المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقاش الرسامين فناني الكاريكاتير ( 3 ) : فارس قره بيت



aziz rash
14-08-2004, 01:21 AM
يرى النقاد المتابعون لتجربة رسام الكاريكاتير فارس قره بيت منذ عام 1983 بأنه فنان متجدد، استطاع دائما ان يطور في أدواته وأساليبه، فالكاريكاتير بالنسبة له حالة بحث دائبة، ليس على صعيد الفكرة فحسب، بل أيضا على صعيد التقنيات، حتى انه لايرسم ثيمات الكاريكاتير العربي المعروفة بشكل موحد، فهو يرسم العم سام مثلا بشكل مختلف في كل مرة، ولايرسم دبابة تشبه أخرى، وهذا مايشير الى ان تقنياته الكاريكاتيرية في حالة متجددة على الدوام·
يغلب على لوحاته الموضوع السياسي، لانه يعمل في صحيفة يومية سياسية كما يقول، ولأن الحدث السياسي اليومي يفرض نفسه عليه بقوة لاسيما انه هم الشارع العربي الأكبر · ورغم ذلك فأنت تجد لديه كل تصنيفات الكاريكاتير المعروفة، فهو يرسم الكاريكاتير الصحافي، والكاريكاتير كلوحة، والكاريكاتير الاجتماعي والثقافي وأشكالا اخرى متعددة·
درس في كلية الفنون الجميلة في دمشق وتابع دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في روما حيث حصل على شهادة الدكتوراه عن رسالة في أثر فن الكاريكاتير في الرسوم المتحركة، وهو أستاذ في قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، بدأ الرسم في الصحف المحلية السورية، وهو يعمل حاليا كرسام سياسي في صحيفة الراية القطرية، ولديه العديد من المشاركات في مهرجانات عربية ودولية، منها مهرجان الكاريكاتير الفرنسي، ومهرجان أمو ريستكا، ومهرجان طهران الدولي، ومهرجان نيبون في اليابان، وحريات في تركيا·· وغيرها الكثير·
الاتحاد التقته في مرسمه في دمشق وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة تتعلق بتجربته الشخصية وواقع الكاريكاتير في سوريا والوطن العربي·
كيف بدأت رحلتك مع فن الكاريكاتير؟
سؤالك يعيدني الى الطفولة، وهي المرحلة التي تشكل بدايات الوعي عند الانسان، فأذكر انني كنت أقلب الصحف والمجلات، واتوقف طويلا عند رسوم لأناس لهم رؤوس كبيرة وأجساد صغيرة، لكنني لم أكن أفكر في كنه ما أرى، وعندما دخلت المدرسة طلب منا استاذ الرسم مرة ان نرسم موضوعا في وصف حرب تشرين، فبدأ زملائي برسم الطائرات والدبابات والجنود، بينما استطعت انا ان ألخص الموضوع بجندي سوري يدوس نجمة إسرائيلية ويرفع بيده علماً سورياً، فلفت هذا الرسم نظر الاستاذ،حيث تجاوز حدود الرسم التوضيحي ليقدم حالة تعبيرية·
وفي مرحلة الدراسة الثانوية أذكر اتفاقيات كامب ديفيد، وما أفرزته من رسوم كاريكاتيرية هائلة، فلم تكن تفتح جريدة أو مجلة الا وتجد فيها كاريكاتيرا يعبر عن هذا الموضوع، فبدأت بتقليد هذه اللوحات، وبعد قليل شعرت ان لدى أفكارا خاصة بي من الممكن صياغتها في لوحات من ابتكاري، وفي عام 1979 حملت مجموعة رسوماتي وذهبت الى صحيفة البعث، وهناك قابلت رئيس التحرير، وقال لي: يا بني أفكارك جميلة، ولكن رسومك تعيسة· فشعرت ان هذا الرجل يتقصدني شخصيا، لكن هذه الحادثة زادتني اصرارا على ان أتعلم أكثر، وفي العام نفسه نشر لي أول كاريكاتير، وكان بحجم طابع البريد في الصحيفة نفسها، وفي السنة الأخيرة من دراستي الثانوية شاركت بمعرض الكاريكاتير العربي الأول، وتعرفت من خلاله على مجموعة من رسامي الكاريكاتير العرب كالشهيد ناجي العلي، والفنان جورج البهجوري، الذي نصحني بالالتحاق بكلية الفنون الجميلة، أما أول كاريكاتير نشر لي كمحترف فكان في عام ·1983

