المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كانجي وكانا... وأشياء أخرى



holly_smoke
25-07-2001, 02:29 PM
كانجي وكانا... وأشياء أخرى
كان يجلس أمامي في الحافلة، ويتحدث إلى شاب صغير عن التجربة اليابانية التي جعلت اليابان تتبوأ هذه المكانة الهامة. أثار انتباهي تأكيده عندما تحدث عن تقدم صناعة الحوسبة اليابانية، أن السبب الرئيس في نجاح اليابانيين يتمثل في إدخالهم آلاف الكلمات الإنجليزية كما هي من غير تعديل، ومن غير إلباسها لباساً يابانياً، ودعوته إلى تطبيق ذلك على اللغة العربية.
أخذت أرقب ذلك الشخص وهو يترجل من الحافلة، وفي نفسي رغبة في إلقاء القبض عليه بتهمة الإدلاء بمعلومات كاذبة، وخاصة أنه تجرأ على إجابة الشاب إجابة تخلو من كل صحة، عندما سأله: كيف يستطيع اليابانيون إدخال النصوص باستخدام لوحة المفاتيح الصغيرة هذه، على الرغم من أن أبجديتهم تتألف من آلاف الحروف؟
يتكلم اليابانية، عزيزي القارئ، مائة وخمسون مليون نسمة، معظم يعيشون في اليابان، ويتكلم بها بالإضافة إلى ذلك بعض الصينيين والكوريين الذين عاشوا تحت الاحتلال الياباني في النصف الأول من القرن العشرين. وكانت اللهجات المحلية تختلف اختلافاً شديداً، بحيث يصعب أن يفقه رجل من البر الرئيس كلام رجل من جزر ريوكو، لكن الانتشار السريع للتعليم بعد سنة 1868 ساهم في إيجاد لغة مشتركة من لهجة سكان مدينة طوكيو، وقد عجّلت الهجرة الكبيرة من الريف إلى المدينة بعد الحرب وتأثير الإعلام من عملية الاستيعاب هذه.
تتألف اللغة اليابانية من خمس حركات ومن خمسة عشر حرفاً ساكناً. تأخذ الأسماء والصفات والأفعال في اليابانية نهايات مختلفة حسب حالتها الإعرابية، كما في العربية. ولكن استخدام الضمائر في اللغة اليابانية صعب إلى درجة كبيرة، نتيجة للنظام المعقد في الحياة الاجتماعية، كما أن لفظ الكلمة الواحدة يمكن أن يكون له عدة معان، وذلك تبعاً لتغيّر نغمة الصوت.
تشكل الكلمات الأصيلة القسم الأكبر من اللغة اليابانية، تليها الكلمات المنحدرة من اللغة الصينية التي أدّت دوراً هاماً في تطوير النصوص الثقافية والفلسفية باللغة اليابانية بين القرنين السادس والتاسع الميلاديين، بطريقة مشابهة للدور الذي أدّته اللغتان اليونانية واللاتينية في تطوير اللغة الإنجليزية. وينحدر القسم الأصغر، وهو قسم حديث العهد، من لغات غربية مثل الإنجليزية والفرنسية واليونانية واللاتينية.
يعمد اليابانيون إلى يبننة (japanization) الكلمات الدخيلة من اللغة الإنجليزية بطريقة لافتة للنظر، لا يمكن بعدها معرفة الكلمة الأصلية أبداً، وليس كما ادعى راكب الحافلة، وذلك بسبب احترام اليابانيين للفرق الكبير في أسلوب نطق المفردات بين لغتهم واللغات الأخرى، وغياب بعض الحروف من اللغة اليابانية مثل حرفي اللام وv.
من الملامح الأساسية لعملية إدخال الكلمات المستوردة إلى اللغة اليابانية حذف الراء في معظم الأحيان، مثل konpyuta (حاسوب) بدلاً من computer. ووجوب تحريك آخر الكلمة، مثل kibodo (لوحة مفاتيح) بدلاً من keyboard أو intaneto (إنترنت) بدلاً من internet. وتحريك الساكن الأول من ساكنين إذا ما التقيا، مثل sofuto (برمجيات) بدلاً من software أو disuku (قرص) بدلاً من disk. وقلب اللام راءً، مثل fairu (ملف) بدلاً من file أو foruda (مجلد) بدلاً من folder. وقلب v باءً، مثل birusu (فيروس) بدلاً من virus أو saba (مزوّد) بدلاً من server. وقلب السين شيناً أحياناً، مثل shidi (قرص مدمج) بدلاً من CD.
