تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نقاش الرسامين فناني الكاريكاتير ( 4 ) : رائد خليل



aziz rash
14-08-2004, 01:25 AM
نعم للسخرية·· لا للتهريج
ربما كان شخوص رائد خليل الكاريكاتيرية بلا أحلام، لكنه شاب ينضج بالطموح والأمل· نشأ في بيئة معاناة، فراح يقاوم الإلغاء بالسخرية، فالكاريكاتير هو سخرية المقهورين كما يقول، وهو ابن البيئة والواقع والمخلص لأحاسيس الناس العاديين·
ورائد خليل فنان استثنائي بين رسامي الجيل الجديد في سوريا، تضعك لوحاته أمام تجربة ناضجة، لا تؤهله فقط لمنافسة كبار الفنانين السوريين، بل أيضاً له الطريق إلى العالمية· وأكثر ما يهزك لديه هو تلك المسحة الوجودية في لوحاته، والتي تبتعد أحياناً عن السخرية لترتقي بها إلى سوداوية مؤلمة في تصويره للناس الهامشيين وشخصيات القاع الاجتماعي المسحوقين تحت وطأة الفقر والجهل والإلغاء، لكن الأمل يبقى دائما هناك في ركن قصي من اللوحة يتبرعم من المأساة ليعطي الحياة مبرراتها·
بدأ رائد خليل النشر عام 1988 في بعض الصحف والمجلات المحلية، ثم بشكل دوري في مجلة صباح الخير اللبنانية، ومجلة الحرية الفلسطينية، والمحرر نيوز، والكفاح العربي، والمدى الاقتصادية الصادرة في روما، ويعمل الآن كرسام رئيسي في جريدة النور ومجلة الاسبوعي·
حصل على عدة جوائز عربية ودولية منها الجائزة الأولى في الكاريكاتير السياسي عام 1989 في المهرجان القطري الثالث عشر للفنون في دمشق، وثلاث جوائز تقديرية من المستشارية الايرانية، والجائزة الأولى في الكاريكاتير السياسي في مسابقة نقابة المعلمين في سوريا، وشهادة تقديرية من المستشارية الايرانية، والجائزة الأولى في الكاريكاتير السياسي في مسابقة نقابة المعلمين في سوريا، وشهادة تقدير من مهرجان أنقرة العالمي عام ،2001 كما كان العربي الوحيد الذي دعي للمشاركة في مهرجان زيمون اليوغسلافي في دورته السادسة عام ·2001
* لماذا اخترت الكاريكاتير دون غيره كي تعبر به عن نفسك؟
** أنا لم أختر، بل وجدت نفسي أرسم، ربما لأنني نشأت في بيئة معاناة وفقر، فوجدت في الكاريكاتير وسيلة للتمرد على الواقع الذي أعيشه، فأقمت المعرض الأول نقلاً عن الصحف وأفلام الكروتون في الصف الثالث الابتدائي، لكن فهمي لفن الكاريكاتير نضج فيما بعد، كوسيلة للتعبير عن هموم وطموحات الناس البسطاء والعاديين الذين أنتمي إليهم·
* ما هي العناصر الضرورية لنجاح اللوحة الكاريكاتيرية برأيك؟
** يقول أحد الفلاسفة الفرنسيين إن هناك فرقاً شاسعاً بين الرؤية والنظر، فكل الناس تنظر لكن لكل منهم رؤية مختلفة وإدراك مختلف لما ينظرون إليه، وبالتالي فلكل فنان رؤيته الخاصة التي تستند في ادراكها للموضوع على عوامل ذاتية، فالخلفية الثقافية والحياتية للرسام هي الأهم، وهي ما يميز لوحاته عن غيره من الرسامين، وربما كانت شخصياتي بنظر البعض بلا طموح ولا أحلام، وربما كانت غير محببة من قبل البعض الآخر لكنها في النهاية تعبر عني أنا، وكل إيماءة أو انفعال تبديها هي إيماءاتي وانفعالاتي أنا· العامل المهم الآخر هو الفكرة، فإذا غابت الفكرة سقط الكاريكاتير، والفكرة لا تأتي على طبق من فضة، بل هي مهمة شاقة وتتطلب من رسام الكاريكاتير أن يكون مطلعاً ومثقفاً ثقافة واسعة، أما الموضوع الأخير فهو الحركة والانفعالات والتي أراها ضرورية جداً لنجاح اللوحة، فالكاريكاتير بحاجة إلى حركة وانفعال لئلا يفقد تعبيريته·

