وارثون
28-03-2004, 12:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
موقف أهل البيت من الغلاة
ان اعظم شئ على الشيعة هو حمل فرق الغلاة عليهم وإضافتها إليهم, وأستطيع ان اثبت بان تلك الفرق الضالة قد آزرتهم السياسة, وسهلت لهم الطرق ليصلوا إلى غايات في نفوسهم من الوقيعة في الشيعة, والحط من كرامة أهل البيت (عليهم السلام), إذ كانوا لا يستطيعون ان ينالوا من عقائدهم أو ينقصوهم بشيء, والأمر واضح كل الوضوح, فان مذهب أهل البيت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وتعاليمهم هو المحور الذي يدور عليه نظام الإسلام فكان دخول الغلاة في صفوف الشيعة حركة سياسية أوجدتها عوامل من جهة والفتك بالإسلام من جهة أخرى, لان دخول الغلاة في الإسلام كان انتصاراً لمبادئهم, إذ لم يجدوا طريقاً للانتقام من الإسلام إلا باختراع المغالاة في بعض العقائد الإسلامية عندما عجزوا عن مقابلته بالقوة وجهاً لوجه, وانهزموا أمام قوم وطأوا أرضهم بأقدام لا تتأخر خطوة إلى الوراء أما بالموت أو الفتح, فأذلوا عزيزهم, واسروا ذراريهم, واخذوا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون.
وقد عالج أهل البيت (عليهم السلام) هذه المشكلة الخطرة, وعرفوا الدوافع التي دعت هؤلاء الكفرة إلى الالتحاق بصفوف الشيعة, واتضح لهم غايات خصومهم الذين يريدون ان يوقعوا بهم, فكان أهل البيت (عليهم السلام) يعلنون للملأ البراءة من الغلاة وجاهروا بلعنهم, وامروا شيعتهم بالتبرؤ منهم والابتعاد عنهم, وتلقى الشيعة تلك الأوامر الشريفة بالقبول والامتثال, فتعلنوا البراءة وملأوا كتبهم من التبرئ منهم, وأفتوا بحرمة مخالطتهم, واجمعوا على نجاستهم وعدم جواز غسل ودفن موتاهم وتحريم إعطائهم الزكاة, ولم يجوزوا للغالي ان يتزوج المسلمة, ولا المسلم ان يتزوج الغالية, ولم يورثهم من المسلمين وهم لا يرثون منهم.
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يلعن المغيرة بن سعيد ويصرح بكذبه وكفره, ولعن أبا الخطاب وأصحابه وجميع الدعاة إلى المبادئ الفاسدة, وكان هذا الإعلان من الإمام الصادق (عليه السلام) قد أوقف سريان دائها القاتل, ولم يبق من تلك الفرق إلا الاسم وبادت بمدة قصيرة.
وقال (عليه السلام) لمرا زم: قل للغالية توبوا إلى الله فإنكم فساق كفار مشركون, وقال (عليه السلام) له: إذا قدمت الكوفة فات بشار الشعيري وقل له يقول لك جعفر ابن محمد: يا كافر يا فاسق انا برئ منك.
قال مرا زم: فلما قدمت الكوفة قلت له يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر يا فاسق يا مشرك انا برئ منك, قال بشار: وقد ذكرني سيدي. قلت: نعم ذكرك بهذا, قال: جزاك الله خيراً.
ولما دخل بشار الشعيري على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال له: اخرج عني لعنك الله, والله لا يظلني وإياك سقف أبداً, فلما خرج قال (عليه السلام): ويله ما صغر الله أحداً تصغير هذا الفاجر, انه شيطان ابن شيطان خرج ليغوي أصحابي وشيعتي فاحذروه, وليبلغ الشاهد الغائب اني عبد الله وابن أمته ضمتني الأصلاب والأرحام, وأني لميت ومبعوث ثم مسؤول.
وكتب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ابتداء منه إلى أحد مواليه: اني أبرأ إلى الله من ابن نصير الفهري وابن بابه القمي فأبرأ منهما, واني محذرك وجميع موالي, ومخبرك اني العنهما عليهما لعنة الله, يزعم ابن بابا اني بعثته نبياً وانه باب, ويله لعنة الله سخر منه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه, يا محمد ان قدرت ان تشدخ رأسه فافعل.
وقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) يوماً لأصحابه: لعن الله المغيرة بن سعيد لعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها الشعر والشعبذة والمخاريق, ان المغيرة كذب على أبي, وان قوماً كذبوا على مالهم! أذاقهم الله حر الحديد, فوا لله ما نحن إلا عبيد خلقنا الله واصطفانا ما نقدر على ضرر ولا نفع إلا بقدرته, ان رحمنا فبرحمته, وان عذبنا فبذنوبنا, ولعن الله من قال فينا ما لا نقول في أنفسنا, ولعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا.
