HAMAD 11
11-03-2004, 08:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
====================
الإمام أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي
الإمام الرضي الثقة الثبت النزيه العلامة الجليل التابعي جابر بن زيد من ولد عمرو بن اليحمد الأزدي ، الفرقي النزوي رضي الله عنهُ ، وكنيته أبو الشعثاء ولد بقرية فرق من أعمال نزوى في العام الثامن عشر الهجري ، وهُناك رواية تقول أنه ولد في العام الثالث الهجري ، والقول الأول هو الأصح ، وهو تابعي من كبار التابعين على الشهير ، وأبوه فاضل وثقه ، بل صحابي على الكثير ، فهو قدوة العُلماء الأعلام ، ومنار الهدى بمنهج الإسلام ، نزوى عُماني بصريّ ، تـُوفي في العام الثالث والتسعين ، وقيل في العام السادس والتسعين الهجري ، والقول الأول هو الذي يُعتمده ويميل إليه المؤرخون .
مكانته العلمية
قرأ إمامنا أبو الشعثاء على يد والده كتاب الله وبعض مابديء العقيدة واللغة ما تيسر له آنذاك وشغفه في العلم حفزه على الارتحال إلى طلب العلم من حاضرته آنذاك وهي البصرة التي يرد إليها طالبو العلم من كُل حدب وصوبلكونها تحتضن أئمة العلم وناشريه وقادة الدين وناصريه ، ولقد وجد هنالك من يقارنه من الأكفاء ، فبقي في البصرة يتلقى العلم بمختلف فنونه ، كالحديث وتفسير القرآن وأصول الفقه ، ثم توجه إلى المدينة المنوّرة ، ليكون بمقربة من الينابيع الصافية ، فأقام بجوارها وارتوى منها ريَّا حتى تضلّع ، وأكثر من أخذ عنهم العلم السيدة عائشة أم المؤمنين ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن العباس رضي الله عنهم ، ويقول : إني أخذت العلم عن سبعين بدرياً وحويت ما عندهم إلا البحر ، يعني عبدالله بن العباس ، وبعدها تبحر في العلم عاد إلى البصرة لينشر لواء العلم ويُساهم في إعلاء صرح الإسلام ، فتتلمذ على يده عدد من التابعين وتابعي التابعين ، فمن التابعين قتادة شيخ الإمام البخاري ، وعمرو بن دينار وعبدالله بن أباض ، وأبو عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة التمتمي ، وضمام بن السائب ، وأبو نوح صالح الدهان ، وسلمه بن سعد الحضرمي وأبو فقاس ، وصحار بن العباس العبدي ، وجيفر بن السماك ، وحتات بن كاتب السري ، وغيرهم مما يطول بتعدادهم المقام ، ثم وفد إليه الوفود من عُمَان واليمن والمغرب وخرسان ، إضافة إلى الأزد وتميم القاطنين بالبصرة ، وهُنا يتضح أنه أقدم الأئمة ، فيعتبر أول أئمة المذاهب الإسلامية ، أخذ علمه من مصادره الصافية نقياً من شوائب العصبيات المذهبيّة ، والنزاعات السياسية ، متصلاً اتصالاً مُباشراً بالعصر النبوي الطاهر ، فهو إمام مذهب الاستقامة ، سبق من جاء بعده من مذاهب ، بعيداً عن افتراق الأمة الإسلامية إلى مذاهب ، فمذهبه أصفى من تكدره الأهواء ، مصدره الكتاب والسنة الصحيحة التي رواها الثقات ، بعيداً عن الغلوّ والعصبيات ، وجاءت المذاهب الأخرى وهو في عصمة ثابتة ، وذلك بعده بزمن بعيد ، فقد جاء المذهب الحنفي بعد وفاة الإمام جابر بقرابة نصف قرن ، حيث ولد الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت عام 80 هجري ، وظهر المذهب الحنفي بعد عام 125 للهجرة ، وكذلك المذهب المالكي ، إذ ولد الإمام مالك بن أنس بن عامر الأصبعي المكني بأبي عبدالله عام 90 للهجرة ، وظهر المذهب المالكي بعد عام 140 للهجرة ، أما نشأة كل من المذاهب الشافعي والمذهب الحنبلي فبعد ذلك بكثير ، فقد ولد الامام أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي عام 150 للهجرة ، وظهر المذهب الشافعي عام 190 للهجرة ، وولد الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني عام 164 للهجرة ، وظهر المذهب الحنبلي بعد عام 250 للهجرة ، وجميع هؤلاء الأئمة الأربعة يفصل بينهم وبين العصر النبوي الطاهر زمن طويل ، كما أنهم لم تكُن لهم دعوة إلى تعصب مذهبي ، حاشاهم ، وجاءت الإفتراضات المذهبية وهم بعيدون عنها ، وكانت لهُم اجتهادات وآراء ، فمن أخذ بها لم يخطيء ، ومن تركها وتمسك بما يراه غيرهم لم يفارقوه ولا برأوا منه ، وما يزال الإخاء الإسلامي في تماسكه القوي ، حتى جاءت العصبيات وظهر التعصب للآراء العقائدية منذ العصر الأموي ، وأخذت المصالح السياسية والطائفية تتبلور ، فقام كل يتعصب لمذهب دون مذهب وتمخض ذلك عن فرقة عارمة في الإسلام ، ولله في خلقه شئون .
