Flanteus
13-03-2004, 12:38 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
هذا الموضوع منقول للفائدة وأخذ العبر والعظات وهو في الحقيقة موضوعان ... للكاتب / أحمد زين .. أثابه الله ...
الشهوة .. طريقك للجنة..
جاء متضجرًا حانقًا يتعجب .. لم كل هذا البلاء؟! ولم خلقها الله أساسًا فينا؟!.. ولم نتعذب ونعاني؟!.. قلت له: ماذا تقصد؟ .. قال : الشهوة اللعينة !!…
قلت له: مهلك .. لم تنظر إلى الأمر من هذه الزاوية ؟! .. سبحان الله... أنا أنظر إلى الأمر أن هذه الشهوة هي طريقك الأسهل إلى الجنة.. !!.
نعم.. هو امتحان صعب.. أعترف.. وهو اختبار كبير.. أعرف.. لكن الناجحين فيه سينالون على قدر التعب والجهد الذي بذلوه.. والحقائق تقول: إن عدد الناجحين يفوق كثيرًا عدد الفاشلين.. ولا يفشل إلا ضعاف النفوس، وخائري العزائم، وأشباه الآدميين..
إذن هو طريق "سهل" للجنة .. لكنه يحتاج منك فقط إلى عزم وقوة وتصميم ..
وسبحان الله.. هذه إرادته.. أن يركب الشهوة في الإنسان، ويجعلها بهذه القوة التي تدفعه مع الحب أن يسعى إلى الزواج ويفرح به.. رغم أن الزواج في حقيقته أعباء إضافية ومسئوليات جسيمة يتحملها كلا الزوجين.. وإذا كنا –رغم وجود الشهوة والعاطفة اللتان تعصفان بالقلوب- نجد البعض يفر من أعباء الزواج ويتعذر بكذا وكذا من الانشغالات، فما بالك لو لم يكن له دافع من شهوة وعاطفة… والزواج هو أحد أقصر الطرق إلى الجنة؛ فبه يتعاون الزوجان على العبادات، وبه تحصن الفروج، وتهدأ الأنفس، وتقر الأرواح، وبه يأتي الولد الصالح الذي يكمل المسيرة ويدعو لوالده ويسير على درب الإيمان، وبه -إن شاء الله- يتحقق وعد الله: " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ" [الطور:21] . كما أن الشهوة تلك إن استطاع الإنسان أن يهذبها ويوجهها ويشذب ثورتها فله أجر لا يعادله أجر…
هدية الله لك .. كيف تستعملها؟
إن الإسلام -وهو دين الفطرة- لم يقع في شرك الاقتصار على مخاطبة الروح وبنائها، بل اهتم بتغذية المادة، وأعطى لقبضة الطين حقها كما أعطى لنفخة الروح حقها... فلم يأتِ الإسلام ويقول للناس: ترهبنوا ودعوكم من التفكير في أمور الجنس والشهوة . ولم يصفها بأنها من الدنس، بل على العكس هي من النعم بلا شك، كل ما في الأمر أن يهتدي المرء إلى الطريق الذي به يستفيد منها وينجو من خلاله من الشقاء بها...
وهذا هو منهج الإسلام في التعامل مع المادة، فهو حين تعامل مع قضية "المعدة" مثلا لم يهملها بل وجهها فقال: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } [ الأعراف:31] لكنه أتبعها بـقوله: { وَلاَ تُسْرِفُواْ }، كما حذر من أن البعض بتضخيمه لقضية ما يدخل معدته، قد انزلق إلى مراتب غير إنسانية ووصفهم القرآن بقوله.. { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ } [محمد:12] .
بل فتح الإسلام أمام الطعام آفاقًا جديدة حين جعله – ويا للعجب- وسيلة من وسائل تزكية النفس وتنقية الروح، وذلك تكريمًا للإنسان وحرصًا على كرامته ومروءته… فجعل هذه اللقيمات "طاعة" !! و"عبادة" !!، وسبيلاً لرضا الله –سبحانه- إذا نوى المرء الاستعانة بها على طاعة الله، والاستقواء بها في مواجهة العدو، والاستفادة منها في اكتساب القوت، وغير ذلك من النوايا التي يعتمدها المرء لتتحول عملية الأكل من عمل مادي بحت إلى عملية تسهم في إشباع حاجات المادة وبناء الروح معًا.
ومع الشهوة ماذا فعل؟!..
ومثل هذا يمكن أن نذكره مع العملية الجنسية التي خرج بها من أفق ضيَّقه الناس، وقصروه على عملية مادية بحتة لا يتحدث فيها الطرفان إلا بلُغة الطين "مادة الجسم"، إلى لغة النفخة الإلهية، وإلى آفاق مشعة بروحانيتها ونورانيتها، فانظر إلى لقاء الرجل بزوجته وهو يبدأه باسم الله، ثم دعاء لطيف أن يجنبهما الله وذريتهما من الشيطان وعمله، ثم يقرر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الطريق النظيف لتفريغ هذه الشهوة إنما هو صدقة !! وما أعجب ذلك حين يقول الرسول : "وفي بضع أحدكم صدقة"، ونفس العجب هو ما استولي على الصحابة -رضوان الله عليهم-: " أيقضي أحدنا شهوته ويتحصل الأجر". فأطلعهم الرسول على السر: "أرأيتم لو وضعها في حرام".. أي أن ذلك تحفيزًا له على لزوم الحلال والقناعة به…
بل إن الإسلام يفتح الباب واسعًا أمام الزوجين؛ لتكون كل لمحة عاطفية تدور بينهما إضافة إلى الميزان يوم الحساب... "إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهما نظرة رحمة فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما..." فما أروعه من دين!!.
تشديد الله على الفجور
وفي المقابل فإن الله سبحانه شدد على الطرق الملوثة لقضاء الشهوات، يكفي أن الله -سبحانه- حين حذر من الزنا لم ينهَ عن مقارفته فحسب، بل نهى عن مجرد الاقتراب منه .. { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } [الإسراء:32] ومن يتأمل عقوبة الزنا في الإسلام يجدها عقوبة شديدة إما الرجم للمتزوج أوالجلد للأعزب وكلاهما يجمعهما أمران: الغلظة إلى جانب التشهير بالفاعل، فانظر إلى الرسول وهو ينفي الإيمان عن الزاني في لحظة المعصية : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" وزاد النسائي في رواية: "فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه"، لماذا يقول رسول الله : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة".. فلماذا هذا التشديد من الرسول ؟!
ولماذا يقول الإمام أحمد: "لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنا"..
ولماذا يؤكد الله تعالى : { وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [النور:2] رغم أن الإسلام هو دين الرحمة والرأفة؟ ..
لماذا شهر الله بالزناة فقال: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور:2] رغم أن الإسلام يحب الستر ويدعو إليه ؟!
إن الزناة الذين هتكوا الأستار واحدًا واحدًا، وساروا وراء الشيطان في خطواته فما غضوا أبصارهم، ثم هم لم يمنعوا قلوبهم من التحرك نحو الحرام، ثم هم انتهكوا الحرمات وأسرفوا على أنفسهم، وهو كذلك أصموا أبصارهم عن تحذير الله لهم، وتغافلوا عن مصير من سبقهم من المذنبين، فهؤلاء لم ينزلقوا للمعصية "فجأة" لكنهم تعمدوها وأظهروها، هؤلاء أجرموا في حق المجتمع ودنسوا طهره، لذا فالرأفة بهم في غير محلها .. والرأفة بهم إنما هي قسوة على المجتمع، وقسوة على الآداب الإنسانية، وقسوة على الضمير البشري، وقسوة على حقوق الإنسان .
إن القسوة في الحد أرأف وأرحم بالمجتمع مما ينتظره من مصير سيء إذا شاعت الفواحش فيه لتفسد الفطرة وترتكس…
ومن هذا ما ذكره ابن القيم في تأثير المقيمين على الزنا المصرين عليه على المجتمع من حولهم: " فالزنا يجمع خلال الشر كلها؛ فلا تجد زانيًا وله صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله ".
حتى الحيوانات تأنف من الزنا…
إذا كنا نتهم الفجور بأنه من الشهوات البهيمية فإن من لطيف ما ذكر أن الحيوانات نفسها تأنف من هذا الدنس!! لا تعجب من ذلك؛ فقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في الجاهلية قردًا يزني بقردة فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته… وقال ابن تيمية: "وحدثني بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعًا من الطير قد باض فخرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب بني جنسه حتى اجتمع عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها" . وعلق شيخ الإسلام على هذا قائلاً: "ومثل هذا معروف في عادة البهائم "
الغرب والشرق .. والانفلات
يمنع الإسلام الفجور لأنه يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف، لا تهاج فيه الشهوات، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم، لا يريد أن تنتشر النظرة الخائنة والحركة المثيرة واللفتة المتبرجة والجسد العاري فتؤدي إلى سعار حيواني مجنون.
هذا السعار الذي اجتاح مجتمعات أخرى غربية وشرقية من حولنا.. هذه المجتمعات التي يقف بعضنا –للأسف- ويدعي أنها مجتمعات نظيفة لا أحد فيها يتصرف بسوء نية مع الجنس الآخر؛ والسبب في رأيه أنهم أطلقوا الحرية الجنسية فارتاح الناس.. وكذب والله فليست هذه المجتمعات سليمة الصدر ولا نقية السريرة، ولا شبع الشباب فيها من هذا الإطلاق الفوضوي للجنس.. فنسب الاغتصاب عالية، والتحرش الجنسي على أشده، والانفلات لا يوقفه شيء.. وما محاولات الانتحار لديهم ولا الأمراض النفسية المنتشرة إلا ثمرة هذا الانفلات.. وهذا أحد الذين كانوا يتصورون أن الشباب في الغرب لم يعد لاهثًا وراء التعرف على الفتيات، ولكن التجربة التي عكست له هذا التصور هي ما قاله : " دخلت أحد حجرات (الشات) وهي نطاقات على الإنترنت مخصصة للتعارف بين الناس، وكلما تعرفت على شاب أو رجل وذكرت له أني رجل وجدته يعتذر لأنه يود الحديث مع فتاة فكنت أصعق هل ما زال لديهم هذا السعار رغم أن المعروض عندهم من الجنس الآخر يحوطهم من كل جانب "!!.
فهل هذا المجتمع قد شبع من نهمه نحو الجنس؟!.. إن أي نظريات أرضية حاولت تقوية الانفلات الجنسي وتشجيعه قد باءت بالفشل، فالشيوعية التي جعلت من مبادئها شيوع الجنس وعدم الاقتصار على علاقات الزواج، ما لبث قادة الشيوعية أنفسهم أن أعلنوا على لسان زعيمهم " لينين ": "إن تلك النظرية حطمت الشباب وجعلتهم مجانين .. إنها ضد المجتمع، لأن هذا النظام أنتج أطفالاً بلا أسر" .
وفي المقابل فهل هذه الحرية الغربية التي تنادي بأن كل شيء ممكن أدت إلى تخفيف الشره الجنسي لدى المواطن الغربي، وبين أيدينا بعض الإحصائيات من أمريكا، فقد بلغ حجم تجارة الصور الإباحية عشرين مليار دولار في عام واحد، ووصل الدخول على المواقع الإباحية على الانترنت إلى 80 % من حجم استخدام الانترنت، وفي كل يوم يوزع في أمريكا نصف مليون نشرة تعرض كل المنتجات الإباحية، وترسل بالبريد الشخصي، وفي دراسة للدكتور أحمد المجدوب بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة عن الجرائم في 14 دولة أوروبية، جاء فيها: "إن الأبحاث قد كشفت عن أن 27 سيدة من كل خمسين سيدة تتعرض للاعتداء الجنسي بطرق مختلفة!!! ، منها ثلاث حالات شروع و 12 يتعرضن لاعتداءات جسيمة، و12 يتعرضن لاعتداءات طفيفة " .
والمجتمع قد ينال جنة الدنيا والآخرة..
إذا كانت هذه هي المجتمعات من حولنا فأي صورة للمجتمع من هاتين الصورتين نريد؟ أم أن ثمة صورة طيبة وخيرة يمكن أن نتلمسها لمجتمعنا، هذا الذي لا يناسبه أيًّا من هذه الصور المزرية .. وحق له أن يكون له شخصيته المستقلة التي تليق بمكانته التي حددها له القرآن: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة:143]. وذلك ليتسنى لنا القيام بدورنا المنوط: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } [البقرة:143].
إن المجتمع المسلم الراشد يمكن أن يكون في جنة الدنيا، ويكون أفراده في جنة الآخرة إن هو شد على الفجور، وشجع العفة والطهارة والنقاء؛ ذلك لأنه يُحفظ من هذا التلوث الخلقي.. والفساد القيمي الذي يضرب في جذوره فينهار مهما بدا قويًّا ومتماسكًا.
ولا شك أن هذا المجتمع المنشود لا يكون خاليًا تمامًا من أحاديث النفس والهم بالمعصية ووساوس الشيطان .. بل تدور فيه هذه الأمور لأن من طبيعة الإنسان أن يتنازعه الخير والشر.. لكن السؤال يبقى: إذا دفعت النفس صاحبها نحو الردى.. ووسوس الشيطان باتباع الهوى.. فماذا يفعل الشاب؟ أينزلق أم يستعصم؟!..
ولذا فدعنا نعيش بعض الوقت مع قدوات رددت من قلوبها مع إمام الشباب العفيف يوسف -عليه السلام –: { مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }… فتحولت الشهوة إلى قربى من الله، وتحولت المحنة إلى منحة، والفتنة إلى هداية، والاختبار إلى نجاح وفوز.
وما أحوجنا أن نصرخ في هذا الجو الملبد بالفتن .. مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..
وما أحوج مجتمعنا أن يهتف -شبابًا وفتيات- .. مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..
وما أحوج أمتنا إلى أن تقول جموع المسلمين .. مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..