أفكار لا تصل

* تأخذ بعض لوحاتك بعداً فلسفياً، ألا تخشى ألا تصل الفكرة إلى القارىء خصوصاً أن معظم القراء ذوو ثقافة متوسطة؟
** أنا فنان ديموقراطي أطلع لوحاتي على أكثر من شخص لأتأكد من وصول أفكاري إلى القارىء قبل نشرها، لأن المشكلة الحقيقية التي تواجه الفنان هو عدم وصول فكرته إلى الملتقي، وأعترف أن أفكاري لا تصل إلى المتلقي أحياناً، وخصوصا تلك التي تنحو منحي فلسفياً، حتى أن البعض يتهمني بأنني أرسم للمعارض وليس للصحافة، ولكن لا أعتقد أن هذه مشكلتي أنا بل مشكلة بعض القراء الذين لا يتقبلون هذا النوع من الكاريكاتير، ويريدون أن تأتيهم الفكرة على طبق من فضة مفهومة ومشروحة إلى درجة الابتذال، وأنا لا أحب هذا الأسلوب·
* ولكن يقال إن الكاريكاتير فن شعبي؟
** هناك فرق بين العمق والغموض في اللوحة، فأنا لا أرسم بغموض بل بعمق لأنني لا أحب المباشرة والسطحية، وأرى أن على الكاريكاتير أن يأخذ بعده المستقبلي، فقد عود بعض الرسامين العرب قراءهم على اللوحات المباشرة التي تتناول الحدث كما هو وكأنه مانشيت صحيفة، فمثلاً إذا أراد أحدهم أن يرسم شارون وهو يقتل عملية السلام، فيصوره وهو يلتقط حمامة السلام بيد والسكين باليد الأخري، وبالتالى فهو لا يقدم أية فكرة جديدة ولا يقدم أية رؤية جديدة للقضية، بينما كان عليه أن يصور مثلاً حال المنطقة العربية بعد اغتيال عملية السلام، لكن كثيراً من القراء لا يتقبلون هذا الأسلوب لأنهم لم يعتادوا عليه، فالكاريكاتير بنظر البعض ليس سوى وجبة فنية استهلاكية سريعة، ولا يعلقون عليه أهمية كبيرة، لكنني لا أتفق معهم، فأنا أرسم كي تبقى لوحتي في ذاكرة القارىء لعشر سنوات على الأقل·

الكاريكاتير والصحافة

* ارتبط فن الكاريكاتير بالصحافة منذ نشأته، لكنه بدأ ينفصل عنها تدريجياً مع نزوع عدد من رسامي الكاريكاتير إلى تجاوز الطابع الصحفي الآني للوحة وتحميلها مضامين فكرية شاملة؟ هل تعتقد أن الكاريكاتير بدأ يرتقي إلى مستوى الفن التشكيلي الأصيل؟
** كان الكاريكاتير ضالاً ومشرداً قبل أن تتبناه الصحافة وتتعهده بالرعاية، ولا أرى أنه سيخونها، خصوصاً أن الصحافة هي منبره الأهم الذي يقيم له تلك العلاقة الوطيدة مع الجمهور، أما فيما إذا كان الكاريكاتير قد ارتقى إلى مستوى الفن التشكيلي أم لا، فهذا يبقى اجتهاداً من قبل الفنان، لكنني أعتقد عموماً أن الكاريكاتير يختلف عن التشكيل وتقييمه يختلف عن تقييم الأعمال التشكيلية·
الشروحات ضعف

* يعمد بعض رسامي الكاريكاتير العرب إلى تضمين اللوحة بعض الشروح والعبارات، بينما ترفض أنت هذا الأسلوب، لماذا؟!
** إذا حكيت لك نكتة الآن قد تضحكك كثيراً لكنك ستنساها بعد يومين أو ثلاثة أو ربما عشرة، بينما إذا وضعت أمامك لوحة معبرة فلن تنساها لعشرات السنين، وهذا يعني أن الذاكرة البصرية لدى الإنسان أقوى بكثير من الذاكرة السمعية، ولهذا فإن الشروح والعبارات تفقد الكاريكاتير الميزة الأهم فيه وهي التعبيرية، واعتقد أن الشروحات والعبارات في الكاريكاتير تعبر عن ضعف الفنان وعدم قدرته على استخدام أذواقه في ايصال الفكرة إلى المتلقي، فالكاريكاتير وجد تعبيرياً منذ البداية على جدران الكهوف وأوراق البردي، فإذا افتقدت التعبيرية في اللوحة غاب الكاريكاتير وبقيت النكتة، والنكتة شيء آخر غير الكاريكاتير، فالرسم الذي يعتمد على الحوار ليس كاريكاتيراً، لأنه لو وجد الحوار وغاب الرسم لوصلت الفكرة، ولكن أحياناً تكون الكلمة من صلب اللوحة وجزء لا يتجزأ منها، كأن أشير مثلاً إلى أن هناك رجلاً يقف أمام بقالية، فليس هناك ضرر من ذكر كلمة (بقالية) برأيي·
* متى يكون إغناء اللوحة بالتفاصيل ضرورياً، ومتى يكون هذا الاغناء نافلاً برأيك؟
** بعض الرسامين يحاولون أن يعوضوا ضعف الفكرة بإغناء اللوحة بالتفاصيل كي يصلوا بها إلى مستوى المشهد الكرتوني، والبعض الآخر يعزفون عن إغناء الكاريكاتير لعدم قدرتهم على التعبير بالرسم سوى عن لقطة بسيطة وصغيرة، وأنا لا أميل إلى الاختزال اجمالاً إلا إذا كان الكاريكاتير فلسفياً، وأحاول دائما أن أجمع في اللوحة بين عمق الفكرة وجمالية المشهد، ولا أرى ما يمنع ذلك·

سخرية سوداء

* تبتعد في بعض لوحاتك عن السخرية وتقترب من التراجيدية أو المأساوية أحياناً، فهل تعتقد أن السخرية لم تعد عنصراً أساسياً في الكاريكاتير؟
** بل إن السخرية ضرورية جداً في الكاريكاتير، لكنني لا أعتقد بالمقابل أن مهمة الكاريكاتير هي إضحاك الناس، فهو يشبه النكتة، والنكتة الرائجة لا تقال لمجرد الإضحاك، وإنما للتلميح إلى مكبوتات المجتمع العميقة· لقد اكتشف أول كاريكاتير في القرن الخامس قبل الميلاد ويمثل طائراً يصعد إلى شجرة بواسطة سلم، وهذا موقف تهريجي ساخر، لكن مفاهيم الكاريكاتير تغيرت بعد ذلك فلم يعد يهدف إلى التهريج - ما عدا في بعض المهرجانات الأوروبية - ولم يعد مقبولاً أن يعتمد الكاريكاتير الضحك والهزل لمجرد الفكاهة، لأنه بذلك سيبتعد عن الناس وسيخرج عن وظيفته الأساسية في التعبير عنهم، حتى أن الكاريكاتير العربي انطبع بالسوداوية والمرارة الحادة، فالوضع العربي أصبح أكثر سخرية من السخرية نفسها، ولم يعد الفنان نفسه قادراً على الابتسام حتى يستطيع أن يزرع البسمة، فالمأساة سيطرت على الفكر والفن·

هموم الشارع

* هل استطاع الكاريكاتير العربي أن يرتقي إلى مستوى هموم الشارع برأيك؟
** يعاني رسام الكاريكاتير العربي من ثالوث الهموم، هم العيش الذي يؤثر كثيراً على نفسيته وعمله، وهم الديموقراطية المفقودة، وهم الصراع مع اسرائيل، وهذه العوامل الثلاثة تؤثر على ما يقدمه إلى القارىء، فهو يستيقظ يومياً على أصوات الانفجارات وينام على بيانات الخذلان والانكسار، ولا يجد بيده حيلة لمقاومة كل تلك الانهيارات، حتى انطبع الكاريكاتير العربي بالسوداوية والتشاؤم·
* ولماذا لم يستطع رسامو الكاريكاتير العرب حتى الآن أن يشكلوا جبهة واحدة وموقفاً واحداً؟
** في زمن الاستبداد المبرمج الذي تتقاذفنا فيه أمواج العولمة إلى القاع نحن أحوج ما نكون إلى الديموقراطية، كي نستطيع أن نصوغ موقفاً عربياً سياسياً موحداً، قبل أن نكرس موقفاً عربياً واحداً على صعيد الكاريكاتير·
* يتعرض العرب حالياً لحملة شرسة من قبل رسامي الكاريكاتير الغربيين تستهدف تشويه صورتهم ووصفهم بالتخلف والرجعية، ولكننا لا نرى في الكاريكاتير العربي رداً مناسباً يصحح هذه النظرة المغلوطة؟ فما السبب برأيك؟
** لأنه ليس لديناً موقف عربي موحد في الأساس، كما أن رسامي الكاريكاتير العرب غائبون عن المحافل الدولية، وليست لديهم رابطة تجمعهم وتوحد توجهاتهم، وبينما يوجه الغرب أصابع الاتهام نحونا بمبرر وبلا مبرر كأننا مصدر كل المشكلات في العالم، نجد أنفسنا عاجزين عن الرد·
الكاريكاتير سلاح دعائي مهم جداً، وقد استخدم عبر التاريخ ليؤدي مهام خطيرة، فهو عنصر فاعل ومؤثر في مجرى الأحداث، ورغم أننا نملك هذا السلاح إلا أننا مازلنا عاجزين عن استخدامه بصورة فعالة، بينما يستخدمه الأخرون لتشويه صورتنا يومياً، فكثير من رسامي الكاريكاتير الغربيين يتعمدون تصوير العربي بشكل متخلف، فمثلاً العربي يذهب إلى وظيفته وهو راكب على الجمل وينام مع الجمل في غرفة واحدة، ولا أعرف لماذا لم يستفز هذا التصوير أياً من رسامي الكاريكاتير العرب حتى الآن؟!!