مكانة الإمام أبي الشعثاء في المُجتمع
يتضح لنا مركز الإمام جابر في المُجتمع الإسلامي ومكانته من خلال ما يلي : لقد تقدم أن الإمام رحمه الله نشر العلم وأفنى عمره في توطيد الدين واظهار الحق وإنكار المُنكر ، متحملاً إيذاء بني أميَّة وعلى رأسهم الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي ، عاملا على إعلاء الحق ، وفي ظل تلك الشدة كان رحمه الله مفتي البصرة وإليه ترجع الفتيا ، وأشاد به عدد من أقطاب الأمة الإسلامية ، من صحابة وتابعين وتابعي التابعين ، فمن الصحابة رضوان الله عليهم ، قال عنه البحر عبدالله بن عباس : عجباً لأهل العراق يسألوننا وفيهم جابر بن زيد ، لو سأله أهل الأرض لوسعهم علمه . وقال عن الحسن البصري لما مات : اليوم مات أعلم من في الأرض ، اليوم مات أعلم من في الأرض ، وقال عنه أياس بن معاوية : أدركت الناس ما فيهم مفتٍ غير جابر بن زيد ، وعن الإمام ابن حزم قال : أُفٍ لكل إجماع يخرج عنه عليَّ كرم الله وجهه ، وعبدالله بن مسعود ، وابن عباس ، وابن مالك ، والصحابة بالشام رضوان الله عليهم جميعاً ، ويخرج عنه التابعون كابن سيرين وجابر بن زيد ، وقال عنه العلامة الشماخي : جابر بحر العلم وسراج الدين وأصل المذهب الإباضي وأسه الذي قامت عليه آطامه . ولجابر مكانة خاصة لدى ابن عباس وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما ، وهما أغلب من أخذ عنهم العلم ، وكان يسأل عائشه عن كُل ما دق وجل ، ودخل عليها ذات مرة ومعه أبو بلال المرداس بن جدير ، فذكر لها حديث خروجها على الإمام علي فتابت من ذلك واستغفرت ، والإمام جابر من رواة الحديث ، فهو يروي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أم المؤمنين وأبي هريرة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ومعاوية وعلي بن أبي طالب وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ، بعضهم نقلاً عنهم بالمشافهة ، وبعضهم بالبلاغ من طريق الثقات . وقال صاحب كتاب رحمة الأمة : كان ابن عباس يستخلف جابراً في الفتيا ذكره العلامة صاحب كاتب الاستقامة .