ها هو يوسف…
ولأني أحبه وأسأل الله أن ألقاه في الجنة فدعونا نبدأ به، إنه يوسف -عليه السلام- في لمحة سريعة، فها هو في المشهد.. الأبواب مغلقة، والظروف مهيأة لكن يبقى باب السماء مفتوحًا فيتذكر يوسف -بعد أن يرى برهان ربه- فيلوذ بحماه وينتصر على الإغراء والشهوة، فيستحق أن يكون من عباد الله المخلصين.. بشهادة الله تعالى وانظر إلى النعيم حين يشهد الله لعبد من عباده: { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف : 24] .. أي كرم ذلك وأي فرح !!...
لم يأت البرهان ليوسف بلا جهد ولا عمل، ولم يأته وفي قلبه شر، لكنه أتاه بعد مجاهدة وقوة وصبر، وبعد صراع مرير مع نفسه ومع الشيطان لكنه في النهاية حسم الأمر بكلمة نطق بها: { مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } .
.. ورأى الله في قلبه صدقًا حين هتف { السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ } . فاختبره الله، وسجن -عليه السلام- وما جريمته إلا أنه حصن نفسه عن التلوث بوحل المعصية، فما بالنا اليوم زهدنا في الدين .. والله إني لأعلم شابًّا زهد في الصلاة وتركها لمجرد أن سُرِق حذاؤه لدى دخوله المسجد!!. ولك أن تتخيل مدى ضعف الدين في قلبه، ومدى رخص العقيدة في نفسه!!
ولنبصر الفارق بين يوسف وهو في غياهب الجب.. ويوسف وهو على العرش.. يوسف وهو يباع بدراهم معدودة وزُهد فيه، ويوسف وهو على خزائن الأرض يتحكم فيها كما يريد، إن هذه المسافة الهائلة هي ذات المسافة بين معصية الله وطاعته، وثمن هذا الفارق هو الصبر عن معصية الله، إنه الحفظ، ولقيا الله في كل سبيل أمامك بعد أن تلجأ إليه ولا تخونه "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك"..
وها هو شبيه يوسف في عهد عمر
وإذا تعلل البعض بأن يوسف نبي، وكيف سنصل إلى درجته، فلا بد أن نذكرهم أن الله جعل من قصته قرآنا لا لنتسلى ولا لنقضي وقتا لطيفًا معها ، بل لنعتبر ونقتدي، ولذلك جاء في آخر آيات سورة يوسف قوله تعالى: " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ " [يوسف:111] .
وهذا ما لحظه عمر -رضي الله عنه- فسمى بطل قصتنا تلك: "شبيه يوسف"، فقد كان في خلافة عمر -رضي الله عنه- شاب صالح، كان محط إعجاب الفاروق؛ لأنه كان يبكر إلى صلاة، مستكثرًا من النوافل والسنن، أحبته امرأة متزوجة غاب عنها زوجها، وحاولت أن تغريه بكل طريقة ففشلت لأنه يأبى، فعرفت امرأة عجوز هذا الأمر فقالت لها: أنا أجلبه لك مقابل كذا من المال.. فقعدت له العجوز في الطريق فلما مر بها قالت له: إني امرأة كبيرة السن ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها، فلو دخلت فحلبتها لي.. فوافق رغبة في نيل الأجر من الله، فلما دخل فإذا المرأة التي أحبته قد خرجت إليه، فلما رأي ذلك توجه نحو القبلة وجلس، فراودته عن نفسه فأبي وقال: "اتَّقِ الله أيتها المرأة"، فجعلت لا تكف عنه حتى علا صوتها، فجاء الناس فقالت: إن هذا دخل علي يراودني عن نفسي، فوثبوا عليه وأوثقوه، فلما جاءوا به إلى عمر قال: "اللهم لا تخلف ظني به.. ما لكم؟" فحكوا له، فقال له عمر والدمع يكاد يفيض من عينيه: "اصدقني". فأخبره بالقصة، فقال له عمر: أتعرف العجوز؟ فقال: نعم إن رأيتها عرفتها. فأرسل عمر إلى نساء جيرانها وعجائزهن، فجاء بهن فعرضهن فلم يعرفها فيهن، فازداد ألم عمر؛ لأن الفتى يكاد يهلك وهو يرى فيه الصلاح والتقوى، حتى مرت به العجوز، فقال: هذه يا أمير المؤمنين، فرفع عمر عليها الدرة وقال: اصدقيني، فقصت عليه القصة كما قصها الفتى، فقال عمر: "الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف" … وصدق عمر فهذا الفتي "العادي" الذي لم يحفظ لنا التاريخ اسمه .. قد وقع في نفس ابتلاء يوسف وكانت صفحته بنفس نقاء هذا النبي الكريم.. لكن إن كان مجهولا عند الناس فأحسب أنه مشهور عند ربه .. وكفاه هذا ..
أقبل على الشهوات .. ونجا في آخر لحظة
ليس المجاهدون لأنفسهم، والمنتصرون على شهواتهم ملائكة ولا هبطوا من القمر ولا هم من طينة غير البشر، بل هم بشر فيهم الشهوات وفيهم الخطأ والصواب تعقلوا وعقلوا، فهذا رجل سعى إلى الحرام وحين ظفر به فكر للحظة واتخذ القرار الذي أسعده في حياته الباقية، إنه رجل صدق فيه قول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" [الأعراف:201] فهو ما إن جاءه داعي الله حتى زالت الغشاوة من فوق عينيه..
فقد حكى الحسن البصري - وانظر إلى مكانة الراوي ومصداقيته-: كانت امرأة بغي قد فاقت أهل عصرها حسنًا، حتى سماها الناس " الملكة" ولا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار ( حوالي 425 جراما من الذهب الخالص )، رآها رجل فقير فطيرت عقله، فذهب يعمل بكل ما أوتي من قوة حتى جمع المطلوب - لاحظ حلمه بها وسيطرة الشيطان عليه ورغبته الشديدة -، فجاء فقال: إنك قد أعجبتني، فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حتى جمعت مائة دينار، فقالت: ادخل . فلما دخل، وكان لها سرير من ذهب فقالت: هلم إلي.. فلما جلس منها مجلس الخائن- لاحظ أن هذا منتهى أمله -، تذكر مقامه بين يدي الله فأخذته رعدة ورجع إلى عقله فقال: اتركيني لأخرج . فثارت لأنها رأت أن هذا انتقاص من قدر جمالها.. فقالت له: لا أتركك أبدًا، فقال : اتركيني ولك المائة دينار، فقالت: ماذا جرى؟! .. لقد كدحت حتى جمعت مائة دينار فلما قدرت على ما تعشق تركته؟! فقال: والله ما حملني على ذلك إلا الخوف من الله، وذكري مقامي بين يديه، كيف أجيبه إن سألني؟! .. وبم أرد إن حاسبني؟! فبكت وقالت: إذن تتزوجني؛ فلنعم الزوج أنت . فقال: لها ذريني لأخرج . قالت: لا، إلا أن تجعل لي عهدًا أن تتزوجني. فقال: لعل. فتقنع بثوبه ثم رجع إلى بلده .
فانظر إلى هذا الذي أدرك نفسه قبل فوات الأوان إنه القرار الذي لم يكلفه شيئًا إلا التبصر وإعمال العقل..
شهيد العفاف: الموت ولا سخط الله
وهذا رجل"عادي" أيضا ليس بِمَلَك، ولا بنصف مَلَك .. هو إنسان بل وشاب، شاغلته امرأة فأبى أن يأتي الحرام، لكنها من كثرة إلحاحها أثرت في قلبه فتنازعه الهوى والتقوى، لكنه رفض أن يلين لما يغضب الله.. واسمع من جابر بن نوح وهو أحد السلف الصالح يحكي قصته: كنت بالمدينة جالسًا عند رجل في حاجة، فمر بنا شيخ حسن الوجه حسن الثياب، فقام إليه ذلك الرجل فسلم عليه وقال: يا أبا محمد أسأل الله أن يعظم أجرك، وأن يربط على قلبك بالصبر، فإن الصبر معول المؤمن، وإني لأرجو أن لا يحرمك الله الأجر على مصيبتك.
فقلت له: من هذا الشيخ؟ فقال: رجل منا من الأنصار، فقلت: وما قصته؟ قال: أصيب بابنه وكان به بارًا قد كفاه جميع ما يعَنِّيه، ووفاته عجب. قلت: وما كانت؟ قال: أحبته امرأة، فأرسلت إليه تشكو حبه وتسأله الزيارة، وكان لها زوج فألحَّت عليه حتى شغلته ولكنه أبى أي تنازل عن دينه، فيئست منه حتى لم تعد تدري ما تفعل لدرجة أن ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر، فعملت لها في ذلك…
وبلغ صراع الفتى مع نفسه أن خطر ذكرها بقلبه ذات مرة، فقام مسرعًا فصلى واستعاذ والأمر يشتد عليه، فقال: يا أبي أدركني بقيد . فقال: يا بني ما قصتك؟! فحَدَّثه بالقصة، وظل على ما يعاني من مرض نتيجة هذا التدافع الداخلي لديه بين الحق والباطل إلى أن مات –رحمه الله- .
الصالحون مع الفتن.. حال مختلف
هذه نماذج لشباب من المسلمين العاديين، الذين واجهوا الفتن بقلب حي حيي، وإيمان عميق جلي.. فثبتوا بعد أن اهتزوا قليلاً…
أما الصالحون الذين جاهدوا أنفسهم طويلاً، وشغلوا أنفسهم بالطاعات، وصفوا قلوبهم من كل ما دون الله، فإن الله آتاهم الإيمان الراسخ المتين الذي لا يتزعزع ولا يضطرب أبدًا.. فتأتيهم الدنيا فيسخرون منها ويركلونها بالأقدام، وما هذا إلا من عطايا الله لهم، وهذه قصة أحدهم إنه "السَّرِي بن دينار" وهو أحد العباد العارفين، نزل إلى قرية بها امرأة جميلة فُتن الناس بجمالها، فعلمت المرأة بصلاحه وتقواه، فقالت: لأفتننه. فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها، فقال: مالك؟! فقالت: هل لك في فراش وطي وعيش رخي؟! فغض عنها الطرف وهو يقول: "تذاق الذنوب ثم تفنى ويبقى طعم المصائب، لذة المعاصي تنتهي ولا تنتهي الحسرات، ما بال عبد علم أن الله يراه ثم قارف الإثم".. فتابت المرأة وعرضت عليه الزواج فقال: "ما عُرض علينا في معصيته لا نحب استعماله في طاعته" .
"ولن يتركم أعمالكم"
وآخر مشهورة قصته فقد رُوي أن امرأة جميلة كانت بمكة، وكان لها زوج، وكانا رقاق الدين، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدًا يري هذا الوجه ولا يفتن به؟! قال: نعم. قالت: من؟! قال: عبيد بن عمير. قالت: فائذن لي فيه فلأفتننه. قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام، فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر..
فقال لها: يا أمة الله استتري. فقالت: إني فتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسُرُّكِ أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو دخلتِ قبرك وأُجلستِ للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قلت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمنك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أردت المرور على الصراط ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال صدقت. قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: فلو وقفت بين يدي الله للمسألة أكان يسرك أني قضيتها لك. قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: "اتق الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك"، قال: فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعت؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد عليَّ امرأتي، كانت في كل ليلة عروسًا فصيرها راهبة!!!.
خاتمة
فهذه النماذج عبرة وعظة نضعها أمامنا لعل القلوب تميل إلى الحق وتدع الباطل، ولعل أحدنا يتذكرها وقد همَّ بحرام فيمتنع ويعود إلى حمى مولاه .
ولنتذكر جميعًا أن الفرق بين العز والذل، بين الغنى والفقر، بين الإيمان والضلال هو لحظة واحدة، نفكر فنعقل فتصفو لنا الدنيا ونحظى بالآخرة، ولنا حديث في رسالة أخرى حول: "كيف تتعامل مع الشهوة" نحاول فيه التركيز على الوسائل التي تمكن الشاب المسلم من السيطرة على شهوته، وتوجيهها إلى المسار الصحيح الذي يحبه الله ويرضاه ..
كيف تتعامل مع الشهوة ؟
الشهوة في دمك .. والإثارة تحوطك .. ليست مشكلة..
صدقني ..
فالإسلام قد دلَّك على أسلم طريق للاستفادة بها.. وهو الزواج، "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ..
أعلم أنك قد تقول: وماذا بيدي .. والأوضاع قد انقلبت حتى أصبح طريق العفاف صعبًا... وتمسك الناس بمظاهر فارغة يتشبثون بها قبل إتمام هذه الخطوات "الأساسية "في حياة البشر وكأنهم يتغافلون عن كونها أساسية وهامة جدا؟! أقول لك أعرف، وأزيدك: إن سبل الحلال قد صعبت... وذللت طرق الحرام وتيسرت... كما حورب الزواج المبكر، بينما رُوِّج للصداقات المشبوهة... واعتبر الزواج لدى الكثيرين "مسئولية" و"همًّا" ينبغي تأخيره، أما العلاقات غير الشرعية فهي "خبرات" لابد للشباب أن يمروا بها !!.. أعرف كذلك أن كثيرًا من الناس تناسى توجيهات الحبيب : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وأن: " أكثرهن بركة أيسرهن مهورًا" . ومثل ذلك من الإرشادات التي تفضي إلى تسهيل عملية الزواج..
هذه صورة صادقة لواقعنا، يمكن أن نظل سويًّا نزيدها سوادًا، وبالتالي تمتلئ نفوسنا ضيقًا وأرواحنا تشاؤمًا، ولا نجد إلا أننا ضحايا ومظلومين، لكن يبقى السؤال وماذا بعد؟! هل يدفعنا هذا إلى أن ننزلق وراء نداء الجسد فنَعُبُّ من الشهوات ونسير خلفها؟!