وقال (عليه السلام): ان أبا منصور كان رسول إبليس: لعن الله أبا منصور, قالها ثلاثاً.
وقال (عليه السلام): انا أهل بيت صادقون لا نعدم من كذاب يكذب علينا عند الناس يريد ان يسقط صدقنا بكذبه علينا, ثم ذكر المغيرة وبزيغ والسري وأبا الخطاب, ومعمر وبشار الشعيري وحمزة اليزدي وصائد النهدي, فقال: لعنهم الله اجمع وكفانا مؤنة كل كذاب.
وعن حمدويه قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله وميسرة عنده فقال له ميسرة: جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون إلى هذا الموضع فانقطعت أخبارهم وآثارهم وفنيت آجالهم.
قال (عليه السلام): ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب واصحابه, فقال (عليه السلام)- وكان متكئاً ورفع بنظره إلى السماء-: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, فاشهد بالله انه كافر فاسق مشرك, وانه يحشر مع فرعون في اشد العذاب.
وذكر عنده أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال (عليه السلام): لا تقاعدوهم, ولا تواكلوهم, ولا تشاربوهم, ولا تصافحوهم ولا توارثوهم.
وقال (عليه السلام): ان من الغلاة من يكذب حتى أن الشيطان يحتاج إلى كذبه.
وقال (عليه السلام): ان قوماً يزعمون اني لهم إمام, والله ما انا لهم بإمام مالهم لعنهم الله! أقول كذا ويقولون كذا, إنما انا آما من أطاعني, ومن قال بأننا أنبياء فعليه لعنة الله, ومن شك في ذلك فعليه لعنة الله(1).
هذا بعض ما ورد في الغلاة الذين حاول خصوم آل محمد إلحاقهم بالشيعة لغاية الحط من كرامة المبدأ, وليظهروهم للملأ بابشع المظاهر وأشنعها, ويعلنوا للعالم ان الشيعة يعتقدون في الأئمة الألوهية, فلا يصلح عدهم من المسلمين فتراق بذلك دماؤهم وتنهب أموالهم, وكم حدثنا التاريخ عن تلك الفظايع السود, ومن أراد ان يعرف موقف الشيعة من طوائف الغلاة فليرجع إلى كتاب (روض الجنان) للشهيد الثاني المتوفي سنة 996 هـ, و(نهج المقال) للمرزا محمد الاستربادي المتوفي سنة 1026هـ، و(الانتصار) للسيد المرتضى المتوفي سنة 436 هـ, و(التهذيب) للشيخ الطوسي المتوفي سنة 460 هـ, و(السرائر) لابن إدريس المتوفي سنة 598 هـ، و(المنتهى) و(نهاية الأحكام) و(التذكرة) و(القواعد) و(التبصرة) للعلامة الحلي المتوفي سنة 726هـ, و(البحار) للشيخ المجلسي المتوفي سنة1011هـ, و(الدروس) للشهيد الأول المتوفي سنة 786هـ, و(جامع المقاصد) للشيخ علي الكر كي المتوفي سنة 940 هـ، و(الشرايع) و(المعتبر) و(المختصر النافع) للمحقق أبي القاسم الحلي المتوفي سنة 676 هـ، و(الجواهر) للشيخ محمد حسن المتوفي سنة 1266 هـ. وغيرها من آلاف الكتب الفقهية التي تنص بإجماع على كفر الغلاة ونجاستهم وبعدهم عن الدين ولا رابطة بينهم وبين الشيعة.
كما ان كتب الرجال طافحة بذمهم والتبرؤ منهم ومن معتقداتهم, ويلعنونهم بلغة واحدة.
فاملنا بأبناء المستقبل ان لا يركنوا إلى الأوهام والأباطيل وان يطلبوا الحقيقة, فالعلم يطلب منهم أداء رسالته, والحق يدعوهم إلى مؤازرته, فقد آن ان تماط عن العيون غشا وات التعصب التي منعتها من رؤية الحق وأبرزت الواقع معكوساً إذ هي كعدسة المصور فليعتدل الكتاب عن هذه السيرة الملتوية, وليغيروا خططهم ولغتهم في ذكر الشيعة, ولا يلتفتوا لأوضاع تلك العصور المظلمة التي جنت على الإسلام جناية لا تغفر, وملأوا القلوب بالأحقاد والضغائن, ونسبوا مبدأ التشيع إلى عبد الله بن سبأ اليهودي, وطعنوا بذلك على أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) الذين عرفوا بتشيعهم لعلي, ويتجاوز عددهم المئات وغيرهم ممن تكتم جرياً مع الظروف ومتابعة الأحوال, على ان كلمات اللغويين والمفسرين قد أجمعت على ان معنى الشيعة هي الموالاة لعلي اصبح علماً في ذلك.