أما الإجابة على سؤال ذلك الشاب حول الكتابة باليابانية باستخدام لوحة المفاتيح، فتحتاج إلى الحديث أولاً عن نظم الكتابة المستعملة في اليابان. إذ يستعمل اليابانيون ثلاثة أنواع من الكتابة، أولها "كانجي"، وهي كتابة ظهرت أصلاً في الصين منذ أربعة آلاف عام، وتضم أكثر من خمسين ألف رمز، يمثل كل منها فكرة أو شيئاً (وبالتالي كلمة مستقلة). وثانيها "كانا" أو الكتابة المقطعية التي صُمّمت قبل ألف سنة لتسهيل الكتابة على النساء، ثم أصبحت كتابة رسمية فيما بعد. يمثل كل رمز من رموز كانا مقطعاً صوتياً بدلاً من كلمة، مثل "سا" و "كو" و "را" وهكذا. ويمكن تمثيل أيّ من رموز كانجي البالغة أكثر من خمسين ألف رمز، كما أشرنا، برموز كانا البالغة 46 رمزاً فقط. ويوجد نوعان من كانا هما "هيراجانا" و"كاتاكانا". وثمة كتابة ثالثة تسمى "روماجي" وهي الأبجدية اللاتينية التي استعملتُها قبل قليل لكتابة الكلمات اليابانية الواردة في المقطع السابق.
يشكل العدد الكبير لرموز كانجي عقبة كؤوداً في وجه التعليم. ولذلك فقد حددت الحكومة اليابانية عام 1946 مجموعة من الرموز للاستخدام الرسمي في الجرائد والمدارس تضم 1850 رمزاً، ثم أضافت إليها 45 رمزاً في العام 1981. ولكن بقية رموز كانجي لا زالت مستخدمة على نطاق واسع، حتى أن ملفات خطوط يونيكود تتضمن معظمها، كما أن درجة ثقافة الرجل الياباني ما زالت تقاس بعدد رموز كانجي التي يحفظها قراءة وكتابة.
تُستخدم كانجي مع كانا جنباً إلى جنب، بحيث يكتب جذر الكلمة بكانجي إن كانت هذه الكلمة يابانية أو صينية الأصل، ويضاف إليها العلامات الإعرابية بهيراجانا. بينما يقتصر استخدام كاتاكانا على كتابة الكلمات الدخيلة من الإنجليزية والفرنسية والألمانية وهكذا. وتستخدم روماجي أساساً لكتابة أسماء المنظمات والشركات، ولكنها تصلح أيضاً للتعبير عن الجملة اليابانية بحروف لاتينية، لمن لا يتقن كانجي ولا كانا.
تبدأ عملية الكتابة في برامج تحرير النصوص بكتابة النص بما يقابله في روماجي على لوحة مفاتيح عادية، ثم يقوم برنامج تحرير النصوص بتحويل هذا النص تلقائياً إلى ما يقابله في هيراجانا أو كاتاكانا. يقوم المستخدم بعد ذلك بتحويل الكلمات المكتوبة بهيراجانا إلى كانجي، إما بانتقاء الرمز المناسب من مجموعة من الخيارات المتاحة في عملية نصف آلية، أو بأن يعهد إلى برنامج تحرير النصوص بهذه المهمة آلياً، إلا أنّ أفضل محررات النصوص اليابانية لا زالت ترتكب العديد من الأخطاء.
ترى لماذا يعتقد البعض أن اللغة العربية تقف في طريقنا حجر عثرة، ويسخر ممن ينادي بإضفاء مسحة عربية على الكلمة الدخيلة، إن اضطررنا إلى استخدامها؟
وهل يوجد ما يبرر امتناع بعض الشركات عن دعم اللغة العربية ذات الحروف الثمانية والعشرين في برمجياتها، في حين تقدم دعماً منقطع النظير للغة اليابانية؟