أم نقف على أرض صلبة من مبادئ ديننا وندرك ما نحن فيه ونسعى إلى معالجته؟! فنتأمل معًا بعض الوسائل المعينة على تخفيف حدة الشهوة إلى أن يأذن الله بالفرج .. وأعني به الزواج الذي يظل الحل الأسهل والأسرع والأقوى والدائم لهذا الأمر.
أولا :الشهوة واقع فتعامل معه
علينا ألا ترعبنا هذه الشهوة، ولا نصورها بأنها وحش سيفترسنا لا محالة، لكن علينا معرفة طبيعتها، فالشهوة جواد جامح يقف رهن إشارتك .. تستطيع أن تقوده فتتنزه به وتستمتع بين الرياض والبساتين .. ويمكن أن يقودك هو فيضلك السبل ويخترق بك الأحراش فلا تجني إلا الوحل… ومن أروع التشبيهات حول الشهوة في الإنسان: "إن الشهوة في الشاب كإناء به ماء يغلي، فإن أغلقت عليه كل منفذ انفجر الإناء بأكمله، وإن نفست عنه بمقدار معقول خرجت منه القوة التي تسير القاطرات الكبار، أما إن فتح غطاء الإناء لتبدد الماء ثم لا يلبث الإناء أن يحترق كله" .. فهذا تمامًا هو الشاب الذي إن صرف الشهوة فيما يحل له استمتع بحياته وتفرغ لعمله ودوره المنوط به في الحياة، لكنه إن كبت نفسه ولم يتزوج لانفجر لأنه لم يُلَبِّ داعي الفطرة، وهو إن أطلق لشهوته العنان خسر الدنيا والآخرة ..
ثانيا: الصوم :
إنه العلاج الذي وصفه الرسول لمن عجز عن الزواج، وأعرف أن كثيرين يصومون ثم لا يجدون شيئًا يتغير، فنار الشهوة لا تزال تطاردهم.. هؤلاء عليهم أن يتهموا أنفسهم، ويشُكُّوا في صيامهم...
ولتسأل نفسك: هل صمت كما يحب الله ورسوله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يقوى داخلك وازع الله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يؤكد كلمات الله؛ حتى تنتصر على أي أفكار خبيثة تنتشر؟ أم إنه صيام الجوع والعطش؟ هل صامت العيون والآذان مع المعدة أم غابت؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمرء من التعلق بكل ما هو مادي والسمو إلى كل ما هو روحاني؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمسلم رويدا رويدا ليقترب من مصاف الملائكة الممتنعين عن الشهوات الذاكرين الله بلا كلل أو ملل؟ ..
ثالثا- غض البصر:
والبصر هو باب القلب الأول، وأقرب الحواس إليه؛ ولذا كثر السقوط من جهته، وكان لزامًا على من خاف على قلبه أن يتحرك نحو شيء ما أن يغضه ويحفظه .. ولذا أراد الله أن يُحكم الإنسان رقابته على هذا الممر، ويفحص ما يدخل منه لأنه سرعان ما يدخل إلى القلب، وما أصدق التعبير في الحديث القدسي: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" … فانظر إلى كلمة "مسموم" وتعبيرها الدقيق، لعلك لاحظت هذا السم في نفسك، تصلي فلا تشعر بحلاوة مناجاة، وتذكر ولا تتذوق طعم طمأنينة، وتقرأ القرآن ولا تطعم من الأنس بالله، وهذا السم الذي يسري في القلب فيفسد العبادات، هو ذاته الذي يسري في الجسد فلا تهنأ بطعم أكل ولا شرب ويصبح الطعم الغالب هو طعم المرض والوهن !!..
وفي توجيه الله تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [النور:30] إشارة لطيفة لنا عن كيفية اتصال الفرج بهذه النظرة التي يستهين بها البعض، إن التعبير بالفعل " يحفظوا" يشير إلى أن هذا الفرج أمانة... والأمانة هبة من الله تنزع منك في أي وقت ولا يُسأل الله عن ذلك، عرف ذلك أحد الشباب وهو يستعمل نظارة طبية فهو بين الحين والحين تأديبًا لنفسه يخلعها فيرى العالم حوله مشوشًا حتى إذا استعملها مرة أخرى شعر بقيمة هذه العين، ثم بقيمة أن الله مكَّنه من استعمال نظارة ولم يتركه هكذا، وقيمة أن نظره ليس أضعف من هذا، فيقول: إذن لا أقابل كل هذه النعم بالعصيان . ويعاهد نفسه على عدم العودة للذنب ..
.. وفي المقابل فإن هذه العين التي صبرت عن الحرام، يُكتب لها السعادة والفرح ولا تعرف الدمع أبدًا فقد قال رسول الله : ((كل عين باكية يوم القيامة إلا عينًا غضت عن محارم الله "
كم يستغرق هذا القرار من وقت.. قرار بسيط وسهل ولا يستغرق، لا يحتاج إلى لحظة تنزاح فيها الغشاوة من الأعين فتبصر الحقيقة … وما بعدها النعيم من حلاوة في القلب، ورضا في النفس، وسعادة بالانتصار.. ولذا فقد أعجبني شاب كان كلما حدثته نفسه بالنظر إلى ما لا يحل فإنه يغمض عينيه ويردد: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات وهو يتذكر بيعته مع الله وعهده لديه، وأنه بهذه النظرة يمكن أن يُخِلَّ بحقيقة لا إله إلا الله، وبالتالي فإنه يجد نفسه ممتنعًا عن المعصية…
رابعًا: الدعاء ...
هل تتذكر كم دعوت الله أن ينصرك في معركتك هذه وقد جمعت قلبك وأريت الله من نفسك الاضطرار الذي يؤدي إلى الإجابة { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ } [النمل:62] .
هل عاهدت نفسك أن تقوم من الليل فتنتهز الفرصة التي يتنزل الله فيها إلى السماء الدنيا فيجيب من سأله؟!.
هل أسررت إليه بحاجتك وهو يسأل هل من طالب حاجة فأقضيها له؟!.
هل قلت له: يا رب حاجتي ألا أقع في الحرام، وأن تسهل عليَّ الحلال، وأن تملأ عيني وقلبي بك.. وألا تتركني فريسة سهلة للشيطان...
وإذا كان الرسول أكرم الخلق على الله وأبعدهم عن الحرام كان يردد في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء" في كل صلاة، وانظر إلى صلاته كم كانت في اليوم والليلة... من منا يأخذ بالدعاء إلى هذه الدرجة؟! ومن منا يراقب نفسه إلى هذا الحد ويشفق عليها أن تقع في الحرام؟!.
خامسًا: دوام الذكر...
قد يتعجب البعض أن يكون الذكر مبعدًا عن الحرام، وكيف ينهي اللسانُ الفرجَ؟!! وهذا الكلام لمن لا يعرف، فالذكر هو حصن المؤمن التي يحتمي بها، والذكر باللسان هو المفضي إلى ذكر القلب، وذكر القلب هو المفضي إلى ذكر أعلى وهو ذكر الجوارح.. وذكر الجوارح هو الانتهاء عن عصيانه... ولذا قال ميمون بن مهران: "الذكر ذكران، فذكر الله -عز وجل- باللسان حسن، وأفضل منه أن تذكر الله -عز وجل- عندما تشرف على معاصيه"..
وتطبيق هذا على هذه المرأة الذاكرة العظيمة التي اتفقت مع رجل على الزنا... فسألته لما اختليا: "هل نامت عيون الرجال". فقال: "نعم". فقالت: "وعيون ربهم؟!" فبُهِت وتركها؛ فتابا إلى الله...
أعرف شابًّا كان إذا نازعته نفسه إلى إطلاق النظر إلى الحرام أغمض عينيه وقال ثلاثًا: "لا إله إلا الله". مستشعرًا أنه بهذه النظرة قد يخفض داعي الله في قلبه ويناقض الشهادة، إذا لم يكن للشاب همة إلى ربه فلم ينتهي عن المحارم فليس له أمل، إذا لم يكن للشاب هدف في الحياة فما يمنعه أن يكون كالبهائم يرعى في كل أرض؟! لا يعبأ لمن هذه ولا ينظر أي شيء يضره وأي شيء يفيده؟!.
ولم لا يكون الذكر حاجزًا عن المعاصي، والله سبحانه يقول: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" [البقرة: 152].
فكأن الله سبحانه يقول: اذكرني عند طاعتك أذكرك وأنت في حال المعصية، اذكرني بنعمي أذكرك وأنت ضعيف فارغ القلب تهفو إلى الحرام فأحصنك وأقوي نفسك وأذهب عنك همزة الشيطان وأوفقك إلى التوبة..
سادسًا: الانشغال بمعالي الأمور...
إن الإنسان الضعيف خاوي الوفاض لا يرى الدنيا إلا من خلال شهوته، ويظل الشيطان يضخم له قيمتها حتى يشغله بها عن مهمته في الحياة.. الشاب الذي لا هم له إلا إفراغ شهوته والاهتمام بهذه الفتاة وتلك.. والإيقاع بهن.. هل سمع هذا الشاب أنه خليفة الله في الأرض؟ .. وما أشقها من مهمة! وما أعظمها من رسالة!.
هل علم هذا الشاب أنه وريث ؟!. وما أشرفه من إرث!.
هل عرف أنه مسئول عن هداية البشر من حوله؟! وما أروعها من مسئولية!.
هل أدرك حال الأمة من حوله وتدهور أحوالها وانتقاص الأعداء من قدرها؟!.
هل يعجبه تخاذلنا تجاه ضياع فلسطين .. وانتهاك قدسنا الحبيب؟!
أم أنه لا يزال يعتقد أن الجنس هو قضيته الكبرى ؟!!!
ولكن حسبي أن أقول: إن من لم يدرك غايته في هذه الحياة فإنه لا يدرك شيئًا أبدًا..
و إذا لم يدرك سر خلقه ووجوده فما يمنعه أن تطيش أفعاله وتتبدد طاقته؟!!
سابعًا: أدِّب نفسك...
في كثير من الأحيان نتناسى أنفسنا لننضم إلى أخطر صنف من البشر وهم الغافلين، فننسى أننا سنظل في كل لحظة من حياتنا في حملة تقويم وتهذيب لنفوسنا، فلا يصح أن نتركها وشأنها بل علينا في كل لحظة مراقبتها وسؤالها، فبهذا فقط تتم النجاة..
إن شابًّا أغوته امرأة، وتمادى معها بعض الوقت إلى أن أوصِد عليهما الباب فلما هم بالمعصية وجد شمعة.. فوضع إصبعه عليها وهو يقول لنفسه: إذا صبرتِ على هذه النار الضعيفة تركتك وشأنك، وإن لم تصبري فكيف تقوين على نار وقودها الناس والحجارة؟!. فهذا شاب تحركت نفسه، لكنه زجرها وأعادها بقوة؛ لا لشيء إلا لأنه يملك زمامها فاستطاع أن يقودها.
وسيدنا أبو ذر الغفاري الذي أخطأ وعيَّر بلالاً الحبشي ذات يوم بأمِّه قائلاً له: يا ابن السوداء. فلما عاتبه النبي عاد إلى رشده، ووضع خده على الأرض، وأصَرَّ على أن يطأ بلال -رضي الله عنه- خَدَّه الآخر بقدمه .. فهو أصر أن يقمع نفسه تلك التي سمحت للسانه أن يتحرك بسوء ..
وعلى العكس إن رأيت من نفسك امتثالا لله ولأوامره فكافئها وأكرمها حتى تتوق دومًا للزوم الصواب..
ثامنًا: أن يخاف على نفسه من الخروج من الدين...
فإن اتباع الهوى يوشك بالمرء أن يشرك والعياذ بالله، وقد يقبل المسلم المفَرِّط أن يعصى الله لكنه أبدًا لا يقبل أن يكفر به، وربما لا يدرك العاصي أنه بفعله هذا قد يصل إلى هذه الهاوية، فالله –سبحانه- شدد في هذا الأمر: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } [الفرقان:43] فإن الهوى معبود العصاة والمذنبين.. وصدق الحسن المطوعي حين قال: (صنم كل إنسان هواه)... وهذا منحى صعب وخطير، فمن ذا يرضى بالوثن من دون الله.. فلنحطم أصنامنا .. ولنكسر أوثاننا…
والرسول يقرع الأسماع في هذه الجزئية بالذات فيقول: "المقيم على الزنا كعابد وثن"، ولا تتعجب فقد أصبح من السهل جدًّا الآن أن يقول شاب لفتاة: "أعبدك "..
والأقبح الذي أرويه -والنفس تشفق على أي مسلم من هذا المصير المزري- أن شابًّا عربيًّا مسلمًا ذهب في رحلة سياحية إلى إحدى الدول غير المسلمة، واتفق على شيء من الحرام مع فتاة، فلما صعدت إليه في غرفته بكامل زينتها، أعجب بجمالها حتى سجد لها المسكين إمعانًا في الترحيب بها لكنه -كما يروي الثقات من مرافقيه في هذه الرحلة- قُبض على هذه الحال!! وتاب أصحابه بعد ما رأوه لكن أين هو الآن؟! وما مصيره؟!! الله أعلم بحاله .
انزع أغلالك يا أخي فلا يريدك الإسلام شخصًا ضعيفًا متهافتًا إن مُنعت عنه "سيجارة" مثلا.. طاف يصارع نفسه، ويسُبُّ ويلعن كأنه طفل قد غابت عنه رضعته، وإن لم يظفر بها غامت الدنيا في عينيه.. الإسلام يريدك عزيزًا لا تخضع لشيء في هذه الدنيا.. شامخ الجبهة إلا لله.. الإسلام جعلك في هذه الدنيا لتحكمها، فأي حاكم هذا الضعيف الذليل لشهوة؟!.. ملَّكه الله العالم وهو يسعى لأحقر ما فيه !!.
تاسعًا: إدراك طبيعة الصراع مع الشيطان :
فلا بد وأن يعي المرء أن الشيطان يريد أن يخدعه بهذه الشهوة ويفوز بمعركته، وفائدة هذا الإدراك أن يظل الإنسان متنبهًا واعيًا يقظًا كالجندي على برج المراقبة، لأن الشيطان لا يأتي للإنسان ويقول له: هيا إلى الزنا، ولكنه يفعل ذلك من خلال عملية متواصلة وصراع لا ينقطع وخطوات مرتبة ومنظمة، وبالتالي فلا تتصور أنك تستطيع أن تقهره دون ترتيبات وتحصينات.
فالأمر أمر "جهاد".. والجهاد لا يأتي بزِرٍّ تضغط عليه فينتهي الأمر لكنه عملية مستمرة من المجاهدة والتعبد والتعب والبذل..كما لا بد أن نعي طبيعة هذا الجهاد ..
فيمكن مثلا في هذه المعركة أن يتقهقر الشاب قليلاً إلى الوراء لكنه لا ييأس بل يعاود الكَرَّة ويهجم، ولا مشكلة أبدًا إن أصابته بعض الجروح من أثر التدافع والطعان، لكن الأهم ألا نستسلم ونبكي على جرحنا؛ لأن هذا هو ما يريده العدو، وأعني بهذا ألا يهول لنا الشيطان ما نقترفه من أعمال لا ترضي الله فنظن أننا قد هلكنا إلى الأبد.. فتضعف نفوسنا فيسهل على الشيطان اختراقها.
ومن مداخل الشيطان في الأمر كذلك أنه يلجأ أحيانا إلى تهوين الامر في عينيك فتتصور أنه لا معركة ولا شيء من هذا القبيل، وهو ما فطن إليه بعض السلف فنبهوا : "الغالب لهواه أشد ممن يفتح مدينة وحده"... إذن فالانتصار فيها نصر عظيم وفتح من الله.. كما أن الأمر ليس بالسهولة التي يهيئها لنا الشيطان.
عاشرًا: معرفة عِظَم الأجر الذي ينتظر المنتصرين :
ويكفيك أخي الكريم أنك ستنال مرتبة من الجهاد؛ فالجهاد الذي يُعَرِّفه الرسول : "المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله"، فأيًّا ما كان تعبك وضيقك وإحساسك بأن الدنيا قد أُغلقت في وجهك، فلا تبتئس واعلم أن كل ما تعاني منه هو نفس ما يعاني منه المقاتل في الميدان من جهاده لنفسه وإلزامها بالبذل والعطاء..
بل إن مجاهدة نفسك تصل بك إلى مرتبة من أقصى درجات الجهاد.. وهذا ما أكده الحسن البصري حين سُئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك.. وليس الأمر أمر تهويل منه أو كذا ولكنها كلمة أحد المصلحين حين قال: إن ميدانكم الأول أنفسكم... فإن انتصرتم فيه كنتم على غيره أقدر... فمن جاهد هواه سهل بعد ذلك أن يجاهد عدوه...
ويكفيك أخي أن تعلم أن الله معك .. إذن النصر مضمون إن شاء الله.. وليس أدل على ذلك من أن الله في الحديث القدسي يقول للشاب التارك شهوته من أجل الله: "أنت عندي كبعض ملائكتي" .
إنها الجنة..
إنها الجنة يا أخي أغالٍ هو ثمنها وقد يسره عليك النبي ص حين قال : "من يضمن لي ما بين لحييه -أي لسانه- ، وما بين فخذيه -أي فرجه- ضمنت له الجنة" .
وعند الترمذي بسند حسن عن النبي قال: " عُرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد وعفيف مستعفف، وعبد أحسن عبادة الله " وكلنا يحب الشهادة ويتمناها، فإن حيل بيننا وبين تحقيقها فدعونا لا نترك الباب الثاني وهو العفة .
ما أشد فرحتك يوم الزحام والعرق، والشمس دانية من الرؤوس وأنت تأتي آمنا مستمتعا بظل الله "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله" .
والبديل : ….. النار!!..
أين هذا من شاب باع دينه من أجل شهوة عابرة، ومن شاب استهزأ بربه، ومن شاب جعل الله أهون الناظرين إليه، قال وهب بن منبه: جاء في الكتب المتقدمة يقول الله تعالى: "إذا أرخى العبد ستره وبارز الله بالمعاصي ناداه الله: يا عبدي أجعلتني أهون الناظرين إليك"، كيف يحتمل هذا العتاب يوم القيامة.. الله يعاتبه في أكثر أيام العبد احتياجًا إلى الله –تعالى- !!..
كيف تحتمل أن يقبضك الله في موقف الزنا؟! والله إن هذا ليس محض افتراض لكنه حدث... فمنذ سنوات قرأنا عن شخصية شهيرة ماتت وهي على الزنا وتركه رفقاء المعصية ومادري الجيران إلا من رائحة نتنة من شقته، فدخلوا فإذا به قد تحللت أجزاء منه وهو عارٍ، وآثار سهرات الخنا في غرفته... عافانا الله وإياكم....
حادي عشر: إدراك سوء العاقبة ودنس الفعل :
فالله سبحانه ضرب مثلا مستقبحًا لمن يتبع الهوى: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث }[الأعراف:176] وسبحان الله ما أروع هذا التعبير القرآني المعجز في وصف أصحاب المعاصي وخاصة معصية الزنا، فصاحبها الدائم اللهاث والعياذ بالله.. فهو في لهاث دائم وراء شهوته .. ولا يشبع منها أبدًا .. بل هو دائمًا في فقر إليها وحاجة ملحة لها.. فلا شبع ولا ارتواء ولا قناعة ... إن مقارف هذه المعصية هو بمثابة العطشان الذي يشرب من الماء المالح فلا هو يرتوى أبدًا، ولا هو يستطيع أن ينتهي عنه، ثم مصيره إلى فساد المعدة وهلاك الجسد... وصدق من قال: "من قرت عينه بالله فقد قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات" فهو إن حاز نساء الدنيا وبقيت واحدة لم يظفر بها تحسر عليها وكاد يهلك.
ثاني عشر : عزيمة الأحرار..
أن يكون لديك عزيمة حرة... تأبي أن ترعي في المزابل وأن تحوم حول القذر، فالنفس النقية الطاهرة تستقذر أن تأتي من هذا الحرام شيئًا، وتحتقر هذا الموقف، فهذه هند بنت عتبة قبل إسلامها أخبروها أنها ستبايع رسول الله على عدم الزنا، فتعجبت غير مصدقة وقالت: أو تزني الحرة؟!!... فلم يخطر ببالها أبدًا أن يصدر هذا الفعل من "حرة".
وانظر إلى أحد هؤلاء الأحرار "الرجال" بحق وهو الإمام الشافعي حين قال: "لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته"!! وعجبًا للرجل الذي لو علم أن الماء البارد هو شراب أهل المعصية مثلاً مع علمه بنقائه وصفائه وطهارته فسيمتنع عنه حرصًا على مروءته... وما باله لو رأى الذي يهجمون على حدود الله وينالون مما يغضبه ما يشاءون .
وهذا معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- يعرف هذه المروءة فيقول:"المروءة ترك الشهوات وعصيان الهوى" . فالرجولة الحقة أن لا يستطيع أحد أن يُذِلَّك، وأسهل الطرق لإذلال إنسان أن يُعرف عنه مقارفته لذنب أو إتيانه لمعصية، فيظل بالتالي وَجِلاً خائفًا منها.. والمؤمن الحق الذي قدر على مفارقة الشهوات لا أحد يعلم عنه زلة؛ لأن الله يستره فهو حتى وإن وقع في معصية فهو لا يجاهر ولا يفضح نفسه، بل على الفور يرجع فيخشى الله ويستغفر، وها هو أحمد بن حنبل يؤكد ذلك بقوله : "الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى" . فهذه هي الرجولة والشهامة وأخلاق الأحرار.
ثالث عشر: إعمال العقل ..
انظر إلى رجل وامرأة التقيا فراودته المرأة عن نفسه فقال: إن أجلي ليس بيدي كما أن أجلك ليس بيدك فربما دنا الأجل فنلقي الله عاصيين . فتابت ورجعت إلى الله، وهذا الرجل أعمل "عقله" بعض الوقت فصلُح حاله كل الوقت ..
فالعقل السليم يدلُّك على الخير.. إنك تفقد سلاحًا عظيمًا في معركتك إن تركت عقلك... فإن الشيطان يسعد بذلك جدًّا، فالخليفة المعتصم كان دائمًا يردد: " يسود الهوى إذا ذهب الرأي" فإذا خرج العقل من المعركة تحكم الهوى ففسدت المعادلة، والعقل الراجح يعصم حتى أمام عواصف الشهوات فها هما رجل وامرأة يجتمعان وقد هما بالحرام، ولما جلس منها مجلس الزنا، أطرق قليلا ثم قام عنها فسألته: ماذا حدث؟! .. فقال: إن رجلاً باع جنة عرضها السموات والأرض بمثل هذا لقليل العقل" .
رابع عشر : خوف الوقوع في الاستهزاء بالله...
فمن يعصِ الله وهو يعلم أن الله يراه فلا شك أن مقدار الله في قلبه قليل، وقد قيل لأحد المحبين: ما أنت صانع لو ظفرت بمحبوبتك ولا يراكما أحد. قال: " والله لا أجعله أهون الناظرين إليَّ" والله سبحانه يأتي بالرجل يوم القيامة ويعاتبه :"يا ابن آدم تختلي بي وتعصاني.. لِمَ جعلتني أهون الناظرين إليك؟" هل تحتمل عتاب الله لك يوم القيامة وأنت أحوج ما يمكن إلى ستره؟...
هذا ما وعيه رجل وامرأة ففازا برضوان الله وانتهيا عن معصيته، فقد اختليا فقالت له المرأة: هل أغلقت الأبواب؟ .. قال أغلقتها كلها. فقالت له: إلا بابًا لم تغلقه، هو ما بينك وبين ربك. فذهب عنها وتاب إلى الله...
خامس عشر:خوف الحرمان من محبة الله...
وهي اللذة التي لا تعدلها لذة.. ولو كنت محرومًا فلا تعرفها أو مذنبًا فحُرِمت منها فاسمع لما قاله هؤلاء المحبون: "إن حبه شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره"... أي انعدمت عندهم فرحة الظفر بحرام فأصبح حبه هو حياتهم.. ولأننا بعدنا كثيرًا عن هذه الدرجة فإننا نسوق كلام أحد المحبين، لعله يقرب إلينا المسألة، فهذا الجنيد العراقي كان في أحد المجالس، وكان هو أصغر الحاضرين سنًّا، وذكروا محبة الله وطلبوا منه الحديث، فأطرق رأسه ودمعت عيناه وقال: العبد المحب لله هو عبد ذاهب عن نفسه.. متصل بذكر ربه.. قائم بأداء حقوقه.. فإن تكلم فبالله.. وإن تحرك فلله.. وإن سكت فمع الله.. فهو بالله ولله ومع الله.. فبكي الجميع..
ومحبة الله ثمينة عند من يعرف الحقائق، ولا بد أن تتذكر حين تهم بذنب أو تفكر فيه أين سيضعك هذا الذنب، وفي أي مكانة مع ربك سيضعك، فإن الناس جميعًا يدَّعون محبة الله.. من منا لا يفعل.. من منا لا يلجأ إلى الله في مرض أو شدة .. من منا لا يشكر الله على نعمة أو حسنة... لكن كم منا يتذكر هذه المحبة عند الوقوع في الحرام، وهذه امرأة وعت ذلك، قال لها رجل: "اقتربي مني" ، يريد الزنا فقالت: "أخشى أن يكون اقترابي منك ابتعادًا عن رب العالمين.. فاللذات تنقطع ولا يبقي إلا الحق" … فهذه امرأة "واعية" تعرف الأولويات فإن دفعتها الشهوة إلى منزلق، وقف دينها حائلاً بينها وبين النار.
وانظر إلى حديث الرسول : "المرء مع من أحب" فما بالك بمن أحب الله .. ما أسعده وهو معه دائمًا!.
وهذا يحي بن معاذ الذي يقرر: "مثقال حبة من حب الله أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة بلا حب" . فالحب هو غاية العبادة الحقة، ولكن ابن معاذ أيضًا يقف أمام الأدعياء فيقول: " ليس بصادق من ادعى محبته ثم لم يحفظ حدوده" .
خاتمة
هذه مجرد وسائل للتعامل مع الشهوة وتوجيهها .. قد يرى البعض أنها "صعبة" لن يستطيع مهما فعل أن يحققها…
وقد يرى البعض أنها أمور نظرية لا تغني في المواجهة شيئًا، وقد يرى البعض أنها مجرد نصائح جوفاء وأننا عجزنا أن نقدم حلاًّ عمليًّا ..
ولتكن كذلك .. لتكن صعبة.. ولتكن نظرية.. ولتكن جوفاء...
المهم ماذا أنت فاعل في معركتك تلك … إنها معركتك خسارتك فيها لن يجني مرارتها أحد سواك.. وفوزك فيها لن يسعد به أحد غيرك، فابحث أنت عن حلول سهلة وعملية وواقعية .. ابتكر أنت لنفسك وشق طريقك نحو ربك .. المهم أن تنشغل بهذه المعركة، لا أن تظل تتفرج على نفسك وهي تفعل ما يحلو لها .. لا أن تظل تتفرج على الشيطان وهو يذيقك الهزيمة تلو الأخرى.. شارك في المعركة وخذ مكانك وتذوق طعم الانتصار…
التعيس من فقد مكانه في الجنة.. والمسكين من حرم من رحاب الله.. والخاسر من لم يكن من الناظرين إلى مولاهم الحق…
لمناقشة أفكار هذا الموضوع أرسل لنا رأيك
Azhm3@hotmail.com
Do2000do@hotmail.com
والسلام اخوتي :)
هذا الموضوع منقول للفائدة وأخذ العبر والعظات وهو في الحقيقة موضوعان ... للكاتب / أحمد زين .. أثابه الله ...
الشهوة .. طريقك للجنة..
جاء متضجرًا حانقًا يتعجب .. لم كل هذا البلاء؟! ولم خلقها الله أساسًا فينا؟!.. ولم نتعذب ونعاني؟!.. قلت له: ماذا تقصد؟ .. قال : الشهوة اللعينة !!…
قلت له: مهلك .. لم تنظر إلى الأمر من هذه الزاوية ؟! .. سبحان الله... أنا أنظر إلى الأمر أن هذه الشهوة هي طريقك الأسهل إلى الجنة.. !!.
نعم.. هو امتحان صعب.. أعترف.. وهو اختبار كبير.. أعرف.. لكن الناجحين فيه سينالون على قدر التعب والجهد الذي بذلوه.. والحقائق تقول: إن عدد الناجحين يفوق كثيرًا عدد الفاشلين.. ولا يفشل إلا ضعاف النفوس، وخائري العزائم، وأشباه الآدميين..
إذن هو طريق "سهل" للجنة .. لكنه يحتاج منك فقط إلى عزم وقوة وتصميم ..
وسبحان الله.. هذه إرادته.. أن يركب الشهوة في الإنسان، ويجعلها بهذه القوة التي تدفعه مع الحب أن يسعى إلى الزواج ويفرح به.. رغم أن الزواج في حقيقته أعباء إضافية ومسئوليات جسيمة يتحملها كلا الزوجين.. وإذا كنا –رغم وجود الشهوة والعاطفة اللتان تعصفان بالقلوب- نجد البعض يفر من أعباء الزواج ويتعذر بكذا وكذا من الانشغالات، فما بالك لو لم يكن له دافع من شهوة وعاطفة… والزواج هو أحد أقصر الطرق إلى الجنة؛ فبه يتعاون الزوجان على العبادات، وبه تحصن الفروج، وتهدأ الأنفس، وتقر الأرواح، وبه يأتي الولد الصالح الذي يكمل المسيرة ويدعو لوالده ويسير على درب الإيمان، وبه -إن شاء الله- يتحقق وعد الله: " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ" [الطور:21] . كما أن الشهوة تلك إن استطاع الإنسان أن يهذبها ويوجهها ويشذب ثورتها فله أجر لا يعادله أجر…
هدية الله لك .. كيف تستعملها؟
إن الإسلام -وهو دين الفطرة- لم يقع في شرك الاقتصار على مخاطبة الروح وبنائها، بل اهتم بتغذية المادة، وأعطى لقبضة الطين حقها كما أعطى لنفخة الروح حقها... فلم يأتِ الإسلام ويقول للناس: ترهبنوا ودعوكم من التفكير في أمور الجنس والشهوة . ولم يصفها بأنها من الدنس، بل على العكس هي من النعم بلا شك، كل ما في الأمر أن يهتدي المرء إلى الطريق الذي به يستفيد منها وينجو من خلاله من الشقاء بها...
وهذا هو منهج الإسلام في التعامل مع المادة، فهو حين تعامل مع قضية "المعدة" مثلا لم يهملها بل وجهها فقال: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } [ الأعراف:31] لكنه أتبعها بـقوله: { وَلاَ تُسْرِفُواْ }، كما حذر من أن البعض بتضخيمه لقضية ما يدخل معدته، قد انزلق إلى مراتب غير إنسانية ووصفهم القرآن بقوله.. { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ } [محمد:12] .
بل فتح الإسلام أمام الطعام آفاقًا جديدة حين جعله – ويا للعجب- وسيلة من وسائل تزكية النفس وتنقية الروح، وذلك تكريمًا للإنسان وحرصًا على كرامته ومروءته… فجعل هذه اللقيمات "طاعة" !! و"عبادة" !!، وسبيلاً لرضا الله –سبحانه- إذا نوى المرء الاستعانة بها على طاعة الله، والاستقواء بها في مواجهة العدو، والاستفادة منها في اكتساب القوت، وغير ذلك من النوايا التي يعتمدها المرء لتتحول عملية الأكل من عمل مادي بحت إلى عملية تسهم في إشباع حاجات المادة وبناء الروح معًا.
ومع الشهوة ماذا فعل؟!..
ومثل هذا يمكن أن نذكره مع العملية الجنسية التي خرج بها من أفق ضيَّقه الناس، وقصروه على عملية مادية بحتة لا يتحدث فيها الطرفان إلا بلُغة الطين "مادة الجسم"، إلى لغة النفخة الإلهية، وإلى آفاق مشعة بروحانيتها ونورانيتها، فانظر إلى لقاء الرجل بزوجته وهو يبدأه باسم الله، ثم دعاء لطيف أن يجنبهما الله وذريتهما من الشيطان وعمله، ثم يقرر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الطريق النظيف لتفريغ هذه الشهوة إنما هو صدقة !! وما أعجب ذلك حين يقول الرسول : "وفي بضع أحدكم صدقة"، ونفس العجب هو ما استولي على الصحابة -رضوان الله عليهم-: " أيقضي أحدنا شهوته ويتحصل الأجر". فأطلعهم الرسول على السر: "أرأيتم لو وضعها في حرام".. أي أن ذلك تحفيزًا له على لزوم الحلال والقناعة به…
بل إن الإسلام يفتح الباب واسعًا أمام الزوجين؛ لتكون كل لمحة عاطفية تدور بينهما إضافة إلى الميزان يوم الحساب... "إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهما نظرة رحمة فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما..." فما أروعه من دين!!.
تشديد الله على الفجور
وفي المقابل فإن الله سبحانه شدد على الطرق الملوثة لقضاء الشهوات، يكفي أن الله -سبحانه- حين حذر من الزنا لم ينهَ عن مقارفته فحسب، بل نهى عن مجرد الاقتراب منه .. { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } [الإسراء:32] ومن يتأمل عقوبة الزنا في الإسلام يجدها عقوبة شديدة إما الرجم للمتزوج أوالجلد للأعزب وكلاهما يجمعهما أمران: الغلظة إلى جانب التشهير بالفاعل، فانظر إلى الرسول وهو ينفي الإيمان عن الزاني في لحظة المعصية : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" وزاد النسائي في رواية: "فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه"، لماذا يقول رسول الله : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة".. فلماذا هذا التشديد من الرسول ؟!
ولماذا يقول الإمام أحمد: "لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنا"..
ولماذا يؤكد الله تعالى : { وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [النور:2] رغم أن الإسلام هو دين الرحمة والرأفة؟ ..
لماذا شهر الله بالزناة فقال: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور:2] رغم أن الإسلام يحب الستر ويدعو إليه ؟!
إن الزناة الذين هتكوا الأستار واحدًا واحدًا، وساروا وراء الشيطان في خطواته فما غضوا أبصارهم، ثم هم لم يمنعوا قلوبهم من التحرك نحو الحرام، ثم هم انتهكوا الحرمات وأسرفوا على أنفسهم، وهو كذلك أصموا أبصارهم عن تحذير الله لهم، وتغافلوا عن مصير من سبقهم من المذنبين، فهؤلاء لم ينزلقوا للمعصية "فجأة" لكنهم تعمدوها وأظهروها، هؤلاء أجرموا في حق المجتمع ودنسوا طهره، لذا فالرأفة بهم في غير محلها .. والرأفة بهم إنما هي قسوة على المجتمع، وقسوة على الآداب الإنسانية، وقسوة على الضمير البشري، وقسوة على حقوق الإنسان .
إن القسوة في الحد أرأف وأرحم بالمجتمع مما ينتظره من مصير سيء إذا شاعت الفواحش فيه لتفسد الفطرة وترتكس…
ومن هذا ما ذكره ابن القيم في تأثير المقيمين على الزنا المصرين عليه على المجتمع من حولهم: " فالزنا يجمع خلال الشر كلها؛ فلا تجد زانيًا وله صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله ".
حتى الحيوانات تأنف من الزنا…
إذا كنا نتهم الفجور بأنه من الشهوات البهيمية فإن من لطيف ما ذكر أن الحيوانات نفسها تأنف من هذا الدنس!! لا تعجب من ذلك؛ فقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في الجاهلية قردًا يزني بقردة فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته… وقال ابن تيمية: "وحدثني بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعًا من الطير قد باض فخرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب بني جنسه حتى اجتمع عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها" . وعلق شيخ الإسلام على هذا قائلاً: "ومثل هذا معروف في عادة البهائم "
الغرب والشرق .. والانفلات
يمنع الإسلام الفجور لأنه يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف، لا تهاج فيه الشهوات، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم، لا يريد أن تنتشر النظرة الخائنة والحركة المثيرة واللفتة المتبرجة والجسد العاري فتؤدي إلى سعار حيواني مجنون.
هذا السعار الذي اجتاح مجتمعات أخرى غربية وشرقية من حولنا.. هذه المجتمعات التي يقف بعضنا –للأسف- ويدعي أنها مجتمعات نظيفة لا أحد فيها يتصرف بسوء نية مع الجنس الآخر؛ والسبب في رأيه أنهم أطلقوا الحرية الجنسية فارتاح الناس.. وكذب والله فليست هذه المجتمعات سليمة الصدر ولا نقية السريرة، ولا شبع الشباب فيها من هذا الإطلاق الفوضوي للجنس.. فنسب الاغتصاب عالية، والتحرش الجنسي على أشده، والانفلات لا يوقفه شيء.. وما محاولات الانتحار لديهم ولا الأمراض النفسية المنتشرة إلا ثمرة هذا الانفلات.. وهذا أحد الذين كانوا يتصورون أن الشباب في الغرب لم يعد لاهثًا وراء التعرف على الفتيات، ولكن التجربة التي عكست له هذا التصور هي ما قاله : " دخلت أحد حجرات (الشات) وهي نطاقات على الإنترنت مخصصة للتعارف بين الناس، وكلما تعرفت على شاب أو رجل وذكرت له أني رجل وجدته يعتذر لأنه يود الحديث مع فتاة فكنت أصعق هل ما زال لديهم هذا السعار رغم أن المعروض عندهم من الجنس الآخر يحوطهم من كل جانب "!!.
فهل هذا المجتمع قد شبع من نهمه نحو الجنس؟!.. إن أي نظريات أرضية حاولت تقوية الانفلات الجنسي وتشجيعه قد باءت بالفشل، فالشيوعية التي جعلت من مبادئها شيوع الجنس وعدم الاقتصار على علاقات الزواج، ما لبث قادة الشيوعية أنفسهم أن أعلنوا على لسان زعيمهم " لينين ": "إن تلك النظرية حطمت الشباب وجعلتهم مجانين .. إنها ضد المجتمع، لأن هذا النظام أنتج أطفالاً بلا أسر" .
وفي المقابل فهل هذه الحرية الغربية التي تنادي بأن كل شيء ممكن أدت إلى تخفيف الشره الجنسي لدى المواطن الغربي، وبين أيدينا بعض الإحصائيات من أمريكا، فقد بلغ حجم تجارة الصور الإباحية عشرين مليار دولار في عام واحد، ووصل الدخول على المواقع الإباحية على الانترنت إلى 80 % من حجم استخدام الانترنت، وفي كل يوم يوزع في أمريكا نصف مليون نشرة تعرض كل المنتجات الإباحية، وترسل بالبريد الشخصي، وفي دراسة للدكتور أحمد المجدوب بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة عن الجرائم في 14 دولة أوروبية، جاء فيها: "إن الأبحاث قد كشفت عن أن 27 سيدة من كل خمسين سيدة تتعرض للاعتداء الجنسي بطرق مختلفة!!! ، منها ثلاث حالات شروع و 12 يتعرضن لاعتداءات جسيمة، و12 يتعرضن لاعتداءات طفيفة " .
والمجتمع قد ينال جنة الدنيا والآخرة..
إذا كانت هذه هي المجتمعات من حولنا فأي صورة للمجتمع من هاتين الصورتين نريد؟ أم أن ثمة صورة طيبة وخيرة يمكن أن نتلمسها لمجتمعنا، هذا الذي لا يناسبه أيًّا من هذه الصور المزرية .. وحق له أن يكون له شخصيته المستقلة التي تليق بمكانته التي حددها له القرآن: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة:143]. وذلك ليتسنى لنا القيام بدورنا المنوط: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } [البقرة:143].
إن المجتمع المسلم الراشد يمكن أن يكون في جنة الدنيا، ويكون أفراده في جنة الآخرة إن هو شد على الفجور، وشجع العفة والطهارة والنقاء؛ ذلك لأنه يُحفظ من هذا التلوث الخلقي.. والفساد القيمي الذي يضرب في جذوره فينهار مهما بدا قويًّا ومتماسكًا.
ولا شك أن هذا المجتمع المنشود لا يكون خاليًا تمامًا من أحاديث النفس والهم بالمعصية ووساوس الشيطان .. بل تدور فيه هذه الأمور لأن من طبيعة الإنسان أن يتنازعه الخير والشر.. لكن السؤال يبقى: إذا دفعت النفس صاحبها نحو الردى.. ووسوس الشيطان باتباع الهوى.. فماذا يفعل الشاب؟ أينزلق أم يستعصم؟!..
ولذا فدعنا نعيش بعض الوقت مع قدوات رددت من قلوبها مع إمام الشباب العفيف يوسف -عليه السلام –: { مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }… فتحولت الشهوة إلى قربى من الله، وتحولت المحنة إلى منحة، والفتنة إلى هداية، والاختبار إلى نجاح وفوز.
وما أحوجنا أن نصرخ في هذا الجو الملبد بالفتن .. مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..
وما أحوج مجتمعنا أن يهتف -شبابًا وفتيات- .. مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..
وما أحوج أمتنا إلى أن تقول جموع المسلمين .. مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..
ها هو يوسف…
ولأني أحبه وأسأل الله أن ألقاه في الجنة فدعونا نبدأ به، إنه يوسف -عليه السلام- في لمحة سريعة، فها هو في المشهد.. الأبواب مغلقة، والظروف مهيأة لكن يبقى باب السماء مفتوحًا فيتذكر يوسف -بعد أن يرى برهان ربه- فيلوذ بحماه وينتصر على الإغراء والشهوة، فيستحق أن يكون من عباد الله المخلصين.. بشهادة الله تعالى وانظر إلى النعيم حين يشهد الله لعبد من عباده: { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف : 24] .. أي كرم ذلك وأي فرح !!...
لم يأت البرهان ليوسف بلا جهد ولا عمل، ولم يأته وفي قلبه شر، لكنه أتاه بعد مجاهدة وقوة وصبر، وبعد صراع مرير مع نفسه ومع الشيطان لكنه في النهاية حسم الأمر بكلمة نطق بها: { مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } .
.. ورأى الله في قلبه صدقًا حين هتف { السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ } . فاختبره الله، وسجن -عليه السلام- وما جريمته إلا أنه حصن نفسه عن التلوث بوحل المعصية، فما بالنا اليوم زهدنا في الدين .. والله إني لأعلم شابًّا زهد في الصلاة وتركها لمجرد أن سُرِق حذاؤه لدى دخوله المسجد!!. ولك أن تتخيل مدى ضعف الدين في قلبه، ومدى رخص العقيدة في نفسه!!
ولنبصر الفارق بين يوسف وهو في غياهب الجب.. ويوسف وهو على العرش.. يوسف وهو يباع بدراهم معدودة وزُهد فيه، ويوسف وهو على خزائن الأرض يتحكم فيها كما يريد، إن هذه المسافة الهائلة هي ذات المسافة بين معصية الله وطاعته، وثمن هذا الفارق هو الصبر عن معصية الله، إنه الحفظ، ولقيا الله في كل سبيل أمامك بعد أن تلجأ إليه ولا تخونه "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك"..
وها هو شبيه يوسف في عهد عمر
وإذا تعلل البعض بأن يوسف نبي، وكيف سنصل إلى درجته، فلا بد أن نذكرهم أن الله جعل من قصته قرآنا لا لنتسلى ولا لنقضي وقتا لطيفًا معها ، بل لنعتبر ونقتدي، ولذلك جاء في آخر آيات سورة يوسف قوله تعالى: " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ " [يوسف:111] .
وهذا ما لحظه عمر -رضي الله عنه- فسمى بطل قصتنا تلك: "شبيه يوسف"، فقد كان في خلافة عمر -رضي الله عنه- شاب صالح، كان محط إعجاب الفاروق؛ لأنه كان يبكر إلى صلاة، مستكثرًا من النوافل والسنن، أحبته امرأة متزوجة غاب عنها زوجها، وحاولت أن تغريه بكل طريقة ففشلت لأنه يأبى، فعرفت امرأة عجوز هذا الأمر فقالت لها: أنا أجلبه لك مقابل كذا من المال.. فقعدت له العجوز في الطريق فلما مر بها قالت له: إني امرأة كبيرة السن ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها، فلو دخلت فحلبتها لي.. فوافق رغبة في نيل الأجر من الله، فلما دخل فإذا المرأة التي أحبته قد خرجت إليه، فلما رأي ذلك توجه نحو القبلة وجلس، فراودته عن نفسه فأبي وقال: "اتَّقِ الله أيتها المرأة"، فجعلت لا تكف عنه حتى علا صوتها، فجاء الناس فقالت: إن هذا دخل علي يراودني عن نفسي، فوثبوا عليه وأوثقوه، فلما جاءوا به إلى عمر قال: "اللهم لا تخلف ظني به.. ما لكم؟" فحكوا له، فقال له عمر والدمع يكاد يفيض من عينيه: "اصدقني". فأخبره بالقصة، فقال له عمر: أتعرف العجوز؟ فقال: نعم إن رأيتها عرفتها. فأرسل عمر إلى نساء جيرانها وعجائزهن، فجاء بهن فعرضهن فلم يعرفها فيهن، فازداد ألم عمر؛ لأن الفتى يكاد يهلك وهو يرى فيه الصلاح والتقوى، حتى مرت به العجوز، فقال: هذه يا أمير المؤمنين، فرفع عمر عليها الدرة وقال: اصدقيني، فقصت عليه القصة كما قصها الفتى، فقال عمر: "الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف" … وصدق عمر فهذا الفتي "العادي" الذي لم يحفظ لنا التاريخ اسمه .. قد وقع في نفس ابتلاء يوسف وكانت صفحته بنفس نقاء هذا النبي الكريم.. لكن إن كان مجهولا عند الناس فأحسب أنه مشهور عند ربه .. وكفاه هذا ..
أقبل على الشهوات .. ونجا في آخر لحظة
ليس المجاهدون لأنفسهم، والمنتصرون على شهواتهم ملائكة ولا هبطوا من القمر ولا هم من طينة غير البشر، بل هم بشر فيهم الشهوات وفيهم الخطأ والصواب تعقلوا وعقلوا، فهذا رجل سعى إلى الحرام وحين ظفر به فكر للحظة واتخذ القرار الذي أسعده في حياته الباقية، إنه رجل صدق فيه قول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" [الأعراف:201] فهو ما إن جاءه داعي الله حتى زالت الغشاوة من فوق عينيه..
فقد حكى الحسن البصري - وانظر إلى مكانة الراوي ومصداقيته-: كانت امرأة بغي قد فاقت أهل عصرها حسنًا، حتى سماها الناس " الملكة" ولا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار ( حوالي 425 جراما من الذهب الخالص )، رآها رجل فقير فطيرت عقله، فذهب يعمل بكل ما أوتي من قوة حتى جمع المطلوب - لاحظ حلمه بها وسيطرة الشيطان عليه ورغبته الشديدة -، فجاء فقال: إنك قد أعجبتني، فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حتى جمعت مائة دينار، فقالت: ادخل . فلما دخل، وكان لها سرير من ذهب فقالت: هلم إلي.. فلما جلس منها مجلس الخائن- لاحظ أن هذا منتهى أمله -، تذكر مقامه بين يدي الله فأخذته رعدة ورجع إلى عقله فقال: اتركيني لأخرج . فثارت لأنها رأت أن هذا انتقاص من قدر جمالها.. فقالت له: لا أتركك أبدًا، فقال : اتركيني ولك المائة دينار، فقالت: ماذا جرى؟! .. لقد كدحت حتى جمعت مائة دينار فلما قدرت على ما تعشق تركته؟! فقال: والله ما حملني على ذلك إلا الخوف من الله، وذكري مقامي بين يديه، كيف أجيبه إن سألني؟! .. وبم أرد إن حاسبني؟! فبكت وقالت: إذن تتزوجني؛ فلنعم الزوج أنت . فقال: لها ذريني لأخرج . قالت: لا، إلا أن تجعل لي عهدًا أن تتزوجني. فقال: لعل. فتقنع بثوبه ثم رجع إلى بلده .
فانظر إلى هذا الذي أدرك نفسه قبل فوات الأوان إنه القرار الذي لم يكلفه شيئًا إلا التبصر وإعمال العقل..
شهيد العفاف: الموت ولا سخط الله
وهذا رجل"عادي" أيضا ليس بِمَلَك، ولا بنصف مَلَك .. هو إنسان بل وشاب، شاغلته امرأة فأبى أن يأتي الحرام، لكنها من كثرة إلحاحها أثرت في قلبه فتنازعه الهوى والتقوى، لكنه رفض أن يلين لما يغضب الله.. واسمع من جابر بن نوح وهو أحد السلف الصالح يحكي قصته: كنت بالمدينة جالسًا عند رجل في حاجة، فمر بنا شيخ حسن الوجه حسن الثياب، فقام إليه ذلك الرجل فسلم عليه وقال: يا أبا محمد أسأل الله أن يعظم أجرك، وأن يربط على قلبك بالصبر، فإن الصبر معول المؤمن، وإني لأرجو أن لا يحرمك الله الأجر على مصيبتك.
فقلت له: من هذا الشيخ؟ فقال: رجل منا من الأنصار، فقلت: وما قصته؟ قال: أصيب بابنه وكان به بارًا قد كفاه جميع ما يعَنِّيه، ووفاته عجب. قلت: وما كانت؟ قال: أحبته امرأة، فأرسلت إليه تشكو حبه وتسأله الزيارة، وكان لها زوج فألحَّت عليه حتى شغلته ولكنه أبى أي تنازل عن دينه، فيئست منه حتى لم تعد تدري ما تفعل لدرجة أن ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر، فعملت لها في ذلك…
وبلغ صراع الفتى مع نفسه أن خطر ذكرها بقلبه ذات مرة، فقام مسرعًا فصلى واستعاذ والأمر يشتد عليه، فقال: يا أبي أدركني بقيد . فقال: يا بني ما قصتك؟! فحَدَّثه بالقصة، وظل على ما يعاني من مرض نتيجة هذا التدافع الداخلي لديه بين الحق والباطل إلى أن مات –رحمه الله- .
الصالحون مع الفتن.. حال مختلف
هذه نماذج لشباب من المسلمين العاديين، الذين واجهوا الفتن بقلب حي حيي، وإيمان عميق جلي.. فثبتوا بعد أن اهتزوا قليلاً…
أما الصالحون الذين جاهدوا أنفسهم طويلاً، وشغلوا أنفسهم بالطاعات، وصفوا قلوبهم من كل ما دون الله، فإن الله آتاهم الإيمان الراسخ المتين الذي لا يتزعزع ولا يضطرب أبدًا.. فتأتيهم الدنيا فيسخرون منها ويركلونها بالأقدام، وما هذا إلا من عطايا الله لهم، وهذه قصة أحدهم إنه "السَّرِي بن دينار" وهو أحد العباد العارفين، نزل إلى قرية بها امرأة جميلة فُتن الناس بجمالها، فعلمت المرأة بصلاحه وتقواه، فقالت: لأفتننه. فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها، فقال: مالك؟! فقالت: هل لك في فراش وطي وعيش رخي؟! فغض عنها الطرف وهو يقول: "تذاق الذنوب ثم تفنى ويبقى طعم المصائب، لذة المعاصي تنتهي ولا تنتهي الحسرات، ما بال عبد علم أن الله يراه ثم قارف الإثم".. فتابت المرأة وعرضت عليه الزواج فقال: "ما عُرض علينا في معصيته لا نحب استعماله في طاعته" .
"ولن يتركم أعمالكم"
وآخر مشهورة قصته فقد رُوي أن امرأة جميلة كانت بمكة، وكان لها زوج، وكانا رقاق الدين، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدًا يري هذا الوجه ولا يفتن به؟! قال: نعم. قالت: من؟! قال: عبيد بن عمير. قالت: فائذن لي فيه فلأفتننه. قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام، فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر..
فقال لها: يا أمة الله استتري. فقالت: إني فتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسُرُّكِ أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو دخلتِ قبرك وأُجلستِ للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قلت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمنك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أردت المرور على الصراط ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال صدقت. قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: فلو وقفت بين يدي الله للمسألة أكان يسرك أني قضيتها لك. قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: "اتق الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك"، قال: فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعت؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد عليَّ امرأتي، كانت في كل ليلة عروسًا فصيرها راهبة!!!.
خاتمة
فهذه النماذج عبرة وعظة نضعها أمامنا لعل القلوب تميل إلى الحق وتدع الباطل، ولعل أحدنا يتذكرها وقد همَّ بحرام فيمتنع ويعود إلى حمى مولاه .
ولنتذكر جميعًا أن الفرق بين العز والذل، بين الغنى والفقر، بين الإيمان والضلال هو لحظة واحدة، نفكر فنعقل فتصفو لنا الدنيا ونحظى بالآخرة، ولنا حديث في رسالة أخرى حول: "كيف تتعامل مع الشهوة" نحاول فيه التركيز على الوسائل التي تمكن الشاب المسلم من السيطرة على شهوته، وتوجيهها إلى المسار الصحيح الذي يحبه الله ويرضاه ..
كيف تتعامل مع الشهوة ؟
الشهوة في دمك .. والإثارة تحوطك .. ليست مشكلة..
صدقني ..
فالإسلام قد دلَّك على أسلم طريق للاستفادة بها.. وهو الزواج، "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ..
أعلم أنك قد تقول: وماذا بيدي .. والأوضاع قد انقلبت حتى أصبح طريق العفاف صعبًا... وتمسك الناس بمظاهر فارغة يتشبثون بها قبل إتمام هذه الخطوات "الأساسية "في حياة البشر وكأنهم يتغافلون عن كونها أساسية وهامة جدا؟! أقول لك أعرف، وأزيدك: إن سبل الحلال قد صعبت... وذللت طرق الحرام وتيسرت... كما حورب الزواج المبكر، بينما رُوِّج للصداقات المشبوهة... واعتبر الزواج لدى الكثيرين "مسئولية" و"همًّا" ينبغي تأخيره، أما العلاقات غير الشرعية فهي "خبرات" لابد للشباب أن يمروا بها !!.. أعرف كذلك أن كثيرًا من الناس تناسى توجيهات الحبيب : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وأن: " أكثرهن بركة أيسرهن مهورًا" . ومثل ذلك من الإرشادات التي تفضي إلى تسهيل عملية الزواج..
هذه صورة صادقة لواقعنا، يمكن أن نظل سويًّا نزيدها سوادًا، وبالتالي تمتلئ نفوسنا ضيقًا وأرواحنا تشاؤمًا، ولا نجد إلا أننا ضحايا ومظلومين، لكن يبقى السؤال وماذا بعد؟! هل يدفعنا هذا إلى أن ننزلق وراء نداء الجسد فنَعُبُّ من الشهوات ونسير خلفها؟!