عبد الله بن سبأ:
أما عبد الله بن سبأ, ذلك الشخص الوهمي الذي وصفوه بصفات البطولة والإقدام, وهو صاحب السلطة المطلقة في المجتمع الإسلامي, وقالوا عنه انه استطاع ان يسيطر على أهل مصر ويوقد منهم جيشاً لقتل الخليفة عثمان, وان أبا ذر تعلم منه, وعماراً أخذ بآرائه, وحرب الجمل من دسائسه, ووقعة صفين من تصلبه, ومبادئ التشيع من تفكيره... وقد ورد ذكره في كثير من الكتب حتى أصبحت قصته وكأنها حقيقة ملموسة وقضية واقعية.
والذي يلفت النظر هو ان بعض الشيعة ترجموا له, وذكروه للتبرؤ منه, واخف عبارة يقولونها في ترجمته: عبد الله بن سبأ ألعن من أن يذكر.
وإذا أردنا ان نرجع إلى واقع هذه الشخصية, وما لها من صلة في الواقع وذلك على ضوء البحث الدقيق, فان النتائج العملية تثبت لنا عدم ثبوت هذه الشخصية, وإنها أسطورة وحديثها حديث خرافة, وهي من مبتكرات التعصب الطائفي, ودسائس السياسة, للحط من قيمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام), والوقيعة في شيعتهم.
ولو ان هؤلاء الذين ذكروا عبد الله بن سبأ بتلك الصورة المدهشة, لينالوا من مقام الشيعة, وقفوا قليلاً أمام مصادر هذه الأسطورة, ومنحوا لها بعض الوقت من التأمل, لانكشف لهم الواقع وظهر ان المصدر الوحيد هو الطبري المتوفي سنة 310 هـ، ولم يسبقه أحد في ذكرها, والكل رواها عنه وهو يرويها عن سيف بن عمر بسلسلة مظلمة مجهولة, وسيف قد اجمع علماء الرجال على انه كذاب.
ولنصغي الآن إلى حديث الأستاذ كرد علي حول مذهب التشيع وعلقة ابن سبأ به. يقول الأستاذ كرد علي في خطط الشام:
عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين والائتمام لعي بن أبي طالب والموالاة له. ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس فعلوا بأربع وتركوا واحدة ولما سئل عن الأربع, قال: الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج, قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب.
قيل له: وإنها لمفروضة معهن, قال: نعم هي مفروضة معهن.
ومثل أبي ذر الغفاري, وعمار بن ياسر, وحذيفة بن اليمان, وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت, وأبي أيوب الأنصاري, وخالد بن سعيد بن العاص, وقيس بن سعد بن عبادة.
واما ما ذهب إليه بعض الكتاب من ان مذهب التشيع ابتداع عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم, ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة, وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله, وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم فيه, علم مبلغ هذا القول من الصواب, ولا ريب في ان أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له(2).
ويقول الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء رحمه الله حول الغلاة ونسبتهم للشيعة:
أما الشيعة الإمامية فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم, على ان تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى بل خلاصة مقالتهم بل ضلالتهم: ان الإمام هو الله سبحانه ظهوراً واتحاداً أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوفة الإسلام ومشاهير مشائخ الطرق, وقد ينقل عن الحلاج والكيلاني, والرفاعي, والبدوي وأمثالهم من الكلمات- وان شئت فسمها كما يقولون شطحات- ما يدل بظاهره على ان لهم منزلة فوق الربوبية, وان لهم مقاماً زائداً عن الألوهية (لو كان ثمة موضع لمزيد) وقريب من ذلك ما يقول به أر باب وحدة الوجود أو الموجود.
أما الشيعة الإمامية واعني بهم جمهرة العراق وإيران, وملايين المسلمين في الهند ومئات الألوف في سوريا والأفغان فان جميع تلك الطائفة من حيث كونها شيعة يبرؤون من تلك المقالات, ويعدونها من ابشع الكفر والضلالات وليس دينهم إلا التوحيد المحض, وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق, أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والإمكان والتغيير والحدوث, وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية, إلى غير ذلك من التنزيه والتقدير المشحونة به مؤلفاتهم في الحكمة والكلام من مختصرة أو مطولة.
وعلى أي حال فان الشيعة براء مما نسب إليها من الغلو, واما أهل المقالات في الغلو كالبيانية والمنصورية وغيرهم فان نسبتهم إلى الشيعة ظلم - وما اكثر الظلم للشيعة - وتهجم على أمة تدين لله بالوحدانية, ولمحمد بالرسالة, ولآله بالمودة.
وأستطيع الجزم بان هذه الأمور لم تخف على أولئك القوم الذين اصبحوا يتهجمون على الشيعة بالطعن في عقائدهم, إذ نسبوا إليهم هذه المقالات الفاسدة التي يقول بها الغلاة. نعم انهم يعرفون الأمر ولكن الحق مر لا يمكن ان تتقبله أذواقهم, ولقد أعجزهم الأمر عن مؤاخذة الشيعة والطعن في عقائدهم, عندما وجدوا طرق المؤاخذات أمامهم مغلقة فلا يستطيعون منها النفوذ إلى مقاصدهم, فالتجأوا إلى هذه الخرافات والأباطيل التي لا تثبت أمام التدقيق والتحقيق.
كيف يستطيعون مؤاخذة الشيعة ومنهم صحابة الرسول والتابعين لهم بإحسان: كأبي ذر الغفاري, وعمار بن ياسر, وجارية بن قدامة, وجابر ابن عبد الله الأنصاري, وحذيفة بن اليمان, وسلمان الفارسي, وصعصعة ابن صوحان, والمقداد الكندي وغيرهم.؟!!
ومن الغريب ان اكثر الكتاب قد نسبوا لأصحاب الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) تأثرهم بآراء ابن سبا, وأي طعن على الإسلام وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) اعظم من هذا بأن يسيطر يهودي على عقول أصحاب النبي ومن تأدبوا بآدابه, واليك ما كتبه بعض كتاب العصر الحاضر عند ذكره لعبد الله بن سبأ ونسبة ظهور التشيع إليه, إذ يقول:
ان هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء, وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء, واستكثر اتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة إلى ان يقول: وعني بالتأثير في أبناء الزعماء من قادة القبائل واعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح, فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلو من المتنطعين جماعات كان على رأسهم في الفسطاط الفاقعي بن حرب العتكي, وعبد الحمن بن عديس البلوي, وكنانة ابن بشر بن عتاب, وعبد الله بن زيد بن ورقاء الخز اعي, وعمر بن الحمق الخز اعي, وعروة بن النباع الليثي, وقتير السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابن سبأ في الكوفة عمرو بن الأصم, وزيد بن صوحان العبدي, والاشتر بن مالك بن الحارث النخعي, وزياد بن النضر الحارثي, وعبد الله ابن الأصم.
ومن البصرة حرقوص بن زهير السعدي, وحكيم بن جبلة العبدي, وذريح بن عباد العبدي, وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي, وابن المحرش.
أما المدينة فلم يندفع في هذا الأمر من أهلها إلا ثلاثة نفر, محمد بن أبي بكر, ومحمد بن حذيفة, وعمار بن ياسر(3).
هكذا يقول, ونبرأ إلى الله مما يقول, ليت شعري أي جرأة اعظم من هذه الجرأة على أصحاب الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) ووصفهم بهذه الصفة بأنهم مخدوعين بدعوة ذلك الشيطان, واستجابوا لما جاء به هذا اليهودي المزعوم, وهم خريجو مدرسة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ودعاة الحق واتباعه, ولكن الشيطان خدع هذا الكاتب فجاء بهذا الافتراء وهو (يجادل بغير علم ويتبع كل شيطان مريد. كتب عليه ان من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير).
ونحن نأمل من كتابنا الذين يكتبون لذات الحق ولا يميل بهم الهوى, ولا تستولي عليهم النزعات الطائفية, ان يوجهوا عنايتهم لإظهار الحقيقة عند دراستهم لقضية ابن سبأ بان يدرسوها دراسة مؤرخ لا يتحيز ولا يتعصب, ولا يقصد إلا خدمة العلم وإظهار الحق, ويقف موقف المدقق على مصادرها ورواتها والظروف التي أوجدتها, ليتضح له الأمر, ويتميز الحق من الباطل.
وأعود لاقول مؤكداً: ان قضية ابن سبأ أسطورة خرافية أوجدتها عدة عوامل للحط من تعاليم الإسلام والنيل من رجاله, بأنهم قد تأثروا بآراء رجل يهودي فأوردهم موارد الهلكة, من دون تميز وتفكير, إلى غير ذلك مما يؤدي إليه إيجاد هذه الخرافة من مناقضات.
الهوامش:
1- الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزيني ص 178.
2- خطط الشام ج 6 ص 251 - 256.
3- حملة رسالة الإسلام لمحب الدين الخطيب ص 23.
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
موقف أهل البيت من الغلاة
ان اعظم شئ على الشيعة هو حمل فرق الغلاة عليهم وإضافتها إليهم, وأستطيع ان اثبت بان تلك الفرق الضالة قد آزرتهم السياسة, وسهلت لهم الطرق ليصلوا إلى غايات في نفوسهم من الوقيعة في الشيعة, والحط من كرامة أهل البيت (عليهم السلام), إذ كانوا لا يستطيعون ان ينالوا من عقائدهم أو ينقصوهم بشيء, والأمر واضح كل الوضوح, فان مذهب أهل البيت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وتعاليمهم هو المحور الذي يدور عليه نظام الإسلام فكان دخول الغلاة في صفوف الشيعة حركة سياسية أوجدتها عوامل من جهة والفتك بالإسلام من جهة أخرى, لان دخول الغلاة في الإسلام كان انتصاراً لمبادئهم, إذ لم يجدوا طريقاً للانتقام من الإسلام إلا باختراع المغالاة في بعض العقائد الإسلامية عندما عجزوا عن مقابلته بالقوة وجهاً لوجه, وانهزموا أمام قوم وطأوا أرضهم بأقدام لا تتأخر خطوة إلى الوراء أما بالموت أو الفتح, فأذلوا عزيزهم, واسروا ذراريهم, واخذوا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون.
وقد عالج أهل البيت (عليهم السلام) هذه المشكلة الخطرة, وعرفوا الدوافع التي دعت هؤلاء الكفرة إلى الالتحاق بصفوف الشيعة, واتضح لهم غايات خصومهم الذين يريدون ان يوقعوا بهم, فكان أهل البيت (عليهم السلام) يعلنون للملأ البراءة من الغلاة وجاهروا بلعنهم, وامروا شيعتهم بالتبرؤ منهم والابتعاد عنهم, وتلقى الشيعة تلك الأوامر الشريفة بالقبول والامتثال, فتعلنوا البراءة وملأوا كتبهم من التبرئ منهم, وأفتوا بحرمة مخالطتهم, واجمعوا على نجاستهم وعدم جواز غسل ودفن موتاهم وتحريم إعطائهم الزكاة, ولم يجوزوا للغالي ان يتزوج المسلمة, ولا المسلم ان يتزوج الغالية, ولم يورثهم من المسلمين وهم لا يرثون منهم.
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يلعن المغيرة بن سعيد ويصرح بكذبه وكفره, ولعن أبا الخطاب وأصحابه وجميع الدعاة إلى المبادئ الفاسدة, وكان هذا الإعلان من الإمام الصادق (عليه السلام) قد أوقف سريان دائها القاتل, ولم يبق من تلك الفرق إلا الاسم وبادت بمدة قصيرة.
وقال (عليه السلام) لمرا زم: قل للغالية توبوا إلى الله فإنكم فساق كفار مشركون, وقال (عليه السلام) له: إذا قدمت الكوفة فات بشار الشعيري وقل له يقول لك جعفر ابن محمد: يا كافر يا فاسق انا برئ منك.
قال مرا زم: فلما قدمت الكوفة قلت له يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر يا فاسق يا مشرك انا برئ منك, قال بشار: وقد ذكرني سيدي. قلت: نعم ذكرك بهذا, قال: جزاك الله خيراً.
ولما دخل بشار الشعيري على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال له: اخرج عني لعنك الله, والله لا يظلني وإياك سقف أبداً, فلما خرج قال (عليه السلام): ويله ما صغر الله أحداً تصغير هذا الفاجر, انه شيطان ابن شيطان خرج ليغوي أصحابي وشيعتي فاحذروه, وليبلغ الشاهد الغائب اني عبد الله وابن أمته ضمتني الأصلاب والأرحام, وأني لميت ومبعوث ثم مسؤول.
وكتب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ابتداء منه إلى أحد مواليه: اني أبرأ إلى الله من ابن نصير الفهري وابن بابه القمي فأبرأ منهما, واني محذرك وجميع موالي, ومخبرك اني العنهما عليهما لعنة الله, يزعم ابن بابا اني بعثته نبياً وانه باب, ويله لعنة الله سخر منه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه, يا محمد ان قدرت ان تشدخ رأسه فافعل.
وقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) يوماً لأصحابه: لعن الله المغيرة بن سعيد لعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها الشعر والشعبذة والمخاريق, ان المغيرة كذب على أبي, وان قوماً كذبوا على مالهم! أذاقهم الله حر الحديد, فوا لله ما نحن إلا عبيد خلقنا الله واصطفانا ما نقدر على ضرر ولا نفع إلا بقدرته, ان رحمنا فبرحمته, وان عذبنا فبذنوبنا, ولعن الله من قال فينا ما لا نقول في أنفسنا, ولعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا.
وقال (عليه السلام): ان أبا منصور كان رسول إبليس: لعن الله أبا منصور, قالها ثلاثاً.
وقال (عليه السلام): انا أهل بيت صادقون لا نعدم من كذاب يكذب علينا عند الناس يريد ان يسقط صدقنا بكذبه علينا, ثم ذكر المغيرة وبزيغ والسري وأبا الخطاب, ومعمر وبشار الشعيري وحمزة اليزدي وصائد النهدي, فقال: لعنهم الله اجمع وكفانا مؤنة كل كذاب.
وعن حمدويه قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله وميسرة عنده فقال له ميسرة: جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون إلى هذا الموضع فانقطعت أخبارهم وآثارهم وفنيت آجالهم.
قال (عليه السلام): ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب واصحابه, فقال (عليه السلام)- وكان متكئاً ورفع بنظره إلى السماء-: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, فاشهد بالله انه كافر فاسق مشرك, وانه يحشر مع فرعون في اشد العذاب.
وذكر عنده أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال (عليه السلام): لا تقاعدوهم, ولا تواكلوهم, ولا تشاربوهم, ولا تصافحوهم ولا توارثوهم.
وقال (عليه السلام): ان من الغلاة من يكذب حتى أن الشيطان يحتاج إلى كذبه.
وقال (عليه السلام): ان قوماً يزعمون اني لهم إمام, والله ما انا لهم بإمام مالهم لعنهم الله! أقول كذا ويقولون كذا, إنما انا آما من أطاعني, ومن قال بأننا أنبياء فعليه لعنة الله, ومن شك في ذلك فعليه لعنة الله(1).
هذا بعض ما ورد في الغلاة الذين حاول خصوم آل محمد إلحاقهم بالشيعة لغاية الحط من كرامة المبدأ, وليظهروهم للملأ بابشع المظاهر وأشنعها, ويعلنوا للعالم ان الشيعة يعتقدون في الأئمة الألوهية, فلا يصلح عدهم من المسلمين فتراق بذلك دماؤهم وتنهب أموالهم, وكم حدثنا التاريخ عن تلك الفظايع السود, ومن أراد ان يعرف موقف الشيعة من طوائف الغلاة فليرجع إلى كتاب (روض الجنان) للشهيد الثاني المتوفي سنة 996 هـ, و(نهج المقال) للمرزا محمد الاستربادي المتوفي سنة 1026هـ، و(الانتصار) للسيد المرتضى المتوفي سنة 436 هـ, و(التهذيب) للشيخ الطوسي المتوفي سنة 460 هـ, و(السرائر) لابن إدريس المتوفي سنة 598 هـ، و(المنتهى) و(نهاية الأحكام) و(التذكرة) و(القواعد) و(التبصرة) للعلامة الحلي المتوفي سنة 726هـ, و(البحار) للشيخ المجلسي المتوفي سنة1011هـ, و(الدروس) للشهيد الأول المتوفي سنة 786هـ, و(جامع المقاصد) للشيخ علي الكر كي المتوفي سنة 940 هـ، و(الشرايع) و(المعتبر) و(المختصر النافع) للمحقق أبي القاسم الحلي المتوفي سنة 676 هـ، و(الجواهر) للشيخ محمد حسن المتوفي سنة 1266 هـ. وغيرها من آلاف الكتب الفقهية التي تنص بإجماع على كفر الغلاة ونجاستهم وبعدهم عن الدين ولا رابطة بينهم وبين الشيعة.
كما ان كتب الرجال طافحة بذمهم والتبرؤ منهم ومن معتقداتهم, ويلعنونهم بلغة واحدة.
فاملنا بأبناء المستقبل ان لا يركنوا إلى الأوهام والأباطيل وان يطلبوا الحقيقة, فالعلم يطلب منهم أداء رسالته, والحق يدعوهم إلى مؤازرته, فقد آن ان تماط عن العيون غشا وات التعصب التي منعتها من رؤية الحق وأبرزت الواقع معكوساً إذ هي كعدسة المصور فليعتدل الكتاب عن هذه السيرة الملتوية, وليغيروا خططهم ولغتهم في ذكر الشيعة, ولا يلتفتوا لأوضاع تلك العصور المظلمة التي جنت على الإسلام جناية لا تغفر, وملأوا القلوب بالأحقاد والضغائن, ونسبوا مبدأ التشيع إلى عبد الله بن سبأ اليهودي, وطعنوا بذلك على أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) الذين عرفوا بتشيعهم لعلي, ويتجاوز عددهم المئات وغيرهم ممن تكتم جرياً مع الظروف ومتابعة الأحوال, على ان كلمات اللغويين والمفسرين قد أجمعت على ان معنى الشيعة هي الموالاة لعلي اصبح علماً في ذلك.
عبد الله بن سبأ:
أما عبد الله بن سبأ, ذلك الشخص الوهمي الذي وصفوه بصفات البطولة والإقدام, وهو صاحب السلطة المطلقة في المجتمع الإسلامي, وقالوا عنه انه استطاع ان يسيطر على أهل مصر ويوقد منهم جيشاً لقتل الخليفة عثمان, وان أبا ذر تعلم منه, وعماراً أخذ بآرائه, وحرب الجمل من دسائسه, ووقعة صفين من تصلبه, ومبادئ التشيع من تفكيره... وقد ورد ذكره في كثير من الكتب حتى أصبحت قصته وكأنها حقيقة ملموسة وقضية واقعية.
والذي يلفت النظر هو ان بعض الشيعة ترجموا له, وذكروه للتبرؤ منه, واخف عبارة يقولونها في ترجمته: عبد الله بن سبأ ألعن من أن يذكر.
وإذا أردنا ان نرجع إلى واقع هذه الشخصية, وما لها من صلة في الواقع وذلك على ضوء البحث الدقيق, فان النتائج العملية تثبت لنا عدم ثبوت هذه الشخصية, وإنها أسطورة وحديثها حديث خرافة, وهي من مبتكرات التعصب الطائفي, ودسائس السياسة, للحط من قيمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام), والوقيعة في شيعتهم.
ولو ان هؤلاء الذين ذكروا عبد الله بن سبأ بتلك الصورة المدهشة, لينالوا من مقام الشيعة, وقفوا قليلاً أمام مصادر هذه الأسطورة, ومنحوا لها بعض الوقت من التأمل, لانكشف لهم الواقع وظهر ان المصدر الوحيد هو الطبري المتوفي سنة 310 هـ، ولم يسبقه أحد في ذكرها, والكل رواها عنه وهو يرويها عن سيف بن عمر بسلسلة مظلمة مجهولة, وسيف قد اجمع علماء الرجال على انه كذاب.
ولنصغي الآن إلى حديث الأستاذ كرد علي حول مذهب التشيع وعلقة ابن سبأ به. يقول الأستاذ كرد علي في خطط الشام:
عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين والائتمام لعي بن أبي طالب والموالاة له. ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس فعلوا بأربع وتركوا واحدة ولما سئل عن الأربع, قال: الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج, قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب.
قيل له: وإنها لمفروضة معهن, قال: نعم هي مفروضة معهن.
ومثل أبي ذر الغفاري, وعمار بن ياسر, وحذيفة بن اليمان, وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت, وأبي أيوب الأنصاري, وخالد بن سعيد بن العاص, وقيس بن سعد بن عبادة.
واما ما ذهب إليه بعض الكتاب من ان مذهب التشيع ابتداع عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم, ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة, وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله, وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم فيه, علم مبلغ هذا القول من الصواب, ولا ريب في ان أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له(2).
ويقول الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء رحمه الله حول الغلاة ونسبتهم للشيعة:
أما الشيعة الإمامية فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم, على ان تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى بل خلاصة مقالتهم بل ضلالتهم: ان الإمام هو الله سبحانه ظهوراً واتحاداً أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوفة الإسلام ومشاهير مشائخ الطرق, وقد ينقل عن الحلاج والكيلاني, والرفاعي, والبدوي وأمثالهم من الكلمات- وان شئت فسمها كما يقولون شطحات- ما يدل بظاهره على ان لهم منزلة فوق الربوبية, وان لهم مقاماً زائداً عن الألوهية (لو كان ثمة موضع لمزيد) وقريب من ذلك ما يقول به أر باب وحدة الوجود أو الموجود.
أما الشيعة الإمامية واعني بهم جمهرة العراق وإيران, وملايين المسلمين في الهند ومئات الألوف في سوريا والأفغان فان جميع تلك الطائفة من حيث كونها شيعة يبرؤون من تلك المقالات, ويعدونها من ابشع الكفر والضلالات وليس دينهم إلا التوحيد المحض, وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق, أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والإمكان والتغيير والحدوث, وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية, إلى غير ذلك من التنزيه والتقدير المشحونة به مؤلفاتهم في الحكمة والكلام من مختصرة أو مطولة.
وعلى أي حال فان الشيعة براء مما نسب إليها من الغلو, واما أهل المقالات في الغلو كالبيانية والمنصورية وغيرهم فان نسبتهم إلى الشيعة ظلم - وما اكثر الظلم للشيعة - وتهجم على أمة تدين لله بالوحدانية, ولمحمد بالرسالة, ولآله بالمودة.
وأستطيع الجزم بان هذه الأمور لم تخف على أولئك القوم الذين اصبحوا يتهجمون على الشيعة بالطعن في عقائدهم, إذ نسبوا إليهم هذه المقالات الفاسدة التي يقول بها الغلاة. نعم انهم يعرفون الأمر ولكن الحق مر لا يمكن ان تتقبله أذواقهم, ولقد أعجزهم الأمر عن مؤاخذة الشيعة والطعن في عقائدهم, عندما وجدوا طرق المؤاخذات أمامهم مغلقة فلا يستطيعون منها النفوذ إلى مقاصدهم, فالتجأوا إلى هذه الخرافات والأباطيل التي لا تثبت أمام التدقيق والتحقيق.
كيف يستطيعون مؤاخذة الشيعة ومنهم صحابة الرسول والتابعين لهم بإحسان: كأبي ذر الغفاري, وعمار بن ياسر, وجارية بن قدامة, وجابر ابن عبد الله الأنصاري, وحذيفة بن اليمان, وسلمان الفارسي, وصعصعة ابن صوحان, والمقداد الكندي وغيرهم.؟!!
ومن الغريب ان اكثر الكتاب قد نسبوا لأصحاب الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) تأثرهم بآراء ابن سبا, وأي طعن على الإسلام وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) اعظم من هذا بأن يسيطر يهودي على عقول أصحاب النبي ومن تأدبوا بآدابه, واليك ما كتبه بعض كتاب العصر الحاضر عند ذكره لعبد الله بن سبأ ونسبة ظهور التشيع إليه, إذ يقول:
ان هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء, وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء, واستكثر اتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة إلى ان يقول: وعني بالتأثير في أبناء الزعماء من قادة القبائل واعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح, فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلو من المتنطعين جماعات كان على رأسهم في الفسطاط الفاقعي بن حرب العتكي, وعبد الحمن بن عديس البلوي, وكنانة ابن بشر بن عتاب, وعبد الله بن زيد بن ورقاء الخز اعي, وعمر بن الحمق الخز اعي, وعروة بن النباع الليثي, وقتير السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابن سبأ في الكوفة عمرو بن الأصم, وزيد بن صوحان العبدي, والاشتر بن مالك بن الحارث النخعي, وزياد بن النضر الحارثي, وعبد الله ابن الأصم.
ومن البصرة حرقوص بن زهير السعدي, وحكيم بن جبلة العبدي, وذريح بن عباد العبدي, وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي, وابن المحرش.
أما المدينة فلم يندفع في هذا الأمر من أهلها إلا ثلاثة نفر, محمد بن أبي بكر, ومحمد بن حذيفة, وعمار بن ياسر(3).
هكذا يقول, ونبرأ إلى الله مما يقول, ليت شعري أي جرأة اعظم من هذه الجرأة على أصحاب الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) ووصفهم بهذه الصفة بأنهم مخدوعين بدعوة ذلك الشيطان, واستجابوا لما جاء به هذا اليهودي المزعوم, وهم خريجو مدرسة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ودعاة الحق واتباعه, ولكن الشيطان خدع هذا الكاتب فجاء بهذا الافتراء وهو (يجادل بغير علم ويتبع كل شيطان مريد. كتب عليه ان من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير).
ونحن نأمل من كتابنا الذين يكتبون لذات الحق ولا يميل بهم الهوى, ولا تستولي عليهم النزعات الطائفية, ان يوجهوا عنايتهم لإظهار الحقيقة عند دراستهم لقضية ابن سبأ بان يدرسوها دراسة مؤرخ لا يتحيز ولا يتعصب, ولا يقصد إلا خدمة العلم وإظهار الحق, ويقف موقف المدقق على مصادرها ورواتها والظروف التي أوجدتها, ليتضح له الأمر, ويتميز الحق من الباطل.
وأعود لاقول مؤكداً: ان قضية ابن سبأ أسطورة خرافية أوجدتها عدة عوامل للحط من تعاليم الإسلام والنيل من رجاله, بأنهم قد تأثروا بآراء رجل يهودي فأوردهم موارد الهلكة, من دون تميز وتفكير, إلى غير ذلك مما يؤدي إليه إيجاد هذه الخرافة من مناقضات.
الهوامش:
1- الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزيني ص 178.
2- خطط الشام ج 6 ص 251 - 256.
3- حملة رسالة الإسلام لمحب الدين الخطيب ص 23.