تلاميذه :
لقد تتلمذ على يد الإمام جابر عدد من العلماء ، ونقلوا عنه العلم إلى مُختلف أرجاء المعمورة ، ولم تسمِّ المصادر كلهم ، لكن أشهرهم أبو عبيده مسلم بن أبي كريمة التمتمي رحمه الله ، ومرداس بن حدير ، وعبدالله بن أباض ، وقتادة شيخ الإمام البخاري ، وعروة بن دينار وضمام بن السائب ، وأبو نوح صالح الدهان ، وحيّان الأعرج ، وسليمه بن سعيد وأبو فقاس وكان ممن يصحبونه إلى ابن عباس ، وافتقده ابن عباس في يوم منالأيام فسأل ابن عباس جابراً عنه فقال له : أين صاحبك ؟ قال : أخذه ابن زياد . قال ابن العباس : أوأنه لمتهم ؟ قال : أوما أنت مُتهم ؟ قال : اللهم بلى . وقد خلفه في نشر لواء العلم العلامة أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمه ، وحمل عنه العلم إلى عُمَان الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي ، صاحب المُسند الشهير والمشايخ الأجلاء المنير بن النيِّر الجعلاني ، ومحمد بن المعلا الكندي ، والبشير بن المُنذر النزوي وأبو محمد محبوب بن الرحيل ، وموسى بن أبي جابر الأزكوي ، وهاشم بن غيلان السيجاني ، وعدد كثير غيرهُم .
مؤلفاته :
لقد كان الإمام جابر من أوائل الذين قاموا بالتأليف فقد اهتم بتدوين ما تعلمه ووعاه من علم شامل نافع ، وفقه كامل واسع ، وزاد على ذلك فتاويه التي أفتاها وآراءه التي تفرّد بها ، فجمع ذلك كله في ديوانه الكبير المسمى ديوان جابر ، وللأسف لم يشاء الله بقاء هذا الديوان الذي قيل أنه واسع جداً ويقع في عشر مُجلدات ضخمة . ولقد كان هذا الكنز العلمي النفيس محفوظاً بمكتبه ببغداد حتى جاء التتار (المغول) واجتاحوا العراق ونشروا الفساد وأحرقوا المكتبة . وبقيت نسخة واحدة في المغرب العربي ، قيل أنها وقعت في يد أحد طلبة العلم وهو النّفاث فرج بن نصر الذي اختلف مع الإمام عبدالوهاب بن عبدالرحمن الرستمي رحمه الله في تاهرت بالجزائر ، ولكن نفّاثاً قام باتلاف النسخة الموجودة لديه حسداً في ذلك . لكن يحتوي مستند الإمام الربيع بن حبيب على أحاديث صحيح ومنه ما إحتواه فقه الإمام جابر بن زيد تأليف يحيى محمد بكوش ، الذي جمع آراء الإمام الفقيه وبعض مروياته . كما ان المسائل المروية عن الإمام جابر في الكتب العديدة المشتملة على الفقه الإسلامي كل هذه وتلك مما حواه الديوان المذكور ، وما يدعوا إلى السرور والشكر لله هو أن عُلماء الإباضية هُم الذين أحرزوا السبق في مضمار التأليف ، وهذا ما أثبتته مصادر التاريخ ، وتجدر الإشارة إلى وجود مخطوطة من مجموعة مسائل فقهية للإمام جابر بالمكتبة الملكية بلندن ، توجد صورة من هذه المخطوطة بمكتبة وزارة التراث القومي والثقافة بمسقط ، كان الإمام أبو الشعثاء رحمه الله ، واسع العلم وقَّاد الفكر ، حاد الذاكرة ، قويّ الفطنة والذكاء ، والدليل على ذلك تعايشه مع بني أميَّة ، وهو بعيد عنهم وعن اتجاهاتهم وما هُم عليه من تعسف في الحكم والمُعتقد ، وهم يعلمون حقيقته ، ويظهر من ذلك قول الحجاج المشهور بعد إحدى خطب الجمعة التي أطال فيها حتى كاد يخرج وقت الصلاة ، فصلى الإمام إيماءً ، فانتبه الحجاج وقال : لقد علمنا من صلى ومن لم يصلِ ، ورغم اختلافه معهم إلا أنه من أصحاب ديوانهم ، يأخذ منهم عطاءه حال العاملين لهم ، إلا أنه لم يعنهم على مظلمه ولا سعى إليهم يوماً بكلمة ، ولا عمل لهم عملا ، وبعدما ضاق الحجاج ذرعاً سجنه لئلا يحضر الحج ويعلو فيه صوت الحق ويلتقي بأهله الذين يمتعضون من بني أمية عامة ومن الحجاج خاصة ، حتى جاء أول يوم من ذي الحجة فأطلق سراحه لعله لا يلحق بالحج ، ولكن لم ينل من عزيمته شيئاً فأتى ناقته وشد رحاله ولحق بموسم الحج ، ويقال عنه أنه حج أربعين حجة في عمره ، رحمه الله .
