المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للباحثين عن الحقيقة (فـــــــــــــقــــــــــــط)



حذيفة بن اليمان
21-03-2004, 01:16 AM
سورة المدثر
:: مدخل إلى الإعجاز العددي ::



بسم الله الرحمن الرحيم

"يأيها المدثرُ قمْ فأنذرْ وربَّك فكبرْ وثيابك فطهرْ والرُّجزَ فاهجرولا تـَمْنن تستكثرولربّك فاصبرْ فإذا نُقر فى الناقور فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكفرينَ غيرُ يسيرٍ ذَرْني ومَنْ خَلقْتُ وحيداً وجعلتُ له مالاً ممدوداً وبنينَ شُهوداً ومهَّدتُّ له تمهيداًثم يطمعُ أنْ أزيدَكلا إنهُ كان لآيتنا عنيداًسأُرهقُهُ صَعوداًإنه فكَّرَ وقَدَّرَفقُتلَ كيف قَدَّرَثم قُتلَ كيفَ قَدَّرَ ثُم نَظَرَثم عَبَسَ وبَسَرَ ثم أدْبَرَ واسْتَكْبَرَ فقال إنْ هذا إلا سِحْرٌ يُؤْثَرُإنْ هذا إلا قَوْلُ البَشَرِسَأُصْليهِ سَقَرُوما أدركَ ما سَقَرُلا تُبْقى ولا تَذَرُلوّاحةٌ للبَشَرِعليها تِسعَةَ عَشَرَوما جعلنا أَصحابَ النَّارِ إلا مَلئكةً وما جَعلنا عِدَّتَهُمْ إلا فِتْنةً للذينَ كَفروا لِيَسْتَيْقِنَ الذين أوتُوا الكتبَ ويَزْدادَ الذينَ ءَامنوا إيمناً ولا يَرْتابَ الذينَ أوتُوا الكتبَ والمؤمنونَ ولِيَقولَ الذينَ في قُلوبـِهِم مرضٌ والكفرونَ ماذا أرادَ اللهُ بِـهذا مَثلاً كَذلكَ يُضِلُّ اللهُ من يَشاءُ ويهدى من يَشاءُ وما يَعلمُ جُنودَ رَبِّكَ إلا هوَ وما هىَ إلا ذِكرى للبَشَرِكَلا والقَمرِوالَّيْلِ إذْ أدْبَرَوالصُّبحِ إذآ أسْفَرَ إنَّها لإحدى الكُبَرِنَذيراً للبَشَرِلِمَن شاءَ منكُمْ أنْ يَتَقَدَّمَ أو يَتأخَّرَ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهينةٌإلا أصحبَ اليَمِينِفي جَنَّتٍ يَتَساءَلونَعنِ المجرِمينَ ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَقالوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسكينَوكُنَّا نَخوضُ مَعَ الخآئضينَوكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّينِحتى أتنا اليَقينُفَما تَنْفَعُهُمْ شَفَعَةُ الشَّفِعينَ فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَكأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ بَلْ يُريدُ كُلُّ امْرِئٍ منْهُمْ أَن يُؤْتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً كَلا بَل لا يَخافونَ الآخِرَةَكلا إِنَّه تَذْكِرَةٌفَمَن شِاءَ ذَكَرَهُوَما يَذْكُرُونَ إلا أَن يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ " صدق الله العظيم



سورة المدثر مدخل إلى الإعجاز العددي

(اقرأ باسم ربك الذي خلق ) هي أول ما نزل في النبوة، بل أول ما نزل مطلقاً. أما(يا أيها المدثر ) فهي أول ما نزل في الرسالة. جاء في ( البرهان )للزركشي أن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان المَلَك بتكليف خاص. والرسالة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان المَلَك بتكليف عام. وما يهمنا في هذا المقام سورة (المدّثر )، والتي هي أول ما نزل في الرسالة. وبما أن السورة لم تَنْزِل جملة واحدة، فإنها تسجل لحظات البداية، وما تبعها من تكذيب ومعاندة، ومحاولات لإبطال الحقيقة القرآنية. كما وتتحدث السورة عن الإخفاق الذي مُني به أهل الشرك في مجال الحجة، مما دعاهم إلى سلوك طريق المعاندة والإعراض شأن كل متكبر، وشأن كل من تطغى على عقله وقلبه الشهوات والمصالح، وشأن كل من يألف الواقع بسلبياته فينفر من كل تغيير وإن حمل الخير والبركة.هنا لا بد من صدمة التهديد والوعيد، لإسقاط الحواجز والحجب، ولا بد من الشعور بالخطر لاستنفار الطاقات، والخروج عن مألوف العادات والتقاليد، فكان التهديد بـ(سقر ) وهي جهنم التي لا تبقي على شيء : (لا تبقي ولا تذر )، والتي من شأنـها أن تحرق فتغير كل معالم الجمال المؤقت الذي يَغترّ به الذاهلون عن حقيقة الدنيا الزائفة : (لواحة للبشر، عليها تسعة عشر ). يقوم عليها (تسعة عشر ) من الملائكة، يحتمل أن يكونوا تسعة عشر فردا من هذه المخلوقات الكريمة، أو تسعة عشر نوعاً أو صنفاً لا ندري.

يقول سيد قطب في الظلال :( أما لماذا كانوا تسعة عشر - أياً كان مدلول هذا العدد - فهو أمر يعلمه الله الذي ينسق الوجود كله، ويخلق كل شيء بقدر ). هذا كلام مقبول وجميل، ولكن هل يعتبر العدد هنا من قبيل المتشابه الذي لا مطمع للإنسان في إدراك بعض حكمه ومراميه، أم أنّهُ الإشارة التي تطلق العقل البشري في اتجاه مفاتيح الكثير من المعاني والأسرار ؟ ! فالأصل أن يُعمل الكلام ولا يُهمل.

(عليها تسعة عشر، وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة، وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا … ): لقد فصّل القرآن الحديث حول هذا العدد اللغز : ( وما جعلنا عدتـهم إلا فتنة للذين كفروا …). ولا نريد هنا أن نتحدث عن معاني (جعل )، ولكن ببساطة نجد أن الآيات تنص على أن هذا العدد هو مجرد فتنة للذين كفروا، وإذا رجعنا إلى معنى كلمة ( فتنة ) نجد أن الفتنة في الأصل هي عملية تعريض خام الذهب للنار، من أجل تمييز الذهب عن باقي الشوائب بالصهر، وعليه تكون كل عملية يقصد بـها استخراج الصالح وتمييزه عن الطالح (فتنة ). فالفئة المستهدفة إذن هي (معسكر الكفر). ومن شأن قضية (19) -كما نص القرآن الكريم - أن تكون (فرّازة ) تميز الصالح من غير الصالح. أمّا قول من قال من المفسرين بأن ذكر العدد (19) في الآية من شأنه أن يفتن المشركين من قريش بجعل المسألة موضعاً للبحث والهزء، فإن هذا القول يجعل الفتنة ذات نتيجة سلبية فقط، لا ينتج عنها خير، في حين أن للفتنة وجوهاً ونتائج ترتبط بحقيقة كل فرد تعرض لها، وما يعلم الله منه، وما يريد عز وجل، فيضّل الله من يشاء، ويهدي من يشـاء. أنظر قوله تعالى في سورة الأعراف على لسـان موسى عليه السـلام : ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ).

(وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب، ويزداد الذين آمنوا إيمانا، ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون، وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً …).

يقول مصطفى خيري في المقتطف من عيون التفاسير : "هذا العدد إنما صار سبباً لفتنة الكفّار من وجهين :

1-يستهزئون ويقولون : لِمَ لَمْ يكونوا عشرين.

2- ويقولون : كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر خلق العالم من أول الخليقة إلى يوم القيامة، فمدار هذين السؤالين عدم الاعتراف بكمال قدرة الله ". واضح أن هذا يتعلق بالكافر الذي يقوده منهجه الخاطئ إلى نتائج خاطئة، ولكن يبقى السؤال قائماً : كيف يمكن لهذا العدد أن يفرز معسكر الكفر، ليخرج منه من يؤمن فيكون في معسكر الإيمان؟

أما كيف سيكون هذا العدد، أو هذه الفتنة سبباً وعلةً ليقين أهل الكتاب ؟ فيقول أكثر أهل التفسير (( حيث يجدون ما أخبرنا به الله تعالى من عدّة أصحاب النار موافقاً لما ذكر عندهم )). فلا ندري كيف تكون المطابقة في معلومة مؤدية إلى يقين أهل الكتاب ؟ ونحن نعلم أن هناك مطابقة في قضايا مختلفة، وهناك اختلاف أيضا، وما الذي يمنع أن تفسر المطابقة أنها اقتباس ؟ وإذا كانت الموافقة في هذه المعلومة الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى يقين أهل الكتاب، وإلى ازدياد الذين آمنوا إيمانا، فكيف يمكن أن تقطع دابر الريبة : (ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ). وهل يعقل أن ينتج كل هذا عن المطابقة في معلومة تقول إن خزنة جهنم هم تسعة عشر ؟

( وليقول الذين في قلوبـهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بـهذا مثلا ): يذهب الكثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى ( ماذا أراد الله بـهذا مثلا ً) إلى أن هذا العدد مستغرب استغراب المثل.وذهب آخرون إلى أنّ المثل هو الوصف، أي : ما الذي يعنيه من وصف الخزنة بأنـهم تسعة عشر، فهذه العدة القليلة كيف تقوى على تعذيب أكثر الثقلين من الجن والإنس؟

ذهب الكثير من المفسرين إلى القول بأن هذه الآيات تخبر عما يحدث في المستقبل. ودعاهم إلى هذا القول أن السورة مكية ومن أوائل ما نزل، ثم هي تتحدث عن المنافقين (الذين في قلوبـهم مرض )، والنفاق لم ينجم إلا في المدينة، وهذا مقبول إلى حد، ولكن تفسير المثل على أنه الوصف مع صحته لم يحل الإشكال في الفهم، وسنحاول هنا أن ندلي برأي قد يساهم في تفسير الآية.

نقول :لو سألت يهودياً أو نصرانياً عن أدلة وجود الخالق لوجدته يقدم الأدلة بمنهجية المسلم تقريبا، وهي منهجية تخالف منهجية الملحد.ولو سألت يهودياً أو نصرانيا حول النبوّات والغيبيات لوجدته كذلك يدلل بمنهجية تشابه إلى حد منهجية المسلم، إذ الخلاف ليس في الإيمان بالغيب، وفي الفكرة الدينية، بل في مطابقة الإيمان للواقع أو عدم مطابقته، وهو خلاف أيضاً في تفصيلات الشريعة، ومن هنا لا يتجادل المسلمون وأهل الكتاب في وجود الخالق، بل في صفاته وأفعاله وأحكامه وشرائعه. أما أهل الكفر والنفاق فينكرون الفكرة الدينية من أساسها، ويجعلون المادة المحسوسة غاية الغايات، ونـهاية النهايات.

والآن لنعد إلى تفسير قوله تعالى : (وليقول الذين في قلوبـهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بـهذا مثلا ً) :لقد ذكر العدد (19) في معرض التهديد بـ(سقر ) وأنه يقوم عليها ( تسعة عشر )، ولا بد أن يستشكل الناس الأمر، إذ لو وصفت النار بأنـها (محرقة ) لفهم ذلك، لان لدينا المثل على الإحراق في الدنيا، وإن اختلف في طبيعته عن الإحراق الأخروي، حيث يمكن للمثل الدنيوي المحسوس أن يجعلنا نفهم المقصود بالتهديد.وكذلك الأمر لو قال (مؤلمة )، لأن لدينا المثل الدنيوي، فقد خبرنا الألم ونعرفه. ولكن عندما يهددنا بـ ( تسعة عشر ) فهذا لا مثل له، لأن التهديد بالعشرين أعظم من التسعة عشر. ثم ما الفرق بين السبعة عشر والتسعة عشر ؟!

يقول الزمخشري في الكشاف موضحاً ذلك "فيراه المؤمنون حكمة، ويذعنون له لاعتقادهم أن أفعال الله كلها حسنة وحكمة فيزيدهم إيمانا، وينكره الكافرون ويشكون فيه، فيزيدهم كفراً وضلالاً ". وقال الكعبي : " المراد من الفتنة الامتحان حتى يفوض المؤمنون حكمة التخصيص بالعدد المعين إلى علم الله الخالق سبحانه".كلام الزمخشري والكعبي مقبول وجميل. والذي نراه أن منهج الذين يؤمنون بالفكرة الدينية، وبالأمور الغيبية، وبالوحي السماوي، يقتضي أن يبحثوا عن حكمة ذكر هذا العدد، وعن حكمة كون القوى القائمة على أمر جهنم هي تسعة عشر، فالأمر على ما يبدو يتعلق بسنة كونية، والأصل أن نُعمل عقولنا مع تسليمنا بقصور العقل البشري، فالقرآن وسّع من أفق المؤمن، وصوّب منهجية التفكير لديه، ودعاه إلى التفكر والتدبر.وليس هناك ما يدعونا إلى اعتبار القضية المطروحة من القضايا التي لا يعمل في فهمها العقل البشري.

يقول محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير : "فالله جعل عدة خزنة النار تسعة عشر لحكمة أخرى غير ما ذكر هنا، اقتضت ذلك الجعل، يعلمها الله". نقول : لا شك أن الحكمة يعلمها الله، ولكن هل هي مما استأثر بعلمه ؟؟ يقول ابن عاشور: ((وتلك العدة المجعولة لفوائد أخرى لغير الذين كفروا، الذين يفوضون معرفة ذلك إلى علم الله وإلى تدبر مفيد )). لاحظ قوله "وإلى تدبر مفيد". فاعتقاد المؤمن بأن القرآن الكريم هو كلام الله العليم الحكيم، يجعله يقف الموقف الإيجابي، فيعمل عقله، ويتدبر آيات القرآن، وآيات الكون المخلوق، لعلمه بأن الله أنزل، وبأن الله خلق. ومن هنا لا يصح أن نسارع إلى تفويض علم ذلك إلى الله تعالى ونقطع الأمل في إمكانية إعمال العقول في مثل هذه الكنوز والأسرار.ولا يتناقض سعينا إلى العلم والمعرفة مع تسليمنا بقصور العقل البشري عن إدراك كل الحقيقة، بل إن الزيادة في المعرفة البشرية لهي الدليل القاطع على قصوره الدائم. ثم أليس التدبر من واجبات المسلم الأساسية ؟

أصحاب المنهج الإيماني تقودهم منهجيتهم إلى الوصول وإدراك الحكمة. أمّا أصحاب المنهج الإلحادي فيدورون في حلقة مفرغة لا توصلهم إلى فهم صحيح. فالمقدمات عندهم لا تقودهم إلى نتائج، بل تجعلهم يتساءلون عن مفهوم العدد (19) ولماذا لا يكون العدد (20)، بل لماذا لا يكون العدد (1000)؟؟ …وهكذا من غير نتيجة.

(كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ).هذا التعقيب يدل على أن الفتنة يقصد بـها فرز الناس وتمييزهم، أنظر قوله تعالى : (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين ). ويبقى السؤال قائماً : كيف سيكون العدد (19) فتنة يخرج من رحمها اليقين ؟؟

( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) : يقول الزمخشري : "فلا يعز عليه الزيادة على عدد الخزنة المذكور، ولكن في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها". ويقول الرازي : "وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو، فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين، ولكن له في العدد حكمة لا يعلمها الخلق، وهو جل جلاله يعلمها".

(وما هي إلا ذكرى للبشر ): يقول أبو بكر الجزائري في "نـهر الخير على أيسر التفاسير" : "جائز أن يكون الضمير (وما هي ) عائداً إلى عدة الملائكة التسعة عشر، وجائز أن يكون عائداً إلى الآيات القرآنية، أو إلى سقر، أو إلى جنود ربك. وهذا من الإعجاز القرآني، وإن الكلمة الواحدة تدل على ما لا يدل عليه عشرات الكلمات". وعن النسفي : (وما هذه الآيات إلا ذكرى للبشر). ويقول الرازي : "انه عائد إلى هذه الآيات المشتملة على هذه المتشابـهات، وهي ذكرى لجميع العاملين، وان كان المنتفع بـها ليس إلا أهل الإيمان )). ويقول طنطاوي جوهري في (الجواهر) : "أي ما هذه السورة المشتملة على سقر وعدة الخزنة..إلا تذكرة لهم " . ويقول ابن عاشور : "وضمير هي راجع إلى عدّتـهم". أمّا القاسمي فيقول : "وما هي أي عدتـهم المذكورة (إلا ذكرى للبشر ) أي عظة …وقيل الضمير لـ(سقر )، وقيل للآيات، والأقرب عندي هو الأول لسلامته من دعوى كون ما قبله معترضا، إذا أعيد الضمير لغيره، ولتأييده لما قبله بالمعنى الذي ذكرنا ".

أقول : إذا كان الضمير يعود إلى (سقر ) فمفهوم معنى أنـها ذكرى للبشر، وإذا كان الضمير يعود إلى الآيات فمفهوم أيضا، وإذا كان الضمير يعود إلى (عدّتـهم ) وهو الظاهر، وهو ما رجحه القاسمي، فكيف يكون العدد (19) ذكرى للبشر ؟؟

بعد هذا الاستعراض السريع لمعاني الآيات الكريمة نخلص إلى الآتي:

1- لم يجعل القرآن الكريم عدداً من الأعداد موضوعاً يفصل الحديث فيه إلا العدد (19).

2- إن الله تعالى جعل العدد (19) فتنة للذين كفروا، وهذه الفتنة تؤدي إلى نتائج أربع:

أ-تحقق اليقين لدى أهل الكتاب بأن محمداً عليه السلام رسول من الله.

ب-زيادة إيمان المؤمنين.

ج- ألاّ يعود هناك أدنى ريبة لدى أهل الكتاب، ولدى المؤمنين، وهذا يعني أن الدليل الذي يحصل به اليقين غير قابل للنقض.

د- بقـاء مدلــول هذا العدد (19) مستغلقا على أهل الكفروالنفاق، فلا تتحصــل لديهم النتيجة المرجوة، لوجود الخلل في منهجيتهم في البحث والاستـدلال، ولفساد قلوبهم، وبالتالي لا تتحصل لديهم المعرفة المؤدّية إلى الاعتبار.

3-من يقرأ الآيات الكريمة يشعر أنه أمام قضية كبيرة ( إحدى الكبر ).

4-في القرن أل(19) ظهرت في إيران فرقة تسمى (البابّية )، وكان أول من تبع الزعيم المسمى( الباب ) ثمانية عشر شخصا، وعليه يكون المجموع (19).وبعد مقتل (الباب) تحولت البابية إلى ما سمّي( البهائية ) وأصبح من مبادئها تقديس العدد (19)، بل قسموا السنة إلى (19) شهرا، وجعلوا الشهر (19) يوما، وجعلوا الأيام المتممة للسنة لفعل الخير بمفهومهم. وقد اعتبرت البهائية فرقة خارجة عن الإسلام، ومن هنا نجد أن الكثير من علماء المسلمين يقفون موقف الشك والتردد من قضية العدد (19) ، وفي ظني أنه لا مسوغ لمثل هذا الموقف لأننا سنجد أن القضية استقرائية تتعلق ببنية الحروف والكلمات، ولا يجوز أن يكون موقفنا ردة فعل لأوهام البعض وقد جعل القرآن الكريم من هذا العدد فتنة للذين كفروا.

5- رشاد خليفة، مصري، بـهائي، أقام في الولايات المتحدة، وقد أخرج في أواخر السبعينات بحثاً يتعلق بالعدد (19) في القرآن الكريم، وفي البداية تلقى الناس البحث بالقبول لعدم معرفتهم بأنه ملفّق، وأنّ القائم عليه بـهائي مغرض، ثم ما لبث رشاد خليفة أن ادعى النبوة مستنداً إلى العدد (19)، وقد تزامن ادعاؤه هذا مع اكتشافنا بأن بحثه ملفق ومزوّر.ويجد القارئ تفصيل ذلك في كتابنا : (إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم، مقدمات تنتظر النتائج ).

كان لبحث رشاد خليفة الملفق، ولمسلكه في ادعاء النبوة الأثر السلبي على قضية الإعجاز العددي، وكأن الذين سُرُّوا للبحث وأعجبوا به أدركوا فيما بعد أنهم خدعوا، فكانت لهم ردة فعل تجاه هذه القضية، مع أن المسألة لا علاقة لها بالبهائية، ولا برشاد خليفة، بل إن القرآن كما هو واضح نَصّ على خصوصية هذا العدد، وكونه فتنة للذين كفروا، ويقيناً لأهل الكتاب الذين يبحثون عن الحقيقة ، وزيادة لإيمان المؤمنين. والملحوظ أن قضية هذا العدد (19) لم تكن مطروحة في عصر من العصور كما هي اليوم، ويمكن اعتبار ذلك نبوءة من نبوءات القرآن الكريم. ويبدو أن فهمنا لهذا العدد اللغز سيتطور في اتجاه إيجابي يساهم في تحقيق اليقين وزيادة الإيمان في عصر أحدث الناس فيه شكوكاً وطلبوا المزيد من الأدلة والبراهين.

لا داعي لأي موقف سلبي من قضية الإعجاز العددي، وان كان التحقق مطلوبا، ويمكننا اليوم أن نتحقق من أية معلومة -وهذا ما فعلناه في بحوثنا - كما ويمكن الحكم على دلالة أية مسألة، ثم إن الموقف السلبي قد يحرمنا من وجه عظيم من وجوه الإعجاز القرآني له انعكاسات إيجابية على المستوى الإيماني، وعلى مستوى الدراسات المتعلقة بالقرآن الكريم، وعلى مستوى تفنيد الشبهات التي تثار حول القرآن ونزاهته وإعجازه. أمّا البهائية فبطلانها بيّن وانحرافها واضح، ولا يسعفهم العدد (19) في ترويج فكرتـهم ومعتقداتـهم، بل إن حتفهم سيكون فيما قدسّوا، فقد بدأت القضية فتنة للذين كفروا من البهائيين وغيرهم، وها نحن نعاصر انبعاث اليقين من رحم الفتنة، وها هي تجليات هذا الإعجاز تشهد بنـزاهة القرآن الكريم عن التحريف والتبديل، وها هي حقائق العدد ترسّخ اليقين وتزيد الإيمان، وإن مقدمات هذه المسألة لتبشر بخير عميم.

إذا كان العدد (19) ذكرى للبشر كما نصّ القران الكريم، فإن ذلك يعني أن البشر سيصلون عن طريق هذا العدد إلى اليقين الذي هو ذكرى وعظة وحجة. فالأقـرب إلى العقل والمنطق أن نقول إن ذلك سيكون عن طريق الإعجاز العددي القائم على أساس العدد(19)، على اعتبار أن اليقين لا يتحصل إلا عن دليل قاطع، ولا شك أن المعجزة هي دليل قاطع.ومن الأمور التي ترجح ذلك وتؤكده ما نجده في البنية العددية لسورة المدثر، والتي تتلخص فيما يلي:

1- الآيات في سورة المدثر قصيرة جدا، عدا آية واحدة هي طويلة بشكـل لافت للنظر، وهي الآية (31 ) التي تتحدث عن حكمة تخصيص العدد (19).

2- تتكون هذه الآية من (57) كلمة، أي (19×3).

3- تنقسم هذه الآية إلى قسمين : القسم الأول يتكون من (38) كلمة، أي (19×2) وهو القسم الذي يتحدث عن حكمة تخصيص العـدد (19) بالذكر، وينتهي عند قوله تعالى (ماذا أراد الله بهذا مثلا ً). أما القسم الثاني فيتكون من (19) كلمة هي تعقيب على ما ورد في القسم الأول : (كذلك يضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر ).

4- عدد كلمات أول (19) آية من سورة المدثر هو (57) أي (19×3) وبـهذا يتضح أن عدد كلمات الآية (31) من سورة المدثر يساوي عدد كلمات أول (19)آية.

5 - من الآية (1-30) أي إلى نهاية قوله تعالى : ( عليها تسعة عشـر ) هناك (95) كلمة، أي (19×5).

6- الآية (30) تتكون من ثلاث كلمات( عليها تسعـة عشر )، وبذلــك يتضح أن الآية (31) التي تتحدث عن حكمة تخصيص العدد (19) تساوي (19) ضعفاً لقوله تعالى ( عليها تسعة عشر ).

7- عدد الأحرف من بداية سورة المدثر حتى نهاية كلمة ( عليها )، أي قبل قوله عزّ وجل (تسعة عشر ) هو (361) حرفا، أي (19×19) فتأمل !!

8- (تسعة عشر ) تتكون من ( 7) أحرف، وعلى ضوء المعلومة السابقة، يتبين أن الحرف الأوسط في هذه الجملة هو الحرف (365) من بداية سورة المدثر، وهو عدد أيام السنة، فهل لذلك علاقة بعالم الفلك ؟!

9-( كلا والقمر، والليل إذ أدبر، ، والصبح إذا أسفر، إنـها لإحدى الكبر، نذيراً للبشر …) لماذا كان القسم بالقمر، والليل، والصبح. أو بمعنى آخر بالقمر، والأرض، والشمس ؟! فهل لذلك علاقة بالعـدد (19)؟ في الحقيقة نعم، فهناك أكثر من علاقة قائمة بين الشمس الأرض والقمر تقوم على أساس العدد (19) وليس هذا مقام تفصيل ذلك.

10-الآية (31) هي (57) كلمة، أي (19×3)، وهي آخر آية في ترتيب المصحف عدد كلماتها (19) أو مضاعفاته.

11-في الآية (31) المذكورة جملة معترضة : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) هي عبارة عن (19) حرفا. ألا يصح أن يكون الإعجاز العددي "من الجنود" المشار إليها في الآية ؟ كيف لا والنصر للفكرة هو الهدف حتى عند تجييش الجيوش ؟!

12-آية المداينة هي أطول آية في القرآن الكريم، عدد كلماتـها(128) كلمة، وهذا يعادل (6) أضعاف متوسط عدد كلمات الآيات في سورة البقرة، وهي أعلى نسبة في القرآن الكريم عدا الآية (20)من سورة (المزّمل) وهي السورة التي تسبق سورة ( المدثر )، فإن عدد كلماتـها (78) كلمة، وهذا يعادل (7,8) ضعفاً لمتوسط عدد كلمات الآيات في سورة ( المزمّل ). أما الآية (31) من سورة (المدّثر ) والتي نحن بصدد الحديث حولها، فإنها تعادل (12,5) ضعفاً لمتوسط عدد كلمات الآيات في سورة (المدّثر)، وهذه النسبة تجعلها أطول آية في القرآن الكريم من هذه الحيثيّة.

فما معنى أن يكون عدد كلمات أول (19) آية من سورة المدثر هو (19×3)، وعدد كلمات أول (30) آية، أي حتى قوله تعالى ( عليها تسعة عشر ) هو(19×5) ؟! وما معنى أن يكون عدد الأحرف من بداية سورة المدّثر حتى قوله تعالى ( عليها ) هو (19×19) ثم يذكر العدد (تسعة عشر ) ؟!ما معنى أن تكون الآية (31) التي تبين حكمة تخصيص العدد (19)، والتي هي أطول آية في القرآن نسبيا، مكونة من (19×3) من الكلمات، وتنقسم إلى (19×2) + (19) ؟! وما معنى أن يساوي عدد كلماتـها عدد كلمات أول (19) آية، وتكون (19) ضعفاً لقوله تعالى :

( عليها تسعة عشر ) ؟! ثم لماذا هي آخر آية في المصحف تتألف من العدد (19) أو مضاعفاته ؟! وما معنى أن يتم الحديث حول العدد (19) في أول ما نزل في الرسالة ؟! وما معنى أن يكون هذا العدد (19) هو العدد الوحيد في القرآن الكريم الذي يُتَّخذُ موضوعاً يُفصَّل الحديث فيه ؟! ثم ما معنى أن يقسم الله تعالى بالقمر والأرض والشمس، على أن هذه القضيّة هي إحدى الكبر ثم نجد عدة علاقات بين هذه الأجرام تقوم على أساس العدد (19) ؟!

ألا تجعل هذه الملاحظات تفسير الآية (31) أكثر وضوحا، وأعمق دلالة، وأعظم إعجازاً ؟! وكيف بنا وقد تجلت حقائق هذا العدد وتواترت ؟! وما كتابنا: ((إعجاز الرقم (19) في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج )) إلا مقدمة لهذا الموكب المهيب الذي يطغى بتجلياته، ليدرك الجميع أن تفاهات البهائيين، وتردد الطّيّبين، لن يغني من الحق شيئًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:: معجزة ترتيب سور القرآن الكريم ::



اهتم المسلمون ومنذ القرون الأولى بالعدد القرآني، وقد ذكر الدكتور غانم الحمد محقق كتاب "البيان في عد آي القرآن" لأبي عمرو الداني، ذكر(36) كتاباً في علم العدد القرآني، ابتداء من (كتاب العدد) لعطاء بن يسار(ت103 هجرية)، وانتهاء بكتاب (زهر الغرر في عدد آيات السور) لأحمد السلمي الأندلسي (ت747 هجرية). إلا أن هذا الاهتمام لم يتطور عبر العصور ليعطي النتائج المرجوة. فالقرآن كلام الله العظيم الذي خلق الكون وأبدعه، وأحصى كل شيء عددا، فالمتوقع أن يكون هذا الكتاب على خلاف ما يعهد من كتب البشر القاصرين. من هنا فقد آن الأوان لنتعامل مع القرآن الكريم بما يليق بجلال مُنَـزِّله، وعظيم إعجازه. فهو المعجزة الفكرية المتصاعدة بتصاعد الوعي البشري، فالناس اليوم هم أقدر على النقد والتقييم بما أوتوا من العلوم الحديثة والوسائل المعاصرة.

