المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليم في عهد السلف



moKatel
08-05-2004, 08:56 PM
العملية التعلمية عملية مهمة، وذات أبعاد كثيرة في كل الأزمان، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين المجتمع، وتنشئة أجياله.
ونورد هنا لمحة مختصرة عن أهم ملامح التعليم في عهد سلفنا الصالح لكي نقتدي بها في عهدنا الحاضر، ولكي يعود إلينا عزنا السالف ومجدنا التليد، فلا سبيل لنا إلا العودة لما كان عليه سلفنا الصالح بالرجوع إلى ديننا الحنيف وتعاليمه، ننهل منها، ونتمسك بآدابه، ونعلمه أبناءنا، ونجعله نبراس حياتنا، ومنهاج سلوكنا، وهذا لا يتحقق إلا بعد أن نعتمد المنهج القرآني والنبويّ في العلم والتعلُّم والتعليم الذي عمل به سلفنا الصالح، فنتبناه ونطبقه، وكيفية المنهج لا يتسع المقام لذكره، ولكننا نكتفي بمقتطفات من معالمه ؛ ونذكر أهمها وهي:


أولاً:جعل مصدر علمنا ومرجعه وأساسه كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم باعتبارهما المصدرين الموثوقين المعصومين من كل خطأ ونقص

ثانياً: فهم الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح، مثل الصحابة والتابعين وتابعيهم، الذين أثنى عليهم القران، وزكّاهم النبي صلى الله عليه وسلم.


ثالثاً: إخلاص العلم لله سبحانه وتعالى، وجعله غاية سعينا ونهاية قصدنا.

رابعاً: البدء بترسيخ الإيمان في النفوس قبل تعلم الأحكام، وذلك بتعريف المتعلمين بربهم، وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وترسيخ تعظيمه، وتبجيله، وإجلاله، ورجائه، والخوف منه ومحبته في النفوس، والتذكير الدائم بالموت وأهوال القيامة، والجنة والنار والحساب، فالبدء بهذا الجانب من التعليم هو الذي يهيئ النفوس لتنفيذ أوامر الله، وهجر نواهيه، والاستقامة على أمره.
وهذه هي الطريق الحكيمة التي اتبعها القران الكريم في تربية وتعليم الجيلين الأول والثاني، وتوضح ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: " إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ( لا تشربوا الخمر ) لقالوا: ( لا ندع الخمر أبداً ) ولو نزل: ( لا تزنوا ) لقالوا: ( لا ندع الزنا أبداً ). لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) القمر: 46. وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده. رواه البخاري (4993)

خامساً: إجلال العلم واحترامه، وجعله عبادة يتقرب بها إلى الله، والنتيجة الطبيعية لهذا تعظيم العلماء والمعلمين واحترامهم، والتأدب معهم، لأنهم ورثة الأنبياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وخفض الصوت لديهم، وعدم التقدّم عليهم، وإلانة القول لهم، وحسن مخاطبتهم، فبذلك ينشرحون لبذل العلم لطلابهم وإفادتهم.

سادساً: اعتماد المنهج العلمي القائم على الدليل والحجة والبينة والقناعة، ونبذ التقليد والظنّ والوهم في التعليم، ولعل ذلك أهم ما جاء به الإسلام، فقد دعا الناس إلى التفكير والعلم وطلب الدليل. وقد أخذ السلف بهذا التوجيه الرباني الكريم.

سابعاً: جعل الهدف الأكبر من التربية والتعليم تكوين الشخصية المسلمة المستسلمة لأمر الله، هذه الشخصية التي تقر لله تعالى بالألوهية، وتسلك مسلك العبودية لله، فتوحده حق التوحيد، وتلتزم بأمره، وتتجنب نهيه، وتقوم بواجب الخلافة في الأرض، وتعتني بالدين والدنيا، وتعمل للدنيا والآخرة.

ثامناً: ربط الحقائق العلمية بالحقائق الإيمانية، وغرس العقيدة الصحيحة، وترسيخها في نفوس المتعلمين من خلال التعليم، وهذه طريقة القران في بناء العقيدة، حيث يعرض آيات الله في الكون والأنفس والآفاق، ويدعو الناس إلى التأمل والتفكير والوصول بذلك إلى الإيمان بالله تعالى وبقدرته وصفاته، خلافاً للمنهج العلماني الذي يعرض الحقائق العلمية مجردة من التوجيه، ويفصل بين العلم والدين، فيكون التعليم سطحياً ظاهرياً، لا يؤثر في السلوك، ولا ينشئ الإنسان الصالح، كما قال الله سبحانه وتعالى في وصف علم الكافرين: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) الروم: 7.

تاسعاً: أن يكون المعلم قدوة حسنة للمتعلم، وهذا أصل أصيل في التربية، أن تكون التربية والتعليم بطريق القدوة، وقد أمر بذلك الإسلام، وحذّر تحذيراً شديداً من أن يخالف فعل المرء قوله، وخصوصاً العالم، ونفَّر منه تنفيراً شديداً، وضرب للواقع في ذلك أقبح الأمثال بالحمار والكلب، قال الله سبحانه وتعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) الجمعة: 5، وقال: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) الأعراف: 175- 176.

moKatel
08-05-2004, 08:57 PM
عاشراً: الرفق بالمتعلّم والترحيب به وتشجيعه، وقد وردت النصوص الكثيرة في الأمر بذلك، وعدّهُ سبباً للنجاح والفلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه " رواه أحمد (23786) ومسلم (2594) وأبو داود (2487). وقال: ( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري (6024) ومسلم (2165) وغيرهما، وقبل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل: 125، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم طلاب العلم فقال: " سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه ابن ماجة (247)
ولذلك كان المعلمون والعلماء يخاطبون المتعلمين بأطيب الكلام، ويتواضعون لهم، ويحبونهم، ويحسنون معاملتهم، وكان المتعلمون يحبون المعلمين، ويأنسون بهم، ويحترمونهم ويجلونهم، ويحسنون الاستفادة منهم، فكان من ذلك أعظم الفوائد وأعظم النجاح.ومن الرفق بالمتعلم سلك المعلمون سبيل تبسيط المعلومات للمتعلم والتدرج فيها من السهل إلى الصعب، ومن البسيط إلى المركب وهكذا.


حادي عشر: تنويع الأساليب لتشويق المتعلم وجذب انتباهه وتركيز فكره لمتابعة الدرس، فمن ذلك استعمال أسلوب الاستفهام والحوار، وأسلوب القصص والأحداث، وأسلوب ضرب الأمثال، واستعمال الوسائل التعليمية المتيسرة، والأمثلة على ذلك في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف كثير وطيب.



هذه لمحة مختصرة عن أهم ملامح هذا المنهج الإسلامي الفريد في التربية والتعليم، والذي خرَّج أفضل جيل ظهر على وجه الأرض، فهلا جعلناه نصب أعيننا ووعيناه، وحرصنا على تطبيقه خلال قيامنا بهذه الوظيفة الخطيرة، وظيفة صنع الأجيال، لنعيد صياغة مستقبل أمتنا على نور وهدىً من الله.

كتبه : الشيخ/ محمد عيد العباسي .

والسلام عليكم