====================
وشكرا :)
====================
الإمام أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي
الإمام الرضي الثقة الثبت النزيه العلامة الجليل التابعي جابر بن زيد من ولد عمرو بن اليحمد الأزدي ، الفرقي النزوي رضي الله عنهُ ، وكنيته أبو الشعثاء ولد بقرية فرق من أعمال نزوى في العام الثامن عشر الهجري ، وهُناك رواية تقول أنه ولد في العام الثالث الهجري ، والقول الأول هو الأصح ، وهو تابعي من كبار التابعين على الشهير ، وأبوه فاضل وثقه ، بل صحابي على الكثير ، فهو قدوة العُلماء الأعلام ، ومنار الهدى بمنهج الإسلام ، نزوى عُماني بصريّ ، تـُوفي في العام الثالث والتسعين ، وقيل في العام السادس والتسعين الهجري ، والقول الأول هو الذي يُعتمده ويميل إليه المؤرخون .
مكانته العلمية
قرأ إمامنا أبو الشعثاء على يد والده كتاب الله وبعض مابديء العقيدة واللغة ما تيسر له آنذاك وشغفه في العلم حفزه على الارتحال إلى طلب العلم من حاضرته آنذاك وهي البصرة التي يرد إليها طالبو العلم من كُل حدب وصوبلكونها تحتضن أئمة العلم وناشريه وقادة الدين وناصريه ، ولقد وجد هنالك من يقارنه من الأكفاء ، فبقي في البصرة يتلقى العلم بمختلف فنونه ، كالحديث وتفسير القرآن وأصول الفقه ، ثم توجه إلى المدينة المنوّرة ، ليكون بمقربة من الينابيع الصافية ، فأقام بجوارها وارتوى منها ريَّا حتى تضلّع ، وأكثر من أخذ عنهم العلم السيدة عائشة أم المؤمنين ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن العباس رضي الله عنهم ، ويقول : إني أخذت العلم عن سبعين بدرياً وحويت ما عندهم إلا البحر ، يعني عبدالله بن العباس ، وبعدها تبحر في العلم عاد إلى البصرة لينشر لواء العلم ويُساهم في إعلاء صرح الإسلام ، فتتلمذ على يده عدد من التابعين وتابعي التابعين ، فمن التابعين قتادة شيخ الإمام البخاري ، وعمرو بن دينار وعبدالله بن أباض ، وأبو عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة التمتمي ، وضمام بن السائب ، وأبو نوح صالح الدهان ، وسلمه بن سعد الحضرمي وأبو فقاس ، وصحار بن العباس العبدي ، وجيفر بن السماك ، وحتات بن كاتب السري ، وغيرهم مما يطول بتعدادهم المقام ، ثم وفد إليه الوفود من عُمَان واليمن والمغرب وخرسان ، إضافة إلى الأزد وتميم القاطنين بالبصرة ، وهُنا يتضح أنه أقدم الأئمة ، فيعتبر أول أئمة المذاهب الإسلامية ، أخذ علمه من مصادره الصافية نقياً من شوائب العصبيات المذهبيّة ، والنزاعات السياسية ، متصلاً اتصالاً مُباشراً بالعصر النبوي الطاهر ، فهو إمام مذهب الاستقامة ، سبق من جاء بعده من مذاهب ، بعيداً عن افتراق الأمة الإسلامية إلى مذاهب ، فمذهبه أصفى من تكدره الأهواء ، مصدره الكتاب والسنة الصحيحة التي رواها الثقات ، بعيداً عن الغلوّ والعصبيات ، وجاءت المذاهب الأخرى وهو في عصمة ثابتة ، وذلك بعده بزمن بعيد ، فقد جاء المذهب الحنفي بعد وفاة الإمام جابر بقرابة نصف قرن ، حيث ولد الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت عام 80 هجري ، وظهر المذهب الحنفي بعد عام 125 للهجرة ، وكذلك المذهب المالكي ، إذ ولد الإمام مالك بن أنس بن عامر الأصبعي المكني بأبي عبدالله عام 90 للهجرة ، وظهر المذهب المالكي بعد عام 140 للهجرة ، أما نشأة كل من المذاهب الشافعي والمذهب الحنبلي فبعد ذلك بكثير ، فقد ولد الامام أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي عام 150 للهجرة ، وظهر المذهب الشافعي عام 190 للهجرة ، وولد الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني عام 164 للهجرة ، وظهر المذهب الحنبلي بعد عام 250 للهجرة ، وجميع هؤلاء الأئمة الأربعة يفصل بينهم وبين العصر النبوي الطاهر زمن طويل ، كما أنهم لم تكُن لهم دعوة إلى تعصب مذهبي ، حاشاهم ، وجاءت الإفتراضات المذهبية وهم بعيدون عنها ، وكانت لهُم اجتهادات وآراء ، فمن أخذ بها لم يخطيء ، ومن تركها وتمسك بما يراه غيرهم لم يفارقوه ولا برأوا منه ، وما يزال الإخاء الإسلامي في تماسكه القوي ، حتى جاءت العصبيات وظهر التعصب للآراء العقائدية منذ العصر الأموي ، وأخذت المصالح السياسية والطائفية تتبلور ، فقام كل يتعصب لمذهب دون مذهب وتمخض ذلك عن فرقة عارمة في الإسلام ، ولله في خلقه شئون .