المعايشة هي الأصل
{ من أين تستمد موضوعات لوحاتك وأفكارك؟
للكاريكاتير اتجاهان الأول لايهتم باللحظة الراهنة كثيرا، وينحصر في المعارض والمجلات الفصلية المتخصصة، ومن ميزاته انه يعيش طويلا، أما الثاني فيرتبط بالصحافة ارتباطا وثيقا، ويواكب الحدث، وهذا الأخير يتطلب من الفنان المتابعة المستمرة، وهي عملية ليست اتوماتيكية، ولا تأتي بقرار، بل تفرض نفسها عليك في كل لحظة من خلال معايشتك للحدث، وبالتالي فالحدث هو منبع الأفكار والالهامات·
يبدو انك تصر على طزاجة الحدث السياسي في اللوحة أكثر مما تصر على المضمون الشامل·· الا تؤمن بانفصال الكاريكاتير عن الصحافة؟
كلا الشكلين مشروعان، لكن المشكلة اننا في الوطن العربي لانملك صحافة متخصصة، ففي أوروبا مثلا هناك رسامو كاريكاتير متخصصون لايتابعون الحدث السياسي، بل يتناولون بلوحاتهم مجالا معينا سواء كان ثقافيا أو فكريا أو رياضيا أو اقتصاديا، حتى ان هناك من يتخصص في رسم الحيوانات مثلا، ولكن لهؤلاء وسائط نشر متخصصة ومتعددة لاتقتصر على الاعلام ومنها الكتب الخاصة او المعارض، بينما لاتزال صحافتنا في الوطن العربي هي الصحافة اليومية المعروفة، وبالاضافة الى ذلك وباعتبار اننا أصحاب قضية فذلك يتطلب مني ألا أكون عائما في أفكاري، وان أركز بشكل أكبر على سخونة الحدث اليومي، لكي أكون أقرب الى الناس وأكثر تفاعلا مع حياتهم اليومية، فلا أستطيع ان أستغرق بتخيلاتي أو أجنح بها عن الواقع اليومي المعاش، هذا رغم انني أمارس الشكل الآخر للكاريكاتير وأنشره من خلال المعارض أو الكتب الخاصة بي·

الكاريكاتير والتشكيل

هل تعتقد ان الكاريكاتير بدأ يرتقي الى مستوى الفن التشكيلي الأصيل؟
فن الكاريكاتير يتمتع بكل ما يتمتع به الفن التشكيلي، وأختلف مع كل من يقول انه فن جديد، فقد مارسه فنانون تشكيليون كبار مثل ليوناردو دافنشي، وجويا، كما اننا لانستطيع ان نفاضل بين الأعمال الفنية فنقول ان اللوحة أفضل من التمثال او ان اللوحة افضل من العمل الجرافيكي، كلها فنون مهمة واذا اردنا ان نقيس الأهمية بدرجة الاهتمام سنجد ان جمهور الكاريكاتير أكبر بكثير من جمهور الفن التشكيلي·
{تبتعد في لوحاتك احيانا عن السخرية، فهل تعتقد ان السخرية لم تعد عنصرا أساسيا في الكاريكاتير؟
هذا رأيك الشخصي، ولكن كثيرا من النقاد يرى عكس ما ترى، فأنا أبتعد عن الاضحاك في عملي، وأركز على السخرية السوداء·
ولكني لا أرى في بعض لوحاتك سخرية بقدر ما أرى تراجيديا مأساوية·· فكيف تصف مثلا لوحتك التي تمثل المسيح مصلوبا على نجمة داود؟ الكاريكاتير شكل من أشكال الفن التعبيري، وهذه اللوحة التي تحدثت عنها تمثل حالة من التعبير لا يمكن ان أفصح عنه الا بهذه الطريقة، فالتعبير عن الفكرة هو الغاية، وليس الاضحاك، كما ليس من المفروض بالسخرية ان تصل الى الاضحاك، وانا أرى في الكاريكاتير وظيفة أخرى، وشكلا جديدا بالاضافة الى تجلياته السابقة، وهو أن يقوم بعملية فضح للممارسات السلبية·
تصر في لوحاتك على جمالية الخطوط بينما لايعير آخرون هذه الناحية أهمية كبيرة، الى أي حد تخدم هذه العناية اللوحة؟
هذه العناية ليست مصطنعة بل تمثل قدرة فنان، فالجودة مطلوبة في كل عمل مهما كان، وبقدر ما يمتلك الفنان من موهبة واتقان سينعكس على عمله بلا شك، فالمطرب ذو الصوت الجميل لايغني بنصف صوته او بربعه ولكن يؤدي بصوته كاملا، فأنا أصر على جمالية الخطوط لأنه من الضروري ان نمتع القارىء بالشكل بالاضافة الى الفكرة نفسها، وهذا يرفع من مستوى الكاريكاتير المقدم·

