المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان بالله عز وجل مع أخطاء متعلقة بالقبور



moKatel
12-03-2004, 08:47 PM
مجلة المنتدى الإسلامي: (العدد الثانى)
22/محرم/1425هـ
13/3/2004مـ



الإيمان بالله عز وجل


وهو أساسها وأصلها، وهو يعني الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه؛ فهو باطل وعبادته باطلة، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب.
وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.


أولا : توحيد الربوبية :

فأما توحيد الربوبية؛ فإنه الإقرار بأن الله وحده هو الخالق للعالم، وهو المدبر، المحيي، المميت، وهو الرزاق، ذو القوة المتين.
والإقرار بهذا النوع مركوز في الفطر، لا يكاد ينازع فيه أحد من الأمم:
كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
وقال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}.

وهذا في القرآن كثير؛ يذكر الله عن المشركين أنهم يعترفون لله بالربوبية والانفراد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة.
ولم ينكر توحيد الربويية ويجحد الرب إلا شواذ من المجموعة البشربة، تظاهروا بإنكار الرب مع اعترافهم به في باطن أنفسهم وقرارة قلوبهم، وإنكارهم له إنما هو من باب المكابرة؛ كما ذكر الله عن فرعون أنه قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، وقد خاطبه موسى عليه السلام بقوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}، وقال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} .

وهم لم يستندوا في جحودهم إلى حجة، وإنما ذلك مكابرة منهم؛ كما قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}؛ فهم لم ينكروا عن علم دلهم على إنكاره ولا سمع ولا عقل ولا فطرة.

ولما كان هذا الكون وما يجري فيه من الحوادث شاهدا على وحدانية الله وربوبيته؛ إذ المخلوق لا بد له من خالق، والحوادث لا بد لها من محدث؛ كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، وقال الشاعر:

وفـي كـل شـيء له آيـة ** تــدل عـلى أنه واحــدلما كان لا بد من جواب على هذه الحقيقة، اضطرب هؤلاء المنكرون لوجود الخالق في أجوبتهم: فتارة يقولون: هذا العالم وجد نتيجه للطبيعة، التي هي عبارة عن ذات الأشياء من النبات والحيوان والجمادات؛ فهذه الكائنات عندهم هي الطبيعة، وهي التي أوجدت نفسها!! أو يقولون: هي عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وملاسة وخشونة، وهذه القابليات من حركة وسكون ونمو وتزاوج وتوالد؛ هذه الصفات وهذه القابليات هي الطبيعة بزعمهم، وهي التي أوجدت الأشياء!!

وهذا قول باطل على كلا الاعتبارين؛ لأن الطبيعة بالاعتبار الأول على حد قولهم تكون خالقة ومخلوقة؛ فالأرض خلقت الأرض، والسماء خلقت السماء... وهكذا! وهذا مستحيل! وإذا كان صدور الخلق عن الطبيعة بهذا الاعتبار مستحيلا؛ فاستحالته بالاعتبار الثاني أشد استحالة؛ لأنه إذا عجزت ذات الشيء عن خلقه؛ فعجز صفته من باب أولى؛ لأن وجود الصفة مرتبط بالموصوف الذي تقوم به، فكيف تخلقه وهي مفتقرة إليه؟! وإذ ثبت بالبرهان حدوث الموصوف؛ لزم حدوث الصفة. وأيضا؛ قالطبيعة لا شعور لها؛ فهي آلة محضة؛ فكيف تصدر عنها الأفعال العظيمة التي هي في غاية الإبداع والإتقان، وفي نهاية الحكمة، وفي غاية الارتباط.

ومن هؤلاء الملاحدة من يقول: إن هذه الكائنات تنشأ عن طريق المصادفة بمعنى أن تجميع الذرات والجزئيات عن طريق المصادفة يؤدي إلى ظهور الحياة بلا تدبير من خالق مدبر ولا حكمة!! وهذا قول باطل ترده العقول والفطر؛ فإنك إذا نظرت إلى هذا الكون المنظم بأفلاكه وأرضه وسمائه وسير المخلوقات فيه بهذه الدقة والتنظيم العجيب؛ تبين لك أنه لا يمكن أن يصدر إلا عن خالق حكيم.

قال ابن القيم: "فسل المعطل الجاحد: ماذا تقول في دولاب دائر على نهر، وقد أحكمت آلاته، وأحكم تركيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه، بحيث لا يرى الناظر فيه خللا في مادته ولا في صورته، وقد جعل على حديقة عظيمة، فيها من كل أنواع الثمار والزروع، يسقيها حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلم شعثها، ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها، فلا يختل منها شيء، ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على أحسن المخارج بحسب حاجاتهم وضروراتهم، فيقسم لكل صنف منهم ما يليق به، ويقسمه هكذا على الدوام، أترى هذا اتفاقا بلا صانع ولا مختار ولا مدبر، بل اتفق وجود ذلك الدولاب والحديقة وكل ذلك اتفاقا من غير فاعل ولا قيم ولا مدبر؟! أفترى ما يقول لك عقلك في ذلك لو كان؟! وما الذي يفتيك به؟! وما الذي يرشدك إليه؟! ولكن من حكمة العزيز الحكيم أن خلق قلوبا عميا لا بصائر لها فلا ترى هذه الآيات الباهرة إلا رؤية الحيوانات البهيمية كما خلق أعينا لا أبصار لها". انتهى كلامه رحمه الله.

هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ونلقاكم إن شاء الله في العدد القادم مع ثاني أنواع التوحيد ألا وهو توحيد الألوهية .


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

moKatel
12-03-2004, 08:49 PM
وما زلنا مع أهم الأخطاء الشائعة في العقيدة أو التي تقدح في عقيدة المريء السلم إن اعنقد بها وقد عرضنا في المرة السابقة الغلو في الصالحين والعلماء ؛ وفي هذه المرة إن شاء الله نعرض لموقفنا من القبور وتقديم القرابين لها واتخاذها مزارات كما هو منتشر في كثير من البلدان الإسلامية التي تنتسب إلى الإسلام وهذه الأوثان صارت تعبد من دون الله علنا وجهارا والله المستعان .............................

يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

لقد سدّ النبي صلى الله عليه وسلم كل الطرق المفضية إلى الشرك، وحذّر منها غاية التحذير، ومن ذلك: مسألة القبور، قد وضع الضوابط الواقية من عبادتها، والغلو في أصحابها، ومن ذلك:

1ـ أنه قد حذّر صلى الله عليه وسلم من الغلو في الأولياء والصالحين؛ لأن ذلك يؤدِّي إلى عبادتهم، فقال: (إياكم والغُلُوَّ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغُلُوُّ) [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه]، وقال: (لا تُطروني كما أطرتِ النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ الله ورسوله) [رواه البخاري].
2ـ وحذر صلى الله عليه وسلم من البناء على القبور، كما روى أبو الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته) [رواه مسلم].
3ـ ونهى عن تجصيصها والبناء عليها، عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه بناء) [رواه مسلم].
4ـ وحذَّر صلى الله عليه وسلم من الصلاة عند القبور، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: (لعنةُ الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذرُ ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتَّخذَ مسجدًا) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنَّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك) [رواه مسلم في صحيحه].

واتخاذُها مساجد معناهُ: الصلاة عندها وإن لم يبن مسجد عليها؛ فكلُّ موضع قصد للصلاة فيه فقد اتُّخذَ مسجدًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) [رواه البخاري] فإذا بني عليها مسجد فالأمر أشد.

وقد خالف أكثر الناس هذه النواهي، وارتكبوا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فوقعوا بسبب ذلك في الشرك الأكبر؛ فبنوا على القبور مساجد وأضرحة ومقامات، وجعلوها مزارات تمارس عندها كل أنواع الشرك الأكبر، من الذبح لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، وصرف النذور لهم، وغير ذلك.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور، وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم [يعني في وقته – رحمه الله – وقد زاد الأمر على ما ذكر]، رأى أحدُهما مضادًا للآخر مناقضًا له؛ بحيث لا يجتمعان أبدًا؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها، ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد، ويسمونها مشاهد؛ مضاهاة لبيوت الله، ونهى عن إيقاد السُّرُج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها، ونهى عن أن تُتَّخذَ عيدًا، وهؤلاء يتخذونها أعيادًا ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر.
وأمر بتسويتها، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بنُ أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثُكَ على ما بعثني على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لاتدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته). وفي صحيحه أيضًا عن ثُمامَة بن شُفيّ قال: (كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها) [أي بعدم رفعها].

وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب. إلى أن قال: (فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده من النهي عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه؟! ولا ريبَ أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره).

ثم أخذ يذكر تلك المفاسد، إلى أن قال: (ومنها: أن الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور إنما هو تذكر الآخرة، والإحسان إلى المزور بالدعاء له، والترحم عليه والاستغفار، وسؤال العافية له؛ فيكون الزائر محسنًا إلى نفسه وغلى الميت، فقلب هؤلاء المشركون الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصود بالزيارة: الشرك بالميت، ودعاءه والدعاء به، وسؤال حوائجهم، واستنزال البركات منه، ونصره لهم على الأعداء ونحو ذلك؛ فصاروا مسيئين إلى أنفسهم، وإلى الميت، ولو لم يكن إلا بحرمانه بركة ما شرعه تعالى من الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له) انتهى [إغاثة اللهفان (1/214، 215، 217)].

وبهذا يتضح أن تقديم النذور والقرابين للمزارات شرك أكبر؛ سببه مخالفة هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في الحالة التي يجب أن تكون عليها القبور؛ من عدم البناء عليها وإقامة المساجد عليها؛ لأنها لما بنيت عليها القباب، وأقيمت حولها المساجد والمزارات، ظن الجهال أن المدفونين فيها ينفعون أو يضرون، وأنهم يُغيثون من استغاث بهم، ويقضون حوائج من التجأ إليهم، فقدموا لهم النذور والقرابين؛ حتى صارت أوثانًا تُعبدُ من دون الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) [رواه مالك وأحمد]، وما دعا بهذا الدعاء إلا لأنه سيحصل شيء من ذلك، وقد حصل عند القبور في كثير من بلاد الإسلام، أما قبره فقد حماه الله ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد يحصل في مسجده شيء من المخالفات، من بعض الجهال أو الخرافيين، لكنهم لا يقدرون على الوصول إلى قبره؛ لأن قبره في بيته وليس في المسجد، وهو محوط بالجدران.
كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في نونيته:


فأجاب ربُّ العالمين دعاءه ** وأحاطه بثلاثة الجدران


والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم