تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : معلومات عن الإسلام



سوليدس سنيك
15-05-2004, 04:49 PM
معلومات عن الإسلام:




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخواني اخواتي هذا الموضوع عن الإسلام ومعلومات عنه

وهذي المعلومات تتكون من 6 اقسام:

القسم الأول به فرعين

القسم الثاني به فرعين

القسم الثالث به 4 فروع

القسم الرابع به 3 فروع

القسم الخامس به فرعين

القسم السادس به 9 فروع

--------------------------------------------------
القسم الأول:
الفرع الأول:علوم القرآن
الحمد لله الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإن من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى على هذه الأمة، أن أرسل إليها رسوله محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بشيرًا ونذيرًا، ثم أنزل عليه هذا القرآن العظيم، وجعله هداية للناس ورحمة وشفاءً، وأمرهم بتلاوته وتدبره والعمل به، وكلمة "قرآن" في اللغة: مصدر مأخوذ من (قرأ) بمعنى القراءة والتلاوة، وهو عند الإطلاق -لا يختلف اثنان من المسلمين أن المقصود به- كلام الله تعالى الموجود بين دفتي المصحف المنقول إلينا نقلاً متواترًا المنزل على رسوله (صلى الله عليه وسلم) لهداية الناس.

نزول القرآن:

هذا القرآن العظيم أنزله الله على رسوله (صلى الله عليه وسلم) وقد ورد التصريح بذلك في القرآن العظيم يقول الله تعالى: كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد [ابراهيم:1] وقال تعالى: تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ويقول أيضًا: حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليمويقول:تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين.

والآيات كثيرة جدًا في هذا الأمر مبينة أنه مُنزّل من عند الله، وفي هذا تشريف لهذا القرآن وتكريم لهذا الكتاب وبيان لعلو منزلته.



كيفية نزوله:

نزل القرآن جملةً من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في الليلة المباركة وهي ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، وهذا ظاهر من قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن [البقرة:185] وقوله: إنا أنزلناه في ليلة مباركة [الدخان:3] وقوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر [القدر:1].

روى ابن جرير عن عبدالله بن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا جامع البيان ج15/258.

وما كان لعبدالله بن عباس (رضي الله عنه) أن يقول ذلك بمحض رأيه، أو من عند نفسه، وهذا هو التنزل الأول ثم أنزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) منجماً ومفرقاً في ثلاث وعشرين سنة من بعثته إلى وفاته (صلى الله عليه وسلم) حسب الوقائع والأحداث.

والمتأمل في نزول القرآن على هاتين الصفتين يتبين له بعض الحِكم.



فأما الحكمة من نزوله جملة واحدة فهي:

تفخيم أمر هذا القرآن العظيم وتعظيم قدر المنزل عليه وهو محمد (صلى الله عليه وسلم) خاتم الرسل وأشرف الخلق، وفيه أيضًا تكريم من ينزل عليهم وهم المسلمون، وفيه أيضًا تفضيل هذا القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية الأخرى وذلك بأن جمع الله له النزولين: النزول جملة والنزول مفرقًا.



وأما الحكمة من نزوله منجمًا:

فهي كثيرة وظاهرة، من ذلك تثبيت فؤاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما صرّحت بذلك الآية في قوله تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً [الفرقان:32]، فكلّما حزن الرسول (صلى الله عليه وسلم) على عدم إيمان قومه وكلما ازداد عنادهم له وإيذاؤهم إياه كان نزول الآيات عليه بين فترة وأخرى تذكرة، وتبصرة، وتقوي صلته بربه وتبين له صبر الأنبياء قبله، وتدعوه إلى التأسي بهم وفي هذا من تثبيت فؤاده ما لا يخفى.

وفيه من الحِكم أيضًا: تيسير حفظه وفهمه، فلو نزل جملة واحدة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكان في ذلك مشقة كبيرة والأمة أمية في جملتها لا تقرأ ولا تكتب، ولا شك أن نزوله منجمًا فيه تيسير لحفظه وفهمه وتسهيل للعمل به.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 04:52 PM
وفيه أيضًا من الحكم: التدرج في التشريع:

وهذا ما بينته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ تقول: "إنما نزل من القرآن أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً ..". وهكذا في بقية الأحكام وغالبًا ما يكون الإجمال في العهد المكي ثم التفصيل في العهد المدني.

ومن الحِكم أيضًا: الدلالات القاطعة على أن القرآن الكريم من عند الله العزيز الحكيم فنزول القرآن مفرقًا في نحو ثلاث وعشرين سنة على فترات مختلفة الآية أو الآيات ثم يجده القارئ متناسق الآيات والسور، لا تنافر فيه ولا تعارض يدل دلالة ظاهرة أنه من حكيم حميد.

هذه بعض الحِكم من نزول القرآن مفرقًا في هذه المدة وقد حرص الصحابة (رضي الله عنهم) على هذا القرآن العظيم فعلموا نزوله متى وأين، فعلموا منه ما نزل في مكة وما نزل في المدينة وما نزل في غيرهما من الأماكن التي ذهب إليها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلموا منه ما نزل في الليل وما نزل في النهار وما نزل في الحضر وما نزل في السفر وما نزل في الشتاء وما نزل في الصيف.

يقول عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) : "والله ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ومتى نزلت ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لأتيته"، ويقول أيضًا: "لقد أخذت سبعين سورة من في الرسول (صلى الله عليه وسلم)".

وهكذا كان اهتمامهم بالقرآن العظيم وقت نزوله وبعد نزوله.



خصائص القرآن العظيم :
لقد اختص الله هذا الكتاب العزيز بخصائص كثيرة، وليس من السهل أن نستوعب هذه الخصائص بالحديث عنها ولكن نشير إلى بعضها إشارة وجيزة.

فمن أهم هذه الخصائص:

أنه من عند الله عز وجل فلا ينسب إلا لله سبحانه وتعالى فيقال كلام الله ولذا في القرآن العظيم التصريح بأنه منزل من عند الله قال تعالى: تنزيل من رب العالمين [الواقعة:80] وقال تعالى: تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم [الزمر:1].

وقال تعالى: وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون [التوبة:6]، وغير ذلك من الآيات.

ومن خصائصه أيضًا، أنه نزل باللغة العربية كما بين الله ذلك في أكثر من آية من كتابه، فنزل على سبعة أحرف، كل منها كافٍ شافٍ.

فالقرآن هو الحجة التي أظهرها الله جل وعلا على يد نبيه (صلى الله عليه وسلم) وتحدّى الناس أن يأتوا بمثله أو بعشر سور منه أو بسورة من مثله وما استطاعوا ولن يستطيعوا ولو اجتمع الإنس والجن، ولم يدع المشركون سبيلاً للقضاء عليه إلا سلكوه فوصفوه بالسحر مع علمهم أنه ليس كذلك ووصفوه بالشعر مع علمهم أنه ليس كذلك ثم قالوا: "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" [فصلت:26]، وليس القرآن معجزًا بأسلوبه فحسب بل إعجازه أكبر من أن يحيط به أهل عصر. فهناك الإعجاز العلمي، والغيبي وغير ذلك مما يستجد ويظهر في جيل بعد جيل، وما زالت وجوه الإعجاز فيه تتجدد كتجدد الليل والنهار.

ومن خصائص هذا القرآن العظيم:

حفظ الله له، كما قال تعالى: إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر:26].

والقرآن وحده تعهد الله بحفظه أما الكتب قبله فقد أوكل الله حفظها إلى أهلها قال تعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء [المائدة:44]، ومع ذلك قام أهلها بتحريفها وتبديلها أما القرآن مع كثرة أعدائه، وحرصهم على تحريفه لم يستطيعوا زيادة حرف أو نقصانه، وهذا هو السر في قول الله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. ولذا أجمع المسلمون على أن طريقة أخذ القرآن هي التلقي من أفواه المشايخ وهذه هي الخاصية التالية ألا وهي:

اتصال السند وأخذه بالتلقي، فإذا كان القرآن الكريم اختص من بين سائر الكتب بأنه يتلقى مشافهة، ولا يكتفى بدراسته من المصاحف بدون معلم فإن هذا يعني اتصال سند كل مسلم برسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن جبريل عليه السلام عن ربه جل وعلا وبهذا يكون سند القرآن في كل عصر متصلاً برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وليس هذا لكتاب غير القرآن الكريم، فقد شرّف الله هذه الأمة باتصال سندها برسولها (صلى الله عليه وسلم). ومن خصائصه أيضًا: تيسير حفظه وتلاوته، وقد بيّن الله ذلك بقوله: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر [العَمر:17] قال مجاهد: هوّنّا قراءته.

وهذا جليّ لا يحتاج إلى بيان فهذا الأعجمي لا يعرف اللغة العربية لا نطقًا ولا معنى، ولا يخرج الحرف العربي من مخرجه سليمًا، تراه وهو يقرأ القـرآن فيرتله ترتيلاً، تخرج حروفه من مخارجها سليمة من حيث الفصاحة وسلامة النطق ثم تسمعه أيضًا يستظهر القرآن عن ظهر قلب من أوله إلى آخره.

إن هذا لمن أعجب الصور في تيسير القرآن العظيم، وصورة أخرى من هذا القبيل إذ تنظر إلى الصبي الذي لا يتجاوز العاشرة من عمره يتردد على حلقات تحفيظ القرآن الكريم فلا يلبث إلا زمنًا يسيرًا فإذا به قد حفظه وأجاد تلاوته واستقام به لسانه وحسن به نطقه بل هذب أخلاقه وليس هذا وحده بل الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة وقد بلغ في العمر مبلغًا تراه يستمع إلى قراءة القرآن عبر أشرطة الكاسيت فلا يمضي عليه زمن إلا وقد حفظ منه الشيء الكثير، ومثل هذا في جانب التلاوة فالتلاوة ميسرة في ذاتها وسهولتها وميسرة في وفرة المصاحف وكثرتها المقروء منها والمسموع كاملاً ومجزءاً، فيقرؤه المسلم في كل وقت وحين في مسجده ومنزله ومتجره ومكتبه وطريقه. وهذا تحقيق لقوله تعالى: ولقد يسّرنا القرآن .







يتبع

سوليدس سنيك
15-05-2004, 04:54 PM
وليست هذه خصائص القرآن الكريم فحسب بل هناك خصائص كثيرة يصعب حصرها في مثل هذه العجالة. فهو يفي بحاجات البشر مع عدم تصادمه مع الحقائق العلمية، وهو أيضًا ذو تأثير قوي في النفوس مع ما فيه من تأثير على الأمراض فهو شفاء ودواء من كثير من الأمراض النفسية والحسية، وفيه المتعة والأنس والسلوان في قراءته وترتيله فلا يُمل مع كثرة القراءة بل هو سبب من أسباب انشراح الصدر فهو أعظم الذكر والذكر يطمئن به القلب، وفي الآخرة يأتي شفيعًا لأصحابه الذين قضوا أوقاتهم في تعلمه وتعليمه وتعبدوا الله بتلاوتة، ومع هذا فهو سبب لرفع الدرجات وتكفير السيئات بما يترتب على قراءته من الأجر العظيم.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 04:57 PM
فضل تلاوة القرآن:

لقد أمرنا الله عز وجل بتلاوة هذا القرآن وتدبره والعمل به والتمسك بهديه، ووعد الذين يتلونه ويعملون به أجرًا عظيمًا ومنزلة عالية في الجنة فقال تعالى: إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور [فاطر:29-30].

وهناك آيات كثيرة آمرة بتلاوة القرآن العظيم كقوله تعالى: فاقرأوا ما تيسر منه [المزمل:20] وقوله: ورتل القرآن ترتيلا [المزمل:4].

وقد بيّن الرسول (صلى الله عليه وسلم) جزاء من قرأ القرآن وذلك بمضاعفة الأجروالترقي في درجات الجنان، وشفاعة القرآن لصاحبه، فمن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران".

وما رواه الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".

وهذا فضل عظيم، وأجر كبير لقارئ القرآن.

وتلاوة القرآن حلية لأهل الإيمان فالمؤمن الذي يقرأ القرآن طيب الظاهر والباطن كالأترجة ريحها طيب وطعمها طيب وتلاوة القرآن أعظم مـن كنوز الدنيا فخير الناس من تعلم القرآن وعلمه، وهذه بشارة عظيمة لمن تعلّم القرآن وعلّمه، ولا شك أن السلف الصالح (رضوان الله عليهم) أدركوا هذه الخيرية التي يتميز بها معلم القرآن ومتعلمه فحرصوا على بلوغها، فهذا أبو عبدالرحمن السلمي بقي يقرئ الناس القرآن في مسجد الكوفة أربعين سنة، فهنيئًا لأهل القرآن بهذا الفضل العظيم والمنزلة السامية.

وما ورد في فضل تلاوة القرآن العظيم شيء عظيم وأكثر من أن يحصر في مثل هذه العجالة.

ولذا كان السلف الصالح يختمون القرآن في كل شهر مرة ومنهم من يختمه في كل عشر ومنهم من يختمه في كل أسبوع.

فخير ما قضيت فيه الأوقات هو تلاوة القرآن العظيم وتدبره والتفكر في معانيه.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 04:58 PM
جمع القرآن:

لقد تكفل الله عز وجل بحفظ القرآن العظيم ووعد رسوله (صلى الله عليه وسلم) بجمعه له فقال تعالى: إنا علينا جمعه وقرآنه [القيامة:17].

والقرآن الكريم اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الكتب السابقة فاعتمد في طريقة نقله المشافهة والحفظ والكتابة والتدوين.

أما الحفظ والمشافهة فقد جمع القرآن على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) كثير من الصحابة كالخلفاء الأربعة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهم كثير، فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذا نزلت عليه الآيات تلاها على أصحابه وحفّظهم إياها فكان الصحابة يحفظون القرآن ولا أدل على ذلك من استشهاد حملة القرآن في بئر معونة وفي معركة اليمامة.

أما حفظه بمعنى كتابته وتدوينه فتم في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أيضًا يقول كاتب الوحي زيد بن ثابت:كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نؤلف القرآن من الرقاع، فكانوا يكتبون الآيات في العسب واللخاف والرقاع وغير ذلك مما هو متيسر من أدوات الكتابة آنذاك، فكتب القرآن كاملاً على عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه لم يكن مرتبًا كما هو الآن بين أيدينا لأن ترتيبه هذا كان معلومًا للصحابة (رضوان الله عليهم) في صدورهم ومحفوظهم.

أما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقد دعت الضرورة إلى كتابته وترتيبه بمحضر من حفظته لا سيما بعد استشهاد كثير من حملته من جهة ومن جهة أخرى دخول الناس في دين الله أفواجًا وهم لا يعرفون من القرآن شيئًا.

قال زيد بن ثابت: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال : إن القتل قد استحرّ بقراء القرآن وإني أخشى أن يسحّر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك رأي عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتتبع القرآن فاجمعه، والله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان عليّ أثقل مما أمرت به من جمع القرآن.

فقام به خير قيام وكان كما وصفه أبو بكر (رضي الله عنه) وهو مع ذلك ممن شهد العرضة الأخيرة والصحابة (رضوان الله عليهم) يعرفون ذلك. وكانت الكتابة على أعلى درجات الدقة والتوثيق فكان زيد لا يكتفي بما عنده ولا بما عند الصحابة أيضًا إلاّ بشهادة رجلين أنه كتب أمام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولهذه الشهادة فوائد جمة أعظمها التوثيق فيما يكتب، وانتهى العمل بكل اطمئنان وثقة، وكان مدة الجمع ما يقارب من عام ووضعت الصحف عند أبي بكر (رضي الله عنه) فلما توفي صارت إلى عمر (رضي الله عنه) فلما توفي صارت إلى حفصة رضي الله عنها حتى طلبها الخليفة عثمان (رضي الله عنه) فنسخ منها.

وكان عمل الصديق (رضي الله عنه) محل إكبار الصحابة (رضي الله عنه) كما قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : "أعظم الناس في المصاحف أجرًا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله".

وفي أيام الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) اتسعت الفتوحات الإسلامية وكان كل صحابي يعلم الناس بالحرف الذي أتقنه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكثر الخلاف بين المسلمين وكل يصحح قراءته دون الأخرى فراع ذلك بعض الصحابة كحذيفة بن اليمان حتى قال لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأدرك عثمان عِظم الأمر وقال للصحابة، اجتمعوا يا أصحاب محمد واكتبوا للناس إمامًا. فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقام عثمان بن عفان (رضي الله عنه) بإرسال نسخ منها إلى أقطار المسلمين.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 04:59 PM
وتميز هذا الجمع بـ:

ترتيب سور القرآن في كل المصاحف.
أنه لم يكتب إلا ما كان قرآنًا أما الكلمات التفسيرية فلم تكتب.
توحيد الرسم في النص القرآني لدى جميع الأمصار.
اتفق الصحابة رضي الله عنهم على هذا العمل وعدوه من مفاخر عثمان وحسناته، من ذلك قول الإمام علي (رضي الله عنه) لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ على ملءٍ منا.
وبهذا العمل جمع الله الأمة وسُمي مصحف الإمام فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا.




نهاية الفرع الأول من القسم الاول

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:05 PM
بداية الفرع الثاني من القسم الأول

الحمد لله رب العالمين فضّل شهر رمضان على غيره من الشهور واختصه بإنزال القرآن فيه، فرض صيامه وجعله من آكد أركان الإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فيقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183) أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (184) شهـر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون [البقرة:183-185].

صوم شهر رمضان المبارك هو الركن الرابع من أركان الإسلام وقد كتبه الله على هذه الأمة وقوله: (كتب) بمعنى فرض، فالصيام مفروض على هذه الأمة كما هو مفروض على من قبلها من الأمم وإن اختلفت كيفيته ووقته.

وقد فرض الصيام على هذه الأمة في السنة الثانية من الهجرة،وصام رسولنا (صلى الله عليه وسلم) تسعة رمضانات.

والصوم هو الإمساك عن المفطرات بنية خالصة لله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. أو هو الكف عما أمر الله بالكف عنه في وقت مخصوص، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ولا شك أن للصوم حكمًا عظيمة فمن هذه الحكم والفوائد:

أنه عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه بترك محبوباته من طعام و شراب ونكاح، لينال بذلك رضى ربه، وخالقه والفوز بدار كرامته، وهو بهذا العمل يقدّم محبوبات ربه على محبوبات نفسه.
ومن فوائده وحكمه: أنه سبب للتقوى إذا قام الصائم بصيامه، كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فبيّن سبحانه في هذه الآية أن الصيام سبب للتقوىـ والتقوى كلمة جامعة لكل خير، وهي فعل أوامره وترك مناهيه رجاءً لثوابه وخوفًا من عقابه. والصائم مأمور بتقوى الله جل وعلا وهي المقصود الأعظم بالصيام، ولذا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما صح عنه: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وقول الزور: كل قول محرم، والعمل بالزور: العمل بكل فعل محرم، والجهل السفه، وهو مجانبة الرشد في القول والعمل، فإذا حرص الصائم على صيامه وابتعد عن هذه الأمور حصلت له التقوى، وكان الصيام تربية لنفسه وتهذيبًا لأخلاقه وسلوكه، وكان سببًا في زكاة نفسه وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة.
ومن فوائد الصيام وحكمه أيضًا: أنه يرقق القلب ويلينه ويتخلى القلب للذكر والفكر.
ومن فوائده وحكمه أيضًا: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه حيث يسّر الله له كل ما يشتهيه من الطعام والشراب وغيره، فإذا امتنع عن ذلك في وقت مخصوص وحصل له جوع أو عطش تذكر بذلك من منع من ذلك على الإطلاق، فيوجب له ذلك شكر هذه النعمة ويحمله ذلك على مواساة أخيه المحتاج والإحسان إليه.
ومن فوائده الروحية: أنه يعوّد على الصبر ويمرّن نفسه على ضبطها والسيطرة عليها حتى يتمكن من قيادتها لما فيه خيرها وسعادتها في الدارين، ولا أدل على ذلك من ترك الصائم ما تشتهيه نفسه، وتطويعها لما أمر به.
ومن فوائد الصوم وحكمه: أن الصيام الخالص والصيام الحقيقي يورث في القلب حب الطاعة وبغض المعصية.
ومن فوائده أيضًا: أن الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر قوة الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) الصوم وِجَاء، لقطعه شهوة النكاح.
ومن فوائده أيضًا: ما يحصل من الفوائد الصحية الناتجة عن تقليل الطعام وتنظيمه وإراحة الجهاز الهضمي لفترة طويلة.
هذه أهم الفوائد والحِكم الظاهرة من الصيام.

تفسير الآية :

يقول تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين ومناديًا لهم بهذا النداء الحبيب إليهم *الإيمان* : يا أيها الذين آمنوا ثم يقرر لهم هذا الفرض وهو الصيام والمؤمن سامع مطيع كيف وهو منادى من خالقه وهاديه للإيمان فلا يسعه إلا السمع والطاعة.

ثم يبيّن أن هذا الصيام عبادة مكتوبة على الأمم السابقة والشيء إذا عمّ سهل فعله على النفوس وكانت طمأنينتها به أكثر فالصيام فريضة على جميع الأمم قبلنا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:08 PM
ثم يبيّن العلّة وهي : التقوى *لعلكم تتقون* إبرازًا للغاية العظمى من الصوم، فالتقوى هي ثمرة هذه العبادة العظيمة التي يؤديها العبد طاعة لله وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي الحارس للقلب والجسد بأكمله من إفساد هذه الطاعة فكلما همّ بما يفسده منعته تقواه من ذلك.

والتقوى لها منزلتها عند المؤمنين ويعرفون وزنها عند الله فهي مطمع لكل مؤمن والصوم يوصل إليها *لعلكم تتقون*.

ثم أيضًا كونه أيامًا معدودات. فليس الدهر كله بل هي أيام معدودة وهي شهر رمضان كما بيّنها في الآية الثانية *شهر رمضان* ومع قلة هذه الأيام المعدودة فقد أعفي من وجوب أدائِه المرضى حتى يصحّوا والمسافرون حتى يقيموا وهذا كله تحقيقًا لليسر، يقول تعالى: فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر.

والمريض إذا كان مرضه مزمنًا لا يرجى زواله فلا يلزمه الصوم ولكن يطعم عن صيام كل يوم مسكينًا لكل مسكين ربع صاع من البر الجيد ويحسن أن يكون معه إدام كلحم ونحوه.

وكذلك الكبير العاجز عن الصوم فيطعم عن كل يوم مسكينًا، أما المريض الذي يرجى زوال مرضه فإن كان لا يشق عليه الصوم ولا يضره فيجب عليه الصوم، وإن كان يشق عليه الصوم فيكره صومه وإن كان يضره الصوم فيحرم عليه الصوم، ويبقى في ذمته حتى يعافى ويقضي ما فاته أثناء مرضه.

ثم يقول تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ...

أي وعلى الذين يستطيعون الصوم إن أفطروا إعطاء فدية والصوم خير من الفدية.

وكان هذا في أول الإسلام عندما فرض عليهم الصيام ولم يتعودوه بهذه الكيفية فـرخّص لهم في الإفطار والفدية لمن شاء ومن شاء صامه روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآيةوعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكينكان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها فهي رخصة في أول الأمر فرفعت هذه الرخصة عن الصحيح المقيم، وبقيت للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ولا ترجى له حالة يكون فيها قادرًا على الصيام كما فعل أنس بن مالك (رضي الله عنه) في آخر عمره عندما كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي عامًا أو عامين.

ثم يقول تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ..

وهذا تحبيب وترغيب في أداء هذه الفريضة وهو بيان للأيام المعدودات بأنها شهر رمضان.

وقوله أنزل فيه القرآنفقد نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان.

وهذا القرآن كلام الله الجليل الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم إلى أحسن الطرق وأقومها.

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم فهو رشاد للناس إلى سبيل الحق وقصد المنهج، وهو مع ذلك آيات بينات واضحات من الهدى والبيان الدال على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه والفصل بين الحق والباطل.

فمن شهد منكم الشهر فليصمه فمن كان حاضرًا مقيمًا في البلد حين دخول الشهر وهو صحيح في بدنه فعليه الصوم، أما من كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وهذه رخصة لمن هذه حاله وأعيد ذكر هذه الرخصة مرة ثانية لئلا يفهم من قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقوله قبلها : وأن تصوموا خير لكم أن الصوم حتم لا تتناوله الرخصة بوجه.

وهذا كله من إرادة الله اليسر بهذه الأمة: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.

وهذا من فضل الله علينا، ورحمه بهذه الأمة في التكليف وهذه هي القاعدة في تكاليف هذا الدين أنها ميسرة لا عسر فيها فالمسلم الذي يؤدي هذه التكاليف يحس برحمة الله وإرادته اليسر والخير بعباده المؤمنين يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.

ثم يقول تعالى: ولتكملوا العدة أي إنما أمر بالقضاء لتكملوا عدة الشهر فلا يضيع الأجر على من كان مريضًا أو مسافرًا.

ثم أمر الله جل وعلا بتكبيره وشكره وحمده على هدايته وقد أمر جل وعلا بذكره عند انقضاء كل عبادة ففي الحج قال: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا.

وبعد صلاة الجمعة قال: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون، ولهذا أخذ كثير من العلماء مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الآية: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم.

وقوله: لعلّكم تشكرون أي إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه وترك محارمه وحفظ حدوده فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين.

فتشكرون الله على هذه النعمة،نعمة أداء هذه الفريضة ونعمة التقوى ونعمة إتمام الصوم وتكبير الله في آخره، ونعمة اليسر في أداء هذه العبادة فهي نعم تترى على المسلم تستلزم الشكر لمسديها.

ومن فوائد هذه الآيات :-

-أن صيام شهر رمضان واجب على الأمّة.
-أن الصيام سبب لتقوى الله.
-إباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر، وأنه يجب عليهما القضاء بعدد الأيام التي حصل فيها الفطر.
-أن من أفطر في أيام رمضان بعذر فعليه القضاء ولا يشترط فيه التتابع لقوله تعالى: فعدة من أيام أخر ولم يشترط التتابع أو المبادرة بهن بعد زوال العذر مباشرة.
-فضل شهر رمضان وتخصيصه بابتداء إنزال القرآن فيه لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
-يؤخذ من هذه الآيات : يسر الإسلام وسماحته في جميع تكاليفه، حيث لم يكلف أحدًا ما لا يطيق.
-مشروعية التكبير بعد إكمال العدة للشهر.
-وجوب شكر الله على نعمه بالتوفيق للصيام وأعمال الخير الأخرى.





نهاية الفرع الثاني من القسم الأول وأيضًا نهاية القسم الأول

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:25 PM
القسم الثاني:1-الحديث وعلومه :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:

فتعتبر علوم الحديث النبوي الشريف من العلوم الإسلامية الهامة، يؤكد ذلك نصوص القرآن ونصوص السنة وإجماع الأمة، وأن جميع المسلمين ينظرون إلى الحديث النبوي الشريف نظرة توقير وتبجيل، باعتبار أنه المصدر الثاني للتشريع، بعد القرآن الكريم. ويتفق جميع المشتغلين بعلوم الحديث النبوي على تعريف الحديث بأنه:

"أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخِلقية، والخُلقية"

والمراد من "أقواله": كل ما نُسِب إليه (صلى الله عليه وسلم) أنه تلفظ به، مهما كان موضوع هذا التلفظ؛ في العقائد أو الأحكام أو الآداب العامة، أو في صفات الجنة أو النار، أو غير ذلك. مثل قول الصحابي: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها".

والمراد من "أفعاله" : مـا نٌسِب إليه (صلى الله عليه وسلم) أنه فعله أو عمله، مثل وصف الصحابي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه "كان إذا صلّى فرّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه".

والمراد من "تقريراته" (ومفردها تقرير): أن يقول الصحابي قولاً أو يفعل فعلاً أمام النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو في غيبته ويُخبر به، فيسكت عن ذلك القول أو الفعل، ولايعترض عليهما، فيعتبر هذا السكوتُ موافقةً منه على ذلك الفعل أو القول، لأن المعروف عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يُقِرّ أحدًا على قولٍ أو فعلٍ لم يرضَ عنه. ومن أمثلة تقريراته لأقوال الصحابة؛ إقراره أشعارَ حسّان بن ثابت (رضي الله عنه) التي كان يهجو بها مشركي قريش، وإقرارُه تعليم أبي بكر الصديق حسانًا أنساب قريش لينظمها له شعرأً. ومن تقريراته لأفعال الصحابة؛ إقرارُه عائشة على اللعب بالبنات (وقد كانت تصنع هذه الألعاب من الخرق وقطع القماش على صورة بنات)، ومنها إقرارُه أكل الضب على مائدته.

والمراد من "صفاته الخَلقية": هيئته (صلى الله عليه وسلم) التي خلق عليها، مثل لون بشرته، ونعومة ملمسه، ومقدار طوله (صلى الله عليه وسلم).

والمراد من "صفاته الخُلُقِيَّة": ما كان فيـه مـن الأخلاق الكريمة، والسجايا الحميدة -وكل أخلاقه من هذا القبيل- مثل شدّة حيائه، وكثرة تواضعه، وعطفه على الفقراء والأرامل واليتامى، وشجاعته وكرمه.

تدوين الحديث الشريف:

تدلنا نصوص كثيرة على أن كتابة الحديث النبوي بدأت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأنها كانت بعلمه، بل بأمره في بعض الأحيان.

فقد ثبت عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: "ما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أكثر حديثا عنه منـي إلا مـا كان مـن عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب". وقد تحدّث عبد الله بن عمرو عن كتابته للحديث فقال: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أريد حفظه، فنهتني قريشٌ فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشر، يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرتُ ذلك لرسـول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق". وسمّى عبد الله بن عمرو صحيفته التي جمع فيها كتابته هذه "الصادقة"، واشتهرت هذه التسمية بين أهل العلم .
وأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالكتابة لأبي شاه، وهو رجل من أهل اليمن لم يستطع أن يحفظ تفصيلات إحدى خطب النبي (صلى الله عليه وسلم) فطلب أن تكتب له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "اكتبوا لأبي شاه".
ومنها أنه أمر بكتابة رسائل كثيرة، لعدد من الملوك وزعماء القبائل في عصره يدعوهم إلى الإسلام، منها: رسالة إلى كسرى (ملك فارس)، وأخرى إلى هرقل (عظيم الروم)، وثالثة إلى المقوقس (ملك مصر).
وأنه (صلى الله عليه وسلم) أمر بالكتابة إلى الضحاك بن سفيان الكلابي أن يُورِّثَ امـرأة أشيم الضباني من ديته.
ودعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأديم -وعلي بن أبي طالب عنده- فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه (الأديم هو الجلد والأكارع هي امتداد الجلد من ناحية الأرجل).
فهذه النصوص وغيرها تثبت أن كتابة الحديث بدأت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . ولما توفي (صلى الله عليه وسلم) استمر الصحابة في كتابة الحديث، وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه: "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" اثنين وخمسين صحابيًا كتبوا الحديث، وأنه كان لبعضهم عدد من التلاميذ، كتبوا عنهم صحفًا حديثية. أما في عصر التابعين، فتوسعت دائرة الكتابة جدًا، حتى أحصى الدكتور الأعظمي فـي كتابه المتقدم مائة وواحدًا وخمسين تابعيًا، كان كل منهم يجمع الحديث ويكتبه ويمليه على تلاميذه. واستمر التوسع في كتابة الحديث حتى النصف الثاني من القرن الثاني حيث بدأت تظهر المصنفات الحديثية.