أم نقف على أرض صلبة من مبادئ ديننا وندرك ما نحن فيه ونسعى إلى معالجته؟! فنتأمل معًا بعض الوسائل المعينة على تخفيف حدة الشهوة إلى أن يأذن الله بالفرج .. وأعني به الزواج الذي يظل الحل الأسهل والأسرع والأقوى والدائم لهذا الأمر.
أولا :الشهوة واقع فتعامل معه
علينا ألا ترعبنا هذه الشهوة، ولا نصورها بأنها وحش سيفترسنا لا محالة، لكن علينا معرفة طبيعتها، فالشهوة جواد جامح يقف رهن إشارتك .. تستطيع أن تقوده فتتنزه به وتستمتع بين الرياض والبساتين .. ويمكن أن يقودك هو فيضلك السبل ويخترق بك الأحراش فلا تجني إلا الوحل… ومن أروع التشبيهات حول الشهوة في الإنسان: "إن الشهوة في الشاب كإناء به ماء يغلي، فإن أغلقت عليه كل منفذ انفجر الإناء بأكمله، وإن نفست عنه بمقدار معقول خرجت منه القوة التي تسير القاطرات الكبار، أما إن فتح غطاء الإناء لتبدد الماء ثم لا يلبث الإناء أن يحترق كله" .. فهذا تمامًا هو الشاب الذي إن صرف الشهوة فيما يحل له استمتع بحياته وتفرغ لعمله ودوره المنوط به في الحياة، لكنه إن كبت نفسه ولم يتزوج لانفجر لأنه لم يُلَبِّ داعي الفطرة، وهو إن أطلق لشهوته العنان خسر الدنيا والآخرة ..
ثانيا: الصوم :
إنه العلاج الذي وصفه الرسول لمن عجز عن الزواج، وأعرف أن كثيرين يصومون ثم لا يجدون شيئًا يتغير، فنار الشهوة لا تزال تطاردهم.. هؤلاء عليهم أن يتهموا أنفسهم، ويشُكُّوا في صيامهم...
ولتسأل نفسك: هل صمت كما يحب الله ورسوله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يقوى داخلك وازع الله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يؤكد كلمات الله؛ حتى تنتصر على أي أفكار خبيثة تنتشر؟ أم إنه صيام الجوع والعطش؟ هل صامت العيون والآذان مع المعدة أم غابت؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمرء من التعلق بكل ما هو مادي والسمو إلى كل ما هو روحاني؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمسلم رويدا رويدا ليقترب من مصاف الملائكة الممتنعين عن الشهوات الذاكرين الله بلا كلل أو ملل؟ ..
ثالثا- غض البصر:
والبصر هو باب القلب الأول، وأقرب الحواس إليه؛ ولذا كثر السقوط من جهته، وكان لزامًا على من خاف على قلبه أن يتحرك نحو شيء ما أن يغضه ويحفظه .. ولذا أراد الله أن يُحكم الإنسان رقابته على هذا الممر، ويفحص ما يدخل منه لأنه سرعان ما يدخل إلى القلب، وما أصدق التعبير في الحديث القدسي: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" … فانظر إلى كلمة "مسموم" وتعبيرها الدقيق، لعلك لاحظت هذا السم في نفسك، تصلي فلا تشعر بحلاوة مناجاة، وتذكر ولا تتذوق طعم طمأنينة، وتقرأ القرآن ولا تطعم من الأنس بالله، وهذا السم الذي يسري في القلب فيفسد العبادات، هو ذاته الذي يسري في الجسد فلا تهنأ بطعم أكل ولا شرب ويصبح الطعم الغالب هو طعم المرض والوهن !!..
وفي توجيه الله تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [النور:30] إشارة لطيفة لنا عن كيفية اتصال الفرج بهذه النظرة التي يستهين بها البعض، إن التعبير بالفعل " يحفظوا" يشير إلى أن هذا الفرج أمانة... والأمانة هبة من الله تنزع منك في أي وقت ولا يُسأل الله عن ذلك، عرف ذلك أحد الشباب وهو يستعمل نظارة طبية فهو بين الحين والحين تأديبًا لنفسه يخلعها فيرى العالم حوله مشوشًا حتى إذا استعملها مرة أخرى شعر بقيمة هذه العين، ثم بقيمة أن الله مكَّنه من استعمال نظارة ولم يتركه هكذا، وقيمة أن نظره ليس أضعف من هذا، فيقول: إذن لا أقابل كل هذه النعم بالعصيان . ويعاهد نفسه على عدم العودة للذنب ..
.. وفي المقابل فإن هذه العين التي صبرت عن الحرام، يُكتب لها السعادة والفرح ولا تعرف الدمع أبدًا فقد قال رسول الله : ((كل عين باكية يوم القيامة إلا عينًا غضت عن محارم الله "
كم يستغرق هذا القرار من وقت.. قرار بسيط وسهل ولا يستغرق، لا يحتاج إلى لحظة تنزاح فيها الغشاوة من الأعين فتبصر الحقيقة … وما بعدها النعيم من حلاوة في القلب، ورضا في النفس، وسعادة بالانتصار.. ولذا فقد أعجبني شاب كان كلما حدثته نفسه بالنظر إلى ما لا يحل فإنه يغمض عينيه ويردد: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات وهو يتذكر بيعته مع الله وعهده لديه، وأنه بهذه النظرة يمكن أن يُخِلَّ بحقيقة لا إله إلا الله، وبالتالي فإنه يجد نفسه ممتنعًا عن المعصية…
رابعًا: الدعاء ...
هل تتذكر كم دعوت الله أن ينصرك في معركتك هذه وقد جمعت قلبك وأريت الله من نفسك الاضطرار الذي يؤدي إلى الإجابة { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ } [النمل:62] .
هل عاهدت نفسك أن تقوم من الليل فتنتهز الفرصة التي يتنزل الله فيها إلى السماء الدنيا فيجيب من سأله؟!.
هل أسررت إليه بحاجتك وهو يسأل هل من طالب حاجة فأقضيها له؟!.
هل قلت له: يا رب حاجتي ألا أقع في الحرام، وأن تسهل عليَّ الحلال، وأن تملأ عيني وقلبي بك.. وألا تتركني فريسة سهلة للشيطان...
وإذا كان الرسول أكرم الخلق على الله وأبعدهم عن الحرام كان يردد في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء" في كل صلاة، وانظر إلى صلاته كم كانت في اليوم والليلة... من منا يأخذ بالدعاء إلى هذه الدرجة؟! ومن منا يراقب نفسه إلى هذا الحد ويشفق عليها أن تقع في الحرام؟!.
خامسًا: دوام الذكر...
قد يتعجب البعض أن يكون الذكر مبعدًا عن الحرام، وكيف ينهي اللسانُ الفرجَ؟!! وهذا الكلام لمن لا يعرف، فالذكر هو حصن المؤمن التي يحتمي بها، والذكر باللسان هو المفضي إلى ذكر القلب، وذكر القلب هو المفضي إلى ذكر أعلى وهو ذكر الجوارح.. وذكر الجوارح هو الانتهاء عن عصيانه... ولذا قال ميمون بن مهران: "الذكر ذكران، فذكر الله -عز وجل- باللسان حسن، وأفضل منه أن تذكر الله -عز وجل- عندما تشرف على معاصيه"..
وتطبيق هذا على هذه المرأة الذاكرة العظيمة التي اتفقت مع رجل على الزنا... فسألته لما اختليا: "هل نامت عيون الرجال". فقال: "نعم". فقالت: "وعيون ربهم؟!" فبُهِت وتركها؛ فتابا إلى الله...
أعرف شابًّا كان إذا نازعته نفسه إلى إطلاق النظر إلى الحرام أغمض عينيه وقال ثلاثًا: "لا إله إلا الله". مستشعرًا أنه بهذه النظرة قد يخفض داعي الله في قلبه ويناقض الشهادة، إذا لم يكن للشاب همة إلى ربه فلم ينتهي عن المحارم فليس له أمل، إذا لم يكن للشاب هدف في الحياة فما يمنعه أن يكون كالبهائم يرعى في كل أرض؟! لا يعبأ لمن هذه ولا ينظر أي شيء يضره وأي شيء يفيده؟!.
ولم لا يكون الذكر حاجزًا عن المعاصي، والله سبحانه يقول: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" [البقرة: 152].
فكأن الله سبحانه يقول: اذكرني عند طاعتك أذكرك وأنت في حال المعصية، اذكرني بنعمي أذكرك وأنت ضعيف فارغ القلب تهفو إلى الحرام فأحصنك وأقوي نفسك وأذهب عنك همزة الشيطان وأوفقك إلى التوبة..
سادسًا: الانشغال بمعالي الأمور...
إن الإنسان الضعيف خاوي الوفاض لا يرى الدنيا إلا من خلال شهوته، ويظل الشيطان يضخم له قيمتها حتى يشغله بها عن مهمته في الحياة.. الشاب الذي لا هم له إلا إفراغ شهوته والاهتمام بهذه الفتاة وتلك.. والإيقاع بهن.. هل سمع هذا الشاب أنه خليفة الله في الأرض؟ .. وما أشقها من مهمة! وما أعظمها من رسالة!.
هل علم هذا الشاب أنه وريث ؟!. وما أشرفه من إرث!.
هل عرف أنه مسئول عن هداية البشر من حوله؟! وما أروعها من مسئولية!.
هل أدرك حال الأمة من حوله وتدهور أحوالها وانتقاص الأعداء من قدرها؟!.
هل يعجبه تخاذلنا تجاه ضياع فلسطين .. وانتهاك قدسنا الحبيب؟!
أم أنه لا يزال يعتقد أن الجنس هو قضيته الكبرى ؟!!!
ولكن حسبي أن أقول: إن من لم يدرك غايته في هذه الحياة فإنه لا يدرك شيئًا أبدًا..
و إذا لم يدرك سر خلقه ووجوده فما يمنعه أن تطيش أفعاله وتتبدد طاقته؟!!
سابعًا: أدِّب نفسك...
في كثير من الأحيان نتناسى أنفسنا لننضم إلى أخطر صنف من البشر وهم الغافلين، فننسى أننا سنظل في كل لحظة من حياتنا في حملة تقويم وتهذيب لنفوسنا، فلا يصح أن نتركها وشأنها بل علينا في كل لحظة مراقبتها وسؤالها، فبهذا فقط تتم النجاة..
إن شابًّا أغوته امرأة، وتمادى معها بعض الوقت إلى أن أوصِد عليهما الباب فلما هم بالمعصية وجد شمعة.. فوضع إصبعه عليها وهو يقول لنفسه: إذا صبرتِ على هذه النار الضعيفة تركتك وشأنك، وإن لم تصبري فكيف تقوين على نار وقودها الناس والحجارة؟!. فهذا شاب تحركت نفسه، لكنه زجرها وأعادها بقوة؛ لا لشيء إلا لأنه يملك زمامها فاستطاع أن يقودها.
وسيدنا أبو ذر الغفاري الذي أخطأ وعيَّر بلالاً الحبشي ذات يوم بأمِّه قائلاً له: يا ابن السوداء. فلما عاتبه النبي عاد إلى رشده، ووضع خده على الأرض، وأصَرَّ على أن يطأ بلال -رضي الله عنه- خَدَّه الآخر بقدمه .. فهو أصر أن يقمع نفسه تلك التي سمحت للسانه أن يتحرك بسوء ..
وعلى العكس إن رأيت من نفسك امتثالا لله ولأوامره فكافئها وأكرمها حتى تتوق دومًا للزوم الصواب..
ثامنًا: أن يخاف على نفسه من الخروج من الدين...
فإن اتباع الهوى يوشك بالمرء أن يشرك والعياذ بالله، وقد يقبل المسلم المفَرِّط أن يعصى الله لكنه أبدًا لا يقبل أن يكفر به، وربما لا يدرك العاصي أنه بفعله هذا قد يصل إلى هذه الهاوية، فالله –سبحانه- شدد في هذا الأمر: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } [الفرقان:43] فإن الهوى معبود العصاة والمذنبين.. وصدق الحسن المطوعي حين قال: (صنم كل إنسان هواه)... وهذا منحى صعب وخطير، فمن ذا يرضى بالوثن من دون الله.. فلنحطم أصنامنا .. ولنكسر أوثاننا…
والرسول يقرع الأسماع في هذه الجزئية بالذات فيقول: "المقيم على الزنا كعابد وثن"، ولا تتعجب فقد أصبح من السهل جدًّا الآن أن يقول شاب لفتاة: "أعبدك "..
والأقبح الذي أرويه -والنفس تشفق على أي مسلم من هذا المصير المزري- أن شابًّا عربيًّا مسلمًا ذهب في رحلة سياحية إلى إحدى الدول غير المسلمة، واتفق على شيء من الحرام مع فتاة، فلما صعدت إليه في غرفته بكامل زينتها، أعجب بجمالها حتى سجد لها المسكين إمعانًا في الترحيب بها لكنه -كما يروي الثقات من مرافقيه في هذه الرحلة- قُبض على هذه الحال!! وتاب أصحابه بعد ما رأوه لكن أين هو الآن؟! وما مصيره؟!! الله أعلم بحاله .
انزع أغلالك يا أخي فلا يريدك الإسلام شخصًا ضعيفًا متهافتًا إن مُنعت عنه "سيجارة" مثلا.. طاف يصارع نفسه، ويسُبُّ ويلعن كأنه طفل قد غابت عنه رضعته، وإن لم يظفر بها غامت الدنيا في عينيه.. الإسلام يريدك عزيزًا لا تخضع لشيء في هذه الدنيا.. شامخ الجبهة إلا لله.. الإسلام جعلك في هذه الدنيا لتحكمها، فأي حاكم هذا الضعيف الذليل لشهوة؟!.. ملَّكه الله العالم وهو يسعى لأحقر ما فيه !!.