اختلف العلماء في ترتيب السور القرآنية، فذهب الجمهور إلى أن ترتيب السور توقيفي، أي من فعل الرسول عليه السلام وحياً. وذهب البعض إلى أنه من اجتهاد الصحابة، وذهب السيوطي إلى أن الترتيب هو توقيفي باستثناء سورة التوبة والأنفال، ومن يتتبع الأدلة التي جاء بـها من قال أن الترتيب من اجتهاد الصحابة يجد أنـها لا تقوم بـها حجة، ولا يستقيم على أساسها دليل، وليس هذا مقام التفصيل، ولكننا لاحظنا أن القول بعدم توقيفية الترتيب يقوم على أدلة غير صريحة، في حين يقوم القول بتوقيفيّة الترتيب على أدلة صريحة. وعلى أية حال فنحن هنا في مقام تقديم الدليل الرياضي على توقيفيّة السور، بل يتعدى القول بتوقيفيّة الآيات، إذ هو دليل من دلائل النبوة، ووجه من وجوه الإعجاز.هناك إصدارات كثيرة في الساحة الفكرية المعاصرة تتعلق بالإعجاز القرآني، ومنه البياني، العلمي، والتشريعي… الخ، إلا أن ما نسميه اليوم "الإعجاز العددي" لا يزال محل جدل، ومن هنا لم يحظ باهتمام العلماء والدارسين، مع وجود محاولات نجحت جزئياً كما هي مع " عبد الرزاق نوفل"، ومع الباحث الأردني "عبد الله جلغوم"[1] في كتابه "أسرار ترتيب القرآن قراءة معاصرة". ونحن هنا نعرّف القارئ بأهم فكرة وردت في كتابه مع ما قمنا به من تطوير ومتابعة.

القرآن الكريم ( 114 ) سورة، إذا قمنا بجمع الأعداد الخاصة بترتيب السور هكذا:

(1+2+3+.......+114) فسيكون المجموع ( 6555 ) وحتى لاتضيع الوقت في الجمع يمكنك أن تستخدم هذا القانون الرياضي: ( 114+1) 114 ÷ 2 = 6555

والسؤال هنا : هل لـهذا المجموع علاقة بمجموع آيات القرآن الكريم، والذي هو (6236) آية؟

استقرأ الباحث "جلغوم" السور القرآنية فوجد أن هناك (60) سورة زوجية الآيات، مثل: البقرة (286) آية، والنساء (176) آية….إلخ؛ بالتالي يكون عدد السور فردية الآيات هو (54) سورة مثل الفاتحة (7) ، التوبة (129) ….إلخ.

تعليق: استقرأنا فوجدنا النتيجة صحيحة. أما لماذا (60) و (54) فنقول لمن لم يقرأ حول العدد (19) وملابساته، ولمن قرأ والتبس عليه الأمر، حيث تنازع هذا العدد (19) أهل الحقيقة وأهل الباطل، حتى استقر الأمر بالاستقراء الرياضي، وخرجت الحقيقة من رحم الفتنة. ويجد القارئ بيان ذلك في كتابنا : (( إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج)). أقول : (6 × 19 = 114 ) فاذا ضربنا

(6 × 10 = 60) ، وإذا ضربنا (6 × 9 = 54). وجد "جلغوم" أن السور الزوجية ال (60) تنقسم إلى (30) سورة رقمها في ترتيب المصحف (زوجي)، و (30) سورة ترتيبها (فردي)، أما السور ال (54) الفردية فوجدها تنقسم إلى (27) سورة رقمها في ترتيب المصحف فردي، و (27) ترتيبها زوجي.

تعليق: استقرأنا فوجدنا النتيجة صحيحة. وإليك هذا الرسم التوضيحي:

(114) سورة

(60) (54)

(30) (30) (27) (27)

لو افترضنا أن السور ال (60) زوجية الآيات هي أول (60) سورة في ترتيب المصحف، لنتج عن ذلك أن يكون هناك (30) سورة منها فردية الترتيب، وتكون ال (30) الأخرى زوجية الترتيب. وكذلك لو كانت السور ال (54) فردية الآيات هي آخر (54) سورة في ترتيب المصحف، لنتج عن ذلك أن يكون (27) منها فردية الترتيب، وال (27) الأخرى زوجية الترتيب. ويمكن الحصول على النتيجة نفسها عندما نعكس الترتيب السابق ونـجعل السور ال (54) الفردية في بداية المصحف، والسور ال (60) الزوجية في القسم الثاني من ترتيب المصحف. وعلى خلاف هذين الترتيبين يكون من الصعب أن تأتي النتيجة على هذا النسق المبين في الرسم التوضيحي. وعلى الرغم من أن ترتيب السور الزوجية والفردية ليس على هذه الصورة المفترضة، فقد جاءت النتيجة وفق هذا الترتيب اللافت للانتباه وعلى خلاف المتوقع.

يترتب على ما سلف أن يكون هناك (57) سورة متجانسة، أي زوجية الآيات زوجية الترتيب، وفردية الآيات فردية الترتيب، مما يعني أن هناك أيضاً (57) سورة (30+27) غير متجانسة.

تعليق: إليك أمثلة على السور المتجانسة وغير المتجانسة:

سور متجانسة مثل:

الفاتحة- ترتيبها (1)، وآياتـها (7) فردي-فردي

البقرة- ترتيبها (2)، وآياتـها (286) زوجي-زوجي

النساء- ترتيبها (4) وآياتـها (176) زوجي-زوجي

سور غير متجانسة مثل:

آل عمران- ترتيبها (3)، وآياتـها (200) فردي-زوجي

المائدة- ترتيبها (5)، وآياتـها (120) فردي-زوجي

الأنعام- ترتيبها (6)، وآياتـها (165) زوجي-فردي

والآن: إذا قمنا بجمع أرقام ترتيب السور المتجانسة، وأضفنا إليها عدد آياتـها، فسنجد

أن حاصل الجمع هو (6236) وهذا هو مجموع آيات القرآن الكريم.

وإذا قمنا بجمع أرقام ترتيب السور ال (57) غير المتجانسة، وأضفنا إليها عدد آياتـها، فسنجد أن حاصل الجمع هو (6555) وهذا هو مجموع أرقام ترتيب سور القرآن الكريم من (1-114).

تعليق أ= استقرأنا فكانت النتيجة صحيحة.

ب= النتيجة بلغة أخرى :

- ترتيب + آيات(متجانس)=مجموع آيات القرآن الكريم= (6236)،

- ترتيب + آيات(غير متجانس)=مجموع ترتيب القرآن الكريم= (6555).

بـهذا يثبت أن هناك علاقة بين رقم كل سورة وعدد آياتـها، بحيث يكون لدينا إحداثية تقتضي ارتباط رقم السورة بعدد آياتـها، وارتباط هذا بكل سور القرآن الكريم.

ج= حتى ندرك عمق المسألة نقوم بإنقاص سورة البقرة آية واحدة فتصبح (285) آية، وبالتالي تصبح فردية الآيات، مما يعني أن السور الفردية ستصبح (55) والزوجية (59). عندها ينهار كل شيء. وإذا حافظنا على عدد آيات البقرة (286) وقمنا بجعلها السورة رقم (3)، وجعلنا سورة آل عمران رقم (2) فستصبح سورة البقرة غير متجانسة، وتصبح سورة آل عمران متجانسة. أي أن المجموع (286+3) يصبح ضمن السور غير المتجانسة، والمجموع (200+2) في السور المتجانسة، مما يعني أن مجموع ال (57) سورة المتجانسة سوف لا يكون (6236)، ومجموع ال (57) سورة غير المتجانسة لن يكون (6555).

هذا ينطبق على كل سورة من السور ال (114) وعلى ضوء ذلك إذا قمنا بحساب احتمال الصدفة وفق نظرية الاحتمالات، فسوف نجد أنفسنا أمام عجيبة من عجائب القرآن الكريم، تُثبت أن ترتيب السور وعدد الآيات هو وحيٌ من الله العزيز الحكيم.

يقوم الباحث "جلغوم" بتجزئة قانون الجمع السالف :-

(114+1) 60 ÷ 2 = 3450

(114+1) 54 ÷ 2 = 3105

المجموع = 6555

من الأمور المدهشة أن نجد مجموع أرقام السور (60) الزوجية في القرآن الكريم هو (3450)، وبالتالي يكون مجموع ترتيب ال (54) الفردية هو (3105)، لأن المجموع الكلي لا بد أن يكون (6555) لأن (114+1) 114 ÷ 2 هو في حقيقته (114+1) ( 60 + 54) ÷ 2

تعليق :- بعـد التحقق وجدنا أن النتيجة صحيحة. وحتى ندرك أن هذا البناء الرياضي المحكم مرتبط ارتباطا وثيقا بترتيب السور وعدد آياتـها كما هي في المصحف، نقوم بعملية تبديل للمواقع بين سورة آل عمران وسورة الإسراء، لتصبح سورة (آل عمران) هي السورة (17) وسورة (الإسراء) هي السورة (3). وبما أننا استبدلنا الترتيب الفردي (3) بالترتيب الفردي (17)، فإن الكثير مما قلناه لا يتغير، ولكننا سنجد أن مجموع أرقام السور ال (60) زوجية الآيات ومنها آل عمران، سيصبح (3464)، وسيصبح مجموع أرقام السور ال (54) الفردية هو (3091)، وبالتالي لن يكون مجموع السور ال (60) الزوجية -بعد هذا التبديل- مطابقا للقانون الرياضي: ( 114 +1 ) 60 ÷ 2 = 3450، وكذلك الأمر في السور الفردية. وهذا الكلام ينطبق على كل سورة من السور ال (114).

يقوم الباحث "جلغوم" بقسمة السور القرآنية من حيث العدد إلى نصفين متساويين : (1-57)، ( 58-114). إن الأرقام الفردية في النصف الأول هي (29) رقما، وبالتالي تكون الزوجية (28) أما في النصف الثاني فتكون الأرقام الفردية (28) وبالتالي تكون الزوجية (29). وقد وجد "جلغوم" أن السور المتجانسة في النصف الأول هي (28) سورة، وغير المتجانسة (29) سورة. وفي النصف الثاني يكون عدد السور المتجانسة (29) وغير المتجانسة (28).

تعليق:- تحققـنا فوجدنا النتيجـة صحيحة. وهنا يظهر أن هناك توازناً في السور المتجانسة وغير المتجانسة في النصف الأول والنصف الثاني من القرآن الكريم.

لاحظ الباحث "جلغوم" أن السور زوجية الآيات في النصف الأول من القرآن الكريم هي (27) سورة، وبالتالي تكون السور الزوجية في النصف الثاني (33) سورة، وقد لاحظ أن مجموع آيات السور الزوجية ال (27) في النصف الأول هو (2690) وهو مجموع أرقام ترتيب السور الزوجية ال (33) في النصف الثاني.

تعليق: أ- تحققنا فوجدنا أن النتيجة صحيحة.

ب- النصف الأول من سور القرآن الكريم هو (57) سورة، أي (19 × 3) وإذا ضربنا ( 3 × 10 ) يكون (30)، و (3 × 9 ) يكون (27)، ومن هنا نجد أن هناك (27) سورة زوجية، و (30) سورة فردية. هذا عندما تعاملنا مع النصف الأول. ولكن عندما تعاملنا مع القرآن كله كما سلف، كانت السور الزوجية (60) أي (6 × 10 ) والسور الفردية (54) أي (6 × 9 ) .

رسم توضيحي:-

114 = 19 × 6 = (60+54)

57 = 19 × 3 = (30+27)

بعد استعراض أهم ما ورد في بحث "عبد الله جلغوم" نقوم الآن باستعراض بعض ملاحظاتنا والتي يصح أن تكون ملاحظات تكميلية، وامتداداً لهذا المسار الرياضي المحكم:-

أ - سورة (57) هي سورة "الحديد" وينتهي عندها النصف الأول من سور القرآن الكريم، وعدد آياتـها هو (29) آية، وإذا ضربنا رقم ترتيب السورة في عدد آياتـها يكون الناتج: (57 × 29 = 1653 )، وهذا هو مجموع أرقام السور من (1-57)، أي (57+1) 57 ÷ 2 = ( 1653).

ب - وفق حساب (الجُمّل) المستخدم في اللغات السامية ومنها اللغة العربية، نجد أن (جُمّل) كلمة (الحديد) هو (1+30+8+4+10+4)=(57) وهذا هو رقم سورة (الحديد) كما رأينا. أما كلمة (حديد) فمجموع جُمّلها هو (8+4+10+4) =(26) وهذا هو العدد الذري للحديد، في حين أن الوزن الذري للحديد هو (57) فتأمل!!

ج - للحديد (5) نظائر، أوزانـها الذرية (59,58,57,56,55) ويقع النظير (57) في الوسط كما هو ملحوظ ومجموع هذه الأوزان هو (285).

د - في كتاب "معجزة القرآن العددية" للكاتب السوري صدقي البيك توصل بالاستقراء إلى أن مجموع تكرار ذكر الأعداد الصحيحة في القرآن الكريم (285) عددا، فالواحد مثلا تكرر (145) مرة، والعدد (اثنان) تكرر في القرآن الكريم كله (15)مرة، والعدد(3) تكرر (17) مرة ……وهكذا، فيكون المجموع (285) عددا صحيحا، ويشمل هذا الإحصاء العددين (309)و(950) اللذين عبر عنهما القرآن الكريم بشكل غير مباشر.

ولو سألنا : ما هـو العـدد الذي لو جمعنا الأعداد من واحد حتى نصله، يكون المجموع هو (285)، أي (1+2+3..........+ س)=(285)؟ الجواب : أقرب عدد صحيح هو (23).

إذا ضربنا هذا العدد بعدد الأعداد يكون الناتج :

(23×285)=(6555)، وهو مجموع أرقام سور القرآن الكريم، وهذا يثبت أن هناك علاقة بين ترتيب المصحف والأعداد في القرآن الكريم فتأمل!!

هـ- السورة الوحيدة التي تنتهي بكلمة (عدد) هي سورة الجن : "وأحصى كل شيء عددا".

عدد كلمات سورة الجن (285)، أي أن كلمة (عددا) هي الكلمة (285).

وأخيراً نخلص من هذا البحث إلى النتائج التالية :

1- ترتيب سور القران الكريم هو توقيفي، إذ لا يعقل أن تأتي هذه البنية الرياضية مصادفة. وإلى هذا ذهب جمهور أهل السنة والجماعة.

2- عدد آيات كل سورة هو أيضاً توقيفي، وهذا لا يعني أن الأقوال الأخرى في العدد غير صحيحة، لإمكان احتمال الأوجه المختلفة كما في القراءات.

3- ما نحن بصدده هو اكتشافات معاصرة، وبذلك يتجلى الإعجاز القرآني بثوب جديد. و لا ننسى أن عالم العدد هو عالم الحقائق، وأن لغته هي الأكثر وضوحا والأشد جزما.

4- بذلك تنهار كل المحاولات الاستشراقية التي حاولت أن تنال من صِدقيّة ترتيب المصحف الشريف.

5- يمكن أن يكون مثل هذا البحث مفتاحا لدراسات تتعامل مع النص القرآني بعيداً عن الجانب التاريخي، الذي يستغله أهل الباطل للتشويه والتشويش. وبالطبع فإننا لا نقصد أن نـهمل الجانب التاريخي، وإنما نضيف إليه إثباتاً منفصلاً.

6- يلحظ القارئ أن القضية استقرائية وليست قضية اجتهادية، ومن هنا لا مجال لرفضها أو إنكارها إلا باستقراء أدقّ يُثبت عدم واقعية النتائج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:: معجزة ترتيب سور الفواتح ::

سور الفواتح

الرقم التسلسلي
رقم السورة في الترتيب بالقرآن
أسم السورة
الفاتحة اول حروف السورة

1
2
البقرة
الم

2
3
آل عمران
الم

3
7
الأعراف
المص

4
10
يونس
الر

5
11
هود
الر

6
12
يوسف
الر

7
13
الرعد
المر

8
14
إبراهيم
الر

9
15
الحجر
الر

10
19
مريم
كهيعص

11
20
طه
طه

12
26
الشعراء
طسم

13
27
النمل
طس

14
28
القصص
طسم

15
29
العنكبوت
الم

16
30
الروم
الم

17
31
لقمان
الم

18
32
السجدة
الم

19
36
يس
يس

20
38
ص
ص

21
40
غافر
حم

22
41
فصلت
حم

23
42
الشورى
حم عسق

24
43
الزخرف
حم

25
44
الدّخان
حم

26
45
الجاثية
حم

27
46
الأحقاف
حم

28
50
ق
ق

29
68
القلم
ن


هناك (29) سورة في القرآن الكريم تبدأ بأحرف مثل : الم،الر،كهيعص….. وتسمى (الأحرف النورانيّة). وقد خاض المفسرون طويلاً في دلالتها ولم يصلوا إلى شيء يقوم على دليل، حتى أصبحت عبارة (الله أعلم بمراده) هي السائدة في مقام تفسير هذه الفواتح. ومن أقوى الآراء الشائعة بين المفسرين قول من قال : إن القرآن الكريم مكوّن من مثل هذه الأحرف التي لا تعجزكم، وبالتالي فإن الله تعالى يتحدى الناس أن يأتوا بمثل هذا القرآن من هذه الأحرف المتيسرة لهم. ونحن هنا لا نقوم بتفسيرها وتبيان دلالتها ، ولكننا نضع الأساس الذي يمكن أن يساعدنا على كشف أسرارها. هذا الأساس هو البنية الرياضية لهذه الفواتح، والتي تقوم على تكرارات العدد (19)، هذا العدد الذي تتواتر تكراراته في بنية القرآن الكريم العددية، وقد أسهبنا في توضيح ذلك في أكثر من رسالة من رسائـل الإعجاز العددي في القرآن الكريم .

تعريف بالفواتح
1- سور الفواتــح هـي(29) سورة،من أصـل (114) سورة ، في حـين أنّ نسبـة مجمـوع عدد كلماتـها إلى كلمات القران الكريم تقارب 48%.


- مجموع الفواتح بدون تكرار هو (14) فاتحة، وتتكون من (14) حرفاً من الأحرف الهجائية.

3- أول ما نزل من هذه السّور ال(29) هي سورة القلم المفتتحة بـ (ن) ولم تتكرر هذه الفاتحة في غير هذه السورة. ثم نزلت ثانياً سورة (ق) وتكرر هذا الحرف في فاتحة (حم عسق).ثم نزلت ثالثاً سورة (ص) وتكرر هذا الحرف في فاتحة سورة مريم (كهيعص)، وفاتحة سورة الأعراف (المص). وبـهذا يتضح أنّ الفاتحة (ن) التي نزلت أولاً وردت مرة واحدة، والفاتحة (ق) التي نزلت ثانياً وردت مرتين، والفاتحة (ص) التي نزلت ثالثاً وردت ثلاث مرات.

4- هناك فواتح هي حرف واحد : (ن،ق،ص) وهي كما لاحظنا أول ما نزل،ولهذا دلالته. وهناك فواتح تتكون من حرفين (طه،يس،طس،حم)، وهناك فواتح تتكون من ثلاثة أحرف:(الم،الر،طسم)، وهناك فواتح تتكون من أربعة أحرف : (المص،المر)، وهناك فواتح تتكون من خمسة أحرف : (كهيعص، حم عسق).

5- تنقسم الفواتح من حيث تكرارها إلى:

أ= فواتح لم تتكرر صورتـها إلا مرة واحدة: ( المص ، المر ، كهيعص ، طه، طس، يس، ص، حم عسق ،ق ، ن).

ب= فواتح تكررت صورتـها وهي : ( الم ،الر ، طسم ، حم).

جـ= بعض الفواتح المذكورة سالفاً تكررت كجزء من فاتحة أخرى ؛ففاتحة (طس) متكررة في (طسم)، وفاتحة (ص) متكررة في (كهيعص،المص)، وفاتحة (ق) متكررة في (حم عسق).



البنية الرّياضيّة للفواتح وسورها
العدد (19) في بنية الفواتح وسورها

1- أول سورة في الفواتح ال(29) هي (البقرة) وترتيبها في المصحف (2)، وآخر سورة هي (القلم)وترتيبها في المصحف (68)، وعليه يكون عدد السور من البقرة إلى القلم هو (67). وهذا يعني أن هناك (38) سورة بين البقرة والقلم لا تبدأ بأحرف نورانيّة: (67-29) =(38) أي (19×2).

2- الفواتح بدون تكرار هي :

(الم،المص،الر،المر،كهيعص،طه،طسم،طس،يس،ص،حم،حم عسق،ق،ن). وعدد أحرف هذه الفواتح هو(38) أي (19×2) .

3- (المر) تتضمن الفاتحتين (الم،الر)، وكذلك (المص) تتضمن الفاتحتين (الم،ص)، في حين أن (طسم) تتضمن الفاتحة (طس) فقط لأن (م) ليس بفاتحة… وهكذا، وعليه نلاحظ أن تكرار الفواتح في ال(29) سورة هو (38) أي (19×2). وإليك بيان ذلك:

أ= تكررت فاتحة (الم) منفردة، أو متضمنة في غيرها من الفواتح في السور الآتية: الم البقرة، الم آل عمران، المص الأعراف، المر الرعد، الم العنكبوت، الم الروم، الم لقمان، الم السجدة. وعليه يكون المجموع (8) تكرارات.

ب= تكررت (الر) منفردة أو متضمنة في غيرها من الفواتح في السور الآتية: الر يونس، الر هود، الر يوسف، المر الرعد، الر إبراهيم، الر الحجر، وعليه يكون المجموع (6) تكرارات.

جـ= تكررت فاتحة (حم) في السور: حم غافر، حم فصلت، حم عسق الشورى، حم الزخرف، حم الدخان، حم الجاثية، حم الأحقاف. وعليه يكون المجموع (7) تكرارات.

د= تكررت (طس) منفردة أو متضمنة في غيرها من الفواتح في السور الآتية: طسم الشعراء، طس النمل، طسم القصص. وعليه يكون المجموع (3) تكرارات.

هـ= تكررت (طسم) في: طسم الشعراء، طسم القصص. وعليه يكون المجموع تكرارين (2).

و= تكررت فاتحة (ص) في السور: المص الأعراف، كهيعص مريم، وسورة(ص). وعليه يكون المجموع (3) تكرارات.

ز= تكررت فاتحة (ق) في: حم عسق الشورى، وسورة (ق). وعليه يكون المجموع تكرارين (2).

ح= الفواتح التالية لم تتكرر وهي: المص الأعراف، المر الرعد، كهيعص مريم، طه، يس، حم عسق الشورى،و(ن) القلم. وعليه يكون المجموع(7).

وبذلك يتبين أن المجموع هو (38) أي (19×2). والجدول التالي يوضح ذلك:

الفاتحة
الم
المص
الر
المر
كهيعص طه
طسم
طس
يس
ص
حم
حم عسق
ق
ن

تكرارها 8
1
6
1
1
1
2
3
1
3
7
1
2
1




4- الأحرف التي تكونت منها الفواتح هي : ( ا،ل،م،ص،ر،ك،هـ ، ي ، ع ، ط، س،ح،ق،ن) وهذه الأحرف ال(14) يدخل كل منها في تكويـن عـدد من الفواتح على الصورة الآتية :



(أ) : المر ، المص ، الم ، الر.

(ل): المر، المص، الم، الر.

(م): المر، المص، الم، طسم، حم عسق، حم.

(ص): المص، كهيعص، ص.

(ر): الر، المر.

(ك): كهيعص.

(هـ): كهيعص، طه.

(ي): كهيعص، يس.

(ع): كهيعص، حم عسق.

(ط): طه، طسم، طس.

(س): طسم، طس، يس، حم عسق.

(ح): حم، حم عسق.

(ق): حم عسق،ق.

(ن): ن.

وعليه يكون مجموع هذه الفواتح التي يدخل في تكوينها كل حرف من الأحرف أل(14) هو (38)، أي (19×2).

5- ترتيب سورة( مريم ) في المصحف هو (19)، وهذا يجعلها تتميّز عن غيرها في ترتيبها . وإذا رجعنا إلى ترتيب سور الفواتح كما هو مبيّن ، فسوف نجد أن سورة(مريم) هي السورة العاشرة في سور الفواتح، أي يتلوها في ترتيب الفواتح (19) سورة .

6- إذا دوّنّا الفواتح وفق ورودها في ترتيب المصحف وبدون تكرار، نجد أن مجموع أحرف الفواتح حتى نـهاية فاتحة سورة مريم (كهيعص) هو(19)، وسنجد أن عدد أحرف الفواتح بعد فاتحة مريم هو أيضاً (19) . وقد لاحظنا أن ترتيب سورة مريم في المصحف (19)، ويتلوها في ترتيب الفواتح (19)سورة. أنظر الجدول التالي:


الفواتح مرتبة بدون تكرار
الم
المص الر
المر
كهيعص
طه
طسم
طس
يس
ص
حم
حم عسق
ق
ن

عدد أحرف الفاتحة
3
4
3
4
5
2
3
2
2
1
2
5
1
1

المجموع
19
19
38




7- ترتيب سور الفواتح ال(29) في المصحف يشير إلى أن سورة مريم وسورة (ص) فقط لهما ترتيب العدد (19) أو أحد مضاعفاته (38). وبالرجوع إلى ترتيب سور الفواتح نجد أن هناك (19) سورة بعد سورة مريم ،وهناك (19) سورة قبل سورة (ص) .

8- تبدأ فاتحة سورة مريم (كهيعص) بحرف (ك)، ولم يتكرر هذا الحرف في سور الفواتح . وتنتهي هذه الفاتحة بحرف (ص). أي أن (ك) يُمثل سورة مريم التي هي السورة(19)، و(ص) هي السورة (38) أي (19×2). ويلحظ في فاتحة سورة مريم هذه (كهيعص) أنّ (ك) لم ترد إلا في مريم، و(هـ) تكررت فقط في (طه)، و(ي) تكررت فقط في (يس)، و(ع) تكررت فقط في (عسق).

9- الفواتح التي هي حرف واحد : (ص،ق،ن). ترتيب سورة (ص) في المصحف هو (38) أي (19×2). وترتيب سورة (ق) هو (50)، وترتيب سورة (ن) هو (68). وإذا بدأنا العد من سورة (ق) فستكون (ن) هي السورة رقم (19).

10- بالرجوع إلى المصحف نجد أن كل فاتحة من الآتية هي آية : (الم،المص،كهيعص،طه،طسم،يس،حم،حم عسق).وهذه هي فواتح ال(19) سورة من السور ال(29)، أما السّور ال(10) الباقية ففواتحها ليست آية. وهي(الر،المر،طس،ص،ق،ن).

11- جاءت السور المفتتحة بـ(الر،المر) على شكل مجموعة، متسلسلة في ترتيبها : (10،11،12،13،14،15)، وفواتح هذه السور الست هي : (الر،الر،الر،المر،الر،الر) ومجموع أحرف هذه الفواتح (19) حرفاً. ويلحظ أن فاتحة سورة الرعد (المر) تتضمن (الر) –كما سبق أن أشرنا- وأن عدد أحرف الفواتح حتى نـهاية (المر) هو (13) حرفاً، وهذا هو ترتيب سورة الرعد في المصحف، وقد سميت السورة بسورة الرعد لورود كلمة الرعد في قوله تعالى : "ويسبح الرعد بحمده،والملائكة من خيفته ،ويرسل الصواعق فيصيب بـها من يشاء، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ". وهذه هي الآية رقم (13) في السورة وعدد كلماتـها(19). واللافت للانتباه أيضاً أن سورة الرعد تقع في الجزء (13).

عدد آيات سورة الرعد (43) آية، وهذا يعني أنّ آياتـها تختم بـ( 43) كلمة، وهذه الكلمات يسميها العلماء( الفواصل ) مثل: ( يؤمنون ،تؤمنون، يتفكرون….) وقد لاحظنا أن هناك (13) فاصلة في سورة الرعد تختتم بأحرف (رعد)؛ فقد اختتمت (8) فواصل بحرف (ر)، وفاصلة بحرف (ع)، وأربع فواصل بحرف (د).

فاتحة الرعد (المر) تتضمن فاتحة (الم،الر)، وإذا قمنا بترتيب الفواتح التي تتضمن (المر،الم،الر) وفق ترتيبها في المصحف نجد أن عدد هذه الفواتح هو (13) فاتحة وهي (الم،الم،المص،الر،الر،الر،المر،الر،الر،الم،الم،الم،الم) لاحظ أن سورة الرعد (المر) جاءت في منتصف هذا الترتيب ، سبقها (6) سور، وجاء بعدها (6) سور.

وردت كلمة (رعد) في القرآن الكريم مرّتين: الأولى في الآية (19) من سورة البقرة، وعدد كلماتـها (19) كلمة، وعدد حروفها (83) حرفاً. والكلمة الثانية في الآية (13) من سورة الرعد وعدد كلماتـها (19) كلمة، وعدد أحرفها وفق رسم المصحف (83) حرفاً أيضاً. وهذا توافق لافت للانتباه، وعلى وجه الخصوص عندما نعلم أن مجموع تكرار أحرف (الرعد) في آية البقرة يساوي مجموع تكرار أحرف (الرعد) في آية الرعد. ومجموع تكرار أحرف (رعد) في آية البقرة، يساوي مجموع تكرار أحرف (رعد) في آية الرعد. وتبدو الأمور أشدُّ لفتاً للانتباه عندما نعلم أن مجموع تكرار أحرف فاتحة البقرة (الم) في آية البقرة يساوي مجموع تكرار أحرف فاتحة الرعد (المر) في آية الرعد. فما معنى هذا التوافق وما دلالته؟ وما السر أيضاً في تكرار كلمة (الصواعق) في الآيتين فقط. فكلمتا(رعد وصواعق) لم تردا في القرآن الكريم إلا في هاتين الآيتين .

12- هناك مجموعة أخرى جاءت متسلسلة، بل نزلت متسلسلة، كما هي مرتبة في المصحف، ألا وهي مجموعة الحواميم، والتي أرقامها في المصحف : (40،41،42،43،44،45،46)، وهي سبع سور فواتحها: (حم،حم،حم عسق،حم،حم،حم،حم). وكما جاءت (المر) مختلفة عن باقي الفواتح في مجموعة (الر)، جاءت (حم عسق) مختلفة عن باقي الفواتح في مجموعة(حم)، مع ملاحظة أن (المر) تتضمن (الر)، وأن (حم عسق) تتضمن (حم). ويظهر الفرق بينهما في أن (حم) هي آية، و(عسق) آية أخرى، مما يعني أننا سنحصي أحرف (حم) والتي هي فاتحة (7) سور، ثم نحصي أحرف (حم عسق) وعليه يكون المجموع : (2×7)+5=(19) حرفاً.*

13- سور الفواتح هي(29) سورة،وإذا رتبنا هذه السور وفق ورودها في ترتيب المصحف فسوف نجد أن سورة (العنكبوت) هي السورة المتوسطة ؛ يسبقها (14) سورة ويتلوها (14) سورة. واللافت للانتباه أنّ هذه السورة التي تتوسط مجموعة ال(29) الفواتح، هي السورة (29) في ترتيب المصحف الشريف. كما يلاحظ أن الآية التي يذكر فيها لفظ (العنكبوت) هي (19)كلمة، وهي الآية (41) مما يعني أنه يتلوها (28) آية حتى نـهاية السورة، أي أنـها تتوسط آخر (57) آية من آيات سورة العنكبوت، وهذا هو موقع سورة العنكبوت بالنسبة لأول (57) سورة من سور القرآن الكريم، حيث يسبقها (28) سورة ويتلوها (28) سورة. والملحوظ أن عدد آيات السورة (57) هو (29). فتأمّل!!

قلنا إن سورة العنكبوت تتوسط سور الفواتح ال(29)، وهي السورة رقم (29) في ترتيب المصحف . ويبدو أن لها الوسطية في أكثر من منظور* :-

أولاً: هناك مجموعة من ثلاث سور تسبق سورة العنكبوت مباشرة أرقامها ( 26،27،28) وفواتحها (طسم،طس،طسم). وهناك مجموعة من ثلاث سور أيضاً بعد سورة العنكبوت مباشرة أرقامها (30،31،32)وفواتحها(الم،الم،الم).

ثانياً:إذا عددنا (5) سور قبل سورة العنكبوت ، فستكون السورة (19) هي الخامسة. وإذا عددنا (5) سور بعد سورة العنكبوت، فستكون السورة (38) أي (19×2) هي الخامسة.

ثالثاً:إذا عددنا (8) سور قبل سورة العنكبوت ، فستكون السورة الثامنة هي الرعد ، والتي فاتحتها (المر)، والتي هي متميزة بين فواتح (الر). وإذا عددنا (8) سور بعد سورة العنكبوت ، فستكون السورة الثامنة هي سورة الشورى، والتي فاتحتها(حم عسق)، والتي هي متميزة بين فواتح (حم). وهذا كله يعني أنّ لسورة العنكبوت وضعاً متميزاً ووسطياً بين سور الفواتح.

14- في بحث سابق حول علاقة كل سورة في المصحف بعدد آياتـها، وجد الباحث (عبد الله جلغوم) أن هناك (57) سورة تتجانس أرقام ترتيبها مع عدد آياتـها : (فردي / فردي أو زوجي/ زوجي). وعندما قَسّم سور القرآن إلى قسمين : (1-57)، (58-114) وجد أن السور المتجانسة في النصف الأول هي (28) وغير المتجانسة (29)، أما في النصف الثاني فالمتجانسة (29)، وغير المتجانسة (28).أمّا هنا في سور الفواتح أل(29) فهناك (14) سورة متجانسة و(15) سورة غير متجانسة. وهذا يعني أن هناك نوعاً من التوازن عندما نتعامل مع القرآن كاملاً، أو عندما نتعامل معه مناصفة، أو عندما تعاملنا مع مجموعة مثل سور الفواتح.

وبعد فهذه نظرة في سور الفواتح تتعلق بترتيبها، وهذا الترتيب يعتبر مقدمة لدراسة تكرار الأحرف في السّور التي تسـتهل بالفواتح، وقد فصلنا ذلك في كتاب " إعجاز الرقم (19) في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج" حيث تبين لنا أن هناك بناءً رياضياً محكماً يتعلق بتكرار أحرف الفواتح، وفق ما يمكن أن نسميه (كيمياء الأحرف).

ونحب أن نلفت الانتباه أخيراً إلى أن هذا هو مسار من عدة مسارات رياضية تتعلق بترتيب السّور، ويتجلى الإعجاز عند النظر إلى المسألة من جميع زواياها، وعند استيعاب جميع مساراتـها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
:: حساب الجُمَّل والإعجاز العددي ::



تتألف الأحرف الهجائية للغة العربية من ( 29 ) حرفا، أما الأحرف الأبجدية فهي ( 28 ) حرفا، على اعتبار أنه لا فرق بين الألف والهمزة في الأبجدية. وما يهمنا هنا الترتيب الأبجدي، وارتباط هذا الترتيب بما يسمى حساب الجمّل، وهو حساب استخدم في اللغات السامية، ومن هنا نجد أن الأبجدية العبرية تتطابق مع الأبجدية العربية حتى حرف (التاء) وتزيد العربية : ( ث، خ، ذ، ض، ظ، غ ) المجموعة في ( ثخذ ضظغ ).

ليس من السهل معرفة أساس الترتيب الأبجدي وما ارتبط به من حساب في اللغات السّامية، إذ تعددت الأقوال في ذلك بحيث يصعب الجزم أو الترجيح. وقد يكون لهذا الحساب أساس ديني، فرجال الدين اليهودي يستخدمونه كثيرا، وقد استخدمه المسلمون في التأريخ، وبالغت المتصوفة في استخدامه، كما استخدمه أهل السحر والكهانة، والشعوذة. ولا يبعد، كما قلنا، أن يكون لهذا الحساب أساس ديني ثم دخله التحريف والتبديل والتوظيف السيء.

يختلف الترتيب الأبجدي في الشمال المغربي قليلاً عن الترتيب المشتهر والمستخدم قديماً وحديثاً والذي هو : ( أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ) وتنتهي الأبجدية العبرية كما قلنا عند (قرشت ). وقد أعطي كل حرف قيمة عددية على الصورة الآتية :


أ

1
ب

2
ج

3
د

4
هـ

5
و

6
ز

7
ح

8
ط

9
ي

10

ك

20
ل

30
م

40
ن

50
س

60
ع

70
ف

80
ص

90
ق

100


ر

200
ش

300
ت

400
ث

500
خ

600
ذ

700
ض

800
ظ

900
غ

1000





ويلاحظ في حساب (الجمّل ) أنه لا فرق في القيمة العددية بين الألف والهمزة لاعتماده على الأحرف الأبجدية وليس الهجائية. وقد استخدم هذا الحساب لأغراض كثيرة، واستخدمه المسلمون في التأريخ للمعارك، والوفيات، والأبنية وغيرها. ومن الأمثلة على ذلك :

عندما توفي السلطان( برقوق ) وهو من سلاطين المماليك البرجيّة، قاموا بصياغة عبارة تحدد تاريخ وفاته، وهي : ( في المشمش )، ويبدو أنهم اختاروا عبارة فيها طرافة ؛ فوفاة برقوق (في المشمش )، والقيمة العددية لهذه العبارة هي : (80+10+1+30+40+300+40+300) = (801)وعليه تكون وفاة السلطان (برقوق ) بتاريخ (801هـ).

ومثال آخر : عندما توفي شاعر اسمه (الدلنجاوي )، رثاه صديق له وأرّخ لوفاته فقال :

سألت الشعر هل لك من صديق وقد سكن الدلنجاويّ لحــده

فصاح وخر مغشياً عليــــه وأصبح راقداً في القبر عنــده

فقلت لمن يقول الشعر أقصــر لقد أرختُ: مات الشعر بعده



أعطى الشاعر كلمة مفتاحية تدلنا كيف نحسب حيث قال ( لقد أرخت ) أي احسبوا العبارة التي تأتي بعد كلمة (أرخت )، وكان يمكن أن يستخدم كلمات أخرى فيها معنى الحساب، أو الإحصاء، أو العدد، أو التأريخ، أي كلمات تشير إلى الجملة التي تحمل القيمة العددية التي أرادها. وفي هذا المثال تحدد عبارة (مات الشعر بعده ) تاريخ وفاة الدلنجاوي : (40+1+400+1+30+300+70+200+2+70+4+5)= (1123هـ).

واضح أن استخدام هذا الحساب في التأريخ لا غبار عليه من وجهة النظر الشرعية، لأن الأمر من قبيل الاصطلاحات، فهو إذن من المباحات. إلا أن استخدام هذا الحساب في السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم، أساء إلى هذا الحساب البريء.

محمد بن عمر نووي الجاوي، مفسّر، متصوّف، من فقهاء الشافعية هاجر إلى مكة المكرمة وتوفي بها سنة (1316هـ) له مصنفات كثيرة منها تفسير يتألف من مجلدين، جاء في مقدمته: (( وسميته مع الموافقة لتاريخه : مراح لبيد لكشف معنى قرآن مجيد )) واضح من هذا الكلام أنه اختار التسمية لتوافق في حساب الجمّل تاريخ بداية تصنيفه للتفسير، والذي هو ( 1304هـ). هذا مثال قصدت من إيراده التدليل على موقف بعض علماء المسلمين من مسألة حساب الجمّل، حيث لا يجدون غضاضة في استخدامه عندما يؤرخون، أو يطلقون الأسماء، حتى عندما تكون التسمية لكتاب في تفسير القرآن الكريم، وما ذلك إلا عن توارث، فلماذا لا نعيد النظر، ونؤصّل لهذه المسألة، وقد وجدنا أن ذلك يحمل خيراً بإذن الله تعالى.

جاء في تفسير البيضاوي لفاتحة سورة البقرة : (( أنه عليه الصلاة والسلام لمّا أتاه اليهود تلا عليهم ألم البقرة. فحسبوه وقالوا : كيف ندخل في دين مدته إحدى وسبعون سنة، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا : فهل غيره، فقال : المص والر والمر، فقالوا خلطت علينا فلا ندري بأيها نأخذ )) يقول البيضاوي معقباً على هذا الحديث : (( فإن تلاوته إيّاها بهذا الترتيب عليهم وتقريرهم على استنباطهم …)) إذن يعتبر البيضاوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقّر اليهود في استنباطهم.

جاء في ( حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي ) : (( هذا الحديث أخرجه البخاري في تاريخه وابن جرير عن طريق ابن إسحاق الكلبي … وسنده ضعيف )) وعليه لا نستطيع أن نركن الى استنباط البيضاوي، ولكن في المقابل لم يرد شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون لحساب الجمل أصل ديني. المهم أنه لم تقم الحجة على النفي أو الإثبات، وإن كان الإثبات أرجح على ضوء هذا الحديث الضعيف. ولا نستطيع أن نبني على هذا الرجحان، ولكن يمكن لنا بالاستقراء أن نثبت أن القرآن الكريم ادخّر بعض الأسرار في كلمات أو جمل، أي أن القرآن الكريم استخدم هذا الاصطلاح الذي تواطأت عليه اللغات السامية. وما الذي يمنع ذلك، وقد نزل القرآن الكريم باللسان العربي ؟! وكما يدل اللسان على المعاني، فليس هناك مانع أن يدل على القيم الرياضية. ولكن كيف يمكننا أن نعرف أن عبارة ما في القرآن الكريم تحمل سراً عددياً؟! نقول : لا بد أن يثبت ذلك بطريق من طرق الإثبات المقبولة شرعاً أو عقلا. وسيجد القارئ أن مسلكنا في هذه المسألة مسلك جديد لا يمت بصلة لمسلك المتصوفة، أو غيرهم ممن أصابوا أو أخطأوا ، أو انحرفوا. ويكفينا قناعة القارئ بما يجده من أمثلة ترهص بوجود بنية عددية قائمة على أساس حساب الجمّل.

وفيما يلي أمثلة تفتح الباب لمسلك جديد يتعلق بحساب الجمّل، وسيلاحظ القارئ أنه بعيد عن التقوّل والادعاء، لانه مجرد استقراء لبنية الألفاظ القرآنية. ولابد من الملاحظة هنا أننا نتعامل في بحوثنا مع الرسم القرآني والمسمى ( الرسم العثماني )، والذي هو في قول جماهير العلماء توقيفي، أي بإشراف الرسول صلى الله عليه وسلم وحيًا :

المثال الأول : عُرِّف المسجد الحرام في القرآن الكريم بأنه : (( للذي ببكة مباركاً))، آية 96 آل عمران. وجمّل هذه العبارة هو (1063). وعرف المسجد الأقصى بأنه: (( الذي بركنا حوله))، أية (1) الإسراء. وجمّل هذه العبارة أيضاً ( 1063 ). هذه مجرد ملاحظة، ولكن ماذا يعني هذا التساوي في القيمة العددية ؟!

المثال الثاني: ( سورة الإسراء ) تسمى أيضا ( سورة بني إسرائيل )، ولم يتكرر ذكر المسجد (الأقصى ) في غير هذا الموقع من القرآن الكريم، أي في الآية الأولى من سورة( الإسراء ). وتتحدث الآيات التالية عن إفساد اليهود في الأرض مرتين، وتنتهي كل إفسادة بدخول أعداء اليهود المسجد الأقصى. أي بعبارة أخرى أن ذكر المسجد الأقصى اقتضى الإشارة إلى الإفساد اليهودي في المنطقة، قبل الإسلام مرة، وبعد الإسلام أخرى أخيرة.