ومن الجدير بالذكر أن يقال هنا: إن تدوين الحديث من قِبَل الصحابة ومَن بعدهم كان تدوينًا فرديًا خاصًا. أما التدوين الرسمي أي تدوين الحديث بأمر من رئيس الدولة، فقد كان في عهد عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي، (كانت ولايته من سنة 99 إلى سنة 101هـ)، حيث وجّه كتبًا إلى عماله وولاته يطلب منهم الاهتمام بالعلماء، ويجمع حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وكان ممن أكّد عليهم بهذا الطلب عامله على المدينة أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم (توفي سنة 117هـ)، وعالم المدينة في زمنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (توفي سنة 123هـ). وكان غرضه حفظ العلم ونشره، خوفًا من ضياعه وموت أهله.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:28 PM
وقد ذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابيه "الوجيز في علوم الحديث" و "المختصر الوجيز في علوم الحديث" أن التدوين الرسمي كان أسبق من ذلك، وأنه كان في عهد والي مصر عبد العزيز بن مروان (توفي سنة 85هـ) وهو والد عمر، وأنه كان قد تنبه إلى أهمية تدوين أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكتب إلى كثير بن مُرّة الحضرمي *أحد أعلام التابعين* يطلب منه أن يكتب ما سمعه من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) من أحاديث نبوية.

وفي النصف الأول من القرن الهجري الثاني بدأ ظهور المصنفّات الحديثية، واختلف العلماء في تحديد أول من صنّف، لعدم وجود معلومات صريحة في ذلك، إذ كانت سنوات وفيات أصحاب هذه المصنفات متقاربة.

ثم توالت المصنفات بالظهور تباعًا من النصف الثاني من القرن الهجري الثاني حتى كان القرن الهجري الثالث،وهو عصر الازدهار في المؤلفات الحديثية، إذ تنوعت فيه المؤلفات الحديثية وتعددت مظاهرها، وصارت ألوان التأليف وطرائقه واضحة مشهورة. فمن العلماء من ألّف على طريقة الموطآت، ومنهم من ألف على طريقة المسانيد، ومنهم من ألّف على طريقة الأبواب والموضوعات، أو على طريقة المعاجم والأمالي والفوائد والأجزاء … إلى غير ذلك من طرائق التأليف. وكان أبرز المصنفات الحديثية الكتب الستة، وهي: "الجامع الصحيح" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (توفي سنة 256هـ)، و "الجامع الصحيح" لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (توفي سنة 261هـ)، وكتب "السنن" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، (توفي سنة 275هـ)، ولأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (توفي سنة 279هـ)، ولأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (توفي سنة 303هـ)، ولابن ماجه أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني (توفي سنة 275هـ).

ويعتبر الكتابان الأولان "الجامع الصحيح" للبخاري و"الجامع الصحيح" لمسلم أصح كتابين بعد القرآن الكريم، لأن مؤلفيهما اشترطا لإخراج الأحاديث فيهما شروطًا خاصة لم تتوفر في غيرهما من المؤلفات. والبخاري مقّدم على مسلم في قوة هذه الشروط.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:30 PM
ومن مظاهر عناية المحدثين بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن قامت علوم مستقلة، احتوى كل علم منها على مؤلفات كثيرة جدًا، وعلى دراسات مهمة حول دقائق المسائل، خدمة لعلوم الحديث.

منها: "علم الجرح والتعديل"، وهو علم اهتم بدراسة أحوال الرواة، ومعرفة سنوات ولادتهم، وسنوات وفياتهم، وأسماء شيوخهم وتلاميذهم، ورحلاتهم، ودرجات ضبطهم لمروياتهم، وغير ذلك من الصفات، التي تقتضي قبول أو رد الأحاديث التي رووها.

ومنها: "علم علل الحديث"، وهم علم يهتم بدراسة الأسباب الخفية التي تؤدي إلى ضعف الحديث، مع أن ظاهر الحديث الصحة والسلامة.

ومنها: "علم غريب الحديث" ويهتم ببيان معاني الألفاظ الغامضة المعنى، الواقعة في متون الأحاديث.

ومنها: "علم ناسخ الحديث ومنسوخه"، والنسخ هو (رفع الشارع حكمًا متقدمًا بحكم منه متأخر). فموضوع علم ناسخ الحديث ومنسوخه، منصب على جمع ودراسـة الأحاديث المتعارضة التي لا يمكن التوفيق بينها، فيلجأ حينئذٍ لمعرفة المتقدم زمنًا منها وهو المنسوخ، والمتأخر زمنًا وهو الناسخ.

ومن الجوانب المشرقة في الدراسات الحديثية، ما قام به المحدثون من وضع ضوابط لتمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، وهو ما عرف بـ "علم أصول الحديث" أو "علم مصطلح الحديث". والغرض منه معرفة ما يقبل من الأحاديث وما يردّ. وهذا يحتاج إلى شيء من البيان:

قسّم العلماء الأحاديث، تبعًا لغرض معرفة ما يقبل منها وما يردّ، إلى ثلاثة أنواع:

أولاً: الحديث الصحيح: وهو الحديث المسند المتصل برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة قارحة.

والمراد من "المسند" : أن يكون منسوبًا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومعنى "المتصل" : أن يكون كل راوٍ من رواته قد تلقاه من شيخه، والمراد من "العدل": المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة. أما "الضابط" فيراد به: أن يكون الراوي متقناً لروايته، فإن كان يروي معتمدًا على ذاكرته لا بد أن يكون حفظه قويًا، وإن كان يروي معتمدًا على كتابه، فلا بد أن يكون كتابه متقنًا وأن تكون قراءته منه سليمة، وأن يعرف عنه محافظته على كتبه.

فإذا توفرت العدالة في راوٍ وصف بأنه "ثقة".

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:34 PM
وحتى يكون الحديث صحيحًا لا بد أن تتوفر صفتا العدالة والضبط في كل راوٍ من رواته من بداية الإسناد إلى نهايته. والمراد من "الشذوذ": مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه. أما "العلة" فهي السبب الخفي الذي يقدح في صحة الحديث، مع أن ظاهر الحديث السلامة من مظاهر الضعف. وغالبًا ما تعرف "العلة" بجمع الأسانيد التي رُوي بها الحديث الواحد، وبمقابلة بعضها ببعض لاكتشاف ما وقع فيه بعض الرواة من أخطاء مع كونهم ثقات. وقد تعرف "العلة"، بتصريح من العالم الناقد الخبير بوجود غلط في حديث ما، ولا يبدي أسباب هذا الغلط ويكون تصريحه مبنيًا على المعرفة الواسعة في هذا العلم والخبرة الطويلة في جمع الأحاديث والملكة القوية في معرفة المتون واختلاف ألفاظها، وإلمام كبير بأحوال الرواة.

ويلاحظ أن مدار صفات الحديث الصحيح على ثلاثة أمور:

أحدها: اتصال السند.

ثانيها: توثيق الرواة.

ثالثها: عدم المخالفة.

فإذا رُوي حديث بإسناد متصل، وكان جميع رواته ثقات، ولم يكن مخالفاً لأحاديث أقوى منه، وصفه العلماء بالحديث الصحيح. ويسميه بعضهم "الصحيح لذاته".

والأحاديث الصحيحة متفاوتة في قوتها، تبعاً لقوة رجالها، ويطلق على أقواها اسم "سلاسل الذهب".

والحديث الصحيح يحتج به العلماء ويعتمدون عليه في إثبات الأحكام، والعقائد وجميع أمور الشريعة.

ثانيًا: الحديث الحسن: وهو مثل الحديث الصحيح في اشتراط جميع الصفات المتقدمة، إلا صفة الضبط، حيث يعتبر المحدثون أن درجة ضبط رواة الحديث الحسن تقصر عن درجة ضبط رواة الحديث الصحيح. فراوي الحديث الصحيح تام الضبط، وراوي الحديث الحسن ضبطه أخف. ويقال للحسن إذا كان كذلك: "الحسن لذاته"، وهو في الاحتجاج به والاعتماد عليه كالصحيح.

ثالثًا: الحديث الضعيف: وهو الحديث الذي لم تتوفر فيه أي صفة من صفات الحديث الصحيح، أو الحديث الحسن. وهو على أنواع كثيرة تبعًا لعدم تحقق هذه الصفات، فقد يكون ضعيفًا لعدم اتصال السند: كما في الحديث المرسل والمعلق والمنقطع والمعضل والمدلس، وغيرها.

والحديث المرسل: هو الذي يرويه التابعي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتابعون هم الذين لقوا أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وأخذوا العلم عنهم. فالسقط فيه في آخر السند بعد التابعي.

والحديث المعلق: هو أن يروي المصنِّف حديثًا يُسقط منه شيخًا أو أكثر من أول الإسناد.

والحديث المنقطع: هو أن يسقط أحد الرواة من الإسناد في غير الموضعين المتقدمين.

والحديث المعضل: أن يسقط من رواته اثنان متتاليان.

والحديث المدلس: أن يروي الراوي عن شيخه الذي لقيه أحاديث لم يسمعها منه مباشرة، بلفظ موهم سماعه منه، فيظن تلاميذه أنها متصلة وأنه سمعها من شيوخه ولاتكون كذلك.

وقد يكون ضعيفًا لمخالفة رواية رواة آخرين ثقات كما في الحديث الشاذ والمنكر والمضطرب والمدرج والمقلوب والمعل وغيرها.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:37 PM
فأما الشاذ: فهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.


وأما المنكر: فهو مخالفة الضعيف للثقة. فالمنكر اجتمعت فيه صفتان من صفات الضعف: ضعف راويه، ومخالفته الثقات.

وأما المضطرب: فهو أن يُروى الحديث الواحد بأكثر من طريق، أو بأكثر من لفظ، يخالف بعضه بعضًا، ولا يمكن الجمع بينها، كما لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، بأي وجه من وجوه الترجيح.

والمدرج: وهو أن يُزاد في متن الحديث ما ليس منه. فيظن من يسمع الحديث أن هذه الزيادة من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وليست كذلك.


والمقلوب: وهو الحديث الذي وقع تغيير في متنه أو سنده، ويضرب المثل في توضيح ما وقع القلب في متنه، بالحديث المشهور الذي ذكر فيه السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيه (رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، فهذا رواه بعض الرواة فقلبه فقال: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله). ومن أمثلة القلب في الإسناد: أن يقلب الراوي اسم أحد رجال السند، فيقول: عمـار بن هشام، والصحيح فيه هشام بن عمار.

والمعل: هو الحديث الذي وُجدت فيه علة تقدح في صحته، مع أن ظاهر الحديث سلامته منها، وقد تقدم تعريف العلة.

وقد يكون الضعف بسبب عدم توفر العدالة والضبط في راوٍ أو أكثر من رواة الحديث. كما في الحديث المتروك أو الموضوع.

فالحديث المتروك: في رواته من يُتهم بالكذب، أو من كان شديد الضعف.

والحديث الموضوع: فـي رواته كـذّاب، لـذا اعتبره العلماء مكذوبًا مختلقًا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وكما يقرّر العلماء أن الأحاديث الصحيحة ليست على درجة واحدة من القوة، تبعًا لقوة ضبط الرواة، وطول ملازمتهم لشيوخهم، فإنهم يقررون أيضًا، أن الأحاديث الضعيفة تتفاوت، فمنها ما هو شديد الضعف، ومنها ما هو يسير الضعف.

وقد وضع علماء الحديث ضوابط تمييز الضعف اليسير من الضعف الشديد، ليس هذا موضع بسطها. لكن الجدير بالذكر هنا أن الحديث إذا كان ضعفه يسيرًا وجاء بإسناد آخر، أو أكثر، وكانت قريبة منه في ضعفها، فإن ضعفه يزول بمجموع طرقه ويرتقي إلى درجة الحسن ويطلق عليه "الحسن لغيره" لتمييزه عن الحديث "الحسن لذاته" الذي تقدم الكلام عنه.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:40 PM
وما يجدر ذكره أيضًا، أن الحديث "الحسن لذاته" إذا جاء بإسناد حسن لذاته آخر، فإنه يتقوى ويرتقي إلى درجة الصحيح لكن يطلق عليه "الصحيح لغيره"، لتمييزه عن الصحيح المتقدم ذكره.

السنة النبوية :

تستخدم كلمة "السنة" عند المحدثين، وعند علماء أصول الفقه، وعند الفقهاء، وكل منهم يريد معنى لها غير الذي يريده الآخرون. تبعًا لاختلافهم في الأغراض التي يعتنون بها في علومهم، فأكثر المحدثين يريدون بها (ما نسب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، من أقوال أو أفعال أو تقريرات أو صفات خِلقية أو خُلقية)، فهي بهذا التعريف موافقة للحديث النبوي ومرادفة له.

ويريد علماء أصول الفقه: (ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) -غير القرآن- من قول -ويسمى "الحديث" عندهم- أو فعل، أو تقرير).

ويريد الفقهاء بها: (كل ما ثبت عن النبي(صلى الله عليه وسلم) ولم يكن من باب الفرض والواجب).

وغالبًا ما ترتبط كلمة السنة بالقـرآن الكريم، وينظر إليهما علـى أنهما مصدرا التشريع: القرآن هو المصدر الأول، والسنة هي المصدر الثاني.

ولم يكن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يفرقون في التلقي بين القرآن والسنة، باعتبار أنهم يسمعون القرآن والسنة من شفتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيلتزمون بما يصدر عنه (صلى الله عليه وسلم). لكن في عهد التابعين ومن بعدهم، صار التحري عن صحـة الأسانيد التي تروى بها السنة، بخلاف القرآن الذي روي بالتواتر فكان قطعي الثبوت. فمـا وجد من سنة ثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، التزموا بالعمل بها، وما كان من سنة غير ثابتة عنه، لم يلتزموا بالعمل بها. فمدار العمل بالسنة إذن مبني على ثبوتها.

ولا يختلف علماء الإسلام في أهمية السنة النبوية في التشريع الإسلامي، وأنها في المرتبة الثانية في التشريع بعد القرآن الكريم. وهم ينظرون إليها على أنها:

مؤكدة لأحكام وردت في القرآن الكريم، مثل: وجوب الصلاة والزكاة والحج، وغير ذلك. فهذه الأحكام ثبت وجوبها في القرآن وفي السنة النبوية.
أو مبيّنة وشارحة لآيات وردت في كتاب الله. وقد تكون الآيات في القرآن مجملة فتفسرّها السنة النبوية وتبينها، أو تكون الآيات مطلقة فيأتي تقييدها في السنة. أو تكون الآيات عامة فتخصصها السنة. ومن أمثلة ما جاء مجملاً في القرآن الكريم وبينته السنة: الأمر بالصلاة والزكاة والحج وغيرها، جاءت دون تفصيل في عدد الركعات في كل صلاة، ودون بيان لكيفية السجود والتشهد، ودون تفصيل في مقادير الزكاة، والأنصبة في الأموال التي تجب فيها الزكاة، ودون تفصيل في كيفية الطواف والسعي والرمي، وغير ذلك. فجاءت السنة وبيّنت كل ذلك ووضّحته.
ومن الأمثلة على ما جاء في القرآن مطلقًا وقيّدته السنة، قول الله -عزّ وجلّ-: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما. فقيدت السنة القطع بكونه من مفصل الكف.

ومن الأمثلة على ما جاء في القرآن عامًّا وجاء في السنة تخصيصه: قول الله –عزّ وجلّ-: يوصيكم الله في أولادكم آية الميراث. فهذا عام في أن كل ولد يرث من والده، لكن ورد في السنة ما يخصص هذا الحكم بغير القاتل، لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "القاتل لا يرث".

أن تكون السنة مثبتة لحكـم لم يرد في القرآن الكريم، مثل الحكم بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها. أو حرمة أكل كل ذي ناب من السباع، ومِخلب من الطير، أو حرمة لبس الحرير والذهب على الرجال. فهذه الأحكام وغيرها لم ترد في القرآن الكريم وإنما وردت في السنة النبوية. لذا فالسنة تستقل بالتشريع وتنشئ أحكامًا جديدة.


نهاية الفرع الأول من القسم الثاني

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:44 PM
الفرع الثاني من القسم الثاني: متن الأربعين النووية للإمام النووي :

الحديث الأول:

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجـر إليه". (رواه إماما المحدّثين: أبو عبدالله محمـد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة).

الحديث الثاني:

عن عمر (رضي الله عنه) أيضاً قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمّد أخبرني عن الإسلام؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً"، قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، ثم انطلق. فلبثت ملياً، ثم قال: "ياعمر أ تدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم". (رواه مسلم)

الحديث الثالث:
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "بني الإسلام على خمسٍ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث الرابع:

عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: حدّثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكَتْب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحد كم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". (رواه البخاري ومسلم)

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:46 PM
الحديث الخامس:

عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (رواه البخاري ومسلم)

وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

الحديث السادس:

عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث السابع:
عـن أبي رقية تميم بن أوس الداري (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "الدين النصيحة"، قلنا لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". (رواه مسلم)

الحديث الثامن:

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث التاسع:

عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث العاشر:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إن الله تعـالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟". (رواه مسلم)

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:48 PM
الحديث الحادي عشر:

عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وريحانته رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". (رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح)

الحديث الثاني عشر:

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه". (حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا)

الحديث الثالث عشر:

عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث الرابع عشر:

عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث الخامس عشر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث السادس عشر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : أوصني، قال: "لا تغضب"، فردّد مراراً، قال: "لا تغضب". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث السابع عشر:

عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة؛ وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته". (رواه مسلم)

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:50 PM
--------------------
نسيت اقول اللي يبي يرد, يرد بعد مااخلص أي قسم

====
اهم شيء انه مايرد وانا اكتب فرع او قسم

-------------------

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:52 PM
الحديث الثامن عشر:

عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". (رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح)

الحديث التاسع عشر:

عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي (صلى الله عليه وسلم) يوماً، فقال لي: "يا غلام إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفـظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لـم ينفعـوك إلا بشيء قـد كتبـه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف". (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح)

وفي رواية غير الترمذي: "احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً".

الحديث العشرون:

عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت". (رواه البخاري)

الحديث الحادي والعشرون:

عن أبي عمرو، وقيل أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم". (رواه مسلم)

الحديث الثاني والعشرون:

عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: "أن رجلاً سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أرأيت إذا صلّيت المكتوبات، وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرّمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئاً أدخل الجنة ؟ قال: نعم". (رواه مسلم)

ومعنى حرّمت الحرام: اجتنبته، ومعنى أحللت الحلال: فعلته معتقداً حلّه.

الحديث الثالث والعشرون:

عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها". (رواه مسلم)

الحديث الرابع والعشرون:

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه -عزّ وجلّ- أنه قال: "ياعبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّماً؛ فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكـم عارٍ إلا مـن كسوته؛ فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني؛ فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه". (رواه مسلم)

الحديث الخامس والعشرون:

عن أبي ذر رضي الله عنه أيضاً: أن ناساً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قالوا للنبي (صلى الله عليه وسلم) : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؛ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟‍ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر". (رواه مسلم)

سوليدس سنيك
15-05-2004, 05:55 PM
الحديث السادس والعشرون:

عـن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة". (رواه البخاري ومسلم)

الحديث السابع والعشرون:

عن النواس بن سمعان رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "البر حسن الخلق، والإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس". (رواه مسلم)

وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "جئت تسأل عن البر؟ قلت نعم، قال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك". (حديث حسن رويناه في مسندي الإمامين: أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن)

الحديث الثامن والعشرون:

عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظَنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع، فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". (رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح)

الحديث التاسع والعشرون:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لاتشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: كفّ عليك هذا، قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)

الحديث الثلاثون:

عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " إن الله تعالى فرض فرائض فلاتضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها". (حديث حسن رواه الدارقطني وغيره)

الحديث الحادي والثلاثون:

عـن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس". (حديث حسن، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة)

الحديث الثاني والثلاثون:

عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا ضرر ولا ضرار". (حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فأسقط أباسعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضاً)

الحديث الثالث والثلاثون:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر". (حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين)

الحديث الرابع والثلاثون:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". (رواه مسلم)

الحديث الخامس والثلاثون:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولاتباغضوا، ولاتدابروا، ولايبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولايخذله، ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه". (رواه مسلم)

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:00 PM
الحديث السادس والثلاثون:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من نفّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه". (رواه مسلم بهذا اللفظ)

الحديث السابع والثلاثون:

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئةً واحدةً". (رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف)

الحديث الثامن والثلاثون:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته في الحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولايزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه". (رواه البخاري)

الحديث التاسع والثلاثون:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". (حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما)

الحديث الأربعون:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك". (رواه البخاري)

الحديث الحادي والأربعون:

عن أبي محمد عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به". (حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح)

الحديث الثاني والأربعون:

عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة". (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح)

نهاية الفرع الثاني من القسم الثاني وأيضًا نهاية القسم الثاني


=========================

اللي يبي يرد يرد :)

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:17 PM
خلاص لا احد يرد بكمل :)

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:24 PM
القسم الثالث:العقيدة الإسلاميه :1- التوحيد ومعناه واقسامه:

التوحيد: هو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وهو دين الرسل كلهم -عليهم الصلاة والسلام- الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، ولا تصح الأعمال إلا به، إذ هو أصلهـا الذي تُبنى عليه.

أقسام التوحيد:

ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفا ت، وتوحيد الألوهية.

1. توحيد الربوبية:

وهو الإقرار بأن لا رب للعالمين إلا الله الذي خلقهم، ورزقهم، وهذا النوع من التوحيد قد أقر به المشركون الأوائل، فهم يشهدون أن الله هو الخالق، والمالك، والمدبر، والمحيي، والمميت وحده لا شريك له، قال تعالى: ولئن سأ لتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون [العنكبوت: 61].

ولكن إقرارهم هذا وشهادتهم تلك لم تدخلهم في الإسلام، ولم تنجهم من النار، ولم تعصم دماءهم وأموالهم، لأنهم لم يحققوا توحيد الألوهية، بل أشركوا مع الله في عبادته، بصرفهم شيئاً منها لغيره.

2. توحيد الأسماء والصفات:

وهو الإيمان بأن لله تعالى ذاتاً لا تشبهها الذوات وصفـات لا تشبهها الصفات وأن أسماءه دلالة قطعية على ما له سبحانه من صفات الكمال المطلق كما قال تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11]. وأن طريق معرفة ذلك هو الوحي وحده.

فيجب علينا : إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتاً يليق بجلاله من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تأويل، ولا تكييف، لا نحاول ذلك كله لا بقلوبنا وتصوراتنا، ولا بألسنتنا أن نكيف شيئاً من صفاته تعالى أو نمثلها بصفات المخلوقين.

3. توحيد الألوهية:

وهو توحيد العبادة أي: إفراد الله -سبحانه وتعالى- بجميع أنواع العبادة التي أمر بها كالدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من العبادات التي أمر الله بها كلها، والدليل قوله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً [الجن: 18]، فلا يجوز أن يصرف الإنسان شيئاً من هذه العبادات لغير الله -سبحانه وتعالى- لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة لا تصح إلا لله، فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد أشرك بالله شركاً أكبر وحبط عمله.

وحاصله: هو البراءة من عبادة كل ما سوى الله، والإقبال بالقلب والعبادة على الله، ولا يكفي في التوحيد دعواه، والنطق بكلمة الشهادة من غير مفارقة لدين المشركين وما هم عليه من دعاء غير الله.

وتحقيق التوحيد: هو بمعرفته، والاطلاع على حقيقته، والقيام به علماً وعملاً، وحقيقة ذلك هو انجذاب الروح أو القلب إلى الله محبة، وخوفاً، وإنابة، وتوكلاً، ودعاءً، وإخلاصاً، وإجلالا،ً وهيبة، وتعظيماً، وعبادة، وبالجملة فلا يكون في قلب العبد شيء لغير الله، ولا إرادة لما حرم الله من الشركيات، والبدع، والمعاصي كبيرها وصغيرها، ولا كراهة لما أمر الله به، وذلك هو حقيقة التوحيد، وحقيقة لا إله إلا الله.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:28 PM
(معنى لا إله إلا الله):

أي لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده لا شريك له، لأن المعبودات الباطلة كثيرة، لكن المعبود الحق هو الله وحـده لا شريك لـه، قـال تعالى: ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير [الحج: 62]. وليس معناها لا خالق إلا الله، كما قد يظنه بعض الجهلة فإن كفار قريش الذين بعث فيهم -رسول الله صلى الله عليه وسلم- كانوا يقرون بـأن الخالـق المدبـر هو الله -تعالى- ولكنهم أنكروا أن تكون العبادة كلها لله وحده لا شريك له، كما في قوله تعالى عنهم: أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب [ص: 5]، ففهموا من هذه الكلمة أنها تبطل عبادة أي أحد من دون الله وتحصر العبادة لله وحده، وهم لا يريدون ذلك، فلذلك حاربهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقوموا بحقها، وهو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له.

وبهذا يبطل ما يعتقده المبتدعة من أن معنى لا إله إلا الله: هو الإقرار بأن الله موجود، أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع، وأشباه ذلك، وأن من اعتقد ذلك فقد حقق التوحيد المطلق، ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله، ودعاء الأموات، والتقرب إليهم بالنذور وبالطواف بقبورهم والتبرك بتربتهم.

لقد عرف كفار قريش من قبل أن لا إله إلا الله تقتضي ترك عبادة ما سوى الله، وإفراد الله بالعبادة، وأنهم لو قالوها واستمروا على عبادة الأصنام، لتناقضوا مع أنفسهم، وهم يأنفون من التناقض، أما من يقول: لا إله إلا الله، ثم ينقضها بدعاء الأموات من الأولياء والصالحين، والتقرب إلى أضرحتهم بأنواع من العبادات فهو جاهل لمعنى كلمة التوحيد، عامل بما يناقض مقتضاها.

ولقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تبيّن أن معنى لا إله إلا الله هو: البراءة من عبادة ما سوى الله من الشفعاء والأنداد، وإفراد الله بالعبادة؛ فهذا هو الهدى ودين الحق، الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه، أما قول الإنسان لا إله إلا الله من غير معرفة بمعناها، ولا عمل بمقتضاها، أو دعواه أنه من أهل التوحيد وهو لا يعرف التوحيد، بل ربما يخلص لغير الله في عبادته؛ من الدعاء، والخوف، والذبح، والنذر، والاستغاثة، والتوكل، وغير ذلك من أنواع العبادات؛ فإن هذا نقض للتوحيد، وصاحبه مشرك.

قال ابن رجب: فإن تحقق القلب بمعنى لا إله إلا الله، وصدقه فيها، وإخلاصه، يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالاً، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيماً، وتوكلاً، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك لم تبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينتفي بذلك من القلب جميع أهواء النفس وإرادتها، ووسواس الشيطان.

فمن أحب شيئا، وأطاعه، وأحب عليه، وأبغض عليه، فهو إلهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا الله، ولا يوالي ولا يعادي إلا لله، فالله إلهه حقاً، ومن أحب لهواه وأبغض له، ووالى عليه وعادى عليه فإلهه هواه كما قال تعالى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه [الفرقان: 43].

(فضل كلمة الإخلاص):

لقد اجتمع لكلمة الإخلاص فضائل جمة، وثمرات عديدة، ولكن هذه الفضائل لا تنفع قائلها بمجرد النطق بها فقط، ولا تتحقق إلا لمن قالها مؤمناً بها عاملاً بمقتضاها، ومن أعظم فضائلها أن الله حرم على النار من قالها يبتغي بذلك وجه الله. كما في حديث عتبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" متفق عليه. وغير ذلك من الأحاديث التي تبين أن الله حرم على النار من قال لا إله إلا ا لله. لكن هذه الأحاديث جاءت مقيدة بالقيود الثقال.

إن من يقول كلمة الإخلاص عاداً وتقليداً دون ان يخالط الإيمان بشاشة قلبه لا يمكن أن يقال إنه قالها مخلصاً بها لله، ومثله من يقولها وهو مصر على ذنب وقتها ومن به، فإن هذا ينافي الإخلاص فيها وكمال المحبة لصاحبها،ومثل هؤلاء هم من يفتن عنها عند الموت ويحال بينه وبين النطق بها، وكذلك عند يسأل عن ربه فيقول: "لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته" رواه أحمد وأبوداود.

وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث، فإن ثمرتها مشروطة بأن يقولها بإخلاص ويقين تام وهذا معنى قوله: "يبتغي بها وجه الله"، ومن ثم فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، وإذا كان الله أحب إليه من كل شيىء كان محباً لمحبوباته وأوامره، مبغضاً لمنهياته، مسارعاً بالامتثال والانقياد، ولا يبقى إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله به ومن كان هذا حاله غفرت ذنوبه السابقة مهما بلغت وزكا حمله وصلح حاله في الدنيا وحاله في الآخرة.

(أركانها): للشهادة ركنان: نفي في قوله: "لا إله". إثبات في قوله: "إلا الله".

"فلا إله" نفت الألوهية عن كل شيء سوى الله، وإلا الله" أثبتت الألوهية لله وحده لاشريك له.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:32 PM
شروط لا إله إلا اللّه:

ذكر العلماء لكلمة الإخلاص شروطاً سبعة، ولا تصح إلا إذا اجتمعت، واستكملها العبد، والتزمها بدون مناقضة لشيء منها، وليس المراد من ذلك عدّ ألفاظها وحفظها، فكم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها! وهذه الشروط هي:

1. العلم:

والمراد به: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً، وما تستلزمه من عمل، فإذا علم العبد أن -الله عز وجل- هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالم بمعناها، وضد العلم الجهل، بحيث لا يعلم وجوب إفراد الله بالعبادة، بل يرى جواز عبادة غير الله مع الله، قال تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله [محمد: 19]، وقال تعالى: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف: 86]، أي: من شهد بلا إله إلا الله، وهم يعلمون بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.

2. اليقيـن:

وهو أن ينطق بالشهادة عن يقين يطمئن قلبه إليه، دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس، بل يقولها موقناً بمدلولها يقيناً جازماً. فلا بد لمن أتى بها أن يوقن بقلبه ويعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله -تعالى- وبطلان إلهية من عداه، وأنه لا يجوز أن يُصرف لغيره شيء من أنواع التأله والتعبد، فإن شك في شهادته أو توقف في بطلان عبادة غير الله، كأن يقول: أجزم بألوهية الله ولكنني متردد ببطلان إلهية غيره؛ بطلت شهادته، ولم تنفعه، قال تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا [الحجرات: 15].

3. القبول:

القبول يعني: أن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، فيصدق الأخبار ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويقبل ذلك كله، ولا يرد منه شيئاً، ولا يجني على النصوص بالتأويل الفاسد، والتحريف الذي نهى الله عنه، قال تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا [البقرة: 136].

وضد القبول: الرد؛ فإن هناك من يعلم معنى الشهادة، ويوقن بمدلولها، ولكنه يردها كبراً وحسداً، قال تعالى: فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [الأنعام: 33]. ويدخل في الرد وعدم القبول، من يعترض على بعض الأحكام الشرعية، أو الحدود، أو يكرهها، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة [البقرة: 208].

4. الانقياد المنافي للشرك:

وذلك بأن ينقاد لما دلت عليه كلمة الإخلاص، وهو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، قال تعالى: وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له [الزمر:54].

والانقياد -أيضاً- لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- والرضى به، والعمل به دون تعقب أو زيادة أو نقصان، وإذا علم أحد معنى لا إله إلا الله، وأيقن بها، وقبلها، ولكنه لم ينقد، ولم يذعن، ولم يستسلم ولم يعمل بمقتضى ما علم؛ فإن ذلك لا ينفعه.

5. الصدق:

وهو الصدق مع الله، وذلك بأن يكون صادقاً في إيمانه، صادقاً في عقيدته، ومتى كان كذلك فإنه سيكون مصدقاً لما جاء من كتاب ربه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فالصدق أساس الأقوال، ومن الصدق أن يصدق في عبادته، وأن يبذل الجهد في طاعة الله، وحفظ حدوده، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين [التوبة: 119]، وضد الصدق الكذب، فإن كان العبد كاذباً في إيمانه؛ لا يعد مؤمناً بل هو منافق، وإن نطق بالشهادة بلسانه، فإن هذه الشهادة لا تنجيه.

ومما ينافي الصدق في الشهادة تكذيب ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو تكذيب بعض ما جاء به؛ لأن الله -سبحانه- أمرنا بطاعته وتصديقه، وقرن ذلك بطاعته -سبحانه وتعالى-.

6. الإخلاص :

وهو تصفية الإنسان عمله بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، وذلك بأن تصدر عنه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله، وابتغاء مرضاته، ليس فيها شائبة رياء أو سمعة، أو قصد نفع، أو غرض شخصي، أو الاندفاع للعمل لمحبة شخص أو مذهب أو حزب يستسلم له بغير هدى من الله، قال تعالى: ألا لله الدين الخالص [الزمر: 3]. وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [البينة: 5].

وضد الإخلاص: الشرك والرياء ابتغاء غير وجه الله، فإن فقد العبد أصل الإخلاص فإن الشهادة لا تنفعه قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً [الفرقان: 23]، فلا ينفعه حينئذ أي عمل يعمله لأنه فقد الأصل. قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً [النساء: 48].

7. المحبة:

أي المحبة لهذه الكلمة العظيمة ولما دلت عليه واقتضته؛ فيحب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، ويقدم محبتهما على كل محبة، ويقوم بشروط المحبة ولوازمها، فيحب الله محبّة مقرونة بالإجلال والتعظيم، والخوف والرجاء، ومن المحبة تقديم محبوبات الله على محبوبات النفس وشهواتها ورغباتها، ومن المحبة -أيضاً- أن يكره ما يكرهه الله، فيكره الكفار لكفرهم ويبغضهم، ويعاديهم، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، وعلامة هذه المحبة؛ الانقياد لشرع الله، واتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) في كل شيء، قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم [آل عمران: 31]

وضد المحبة الكراهية لهذه ا لكلمة، ولما دلت عليه، وما اقتضته، أو محبة غير الله مع الله، قال تعالى: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [محمد: 9]

ومما ينافي المحبة: بغض الرسول (صلى الله عليه وسلم) وموالاة أعداء الله، ومعاداة أولياء الله المؤمنين.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:34 PM
(معنى شهادة أنّ محمداً رسول الله):

معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد ا لله إلا بما شرع، فلا بد للمسلم من تحقيق أركان تلك الشهادة، فلا يكون كامل الشهادة له بالرسالة من قالها بلسانه وترك أمره، وارتكب نهيه، وأطاع غيره، أو تعبّد الله بغير شريعته، قال (صلى الله عليه وسلم) : "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله" رواه البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم) : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد" متفق عليه.

* ومن مقتضى هذه الشهادة -أيضاً- أن لا يعتقد أن لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقاً في الربوبية، وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع والضر إلا ما شاء الله.



نهاية الفرع الأول من القسم الثالث

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:47 PM
الفرع الثاني من القسم الثالث:الإسلام والإيمان وأركانهما :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:

تعريف الإسلام:

الإسلام هو الإذعان لله -تعالى- وتسليم العقل والقلب لعظمة الله وكماله ثم الانقياد له بالطاعة وتوحيده بالعبادة والبراءة من الشرك به -سبحانه– إنّ الدين عند الله الإسلام والإسلام - بمعناه الخاص: «ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الدين كله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة».



مفهوم العبادة في الإسلام:

العبادة في الإسلام: هي التوجه إلى الله وحده في كل شيء -كما شرع الله- محبةً لله تعالى وتعظيماً، ورجاء ثواب الله، وخشية عقابه: ( قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) هذا مفهوم العبادة بمعناها العام وتطلق العبادة بمعناها الخاص على: «شعائر الدين من الصلاة والدعاء والزكاة والصيام والحج وتلاوة القرآن والأذكار ونحوها».



أركان الإسلام:

هي أصوله وأساساته العملية، التي لا يصح إلاّ بها وهي أركان تعبدية يفعلها المسلم استجابة لأمر الله وامتثالاً لشرعه قد نعلم بعض حكمها وفوائدها، وربما نجهل الكثير منها.

الركن الأول: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله.

ومعنى شهادة أن لا اله إلا الله: الإقرار واليقين بأن الله -تعالى- وحده المستحق للعبادة والطاعة المطلقة، وأنه -تعالى- هو الرب المتصرف في الكون وبيده وحده مقاليد السموات والأرض.

فمن شهد أن إله إلاّ الله فقد أعلن الإذعان المطلق لله -تعالى- والتسليم له وحده بالعبادة والطاعة والتقديس والخضوع.

وأعلن البراءة من كل ما يعبد ويقدس سوى الله -تعالى-، وأنّ كل آلهة يعبدها الناس من إنسان أو حيوان أو ملك أو جماد أو فكر أو شهوة أو مبدأ أو منهج ونحوه فهي باطلة.

ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله:

الإقرار له بأنه رسول الله -تعالى- إلى الناس جميعا بشيرا لمن أطاعه، ونذيرا لمن عصاه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية ومن التيه إلى النهج القويم، وأنزل معه الكتاب «القرآن» مهيمنا على الكتب وناسخا لها ومشتملا على المنهاج الكامل عقيدة وشريعة، به سعادة البشرية في الدنيا وخلاصها في الآخرة، ذلك الكتاب المحفوظ المعجز.

وجعل الله سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي: أقواله وأفعاله وتقريراته تشريعا تجب طاعته والتزامه بأمر الله قال سبحانه: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.

ومن مستلزمات شهادة أن محمداً رسول الله، الإقرار بأنه خاتم الرسل وأنه يجب على جميع البشرية اتباعه، لقول الله -عزّ وجلّ-: ليكون للعالمين نذيراً وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً وقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت إلى الثقلين: الجن والإنس" وقوله "واللهِ لا يسمع بي رجل من هذه الأمة -يهودي ولا نصراني- ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار"وغير اليهودي والنصراني من باب أولى لأنّ أولئك أهل كتاب وأتباع رسل. وقال: "وبعثت إلى الناس كافةً (أي جميعاً) إلى قيام الساعة".

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:49 PM
التلازم بين ركني الشهادة:

لا يصح الإيمان بالله والإقرار له بالعبودية إلاّ بالإيمان برسوله -صلى الله عليه وسلم-، واتباعه في جميع شؤون الحياة. لأنّ الله -تعالى- أمرنا بذلك، وجعل طاعته وعبادته لا تستقيم وتصح إلاّ من خلال شرعه الذي أنزل على رسوله، فقال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم وقال: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وقال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.

الركن الثاني: الصلاة:

وهي صلة بين العبد وربه تقام خمس مرات في اليوم والليلة على هيئة وصفة مخصوصة في أوقات مخصوصة، شرعها الله، فيتوجه بها الإنسان إلى ربه مستقبلا القبلة «جهة مكة» خاشعا لله -تعالى-.

ومن حكمتها : ربط الإنسان الضعيف المحتاج بربه -تعالى- الغني القوي، وتحريره من عناء الدنيا ومتاعب الحياة في أوقات معينة يناجي فيها ربه ويتوجه إليه معظّماً له طالباً منه العون الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين.

فالصلاة صلة بالله العلي الكبير الحي القيوم، يستمد منها القلب قوة وتستمد منها النفس طمأنينة، وتستمد منها الروح سعادة وهناء . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أهمه الأمر أو أصابه عناء قال: «أرحنا يا بلال بالصلاة» وقال: «حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة» وقرة العين، عين السعادة والراحة والطمأنينة والأمن.

فالصلاة الخاشعة تكسب صاحبها الأمن والسعادة الغامرة، والطمأنينة والسكون، وقوة الاعتماد على الله، واستمداد العون منه – تعالى- ومن ثم يشعر المسلم فيها بلذة تفوق اللذات واستعينوا بالصبر والصلاة ويشعر برقابة الله عليه فلا يحدث منه ما لايليق إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

الركن الثالث: الزكاة:

ومعناها دفع نسبة من المال في أنواع من الممتلكات أوجبها الله -تعالى - تبدأ من 2,5% ولاتزيد عن 10% إلا في أحوال قليلة تدفع لأصناف من المجتمع من المحتاجين، أو لبعض المصالح العامة حددها الشارع كالإصلاح والجهاد، وبها تحصل منافع كثيرة للمجتمعات والأفراد والدول من التكافل الاجتماعي وشيوع التآلف والقضاء على مظاهر الشح والبخل والحسد والحقد.

الركن الرابع: الصيام:

ومعناه: التعبد لله -تعالى- بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع وما في حكمها من الفجر إلى غروب الشمس خلال شهر رمضان

وللصيام فوائد وحكم معنوية ومادية، منها:

ترويض النفس وتعويدها على الانضباط والصبر، وللصيام فوائد صحية كثيرة أقرَّ بها الطب قديماً وحديثاً . حينما يتخفف الإنسان من الطعام والشراب بعض الوقت كما أن الصوم يصفي القلوب ويعمرها بالإيمان والتقوى واليقين، ولا سيما وهو عمل تعبدي غالبا ما يكون بين العبد وربه.

والصيام كالصلاة يشعر معه المسلم بالصفاء والنقاء والسعادة، ويقوى قلبه وتسمو نفسه وتسعد روحه حين يمارس هذه العبادة طاعة لله واستجابة لأمره ورغبة في وعده «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه».

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:51 PM
الركن الخامس: الحج:

وهو قصد بيت الله الحرام «مكة» لأداء شعائر ومناسك معلومة في وقت معلوم على هيئة حددها الشارع، لمن استطاع إليه سبيلاً، فـي العمـر مرة واحدة إلاّ لمن تطوع، عبادة لله واستجابة لشرعه، والحج سنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-.

وهو مؤتمر كبير تحضره أعداد كبيرة من المسلمين من شتى بقاع العالم من كل بلد وجنس يجتمعون في مكان واحد وفي زمان واحد في مناسك متشابهة يتبادلون المصالح والمنافع الدينية والدنيوية، وتتحقق بينهم أعظم أواصر التكافل والتعاون والتناصح.

وتمثل أركان الإسلام الخمسة الأسس العملية والشعائر الظاهرة للدين، ولا يتم الدين إلاّ بمجموعها.

تعريف الإيمان ومعناه:

الإيمان في اللغة: التصديق.

والإيمان في الشرع: «أي المدلول الشرعي للإيمان» يشمل ثلاثة أسس:

الأول: يقين القلب وتصديقه وإذعانه.

الثاني: الإقرار باللسان.

الثالث: التطبيق العملي، بعمل الصالحات وترك المنهيات، ويطلق عليه «عمل الجوارح».

ومعنى الإيمان إجمالاً: الإقرار واليقين بالله –تعالى-، وكماله، وعبوديته، وحقوقه، وبكل ما أمر به وما أخبر عنه من الملائكة، والرسل، والكتب، واليوم الآخر، والقدر، وسائر الأمور الغيبية، وبكل ما شرعه الله، والعمل بمقتضى ذلك.

وعليه: فإن الإيمان يشمل الأعمال القلبية؛ من اليقين، والتقوى، والمحبة، والرجاء، والخوف -أي: لله تعالى-، والتوكل على الله، ونحو ذلك، والأعمال الظاهرة: مثل فعل الخيرات، وإقامة الصلاة، وعمل الصالحات، وترك المنهيات.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 06:56 PM
أركان الإيمان:

أركان الإيمان ستة: وقد أخبر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم- عندما سأله جبريل عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره من الله -تعالى-".

معنى الإيمان بالله:

الإقرار بربوبيته أي أنه الخالق المدبر للكون بيده مقاليد كل شيء وهو على كل شيء قدير.
وبإلاهيته: أي أنه -تعالى- وحده المستحق للعبادة والطاعة.
وبأسمائه وصفاته: أي أنه -تعالى- له الكمال المطلق والأسماء الحسنى والصفات العلى على جهة الإجمال.
والإيمان والإقرار بكل ما سمّى الله به نفسه أو سمّاه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- مثل: الله، الحي، القيوم، العلي، العظيم، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، العزيز، الجبار، ذو الجلال والإكرام.
والإيمان والإقرار بكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الصفات والأفعال مثل: الرحمة، والمحبة، والرضا، والنزول، والمجيء والكلام وغيرها.
كل ذلك من غير تشبيه لله بالخلق، ولا تشبيه للخلق به.

والإيمان بالملائكة:

يعني: الإقرار بأن هناك خلقًا من مخلوقات الله الغيبية، والله سماهم الملائكة مكلفون عقلاء لهم صفات خلقية وخلقية لا يعصون الله أبداً ويفعلون ما يؤمرون، ولهم أعمال ومهمات؛ كالنزول بالوحي، وإنزال المطر، وتسيير السحاب، وإطباق الجبال، وكتابة مقادير الخلق، وكتابة أعمال الإنسان، ومنهم حملة العرش، وخزنة الجنة، وخزنة النار وغيرهم. الإيمان بهم على جهة الإجمال وبمن سمي لنا منهم على جهة التفصيل مثل جبريل ومكائيل وإسرافيل وغيرهم.

والإيمان بالملائكة يشعر المؤمن بعظمة خلق الله -تعالى- وبديع صنعه وشرعه وبالطمأنينة والأمن النفسي، وبالرقابة التي تجعله يلتزم الخير والفضيلة ويكف عن الشر والرذيلة.

وتشعره بوجود عوالم خيرة من حوله تعمل الخير وتعين عليه وتنفر من الشر وتمقت فاعله، جعل الله لها رقابة على عمل الإنسان فإذا استشعر الإنسان وجودها من حوله ازداد تعظيما لله –تعالى- وخشية وهيبة وطمأنينة.

والإيمان بالكتب:

معناه أن الله -تعالى- أنزل عن طريق الرسل كتبا على الأمم تضمنت ما شرعه الله –تعالى- من التوحيد والعبادة والأحكام التي تنظم حياة الناس وتصلهم بربهم -عز وجل- على نهج يرضي الله -تعالى-، وتضمن لهم السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.

ومن هذه الكتب: التوراة والإنجيل والزبور وقد بدّلت وحرّفت ونسخت بالقرآن الذي أنزل الله إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو باق معجز محفوظ، اشتمل على نهج كامل لحياة الناس أممًا وأفرادًا إلى قيام الساعة ولا سعادة لهم إلاّ باتباعه.

الإيمان بالرسل:

وهو الإقرار بأن الله -تعالى- بعث رسلا من البشر اختارهم لإبلاغ ما يريده الله من الأمم من عبادته واتباع شرعه، مبشرين ومنذرين، آخرهم وخاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو رسول لجميع الأمم لا يسع أحدًا من الناس إلاّ اتباعه فمن أطاعه واتبع شرعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.

الإيمان باليوم الآخر:

الإقرار بأن هناك حياة أخرى هي الحياة الحقيقية غير هذه الحياة الدنيا يكون فيها للناس الخلود الأبدي السرمدي، بعد أن يبعثهم الله يوم القيامة ويجازيهم على أعمالهم فمن اتبع الرسل -صلى الله عليهم وسلم- وأطاعهم دخل الجنة، ومن أعرض وعصى دخل النار.

والإيمان باليوم الآخر يتضمن عذاب القبر ونعيمه بحسب عمل الإنسان والبعث والحشر والحساب، والميزان، والصحف، والصراط، والحوض، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، وغير ذلك مما أخبر الله عنه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

والإيمان بالقدر:

معناه: «الإقرار بأن الله -تعالى- علم كل شيء وكتب مقادير كل شيء، وكل شيء بإرادته ومشيئته وأنه خالق كل شيء.

يخلق ما يشاء فعّال لما يريد، ما شاءه كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده ملكوت كل شئ، يحي ويميت، وهو على كل شئ قدير. يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، خلق الخلق، وقدر أعمالهم وأرزاقهم وحياتهم وموتهم.

فالإيمان بالقدر يبعث في النفس اليقين والرضا، والطمأنينة، والأمن، والسعادة، والركون إلى الله العلي العظيم.



الخلاصة:

الإسلام هو دين الله الخاتم الذي ارتضاه الله لجميع البشرية، وكلفهم جميعا باتباعه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: إنّ الدين عند الله الإسلام وقال: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.

وتضمن الإسلام من العقيدة والشريعة ما يضمن للبشرية جميعا في كل مكان وكل زمان: السعادة والأمن، والسلام والخير في الدنيا، والنجاة والفوز بالجنة في الآخرة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.







نهاية الفرع الثاني من القسم الثالث

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:00 PM
الفرع الثالث من القسم الثالث: فضل الإسلام:

باب فضل الإسلام :

وقول الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة: 3] وقوله تعالى: قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم [ يونس: 104] ، وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم [الحديد: 28].

وفي الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: "مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أُجراء فقال: من يعمل لي من غدوه إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاءً ؟ قال: هل نقصتُكم من حقكم ؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء".

وفيه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة".

وفيه تعليقاً عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه قال: "أحبًّ الإيمان إلى الله الحنيفية السمحة" انتهى.

وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار. وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان كمثل شجرة يبس ورقُها إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصاداً في سنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم. كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم؟ مثقال ذرة من بِرُّ مع تقوى ويقين، أعظم وأفضل وأرجح من عبادة المغترين.



باب وجوب الإسلام:

وقول الله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران: 85]. وقوله تعالى: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله [الأنعام: 153].

قال مجاهد: السُّبل: البدع والشبهات.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [أخرجاه]، وفي لفظ " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

وللبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".

وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "أبغضُ الناس إلى الله ثلاثة: ملحِدٌ في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنّة الجاهلية، ومُطْلب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه" [رواه البخاري] ، ويندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي في شخص دون شخص، كتابية، أو وثنية، أو غيرهما من كل مخالف لما جاء به المرسلون.

وفي الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال: يامعشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً.

وعن محمد بن وضّاح: كان يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول تذكرة وقال: أنبأنا ابن عيينه، عن مجالد عن الشعبي، عن مسـروق، قال عبدالله -يعني ابن مسعود-: ليس عام إلا والذي بعد أشرّ منه، لا تقول عامُ أخصبُ من عام، ولا أمير خير من أمير، لكنْ ذهابُ علمائكم وخياركم، ثم يُحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيُهدم الإسلام وينثلم.



باب: تفسير الإسلام:

وقول الله تعالى: فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن [آل عمران:20] الآية.

وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً".

وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام فقال: "أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة" رواه أحمد.

وعن أبي قلابة عن عمرو بن عبسة عن رجل من أهل الشام عن أبيه أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما الإسلام؟ قال: "أن تُسلم قلبك لله ويسلم المسلمون من لسانك ويدك"، قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: "الإيمان"، قال: وما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت".

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:03 PM
باب قول الله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب إنك السلام وأنا الإسلام فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أعطي". قال الله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران: 85] رواه أحمد.

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" [رواه أحمد].



باب وجوب الاستغناء بمتابعته (صلى الله عليه وسلم) عن كل ما سواه:

وقول الله تعالى: ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء[النحل: 89].

روى النسائي وغيره عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه رأي في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال: " أمُتهوِّكون يا ابن الخطاب؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حياَ واتبعتموه وتركتموني ضللتم" وفي رواية: " لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي" فقال عمر: رضيتُ بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً.



باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام:

وقوله تعالى: هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا [الحج: 78].

عن الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام قال: "وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله" [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].

وفي الصحيح: "من فارق الجماعة شبراً فميتته جاهلية" وفيه: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"، قال أبو العباس: كل ما يخرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجريُّ: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال (صلى الله عليه وسلم): "أ بدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟" وغضب لذلك غضباً شديداً. انتهى كلامه.



باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه:

وقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة [البقرة: 208] وقوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك [النساء: 60] الآية. وقوله تعالى: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه [آل عمران: 106]. قال ابن عباس رضي الله عنه: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف.

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إذا كان منهم من أتى أمه علانـية كان في أمتي من يصنع ذلك، وأن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة"، وتمام الحديث قوله: "وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي - يا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة - (رواه الترمذي، ورواه أيضاً من حديث معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: " إنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عِرْق ولا مِفْصل إلا دخله" وتقدم قوله: "ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية".



باب ما جاء أن البدعة أشدّ من الكبائر:

لقوله عزّ وجلّ: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48] وقوله تعالى: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون [النحل: 25].

وفي الصحيح أنه (صلى الله عليه وسلم) قال في الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم".

وفيه أنه نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا.

عن جرير عن عبدالله أن رجلاً تصدق بصدقة ثم تتابع الناس فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من سنِّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" [رواه مسلم].

وله من حديث أبي هريرة ولفظه: "من دعا إلى هدى –ثم قال- من دعا إلى ضلالة".

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:04 PM
باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة:

هذا مروي من حديث أنس من مراسيل الحسن.

* وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأياً فتركه فأتيت محمد ابن سيرين فقلت: أشعرت أن فلاناً ترك رأيه؟ قال: أنظر إلى ماذا؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: (يمرقون من الإسلام؟ ثم لا يعودون إليه) وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة.



باب قول الله تعالى: يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم

قول الله تعالى: يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم [آل عمران: 65] إلى قوله: وما كان من المشركين [آل عمران: 67] وقوله: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [البقرة: 130] وفيه حديث الخوارج وتقدم وفيه أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: "آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتقون" وفيه أيضاً عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذُكر له أن بعض الصحابة قال: أما أنافلا آكل اللحم، وقال آخر: أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال آخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر. فقال (صلى الله عليه وسلم): "لكنني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني". فتأمل إذا كان بعض الصحابة أراد التبتل للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوباً عن السنة فما ظنك بغير هذا من البدع وما ظنك بغير الصحابة؟



باب قول الله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً

قول الله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون [الروم: 30]. وقوله تعالى: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون [البقرة: 132]. وقوله: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين [النحل: 123].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " إن لكل نبي ولاة من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي"، ثم قرأ: إن أولى الناس بإبراهيم للذين أتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [آل عمران: 68] (رواه الترمذي).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

ولهما عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " أنا فرطكم على الحوض وليرفعنَّ إليَّ رجال من أمتي حتى إذا أهويت لأنـاولهم احتجبوا دوني فأقول: أي ربِّ أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " وددت أنا قد رأينا إخواننا"، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواني هم الذين لم يأتوا بعد"، قالوا: فكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: "أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُرُّ مُحجلةُ بين ظهري خيل دُهم بهم ألا يعرفُ خيله؟" قالوا: بلى قال: "فإنهم يأتون غراً مُحجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال يوم القيامة عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هَلمَّ فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقاً سحقاً".

وللبخاري: " بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على إدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة –فذكر مثله- قال: " فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم".

ولهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد [المائدة: 117].

ولهما عنه مرفوعاً: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها"، ثم قرأ أبو هريرة: فطرة الله التي فطر الناس عليها [الروم: 30] (متفق عليه).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يد ركني فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". فقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخَنَ" قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم فتنة عمياء ودعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: "قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا –قلت: يا رسول الله ما تأمرني إن أدركت ذلك قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: وإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك". أخرجاه وزاد مسلم: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره. قلت: ثم ماذا؟ قال: " هي قيام الساعة"، قال أبو العالية: تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تتحركوا عن الصراط يميناً ولا شمالاً، وعليكم بسنة نبيكم وإياكم وهذه الأهواء. انتهى.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:06 PM
تأمل كلام أبي العالية هذا ما أجله، واعرف زمانه الذي يُحذِّر فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام، وتفسير الإسلام بالسنة، وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله تعالى: إذ قال له ربه أسلم [البقرة: 131] وقوله: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون [البقرة: 132]. وقوله تعالى: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه [البقرة: 130]. وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول والناس عنها في غفلة، وبمعرفته يتبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها، وأما الإنسان الذي يقرأها وأشباهها وهو مطمئن أنها لا تناله ويظنها في قوم كانوا فبادوا أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خطاً ثم قال: " هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله [الأنعام: 153] (رواه أحمد والنسائي).

باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء:

وقول الله تعالى: فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم [هود: 116] الآية. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" (رواه مسلم ورواه أحمد من حديث ابن مسعود وفيه: ومن الغرباء؟ قال: " النُزَّاع من القبائل والذين يصْلُحون إذا فسد الناس". وللترمذي من حديث كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده "فطوبى للغرباء الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ من سنتي").

وعن أبي أمية قال: سألت أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [المائدة: 105]. قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحَّاً مطاعاً وهوى متبعاً، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أياماً الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم قلنا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم" [رواه أبو داود والترمذي].

وروى ابن وضّاح معناه من حديث ابن عمر ولفظه: " إن من بعدكم أياماً للصابر فيها المتمسك بدينه مثل ما أنتم عليه اليوم، له أجرُ خمسين منكم ثم قال: أنبأنا محمد بن سعيد، أنبأنا أسد، قال سفيان بن عيينة: عن البصري، عن سعيد أخي الحسن يرفعه قال: ( إنكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله، ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حُبِّ العيشِ، وستحولون عن ذلك، فالمتمسك يومئذٍ بالكتاب والسنةِ له أجرُ خمسين" قيل: منهم؟ قال: "بل منكم" وله بإسناد عن المعافري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " طوبى للغرباء، الذين يتمسكون بالكتابِ حين يُترك، ويعملون بالسنةِ حين تطفأ".



باب التحذير من البدع:

عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) موعظة بليغة، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظةُ مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، والسمع والطاعة، وإن أُّمِّر عليكم عبدُ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلَّ بدعة ضلالة" [قال الترمذي: حديث حسن صحيح].

وعن حذيفه قال: كلُ عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تعبَّدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، رواه أبو داود. وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبأنا عمرو بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدِّث عن أبيه قال" كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج أبو عبدالرحمن؟ قلنا: لا، فجلس معنا، فلما خرج قال: يا أبا عبدالرحمن إني رأيت في المسجد أمراً أنكرتُه، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه قال: رأيت في المسجد قوماً حِلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حَلَقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبروا مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً، أنتظر أمرك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى حتى أتى حلقة، فقال: ما هذا؟ قالوا له: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم (صلى الله عليه وسلم) متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلاله، قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لم يُصبه إن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حدثنا أن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله لعل أكثرهم منكم فقال: عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج.





نهاية الفرع الثالث من القسم الثالث

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:13 PM
الفرع الرابع من القسم الثالث:نواقض الإسلام:
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فاعلم أيها المسلم أن الله *سبحانه* أوجب على جميع العباد الدخول في الإسـلام والتمسك به والحـذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمداً (صلى الله عليه وسلم) للدعوة إلى ذلك، وأخبر -عزّ وجلّ- أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء *رحمهم الله* في باب حكم المرتد، أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكن بها خارجاً عن الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض ذكرها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وغيره من أهل العلم *رحمهم الله جميعاً* ونذكرها لك فيما يلي على سبيل الإيجاز، لتَحْذَرَها وتُحَذِّر منها غيرك، رجاء السلامة والعافية منها، مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها:

الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى : إن الله لا يغفر أن يٌشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 116]، وقال تعالى:إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار [المائدة: 72]، ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر.

الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط؛ يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعاً.

الثالث: من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر.

الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.

الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولو عمل به فقد كفر، لقوله تعالى: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [محمد: 9].

السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [التوبة: 65، 66].

السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر [البقرة: 102].

الثامن: مظاهـرة المشـركين ومعاونتهـم على المسـلمين، والدليـل قولـه تعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [المائدة: 51].

التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد (صلى الله عليه وسلم) كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر؛ لقوله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران: 85].

العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمـه ولا يعمـل به؛ والدليل قوله تعالى: ومن أظلم ممن ذٌكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون [السجدة: 22].

ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً. فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى كلامه رحمه الله.

ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس، أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سبباً في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى.

ويدخل في القسم الرابع: أيضاً من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر.

ويدخل في ذلك *أيضاً *: كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات، أو الحدود، أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة، لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرم الله إجماعاً وكل من استباح ما حرّم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالزنى، والخمر، والربا، والحكم بغير شريعة الله فهو كافر بإجماع المسلمين.

ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.





نهاية الفرع الرابع من القسم الثالث وأيضًا نهاية القسم الثالث

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:17 PM
اولاً اشكر المراقب على التثبيت

ثانيا في الرد القادم بكمل إن شاء الله

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:24 PM
القسم الرابع: الفقه الإسلامي: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:
1-يسبغ الوضوء، وهو أن يتوضأ كما أمره الله عملاً بقوله سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ،وقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : "لا تقبل صلاة بغير طهور".
2-يتوجه المصلي إلى القبلة وهي الكعبة أينما كان بجميع بدنه قاصداً بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا ينطق بلسانه بالنية لأن النطق باللسان غير مشروع، لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ولا أصحابه رضي الله عنهم، ويسن أن يجعل له سترة يصلي إليها إن كان إماماً أو منفرداً، لأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك.
3-يكبّر تكبيرة الإحرام قائلاً (الله أكبر) ناظراً ببصره إلى محل سجوده.
4-يرفع يديه عند التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه.
5-يضع يديه على صدره، اليمنى على كفه اليسرى. لورود ذلك من حديث وائل بن حجر وقبيصة بن هلب الطائي عن أبيه رضي الله عنهم.
6-يسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح وهو "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقّني من خطاياي كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد".
وإن شاء قال بدلاً من ذلك "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ثم يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم" ويقرأ سورة الفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ويقول بعدها (آمين) جهراً في الصلاة الجهرية، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن.

7-يركع مكبراً رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه، جاعلاً رأسه حيال ظهره، واضعاً يديه على ركبتيه، مفرقاً أصابعه، ويطمئن في ركوعه ويقول "سبحان ربي العظيم" والأفضل أن يكررها ثلاثاً أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي".
8-يرفع رأسه من الركوع، رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً : "سمع الله لمن حمده" إن كان إماماً أو منفرداً، ويقول بعد قيامه: "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد"، وإن زاد بعد ذلك : "أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" فهو حسن، لأن ذلك قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث الصحيحة. أما إن كان مأموماً فإنه يقول عند الرفع : "ربنا ولك الحمد" إلى آخر ما تقدم. ويستحب أن يضع كل منهم يديه على صدره، كما فعل في قيامه قبل الركوع، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر وسهل بن سعد رضي الله عنهما.
9-يسجد مكبراً واضعاً ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه، مستقبلاً بأصابع رجليه ويديه القبلة، ضاماً أصابع يديه، ويكون على أعضائه السبعة : الجبهة مع الأنف، واليدين والركبتين، وبطون أصابع الرجلين.
10-ويقول : "سبحان ربي الأعلى" ويكرر ذلك ثلاثاً أو أكثر. ويستحب أن يقول مع ذلك : "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكـم" وقولـه صلى الله عليه وسلـم : "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" رواهما مسلم في صحيحه. ويسأل ربه له ولغيره من المسلمين من خيري الدنيا والآخرة، سواء أكانت الصلاة فرضاً أو نفلاً، ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".

11-يرفع رأسه مكبراً، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويدع يديه على فخذيه وركبتيه ويقول : "رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني واهدني واجبرني"، ويطمئن في هذا الجلوس حتى يرجع كل فقار إلى مكانه كاعتداله بعد الركوع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل اعتداله بعد الركوع وبين السجدتين.
12-يسجد السجدة الثانية مكبراً، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى.
13-يرفع رأسه مكبراً، ويجلس جلسة خفيفة مثل جلوسه بين السجدتين وتسمى جلسة الاستراحة، وهي مستحبة في أصح

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:26 PM
قولي العلماء. وإن تركها فلا حرج، وليس فيها ذكر ولا دعاء، ثم ينهض قائماً إلى الركعة الثانية معتمداً على ركبتيه إن تيسر ذلك، وإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة. ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى، ولا يجوز للمأموم مسابقة إمامه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من ذلك، وتكره موافقته للإمام، والسنة له أن تكون أفعاله بعد إمامه من دون تراخ وبعد انقطاع صوته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال : سمع الله، لمن حمده، فقولوا : ربنا ولك الحمد، فإذا سجد فاسجدوا" الحديث متفق عليه.
14-إذا كانت الصلاة ثنائية، أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد، جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصباً رجله اليمنى، مفترشاً رجله اليسرى، واضعاً يده اليمنى على فخذه اليمنى، قابضاً أصابعه كلها إلا السبابة، فيشير بها إلى التوحيد، وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلق إبهامهما مع الوسطى، وأشار بالسبابة فحسن، لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، ويضع يده اليسرى، على فخذه اليسرى وركبته، ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس. وهو " التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " ثم يقول " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ". ويستعيذ بالله من أربع فيقول "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء أكانت الصلاة فريضة أو نافلة، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلا : "السلام عليكم ورحمة الله.. السلام عليكم ورحمة الله".
15-إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، قرأ التشهد المذكور آنفاً، مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهض قائماً معتمداً على ركبتيه، رافعاً يديه إلى حذو منكبيه قائلاً (الله أكبر) ويضعهما أي يديه على صدره، كما تقدم ويقرأ الفاتحة فقط. وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب، وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشـاء، ويصلي على النبي (صلى الله عليه وسلم) ويتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ويكثر من الدعاء، ومن ذلك "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية. لكن يكون في هذا الجلوس متوركاً واضعاً رجله اليسرى تحت رجله اليمنى، ومقعدته على الأرض ناصباً رجله اليمنى، لحديث أبي حميد الساعدي في ذلك. ثم يسلم عن يمينه وشماله، قائلا : السلام عليكم ورحمة الله... السلام عليكم ورحمة الله، ويستغفر الله ثلاثاً ويقول : "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضـــل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". ويسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمده مثل ذلك، ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير "ويقرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة. ويستحب تكرار هذه السور الثلاث، ثلاث مرات بعد صلاة الفجر، وصلاة المغرب، لورود الحديث الصحيح بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما يستحب أن يزيد بعد الذكر المتقدم بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قول "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عشر مرات لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان إماماً انصرف إلى الناس وقابلهم بوجهه بعد استغفاره ثلاثاً، وبعد قوله : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يأتي بالأذكار المذكورة، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم. وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.
16-ويستحب لكل مسلم ومسلمة، أن يحافظ على اثنتي عشرة ركعة في حال الحضر، وهي : أربع قبل الظهر، وثنتان بعدها، وثنتان بعد المغرب، وثنتان بعد صلاة العشاء، وثنتان قبل صلاة الصبح، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يحافظ عليها، وتسمى الرواتب. وقد ثبت في صحيح مسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعاً بنى له بيتاً فى الجنة". وقد فسرها الإمام الترمذي في روايته لهذا الحديث بما ذكرنا. أما في السفر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يترك سنة الظهر والمغرب والعشاء، ويحافظ على سنة الفجر والوتر، ولنا فيه أسوة حسنة، لقول الله سبحانه: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [الأحزاب : 21] وقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" والله ولي التوفيق... وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.




نهاية الفرع الأول من القسم الرابع

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:33 PM
الفرع الثاني من القسم الرابع: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:

جعل الله الصيام ركناً هاماً من أركان الإسلام، فهو أحد أركان الإسلام الخمسة الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" متفق عليه.

وقد فرض الله على عباده صيام شهر رمضان في القرآن الكريم في قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه.. [البقرة : 185].

فصيام رمضان فريضة محكمة يكفر جاحدها، ويفسق تاركها، وهو عبادة عظيمة لها أثرها في تربية العقول والأرواح وتهذيب النفس وحملها على الأخلاق الكريمة.

ولا يجب في الإسلام من الصيام سوى صيام شهر رمضان، لكن قد حث النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين على الصوم بإطلاق وأكد ذلك في بعض أيام السنة دون إيجاب، ووعد على ذلك المغفرة من الله تعالى والثواب الجزيل.



تعريف الصيام ومعناه:

كلمة الصيام في اللغة العربية تعني: الإمساك والكف عن الشيء. وأما المعنى الشرعي للصيام فهو: الامتناع عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى، فمن كان امتناعه عن المفطرات بغير نية التقرب إلى الله تعالى فلا يعتبر صائماً شرعاً.



مفسـدات الصيـام :

الأكل والشرب:
وما كان بمعناهما، من مقوٍّ، أو مغذٍّ، إذا وصل إلى الجوف، من أي طريق كان، سواء الفم والأنف أو الوريد، أو غير ذلك. وكان عن قصد واختيار فإنه يفطر به الصائم، لقوله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل. ولقوله (صلى الله عليه وسلم) مخبراً عن ربه أنه قال في الصائم: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي". فالصيام ترك هذه الأمور، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فمن تناول شيئاً منها أثناء النهار قاصداً مختاراً لم يكن صائماً.

الجماع :
فإنه مفسد للصيام بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم.. إلى قوله: وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل. فدلت الآية على حل التمتع بهذه الأمور، حتى طلوع الفجر، ثم يصام عنها إلى الليل. فإذا جامع في نهار رمضان، فسد صومه وصار مفطراً بذلك، ووجب عليه قضاء ذلك اليوم والكفارة باتفاق أهل العلم، لانتهاكه حرمة الصوم في شهر الصوم.

والكفارة هي:

أ- عتق رقبة مؤمنة.

ب- فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين.

ج- فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مـدّ من طعام، وهو ربع صاع مما يجزئ في الفطر، لما في الصحيح من قصة الرجل الذي جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) الله عليه وسلم فقال: هلكت وأهلكت. فقال: (مالك ؟) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة تعتقها ؟) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟) قال: لا، قال: (فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟) قال: لا، الحديث.

وفي الحديث، أن الوطء في نهار رمضان من الصائم كبيرة من كبائر الذنوب، وفاحشة من الفواحش المهلكات، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أقر الرجل على قوله: (هلكت) ولو لم يكن كذلك لهون عليه الأمر.

إنزال المني في اليقظة:
إذا أنزل الصائم بمباشرة، أو تقبيل، أو بالاستمناء -وهي ما تسمى بالعادة السرية أو جلد عميرة- ونحو ذلك، فانه يفسد صومه به وعليه القضاء، لأنه غاية ما يراد من الجماع وقد فعله عن عمد واختيار.

إخراج الدم من الجسد:
بالحجامة ونحوها فإنه يفطر به الصائم، لقوله *صلى الله عليه وسلم*: (أفطر الحاجم والمحجوم). قال الإمام أحمد والبخاري وغيرهما عن هذا الحديث: إنه أصح شيء في الباب. فالحديث نص في الفطر بالحجامة، وهو مذهب أكثر فقهاء أهل الحديث، كأحمد واسحق وابن خزيمة وغيرهم من فقهاء الأمة، وكان فقهاء البصرة يغلقون حوانيت الحجامين.

قال شيخ الإسلام بن تيمية: الأحاديث الواردة فيه -يعني الفطر بالحجامة- كثيرة، قد بينها الأئمة الحُفاظ.

القـيء عمداً :
وهو إخراج ما في المعدة من الطعام والشراب عمداً، فعليه القضاء ويفطر بذلك، لحديث: (من استقاء فعليه القضاء).

ثم أعلم أن من معاني الصيام بالإضافة إلى ما تقدم الامتناع عن المحرمات كالغيبة والكذب وفحش القول وغيرها.

فإنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير الصيام (الطعام والشراب والجماع) على الكمال إلا بترك ما حرم الله تعالى في كل حال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [رواه البخاري] ، وليس من معنى الحديث الإذن لمن يقول الزور بالأكل والشرب وإنما معناه تحذير الصائم من قول الزور والعمل به وتخويفه من أن يحبط أجر صومه فلا يُثاب على صومه بسبب الكذب والفحش وسوء الخلق ونحوها، وإن كان صومه مجزئاً عند أكثر العلماء بحيث لا يؤمر بإعادة الصوم إن وقع في أثنائه شيء من المحرمات.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:38 PM
أمور لا يفطر بها الصائم :

الاحتلام أثناء الصيام لا يفطر به الصائم، لعدم القصد والعمد باتفاق أهل العلم.
من حصل منه القيء دون اختيار منه وهو صائم لم يفطر بذلك بل صومه صحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء -أي غلبه وقهره- فلا قضاء عليه).
ما يدخل في الحلق بغير اختيار من غبار أو ذباب، ونحو ذلك مما لا يمكن التحرز منه، فإنه لا يفسد الصوم، لعدم القصد. فإن الذي لم يقصد غافل، والغافل غير مكلف لقوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
خروج الدم من غير قصد: كالرعاف والنزيف والجرح، ونحو ذلك، لا يفطر به الصائم، ولا يفسد به الصيام، لعدم الاختيار.
من أكل أو شرب ناسياً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه).
من أكل شاكاً في طلوع الفجر صح صومه، فلا قضاء عليه، لأن الأصل بقاء الليل.
من أصبح جنباً من احتلام أو جماع، وضاق عليه الوقت، فإنه يصوم وله أن يؤخر الغسل إلى ما بعد السحور، وطلوع الفجر، وصومه صحيح ليس عليه قضاؤه. لما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من جماع ثم يغتسل ويصوم). وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم). والنصوص في ذلك متوافرة، وذكر غير واحد الإجماع عليه.
من غلب على ظنه غروب الشمس: لغيم ونحوه، فأفطر ثم تبين له أنها لم تغرب، فليمسك ولا قضاء عليه، كما هو اختيار جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله، قال: إذا أكل عند غروبها، على غلبة الظن، فظهرت، ثم أمسك فكالناسي. لأنه ثبت في الصحيح: (أنهم أفطروا على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" ثم طلعت الشمس). الحديث. ولم يذكر في الحديث، أنهم أمروا بالقضاء، ولو أمرهم لشاع ذلك، كما نقل فطرهم، فلما لم ينقل دلّ على أنه لم يأمرهم. أ.هـ.
وثبت عن عمر رضي الله عنه أنه أفطر ثم تبين النهار فقال: (لا نقضي فإنا لم نتجانف لإثم). قال شيخ الإسلام بن تيمية: وهذا القول أقوى أثراً ونظراً، وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس.



مقاصد الصيام :

للصوم مقاصد كثيرة في مقدمتها ما جاء التصريح به في القرآن الكريم في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [البقرة:183] فقوله تعالى: لعلكم تتقون يبين الحكمة من تشريعه وهي حصول التقوى عند المؤمن، التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي خشية من الله تعالى. فمما اشتمل عليه الصيام في التقوى:

أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع التي تميل إليها نفسه متقرباً بذلك إلى الله راجياً ثوابه فهذا من التقوى.
أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه.
أن الصيام يضيق مجاري الدم ومن ثم تضيق مجاري الشيطان، الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي.
أن الصائم في الغالب تكثر طاعاته، والطاعات من خصال التقوى.
أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء والمعدمين وهذا من خصال التقوى.
أن الصيام يرقق القلب ويلينه لذكر الله تعالى ويقطع عنه الشواغل. وهناك من يرى للصيام معاني وغايات أخرى، كاعتباره رياضة صحية تستريح فيه المعدة شهراً واحداً كل عام، أو أن فيه فوائد صحية كالتخفيف من السمنة وإزالة الدهون، أو التخلص من بعض الرواسب المؤذية للبدن.. ونحو ذلك.
فهذه وإن كانت بعض فضائل الصيام العظيمة إلا أن الصيام في أصله تكليفاً إلهياً لتربية المسلم على الإخلاص والتقوى كما أنه عبادة عظيمة توجب على المسلم الامتثال لأوامر الله سبحانه والنزول على حكمه وابتغاء مرضاته.



بعض ما ورد في فضل رمضان :

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
معنى الحديث: أن من صام شهر رمضان مؤمناً بفرضيته وثوابه مخلصاً في صيامه وطلبه الثواب من الله وحده فإن ثوابه غفران الذنوب الصغيرة المتعلقة بحق الله تعالى.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغُلَّقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين) متفق عليه.
وإنما تفتح أبواب الجنة في هذا الشهر لكثرة الأعمال الصالحة، وترغيباً للعاملين، وتغلق أبواب النار لقلة المعاصي من أهل الإيمان (وتصفد الشياطين) أي :تُقيَّد فلا تصل إلى ما كانت تصل إليه في غيره

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:40 PM
كيف يتحدد دخول شهر رمضان :

يتحدد دخول شهر رمضان بأحد أمرين :

الأول: رؤية هلال رمضان.

الثاني: إكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً إذا تعذرت رؤية الهلال لغيم ونحوه.

فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: (صوموا لرؤيته -يعني هلال رمضان- وأفطروا لرؤيته -يعني هلال شوال- فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً). ولذلك كان المسلمون يحرصون على ترائي الهلال كما يدل عليه حديث ابن عمر الذي رواه أبو داود وغيره قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه).

وبهذا الحديث وغيره استدل كثير من الفقهاء على أن شهادة رجل مسلمٍ عدلٍ واحدٍ تكفي لإثبات دخول شهر رمضان.

وكما ترى فإن الأحاديث تُعلق دخول الشهر بثبوت الرؤية البصرية، وعليه فإن المعتمد هو رؤية الهلال دون الحساب الفلكي، وهذا ما أقره المجمع الفقهي في دورته المنعقدة في الفترة من (7-17) من شهر ربيع الآخر 1401هـ، كما قرر المجمع أيضاً أنه لا حاجة إلى الدعوى إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي وذلك لاختلاف المطالع.



ما ورد في الاستعداد لرمضان والفرح بقدومه :

يفرح المسلمون بقدوم رمضان ويستقبلونه بكل حفاوة وبهجة وسرور، وقد ورد عن السلف أنهم كانوا يسألون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم رمضان ليدركوا ما فيه من الخير والفضل.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: (قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حُرم) [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني بشواهد].

قال الحافظ بن رجب: قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً.



ما ورد في الحث على قيامه:

قيام الليل: هو صلاة النافلة التي تُشرع من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. ورد الحث عليها ومدح فاعليها في عدد من آيات القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاثة عشرة ركعة، وكذلك كان يفعل أصحابه رضوان الله عليهم، وذلك في رمضان وغيره.

غير أنه يتأكد استحباب صلاة الليل في رمضان لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه).

وتُشرع صلاة الليل جماعة في رمضان وتسمى صلاة التراويح، ومن فضل الله تعالى أن من قام مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ليله، ولو كان قيامه جزءاً من الليل فقط، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليله) وذلك عندما صلى بهم في إحدى ليالي رمضان إلى نصف الليل فطلبوا أن يزيدهم [رواه الأربعة].

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:42 PM
ما ورد في فضل السحور:

السحور: هو تناول الطعام وقت السحر (آخر الليل).

وقد أجمع أهل العلم على استحباب السحور، وورد في فضله عدة أحاديث منها:

عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) [رواه البخاري ومسلم].
ففي هذا الحديث يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسحور ثم يعلل ذلك بأن فيه (بركة)، والبركة أصلها الزيادة وكثرة الخير، وسبب البركة في السحور أنه يقوي ا لصائم وينشطه ويهون عليه الصيام، بالإضافة إلى ما فيه من الثواب.

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) [رواه مسلم] .
وقد أفاد هذا الحديث سبباً آخر لاستحباب السحور وهو أن فيه مخالفة لأهل الكتاب، اليهود والنصارى، وقد ورد الأمر بمخالفة اليهود والنصارى والمشركين عموماً، كما دل هذا على أن السحور من خصائص الأمة الإسلامية تفضل الله به عليها.

وقت السحور: هو آخر الليل، وهو مأخوذ من كلمة السحر وتعني آخر الليل، وطرف كل شيىء، والمستحب تأخيره، والدليل على استحباب تأخيره:

حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية) متفق عليه.

فقد دلِّ هذا الحديث أن قدر ما بين سحور النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبين قيامهم لصلاة الفجر (وذلك عند الأذان بعد طلوع الفجر) ما يساوي زمن قراءة خمسين آية من القرآن متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة، فيدل على أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تأخير السحور.

تعجيل الفطر:

وأما تعجيل الفطر فقد ورد الحث عليه في أحاديث منها:

حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه.

وقد أفاد هذا الحديث: استحباب تعجيل الفطر بعد التحقق من غروب الشمس، إذ عَلَّق بقاء الخير في الناس عليه، والمقصود: بقاء الخير في دين الناس كما تدل عليه روايات أخرى، وسبب بقاء الخير في دين الناس هو اتباعهم للسنة، ووقوفهم عند هديها وحدودها.



ما ورد في العشر الأواخر من رمضان:

خَصَّ النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان بمزيد من الاهتمام والاجتهاد في العبادة، وذلك لفضلها واشتمالها على ليلة القدر التي سيأتي الحديث عنها قريباً، ومن الأحاديث الواردة في ذلك:

حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) [رواه مسلم].
وقالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله) [رواه البخاري].
وقوله (وشد مئزره): المئزر والإزار هو لباس يغطي النصف الأسفل من البدن، وشد المئزر هنا كناية عن اعتزاله للنساء، وقيل: كناية عن شدة الجد والاجتهاد في العبادة، ولا يمتنع الأمران.

وقولها (أحيا ليله): أي بالصلاة والذكر وقراءة القرآن وقد جاء في روايات الحديث أنه يخلط العشرين بنوم وصلاة فإذا دخل العشر أحيا ليله كله.

ومما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص به العشر الأواخر الاعتكاف في المسجد.


الاعتكاف :

معناه شرعاً :

لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله عزّ وجلّ، فيلزم المعتكف المسجد ويقبل على الله تعالى بالذكر والصلاة وقراءة القرآن ويقطع نفسه وفكره عن الاشتغال بأمور الدنيا.

وهو مشروع في رمضان وغيره من أيام السنة، لكن يتأكد استحبابه في رمضان، وآكده وأفضله في العشر الأواخر منه.

فعن عائشة -رضي الله عنها- (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، واعتكف أزواجه من بعده) متفق عليه.

فقد أفاد هذا الحديث: استحباب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يفعل ذلك قطعاً لأشغاله وتفريغاً لباله، وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه وتحرياً لليلة القدر.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:48 PM
ليلة القدر:

هي ليلة الحكم والقضاء التي يقضي فيها الله ما يشاء من أحداث العالم من رزق وأجل وغيرهما إلى بداية السنة الآتية، وذلك كل سنة.

ومن فضائل هذه الليلة:
نزول القرآن فيها.
يكثر نزول الملائكة فيها.
أنها سالمة من كل آفة وشر وذلك لكثرة خيرها.
أن العبادة فيها أفضل من عبادة ألف شهر، كما يدل على ذلك قوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر).
وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، وفي أوتاره خصوصاً، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة، ومن الأحاديث الواردة في فضل العبادة فيها والحث على تحريها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
وقد سبق هذا الفضل لمن قام رمضان، أعني: مغفرة ما تقدم من صغائر الذنوب، ومن عظيم فضل الله تعالى أن جعل هذا الثواب أيضاً لمن قام ليلة القدر وحدها موقناً بثوابها، ومخلصاً لله تعالى في قيامها.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري].
فقد أفاد هذا الحديث: الحث على قصد ليلة القدر والاجتهاد في طلبها في الليالي المفردة من العشر الأواخر (ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين .... إلخ).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد علمها ثم أنسيها حتى لا يتكل الناس فيدعوا العبادة في غيرها، فأمر الناس أن يتحروها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، وقد اختار بعض العلماء القول بانتقالها بين الليالي ومعنى ذلك: أنها تكون في رمضان في ليلة، وفي رمضان آخر في ليلة أخرى. والله أعلم.

صدقة الفطر :
هي الصدقة التي تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان على المسلم المالك لمقدار صاع من طعام يزيد عن قوته وقوت عياله يوماً وليلة. وقد وردت أحاديث تبين الحكمة من وجوبها ومقدارها ومم تخرج وغير ذلك من أحكامها، ومنها:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) [رواه أبو داود ].
وقد أفاد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب على المسلم عند انتهائه من صيام رمضان أن يتصدق بصدقة، ثم علل ذلك بأنه: (طهرةً للصائم..) أي: تطهير للصيام مما قد يقع في أثنائه من الآثام وأنه أيضاً عوناً للفقراء في يوم العيد يغنيهم عن سؤال الناس، وأنها تعطي للفقراء قبل صلاة العيد، وأما بعد الصلاة فهي كغيرها من الصدقات، وليست (صدقة فطر).

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) [ متفق عليه].
فقد دل هذا الحديث: على فرضية زكاة الفطر وعلى مقدارها، والأصناف التي تخرج منها، وعلى من تجب. فهي تخرج من الطعام كالتمر أو الشعير أو غيرهما كما تدل عليه أحاديث أخرى، ولذلك قال الفقهاء: تخرج من غالب قوت البلد بحسب اختلاف البلدان. وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم مقدارها بـ (صاع) وهي وحدة حجم تعادل: (2.5 كيلو) إذا كانت من البر أو الأرز.

وهي تجب -كما سبق- على الحر المسلم، لكنها تجب عليه عن نفسه وعن الذين يعولهم من المسلمين من أولاده وعبيده وغيرهم ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً، كما يدل عليه هذا الحديث وغيره، وأن الواجب إخراجها قبل صلاة العيد.



عيد الفطر:

هو أحد عيدي المسلمين فقد شرع الله للمسلمين عيد الفطر في أول يوم من شهر شوال بعد الانتهاء من شهر الصيام، فيخرج المسلمون فيه لأداء صلاة العيد شكراً لله على أن وفقهم لأداء ركن هام من أركان الإسلام وهو الصيام، فمن الأحاديث الواردة في ذلك:

حديث أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: (قد أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما يوم الفطر والأضحى) [رواه النسائي وابن حبان].
ومعنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وجد للناس عيدين يلعبون فيهما، فنهى الناس عنهما، وذلك ليقطع صلة الناس بما كانوا عليه من أمور الجاهلية، وأخبرهم أن الله قد أعطاهم عوضاً عنهما ما هو خير منهما: عيدي الفطر والأضحى، وذلك لما فيهما من الأجر والثواب والفضل من الله تعالى.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ..) [متفق عليه].
فقد أفاد هذا الحديث: مشروعية صلاة العيد، فهي سنة مؤكدة، قد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده، حتى أصبحت من شعائر الإسلام الظاهرة.

ويدل هذا الحديث على استحباب أدائها في المصلى (أرض فضاء خارج البلد) إذا لم يكن هناك مانع من مطر ونحوه، فتصلى ركعتين جماعة بغير آذان ولا إقامة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بعد شروق الشمس وارتفاعها قليلاً، ثم يقوم والناس في مصلاهم فيخطب في الناس ويعظهم.

وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: (أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين، وذوات الخدور، فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، وتعتزل الحيض المصلى ..) [متفق عليه].
فدل هذا الحديث: على مشروعية خروج النساء والصبيان في العيدين للمصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض، غير أن الحائض لا تصلي، لكن يشهدن بركة هذا اليوم وتشملهن دعوة المسلمين.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:49 PM
وعن عائشة قالت: إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفّفان وتضربان، والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه، فقال: (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام العيد) [متفق عليه].


نهاية الفرع الثاني من القسم الرابع

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:53 PM
الفرع الثالث من القسم الرابع:السيرة النبويه:
الحمد لله الذي أوضح لنا سبيل الهداية، وأزاح عن بصائرنا ظلمة الغواية، والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى، المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :

* أيها المسلمون : إن من خير ما بذلت فيه الأوقات، وشغلت به الساعات هو دراسة السيرة النبوية العطرة، والأيام المحمدية الخالدة، فهي تجعل المسلم وكأنه يعيش تلك الأحداث العظام التي مرت بالمسلمين، وربما تخيل أنه واحد من أُولئك الكرام البررة الذين قامت على عواتقهم صروح المجد ونخوة البطولة.

* وفي السيرة يتعرف المسلم على جوانب متعددة من شخصية النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- وأسلوبه في حياته ومعيشته، ودعوته في السلم والحرب.

* وفيها أيضاً : يتلمس المسلم نقاط الضعف والقوة، وأسباب النصر والهزيمة، وكيفية التعامل مع الأحداث وإن عظمت.

* وبدراسة السيرة النبوية يستعيد المسلمون ثقتهم بأنفسهم، ويوقنون بأن الله تعالى معهم وناصرهم، إن هم قاموا بحقيقة العبودية له والانقياد لشريعته قال تعالى: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم [محمد :7]، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[غافر : 51] . ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز [الحج : 40].

* وهذه الصفحات عبارة عن رؤوس أقلام وجمل يسيرة في سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، قصد بها فتح الطريق أمام ناشئة المسلمين وشبيبتهم لدراسات أعمق لهذه السيرة النبوية الخالدة . قال الله تعالى : محمدٌ رسول الله [الفتح : 29].

* نسبه (صلى الله عليه وسلم) هو أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . هذا هو المتفق عليه في نسبه (صلى الله عليه وسلم) واتفقوا أيضاً على أن عدنان من ولد إسماعيل.

* أسماؤه (صلى الله عليه وسلم) عن جبير بن مطعم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : "إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشَرُ الناس على قدميَّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد" [متفق عليه]. وعن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمي لنا نفسه أسماء فقال : "أنا محمد، وأحمد، والمقفِّي، والحاشر، ونبيُّ التوبة، ونبيُّ الرحمة " [ مسلم ].

* طهارة نسبه (صلى الله عليه وسلم) اعلم -رحمني الله وإياك- أن نبينا المصطفى على الخلق كلهم قد صان الله أباه من زلة الزنا، فولد (صلى الله عليه وسلم) من نكاح صحيح ولم يولد من سفاح، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : "إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" [مسلم]. وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال هو فينا ذو نسب، فقال هرقل : كذلك الرسل تبعث في نسب قومها. [البخاري].

* ولادته (صلى الله عليه وسلم) يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، قيل في الثاني منه، وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر. قال ابن كثير : والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرهما إجماعاً. وعام الفيل هو سنة 53 ق هـ ويوافق عام 571م.

* قال علماء السير : لما حملت به آمنة قالت : ما وجدت له ثقلاً، فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.

* وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت، أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام" [أحمد والطبراني].

* وتوفي أبوه (صلى الله عليه وسلم) وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة، والمشهور الأول.

* رضاعه (صلى الله عليه وسلم) أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً، ثم استُرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستُخرج منه حظُّ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك.

* ثم ماتت أمه بالأبواء وهي راجعة إلى مكة وهو ابن ست سنين، ولما مرَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، استأذن ربَّه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وقال : "زوروا القبور فإنها تذكِّر الموت" [مسلم]. فلما ماتت أمه حَضَنَتْهُ أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزَّ نصر وأتم مؤازرة مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:54 PM
* صيانة الله تعالى له (صلى الله عليه وسلم) من دنس الجاهلية : وكان الله سبحانه قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب ومنحه كل خُلقٍ جميل حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى إنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة : نحن نضعه، ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالوا : جاء الأمين فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه (صلى الله عليه وسلم) [أحمد والحاكم وصححه].

* زواجه (صلى الله عليه وسلم) تزوج خديجة وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى فرغبت إليه أن يتزوجها.

* وماتت خديجة رضي الله عنها قبل الهجـرة بثلاث سنين ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة رضي الله عنها تزوج عليه الصلاة والسلام سودة بنت زمعة، ثم تزوج (صلى الله عليه وسلم) عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يتزوج بِكْراً غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها، وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها، ثم تزوج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، ثم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان. وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي آخر من تزوج رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم).

* أولاده (صلى الله عليه وسلم) : كل أولاده (صلى الله عليه وسلم) من الذكور والإناث من خديجة بنت خويلد، غير إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.

* فالذكور من ولده : القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أياماً يسيرة، والطاهر، والطيب.

وقيل : ولدت له عبد الله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب . أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين إلا شهرين ومات قبل موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشهر.

* بناته (صلى الله عليه وسلم) : زينب وهي أكبر بناته، تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيِّدَي شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد رقية رضي الله عنهن جميعاً . قال النووي : فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاثة على الصحيح.

* مبعثه (صلى الله عليه وسلم) : بُعِثَ (صلى الله عليه وسلم) لأربعين سنة من عمره، فنزل عليه المَلَك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة:{13 ق هـ - 610م}، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وتغير وجهه وعرق جبينه.

* فلما نزل عليه الملك قال له : اقرأ .. قال : لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له : اقرأ .. فقال : لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم [العلق : 1-5]. فرجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت : أبشر، كلا والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر.

* ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً، فاغتم بذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدَّى له الملك بين السماء والأرض على كرسي، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خاف منه وذهب إلى خديجة وقال : زملوني .. دثروني، فأنزل الله عليه : يا أيها المدثر (1) قم فأنذر (2) وربك فكبر (3) وثيابك فطهر [المدثر : 1-4]. فأمره الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر (صلى الله عليه وسلم) عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتمَّ قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم فى الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفاً ومطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما يعلمون من محبته له.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 07:58 PM
* قال ابن الجوزي : وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نـزل عليه فاصدع بما تؤمر [الحجر : 94]. فأعلن الدعوة. فلما نزل قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين [الشعراء : 214]، خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى صعد الصفا فهتف "يا صباحاه !" فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد ! فاجتمعوا إليه فقال : يا بني فلان .. يا بني فلان .. يا بني فلان .. يا بني عبد مناف .. يا بني عبد المطلب .. فاجتمعوا إليه فقال: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ ؟ قالوا : ما جرّبنا عليك كذباً، قال: فإنينذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى تبت يدا أبي لهب وتبّ إلى آخر السورة. [متفق عليه].