تاسعًا: إدراك طبيعة الصراع مع الشيطان :
فلا بد وأن يعي المرء أن الشيطان يريد أن يخدعه بهذه الشهوة ويفوز بمعركته، وفائدة هذا الإدراك أن يظل الإنسان متنبهًا واعيًا يقظًا كالجندي على برج المراقبة، لأن الشيطان لا يأتي للإنسان ويقول له: هيا إلى الزنا، ولكنه يفعل ذلك من خلال عملية متواصلة وصراع لا ينقطع وخطوات مرتبة ومنظمة، وبالتالي فلا تتصور أنك تستطيع أن تقهره دون ترتيبات وتحصينات.
فالأمر أمر "جهاد".. والجهاد لا يأتي بزِرٍّ تضغط عليه فينتهي الأمر لكنه عملية مستمرة من المجاهدة والتعبد والتعب والبذل..كما لا بد أن نعي طبيعة هذا الجهاد ..
فيمكن مثلا في هذه المعركة أن يتقهقر الشاب قليلاً إلى الوراء لكنه لا ييأس بل يعاود الكَرَّة ويهجم، ولا مشكلة أبدًا إن أصابته بعض الجروح من أثر التدافع والطعان، لكن الأهم ألا نستسلم ونبكي على جرحنا؛ لأن هذا هو ما يريده العدو، وأعني بهذا ألا يهول لنا الشيطان ما نقترفه من أعمال لا ترضي الله فنظن أننا قد هلكنا إلى الأبد.. فتضعف نفوسنا فيسهل على الشيطان اختراقها.
ومن مداخل الشيطان في الأمر كذلك أنه يلجأ أحيانا إلى تهوين الامر في عينيك فتتصور أنه لا معركة ولا شيء من هذا القبيل، وهو ما فطن إليه بعض السلف فنبهوا : "الغالب لهواه أشد ممن يفتح مدينة وحده"... إذن فالانتصار فيها نصر عظيم وفتح من الله.. كما أن الأمر ليس بالسهولة التي يهيئها لنا الشيطان.
عاشرًا: معرفة عِظَم الأجر الذي ينتظر المنتصرين :
ويكفيك أخي الكريم أنك ستنال مرتبة من الجهاد؛ فالجهاد الذي يُعَرِّفه الرسول : "المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله"، فأيًّا ما كان تعبك وضيقك وإحساسك بأن الدنيا قد أُغلقت في وجهك، فلا تبتئس واعلم أن كل ما تعاني منه هو نفس ما يعاني منه المقاتل في الميدان من جهاده لنفسه وإلزامها بالبذل والعطاء..
بل إن مجاهدة نفسك تصل بك إلى مرتبة من أقصى درجات الجهاد.. وهذا ما أكده الحسن البصري حين سُئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك.. وليس الأمر أمر تهويل منه أو كذا ولكنها كلمة أحد المصلحين حين قال: إن ميدانكم الأول أنفسكم... فإن انتصرتم فيه كنتم على غيره أقدر... فمن جاهد هواه سهل بعد ذلك أن يجاهد عدوه...
ويكفيك أخي أن تعلم أن الله معك .. إذن النصر مضمون إن شاء الله.. وليس أدل على ذلك من أن الله في الحديث القدسي يقول للشاب التارك شهوته من أجل الله: "أنت عندي كبعض ملائكتي" .
إنها الجنة..
إنها الجنة يا أخي أغالٍ هو ثمنها وقد يسره عليك النبي ص حين قال : "من يضمن لي ما بين لحييه -أي لسانه- ، وما بين فخذيه -أي فرجه- ضمنت له الجنة" .
وعند الترمذي بسند حسن عن النبي قال: " عُرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد وعفيف مستعفف، وعبد أحسن عبادة الله " وكلنا يحب الشهادة ويتمناها، فإن حيل بيننا وبين تحقيقها فدعونا لا نترك الباب الثاني وهو العفة .
ما أشد فرحتك يوم الزحام والعرق، والشمس دانية من الرؤوس وأنت تأتي آمنا مستمتعا بظل الله "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله" .
والبديل : ….. النار!!..
أين هذا من شاب باع دينه من أجل شهوة عابرة، ومن شاب استهزأ بربه، ومن شاب جعل الله أهون الناظرين إليه، قال وهب بن منبه: جاء في الكتب المتقدمة يقول الله تعالى: "إذا أرخى العبد ستره وبارز الله بالمعاصي ناداه الله: يا عبدي أجعلتني أهون الناظرين إليك"، كيف يحتمل هذا العتاب يوم القيامة.. الله يعاتبه في أكثر أيام العبد احتياجًا إلى الله –تعالى- !!..
كيف تحتمل أن يقبضك الله في موقف الزنا؟! والله إن هذا ليس محض افتراض لكنه حدث... فمنذ سنوات قرأنا عن شخصية شهيرة ماتت وهي على الزنا وتركه رفقاء المعصية ومادري الجيران إلا من رائحة نتنة من شقته، فدخلوا فإذا به قد تحللت أجزاء منه وهو عارٍ، وآثار سهرات الخنا في غرفته... عافانا الله وإياكم....
حادي عشر: إدراك سوء العاقبة ودنس الفعل :
فالله سبحانه ضرب مثلا مستقبحًا لمن يتبع الهوى: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث }[الأعراف:176] وسبحان الله ما أروع هذا التعبير القرآني المعجز في وصف أصحاب المعاصي وخاصة معصية الزنا، فصاحبها الدائم اللهاث والعياذ بالله.. فهو في لهاث دائم وراء شهوته .. ولا يشبع منها أبدًا .. بل هو دائمًا في فقر إليها وحاجة ملحة لها.. فلا شبع ولا ارتواء ولا قناعة ... إن مقارف هذه المعصية هو بمثابة العطشان الذي يشرب من الماء المالح فلا هو يرتوى أبدًا، ولا هو يستطيع أن ينتهي عنه، ثم مصيره إلى فساد المعدة وهلاك الجسد... وصدق من قال: "من قرت عينه بالله فقد قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات" فهو إن حاز نساء الدنيا وبقيت واحدة لم يظفر بها تحسر عليها وكاد يهلك.
ثاني عشر : عزيمة الأحرار..
أن يكون لديك عزيمة حرة... تأبي أن ترعي في المزابل وأن تحوم حول القذر، فالنفس النقية الطاهرة تستقذر أن تأتي من هذا الحرام شيئًا، وتحتقر هذا الموقف، فهذه هند بنت عتبة قبل إسلامها أخبروها أنها ستبايع رسول الله على عدم الزنا، فتعجبت غير مصدقة وقالت: أو تزني الحرة؟!!... فلم يخطر ببالها أبدًا أن يصدر هذا الفعل من "حرة".
وانظر إلى أحد هؤلاء الأحرار "الرجال" بحق وهو الإمام الشافعي حين قال: "لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته"!! وعجبًا للرجل الذي لو علم أن الماء البارد هو شراب أهل المعصية مثلاً مع علمه بنقائه وصفائه وطهارته فسيمتنع عنه حرصًا على مروءته... وما باله لو رأى الذي يهجمون على حدود الله وينالون مما يغضبه ما يشاءون .
وهذا معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- يعرف هذه المروءة فيقول:"المروءة ترك الشهوات وعصيان الهوى" . فالرجولة الحقة أن لا يستطيع أحد أن يُذِلَّك، وأسهل الطرق لإذلال إنسان أن يُعرف عنه مقارفته لذنب أو إتيانه لمعصية، فيظل بالتالي وَجِلاً خائفًا منها.. والمؤمن الحق الذي قدر على مفارقة الشهوات لا أحد يعلم عنه زلة؛ لأن الله يستره فهو حتى وإن وقع في معصية فهو لا يجاهر ولا يفضح نفسه، بل على الفور يرجع فيخشى الله ويستغفر، وها هو أحمد بن حنبل يؤكد ذلك بقوله : "الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى" . فهذه هي الرجولة والشهامة وأخلاق الأحرار.
ثالث عشر: إعمال العقل ..
انظر إلى رجل وامرأة التقيا فراودته المرأة عن نفسه فقال: إن أجلي ليس بيدي كما أن أجلك ليس بيدك فربما دنا الأجل فنلقي الله عاصيين . فتابت ورجعت إلى الله، وهذا الرجل أعمل "عقله" بعض الوقت فصلُح حاله كل الوقت ..
فالعقل السليم يدلُّك على الخير.. إنك تفقد سلاحًا عظيمًا في معركتك إن تركت عقلك... فإن الشيطان يسعد بذلك جدًّا، فالخليفة المعتصم كان دائمًا يردد: " يسود الهوى إذا ذهب الرأي" فإذا خرج العقل من المعركة تحكم الهوى ففسدت المعادلة، والعقل الراجح يعصم حتى أمام عواصف الشهوات فها هما رجل وامرأة يجتمعان وقد هما بالحرام، ولما جلس منها مجلس الزنا، أطرق قليلا ثم قام عنها فسألته: ماذا حدث؟! .. فقال: إن رجلاً باع جنة عرضها السموات والأرض بمثل هذا لقليل العقل" .
رابع عشر : خوف الوقوع في الاستهزاء بالله...
فمن يعصِ الله وهو يعلم أن الله يراه فلا شك أن مقدار الله في قلبه قليل، وقد قيل لأحد المحبين: ما أنت صانع لو ظفرت بمحبوبتك ولا يراكما أحد. قال: " والله لا أجعله أهون الناظرين إليَّ" والله سبحانه يأتي بالرجل يوم القيامة ويعاتبه :"يا ابن آدم تختلي بي وتعصاني.. لِمَ جعلتني أهون الناظرين إليك؟" هل تحتمل عتاب الله لك يوم القيامة وأنت أحوج ما يمكن إلى ستره؟...
هذا ما وعيه رجل وامرأة ففازا برضوان الله وانتهيا عن معصيته، فقد اختليا فقالت له المرأة: هل أغلقت الأبواب؟ .. قال أغلقتها كلها. فقالت له: إلا بابًا لم تغلقه، هو ما بينك وبين ربك. فذهب عنها وتاب إلى الله...
خامس عشر:خوف الحرمان من محبة الله...
وهي اللذة التي لا تعدلها لذة.. ولو كنت محرومًا فلا تعرفها أو مذنبًا فحُرِمت منها فاسمع لما قاله هؤلاء المحبون: "إن حبه شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره"... أي انعدمت عندهم فرحة الظفر بحرام فأصبح حبه هو حياتهم.. ولأننا بعدنا كثيرًا عن هذه الدرجة فإننا نسوق كلام أحد المحبين، لعله يقرب إلينا المسألة، فهذا الجنيد العراقي كان في أحد المجالس، وكان هو أصغر الحاضرين سنًّا، وذكروا محبة الله وطلبوا منه الحديث، فأطرق رأسه ودمعت عيناه وقال: العبد المحب لله هو عبد ذاهب عن نفسه.. متصل بذكر ربه.. قائم بأداء حقوقه.. فإن تكلم فبالله.. وإن تحرك فلله.. وإن سكت فمع الله.. فهو بالله ولله ومع الله.. فبكي الجميع..
ومحبة الله ثمينة عند من يعرف الحقائق، ولا بد أن تتذكر حين تهم بذنب أو تفكر فيه أين سيضعك هذا الذنب، وفي أي مكانة مع ربك سيضعك، فإن الناس جميعًا يدَّعون محبة الله.. من منا لا يفعل.. من منا لا يلجأ إلى الله في مرض أو شدة .. من منا لا يشكر الله على نعمة أو حسنة... لكن كم منا يتذكر هذه المحبة عند الوقوع في الحرام، وهذه امرأة وعت ذلك، قال لها رجل: "اقتربي مني" ، يريد الزنا فقالت: "أخشى أن يكون اقترابي منك ابتعادًا عن رب العالمين.. فاللذات تنقطع ولا يبقي إلا الحق" … فهذه امرأة "واعية" تعرف الأولويات فإن دفعتها الشهوة إلى منزلق، وقف دينها حائلاً بينها وبين النار.
وانظر إلى حديث الرسول : "المرء مع من أحب" فما بالك بمن أحب الله .. ما أسعده وهو معه دائمًا!.
وهذا يحي بن معاذ الذي يقرر: "مثقال حبة من حب الله أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة بلا حب" . فالحب هو غاية العبادة الحقة، ولكن ابن معاذ أيضًا يقف أمام الأدعياء فيقول: " ليس بصادق من ادعى محبته ثم لم يحفظ حدوده" .
خاتمة
هذه مجرد وسائل للتعامل مع الشهوة وتوجيهها .. قد يرى البعض أنها "صعبة" لن يستطيع مهما فعل أن يحققها…
وقد يرى البعض أنها أمور نظرية لا تغني في المواجهة شيئًا، وقد يرى البعض أنها مجرد نصائح جوفاء وأننا عجزنا أن نقدم حلاًّ عمليًّا ..
ولتكن كذلك .. لتكن صعبة.. ولتكن نظرية.. ولتكن جوفاء...
المهم ماذا أنت فاعل في معركتك تلك … إنها معركتك خسارتك فيها لن يجني مرارتها أحد سواك.. وفوزك فيها لن يسعد به أحد غيرك، فابحث أنت عن حلول سهلة وعملية وواقعية .. ابتكر أنت لنفسك وشق طريقك نحو ربك .. المهم أن تنشغل بهذه المعركة، لا أن تظل تتفرج على نفسك وهي تفعل ما يحلو لها .. لا أن تظل تتفرج على الشيطان وهو يذيقك الهزيمة تلو الأخرى.. شارك في المعركة وخذ مكانك وتذوق طعم الانتصار…
التعيس من فقد مكانه في الجنة.. والمسكين من حرم من رحاب الله.. والخاسر من لم يكن من الناظرين إلى مولاهم الحق…
لمناقشة أفكار هذا الموضوع أرسل لنا رأيك
Azhm3@hotmail.com
Do2000do@hotmail.com
والسلام اخوتي :)