عبارة (المسجد الأقصى ) تُرسم في المصحف العثماني هكذا ( المسجد الأقصا )، وجُمّل هذه العبارة هو ( 361) أي (19×19). وغني عن البيان أن العدد (19) هو أساس في الإعجاز القرآني الرياضي. وترسم عبارة ( بنو إسرائيل ) في المصحف العثماني هكذا : ( بنوا إ سرءيل ) وجمّل هذه العبارة هو أيضاً ( 361 ) أي ( 19×19 ). وقد وجدنا أكثر من دلالة لهذا التساوي أشرنا إليها في بحث آخر[1] ، والمقام هنا لا يحتمل التفصيل.

المثال الثالث : تستهل سورة (النمل ) بالحرفين (طس)، وترتيب السورة في المصحف هو ( 27 )، وقد وجدنا أن تكرار حرف (ط) في السورة هو أيضاً ( 27 ). بينما كان تكرار حرف (س) في السورة هو ( 93 ) وهذا هو عدد آيات سورة( النمل). وعليه يكون مجموع تكرار(ط، س) هو ( 120 )، وهو أيضاً كما لاحظنا مجموع ( ترتيب السورة + عدد آياتها ). واللافت للانتباه أن جمّل كلمة (نمل ) هو( 120 ).

المثال الرابع : يمكن اعتبار اللون الأبيض الأساس لجميع الألوان، لأن الضوء الأبيض إذا تم تحليله ينتج عنه ألوان الطيف السبعة، وينتج عن هذه الألوان إذا تم مزجها بالنسب المختلفة الآلاف من الألوان المعروفة. وجمّل كلمة أبيض هو (1+2+10+800)=(813).

تكررت كلمة (ابيضت ) في القرآن مرتين : في الآية ( 107 ) من سورة آل عمران والآية ( 84 ) من سورة يوسف. ووردت كلمة( تبيض ) مرة واحدة في الآية ( 106 ) من سورة آل عمران. ووردت الأبيض في الآية ( 187 ) من سورة البقرة، أما كلمة (بيضاء ) فتكررت ( 6 ) مرّات : الآية ( 108 ) من سورة الأعراف، والآية ( 22 )من سورة طه، والآية ( 33 ) من سورة الشعراء، والآية ( 12 ) من سورة النمل، والآية ( 32 ) من سورة القصص، والآية ( 46 ) من سورة الصّافات. أمّا كلمة (بيض و بيض ) بكسر الباء وفتحها فوردتا في الآية ( 27 ) من سورة فاطر , والآية ( 49 ) من سورة الصافّات.



الكلمة
السورة
رقم الآيـة

ابيضت
آل عمران
107

ابيضت
يوسف
84

تبيض
آل عمران
106

الأبيض
البقرة
187

بيضاء
الأعراف
108

بيضاء
طـه
22

بيضاء
الشعراء
33

بيضاء
النمل
12

بيضاء
القصص
32

بيضاء
الصافّات
46

بيض
فاطر
27

بَيض
الصافّات
49


المجموع
813


وإذا جمعنا أرقام الآيات التي وردت فيها الكلمات التي تعني اللون الأبيض، فسنجد أن المجموع هو جمّل كلمة( أبيض ) = (813)

المثال الخامس : سورة (الحديد ) هي آخر سورة في النصف الأول من سور القرآن الكريم[2] ، وهي السورة الوحيدة التي سميت باسم عنصر من عناصر المادة المعروفة في الطبيعة. وترتيبها في المصحف هو (57) والملحوظ أن هذا هو جمّل كلمة (الحديد ) : (1+30+8+4+10+4)= (57 ). أما كلمة (حديد ) فجمّلها هو (8+4+10+4) =(26). وقد لاحظنا أن (26) هو أيضاً (العدد الذري ) لعنصر الحديد. وأنّ (57) هو (الوزن الذري ) لعنصر الحديد.

المعروف في علم الكيمياء أن( العدد الذري) هو عدد البروتونات في الذرة، وأن ( الوزن الذري ) يتعلق بعدد( البروتونات + النيوترونات )، فهل هناك قصد في ترتيب السورة وفق الوزن الذري للحديد والذي هو (57) والذي هو يطابق جمّل كلمة(الحديد)؟! قد يقول البعض إن الوزن الذري للحديد هو (55,8) وليس (57). والصحيح أن للحديد (5) نظائر، أوزانها الذرية (55، 56، 57، 58، 59)، واللافت للانتباه أن النظير (57) جاء في منتصف الأوزان. أمّا (55,8) فهو لا يتعلق ببنية الذرات وإنما هو متعلق بنسبة انتشار كل نظير في الطبيعة.

وفيما يلي ملاحظات تُرَجِّحُ أنّ للعدد (57) أهمية خاصّة في هذا المقام :

أ- ترتيب سورة الحديد في المصحف هو (57)، وعدد آيات سورة الحديد هو (29). وإذا ضربنا : (57×29) يكون الناتج (1653) وهذا هو مجموع الأرقام من (1-57).

ب- وردت كلمة( حديد ) في القرآن الكريم في سورة (الحج ) وسورة (ق). ووردت كلمة ( حديدا) في سورة( الإسراء). ووردت كلمة( الحديد) في سورة (الكهف)، وسورة (سبأ) وسورة (الحديد)، وبعد سورة (الحديد ) لم تذكر كلمة الحديد. وعليه تكون كلمة (الحديد) تكررت في القرآن الكريم (6) مرّات، في (6)سور.

كلمة (حديدا) في سورة الإسراء هي الكلمة رقم (667) في السورة، أي إذا قمنا بعدّ الكلمات من بداية السورة فستكون كلمة (حديداً) هي الكلمة (667). أما كلمة (الحديد ) في سورة (الكهف) فهي الكلمة رقم (1402 ). وكلمة (حديد) في سورة (الحج ) هي الكلمة رقم (368)، وكلمة (الحديد ) في سورة ( سبأ ) هي الكلمة رقم (177)، وكلمة (حديد ) في سورة (ق) هي الكلمة رقم (183). وكلمة (الحديد) في سورة (الحديد ) هي الكلمة رقم ( 461)، وعليه يكون مجموع المواقع : (667+1402+368+177+183+461)=( 3258) والجذر التربيعي لهذا العدد هو(57,0788) على وجه التقريب.


الكلمة
السورة
ترتيب الكلمة في سورة

حديداً
الإسراء
667

الحديد
الكهف
1402

حديد
الحج
368

الحديد
سبأ
177

حديد
ق
183

الحديد
الحديد
461


المجموع
3258


ج- وردت كلمة الحديد في سورة الحديد في الآية (25) : (وأنزلنا الحديد..).

ولو سألت ما الحكمة من إنزاله؟ يكون الجواب : (( فيه بأس شديد ومنفع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز )) وفق رسم المصحف يكون مجموع جمّل هذه الكلمات هو(3263). والجذر التربيعي لهذا العدد هو ( 57,12) على وجه التقريب، والملحوظ أن الفرق بين هذا العدد (3263) ومجموع مواقع كلمة حديد هو (5)، فما السر ؟!

المثال السادس : هناك (29) سورة في القرآن الكريم تفتتح بأحرف نورانية، منها أربع سور تبدأ بحرف الطاء وهي : ( طه، طسم: الشعراء، طس :النمل، طسم:القصص). وقد جاء في كتاب (التعبير القرآني ) للدكتور فاضل السامرّائي ، في فصل (فواصل الآي ) : (( … كل سورة تبدأ بالطاء ترد فيها قصة موسى في أوائلها مفصلة قبل سائر القصص مثل ( طه، وطس، وطسم في القصص، وطسم في الشعراء ) وليس في المواطن الأخرى مما يبدأ بالحروف المقطعة مثل ذلك. فالقاسم المشترك فيما يبدأ بالحروف (ط) قصة موسى مفصلة في أوائل السورة …)).

لفت انتباهنا عند البحث، أن حرف الطاء يتكرر في سورة القصص (19) مرّة، فلمّا قرأنا كلام الدكتور السامرّائي وقوله أن السور التي تبدأ بحرف الطاء ترد فيها قصة موسى عليه السلام مفصلة سارعنا إلى إحصاء تكرار( موسى وهارون) في سورة القصص، فوجدنا أن اسم (موسى )تكرر (18) مرّة، وورد اسم( هارون ) مرة واحدة. وعليه يكون تكرار ( موسى وهارون) (19) مرة. وتجدر الملاحظة هنا أنه من بين كل الأنبياء، لا نجد مثل التلازم القائم بين موسى وهارون، بل لقد أرسلا معا. كما ويجدر ملاحظة أن سورة القصص لم يرد فيها من أسماء الأنبياء إلا موسى وهارون عليهما السلام.

جمّل كلمة (موسى ) هو(116) وجمّل كلمة (هرون ) وفق رسم المصحف هو (261) وعليه يكون مجموع جمّل (موسى، هرون ) هو (377).إذا عرف هذا فإليك الملاحظات الأربع التالية :

أ- مجموع كلمات الآيات التي ورد فيها اسم موسى أو هارون في سورة القصص هو (377) وهو كما قلنا مجموع جمّل الاسمين معا.




رقم الآية
3
7
10
15
18
19
20
29


30
31


34
36
37
38
43
44
48
76





عدد كلماتها
9
22
17
38
16
32
18
27
19
19

14
14
17
18
27
16
13
26
29
377





ب- إذا فتحت كتاب ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ) لمحمد فؤاد عبد الباقي، تجد أن كلمة( هارون ) قد تكررت في القرآن الكريم (20) مرة، فإذا جمعت الأرقام العشرين للسور التي وردت فيها كلمة( هارون ) فستجد أن المجموع هو (377).

ج- السور التي تبدأ ب(ط) تتكرر فيها كلمة (هارون ) سبع مرات في الآيات التالية: (92، 90، 70، 30 من سورة طه )، والآيات ( 13، 48، من سورة طسم الشعراء )، والآية (34 من سورة طسم القصص ) وعليه يكون المجموع : (30+70+90+92+13+48+34)= (377).

د- تكرر اسم (موسى ) عليه السلام في السّور التي تبدأ ب(ط) (46) مرّة، وإذا ضربنا جمّل ( موسى) بعدد تكراره يكون الناتج : (116×46)=(5336). وإذا ضربنا جمّل (هرون) بعدد تكراره في السور التي تبدأ ب(ط) يكون الناتج (261×7)= (1827). وعليه يكون المجموع : (5336+1827) =(7163) والمفاجأة هنا أنّ هذا العدد هو (19× 377).

لا نظن أن الأمر يقتصر على هذه الملاحظات الأربع، فنحن بحاجة إلى جمع الملاحظات المختلفة، لعلنا نصل إلى قانون في مثل هذه المسألة وغيرها.

المثال السابع : يقول سبحانه وتعالى في سورة ( الحجر ) : (( إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون )) فالقرآن الكريم محفوظ من الله تعالى، لأنه أنزل لجميع الناس إلى يوم القيامة، أما الرسالات السابقة فلا داعي لحفظها لأن كل رسول كان يبعث إلى قومه خاصة، فما ضرورة بقاء الرسالة وهي محدودة في الزمان والمكان والناس ؟!

هذه الآية التي تحكم بأن القرآن الكريم محفوظ، أقرب إلى المنطق أن تكون هي محفوظة في موقعها من السورة والسّور الأخرى، ويمكن أن يكون هناك اكثر من طريقة رياضية لبيان ذلك واليك واحدة تتعلق بحساب الجمّل :

موضوع الآية هو (الذكر) لأن الآية تتحدث عن إنزال الذكر وحفظه، وإذا قمنا باستقراء كلمات (الذكر) التي يقصد بها القرآن الكريم، والمعرّفة بـ (أل)، فسوف نجد أن كلمة (الذكر ) في قوله تعالى : (( إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون )) هي الكلمة رقم (63) في سورة( الحجر )، التي ترتيبها في المصحف (15). ثم يأتي بعد ذلك كلمة (الذكر) التي ترتيبها (575) من سورة (النحل) التي ترتيبها في المصحف (16)، ثم كلمة (الذكر ) التي ترتيبها (1103) من سورة (الأنبياء) والتي ترتيبها في المصحف (21)، ثم كلمة (الذكر ) التي ترتيبها (357) من سورة (الفرقان ) والتي ترتيبها في المصحف (25)، ثم كلمة( الذكر )التي ترتيبها (62) من سورة (يس) والتي ترتيبها في المصحف (36)، ثم كلمة (الذكر ) التي ترتيبها (4) من سورة (ص) والتي ترتيبها في المصحف ( 38). ثم كلمة (الذكر ) التي ترتيبها (63) من سورة (ص)، وإليك هذا الجدول التوضيحي :



السورة
الحجر
النحل
الانبياء
الفرقان
يـس
ص
ص
المجموع

ترتيب السورة
15
16
21
25
36
38
38
189

ترتيب الكلمة
63
575
1103
357
62
4
63
2227









2416




يلاحظ أن كلمة (الذكر ) في سورة (الحجر) ترتيبها (63) وكذلك الكلمة الثانية في سورة (ص) ترتيبها (63)، وهذا التوافق في الترتيب يجعلنا نتوقف عند هذه الكلمات لنبحث عن العلاقة القائمة بين كلمة(الذكر) في قوله تعالى : (( إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون )) من سورة الحجر، وكلمة( الذكر) في قوله تعالى من سورة (ص) : (( أأنزل عليه الذكر من بيننا …) لنجد أنَّ:

أ- الآية الأولى من سورة (ص) هي( ص، والقرآن ذي الذكر )) أي أن سورة (ص) تستهل بالكلام عن (الذكر ).

ب- عدد الآيات من نهاية الآية(9) من سورة الحجر : "إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون" إلى بداية الآية (8) من سورة (ص) : "أأنزل عليه الذكر من بيننا…"هو (2166 ) وهذا العدد هو (19×114)، والعدد (114) هو عدد سور القرآن الكريم، والكلام هنا عن نزول القرآن الكريم وحفظه.

ج- تتكون الآية (9) من سورة (الحجر)، والآية (8) من سورة (ص) من (19) حرفاً من الأحرف الهجائية هي:(ء، ا، ب، ح، ذ، ر، ز، ش، ظ، ع، ف، ق، ك، ل، م، ن، ه، و، ي) ومجموع جمّل هذه الحروف هو(2530). وإذا طرحنا من هذا العدد جمّل الآية : ((إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحفظون )) وفق رسم المصحف يكون الناتج : (2530-2416)=(114) وهو عدد سور القرآن الكريم.

د- إذا جمعنا ترتيب كلمات الجدول وترتيب السّور، نفاجأ بأن المجموع هو جمّل قوله تعالى ((إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحفظون )) =(2416).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:: الإعجاز الرياضي وعالم الفلك ::



سورة المدثر من أوائل ما نزل من القرآن الكريم، وفيها تفصيل حول العدد (19)، وقد ناقشنا ذلك في رسالة سابقة، ولفت انتباهنا القَسَم الذي أقسمه سبحانه وتعالى عند الحديث عن العدد (19) : "كلا والقمر والليل إذ أدبر، والصبح إذا أسفر، إنـها لإحدى الكبر…." والليل والنهار ينتجان عن علاقة الشمس بالأرض، فما علاقة الشمس والقمر والأرض بالعدد (19)؟! الرجوع إلى كتب الفلك يتبيّن لنا أنّ هناك عدة علاقات بين الشمس والأرض والقمر تقوم على أساس العدد (19). وقد فصّلنا ذلك في كتاب : " إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج". ونحن هنا معنيون بإعطاء بعض الأمثلة المتعلقة بالقرآن الكريم وعالم الفلك، بغض النظر عن علاقة ذلك بالعدد (19) أو غيره:

1- السنة الشمسية هي ( 365,2422 ) يوما، والسنة القمرية هي(354,367) يوما، وعليه يكون الفرق بين السنة الشمسية والقمرية هو(10,8752) يوماً. وبعد (33,58) سنة شمسية يكون مجموع هذه الفروق سنة شمسية كاملة[1] . أي أن السنة القمرية تعود لتلتقي مع السنة الشمسية في نقطة البداية نفسها بعد (33,58) سنة شمسية.ويمكن اعتبار كل نقطة عودة إلى البداية "دورة" مقدارها (33,58) سنة. وعلى ضوء ذلك لو تساءلنا: في أي سنوات من التاريخ الميلادي كانت الدورة ال"19"؟ فسنجد أن الدورة "19" بدأت سنة (604)م، وانتهت سنة (638)م، ومن اللافت للانتباه أنه بعد بداية الدورة بـ(6) سنوات كانت السنة (610)م، وهي السنة التي بعث فيها الرسول عليه الصلاة والسلام. وقبل نـهاية الدورة بـ(6) سنوات كانت السنة (632)م. وهي السنة التي توفي فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يعني أن فترة الرسالة كانت بؤرة الدورة "19" من التاريخ الميلادي.

2- عندما تدور الأرض دورة واحدة حول الشمس، تكون قد دارت حول نفسها (365) دورة، ويكون القمر قد دار حول الأرض (12) دورة. فالدورة الواحدة للأرض حول الشمس تضمنت (365) دورة حول النفس، و(12) دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه أيضاً. ومن هنا قال العلماء إنّ السنة شمسية والشهر قمري. وبالرجوع إلى " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" لمحمد فؤاد عبد الباقي نجد أن كلمة (يوم، يوماً) مفردة تكررت (365) مرة. مع ملاحظة أن هناك كلمة (يوم) في المعجم سقطت خطأ، ونُصّ عليها في مقدمة المعجم. كذلك نجد أن كلمة (شهر، شهراً) مفردة تكررت في القرآن الكريم (12) مرة فقط. أمّا لماذا تم إحصاء كلمة (يوم)، وكلمة (شهر) مفردة ؟ فنرى أن ذلك يرجع إلى أمرين: الأمر الأول أن السنة هي (365) يوماً وليس أياما، وكذلك هي (12) شهرا، وليس أشهراً. أما الأمر الثاني فيرجع إلى أن السنة هي دورة واحدة للأرض حول الشمس ينتج عنها (365) دورة للأرض حول نفسها، و(12) دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه أيضا. وقد اعترض البعض على الأستاذ " عبد الرزاق نوفل"[2] لأنه لم يحص (يومئذ، يومهم، يومكم) وهذا الاعتراض له وجاهته عندما لا يكون هناك قواعد محددة يتم الإحصاء على أساسها. فهنا نحصي كلمة (يوم، يوماً) عندما لا تكون متصلة رسماً بما بعدها؛ فلو كانت كلمة (يومئذٍ) مرسومة (يوم إذٍ) لأحصيناها. على ضوء ذلك فإننا نحصي كلمة (يوم، يوماً) ولا نحصي كلمة (يومئذ، يومهم، يومكم) على اعتبار أننا نتعامل في العد القرآني مع الرسم وليس مع المعنى. ومع ذلك يجدر أن نلفت الانتباه إلى أن تكرار كلمة (يوم، يوما، أيام، يومين، يومئذ، يومكم، يومهم…) تكررت في القرآن الكريم (475) مرة، وهذا هو عدد أيام الأرض في (19) يوماً من أيام الشمس[3] . فعندما تدور الشمس دورة واحدة حول نفسها تكون الأرض قد دارت (25) مرة حول نفسها، وبالتالي عندما تدور الشمس (19) دورة، تكون الأرض قد دارت (25×19) =(475) مرة.

عندما تدور الأرض دورة واحدة حول الشمس تكون قد دارت حول نفسها (365) دورة، ويكون القمر قد دار حول نفسه وحول الأرض (12) دورة، وهذه الدورة تسمى (سنة). فالسنة إذن هي عودة الأرض إلى النقطة نفسها التي كانت فيها في مدارها حول الشمس، وعندما تحصل هذه العودة للأرض لا يكون القمر قد عاد إلى النقطة نفسها التي كان فيها عند بداية الدورة. ومن هنا تكون (السنة) تعني عودة الأرض إلى النقطة نفسها وليس القمر. أمّا متى يرجع الأرض والقمر معاً إلى النقطة نفسها، أي إلى الإحداثية نفسها؟ إنّ العلماء يقولون إنّ ذلك يحصل مرة كل (19) سنة. أي أنه يحصل عندما تدور الأرض حول الشمس (19) مرة، ويدور القمر حول الأرض (235) مرة، ويسمي علماء الفلك هذه الدورة بـ( الدورة الخسوفية)، وقد استخدمت هذه الدورة علمياً للتوفيق بين السنة الشمسية والسنة القمرية. ومن هنا لا تخلو كتب التقاويم من إشارة إلى هذه الدورة والعدد (19).

كل (19) سنة إذن يتكون لدينا دورة للشمس والقمر معا، فيعودان إلى الإحداثية نفسها. وقد تكررت كلمة (سنة) في القرآن الكريم (7) مرات، وتكررت كلمة (سنين) في القرآن (12) مرة. وعليه يكون مجموع تكرار (سنة وسنين) =(19) مرة. ومن الجدير بالذكر أنّ كل (19) سنة قمرية فيها (7) سنين كبيسة أيامها (355)، و(12) سنة بسيطة أيامها (354).

إذن عندما تدور الأرض ومعها القمر دورة واحدة حول الشمس، ينتج عن ذلك (365) دورة للأرض حول النفس، و(12) دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه. فهي إذن دورة تضمنت دورات. كذلك الدورة الخسوفية والتي هي (واحدة) فقد تضمنت (19) دورة للأرض حول الشمس، وتسمى كل دورة (سنة)، وهي تعادل ما يقارب (19,58) سنة قمرية. ومن هنا تكررت (سنة وسنين) في القرآن (19)مرة. ويمكننا أن نوضح المسألة بطريقة أخرى فنقول: عندما تكررت (يوم، يوما) في القرآن الكريم (365) مرة، كان ذلك إشارة إلى دورة واحدة للأرض حول الشمس، وكذلك عندما تكررت (شهر، شهراً) (12) مرة، كان ذلك أيضاً إشارة إلى دورة واحدة للأرض حول الشمس، وهذه الدورة تسمى (سنة). أمّا عندما تكررت كلمة (سنة، سنين) (19) مرة، فهذه إشارة إلى دورة أكثر تعقيداً لا تتعلق بالأرض فقط، بل بالأرض والقمر معاً. وإذا كان مفهوم (اليوم) منضبطاً بالنسبة للأرض وعلاقتها بالشمس، فإن مفهوم (السنة) متعدد؛ فهناك السنة النجمية، والسنة المدارية، وسنة الحضيض، وسنة الكسوف…. ويختلف مقدار هذه السنوات، ومن هنا فهناك (سنين) وليس فقط (سنة). ويلحظ أنّ (سنين) تكررت كما قلنا (12) مرة في القرآن الكريم. وهذا العدد الزوجي (12) هو تكرار السنين الزوجية ذات ال(354) يوماً كل (19) سنة قمرية. أما (سنة) فقد تكررت (7) مرات في القرآن الكريم، وهذا الرقم الفردي (7) هو تكرار السنين الفردية ذات ال (355) يوماً.

3- يقول سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت في حق نوح عليه السلام :"فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ". إذا كان المقصود من هذه الآية الكريمة القول إن (نوحاً) عليه السلام قد لبث في قومه (950) سنة، أفلا يتم المعنى عند قوله تعالى"…إلا خمسين…"؟! فلماذا قال :"إلا خمسين عاماً"، في حين قال"ألف سنة"؟! ألا يدل ذلك على أنّ مفهوم (السنة) يختلف عن مفهوم (العام)؟!

إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أنّ هناك آيات تدل بوضوح على أن كلمة (عام) تطلق على السنة القمرية، مثل قوله تعالى في سورة التوبة:"فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " ومعلوم أن الآية تتحدث عن الحج وهو مرتبط بالسنة القمرية، وكذلك في قوله تعالى :"إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما … " ومعلوم أن الآية تتحدث عن تلاعب المشركين بترتيب الأشهر الحرم وهي أشهر في السنة القمرية.في المقابل لا توجد في القرآن كلمة (سنة ) تدل بوضوح على السنة القمرية، ولا توجد كلمة (عام) تدل بوضوح على السنة الشمسية. ولا يعني هذا أن مفهوم السنة لا يشمل السنة القمرية. ويلحظ أن القرآن الكريم عندما يُكَثِّر يستعمل كلمة (سنة) كقوله تعالى :"ولبثت فينا من عمرك سنين"، وقوله تعالى:"وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنة مما تعدُّون ".ومعلوم أن السنة الشمسية أطول من السنة القمرية. وفي الآية التي نحن بصدد فهمها جاءت ال(1000)سنة لتدل على طول المدة التي لبثها نوح عليه السلام. وجاءت ال(50)عاما لتقلل من المستثنى. وعلى أية حال ليس بإمكاننا أن نعكس المفهوم فنجعل (السنة) تدل على القمرية و(العام) يدل على الشمسية. وبما أن هذه الآية ذكرت السنة والعام، فيرجح أن تكون السنة شمسية والعام قمرياً.

يقسم علماء الفلك السنة الشمسية إلى سنة (نجمّية) ومقدارها (365,25636) يوما. وسنة (مدارّية)مقدارها (365,2422) يوما. وإذا أخذنا متوسط السنة النّجمية والمداريّة، يكون عدد أيام ال (1000)سنة هو (365249) يوماً.ويقسّم علماء الفلك السنة القمرية أيضا إلى (نجميّة) مقدارها (327,85992) يوما، وسنة (مدارية)مقدارها(354,36707) يوماً.وإذا أخذنا متوسط السنة النجمية والمدارية يكون عدد أيام ال (50)عاما هو (17056) يوماً. الآن بإمكاننا أن نطرح (365249-17056)=348193 يوما. وهذا يساوي (953,3) سنة مدارية. و(953,28) سنة نجمية. وبـهذا يتبين لنا أن مدة لبثه عليه السلام (953) سنة، وليس (950) سنة كما هو متبادر للوهلة الأولى.

هل يوجد لدينا دليل عددي على هذه النتيجة التي توصلنا إليها ؟

أ - السورة رقم (71) في القرآن الكريم هي سورة (نوح)، فما علاقة هذه السورة بمدة لبثه عليه السلام، وبالنتيجة التي توصلنا إليها آنفاً؟ يُفاجأ القارئ عند إحصائه لعدد أحرف سورة (نوح) أنـها (953) حرفا، أي مساوية لمدة لبثه عليه السلام عند التحقق فلكياً كما أشرنا.

ب - تكررت الأحرف الهجائية في سورة نوح على الصورة الآتية:

الحرف
ا+ء
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص

التكرار
192
27
34
6
19
3
10
25
10
60
4
20
2
4

الحرف
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
هـ
و
ي

التكرار
6
5
2
25
8
18
21
32
106
77
60
34
88
55















953


عند تفحص تكرارات الأحرف في سورة نوح، وجدنا أن الحرف (ح) تكرر (3) مرات فقط. وكان يمكن أن لا يتكرر أي حرف من الأحرف (3) مرات. واللافت للانتباه أن الرقم (3) هو الفرق بين مدة لبث (نوح) عليه السلام التي تتبادر إلى الذهن قبل التدقيق الفلكي أي (950)، ومدة لبثه التي توصلنا إليها بعد التحقيق وهي (953). ويصبح الأمر مدهشاً عندما نعلم أن هذا الحرف (ح) قد ورد فقط في الكلمات التالية: (نوحا، نوح، نوح). أليس غريباً ومدهشاً أن تخلو سورة (نوح) من حرف (ح) ويتكرر فقط في كلمة (نوح)؟! فهل المقصود لفت الانتباه إلى الفرق بين مدة لبثه عليه السلام الحقيقية، ومدة لبثه المتبادرة لأول وهلة، أم أنّ هناك أسراراً أخرى تتعلق بعالم الفلك أو غيره؟!

4- يقول سبحانه وتعالى في سورة الكهف :" ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا، قل الله أعلم بما لبثوا … .".

مدة لبث أصحاب الكهف كما تنص هذه الآية (309)سنة. وفي الوقت الذي لم يُصَرِّح فيه القرآن الكريم بعدد أصحاب الكهف، صرح بمدة لبثهم في الكهف، ثم عقب بقوله تعالى:"قل الله أعلم بما لبثوا…" فهل المقصود بـهذا التعقيب التأكيد على صِدْقِيَّة هذا العدد في الوقت الذي تكثر فيه الآراء والادعاءات؟ أم المقصود شيء آخر؟ تؤول أقوال جماهير المفسرين إلى القول الأول، ولكن ألا يحتمل النص أن يكون المراد بقوله تعالى:" قل الله أعلم بما لبثوا" أن الله أعلم بحقيقية هذا العدد (309)، ومدلولاته، وأسراره، وحكمة لبث أصحاب الكهف هذه المدة؟!

يذهب الكثير من أهل التفسير قديماً وحديثاً إلى القول بأن ال(300) سنة شمسية هي (309) سنة قمرية مما يعني عندهم أن قوله تعالى:"وازدادوا تسعا ً" يقصد به تبيان الزيادة التي تحصل عند تحويل ال(300) سنة شمسية إلى قمرية :

(300× 365,2422 )÷ (354,367)=(309,2). وعندما نتكلم بلغة السنين لا يكون هناك وزن للأعشار القليلة التي تزيد عن (9) سنوات. ويمكن اعتبار قول المفسرين هذا مما يحتمله النص القرآني. ولنا في "مركز نون" الملاحظات الآتية:

1- ال(300) سنة شمسية هي (109572,66) يوما، في حين أن ال (300) سنة قمرية هي (106310,1) يوما، وهذا يعني أن الفرق هو: (3262,56) يوماً. وهذا العدد من الأيام أقرب إلى أن يكون (9) سنوات شمسية، وليس (9) سنوات قمرية، مما يعني أن أصحاب الكهف لبثوا(300) سنة شمسية. أي (300) سنة قمرية مضافاً إليها (9) سنوات شمسية.فالعدد (300)هو هو، وتأتي الزيادة عن اختلاف مفهوم السنة الشمسية والقمرية وتكون هذه الزيادة عندها (9) سنوات شمسية.

2- يقول تعالى في حق (نوح) عليه السلام:"فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً" وقد قلنا إن مفهوم السنة هنا يختلف عن مفهوم العام. وقادنا التحقيق كما لاحظنا إلى أن مدة لبثه عليه السلام كانت (953) سنة شمسية. وفي مدة (اللبث) هذه تمت عملية(طرح). أمّا في مدة (لبث) أصحاب الكهف، فتمت عملية (جمع) تتعلق أيضا بالشمسي والقمري، وقادنا التحقيق هنا أيضا إلى القول أن مدة اللبث هي (300) سنة شمسية، أي (300)سنة قمرية يضاف إليها الفرق وهو (9) سنوات شمسية. وقد يشير إلى هذا الفرق قوله تعالى (تسعاً) أي من السنين. ولو قال (تسعة) لكان المقصود (من الأعوام). وقد تعزز هذه الملاحظة ملاحظاتنا السابقة حول هذا الموضوع.

3- يدل اسم سورة الكهف على أهمية قصة (أصحاب الكهف) في السورة. وتبدأ القصة بالآية (9): "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم.. ". أما مدة لبثهم فنجدها في الآية (25) :"ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ". وبلغة الأعداد نقول: إذا بدأنا العد من بداية القصة:"أم حسبت أن… " فسنجد أن رقم الكلمة التي تأتي بعد عبارة:"ولبثوا في كهفهم" هو (309) فتأمّل!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
::العدد في سورة الجن ::



أحصى الكاتب السوري (صدقي البيك) في كتابه (معجزة القرآن العددية) الأعداد الصحيحة في القرآن الكريم فكانت (285) عدداً.

واليك تفصيل ذلك في الجدول الآتي:


العدد
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
19
20
30
40
50
60

المرات
145
15
17
12
2
7
24
5
4
9
1
5
1
1
2
4
1
1





العدد
70
80
99
100
200
300
309
950
1000
2000
3000
5000
50000
100000

المرات
3
1
1
6
2
1
1
1
8
1
1
1
1
1




بعد التدقيق في "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" لمحمد فؤاد عبد الباقي وجدنا أن النتيجة صحيحة، مع ملاحظة الأمور الآتية:

1- نرتكز في هذه النتيجة على التسليم بدقة إحصاء المعجم المفهرس.

2- الرقم (واحد) ورد في القرآن الكريم بالصيغ الآتية :( واحد، واحدة، أحد، إحدى).

3- تكررت الكلمة (أحد) في المعجم المفهرس (33) مرة، مع ملاحظة أنـها في الحقيقة (32) مرة، لأن (أحد عشر كوكبا) تحصى في تكرار (أحد عشر).

4- قوله تعالى :"ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا " يتضمن ذكر العدد (300) والعدد (9) بشكل مباشر. أمّا العدد (309) فهو المتبادر، بل هو المقصود، فقد لبث أصحاب الكهف (309) سنين. بل إن ترتيب الكلمة التي تأتي بعد قوله تعالى:"ولبثوا في كهفهم" هو (309) وذلك عندما نبدأ العد من بداية قصة أصحاب الكهف.

6- قوله تعالى في حق نوح عليه السلام :"فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما " يتضمن ذكر العدد (1000) والعدد (50) بشكل مباشر.أما العدد (950) فهو المتبادر، بل هو المقصود. فقد لبث عليه السلام في قومه (950) سنة، أو ما يقارب ذلك[1] ، كما بيّنا في دراسة سابقة متعلقة بعدد أحرف سورة (نوح).

7- قلنا إنّ عدد الأعداد في القرآن الكريم (285)، وهذا يساوي (19×15). وقد سبق لنا أن لاحظنا في أكثر من دراسة علاقة هذا العدد (285) بالقضايا العددية المختلفة.

سورة الجن وعلاقتها بالعدد (285 ) والعدد (19).

سورة الجن هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي تنتهي بكلمة (عددا) : "….وأحصى كل شيء عدد اً" .

فما علاقة هذه الكلمة بعدد الأعداد في القرآن الكريم؟

نجد الجواب في عدد كلمات سورة الجن، الذي هو (285)، أي أن ترتيب كلمة (عددا) في السورة هو (285).

عدد آيات سورة (الجن) هو (28) آية. وهذا يعني أن عدد الفواصل في السورة هو أيضاً (28). والمقصود بالفواصل، الكلمات التي تنتهي بـها كل آية من آيات السورة. وفواصل الجن على التوالي هي: [عجبا، أحدا، ولدا، شططا، كذبا، رهقا، أحدا، شهبا، رصدا، رشدا، قددا، هربا، رهقا، رشدا، حطبا، غدقا، صعدا، أحدا، لبدا، أحدا، رشدا، ملتحدا، أبدا، عددا، أمدا، أحدا، رصدا، عددا ].

اللافت للانتباه أن هناك (27) فاصلة تتألف كل واحدة من (4) أحرف، وهناك فاصلة واحدة وهي (ملتحدا ) تتألف من (6) أحرف، وهذا يعني أن عدد أحرف فواصل سورة الجن هو (27×4)+(6)=(114) أي (19×6) وهو عدد سور القرآن الكريم. وهذا يعني أن آخر حرف في كلمة (عددا) هو الحرف (114)، فهل من قبيل الصدفة أن يجتمع في كلمة (عددا) عدد الأعداد في القرآن الكريم، وعدد سوره أيضاً؟!

حتى لا يظن القارئ أن ما سلف هو من قبيل الصدفة، يجدر بنا أن نلفت انتباهه إلى الملاحظات الآتية:

1- إن عدد فواصل سورة (الجن) هو (28) فاصلة، وإذا حذفنا الفواصل المكررة، فسنجد أن عدد الفواصل هو (19).

2- الأحرف الهجائية العربية هي (29) حرفاً. ومن اللافت للانتباه أن الفواصل ال (19) غير المكررة في سورة الجن تتكون من (19) حرفاً من الأحرف الهجائية.

3- المقطع (دا) يتكرر في الفواصل ال (28) (19) مرة فقط.

4- تستهل سورة الجن بقوله تعالى :"قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا …". ويستمر الكلام على لسان (الجن) حتى الآية (19). ثم يتوجه الخطاب من الله تعالى إلى الرسول عليه السلام :"قل إنـي لا أملك لكم …".

5- بالرجوع إلى "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" نجد أنّ كلمة (الجن) وردت قبل سورة الجن (19) مرة، ولم تذكر كلمة (الجن) بعد سورة الجن، إلا بصيغة (الجنّة).

6- قلنا إن ترتيب كلمة (عددا) في سورة الجن هو (285)، وترتيب حرف الألف في كلمة (عددا) هو (114)، هذا بالنسبة لأحرف الفواصل في السورة. ويكون الأمر أشد لفتاً للانتباه عندما نعلم أن مجموع تكرار أحرف (ع، د، د، ا) في سورة الجن هو (361)[2] أي (19×19). فهل من قبيل الصدفة أن يجتمع في كلمة (عددا) عدد الأعداد في القرآن الكريم(19×15)، وعدد سور القرآن (19×6)، والعدد(19×19)؟! ولماذا كلمة (عددا)؟!

قلنا إن فواصل سورة الجن غير المكررة هي (19) فاصلة، وقد لفت انتباهنا أن (10) فواصل منها تكررت (23) مرة في فواصل سورة الكهف وهي: [عجبا، أحدا، ولدا، شططا، كذبا، رشدا، ملتحدا، أبدا، عددا، أمدا]. والفاصلتان : (شططا، ملتحدا) تكررت كل واحدة منهما في القرآن كله مرتين فقط، وذلك في فواصل سورتي الجن والكهف. واللافت للانتباه أن هناك (91) فاصلة من فواصل سورة الكهف رباعية الأحرف كأغلب فواصل سورة الجن، وهذا يعني أن هناك (19) فاصلة من فواصل سورة الكهف ليست رباعية الأحرف.

هذه الملاحظات العددية تدعونا إلى التدقيق أكثر في معاني السورتين، وبنظرة سريعة نجد أن سورة الكهف تُستهل بالنكير على من يزعم أن لله ولدا :"وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا، ما لهم به من علم ولا لآبائهم، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ". وهذا ما نجده في فواتح سورة الجن أيضاً"وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا، وأنّا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ". واضح أن كل سورة من السورتين تستهل بنفي (الولد). واللافت للانتباه من الناحية العددية أنّ مجموع تكرار أحرف (ولدا) في سورة الجن هو (457) حرفاً[3] ، وهذا هو مجموع أحرف فواصل سورة الكهف ال (110). وتنتهي سورة الكهف بقوله تعالى :"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً". ثم تأتي سورة (مريم). ولهذا الترتيب دلالته، حيث أن سورة (مريم) تتحدث عن مولد عيسى المسيح عليه السلام، ونفي بُنوّته المزعومة:"ذلك عيسى ابن مريم، قول الحق الذي فيه يمترون، ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه…" الآيتان 34، 35.

على ضوء ما سلف من ملاحظات عددية تختص بسورة الجن، فقد بدا لنا أن نعيد النظر في تفسير الآيات الثلاث الأخيرة من سورة الجن :" عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربـهم، وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيءٍ عددا ً".

ما سنطرحه من رأي في تفسير هذه الآيات هو للدراسة والتمحيص:

مفتاح تفسيرنا هذا قوله تعالى :"من بين يديه ومن خلفه " فقد يكون المقصود:"ما قبل ظهور الرسول، وما بعد ظهوره" وهذا ظاهر، والأدلة عليه كثيرة ومنها:"بين يدي الساعة كذا وكذا" أي قبل وقوع الساعة بزمن ليس بطويل. وسمي الخليفة خليفة لأنه يأتي خلف الذي سبقه أي من بعده. وعليه يمكن أن يكون معنى الآيات: الله عالم الغيب ولا يظهر على غيبه من أحد، إلا من يرتضيه من رسله الكرام، فإنه يجعل من بين يدي ظهورهم علامات وإرهاصات تلقيها الملائكة، والتي هي ترصد وتراقب مسيرة الأمم وتشرف على سير أقدارها. وما تلقيه الملائكة من غيب يتعلق بظهور الرسول هو مما أذن الله به وارتضاه.من هنا نقرأ في كتب السيرة حول رؤيا (لآمنة) أم الرسول عليه السلام، وما أمرت به فسمته (محمدا). وما تناقلته أهل الأديان من اقتراب زمانه عليه السلام. فكل ذلك من الوحي والإلهامات الملائكية للتمهيد بظهوره عليه السلام. وقد جاء في الحديث الشريف أنّ للشيطان لمّـة وللملك لمّـة. فإذاً الشيطان يوسوس، والملك يُلهِم. وهذا الأمر مقرٌّ ومعروف.

ويبدو أن الملائكة لا ينتهي دورها بذهاب الرسول، بل تبقى تراقب وترصد وتُلهم، وتأتي هذه الإلهامات في الوقت المناسب، وذلك من أجل أن تبلغ الرسالة للناس. فإن قال أحد : إنّ الرسول عليه السلام قد بَلَّغَ الرسالة وأدى الأمانة. فإننا نقول أيضاً: إن الرسالة قد بلغت، ولكن المعاني والدلالات تستنبط كلّ حين وأوان، ومن هنا ستبقى الرسالة تبلغ إلى يوم القيامة، وعندها تكون قد بلغت كمال البلاغ الدنيوي، وبذلك يُعلم علم الواقع، وليس علم الغيب فقط، أنه قد تم البلاغ، وعندها يكون قد اقترب موعد الساعة التي تساءَل عنها أهل الشرك:"قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا، عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول…". وهذا يعني أن القيامة لا تقوم حتى تبلغ الرسالة كمال البلاغ.



على ضوء هذا التفسير نُلَخِّص ما ترشد إليه الآيات بالآتي:

1- يختص ظهور علم الغيب بالرسالات. ويكون ذلك:

ا- قبل ظهور الرسول فيكون الغيب مقدمة لظهوره، وهذا تأييد للرسول.

ب- عند ظهور الرسول فيكون إظهار الغيب تأييداً له وحجة.

ج- بعد ذهاب الرسول يستمر دور الملائكة في إلهام الناس لاستخراج كنوز الرسالة.

2- لا تقوم الساعة حتى يكتمل بلاغ الرسول، وحتى يكتمل بلاغ الرسالة.

قوله تعالى: "…وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيءٍ عدداً "[4] :

كل هذا الذي تلهمه الملائكة من علم هو مما أذن الله به، وأحاط بدقائقه، فلا يُعلم إلا ما عَلَّم سبحانه وتعالى. وقد أحصى الله تعالى كل شئ في حالة كونه عددا، أي أن واقعه يقوم على أساسٍ من العدد. وعليه فإن فهم الأساس العددي للأشياء يجعلنا أقرب إلى فهم حقيقة هذه الأشياء. مما قد يعني أن فهمنا للعدد القرآني يجعلنا أقرب إلى الفهم الصحيح، بما في ذلك النبوءات القرآنية المتعلقة بالمستقبل.


[1] انظر تحقيق هذه المسألة في رسالة الاعجاز العددي في عالم الفلك.
[2] تكرار ( ع + د + د + ا ) هو ( 37 + 54 + 54 + 216 ) = (361)
[3] تكرار ( و + ل + د + ا ) هو ( 72 + 115 + 54 + 216 ) = ( 457 )
[4] عدداً : حال منصوبة بالفتحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
… وبعد، فهذه ملاحظات استقرائية، نرجو أن تثير لدى القارئ الدافعية للبحث، كما نرجو أن تكون قد حَصَّلَت القناعة بوجود العدد في بنية القرآن الكريم. فلعل القناعة أن تثمر الجهود، فتشرق أنوار الحقيقة في عقول وقلوب الكثيرين ممن يتوقون إلى اليقين.