* صبره (صلى الله عليه وسلم) على الأذى : لقي (صلى الله عليه وسلم) الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فراراً من الظلم والاضطهاد فخرجوا.

* قال ابن إسحاق : فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الأذى ما لم تطمع فيه في حياته، وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما مات أبو طالب تجهموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : "ياعم ما أسرع ما وجدت فقدك".

* وفى الصحيحين : أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يصلي، وسلا جزور قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة فألقته عن ظهره، فقال حينئذ “اللهم عليك بالملأ من قريش“. وفـي أفراد البخاري : أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوما بمنكبه (صلى الله عليه وسلم) ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟.

* رحمته (صلى الله عليه وسلم) بقومه : فلما اشتد الأذى على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر (صلى الله عليه وسلم) الرجوع إلى مكة. قال (صلى الله عليه وسلم) : “انطلقت -يعني من الطائف- وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب -ميقات أهل نجد- فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال : يا محمد ! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -جبلان بمكة- فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً“ [متفق عليه].

* وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول : "من يؤويني؟ من ينصرني ؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلِّغ كلام ربي !"

* ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر فدعاهم فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سراً، فلما تمت، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً.

* هجرته (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة : ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو وأبو بكر إلى المدينة فتوجه إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثاً، وعمي أمرهم على قريش، ثم دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله.

* غزواته (صلى الله عليه وسلم): عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون، ليَهلِكُنَّ، فأنزل الله عز وجل : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا [الحج : 39]. وهي أول آية نزلت في القتال. وغزا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سبعاً وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع : بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وبعث ستاً وخمسين سرية.

* حج النبي (صلى الله عليه وسلم) واعتماره : لم يحج النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع. واعتمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أربع عُمَرٍ كلهن في ذي القعدة إلا التي فـي حجته. فالأولى عمرة الحديبية التي صدَّه المشركون عنها، والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة عمرته مع حجته.

* صفته (صلى الله عليه وسلم): كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون -أي أبيض بياضاً مشرباً بحمرة- أشعر، أدعج العينين -أي شديد سوادهما- أجرد -أي لا يغطي الشعر صدره وبطنه-، ذا مَسْرُبة أي له شعر يكون في وسط الصدر والبطن.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:02 PM
* أخلاقه (صلى الله عليه وسلم): كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عِشْرَةً، قال تعالى : وإنك لعلى خلق عظيـم [القلم : 4]. وكان (صلى الله عليه وسلم) أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً، وكان (صلى الله عليه وسلم) أشد حياء من العذراء في خدرها، يقبل الهدية، ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان (صلى الله عليه وسلم) يأكل ما وجد، ولا يردُّ ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضره، وكان لا يأكل متكئاً ولا على خوان، وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته (صلى الله عليه وسلم) نار، وكان (صلى الله عليه وسلم) يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز.

* وكان (صلى الله عليه وسلم) يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة، وكان (صلى الله عليه وسلم) في مهنة أهله، قال : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" [الترمذي وصححه الألباني]، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : خدمت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشر سنين فما قال لشيء فَعَلْتُه : لم فَعَلْتَه، ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا !!.

* وما زال (صلى الله عليه وسلم) يلطف بالخلق ويريهم المعجزات، فانشق له القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحـنَّ إليه الجذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال.

* من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة" [متفق عليه]. وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة".

وفي أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع".

* عبادته ومعيشته (صلى الله عليه وسلم): قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك، فقال : "أفلا أكون عبداً شكوراً" [متفق عليه]، وقالت: وكان ضجاعه الذي ينام عليه في الليل من أدَم محشوّاً ليفاً !! وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يظلُّ اليوم يلتوي ما يجد دِقْلاً يملأ به بطنه -والدقل رديء التمر- !! ما ضرَّه من الدنيا ما فات وهو سيد الأحياء والأموات، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، ووفقنا الله تعالى لطاعته، وحشرنا على كتابه وسنته آمين آمين.






نهاية الفرع الثالث من القسم الرابع وأيضًا نهاية القسم الرابع

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:06 PM
القسم الخامس : 1-الدعوة الإسلاميه :

الدعوة إلى الله، وإلى دين الله - الإسلام- وإلى ما أعد الله لمن استجاب لهذه الدعوة المباركة: أمر عظيم تولاه الله سبحانه وتعالى بنفسه، وأرسل به رسله مبشرين ومنذرين، يدعون الناس إلى كل خير وينهونهم عن كل شر، يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، وأقام من بعدهم عباده الصالحين من ورثة الأنبياء الصادقين، الذين جعلهم حجة على الناس في كل وقت وحين، ينشرون دين الله بين الأنام ويدعونهم إلى الجنة دار السلام، فكم من أرض أناروها بنور الإسلام، وكم من أمم أخرجوها من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأولئك هم المفلحون.

1. دعوة الله

قال تعــالى: والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مسـتقيم [يونس: 25] فالله يدعو الناس جميعاً إلى جنات النعيم، وذلك باستجابتهم له وإيمانهم به واستقامتهم على صراطه المستقيم، "فعم بالدعوة إليها، وخص بالهداية لها من يشاء، فذاك عدله وهذا فضله" [إعلام الموقعين- ابن قيم الجوزية - 1/153].

وقالت رسل الله لأقوامهم يذكرونهم بدعوة الله لهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى [إبراهيم: 10]، وقال تعالى: والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون [البقرة: 221]. وروى الإمــام أحمد رحمه الله وغيره من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً، على كنفي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور، وداع على رأس الصراط، وداع يدعو من فوقه "والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" فالأبواب التي على كنفي الصراط: حدود الله، لا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف ستر الله، والذي يدعو من فوقه واعظ الله عزّ وجل...." [المسند 4/183 والترمذي]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "...فبينما أنا قاعد ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) متوسد فخذي، إذ أنا برجال عليهم ثياب بيض، الله أعلم ما بهم من الجمال، فانتهوا إليّ فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وطائفة منهم عند رجليه، ثم قالوا بينهم: ما رأينا عبداً قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان، اضربوا له مثلاً، مثل سيد بنى قصراً ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه -أو قال: عذبه- ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عند ذلك فقال: "سمعت ما قال هؤلاء وهل تدري من هؤلاء؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هم الملائكة. فتدري ما المثل الذي ضربوا؟ الرحمن تبارك وتعالى بنى الجنة ودعا إليها عباده فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه وعذبه …" [الترمذي جـ5/145 ح: 2861]. فالدعوة دعوة الله والدين دينه فمن أجاب دعوته واستمسك بدينه غفر ذنبه وكفر سيئاته وأدخله جنات النعيم، ومن لم يجبه عاقبه وعذبه.



2. الدعوة إلى الله عمل الأنبياء

والدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء، فقد أوجب عليهم ذلك، بل ابتعثهم من أجله وكلفهم تبليغ دينه إلى الناس وجعله أهم الواجبات المنوطة بهم بعد الإيمان به.

وقد قام رسل الله عليهم الصلاة والسلام بذلك أفضل قيام، وبلغوا رسالات ربهم أتم بلاغ، وصدق عليهم وصف الله لهم : الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً [الأحزاب: 39]. يمدح الله تبارك وتعالى الذين يبلغون رسالات الله أي إلى خلقه، ويؤدونها بأماناتها ويخشونه، أي يخافونه ولايخافون أحداً سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد من إبلاغ رسالات الله تعالى "وكفى بالله حسيبا" "أي وكفى بالله ناصراً ومعيناً" [ابن كثير جـ3/ص500].

فهكذا كانت حال أنبياء الله لايحسبون للخلق حساباً فيما كلفهم الله من أمور الرسالة ولا يخــشون أحداً إلا الله، ولا يخافون في الله لومة لائم، لاطمئنان قــلوبهم إلى الله -الذي أرسلهم وكلفهم- أنه سبحانه هو كافيهم وهو حسبهم ونعم الوكيل.

وقد بلغ رسل الله رسالاته إلى أقوامهم وأقاموا حجة الله عليهم فهذا نوح عليه السلام وهو أول الرسل وأول أولي العزم يقول لقومه موضحاً مهمته الرئيسة: يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون [الأعراف: 26]، وهذا هود عليه السلام يقول لقومه: يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين [الأعراف: 68]، وقال الله -أيضاً- حكاية عنه: فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم .. [هود: 57]، وقال تعالى عن صالح عليه السلام : فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين [الأعراف: 79]، وقال عن شعيب عليه السلام: فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم .. [الأعراف: 92]، وقال تعالى مبيناً مهمة الرسل ووظيفتهم الرئيسة: فهل على الرسل إلا البلاغ المبين [النحل: 35]. وعندما تتنكر الأمم الكافرة لدعوة أنبيائهم يوم القيامة وتنكر بلاغ رسلهم إليهم، فإن هذه الأمة خير أمة أخــرجت للناس تشــهد لأنبياء الله بتبليغهم رســالات ربهم . فعن أبي سعيد الخــدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، أو ما أتانا من أحد، قال: فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، قال: فذلك قوله: وكذلك جعلناكم أمةً وسطا قال : الوسط العدل، قال: فيدعون فيشهدون له بالبلاغ . قال ثم أشهد عليكم [المسند 3/32، البخاري -فتح الباري جـ6/371].

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:09 PM
ورواه الإمام أحمد رحمه الله من طريق أبي معاوية ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً ولفظه: "يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما أعلمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا، فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله وكذلك جعلناكم أمة وسطاً قال: يقول: عدلاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً [المسند: 3/58]. وأخرج ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية قال: " لتكونوا شهداء" وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وغيرهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم) [ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح وجود إسناده 8/172].ولهذا كان أنبياء الله -عليهم السلام- يخافون أشد الخوف ألا يبلغوا شيئاً من دين الله فيخسف بهم ففي حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن الله سبحانه أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها فقال عيسى عليه السلام: إن الله أمرك بخمس كلمات، لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخسف بي أو أعذب، فجمع الناس في بيت المقدس.." [المسند 4/202، الترمذي جـ5/148 ح:2863]

3. الدعوة سنة خاتم المرسلين:

وقد كان خاتم النبيين وخير أنبياء الله أجمعين محمد (صلى الله عليه وسلم) أعظم رسل الله بلاغاً وبلاءً في سبيل تبليغ دعوة الله عزّ وجل إلى الناس جميعاً فهو (صلى الله عليه وسلم) سيد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام.. فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب وإلى الجن والإنس، وأظهر الله كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع ، فقد كان النبي قبله يبعث إلى قومه خاصةً، وأما هو (صلى الله عليه وسلم) فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم، أسودهم وأبيضهم، جنيهم وإنسيهم، قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً [الأعراف: 158]، وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً [سبأ: 28]، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً [الفرقان: 1].

وقد أمره الله سبحانه أمراً جازماً بالبلاغ فقال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين [المائدة: 67]، وقال تعالى: .. فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ. [الشورى: 48]، وقال تعالى: ..وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد [آل عمران: 20]، وقال عليه الصلاة والسلام : "إنما أنا مبلغ والله يهدي .." [المسند من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما 4/101]. وفي الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام قال: "إنما بعثني الله مبلغاً ولم يبعثني معنتاً" [الترمذي -5/423 ح: 3318].

وسماه الله سبحانه وتعالى "داعياً إلى الله" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً [الأحزاب: 45- 46]، أي داعياً للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك" [ابن كثير 3/505]. وأمره -سبحانه- بالدعوة إلى الله في غير ما آية قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة .. [النحل: 125] وقال: ...وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم [الحج: 67]، وقال: ولايصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين [القصص: 87]، وقال: فلذلك فادع واستقم كما أمرت .. [الشورى: 15]، وقال تعالى عن نبيه (صلى الله عليه وسلم) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.. [الأنفال: 24]، وقال: وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم [المؤمنون: 73]، وقال: ومالكم لاتؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم .. [الحديد: 8]، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (جاءت ملائكةإلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً قال: فاضربوا له مثلاً فقال بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل المأدبة فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي: محمد، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ، ومن عصى محمداً فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس) [البخاري، فتح الباري 13/249 ح: 7281].

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:13 PM
وقد أمره الله أن يقص ويعظ ويذكر فقال تعالى: فذكّر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون [الطور: 29]، وقال: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين [الذاريات: 55]، وقال تعـالى: فذكر إنما أنت مذكر [الغاشية: 21]، وقال تعالى: فذكر بالقرآن من يخاف وعيد " [ق: 45]، وقال: وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت [الأنعام: 70] وقال: فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً [النساء: 63] وقال تعالى: فاقصص القصص لعلهم يتفكرون [الأنعام: 176].

وقد شمر (صلى الله عليه وسلم) عن ساق الجد وقام بالدعوة إلى الله أتم قيام وجاهد في ذلك أعظم الجهاد، وابتلي أعظم البلاء فصبر أعظم صبر عرفته الإنسانية حتى قال عليه الصلاة والسلام: "لقد أُخِفْتُ في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال" [الترمذي في الشمائل المحمدية وابن ماجه 1/03 ح: 138]. وابتلي عليه الصلاة والسلام بالدنيا فُعرض عليه الملك والجاه على أن يترك هذا الأمر فقال قولته المشهورة: "يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته" [سيرة ابن هشام 1/166]، "ولما نزل عليه قول الله: يا أيها المدثر قم فأنذر، وربك فكبّر وثيابك فطهر [المدثر: 1-4] شمّر عن ساق الجدّ وقام في ذات الله أتم قيام، ودعا إلى الله ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً ولما نزل قوله -تعالى-: فاصدع بما تؤمر [الحجر: 94] صدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم، فدعا إلى الله الصغير والكبير ، والحر والعبد ، والذكر والأنثى ، والأحمر والأسود، والجن والإنس، ولما صدع بأمر الله ، وصدع لقومه بالدعوة وناداهم بسب آلهتهم، وعيب دينهم، اشتد أذاهم له ، ولمن استجاب له من أصحابه، ونالوهم بأنواع الأذى، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه كما قال: ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك [فصلت: 43] وقال: وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن [الأنعام: 112] وقال : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون [الذاريات: 52-53]، [زاد المعاد في هدي خير العباد 3/12].

وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يغشى مجامع الناس وأسواقهم يدعوهم إلى الله ويطلب منهم من يؤويه حتى يبلغ رسالة الله، وتكون له الجنة ، فما يجد منهم أحداً ، وإن أحسنهم جواباً من يطلب أن يكون له الأمر من بعده (صلى الله عليه وسلم) فيجيبه (صلى الله عليه وسلم) : "الأمر لله يضعه حيث يشاء" [سيرة ابن هشام 1/424] حتى يسّر الله له الأنصار، فآمنوا به ونصروه وعزروه على أن لهم الجنة. روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال : مكث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول : من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة ، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له : احذر غلام قريش لا يفتنك. ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه ، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ..) [المسند 3/322، الحاكم 2/ 2/ 624].

ثم لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) داعياً إلى الله يعلم أمته الخير ويزكيهم ويعظهم ويأمرهم بكل معروف وينهاهم عن كل منكر حتى ما ترك خيراً إلا ودلهم عليه ولا منكراً إلا وحذرهم منه، وما ترك أمراً كان أو هو كائن إلا وعندهم منه ذكر قال أبو الدرداء رضي الله عنه قال: "لقد تركنا رسول (صلى الله عليه وسلم) وما في السماء طائر يطير بجناحيه إلا ذكرنا منه علماً" [رواه الطبراني]، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "تركنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يُذكرنا منه علماً. قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم" [رواه الطبراني في الكبير 25/156 ح: 1647].

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "قام فينا النبي (صلى الله عليه وسلم) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه" [البخاري تعليقاً -بدء الخلق-ح: 3192 جـ6/286].

وعن أبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الفجر وصعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان، وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا" [مختصر صحيح مسلم - الفتن].

وجاهد عليه الصلاة والسلام أعظم الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله ولم يزل كذلك مجاهداً داعياً إلى عبادة ربه، وحده لا شريك له ، حتى ظهر دين الله، وتمت كلمته الحسنى وأعلن توحيده وذكره في المشارق والمغارب وصارت كلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:15 PM
وشرعه هو الشائع وصار الدين كله لله، والطاعة كلها لله، وانحسرت الفتنة والشرك ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فجعل الله ذلك علامة على دنو أجله (صلى الله عليه وسلم) وقرب مماته، فأمر حينئذ بالتهيؤ للقاء الله ثم قبض عليه الصلاة والسلام في أطيب حال قبض فيها بشر، فطاب حياً وميتاً (صلى الله عليه وسلم) صلاةً وسلاماً دائمين فإنه قد نصح الأمة وبلغ رسالة ربه وجاهد في الله حق جهاده، ولم يمت عليه الصلاة والسلام إلا وقد استشهد أمته على تبليغه إياهم دعوة الله، واستشهد الله عليهم ففي أكبر مجمع شهده المسلمون في حياته (صلى الله عليه وسلم) *في حجة الوداع في يوم عرفة* قال: "وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس، اللهم اشهد اللهم اشهد، ثلاث مرات" [مسلم ح: 1218 جـ8/340]، ثم كرر ذلك يوم النحر فقال: "ألا هل بلغت ألا هل بلغت" [البخاري ح: 5550]. وفي المسند من حديث سمرة بن جندب عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أيها الناس أنشدكم بالله إن كنتم تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي عز وجل لما أخبرتموني ذاك ، فبلغت رسالات ربي كما ينبغي لها أن تبلغ، وإن كنتم تعلمون أني بلغت رسالات ربي لما أخبرتموني ذاك. قال: فقام رجال، فقالوا: نشهد إنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك.. " [المسند 5/16]. بل شهـد له بالبلاغ ألد أعدائه -اليهود- ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : "بينما نحن في المسجد خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا المدراس ، فقام النبي (صلى الله عليه وسلم) فناداهم فقال : يا معشر يهود أسلموا تسلموا. فقالوا : بلغت يا أبا القاسم، قال: فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ذلك أريد أسلموا تسلموا. فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك أريد. ثم قالها الثالثة...) [البخاري ح: 7348 جـ 13/ 314].

وقد استخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في دعوته وسائل عدة منها :

الوعظ والقصص والتذكير ومخاطبة الناس في مجامعهم وتلاوة الآيات عليهم.
الدعوة الفردية .
التعليم والتزكية. قال تعالى : ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم [البقرة: 129]، وقال تعالى: كما أرسلنا فيكم رسولاً يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون [البقرة: 151]. وقال : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة [آل عمران: 164]، وقال تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة [الجمعة: 2] فقدم سبحانه التزكية على التعليم في ثلاثة مواضع لأن التزكية هي مقصود التعليم وأما في الموضع الأول في سورة البقرة فلم يقدمها لأن ذلك حكاية قول إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- .
إرسال الرسل إلى البلاد ليعلموهم دين الله عز وجل فأرسل مصعب بن عمير إلى المدينة ومعاذاً إلى اليمن وأبا موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب كذلك إلى اليمن وغيرهم إلى بلدان أخرى.
إرسال الكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الله عز وجل. عن أنس رضي الله عنه: "أن نبي الله (صلى الله عليه وسلم) كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي، وإلى كل جبار ، يدعوهم إلى الله تعالى .." [مسلم: كتاب الجهاد والسير ح: 1774 جـ 12/ 454].
استقبال الوفود ، فكان عليه الصلاة والسلام يستقبل الوفود يدعوهم إلى الله ويعلمهم دينه ويأمرهم بإنذار من خلفهم من أقوامهم .
تأليف الناس ببذل المال ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : "ما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئاً قط فقال : لا" [مسلم - الفضائل ح: 2311 جـ15/467]. وعن أنس عن مالك رضي الله عنه قال: "ما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الإسلام شيئاً إلا أعطاه قال: فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً من لايخشى الفاقة فقال أنس: إن الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها" [مسلم ح: 2312 جـ15/467]. وروى مسلم "أنـه عليه الصـلاة والسلام أعطى صفوان بن أمية -يوم حنين- مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة. قال ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أعطاني وإنه لأبغــض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحــب النـــاس إليَّ" [مسلم ح: 2313 حـ15/468]. وقد كان عليه الصلاة والسلام يتألف الناس -أيضاً- بالعفو والصفح والخلق الحسن.
الجهاد في سبيل الله عز وجل: وهو أعظم الوسائل التي استخدمها (صلى الله عليه وسلم) في الدعوة إلى الله عز وجل، وهو من أعظم وسائل الدعوة الباقية إلى يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام (بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي) [أحمد في المسند عن ابن عمر 2/29 /50]، فالمقصود من الجهاد إقامة دين الله على وجه الأرض ونفي الفتنة والشرك عنها واقتلاع جذور الطواغيت الذين يحولون بين الحق والناس: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ... [البقرة: 193]، وقال تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .. [الأنفال: 39 ].
وقد كان قتاله (صلى الله عليه وسلم) كله جهاداً لإعلاء كلمة الله ودعوة للخير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما قاتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قوماً حتى يدعوهم" [المسند 1/231]، وفي رواية: "...قوماً قط إلا دعاهم" قال لعلي رضي الله عنه عندما بعثه في غزوة خيبر: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام ...." [البخاري - فضائل الصحابة - باب فضل علي ح: 3701 جـ 7/70]، وفي حديث بريدة: كان رســول الله (صلى الله

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:17 PM
عليه وسلم) إذا أمر أحداً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولاتغلوا، ولاتغدروا، ولاتمثلوا ولاتقتلوا وليـداً، وإذا لقيت عـدوك مـن المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.." [مسلم -الجهاد والسير- باب تأمير الأمراء على البعوث ... ح 1731 جـ12/398]، "فالجهاد ضرورة للدعوة سواءً أكانت دار الإسلام آمنة أم مهددة من جيرانها، فالإسلام حين يسعى إلى السلم، لا يقصد أن يؤمن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية، إنما هو يريد السلم التي يكون الدين فيها كله لله، أي تكون عبودية الناس كلهم فيها لله، والتي لا يتخذ فيها الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله...).




نهاية الفرع الأول من القسم الخامس

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:20 PM
الفرع الثاني من القسم الخامس:مكانة العلم والعلماء في الإسلام:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون [آل عمران: 102] يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء: 1] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً [الأحزاب: 70-71].

أما بعد :

فإن للعلم في الإسلام شأنا وأي شأن، ويكفي للدلالة على منزلته أنه صفة من صفات الله جل جلاله: وهو السميع العليم [الأنعام: 13]، وأنه سبحانه قد أمر به قبل العمل فاعلم أنه لا إله إلا الله [محمد: 19] وما ذلك إلا لأن صحة العمل مرهونة به، وقد أمر جل جلاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بطلب الاستزادة منه فقال: وقل رب زدني علماً [طه: 114]، وقد استفاض حديث القرآن الكريم عن العلم حيث وردت مادة علم فيه أكثر من سبعمائة مرة، كذلك لم يخل كتاب من كتب السنة من كتاب موضوعه العلم [د. سعد عبد الرحمن الجريد، رسالة دكتواره]، ولهذه المنزلة العالية كان طلبه فريضة كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" [أخرجه ابن ماجه في سننه وصحّحه الألباني]، ومن هذا الفرض ما يكون فرض عين ومنه ما يكون فرض كفاية فكل ما يحتاج إليه لصحة العبادة فهو فرض عليه فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب -القاعدة الأصولية المقررة- وماعدا ذلك من سائر العلوم التي نحتاج إليها في إقامة حياة سوية فإن تعلمه على الكفاية أي أنه لابد أن يكون في المسلمين من يعلمه بالقدر الذي يسد حاجتهم إليه وإلا أثم المسلمون جميعاً [نحو منهجية إسلامية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، دار المسلم، ط1 1415 ص 14 -21 - 23]، وهذا الاهتمام البالغ بالعلم وبهذه الصورة إنما يمثل المكانة الحقيقية للعلم. ويبرز أثره في الحياة، فالحياة التي لا تؤسس على العلم الشرعي حياة عديمة الفائدة، والإسلام الذي ينزل العلم هذه المنزلة هو دين العلم، ودين النقل والعقل، "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" [أخرجه الترمذي]. ولهذا كانت أبرز خصائص الدعوة إلى الله هو قيامها على البصيرة أي العلم قل هذه سبيلي أدعو إلي الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف: 108].

وأبرز خصائص هذه البصيرة مصاحبة العمل لها إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً [الكهف: 107] وما يُلحظ هذه الأيام من انفصال للعلم عن العمل هو من مظاهر الخلل في حياة المسلمين التي ربما كانت سببا في ظاهرة انفصال العلماء عن الحياة في كثير من بلدان المسلمين حيث ترتب على ذلك ما ترتب عليه من مظاهر الانحراف وأظهرها معايشة هموم الناس ومشكلاتهم، وقضاياهم من قبل من ليس لديه علم.

قال ابن عبد البر "قد اجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه، من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو الشهادة "باللسان" والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له، والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، وأن البعث بعد الموت حق للمجازاة بالأعمال والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة، ولأهل الشقاوة والكفر والجحود في السعير، وأن القرآن كلام الله، وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه، وأن الصلوات الخمس فريضة، ويلزمه من علمها ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها، وأن صوم رمضان فرض ويلزمه من علمه ما يفسد صومه، وما لا يتم إلا به . وإن كان ذا مال لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة، ومتى تجب، وفي كم تجب، ويلزمه أن يعرف بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع إليه سبيلا إلي أشياء يلزمه معرفة جملتها ولا يعذر بجهلها، نحو تحريم الزنا والربا وتحريم الخمر والخنزير، وأكل الميتة والأنجاس كلها، والغصب والرشوة على الحكم، والشهادة بالزور وأكل أموال الناس بالباطل، وتحريم الظلم كله، وتحريم نكاح الأمهات والأخوات ومن ذكر منهن وتحريم قتل النفس" [جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، 1414هـ 1م24].

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:22 PM
ومن ثم كان العلم الذي هو إدراك الشيء على حقيقته أو نقيض الجهل أو الاعتقاد الجازم، أو الحجة الواضحة مما تضمنته أول آيات أنزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- اقرأ باسم ربك.. [العلق: 1-5] كانت حثًا بليغا عليه حيث أمرت بالقراءة وثنت بالتعلم، وبينت أهم أدواته (القلم) وما ذلك إلا لأنه وسيلة العمل، وقائده، وهو تابع له، ومؤتم به، وشرط في صحته وصحة القول، فلا يعتبران إلا به، كما أنه مصحح للنية التي هي شرط في صحة العمل.

ولهذا كان القول على الله بغير علم من الكبائر قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف: 33] وليس من شك في أن العلم الشرعي هو أصل العلوم التي يحتاج إليها الإنسان، ومنه العلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بما أخبر الله به مما كان من الأمور الماضية وما يكون من الأمور المستقبلية، وما هو كائن من الأمور الخاصة والعلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح وما يتعلق بها من أحوال. والعلم بأصول الإيمان. وعلى ذلك فأهم متطلبات الحياة البشرية السوية من العلم هو ما كان متصلا بحياتها اليومية من معرفة ما يحل وما يحرم، أي ما كان متصلا بعبادتها بالمعنى الشامل للعبادة الذي لا تند عنه خالجة من النفس، أو كلمة على اللسان أو حركة من جارحة قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام: 162-163].

وذلك يعني شموله لكافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فالعلم الذي يستوعب حركة الحياة كاملة هو الفقه في الدين حقيقة. فبالعلم بهذا المعنى تقوم العدالة، وتحدد الحقوق وتصان، وبه تتحقق ملاءمة الفطرة السوية، والقدرة على مسايرة التطور زمانا ومكانا حيث تستوعب مستجدات الحياة وأحوالها.

ولما كانت الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات: 56] وكان العلم هو أداة تمكين الإنسان من هذه العبادة، وكان الإنسان في الحقيقة هو الذي يعبد الله يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد.. [الأعراف: 31] فلا يحصل له من الإنسانية إلا بقدر ما يحصل له من العبادة التي من أجلها خلق، فمن قام بها حق القيام فقد استكمل الإنسانية، ومن رفضها فقد انسلخ من الإنسانية، فلا يكون الإنسان إنسانا حقيقة إلا بالدين، ولا ذا بيان إلا بمقدرته علـى الإتيان بالحقـائق الدينية الرحمن علم القرءان، خلق الإنسان، علّمه البيان [الرحمن: 1-4].

فابتداء الآيات بعد اسم الله جل جلاله الرحمن بتعليم القرآن، قبل خلق الإنسان ثم الامتنان بتعليم البيان بعد الخلق تنبيه على أنه بتعليم القرآن يكون الإنسان إنسانا على الحقيقة، وأن البيان الحقيقي المختص بالإنسان يحصل بعد معرفة القرآن إلا أن الامتنان بتعليم العباد معاني القرآن وألفاظه يدل على عظم تلك النعمة لاشتمال القرآن على كل خير وزجره عن كل شر و والله إنها لنعمة وأي نعمة، ولا يجهل قدرها إلا كل ختار كفور.

فجهة العلم على الحقيقة ما نص في الكتاب أو في السنة أو في الإجماع أو أن يقاس على هذه الأصول ما في معناها، وليس لأحد أن يقول في شيء حلال ولا حرام إلا من جهة العلم كما نقل ابن عبد البر عن الشافعي رحمهما الله.

وحقيقة العلم: هي كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: {ليس العلم عن كثرة الحديث إنما العلم خشية الله} وحده: ما اشتيقنته وتبينته وله صفة الثبات، والحصول على هذا القدر من العلم أي المعرفة إما أن يكون بالضرورة العقلية أو بالضرورة الحسية أو بالكسب والاستدلال، وأصل علم الأنبياء وعملهم هو العلم بالله والعمل لله كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية.

وتبليغ هذا العلم ونشره مقصد نبوي قائم بذاته غير مقصد الفهم والعمل، فقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمستمع العلم وحافظه ومبلغه "نضّر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" [أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/24-3] وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الفقه في الدين من علامات سعادة الإنسان "من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين" [طرف من حديث، متفق عليه]، وأخبر عن نفسه -صلى الله عليه وسلم- بأنه بعث معلما ميسرا في قوله: "إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلماً ميسراً" [أخرجه ابن ماجه في سننه]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلّمها" [أخرجه البخاري]، قال صلى الله عليه وسلم:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلي الجنة، وما قعد قوم في مسجد يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" [أخرجه الترمذي]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقاً يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم.." [أخرجه أبو داود]، وقال -صلى الله عليه وسلم- : "إلا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم" [أخرجه الترمذي] وقال -صلى الله عليه وسلم- : "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [أخرجه مسلم]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الناس عالم ومتعلم وما بين ذلك هو همل لا خير فيه" [أخرجه الدارمي].

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:24 PM
والمسلمون الذين تلقوا عـن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك النصوص وأدركوا قيمتها وطبقوها في حياتهم كانوا أسبق بذلك إلى إلزامية التعليم الحديث بنص القرآن والسنة وأقوال العلماء وتطبيقاتهم التي ربطت بين العلم والعمل، حذراً من إنذار الله الشديد لمن يخالف فعله قوله يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون .. [الصف: 2-3] وأتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أ فلا تعقلون [البقرة: 44]. وما ذلك إلا لأنهم كانوا يدركون أن العلم لا يكون صحيحا سليما ما لم تصاحبه نية صالحة وإخلاص لله في طلبه باعتبار أن تلك النية هي أول منازل العلم.

ومن بين صور الحث على طلب العلم -لمنزلته العالية في الدين- بعبارات بليغة جامعة ما قاله سفيان الثوري: ويحكم اطلبوا العلم فإني أخاف أن يخرج العلم من عندكم فيصير إلى غيركم فتذلون، اطلبوا العلم فإنه شرف في الدنيا وشرف في الآخرة، وقال: ما يراد الله -عز وجل- بشيء أفضل من طلب العلم.

ولعل من أبلغ صور الحث على طلب العلم وبيان مكانته وأهميته للحياة ما أخرجه ابن عبد البر من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه الذي يقول فيه: تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام . ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة يقتص آثارهم، ويحتذى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في ظلهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومداومته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.

وهذه المنزلة العالية في حياة المسلمين هي التي وجهت المسلمين قديما وحديثا للحرص على العلم، فالمهتدون من الناس يريدون أن تصحّ عبادتهم لتقبل عند الله، ولا سبيل لذلك خارج نطاق العلم . لأنه هو الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم، ومن ثم كان معلم الناس الخير هو من يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء والطير في الهواء بسعيه في مصلحة الخلق وإصلاح دينهم ودنياهم. ولهذا كان فضل العلماء عظيما ومكانتهم في الأمة كبيرة ومنزلتهم عالية وآثارهم الحسنة كثيرة . ولو أغفل العلماء جمع الأخبار وتمييز الآثار، وتركوا علم كل نوع إلى بابه، وكل شكل من العلم إلى شكله لبطلت الحكمة وضاع العلم ودرس، ولكن الله -عز وجل- يبقى لهذا العلم قوما -وإن قلوا- يحفظون على الأمة أصوله، ويميزون فروعه فضلا من الله ونعمة، ولا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم منه الآخر ولهذا حث جل جلاله على العناية بتخصيص فئة من المسلمين للتعلم والتعليم في قوله سبحانه وتعالى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [التوبة: 122]، وامتن -جلّ جلاله- على الأمة ببعثة سيد الخلق المعلم الهادي في قوله سبحانه وتعالى: هو الذي

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:28 PM
بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [الجمعة: 2]، وعلى هذا فإن عماد الناس -بعد الله- حقيقة على العلماء في الفقه والعلوم وأمور الدين والدنيا، وهم أئمة الدين وورثة الأنبياء، ورثوا عنهم العلم، حملوه في صدورهم، واصطبغت به حياتهم، فاستحقوا أن يكونوا رأس الجماعة، كما وصفهم ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: المتقون سادة والعلماء قادة، ولعل هذه المنزلة في الدين هي التي بوأت العلماء مكان الصدارة في حياة الناس لما حباهم الله به من فضل، وما خصهم به من مزايا، وما شرفهم به من الثناء في نصوص قرآنية نكتفي بإيراد بعضها لدلالته على المقصود مثل قوله جل جلاله: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم [المجادلة: 11] وقوله جل جلاله: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [الأعراف: 18] وقوله سبحانه وتعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر: 9]، وقوله جل جلاله: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [العنكبوت: 43] وقوله سبحانه وتعالى:إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28] فهي نصوص بالغة الدلالة على فضل العلماء ومنزلتهم العالية في الدين وفي الإمامة، وقد كثرت كذلك النصوص النبوية المبينة لفضل العلماء ومكانتهم لا نستقصيها هنا لوفاء ما نورد فيها بمتطلبات المعنى المراد. ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم- : "العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظه أو بحظ وافر" [أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في إجابة سائل عن الشر: "لا تسألوني عن الشر، واسألوني عن الخير يقولها ثلاثا، ثم قال: ألا إن شر الشر شـرار العلماء وإن خير الخير خيار العلماء" [أخرجه الدارمي في مقدمة سننه]، موطن الشاهد قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن خير الخير خيار العلماء"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا هذه الآية إنما يخشى الله من عباده العلماء -إن الله وملائكته وأهل سماواته وأراضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير" [أخرجه الدارمي في مقدمة سننه]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مثل ما بعثني الله به -عز وجل- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجاديب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلاً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" [أخرجه البخاري في الفضائل في صحيحه]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب" [طرف من حديث أخرجه أبو داوود في العلم من سننه] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فقيه أشد على الشيطان من ألف عابد" [أخرجه الترمذي]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم" [أخرجه الترمذي]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم". ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير" [أخرجه الترمذي] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من قوم يجتمعون في بيت من بيوت الله يتعلمون القرآن ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده" [طرف من الحديث أخرجه مسلم]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة" [أخرجه أحمد في مسنده (12139)].

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:30 PM
ولاشك أن في تلك النصوص القرآنية والنبوية الكاشفة عن عظيم قدر العلماء ومنزلتهم العالية في دنيا الناس وفي الدين الحق الذي ختمت به الرسالات دلالة قاطعة تدل على أن مجتمع المسلمين الصالح مجتمع ميزته الأساسية الإيمان المؤسس على اليقين الذي قام الدليل على صحته من الهدى والفرقان، إذ الإيمان الصحيح والعمل الصالح هما دعامتا الفلاح في الدنيا والآخرة. يقول الإمام الشافعي رحمه الله : فإنه من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب ونوّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة. ومن ذلك يتبين أن أصل إطلاق العلم إنما هو للعلم الشرعي الذي به تحصل الهداية، لكن سعة مدلول العلماء بالصورة التي وردت في آية فاطر إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28] بعد ذكر أصناف المعارف التي تشيع اليوم في الحياة مما يتفق مع ضرورة تأسيس الحياة في جوانبها المختلفة على العلم، ويتفق كذلك مع ما ذكر من مكانه العلم عند المسلمين، حتى يمكن استيعاب كافة جوانب حياة المسلمين، وهو أيضا مما يؤكد أهمية التخصصات العلمية المختلفة لهذه الحياة، ويضفي المكانة الطبيعية على العلماء في صنوف المعرفة شريطة أن تكسبهم معرفتهم خشية الله التي هي في الحقيقة مدار وصف الإنسان بالعلم "وستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم" [أخرجه ابن ماجه في الفتن].

وربما كان من المناسب إيراد بعض الأقوال المفيدة في بيان فضل العلم والعلماء حرصا على زيادة الإيضاح ولما سبق بيانه من نصوص. فقد نسب إلى أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما قولهما: {باب من العلم يتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع}، وباب من العلم يتعلمه عمل به أو لم يعمل به. كما نسب إلى عبيد الله بن أبي جعفر قوله: العلماء منار البلاد، منهم يقتبس النور الذي يهتدى به. وتفضيل العلم على العبادة جاء عن جمع من السلف منهم مالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري، وتفاوتت عباراتهم في ذلك، لكنها كلها تجمع على تفضيل العلم على التطوع في صنوف العباداتإلا أن كلام سفيان يفيد أن طلب العلم أفضل من الجهاد لأنه قدم العلم على باقي الأعمال.

والأحاديث التي وردت في شأن تقديم العلماء على الشهداء من جنس "يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء" و"يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" و"للأنبياء على العلماء فضل درجتين، وللعلماء على الشهداء فضل درجة" وصفت كلها بالضعف ولا يصح منها شيء.

ونحن في الحق في غنى عن الاستناد إلى الضعيف، فقد ثبت فضل العلم والعلماء بما نقلناه من نصوص الوحي، ويكفي ذلك في الدلالة على المكانة العالية والمنزلة الرفيعة في الدين للعلم والعلماء، إضافة إلى ما ورد بشأن الثواب الذي ينتظره العلماء في الآخرة مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من علم علما فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل" [أخرجه ابن ماجه]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "العالم والمتعلم شريكان في الأجر.." [طرف من حديث أخرجه ابن ماجه].

ولعل من المناسب في سياق الحديث عن العلم وفضله وأهمية نشره في العالمين التأكيد على أن حسن الديباجة وإشراقة الأسلوب مطلبان حتى يحقق العالم لعلمه أسباب الانتفاع به من إثارة ذهنية ومتعة وجدانية باعتبارهما مدخلين نفسيين مهمين لمخاطبة الناس وتعليمهم. وربما كان من المهم في ختام الحديث عن مكانة العلم وفضله وفضل العلماء ورفعة شأنهم إيراد قول جميل منسوب إلى جعفر بن محمد وهو: وجدنا علم الناس كله في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ماذا أراد منك، والرابع أن تعرف ما تخرج به من دينك؟ أو ما يخرجك من دينك.

وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



نهاية الفرع الثاني من القسم الخامس وايضًا نهاية القسم الخامس

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:34 PM
القسم السادس والأخير:مفاهيم وقضايا معاصرة:1-موقف الإسلام من العولمه:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين… أما بعد:

فإن الدراسات المتعلقة بالمستقبل، أصبحت تشغل الجامعات ومراكز البحث في العالم أكثر من أي وقت مضى. ولم يعد القائمون على التخطيط للتنمية والاستثمار يقفون عند دراسة التاريخ في الماضي والتفكر في الحاضر، ولكنهم إضافة إلى هذا يستشرفون المستقبل باحثين عن بدائل احتمالاته وإعداد العدة للتعامل معها. ونتيجة لهذا، فإنهم يحسنون استثمار الزمن أولاً، كما يحسنون استثمار الطاقات البشرية والمادية، على السواء.

ومن أهم ما يطل على الساحة العالمية، ويشغل بال علماء الاقتصاد والاجتماع والتربية والسياسة في الوقت الحاضر ما يشار إليه بـ "العولمة". وهي توجه جديد يبدو أنه سينضمّ إلى جملة المؤثرات المعاصرة على مستقبل العالم بعامة والعالم الإسلامي بخاصة.

لذلك، لا بد أن يكون الحديث عن "موقف الإسلام من العولمة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام والأمن". ويقتضي المنهاج العلمي أن أبدأ بتحديد مفهوم "العولمة"، وهو مفهوم لم يتفق عليه بعد بين العلماء والباحثين. ومن ثم فإنني سوف أجتهد في تحديد هذا المفهوم، مشيراً إلى أن اجتهادات المثقفين تختلف بالنسبة للعولمة المعاصرة.

فنجد فريقاً يراها - بما امتطت من تقانة متقدمة وإعلام غلاّب - تهدد هويتنا، ومن ثم ينبغي أن توصد الأبواب والنوافذ دونها، وأن نرفضها كلا وتفصيلاً.

ويرى فريق آخر أنها بشير تقدم ورقي. وكيف لا وهي آتية من مجتمعات متقدمة، وتمتطي أحدث ما وصل إليه العصر من أساليب الاتصال وتقانته، ومن ثم ينبغي أن نفتح لها الأبواب والنوافذ، وأن نغتنم الفرصة بالأخذ بمعطياتها لإفادة الأمة الإسلامية من ثمراتها.

وهناك فريق ثالث يرى أن نأخذ منها المفيد ونتقي شر ما تأتي به من مثالب. وأمام هذه الرؤى المختلفة والمتعارضة - أحياناً - نرى أهمية فتح حوار عن العولمة، لعلنا نصل فيها إلى كلمة سواء.

أولاً: مفهوم العولمة:

سوف أعرض هنا مفهومين للعولمة:

الأول: أشير إليه بمفهوم "العولمة كما ينبغي أن تكون" وهو تصور للعولمة التي يتكافأ فيها الشمال مع الجنوب.

الثاني: أسميه "المفهوم المعاصر للعولمة" وسوف أحاول استقراءه من واقع التطبيق الفعلي المعاصر للعولمة.

أ- مفهوم العولمة كما ينبغي أن يكون:

يمكن فهم "العولمة" - على وجه العموم - من الناحية الاصطلاحية بأنها حركة تهدف إلى تعميم تطبيق أمر ما على العالم كله.

فمثلاً عبارة "عولمة تنقية البيئة" تعني جعل البيئة في جميع أنحاء العالم، بيئة نظيفة ومناسبة، لأن تحيا الكائنات الحية فيها حياة صحية. وتعني عبارة "عولمة الاقتصاد" جعل الاقتصاد في جميع أنحاء العالم يتبع النظام نفسه، ويطبق الأساليب ذاتها، ويستخدم آليات بعينها، لصالح جميع الشعوب دون تمايز بينها. وتعني عبارة "عولمة السلام" أن تتعاون جميع الدول لحفظ السلام في العالم، كما تتعاون على قتال المعتدين. وهذا المفهوم يستتبع استفساراً مهما عن إجراءات الأخذ بهذه العولمة. فهل تتبنى مختلف دول العالم هذه "العولمة" اختيارًا، بمعنى أنها تستشار في صياغة أسسها، وتخطيط أساليبها، وتحديد آلياتها، وأنها تتمتع بالحرية المطلقة في قبولها أو رفضها في النهاية؟ إذا كانت إجابة الأسئلة السابقة "نعم" فإن العولمة حين تسود جميع دول العالم، فإنّ هذا يكون بناء على اختيار حر وإرادة مستقلة منها. وتكون العولمة بذلك ظاهرة صحية.

ويمكن تطوير مفهومها ليكون: حركة قامت على اختيار جميع دول العالم اختياراً حراً، لتعميم تطبيق أمر ما عليها جميعاً، دون تمايز بينها.

وحيث إن العلم الحديث والتقانة المتقدمة هما مطية العولمة، ومع مراعاة التعددية الثقافية والخصوصية الدينية والحضارية للشعوب، وسعياً إلى تحقيق الأمن والرفاه والسلام للجميع، يمكن أن ننتهي إلى تحديد مفهوم "العولمة كما ينبغي أن تكون" على النحو التالي:

توظيف التقدم العلمي التقاني المعاصر، لتحقيق الأمن والسلام العالميين، والسعي لتحقيق الرفاه لجميع دول العالم، وبناء علاقات هذه الدول على أساس التعامل مع التعددية الثقافية، والخصوصية الدينية والحضارية.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:36 PM
ب- مفهوم العولمة المعاصرة:

باستقراء التاريخ يتبين أن العولمة المعاصرة ليست جديدة، ولا هي وليدة وقتنا الحاضر. فهي ظاهرة نشأت مع ظهور الإمبراطوريات في القرون الماضية. ففي السابق حاولت الإمبراطوريات -مثل الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية- أن تصبغ الشعوب التي تبسط نفوذها عليها بثقافتها، وتسعى لترسيخ هذه الثقافة في مختلف جوانب حياة هذه الشعوب. وقد عملت هذه الإمبراطوريات لتوجيه قيم هذه الشعوب وتقاليدها وحضارتها، وفق أنماط الحياة التي تريدها. فكانت هذه الخطوة نحو العولمة.

وقد لبست هذه العولمة عدة أثواب أخرى، منها الثوب العسكري ومنها الاستعمار، ومنها استنزاف الموارد، فقد قام الشمال باحتلال بلاد الجنوب متعللاً بشتى الأسباب، وعن طريق هذا الاحتلال تحكم في مقدرات البلاد واستنزاف مواردها، وغرس ثقافته فيها، وكانت هذه خطوة أخرى نحو العولمة. واليوم، وقد تفوق الشمال على الجنوب بما حاز من علم وتقانة، وبما امتلك من وسائل الدمار الشامل، أصبح الشمال مصدر الإنتاج في مختلف المجالات، وأصبح الجنوب مستهلكاً لهذا الإنتاج. ولكي يقنن الشمال هذه العلاقة، أطلق نداءه بالعولمة وأخذ بأسباب تحقيقها في مختلف الميادين. وينظر البعض إلى العولمة المعاصرة، بأنها:

آليات اقتصادية وأسواق عالمية، وجدت إطارها المقنن في اتفاقية التجارة العالمية، التي تضع الاقتصاد أمام الإنسان، وتهدر سيادة الدولة ومصلحة الفرد لحساب السيطرة الاقتصادية، ومن ثم فلابد من أن تتصادم مع التراث الثقافي لمختلف الشعوب، نظرا إلى أنها تنزع إلى صياغة ثقافة كونية تهدد الخصوصية الثقافية للمجتمعات.

وينظر آخرون إلى العولمة المعاصرة بأنها:

هيمنة المفهوم الغربي، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، على العالم. ومن ثم فإنها تفرض على الآخرين - ليس فقط ما يتعلق بتخطيط التنمية، وإنشاء البنى التحتية والخدمات الأساسية - ولكن تتعدى هذا إلى البنى الثقافية والحضارية.

ومن هنا يمكن أن يحدد مفهوم العولمة المعاصرة بأنه:

سعي الشمال عن طريق تفوقه العلمي والتقني للسيطرة على الجنوب تربوياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، بدعوى مساعدته على التنمية الشاملة وتحقيق العدالة في الاستثمار والرفاه للجميع.

وعلى الرغم من أن هذا التعريف يوضح النظرة الاستغلالية للشمال، إلا أن هناك أساليب كثيرة - لا يتسع المجال لذكرها - يمكن أن يستفيد بها الجنوب من العولمة. فعلى سبيل المثال يمكنه الاستفادة من معطيات التقدم العلمي التقاني الذي تستخدمه العولمة، في توسيع خطواته نحو التقدم. كما يمكنه أن يستنهض قدراته الذاتية، وأن تتضامن مجتمعاته في مواجهة تحدياتها، وفي توجيه القرارات الدولية الوجهة السليمة.



ثانياً: النظام السياسي بين الشورى والديمقراطية:

إن هدف العولمة المعاصرة، هو التمكين للنظام الديمقراطي على النمط الغربي، من حيث الأخذ بالتعددية، وإعطاء فرص لحرية التعبير، وإبداء الرأي من خلال قنواته. والنظام الديمقراطي كما يطبقه دعاة العولمة عليه مآخذ كثيرة، منها أنه في غالب الأحوال لا يمكن من الحكم إلا لفئة معينة، ويتحكم في الانتخابات فيه: رأس المال، والقبلية والنزعات العرقية والعنصرية والنفوذ، وتؤثر في مصداقيته الأمية والدعم الإعلامي.

ولإضفاء الشرعية على إقحام الديمقراطية الغربية في حياة الشعوب الأخرى، ادعى الغرب أن عدم تطبيقها فيه جور على حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات. ولا شك أن "حقوق الإنسان" يمكن أن تقرب بين دول العالم، إذا طبقت بموضوعية وتجرد. ولكن حقوق الإنسان - كما يطبقها دعاة العولمة - لم تراع الخصوصية الدينية والثقافية والأعراف الصحيحة للمجتمعات، بل أصبحت وسيلة للتحيز المقيت. فعلى سبيل المثال، حقوق الإنسان - كما تطبق في العولمة - لا تساوي بين حقوق الإنسان الفلسطيني أو البوسني أو الألباني، وحقوق الإنسان اليهودي أو الصربي، كما تسمح في ظل العولمة بالتحيز ضد يهود الشرق في إسرائيل، ولكنها لا تسمح بمقاومة المنحرفين عن نظام المجتمع في الكثير من بلدان العالم.

وبالنسبة لنا نحن المسلمين، فإن لدينا الأفضل والأنسب لحياة البشر جميعاً، وهو نظام الإسلام الذي يقوم الحكم فيه على الشورى والعدل وتطبيق شرع الله. والشورى وسيلة للوصول إلى الرأي الأصوب لأنه رأي الجماعة. والجماعة هنا لا يقصد بها الأغلبية المطلقة، كما هو الحال في النظام الديمقراطي الذي يعتمد على الأغلبية العددية وحدها، ولكن المقصود بالجماعة هنا الجماعة المؤهلة للاستشارة. ومن أهم ما ينبغي أن يتوافر في هؤلاء أن يكونوا ممن يتقون الله في القول والعمل ولا يخشون أحداً إلا إياه، ويعملون على تحقيق منهاجه في الأرض، وأن يكونوا ممن لديهم العلم والخبرة الكافية، فيما يستشارون فيه.

وبناءًا عليه فإن المستشار في الإسلام يصدق الحاكم القول. أما عن مدى صواب ما يشير به، فعلمه وخبرته يؤهلانه - بعد توفيق الله - للوصول إلى الصواب. ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب، ولكنه يتحرى الصدق والصواب في كل حال. وجماعة الشورى يذكر بعضهم بعضا، ويتناصحون ويتحاورون ويرجعون إلى الكتاب الكريم والسنة المطهرة فيما استشكل عليهم من أمور. قال الله سبحانه وتعالى عن المسلمين: وأمرهم شورى بينهم (الشورى 38)، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وشاورهم في الأمر (آل عمران، 159).

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:38 PM
وفي التاريخ الإسلامي صور من استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين للشورى في اتخاذ القرارات، كما في حفر الخندق في غزوة الخندق، وفي خروج المسلمين في غزوة بدر لمقابلة الكفار، وفي معاملة أسرى بدر.

ويعتمد العدل في الإسلام على المنهاج الشرعي وعلى تطبيق الحدود. أما المنهاج فهو شريعة الله… وقد قامت الشريعة على العدل مع النفس،وداخل الأسرة وفي ساحة القضاء، وعلى مستوى الرعية، وحتى مع المخالفين في العقيدة، ومع من نحبهم ومن نكرههم. قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (المائدة ، 8) وقال تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (النحل،90). وقال تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (النساء، 58).

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:40 PM
وتطبيق الحدود من الدعائم المهمة لتحقيق العدل في الإسلام، ومن أهم أسس استقرار الحياة في المجتمع المسلم. قال تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب (البقرة، 179). وقال تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له (المائدة، 45).

وبيّن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قواعد للعدل والمساواة ستظل نبراساً يستضيء به طلاب العدل ومريدوه على مر الأزمان. وذلك حين جاءه من يشفع في حد من حدود الله، فأقسم بالله أن لو سرقت ابنته فاطمة لقطع يدها. وقال عليه الصلاة والسلام: «كلكم لآدم وآدم من تراب، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى» (متفق عليه)

وقد ضرب الحكام المسلمون أمثلة للعدل مع النفس ومع أبناء الرعية المسلمين وغير المسلمين. فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحكم لنصراني من مصر بضرب ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قصاصا منه. وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقاضي نصرانياً أخذ درعه - وهو أمير المؤمنين - فيحكم القاضي للنصراني بالدرع، لأن أمير المؤمنين ليس عنده بينة.

وولي الأمر الذي يحكم بشرع الله المؤسس على الشورى والعدل، له واجب الطاعة على المسلمين. قال تعالى: يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (النساء، 59).

ويبين أبو بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه قواعد العلاقة بين الحاكم المسلم والمحكومين في كلمات بالغة الدلالة بقوله: « إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم». وقال عن ذلك الإمام مالك: «لا يكون أحد إمامًا إلا على هذا الشرط».

وهكذا كانت مبادرة الرعية إلى إبداء النصح واجبة عليهم بمقتضى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومبادرة ولي الأمر إلى طلب المشورة من أهلها واجبة عليه، للاستدلال على حكم الله ورسوله من النصوص الشرعية المتعددة، وللاجتهاد فيما سكتت عنه النصوص.

ومع أن التطبيق الديمقراطي -الذي تبشر به العولمة - يستند كما نعلم إلى دساتير وقوانين وضعية، فإن من أهم سمات الشورى في الإسلام أنها تنبع من عقيدة الإسلام وشريعته. وهذا يعني أن الشورى لا يمكن أن يتغلب فيها حزب على حزب أو جماعة على جماعة لمجرد الكثرة العددية، ولكن يكون التقويم المبدئي للرأي من حيث التزامه بالعقيدة وانطلاقة من الشريعة، ثم يأتي بعد هذا الأغلبية العددية.

أما في الديمقراطية، فإن مرجعية الحرية والعدالة فيها تتأثر بعوامل سياسية وحزبية واقتصادية وإعلامية.

والشورى في الإسلام تتيح للجميع الحوار الحر ومناقشة الحجج والمبررات التي توضح أن قرارا ما أكثر التزاماً بمبادئ الحق والعدل، كما تبين مدى توافقه مع مقاصد الشريعة وأصولها ومبادئها. أما في الديمقراطية فإن الفرد ليس ملزماً بإبداء الرأي، وقد يتعمد الغياب عن التصويت أو حجب صوته لأن هذا يحقق مصلحة انتمائه السياسي أو مصلحة فردية.

ومحور الفكر السياسي الذي تبشر به العولمة هو تحكيم الأغلبية العددية، أي عدد الأفراد الذين ينحازون إلى رأي معين. أما الشورى الإسلامية فإنها تجعل الأولوية للعقل والفكر وليس للعدد وحده. فالأغلبية العددية يمكن الحصول عليها لأسباب كثيرة عارية من الشفافية كما سبق أن بيناه، ونشاهد أمثلة لهذه كثيرة في داخل العالم الإسلامي وفي خارجه.

ومع هذا كله وعلى الرغم من مزايا نظام الإسلام، فإن العولمة المعاصرة لا ترضى به بديلاً عن الديمقراطية، لأنهم يهدفون إلى صبغ العالم كله بصبغة معينة هم مخترعوها، وهم الذين يدعمونها لتحقيق أهدافهم.



ثالثاً: السلام بين الإسلام والعولمة :
إن الدعوة إلى السلام في العالم هي دعوة الإسلام، قبل أن يوجد نظام العولمة، وقبل أن تلتزم دول العالم بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة سنة 1948م بعدم الاعتداء وبحل المنازعات بينها بالطرق السلمية، فقد أمر الله المسلمين أن يتجهوا إلى السلم إذا رأوا من أعدائهم ميلا إليه، ودعا إلى الاستجابة لدعوة السلام إذا صدقت نية الطرف الآخر في التوصل إليه، يقول تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله (الأنفال، 61) وينبه الله المؤمنين إلى الحذر من خديعة العدو: وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (الأنفال، 62) فالإسلام بذاته دعوة للسلام، السلام داخل المجتمع الواحد، والسلام بين المجتمعات المتعددة والمختلفة الأعراق واللغات والثقافات والعقائد.

ولم يرد لفظ الحرب في القرآن الكريم مقرونا بالدعوة إليها أو تمجيدها، بل جاء ذكر الحرب بأوزارها حين تفرض على المسلمين: حتى تضع الحرب أوزارها (سورة محمد،4) وقال تعالى في وصف الخارجين على المجتمع والذين يروعون الناس بغير حق ويجترئون على أحكام الشرع بأنهم يحاربون الله ورسوله (المائدة، 33) وهكذا لم يجعل الإسلام الحرب - وهي ظاهرة اجتماعية قديمة في التاريخ - وسيلة لتحقيق الخير أو حتى النفع الحقيقي للإنسان، واستبدل الإسلام بالحرب

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:41 PM
مفهوماً أسمى وأرقى هو مفهوم الجهاد، وهو مفهوم يتسع لبذل الجهد في مقاومة كل شر وعدوان، بدءاً من شرور النفس وانتهاءً بدفع العدوان وطلب تحقيق العدل والإحسان على الأرض وعلى الناس والجهاد ليس حرباً يشنها المسلمون على غيرهم بدافع السيطرة ومد السلطان وإذلال الآخرين واكتساب المغانم، إن الجهاد في الإسلام له مفهوم ينفي العدوان وينكر التوسع والسيطرة للاستعلاء على الناس بالقوة، وهو لا يبيح للمسلم أن يعرض نفسه للهلاك أو يقصد إهلاك غيره إلا وفق قيود الشرع، التي تحدد أسباباً يكون فيها الجهاد ويكون فيها القتال مشروعاً، فالإسلام لا يعرف الحرب التي يكون الباعث عليها مجرد العدوان وطلب المغنم، والتي يحتكم فيها إلى القوة وحدها، وإنما يعرف القتال دفاعاً عن النفس وعن الدين وعن جماعة المسلمين إذا حيل بينهم وبين عبادة الله وحده والدعوة إليه.

إن مفهوم الجهاد في الإسلام يستلزم أن تكون الحرب مشروعة، ومشروعية الحرب لا تتأتى بحسب أحكام الشرع الإسلامي إلا في حالات محددة، ووفق ما يجيزه الشرع من إجراءات لإعلان الحرب، وتحديد مداها وأثرها وتقييده لشرورها.

إن الحرب قد تكون للدفاع عن النفس، يقول الله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (البقرة، 109) ولنقض المعاهدات ونكث العهود، والكيد للإسلام والمسلمين. يقول سبحانه وتعالى: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون (التوبة، 12) وإن فتنة المسلمين عن دينهم والسعي بالفساد بينهم وتهديد سلامة المجتمع والدولة الإسلامية مما يجيز القتال درءا للفتنة، يقول الله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (البقرة، 193).

ولم تخرج غزوات المسلمين والحروب التي خاضوها في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين عن هذه الحالات داخل شبه الجزيرة العربية أو خارجها: مع اليهود في داخل شبه الجزيرة أو الروم والفرس خارجها.

هذا هو مفهوم الجهاد في الإسلام، وهو مفهوم يختلف عن مفهوم الحرب بمعناها الواقعي قديماً وحديثاً، فمفهوم الجهاد يجعل السلام هو الحالة الدائمة والثابتة في علاقة المسلمين بغيرهم، ولا يكون القتال إلا الاستثناء الذي يجب أن يتوفر سببه وحكمته.

ويوجب الله حتى في حالة الجهاد والحرب المشروعة، أن تكون الحرب معلنة، وليست غدراً بالآمنين والمسالمين، وأن يقلل من شرورها، لقد نهى عن قتال من لا يقاتلون من الشيوخ والعجزة والنساء والأطفال والرهبان المنقطعين للعبادة، وحرم الله صور القسوة والوحشية التي لا مبرر لها، مثل التخريب الشامل للعمران، وحرم أن تنتهك حرمة الآدمي حياً أو ميتاً، كالاعتداء على الجرحى أو الأسرى أو التمثيل بجثث الأعداء، كل ذلك شرع الله مراعاته من قبل المجاهدين، فكان بذلك ما نسميه "آداب القتال" أو قانون الحرب.

إن الجهاد في الإسلام وما يتبعه من قتال، لا يصح أن ينال المدنيين المسالمين، ولا يجوز أن يكون فيه دمار شامل للإنسان أو الأشياء النافعة للإنسان، وهكذا كان الحال في الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، مما لم تتوصل إلى بعضه المواثيق الدولية كمعاهدة جنيف، التي تحمي المدنيين من ويلات القتال، وتحدد حقوق الأسرى والمقاتلين والتي صدرت في عام 1949م.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:43 PM
رابعاً: حقوق الإنسان والعولمة:

لقد أثبتت الحروب الطاحنة التي نشبت في العصر الحديث - وخاصة في القرن الميلادي العشرين - أن إهمال حقوق الإنسان وإهدارها قد أفضى إلى أعمال همجية ووحشية انتهكت حياة ملايين الناس وحريتهم، وكان ذلك من الأسباب التي دعت إلى إصدار ميثاق عالمي لحقوق الإنسان سنة 1948م، وهو ما أشارت إليه ديباجة الميثاق، ومن أهم ما أفرزته "العولمة" في السنوات الأخيرة زيادة الاهتمام بقضية حقوق الإنسان، وخروج هذه القضية من الدائرة الوطنية والداخلية في دول العالم إلى الآفاق الدولية واعتبارها مسألة تهم المجتمع الدولي، ويستطيع أن يتخذ فيها عن طريق منظمة الأمم المتحدة أو الوكالات المتخصصة فيها إجراءات معينة لمراقبة الدول التي ينتشر فيها إهمال أو إهدار لحقوق الإنسان.