حلم قديم

* يسعى رسام الكاريكاتير المصري تامر يوسف رئيس مهرجان القاهرة الدولي للكاريكاتير لإنشاء رابطة تجمع رسامي الكاريكاتير العرب، ما جدوى هذه الدعوة الآن برأيك؟
** هذه فكرة ممتازة وحلم قديم يراود الكثير من رسامي الكاريكاتير العرب، فمثل هذه الرابطة ستوحد مواقف الكاريكاتيريين العرب، وتسمح لهم بتبادل الخبرات وتنشط الحركة الكاريكاتيرية في العالم العربي، كما ستعزز قوتهم في المحافل الدولية، لا سيما أننا نتعرض للاضطهاد في المهرجانات الدولية لاعتبارات سياسية لا علاقة لها بالفن، فمثلاً بعد أحداث الحادي عشر من (سبتمبر) تعرض مهرجان القاهرة للكاريكاتير لمقاطعة غربية صلفة، كما أن الدول التي كانت تدعونا للمشاركة في مهرجاناتها في السنوات السابقة أحجمت عن ذلك هذه السنة، وأخذت موقفاً منا ولم تحترم كوننا فنانين لا علاقة لنا بالسياسة·
* لديك مشاركات عديدة في مهرجانات عربية ودولية، ما الذي تضيفه لك مثل هذه المشاركات؟
** إن هذا النشاط هو اجتهاد مني، فأنا أحاول دائما أن أتواصل مع الكاريكاتير العالمي، ولا أخفي أن لدي طموحاً للعالمية· يقول مونتيسكو إن سر النجاح هو معرفة كم من الوقت يلزمنا لكي ننجح، وأعتقد أنه مازال أمامي بعض الوقت، لكنني متيقن من أنني أضع قدمي في بداية السلم·

لا أصنف نفسي

* أين تصنف نفسك بين رسامي الكاريكاتير في سوريا؟
** في بلد يصل تعداد سكانه إلى حوالى سبعة عشر مليون نسمة لا يوجد على الساحة سوى أربعة أو خمسة رسامين، بينما في طهران وحدها مثلاً حوالى أربعمائة رسام كاريكاتير، وهذا لا يعني أنه ليس لدينا رسامون لكن المشكلة أن الإعلام لا يسلط الضوء إلا على بضعة أشخاص ويهمل الآخرين، وبالتالي فأنا لا أستطيع أن أصنف نفسي لأنه لا توجد لدينا تقسيمات محددة بين الأجيال والتجارب، ولا توجد لدينا حركة كاريكاتيرية نشيطة ومتنوعة، وحتى التجارب الجديدة تبدو وكأنها تستنسخ تجارب الآخرين، فليست لدينا جمعية لرعاية الفنانين الصاعدين، وليست لدينا استمرارية وتطوير للتجارب السابقة، وبالتالي فإن الكاريكاتير السوري يراوح في مكانه ويدور في دائرة مغلقة، مثله مثل الكاريكاتير العربي عموماً، ولهذا فأنا خائف على مستقبل الكاريكاتير في سوريا والوطن العربي أيضاً·
* وإلى أي مدى برأيك يؤثر هؤلاء النجوم الذين كرسوا على الساحة في إعاقة نشوء أجيال جديدة من الرسامين؟
** القاعدة لدينا أن الكبير لا يسمح للصغير بالظهور إلا عندما يموت، وهي قاعدة بلا استثناءات، فالفنان الكبير والمعروف لا يسمح لفنان ناشىء أن ينافسه، وإن بدا أنه يشجعه وجهاً لوجه، فهو ضمنياً يتمنى أن يسحقه، وكثير من الفنانين المخضرمين يحاولون تحطيم الناشئين نفسياً بدل أن يشجعوهم·