------------------------------------------------------------------------------

(1) رواه البخاري، كتاب الأيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، رقم (48) ومسلم، كتاب الأيمان، باب بيان قول النبي صلى الله عليه و سلم : "سباب المسلم فسوق" رقم (64) .

(1) رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب إثم مانع الزكاة ، رقم (987) .

(2) رواه مسلم ، كتاب الأيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ، رقم (82) .

(3) رواه أحمد (5/346) والترمذي ، كتاب الأيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم (2621) وقال : حديث حسن صحيح غريب . والنسائي ، كتاب الصلاة ، باب الحكم في تارك الصلاة رقم (463) وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة رقم (1079) .

(1) رواه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع ، رقم (1854) .

(2) رواه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب خيار الأئمة وشرارهم رقم (1855) .

(3) رواه البخاري ، كتاب الفتن ، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم : "سترون بعدي أموراً تنكرونها" رقم (7055- 7056) ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، رقم (1709م) .

(1) رواه مسلم ، كتاب الأيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب رقم (67) .

(2) سبق تخريجه .

(1) سبق تخريجه .

(1) سبق تخريجه .

(3) سبق تخريجه .

(4) رواه الترمذي ، كتاب الأيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم (2622) والحاكم (1/7) .

(1) الترغيب والترهيب (1/445- 446) .

(1) رواه البخاري ، كتاب العلم ، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم ، رقم (128) ومسلم ، كتاب الأيمان ، باب من لقي الله بالأيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة ، رقم (33) .

(2) أخرجه مسلم رقم (27) .

(3) أخرجه مسلم رقم (29) .

(4) سيأتي تخريجه .

(5) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب المساجد في البيوت ، رقم (425) ومسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر رقم (33م) .

(6) سبق تخريجه .

(1) رواه ابن ماجه ، كتاب الفتن ، باب ذهاب القرءان والعلم ، رقم (4049) والحاكم (4/473) وقال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح ، رجاله ثقات. وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم .

abo_7ozayfa
06-02-2004, 11:33 PM
من كلام الشيخ بن العثيمين رحمه الله