الرسم والعبارة

تعتمد في بعض لوحاتك علـى الشروح والعبارات بينما يرفض آخرون هذا الاسلوب بحجة ان العبارة تضعف تعبيرية اللوحة الكاريكاتيرية هل تختلف معهم في ذلك أم ان لك رأيا آخر؟
اختلف معهم تماما، فأحيانا يكون الكلام ضروريا للغاية في اللوحة الكاريكاتيرية فالمهم ان تقدم الفكرة باستخدام كل مايخدمها، وتترك للمتلقي في النهاية ان يقبلها أو يرفضها، فاذا ترك الرسم تأثيرا جيدا على المتلقي، فمعنى ذلك انني استطيع ان أضحي بكل المعايير والمقاييس واكبر برهان على ذلك تجربة الفنان الشهيد ناجي العلي الذي كان يستخدم الكلام في لوحاته بغزارة، كما ان الكاريكاتير المجرد من الكلام له سقطات كثيرة، وهذا شيء طبيعي لأنه من الصعب على رسام الكاريكاتير في الصحيفة اليومية ان يقيد نفسه بهذا الشكل، ويحافظ على تألقه في ثماثمئة وخمسين كاريكاتيرا في السنة، بينما يقدم التنقل بين الأسلوب مساحة أرحب لتحقيق سوية عالية سواء في الكاريكاتير الصامت أو المشروح·
ولكن يقال ان أدوات فن الكاريكاتير هي الرسم، وعندما يتحول الكاريكاتير الى حوار فلن يكون أكثر من نكتة؟
لا أعتقد ان عدم وجود الكلام في الكاريكاتير عنصر من عناصر هذا الفن، بل على العكس فالكلام أسلوب من أساليب التعبير الضرورية، وستجد في نتاجات رسامي الكاريكاتير في العالم الشكلين الى جانب بعضهما فكلاهما مشروعان·
لماذا غلب على الكاريكاتير السوري الشكل الخالي من الشروح؟ هل هو سعي الى العالمية من قبل البعض؟
طبعا لكل بلد خصوصيته في فن الكاريكاتير، ولكن الحقيقة ان هذا الاتجاه تم الترويج له أحيانا لاعتقاد البعض بأنهم اذا لم يستخدموا الكلام فسيحققون العالمية، ولكن السؤال المهم هنا ما المقصود بالعالمية، فعندما تقول ان بيكاسو فنان عالمي، فهذا يعني انه معروف في جميع أنحاء الأرض·· ولكن في الوقت نفسه هناك فنانون كبار مشهورون جدا مثل فرانسس بيكون، وقد لا يكون أحد منهم معروفا في جميع أنحاء الأرض كبيكاسو، والسؤال الثاني من هو رسام الكاريكاتير العربي الذي يستطيع ان يدعي اليوم انه معروف في كل مكان من العالم؟ لا أحد·· لأن القضية مرتبطة ارتباطا وثيقا بوسائط النشر، فأساليب النشر عن طريق الوكالات في أميركا مثلا تحقق للرسام الانتشار الواسع، لدرجة ان لوحة واحدة تنشر في أكثر من مائتي صحيفة يومية في يوم واحد·· الفنانون الذين يرسمون للـ هيرالد تريبيون أو نيوز ويك أو تايمز يملكون صفة العالمية لأنهم يعملون في صحف منتشرة في كل أنحاء العالم·· بالاضافة الى انهم حقا فنانون مدهشون·· وهذا ليس انتقاصا من قيمة فنانينا ·· ولكن العالمية صفة فضفاضة ليدعيها البعض·