مكانة الإمام أبي الشعثاء في المُجتمع
يتضح لنا مركز الإمام جابر في المُجتمع الإسلامي ومكانته من خلال ما يلي : لقد تقدم أن الإمام رحمه الله نشر العلم وأفنى عمره في توطيد الدين واظهار الحق وإنكار المُنكر ، متحملاً إيذاء بني أميَّة وعلى رأسهم الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي ، عاملا على إعلاء الحق ، وفي ظل تلك الشدة كان رحمه الله مفتي البصرة وإليه ترجع الفتيا ، وأشاد به عدد من أقطاب الأمة الإسلامية ، من صحابة وتابعين وتابعي التابعين ، فمن الصحابة رضوان الله عليهم ، قال عنه البحر عبدالله بن عباس : عجباً لأهل العراق يسألوننا وفيهم جابر بن زيد ، لو سأله أهل الأرض لوسعهم علمه . وقال عن الحسن البصري لما مات : اليوم مات أعلم من في الأرض ، اليوم مات أعلم من في الأرض ، وقال عنه أياس بن معاوية : أدركت الناس ما فيهم مفتٍ غير جابر بن زيد ، وعن الإمام ابن حزم قال : أُفٍ لكل إجماع يخرج عنه عليَّ كرم الله وجهه ، وعبدالله بن مسعود ، وابن عباس ، وابن مالك ، والصحابة بالشام رضوان الله عليهم جميعاً ، ويخرج عنه التابعون كابن سيرين وجابر بن زيد ، وقال عنه العلامة الشماخي : جابر بحر العلم وسراج الدين وأصل المذهب الإباضي وأسه الذي قامت عليه آطامه . ولجابر مكانة خاصة لدى ابن عباس وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما ، وهما أغلب من أخذ عنهم العلم ، وكان يسأل عائشه عن كُل ما دق وجل ، ودخل عليها ذات مرة ومعه أبو بلال المرداس بن جدير ، فذكر لها حديث خروجها على الإمام علي فتابت من ذلك واستغفرت ، والإمام جابر من رواة الحديث ، فهو يروي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أم المؤمنين وأبي هريرة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ومعاوية وعلي بن أبي طالب وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ، بعضهم نقلاً عنهم بالمشافهة ، وبعضهم بالبلاغ من طريق الثقات . وقال صاحب كتاب رحمة الأمة : كان ابن عباس يستخلف جابراً في الفتيا ذكره العلامة صاحب كاتب الاستقامة .
تلاميذه :
لقد تتلمذ على يد الإمام جابر عدد من العلماء ، ونقلوا عنه العلم إلى مُختلف أرجاء المعمورة ، ولم تسمِّ المصادر كلهم ، لكن أشهرهم أبو عبيده مسلم بن أبي كريمة التمتمي رحمه الله ، ومرداس بن حدير ، وعبدالله بن أباض ، وقتادة شيخ الإمام البخاري ، وعروة بن دينار وضمام بن السائب ، وأبو نوح صالح الدهان ، وحيّان الأعرج ، وسليمه بن سعيد وأبو فقاس وكان ممن يصحبونه إلى ابن عباس ، وافتقده ابن عباس في يوم منالأيام فسأل ابن عباس جابراً عنه فقال له : أين صاحبك ؟ قال : أخذه ابن زياد . قال ابن العباس : أوأنه لمتهم ؟ قال : أوما أنت مُتهم ؟ قال : اللهم بلى . وقد خلفه في نشر لواء العلم العلامة أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمه ، وحمل عنه العلم إلى عُمَان الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي ، صاحب المُسند الشهير والمشايخ الأجلاء المنير بن النيِّر الجعلاني ، ومحمد بن المعلا الكندي ، والبشير بن المُنذر النزوي وأبو محمد محبوب بن الرحيل ، وموسى بن أبي جابر الأزكوي ، وهاشم بن غيلان السيجاني ، وعدد كثير غيرهُم .