إن مفردات حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو التي وردت في اتفاقيتي الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية الصادرتين سنة 1966م عن منظمة الأمم المتحدة، هي حقوق قديمة في الإسلام اكتسبت مصطلحاً جديداً في المواثيق الدولية المعاصرة.

إن الحقوق الاقتصادية التي أتاحتها الاتفاقيتان الصادرتان سنة 1966م (وقد عمل بهما اعتباراً من سنة 1977م) تقع غالب مفرداتهما ضمن الحقوق التي منحها الله للفرد في المجتمع المسلم، الذي يتكون وفق الولاية المتبادلة بين أفراده من الرجال والنساء: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (التوبة، 71) ومن بين معاني الولاية النصرة والتعاون وتبادل الرأي والنصيحة، وهناك مبدأ عام في الإسلام يجعل التكافل الاجتماعي سمة ظاهرة فيه فيكون القادر مادياً أو علمياً مسؤولاً عن مساعدة غير القادر لسبب لا دخل له فيه.

في شأن المال تأتي فريضة الزكاة التي تجب على أغنياء المجتمع (وفق ضوابط مفصلة ودقيقة مبسوطة في كتب الفقه) لفقراء المجتمع.

لقد أمر الله تعالى بالزكاة وهي جزء يسير (2.5%) من بعض أنواع المال، يؤخذ من الأغنياء في المجتمع ويرد على الفقراء والمساكين فيه، كما يجري إنفاقه في الأوجه التي تسدّ حاجة من حاجات المجتمع المسلم، يقول الله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل.

فهؤلاء ثمانية أصناف يمثلون في مجموعهم حالات الضعف والحاجة حين تدهم الفرد أو طائفة من الناس في المجتمع.

ويحفظ الشرع الإسلامي حدًا كافياً للمعيشة لكل صاحب رأس مال أو دخل يكفي حاجاته طبقاً لنفقته ولظروفه، قبل أن يفرض عليه كفالة غيره، فما يؤخذ من زكاة إنما يؤخذ من الفائض الذي مضت عليه سنة كاملة دون أن يدخل في نفقات صاحبه، وذلك على النصاب الذي عينه الشرع حتى يجب أخذ الزكاة من المكلف بها. لقد حول الإسلام بتشريع الزكاة على هذا النحو اتجاه المال من أغنياء المجتمع، إلى سداد حاجات الفئات المحتاجة بجميع أنواعها، وقد كان ذلك تحولاً كبيراً عما كان سائداً في المجتمعات قبل الإسلام من اتجاه المال من الفقراء إلى السادة في المجتمع، قال تعالى: كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم (الحشر، 7).

فالإسلام يمنع أن يزداد الأغنياء غنىً -وقد يكونون قلة في المجتمع–، ويزداد الفقراء -وقد يكونون كثرة في المجتمع- فقراً وبؤساً.

وضمان حق العمل مكفول للفرد المسلم القادر عليه، لأن الإسلام ينهى عن البطالة، ويرفع من شأن العمل والكسب منه حلالاً طيباً، والفرد المسلم يعمل تحت رقابة المجتمع كله، قال تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (التوبة،105) ويعاون المجتمع الفرد على إيجاد العمل المناسب إذا تعسر ذلك على الفرد أو ضاقت سبله. وقد نصح الرسول صلى الله عليه وسلم شخصاً بالاحتطاب، ونصح شخصاً آخر بالاتجار وأسلفه مالاً لكي يبدأ كسب رزقه، وأعد بيده الشريفة آلة العمل لشخص شكا إليه قلة الكسب. وفي أحاديث الرسول صلوات الله عليه وسلامه من العناية والرعاية بالعمل والعامل ما يعد الأساس الشرعي لكافة ما يعطى للعمل والعامل من ميزات بحكم القوانين المعاصرة.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:44 PM
إن العمل لاكتساب الرزق والنفقة على الأهل يكفر الذنوب، كما جاء في الحديث الشريف: «من بات كالاً من عمل يده بات مغفور الذنب» والوصية بالعامل من الهدي النبوي: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».

وما ورد في الاتفاقيتين اللتين أصدرتهما الأمم المتحدة سنة 1966م بشأن الحقوق الاجتماعية والمدنية والسياسية هو القليل مما دعا إليه الإسلام.

إن أول ما نزل من القرآن الكريم يفتح أمام المسلم آفاق العلم والتفكير والوصول إلى الحق يقول تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق (العلق، 1) وللعلم شأن كبير ومكانة عالية في الإسلام ومن قرأ القرآن الكريم والحديث الشريف عرف منزلة العلم في الإسلام، وعلو شأنه وحضه عليه، ومن ذلك: قول الله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم (آل عمران، 18).

وقوله سبحانه: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب (الرعد، 19) وقوله تعالى: وقل ربِ زدني علما (طه، 114) وقوله: إنما يخشى الله من عباده العلماء (فاطر، 28) وقوله تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب (الزمر، 9) وقوله عزّ وجلّ: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير (المجادلة، 11).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير" رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وقال عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العمل فمن أخذه أخذ بحظ وافر» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان.

والمسلم مطالب ببذل النصح لغيره من أفراد المجتمع "الدين النصيحة" وعلى المسلم أن يشارك في الحياة العامة بقدر ما يسمح به علمه وقدرته، فأمور المسلمين في المجتمع شورى بينهم، يقول الله تعالى: وأمرهم شورى بينهم (الشورى، 38) وهكذا تتكامل قدرات الأفراد في المجتمع المسلم وتتجمع طاقاتهم، فيكفل الفرد للمجتمع طاقته وجهده بالعلم أو العمل، ويكفل المجتمع للفرد - حين يصيبه العجز أو الضعف - الحق في حياة كريمة، وبذلك يتحقق السلام الاجتماعي.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:47 PM
خامساً: الإرهاب بين الإسلام والعولمة:

وفي السنوات الأخيرة ظهرت قضية الإرهاب، واستأثرت باهتمام المجتمعات والحكومات، وتنبه العالم عن طريق منظماته السياسية والأمنية إلى مخاطر هذه الظاهرة التي شملت كثيرًا من بلاد العالم، ولم يسلم من شرورها سوى مجتمعات قليلة، ومع ذلك وبسبب ظروف سياسية وجهود إعلامية موجهة، حاولت بعض الجهات أن تصل ما بين ظاهرة الإرهاب وما بين صحوة إسلامية بدأت في العقود الأخيرة من هذا القرن الميلادي، ومن المحزن أن بلاداً إسلامية - أوقعتها ظروفها السياسية تحت سيطرة الأجنبي أو سادتها الفتن والقلاقل بسبب العجز الاقتصادي أو التخلف الثقافي أو الفتن الخارجية - تعاني وجود هذه الظاهرة مما ساعد أعداء الأمة الإسلامية على الادعاء بأن الإرهاب له أصل ديني وأنه نتاج الإحياء الإسلامي، مع أن الظاهرة ليست من الإسلام ولا صلة لها بالدين الصحيح، وليست خاصة بالمسلمين بل ربما كانت في بلادهم - مع خطئها وإدانتها إسلامياً - أقل من وجودها وظهورها في المجتمعات غير الإسلامية، كما دلت على ذلك إحصاءات دولية.

في الإسلام ووفق أصوله ومبادئه الكلية يعتبر الأمن من أجل النعم على الإنسان: أمن الفرد على نفسه ودينه وعرضه وماله، وانتفاء الخوف من العدوان على ضروريات حياته وحاجياتها. وفي القرآن الكريم بيان أهمية الأمن وأنه نعمة من الله تقرن بنعمة الطعام الذي يحفظ حياة الإنسان، وأن النعمتين معاً تستوجبان عبادته وحده لا شريك له. يقول الله تبارك وتعالى: فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (قريش، 3) ويحرم الله العدوان على النفس الإنسانية، ويجعل القتل العمد من أشد الجرائم إثماً وبغياً، ويبين أن قتل فرد واحد بمثابة قتل للجنس البشري كله، يقول تعالى: أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً (المائدة، 32). ويحفظ الشرع الإسلامي حرمة الجسد الإنساني، فلا يجوز العدوان عليه ولا إتلافه ولا استخدامه في غير ما شرع له، وهو العبادة والسعي في الأرض بعمل الخير. ويحفظ الشرع الإسلامي نفس الإنسان وجسده ويكفل حماية عقله ودينه وعرضه وماله بما فيه من عقوبات زاجرة عن العدوان على هذه الضروريات في حياة الإنسان - جسداً وديناً وعقلاً ونفساً - في شريعة القصاص وفي الحدود التي تواجه جرائم الاعتداء على الدين والنفس والعرض والمال والشرف والاعتبار.

فالإرهاب إذًا عدو الأمن -أمن الفرد وأمن المجتمع- وعدوان على نعمة من نعم الله الجليلة على الإنسان، وهو إذا ظهر في مجتمع عطل طاقاته وأسلمه إلى التخلف، لأن الخائف لا يأمن إذا عمل أن يضيع عمله هباءًا فالأمن لازم لتقدم المجتمعالمسلم في دينه ودنياه.

لقد كانت الفتنة الكبرى في التاريخ الإسلامي بسبب الإرهاب، وأول المجتمعات التي عانت من الإرهاب هو المجتمع المسلم بالذات، قتل ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب غيلة وغدراً على يد مجوسي حاقد على الإسلام والمسلمين، وقتل الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه على يد فئة خرجت على الشرع الإسلامي وانتهكت محارمه بقتل إمام المسلمين وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة الذين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، واقتتل المسلمون مع الخوارج الذين ناصبوا الخليفة علي بن أبي طالب العداء على الرغم من محاولته نصحهم وهدايتهم إلى الحق، وقتل هؤلاء الخوارج الإمام علياً وأوغلوا في دماء المسلمين، فكانت الفتنة الكبرى التي بدأت في القرن الأول الهجري ومازالت آثارها في العالم الإسلامي حتى اليوم، صنعها الخوارج وغذاها أعداء الإسلام والمسلمين خلال مسيرة التاريخ الإسلامي، حتى تفرقت الأمة الواحدة إلى شيع وأحزاب كلهم على ضلال إلا الفرقة الناجية التي تسير على ما كان عليه الرسول وأصحابه خيار السلف في هذه الأمة.

إن الإرهاب - وهو مرفوض في الإسلام رفضاً حاسماً - ينتسب من يمارسونه أحياناً إلى الإسلام، بل يتظاهرون بالغيرة على الدين وعلى حقوق المسلمين، وقد يتجاوزون الحد في اتهام المسلمين أفرادًا وجماعات بالمروق من الدين ويستحلون دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وهكذا فعل أجدادهم من الخوارج حين اتهموا عليا رضي الله عنه بالخروج من الدين واستحلوا قتل إمام المسلمين بعد أن بايعه الناس، وبذلك وجهوا إرهابهم إلى المسلمين كافة وإلى أئمتهم خاصة. ولقد قاتلهم إمام المسلمين ليحفظ أمن المجتمع وحياة المسلمين حتى قضى على فلولهم، وهذا واجب كل إمام مسلم، لا سيما في هذا العصر الذي ينسب فيه غير المسلمين كل إرهاب وإخلال بأمن المجتمعات إلى فعل المسلمين أو توجيهات الإسلام، مع أن الشرع الإسلامي وتوجيهاته هي أقوم السبل في مواجهة جرائم الإرهاب.

لقد حفظ الإسلام أمن المجتمع المسلم إزاء المجتمعات الأخرى، فلم يشرع القتال إلا دفاعاً عن الدين والنفس وحفظ المجتمع من الفتنة، وأمر بطاعة أولي الأمر أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (النساء، 59). ولا يجوز في الإسلام أن تخرج طائفة من الناس على أمن المجتمع وتهدد استقراره أو تنزع يدها من بيعة توجب الطاعة، بل لقد أمر الرسول صلوات الله عليه وسلامه بالطاعة حتى ولو ظهر في المجتمع ما يعد منكراً، ما دام يجري التصدي له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العلماء والأمراء، أو بإنكار عامة الناس، وما دام المجتمع المسلم يتمتع بحقه في عبادة الله وحده، وتظهر فيه شعائر الإسلام، ويوجد فيه الحاكم المسلم الذي يحفظ الدين ويحمي أرض الإسلام ومصالح المسلمين، فلا خروج عن الطاعة من الفرد أو طائفة من الناس تروع الآمنين وتنشر الخوف والفزع بين المؤمنين. لقد ذكر الله الخارجين عن الطاعة، وجعلهم محاربين لله ورسوله، وحدد عقوبتهم بخسرانهم في دينهم ودنياهم. يقول تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (المائدة، 33).

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:48 PM
وهكذا وضع الإسلام الإرهاب في عداد أعظم الجرائم: محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض فساداً، وأوجب على ولي الأمر أن يتصدى له حفاظاً على الدين وعلى حياة المسلمين، ولا حق لفرد أو جماعة أن تدعي على الأفراد أو على المجتمع ولاية لا حق لها فيها ، وأن تكفر غيرها أو تقيم حدًا من حدود الله مع وجود الولاية الشرعية للحاكم المسلم، فالإسلام يقيم مجتمعاً آمناً مستقرًا بعيدًا عن كل ما يهدد الناس ويروعهم، ويصلح المجتمع إذا ظهر ما يعد منكرًا من فرد أو طائفة من الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبإقامة حدود الله على يد الحاكم المسلم، وطبقاً لحكم الشرع، ولا مجال في الإسلام للخروج على المجتمع أو التسلط على الناس والإخلال بالأمن بحجة الغيرة على الدين أو الرغبة في الإصلاح، وهو ما يدعيه الإرهاب في هذا العصر، وأصحابه هم شر خلف لشر سلف في تاريخ الأمة الإسلامية.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم…




نهاية الفرع الأول من القسم السادس

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:50 PM
القسم السادس: الفرع الثاني:حقوق الإنسان في الإسلام:


الإنسان خلقه الله من أصل واحد جمع به بين البشر في أصل حقوقهم، إلا أن الله فاوت بينهم وسخر بعضهم لبعض لإقامة الحياة وعمارة الدنيا.

وأنزل الشرع ليحكم بين الناس حتى لا يبغي أحد على أحد.

والناس جنس فيه الذكر والأنثى والكبير والصغير والولد والوالد والقوي والضعيف بل والمهتدي والضال، ولكل نوع حق وعليه حقوق، وجاء النتاج الحضاري الإسلامي وفق الشرع الإسلامي الذي بنى أسس العلاقة بين أنواع الإنسان وسكت عن أمور توسعة ورحمة.

فليس لأحد بعد الله أن يحد حداً أو يشرع شرعاً أو يضيق واسعاً أو يتجاوز حداً أو يخالف تكليفاً مما أنزل الله ورضيه لنا دينا.

وشمول الإسلام أصل قامت عليه حضارته، ولهذا شرح علماء الإسلام وبناة حضارته من ضمن ما شرحوه وبينوه حقوق الناس بعضهم على بعض، وليست مقولة حقوق الإنسان وفكرتها من مبتدعات الفكر المعاصر الغربي، كما يروج لها الكثيرون، بل هي حقيقه جاء بها الإسلام في كتاب اللـه الكريم وفي سنة نبيّه وكانت أساساً مصوناً واضحاً للعيان، يراعيها المسلمون حكاماً ومحكومين. ولا أدل على ذلك من تعليم النبي-صلى اللـه عليه وسلم- معاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن، ورسائله ورسائل خلفائه إلى قوّاد الجيوش الإسلامية، وتأكيد هذه الرسائل على أهمية مراعاة حقوق الرعية ،وسكان البلاد، واحترام أماكن عباداتهم، ومساكنهم.

وسيدور البحث في هذه الصفحات عبر مسارات هي :

أولاً: السبب التاريخي لوضع قواعد حقوق الإنسان في الغرب.

ثانياً: توجهات الفكر الغربي المعاصر لحقوق الإنسان في ميزان الإسلام.

ثالثاً: أسس القواعد الإسلامية لحقوق الإنسان، وملاءمتها للتطلعات البشرية.

رابعاً: المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان في الإسلام.

أولاً: السبب التاريخي لوضع قواعد حقوق الإنسان في الغرب

لم يكن التفكير في حقوق الإنسان مظهراً طبيعياً، ونشاطاً فكرياً مكملاً للمناشط الحياتية، نبع كحلقة من حلقات التأمل الفكري، بل كان ذلك وليد أمر طارئ في الكون، وعلاجاً لسقم اجتماعي زادت حمّاه في الغرب الأوربي. فالصراع المقيت المميت بين المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية في أوروبا، قد ألهب حماس الشعوب الأوربية، وحفزها على الثورة والتغيير، وقلب ظهر المجن على الكنيسة والحكومات الإقطاعية، وكان من شأن هذا التحوّل في بنية المجتمع الأوروبي السعي وراء وضع قوالب وركائز أساسية، تحمي المكتسبات وتقي من النكبات، فكان هذا من أقوى دواعي التفكير في حقوق الإنسان في الغرب، وتأسيس مبادئه ومحاوره.

يؤرخ لحقوق الإنسان، بصدور الماجنا كارتا سنة 1215م في إنجلترا، حيث نص هذا الميثاق، على إكساب الشعب الإنجليزي حقه في تجنب المظالم المالية.

وضمنت فكرة حقوق الإنسان وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776م، بتأكيد هذه الوثيقة على الحق في الحياة، والحرية، والمساواة. وفي فرنسا وفي أثناء ثورتها، صدرت وثيقة حقوق الإنسان في تاريخ 26/8/1789م، وهي تعد إعلاناً عن هذه الحقوق.

ولم يكن التعسف الكنسي والإقطاعي قائماً على معايش الناس ورزقهم المادي، بل تعداه إلى الحظر على العقل، والفكر، لذا لجأت إعلانات حقـوق الإنسان، لتحرير العقل الإنساني قبل تحرير خبزه ومعاشه.



ثانياً: توجهات الفكر الغربي المعاصر لحقوق الإنسان في ميزان الإسلام

إنّ تحرير الإنسان في الغرب الأوروبي لم يتعد إلى الشعوب المضطهدة القابعة تحت نير الاستعمار الأوروبي، بل إنّ ذلك شأن آخر - في الفكر الغربي - لا يدخل في مفهوم حقوق الإنسان. وهذا ما يؤكد عنصريّة الفهم الغربي للقضية، وسعة شمولية الدين الإسلامي حينما يقرر الحقوق لكل البشر دون استثناء.

ولقد صمّم الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ليكون على المستوى الدولي، مما يوقعه في محاذير يلزم الإشارة إليها، فلم يهتم هذا الميثاق بمعاناة الشعوب، واعتبر ذلك أمراً داخلياً يجب عدم التدخل فيه، واتبع في تقويم السلوك الداخلي معيار سياسة الأمر الواقع، فالنظام الحاكم في أي دولة مسؤول عن تعريف حقوق الإنسان، وتطبيق ما يشاء منها دون تدخل من العالم الخارجي.

وفي اتجاه معاكس تماماً قام ميثاق حقوق الإنسان بتوسيع الدائرة، حتى صمّمت مبادئ حقوق الإنسان بتجاهل تام للشعوب المختلفة، وأصبحت هذه المبادئ سلاحاً فتاكاً يستخدمه المستعمرون الجدد، للضغط على الشعوب المستضعفة، ويبررون بها كل مظاهر الاعتداء والتجويع والقهر.

وبعكس التصور الغربي لحقوق الإنسان، فإن الإسلام ينظر إلى هذه الحقوق كحق للآدميين مستمدّ من إرادة اللـه- سبحانه وتعالى-، وحكمته، وتشريعه،وتفضله عليهم، فهو يبعد عن المادية أو ضمير الجماعة، فالمحتكم هنا ليس ما يريده الإنسان بل ما قرره اللـه -سبحانه-.

فكرامة الإنسان حق من حقوقه كفلها الدين الإسلامي كما قال تعالى: ولقد كرمنا بني آدم ….

فهذا المبدأ ملزم للحاكم والمحكوم، بل الفرد نفسه ملزم بتحقيق الكرامة الذاتية بالابتعاد عما يمتهنها بذل وخضوع، وعبودية لغير الله- تعالى-، فليس للإنسان الحرية أن يقتل نفسه بالانتحار، أو يتعاطى المخدرات، والمسكرات القاتلة والمهلكة للصحة والمذهبة للعقل.

فالمفهوم المعتمد على ضمير الجماعة لا يستقر عبر الزمان والمكان، ولا يقبل من الجماعات والشعوب المختلفة، لأن في سنّ القوانين ذاتية لا يمكن تجاوزها، فهي تحقق مصلحة جماعة دون أخرى.ومن هنا فالفكر الإسلامي لحقوق الإنسان يعتمد الشريعة الإلهية كمصدر لذلك، فالعدل والمساواة مفاهيم نسبية لا يمكن الاتفاق عليها من الشعوب، ولكن المفهوم الإسلامي الشامل لها يمكن أن يُقبل من شعوب الأرض قاطبة لعدم ارتباطه بشعب أو أمة.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:52 PM
ومن أهم الانتقادات الموجهة إلى الفكر الغربي حول حقوق الإنسان ما يلي:

أن فكرة حقوق الإنسان، فكرة نسبية تعتمد على تفسير الجهة المصدرة لها، مما يعني اختلافها زماناً ومكاناً .
وجود مواجهة مباشرة بين الأنظمة الحاكمة والشعوب، نظراً لأن مبادئ حقوق الإنسان تسعى لمصلحة المجتمع ضد النظام الحاكم، وهذا بخلاف مقتضيات النظر الإسلامي، حيث إنّ هذه الحقوق عامة، يتمتع بها الفرد في مواجهة الغير، وليس في مواجهة السلطة وحدها .
لا تلقى فكرة حقوق الإنسان القبول العام، والتأييد المطلق من الشعوب المختلفة، طالما أن مصدرها قانوني بحت، لأن القانون ينبع من ضمير الجماعة، وليس من مصدر خارج عنهم، كما هو الحال وفقاً للنظر الإسلامي الذي يرجع الفكرة إلى إرادة اللـه -تعالى- وأمره .
لقد توسعت فكرة حقوق الإنسان لتشمل الحريات المطلقة؛ كالعدالة، والمساواة وحرية السلوك، وحرية المرأة، والحرية الجنسية، وحق ممارسة الشذوذ. وهذا الاتساع في المفهوم لا تقبله الشعوب عامة، ويتعارض بشكل واضح مع المفاهيم الدينية السماوية، والمفهوم الإسلامي بشكل خاص، وهذه الفئات تشكل غالبية شعوب الأرض .
ولقد ظهرت عدة اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان لا تسلم من الانتقادات الموجهة إلى الفكرة العامة، لقد تم إنجاز اتفاقيتي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والمدنية والسياسية، وصدرتا في 16/12/1966م ونفاذهما في عام 1976م وأضيفت إليهما اتفاقات أخرى كالاتفاقية الدولية لإزالة التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق العمال المهاجرين.

وقد تم التصدي لكثير من أحكام ومبادئ هذه الاتفاقيات، عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعض المنظمات الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

ومن مرتكزات الفكر الإسلامي حول حقوق الإنسان: مبدأ الوحدة الإنسانية وهو ما جاء أساسه في القرآن الكريم واضحاً، قال اللـه تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم (سورة الحجرات، الآية 13).

والإنسانية في نظر الإسلام، جاءت من نفس واحدة، يقول اللـه تعالى:

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء (سورة النساء، الآية 1).

ويظهر هذا سلامة القاعدة وصحتها، وأنّ الشريعة أساس الحق ومصدره، وهي شرع اللـه -عزّ وجلّ- لبني الإنسان في كل زمان ومكان.

والسلطة في نظر الإسلام تعد في مركز الأمين الذي يراعي مصالح الناس، فهي ليست طرفاً في مواجهة الناس يحمون أنفسهم منه، بل هي سلطة تتقيد بالشريعة الإسلامية في نصوصها ومبادئها الكلية.



ثالثاً: أسس القواعد الإسلامية لحقوق الإنسان وملاءمتها للتطلعات البشرية

لقد انطلق الفكر الإسلامي في مسألة حقوق الإنسان منطلقاً مختلفاً تماماً عن المنطلقات الغربية وهنا نبرز أهم هذه القواعد:

اعتماد الدين الإسلامي أساساً لحقوق الإنسان من خلال الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح .
أنّ العقوبات الحدية على الجرائم الخطيرة والتي رتبت لحفظ أمن الناس، سياسة جنائية حكيمة لا تنافي حقوق الإنسان، بل ترسخ هذه الحقوق، وتدعمها كما قال تعالى : ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب وقد أُيّد هذا المنهج في الندوات الثلاث التي نظمتها وزارة العدل السعودية في شهر صفر من عام 1392هـ (مارس 1972م) وشارك فيها عدد من المفكرين الأوربيين، وأساتـذة القانون الكبار منهم: وزير خارجية إيرلندا، ومدير المجلة الدولية لحقوق الإنسان التي تصدر في فرنسا، وعدد من كبار المحامين في محكمة الاستئناف في باريس. وهذا ما عبر عنه رئيس الوفد المستر ماك برايد حيث قال: (من هنا ومن هذا البلد الإسلامي، يجب أن تعلن حقوق الإنسان لا من غيره، وإنّه ينبغي على العلماء المسلمين أن يعلنوا للعالم عن هذه الحقوق المجهولة).
أنّ حقوق الإنسان وكرامته ليست ناتجة عن التطور الاجتماعي، ومقتضيات الحياة المتغيرّة، بل هي حق للإنسان باعتباره آدميًّا يستحق الكرامة والحقوق.
أن عدم التفرقة بين بني البشر في الحقوق لايقوم على أساس عرقي أو لوني، كما قال تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم اللـه إلا بالحق (الأنعام:151).
كفالة الحق التضامني، أي: التضامن الاجتماعي بين الناس، مثل وجوب الزكاة، ومشروعية الصدقات، ومعاونة المحتاجين، فهي حق للمحتاج. وهذا ما تتميز به الشريعة الإسلامية عن الإعلان الدولي لحقوق الإنسان الذي لا يلزم الآخرين بدعم المحتاجين إلاّ من قبل التطوع .
القضاء على الطبقية الاجتماعية يجعل الناس متساوين، وإنّ التفاوت في الكرامة يعتمد على درجة التقوى كما قال تعالى: إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم (الحجرات:13).
تسخير ما في الكون لخدمة الإنسان بالعدل، فيجوز للإنسان استغلال البيئة بجماداتها ونباتاتها وحيواناتها بما لا يؤدي إلى الضرر قال تعالى: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه (سورة الجاثية:13).
أنّ الكرامة الإنسانية تشمل كل متعلقات الإنسان جسماً وعقلاً وروحاً وممتلكات حياته بل ومماته، فلا يجوز التمثيل به أو تشويهه، أو حتى المشي على قبره في مماته، أو إحداث أي مظهر يدل على امتهان كرامته.
لا ينكر الإسلام كل ما تضمنته وثائق حقوق الإنسان الدولية، فلا يمكن حرمان الإنسان من حقه في الكرامة الإنسانية، ولا حرمانه من الحق في الحرية، والحق في المساواة، وفي المشاركة الاجتماعية، في المجتمع الذي يعيش فيه، فهذه الحقوق التي تأتي على رأس حقوق الإنسان في الزمن المعاصر، تمثل مبادئ عامة وشعارات لا يمكن رفضها، ولكن الخلاف يأتي في المدى الذي تصل إليه هذه الحقوق، والمفاهيم التي تتضمنها، فقد تكون كلمة حق يراد بها باطل .
إنّ فكرة الحق في الفكر الإسلامي فكرة أصيلة، تعني الأمر الثابت. وهي ليست خالصة للآدميين فقط بل هي حق لله أولاً، وحق للآدميين ثانياً، فالعبودية والخضوع لله -عز وجل- حق ثابت له- سبحانه-، ولا يتنافى مع ما للعباد من الحقوق

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:55 PM
المذكورة آنفاً، بشرط أن يكون حقًّا تقرره الشريعة، وتبين مجالاته، ويحدد مداه بنصوص صريحة، وأصول وقواعد وضوابط شرعيّة.
رابعاً: المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان في الإسلام .

سعياً في بيان مضمون حقوق الإنسان في الإسلام، نقدم أهم المفاهيم ونظرة الإسلام إليها، ومنها: حق الحياة، وسلامة البدن، والعقل، والعرض والمال، والأهل، والحرية، والمساواة، والتكافل.

1. حق الحياة وسلامة البدن والعقل والعرض والمال والأهل:
إنّ مما يدل على كرامة الإنسان في الإسلام، هو تسخير الكون برمته للإنسان، وأن الإنسان الواحد، يساوي البشرية قاطبة حتى يستوفى حقّه في الحياة، كما قال تعالى: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً المائدة، 32.

فالإنسان محترم في حياته ومماته، ولا يجوز التمثيل بجثته ولو في الحرب، حتى القتال لم يشرع إلاّ من أجل الحق، ودفاعاً عن الحق، وذلك بعد الإنذار والإعلان، مع وجود قيود صارمة على العمليات الحربية. فحرم الإسلام قتل غير المحاربين من النساء، والأطفال، وكبار السن. وما القصاص إلاّ دفاعٌ عن الإنسان وحياته، كما قال تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب.

وجاءت الشريعة بحماية الإنسان، وحفظ الأنفس والأعراض والأموال وعدم التهور في غشيان المهالك، والحفاظ على عقله بتحريم الخمر، وما يذهب العقل، حرصاً على سلامة بدنه، وعقله، وعدم السخرية منه، أو شتمه، أو مناداته بلقبه الذي لايحبه.

2. حرية الإنسان:

وقد وصف اللـه- سبحانه وتعالى- الإنسان بأنه الخليفة في الأرض، قال تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة سورة البقرة، الآية 30. وهذا الوصف له مدلولاته من حيث ما ذكر من الكرامة، والاحترام، والحق الإنساني، والتميّز في هذا المخلوق، الذي فُضل على غيره من المخلوقات مما يعكس ما يتمتع به الإنسان في ظل الإسلام من الكرامة، والحرية، والرفعة، مقارنة بما قررته الاتفاقيات الدولية وغيرها لحقوق الإنسان.

ولقد عانت الإنسانية من العبودية لغير الله، والاستذلال حقباً طويلة، وما زالت تعاني إلى الوقت الحاضر، وإن تغيرت مسميات هذه العبودية. وعند بزوغ نور الإسلام، جاءت تعاليمه صريحة في القضاء على العبودية والرق، حيث ضيقت مداخله ووسعت طرق إلغائه، فلم يبق من مداخله إلاّ الحرب التي تقوم بين المسلمين والكفار،وأمّا طرق إلغائه فكثيرة جداً قد بيّنت في أبواب الرقّ في الفقه الإسلامي.