أنا ورئيس التحرير

الى أي حد تسمح لرؤساء التحرير بالتدخل في لوحاتك؟
رئيس التحرير يمثل وجهة نظر الصحيفة ولكل صحيفة سياستها وهامشها الخاص، وعلى رسام الكاريكاتير ان يراعي اعتبارات هذه الصحيفة، ولكن في الوقت نفسه عليه ان يوظف حرفيته وذكاءه في الاستفادة من هذا الهامش الى أقصى درجة، وهذا بالضبط مايجعل الكاريكاتير أكثر تقدما في البلدان التي فيها حالة معينة من الرقابة كأوروبا الشرقية مثلا· بالنسبة لي شخصيا أحاول ان ألعب في الهامش بقدر المستطاع، ولكن عندما أصل الى مرحلة أشعر فيها بأنني أخضع لرئيس التحرير بما يخالف قناعاتي أترك العمل مباشرة، وربما أضرني ذلك في أحيان كثيرة، ولكنه أفادني في الوقت نفسه بأن تركني منسجما مع نفسي بشكل دائم·
كيف تشخص المشهد الكاريكاتيري السوري الآن؟ وهل فعلا عدد رسامي الكاريكاتير في سوريا قليل، أم أن القليل منهم فقط يسمح لهم بالظهور؟
عدد الفنانين في سوريا بالفعل قليل مقارنة بدول مجاورة مثل تركيا وايران اللتين يزيد عدد الرسامين في كل منهما عن الألف، ولكن رغم ذلك فمسألة النشر والظهور مرهونة بمستوى الفنان، والفنان الموهوب يستطيع أن يشق طريقه· ولكنني لا أنكر أننا نعاني من قلة إصدار الصحف، وهذا ليس ذنب الفنان، فرسام الكاريكاتير في النهاية يحتاج الى بيئة لكي يعمل بها، كما أنني ألحظ تراجعاً على مستوى الوطن العربي كله وليس في سوريا فحسب في إدراك أهمية الكاريكاتير كفن، فكثير من رؤساء تحرير الصحف، لا يجدون ضرورة لوجود رسامين، حتى أن أحدهم قال لي أنه يدخل إلى شبكة الانترنت وينتقي الكاريكاتير الذي يعجبه، فيعفي نفسه من المسؤولية، ومن أتعاب الفنان أيضا·
وهل يصل هذا التراجع الى حد الخوف على مستقبل الكاريكاتير العربي؟
لا·· فكل فنان يحاول أن يجد هامشه الخاص مهما كان ضيقاً، هناك من يلعب في الهامش كله، لكن هناك أيضا من يصطنع لنفسه هامشاً آخر ضمن الهامش، ويقول إنهم لا يتركونا نعمل، وهذه هي المشكلة·
ماهو تأثير الكايكاتير على فن الرسوم المتحركة، باعتبارك تحمل دكتوراه في هذا الموضوع، وتدرس المادة في جامعة دمشق؟
كان لديّ احساس بأنه لابد من وجود أثر للكاريكاتير على فن الرسوم المتحركة كفرضية، وعندما بدأت البحث وجدت أن أهم فناني الرسوم المتحركة في العالم هم في الأصل رسامو كاريكاتير، كما بينت في رسالة الدكتوراه اثر الكاريكاتير على الرسوم المتحركة كفن، من حيث شكل الخط، والتكنيك والفكرة، ولذلك أرى في رسام الكاريكاتير مشروعا لتقديم تحريك، فالرسوم المتحركة ليست سوطا كاريكاتيراً مضافاً اليه بعد جيد هو الزمن· وقد راودتني فكرة تقديم كاريكاتير متحرك منذ زمن طويل، ولكن هذه الفكرة بحاجة الى تمويل، ولم أجد حتى الآن من يتحمس لها، رغم أن تجربة رسوم متحررة التي يقدمها تلفزيون المستقبل في لبنان ناجحة بكل المقاييس،وهذا ما يزيدني احباطاً، فالتجربة الناجحة ماثلة للعيان، وليس هناك استعداد لتقديم فكرة مشابهة أو منافسة