مؤلفاته :
لقد كان الإمام جابر من أوائل الذين قاموا بالتأليف فقد اهتم بتدوين ما تعلمه ووعاه من علم شامل نافع ، وفقه كامل واسع ، وزاد على ذلك فتاويه التي أفتاها وآراءه التي تفرّد بها ، فجمع ذلك كله في ديوانه الكبير المسمى ديوان جابر ، وللأسف لم يشاء الله بقاء هذا الديوان الذي قيل أنه واسع جداً ويقع في عشر مُجلدات ضخمة . ولقد كان هذا الكنز العلمي النفيس محفوظاً بمكتبه ببغداد حتى جاء التتار (المغول) واجتاحوا العراق ونشروا الفساد وأحرقوا المكتبة . وبقيت نسخة واحدة في المغرب العربي ، قيل أنها وقعت في يد أحد طلبة العلم وهو النّفاث فرج بن نصر الذي اختلف مع الإمام عبدالوهاب بن عبدالرحمن الرستمي رحمه الله في تاهرت بالجزائر ، ولكن نفّاثاً قام باتلاف النسخة الموجودة لديه حسداً في ذلك . لكن يحتوي مستند الإمام الربيع بن حبيب على أحاديث صحيح ومنه ما إحتواه فقه الإمام جابر بن زيد تأليف يحيى محمد بكوش ، الذي جمع آراء الإمام الفقيه وبعض مروياته . كما ان المسائل المروية عن الإمام جابر في الكتب العديدة المشتملة على الفقه الإسلامي كل هذه وتلك مما حواه الديوان المذكور ، وما يدعوا إلى السرور والشكر لله هو أن عُلماء الإباضية هُم الذين أحرزوا السبق في مضمار التأليف ، وهذا ما أثبتته مصادر التاريخ ، وتجدر الإشارة إلى وجود مخطوطة من مجموعة مسائل فقهية للإمام جابر بالمكتبة الملكية بلندن ، توجد صورة من هذه المخطوطة بمكتبة وزارة التراث القومي والثقافة بمسقط ، كان الإمام أبو الشعثاء رحمه الله ، واسع العلم وقَّاد الفكر ، حاد الذاكرة ، قويّ الفطنة والذكاء ، والدليل على ذلك تعايشه مع بني أميَّة ، وهو بعيد عنهم وعن اتجاهاتهم وما هُم عليه من تعسف في الحكم والمُعتقد ، وهم يعلمون حقيقته ، ويظهر من ذلك قول الحجاج المشهور بعد إحدى خطب الجمعة التي أطال فيها حتى كاد يخرج وقت الصلاة ، فصلى الإمام إيماءً ، فانتبه الحجاج وقال : لقد علمنا من صلى ومن لم يصلِ ، ورغم اختلافه معهم إلا أنه من أصحاب ديوانهم ، يأخذ منهم عطاءه حال العاملين لهم ، إلا أنه لم يعنهم على مظلمه ولا سعى إليهم يوماً بكلمة ، ولا عمل لهم عملا ، وبعدما ضاق الحجاج ذرعاً سجنه لئلا يحضر الحج ويعلو فيه صوت الحق ويلتقي بأهله الذين يمتعضون من بني أمية عامة ومن الحجاج خاصة ، حتى جاء أول يوم من ذي الحجة فأطلق سراحه لعله لا يلحق بالحج ، ولكن لم ينل من عزيمته شيئاً فأتى ناقته وشد رحاله ولحق بموسم الحج ، ويقال عنه أنه حج أربعين حجة في عمره ، رحمه الله .
====================
وشكرا :)