ولا يتنافى واجب الأمر بالمعروف مع الحرية الفردية، لأن في قيام أفراد المجتمع بذلك حرصاً على الآخرين وتنبيههم للأخطار المادية، والمعنوية،وفي ذلك دعوة أخرى إلى التفاهم والتشاور وإلى مبدأ الشورى المؤصل في الإسلام، والذي هو أساس الحكم فيه، مصداقاً لقوله تعالى: وشاورهم في الأمر آل عمران:159. وقوله تعالى: وأمرهم شورى بينهم الشورى: 38.

والنصيحة عامة للحاكم والمحكوم، كما قال -صلى اللـه عليه وسلم-: "الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" متفق عليه.

فالشورى هنا ليست مطلقة، بل هي مقيدة بحدود الشرع، فليس للفرد الحق أن يُحكّم رأيه بما يتنافى مع الدين الإسلامي، أو يعرّض مصالح الناس للانتقاص. إنما هي حرية الرأي المنضبطة بضوابط الشرع، تبني المجتمع الإسلامي، وتصحّح أخطاءه، فيسلك بذلك طريق الهداية والفلاح في جميع أموره.

3. المساواة:

تعد المساواة بين الناس على اختلاف الأجناس والألوان واللغات، مبدأً أصيلاً في الشرع الإسلامي، وهذا بخلاف الحال في الحضـارات السابقة للإسلام، حينما كانت النظرة للإنسان حسب جنسه أو لونه أوغناه أوفقره أوقوته أوضعفه أوحريته أوعبوديته، وكانت طبقة الحكام ورجال الدين، من الطبقات المميزة، بل إنّ بعض المجتمعات كالمجتمع الهندي، كان يعرف طائفة المنبوذين، وكان محرماً على أفراد الطبقة، أن ينتقلوا منها إلى طبقة أعلى، حتى ولو كانت مَلَكاتهم تتيح ذلك. وجعل الإسلام معياراً للتفاضل يتساوى أمامه الخلق جميعاً على اختلاف الأجناس والألوان، والحرية والعبودية، إنه معيار التقوى، قال تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم الحجرات: 13.

ولا تتنافى المساواة - كما ذكرنا في ظل الإسلام - مع الاختلاف بين غير المتماثلين في الحقوق الفرعية، فالاجتهاد، والعمل، والابتكارات، والقدرات، مطالب اجتماعية لتحقيق المصالح، وبناءً عليها يختلف الناس اختلاف حساب وليس اختلاف كرامة، فالناس سواسية أمام اللـه مع اختلافهم في الفروع.

4. التكافل الاجتماعي:

لم تعرف البشرية نظاماً متكاملاً فعالاً للتكافل الاجتماعي، مثل ما عرفته في ظل الإسلام، فلم يكن وليد حاجة من حاجات التطور الاجتماعي بل هو قاعدة أصيلة في بناء الإسلام وأركانه.

ولقد تعددت في الإسلام أبواب التكافل الاجتماعي وتراوحت بين الإلزام والاختيار، ومن ذلك ما يلي:

أ- أداء الزكاة -وهي أحد أركان الإسلام- حق واجب في المال إذا بلغ مقداراً معلوماً، في وقت معلوم بنسبة معلومة. في كل أنواع المال، من الذهب، والفضة، والنقود، والثمار، والأنعام، وعروض التجارة.

ب- الصدقات، وهي عطاء اختياري من الأغنياء للفقراء دون منّة أو طلب مكافأة، إلاّ المكافأة من الله العليم الحكيم فقط.

ج- زكاة الفطر، وهي من الفروض الواجبة قبيل عيد الفطر تعود على المحتاجين ليستغنوا في ذلك اليوم، فيشعروا بنعمة العيد كغيرهم من الناس.

د- نفقة الأقارب، فالنفقة لازمة للقادر على أقاربه، من زوجة، وأبناء، وآباء وإخوة وبقية الأرحام والمحتاج منهم للنفقة.

هـ-أحكام الديّات، حيث يتشارك أقرب العصبة إلى القاتل خطأً في دفع الدية إلى ورثة المقتول. والدية هنا، تمثل ضماناً من المجتمع لورثة المقتول، فلا يضيع دم إنسان هدراً في مجتمع مسلم.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:56 PM
و- الدعم المعنوي، ولم يقتصر التكافل الاجتماعي في الإسلام على الجوانب المادية فحسب، بل يمتد إلى ما يعد تعاوناً شاملاً على البر، فمن التوجيهات الإسلامية، ألاَّ يكتم الإنسان العلم النافـع عمّن يحتاج إلى التعليم، ولا يبخل الإنسان بنصحه على من يحتاج إلى النصح والإرشاد، فالدين النصحية، كما ورد في الحديث. ومن ذلك أيضاً التوجيهات الإسلامية حول نصرة المظلوم ومنع الظالم من ظلمه وإفشاء السلام وتشميت العاطس واتباع الجنائز وإجابة الدعوة إلى الولائم والأفراح........إلخ وهذه كلها من الدعم المعنوي الذي يساعد على بناء المجتمع وتحقيق حقوق الإنسان فيه.




نهاية الفرع الثاني من القسم السادس

سوليدس سنيك
15-05-2004, 08:59 PM
الفرع الثالث من القسم السادس:وسطية الدين الإسلامي:
جاء في وصف الأمة الإسلامية بالأمة الوسط، في قول اللـه تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبعُ الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللـه وما كان اللـه ليُضيع إيمانكم إن اللـه بالناس لرؤوف رحيم (البقرة: الآية 143).

وفي الحديث الشريف أن الرسول صلـى اللـه عليه وسلم قال: "يُدعَى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بَلَّغتَ؟ فيقول: نعم، فُيدعَى قومه، فيقال لهم هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، قال: فذلك قوله:"وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً" قال: والوسط العدل، فتُدعَون، فتشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم" رواه البخاري.

وفي تفسير ابن كثير عند تفسير الآية: أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام هو اختبار للأمة، وامتحان لها، ليعلم من يتبع عن يقين وإيمان، ومن ينقلب على عقبيه، لتكون خير الأمم شهيدة على الأمم كلها، ولما جعل الأمة وسطاً خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج، فالوسط هو العدل.

تبدو وسطية الإسلام واضحة وظاهرة في منهاجه الأعدل والأقوم.

فالمنهاج الإسلامي القائم على الإيمان بالله، ووحدانيته، وتنزيهه، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة هو وحده الذي يضمن للبشر أن يتخلصوا من عبادة غير اللـه عز وجل.

هو المنهاج الوسط الذي لا إفراط فيه، ولا تفريط، ولا غلو، ولا تقصير، فلم تتخذ الأمة الإسلامية السائرة على صراط اللـه المستقيم، أنداداً لله سبحانه، ولم يصفوا اللـه بأوصاف لا تليق به، كما فعلت اليهود، حين وصفوه بالفقر، وبأن يده مغلولة.

ولم تضل كما ضلت النصارى، الذين شبهوا المخلوق بالخالق، وأضفوا على عيسى عليه السلام خصائص الألوهية، فغلوا فيه، وجعلوه شريكاً لله.

إن منهاج الأمة الإسلامية، هو المنهاج الوسط المعتدل في أنبياء اللـه ورسله، إذ آمنوا بهم جميعاً، ولم يفرقوا بين أحد منهم، أو ينقصوه، أو يقتلوا أنبياء اللـه، كما فعلت اليهود:

لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون (المائدة: الآية 70).

ولم يغلوا في أحد منهم، كما فعلت النصارى مع عيسى ابن مريم -عليه السلام- وإنما قدروهم حق قدرهم.

قال صلـى اللـه عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبداللـه ورسوله" رواه البخاري.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللـه تعالى: ( فالمسلمون وسط في أنبياء اللـه وعباده الصالحين، لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى، فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللـه ... ولا جفوا عنهم كما جفت اليهود، فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق. ومن ذلك أن المؤمنين توسطوا في المنهاج، فلم يقولوا:هو اللـه، ولا ابن اللـه، ولا ثالث ثلاثة، كما تقول النصارى، ولا كفروا به، وقالوا على مريم بهتاناً عظيماً، حتى جعلوه ولد بغية، كما زعمت اليهود، بل قالوا:هو عبداللـه وكلمته ألقاها إلى مريم.. وكذلك المؤمنون وسط في شرائع دين اللـه ).

ووسطية أهل الإسلام المستقيمين على هدية تبدو في الاعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا والنظرة إليها، ومطالب الآخرة والعمل لها، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك دون إفراط أو تفريط، ودون إسراف أو تقتير، قال تعالى: وابتغ فيما آتاك اللـه الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن اللـه إليك ( القصص: الآية 77 ).

يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:

( أي استعمل ما وهبك اللـه من هذا المال الجزيل، والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات .. ولا تنس نصيبك من الدنيا، أي مما أباح اللـه لك فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمناكح، فإن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً).

فالإسلام وسط بين من غلا في أمر الدنيا ولم يهتم بالآخرة، وبين من غلا في أمر الآخرة، ونظر إلى الدنيا نظرة ازدراء وابتعاد.

وهكذا التوازن بين مطالب البدن ومطالب القلب.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 09:00 PM
فقد بلغ الرسولَ -صلـى اللـه عليه وسلم- "أن ثلاثة رهط، أراد أحدهم أن يصلي الليل أبداً، وأراد ثانيهم أن يصوم الدهر ولا يفطر، وعزم الثالث على أن يعتزل النساء، فقال: "أنتم قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أنا أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه.

ومن ذلك الاعتدال في تناول الطيبات: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (الأعراف : الآية 31).

والاعتدال والتوازن في الإنفاق:

ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً (الإسراء: الآية 29).

والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً (الفرقان : الآية67).

ولا شك أن التشريع الإسلامي هو التشريع الوسط والأكمل بين الشرائع.

ولذلك أهميته الكبرى، لأن الشريعة الملزمة في كتاب اللـه وسنة رسوله صلـى اللـه عليه وسلم هي الأساس في وحدة الأمة الفكرية والنفسية والعملية.

وينبغي التمييز الحاسم والواضح بين أحكام الشريعة، متمثلة في نصوص الكتاب والسنة، وبين الاجتهاد والنظر في هذه النصوص الشرعية ذاتها.

والفقه الإسلامي في جملته، والاجتهاد في أحكام الشرع، يستلهم تلك الوسطية المثلى القائمة في النصوص.

وقد كانت الوسطية الإسلامية بمعناها القرآني غائبة تماماً عن كل القوانين الوضعية، ولا سيما في أصولها القديمة، وحتى إذا كانت هذه القوانين تنشد العدالة، فإن العدل بوصفه قيمة، تتغير صورته بحسب الزمان والمكان. وعلى سبيل المثال، فقد كان القانون الروماني، يحرم الأرقاء من كل مشاركة في الحياة العامة، وكان يجيز قتل كل الأرقاء الذين في خدمة النبيل إذا ثبت تآمر واحد منهم عليه، وكان من حق الدائن قتل المدين العاجز عن السداد، واسترقاقه إلى الأبد، وطبقاً لأحكام ذلك القانون، كانت المرأة تدخل بيت زوجها عن طريق البيع أو وضع اليد، فيشتري الزوج زوجته بإجراءات البيع والشراء، وظل ذلك فترة طويلة.

أما الوسطية القرآنية فإنها تتجلى في منهاج التشريع الإسلامي كله، ويبدو ذلك واضحاً في تنظيم المال والملكية، والاعتراف بملكية الفرد للمال، إلى جانب أنه يملكه استخلافاً من اللـه عز وجل لكي يؤدي رسالة في الحياة: آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه (الحديد الآية 7).

كما يبـدو المنهاج الوسط، في الإقرار في المال، إلى جانب الاعتراف بأن للجماعة فيه حقاً مقدراً ومحدداً، يخصص لفقراء الجماعة، وهو الزكاة وفي أموالهم حق للسائل والمحروم (الذاريات الآية 19). والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم (المعارج، الآيتان: 24، 25).

وقد أضيف المال في القرآن الكريم إلى صاحبه، كما في الآيتين السابقتين، وأضيف المال كله وملك السماوات والأرض وما فيهن إلى اللـه عز وجل، قال تعالى: وآتوهم من مال اللـه الذي آتاكم (النور الآية 33).

وهذا المنهاج في النظر إلى المال، والهدف منه، وكيفية اكتسابه، وكيفية إنفاقه، هو المنهاج الأكمل والأعدل، في تنظيم أمر مهم وجوهري في حياة الإنسان، وهو يتفق مع فطرة الإنسان وغريزته في حب التملك والاستئثار، ويوازن بينها وبين حق المجتمع في مال اللـه، وأن المال -حتى لو كان مملوكاً للفرد- فيه حقوق لله أو للجماعة.

ذلك هو المنهاج الأمثل الذي يحفظ مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، ويوازن بينهما، موازنة عزت على أصحاب المذاهب والنظريات البشرية قديماً وحديثاً.

إن الموازنة واضحة في التشريع الإسلامي بين حقوق اللـه وحقوق العباد، مع أن اللـه تعالى هو المالك لكل شيء وإليه يرجع الأمر كله.

ورحمة من اللـه بالإنسان، قضى بأن يتمكن من التصرف في بعض الحقوق كما يريد، لأنه يحتاج إلى ذلك في حياته ومعاشه، بينما هناك حقوق لا تتعلق به وحده، حتى لو كان ظاهرها يومئ إلى ذلك.

ففي حد السرقة مثلاً، لا يصح للإنسان المسروق ماله أن يطلب إعفاء السارق من عقوبة الحد، إذا توافرت شروطه الشرعية، مع أن المال المسروق ملكه، وكان يستطيع أن يهبه للسارق قبل أن تقع الجريمة، وتستكمل أركانها، وشروط توقيع الحد، لأن التنازل عن حد، السرقة يدعو إلى شيوعها في المجتمع، وهو ما يقف دونه الشرع. وفي جريمة القتل العمد، وهي تقع على القتيل، ويقع ضررها على أقرب الناس للمقتول، وتضر بأمن المجتمع، نجد لأولياء القتيل حق العفو نظير دية، أو بغير مقابل، ونجد حق الولي أيضاً في طلب القصاص، أخذاً بالعدل وشفاء للنفوس.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 09:01 PM
هذا المنهاج التشريعي الأكمل والأعدل، يوازن بين الحقوق، ولا يضيف حقاً لأحد على حساب الآخر، ويتلافى عيوب مناهج أخرى عديدة، جعلت أولياء الدم لا سلطان لهم على الإطلاق، أو جعلت عقوبة القتل لازمة في كل حال أو ألغت عقوبة القتل كلية، دون سند من عدل أو مصلحة، تعود على الفرد أو على المجتمع.

وفي التشريع الإسلامي، موازنة دقيقة بين التكليف والاستطاعة، فلا يكلف اللـه نفساً إلا وسعها، والمشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات.

وفي مجال العبادات اعتبر الشرع أعذاراً عديدة تعفي المكلف، وإن لم تكن المشقة متحققة، نظراً إلى أن العذر يؤدي إليها غالباً أو أن العذر مظنة للمشقة.

ومن تلك الأعذار، السفر في قصر الصلاة وإباحة الفطر، وما خفف الشرع فيه عن المرأة، في إعفائها من الصلاة أياماً، يرجح فيها مشقة القيام بالتكليف بالصلاة أثناء حيضها، الذي هو من فطرتها التي فطرها اللـه عليها.

ولقد بعث رسول اللـه صلـى اللـه عليه وسلم رحمة للعالمين. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (الأنبياء الآية 107).

وقال تعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة الآية 129).

وقال صلـى اللـه عليه وسلم: "إن اللـه لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً" رواه مسلم. فمنهاج الإسلام مبني على اليسرورفع الحرج، قال تعالى: يريد اللـه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (البقرة الآية 174).

وقال سبحانه: ما جعل عليكم في الدين من حرج (الحج الآية 76)

وكان صلـى اللـه عليه وسلم يترك بعض الأفعال خشية المشقة على أمته، وكان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما.

ولما بعث صلـى اللـه عليه وسلم معاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما. "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا" متفق عليه.

ومن أقواله المشهورة صلـى اللـه عليه وسلم: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا.. الحديث" رواه البخاري.

وللإنسان أن يأخذ بالأشد من المشروع كأن يصلي صلاة طويلة، ولكن ليس له أن يلزم الناس بذلك، فقد كان صلـى اللـه عليه وسلم أطول الناس صلاة إذا صلـى لنفسه، ولكنه كان يخفف صلاته إذا صلـى بالناس، مراعاة لأحوالهم.

ولما سمع صلـى اللـه عليه وسلم بعزم نفر من أصحابه على الانقطاع للعبادة، قال: "إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه.

ولقد ذم اللـه اليهود لشدة حرصهم على الدنيا ولتجدنهم أحرص الناس على حياة.. (البقرة الآية 96).

وذم سبحانه النصارى الذين غلوا وابتدعوا رهبانية لم يشرعها اللـه، كما قال اللـه عنهم: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللـه فما رعوها حق رعايتها (الحديد الآية 27).

لقد ذمهم اللـه لابتداعهم في دينه ما لم يأذن به، وفي عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى اللـه.

إن تشريع اللـه في العبادة، تشريع متوسط معتدل، بين الإفراط والتفريط، والغلو والتقصير: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً (الإسراء الآية 110).

وعن جابر بن سمرة رضي اللـه عنهما قال: "كنت أصلي مع النبي صلـى اللـه عليه وسلم الصلوات، فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً" رواه مسلم، أي كانت معتدلة بن الطول والقصر.

ولا نستطيع في هذا المجال، أن نفصل وسطية التشريع الإسلامي وعدله، وأفضليته في الأحكام الشرعية كلها، في العبادات، وفي المعاملات، وفي قواعده العامة، وأصوله الكلية، فهذا يحتاج إلى دراسة مقارنة دقيقة بين منهاج التشريع الإسلامي، وبين ما هو موجود في قصور المناهج الوضعية كلها، قديماً وحديثاً.

إن وسطية التشريع الإسلامي، تعني أنه الأكمل والأقوم و الأعدل لحياة الإنسان بالمعنى القرآني للوسطية.

فتشريع العبادات في هيئاتها ومقاديرها وتكاليفها ومراتب وجوبها على المكلف، تتفق مع الأعدل والأقوم، وفطرة الإنسان في الجمع بين الدنيا والآخرة.

وفي أحكام المعاملات، كما أشرنا، لا سيما في النظر إلى المال وملكيته وحق الفرد وحق الجماعة فيه، تحصيلاً وكسباً وإنفاقاً، نجد الوسطية ظاهرة. وذلك لكي يدوم هذا التشريع الإلهي صالحاً للناس في كل زمان ومكان مما يجنب الأمة الغلو والشطط، الذي نراه في كثير من شرائع البشر التي تختلف، وتتعارض بحسب الزمان والمكان، والظروف والأهواء.

هذا والله أعلم وصلـى اللـه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


نهاية الفرع الثالث من القسم الخامس

سوليدس سنيك
15-05-2004, 09:04 PM
الفرع الرابع من القسم السادس: المسلمون في العالم:
أولاً: معلومات جغرافية:

الموقع والمساحة:
تقع في جنوب شرقي أوروبا، وهي إحدى دول شبه جزيرة البلقان، يحدها من الشمال، والشمال الشرقي صربيا، ومن الغرب، والجنوب الغربي بحر الأدرياتيك، ومن الجنوب والشرق اليونان، ومن الشرق مقدونيا.

وتبلغ مساحتها (28.748كم2) و(70%) من مساحتها مرتفعات، ومناخها مناخ البحر الأبيض المتوسط.

السكان (التركيبة السكانية):
يبلغ عدد سكانها (3.376.000) نسمة، والألبانيون الذين يعيشون خارجها، أكثر من ذلك، ففي تركيا ثلاثة ملايين هاجروا إليها تحت الضغط الصليبي، وفي يوغسلافيا ـ السابقة ـ أكثر من مليون ونصف، وفي اليونان أكثر من مليون وربع، وهناك أعداد من الألبان في البلاد العربية، وغيرها.

إن الألبان هم أول من استوطن بلاد البلقان، وذلك قبل الميلاد بعشرة قرون، وبعد ذلك بخمسة قرون ـ تقريبًا ـ هاجر الرومان، واليونان، والصقالبة إلى البلقان، واصطدموا بالألبان، وأخذوا يستولون على أراضيهم بالقوة. ومن تلك الأيام، بدأ كرههم للألبانيين، وتزايد بعد اعتناقهم للإسلام، ودفاعهم عنه.

المدن الرئيسة، والمعالم الإسلامية في البلاد:
تيرانا: العاصمة، يسكنها (350.000) نسمة ـ تقريبًا ـ، وتوجد بها جامعة تيرانا، ومسجدها الوحيد الذي سَلِمَ من الشيوعيين، وهو مسجد " أدهم بك ".

دورازو ( دورسي ): يسكنها حوالي (90.000) نسمة، وقد حول الشيوعيون مسجدها الكبير إلى دار للسينما.

الباسان: يسكنها حوالي (85.000) نسمة، وكان بها خمسة وعشرون مسجدًا، تدرس بها علوم الدين والدنيا، هدمها الشيوعيون.

المسلمون "أصولهم العرقية ومراكز تجمعاتهم":تزيد نسبة المسلمين عن (80%) من مجموع السكان (95%) منهم ألبانيون، و(3%) منهم يونانيون، و(2%) منهم آخرون، ويتجمع معظمهم في المدن، وتقل نسبتهم في الشمال الغربي.
الحالة الاقتصادية للبلاد:
توجد في ألبانيا ثروة زراعية هائلة، إذ معظم أراضيها خصبة صالحة للزراعة، وتوجد فيها زراعة عدد كبير من المحاصيل الزراعية، ومن أهمها على الترتيب: القمح، والبنجر، والأرز، والذرة. وتمثل الزراعة دخلاً هامًا، وموردًا من موارد الاقتصاد الألباني، بما توفره للسكان، والفائض يصدر إلى الخارج.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 09:06 PM
وتوجد في ألبانيا ثروة حيوانية كبيرة، حيث تغطي المراعي (30%) من مساحة الأراضي، والحيوانات بالترتيب: الأغنام، ثم الماعز، ثم الأبقار…إلخ، وتحتوي التربة الألبانية ثروة عظيمة من المعادن الهامة، وبالترتيب هي: البترول، والنحاس، والكروم، والحديد، والفحم، والذهب. وتصدر نسبة كبيرة من هذه الخامات.

وتوجد بعض الصناعات المعدنية، ومواد البناء، والزجاج، والأثاث، والمعلبات، وأما العملة الألبانية فهي الليك (الدولار= أكثر من 100ليك).

ومع وجود كل هذه الخيرات في ألبانيا، إلا أنها تعاني من أزمة اقتصادية سببها الرئيس، فساد النظام الشيوعي الحاكم.

الوضع السياسي والتقسيم الإداري:
أعلنت ألبانيا جمهورية شعبية في عام 1946م برئاسة أنور خوجا رئيس الحزب الشيوعي، توفي أنور خوجا عام 1985م، فخلفه رئيس الجمعية الوطنية وافر عليا، الذي انتهج سياسة أكثر مرونة، وانفتح على الغرب، ووسع نشاط الهيئات الشعبية. وفي 31 مارس 1991م بدأ في إعداد نظام تعددي بعد أن رفع الحظر عن النشاطات الحزبية، وفي أبريل 1991م أصبح اسم الدولة جمهورية ألبانيا، وعين فاتوس نانو رئيسًا للوزراء.

اضطرت حكومة فاتوس نانو للاستقالة بعد اضطرابات ديسمبر عام 1991م. خسر الشيوعيون الانتخابات التي أجريت في مارس عام 1991م، حيث انتخب صالح بريشا كأول رئيس غير شيوعي في ألبانيا. حصلت في عهده تغيرات كثيرة تأتي في مقدمتها الإصلاحات الاقتصادية ودعم قضايا البلقان، ورفض مقابلة مليوسوفيتش، وأعلن أن ألبانيا وكوسوفا شعب واحد، وأعاد لألبانيا وجهها الإسلامي، حيث أعيدت مئات المساجد... .

وقد استطاع المعارضون لبريشا الإطاحة به، وانتخاب رجب ميداني رئيساً، وتحول في عهده نظام الدولة من الرئاسي إلى البرلماني. وتقسم ألبانيا إداريا إلى (27) مقاطعة.

الوضع الثقافي:
أ- اللغات الرئيسة: الألبانية، اليونانية.

ب- التعليم، وأنواعه، وانتشاره:

التعليم الابتدائي، والثانوي إلزامي ومجاني، ونسبة الذين يتابعون تعليمهم الثانوي حوالي(15%) من الذين تجاوزوا الابتدائي.

التعليم العالي: تم إنشاء جامعتين جديدتين إضافة إلى جامعة تيرانا، ونسبة الذين يتابعون تعليمهم بعد الثانوية تصل إلى (40%) من الحاصلين على الثانوية.

التعليم الفني: توجد (466) مؤسسة فنية، وقد وصل عدد الطلبة عام 1990م إلى (8.185) طالبًا.



ثانيًا: معلومات تاريخية:

نشأة الدولة: يرجع تاريخ ألبانيا إلى ألف سنة قبل الميلاد، عندما نزح الألبان إلى مدينة ألبانو يوليس التي تقع شرقي دروس، وظلت ألبانيا تحت الحكم الروماني حوالي خمسة قرون، وحكمها البيزنطيون، والقبائل الجرمانية، والسلاف، والبلغار أكثر مـن عشرة قرون. وفي نهاية القرن الثامن الهجري، والرابع عشر الميلادي، بدأ الفتح العثماني لألبانيا، وبقيت ألبانيا ضمن الخلافة العثمانية أكثر من أربعة قرون. وبعد الحرب البلقانية، انفصلت ألبانيا عن الدولة العثمانية، وبعد الحرب العالمية الأولى تم الاعتراف بها دوليًا، وفي سنة 1925م أعلنت جمهورية ألبانيا برئاسة أحمد زوغو، واحتلتها إيطاليا عام 1939م لمدة أربع سنوات، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية احتلتها ألمانيا لمدة عام واحد، وأسس الشيوعيون جبهة التحرير القومية بمساعدة يوغسلافيا في عام (1941م)، وقد فازت بالانتخابات عام (1945م)، وفاز برئاسة ألبانيا أنور خوجا (رئيس الحزب الشيوعي الألباني) وأعلن ألبانيا جمهورية شعبية منذ عام (1946م) وحكم ألبانيا حتى عام (1985م).
تاريخ دخول الإسلام: وصل الإسلام إلى ألبانيا عن طريق التجار المسلمين في القرن الأول الهجري، وذلك عن طريق مضيق جبل طارق إلى قارة أوروبا، وعن طريق البسفور والطرق البرية من بلاد آسيا.
وسائل انتشار الإسلام:
أ- التجار المسلمون: عملوا على نشر الدعوة الإسلامية بين أهلها بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالسلوك الطيب، والتعامل الحسن، والتودد إلى أهل البلاد.
ب- الفاتحون العثمانيون: نشروا الإسلام بتحليهم بالصفات الحسنة، والأخلاق السامية، والمعاملة الكريمة العادلة، وإرادة الخير للبلاد.
ثالثًا: الأوضاع الدينية:

المسلمون ومذاهبهم الفقهية:
منذ عام 1347هـ /1928م تولى عرش ألبانيا الشيوعي:"أحمد زوغو" وألغى الدروس الدينية في المساجد والمدارس، وفي عام 1356هـ/1937م أصدر قرارًا بنزع حجاب المرأة المسلمة، وأخذ باضطهاد العلماء.

والمذهب الحنفي هو المذهب الفقهي المنتشر بين المسلمين الألبان.

الفرق الإسلامية: لا توجد في ألبانيا فرق إسلامية بالمعنى المعروف، ولكن فيها بعض التوجهات الصوفية المنحرفة.
النصارى وفرقهم: يحتل النصارى نسبة(20%) من مجموع السكان،(15%) أرثوذكس يونان و5% كاثوليك رومان.
اليهود وفرقهم: لا يوجد من سكان ألبانيا من يدين باليهودية إطلاقًا.
الأديان والفرق الأخرى: لا يوجد.


رابعًا: أوضاع المسلمين:

الوضع الاجتماعي: هاجر كثير من الألبان بسبب التدهور الاقتصادي، والحروب إلى الدول المجاورة (تركيا، يوغسلافيا (السابقة)، اليونان..)، وارتفع عدد اللاجئين وكثرت فيهم نسبة الأرامل والأيتام والمعاقين والمعوزين.
الوضع الاقتصادي: تعاني ألبانيا من أزمة اقتصادية حادة، فقد بلغت الإيرادات عام 1993م (31.599) مليوناً، والمصروفات (49.958) مليوناً. ووصلت ديون ألبانيا إلى (770) مليون دولار في عام 1994م، في حين بلغت نسبة التضخم (23.0%) عام 1994م.

سوليدس سنيك
15-05-2004, 09:08 PM
الوضع السياسي: ما يزال الصراع قائمًا بين الرئيس السابق (صالح بريشا) وبين الرئيس الحالي الشيوعي (فاتوس نانو) والوضع السياسي غير مستقر حتى الآن.
الوضع الثقافي: تعتبر ألبانيا من أضعف الدول الإسلامية، وتعاني من اضمحلال الثقافة الإسلامية. وقد سعت جهات إغاثية، ودعوية إسلامية كثيرة، لإعادة الاهتمام بالأصول الإسلامية، وتشرف المملكة العربية السعودية علـى مشروع ترجمة القرآن الكريم باللغة الألبانية، وأرسلت مصر بعثات علمية إلى ألبانيا وفتح الأزهر الشريف أبواب كلياته لاستقبال أبناء المسلمين الألبان، وقد جاءت أعداد منهم للدراسة فيه.‏


خامسًا: النشاط الإسلامي:

هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية:
أنشأت إدارة لرعاية المسلمين الألبان، وكفالة أيتامهم ورعايتهم وتشمل الرعاية تنشئة الأطفال، تنشئة إسلامية صحيحة، عن طريق البرامج التعليمية.

وكذلك أنشأت الهيئة إدارة خاصة للرعاية الصحية، ووفّرت عددًا من المستشفيات، والمستوصفات، والعيادات، والمعاهد الصحية.
سادسًا: احتياجات المسلمين وسبل دعمهم:

أنواع الاحتياجات:
أ- احتياجات دينية: علماء، دعاة، معاهد دينية ..
ب- احتياجات اقتصادية: إعانات، مشاريع تجارية …
ج- احتياجات ثقافية: كتب إسلامية مترجمة باللغة الألبانية …
د- احتياجات صحية: مستشفيات فيها كافة الاختصاصات.

سبل الدعم:
أ- تخصيص منح دراسية في الجامعات الإسلامية لألبانيا.
ب- تقديم مساعدات مادية للمسلمين، لإنقاذهم من التنصير.
ج- تمويل مشروعات اقتصادية تجارية، لتشغيل أبناء المسلمين، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
د- إنشاء كليات، ومعاهد شرعية في ألبانيا.
هـ- إيفاد علماء ودعاة، من الألبان الذين يعيشون في البلاد العربية، إلى ألبانيا.
و- إنشاء مستشفيات كبيرة، فيها مختلف التخصصات الطبية.




نهاية الفرع الرابع من القسم السادس وأيضًا نهاية القسم السادس والأخير

سوليدس سنيك
15-05-2004, 09:12 PM
الي يبي يرد يرد