المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقاش الرسامين فناني الكاريكاتير ( 8 ) :هربرت بلوك



aziz rash
14-08-2004, 01:35 AM
توفي عن عمر يناهز الواحد والتسعين رائد الكاريكاتير الأميركي هربرت بلوك المعروف باسم هيربلوك والحائز على جائزة بوليتزر لفن الكاريكاتير، ورسام الكاريكاتير الأول في صحيفة واشنطن بوست الأميركية· وقد توفي بمرض السل يوم الأحد الماضي في مستشفى ميموريال بواشنطن·
يقول رئيس تحرير صحيفة واشنطن بوست: هربرت أعظم فنان كاريكاتير في كل العصور، ساعده على ذلك ذكاؤه وإحساسه العميق بالتاريخ بالإضافة إلى مهارته الفنية وعلاقاته مع الشخصيات السياسية الرئيسية ومتابعته لأهم الأحداث في الأعوام الخمسة والخمسين الأخيرة في العالم·
نال بلوك جائزة بوليتزر على تغطيته لفضيحة ووترجيت الأميركية· وكانت رسومه الكاريكاتورية تتداول في أكثر من 300 صحيفة عبر العالم· كانت رسومه ذات خطر واضح على تصرفات السياسيين الأميركيين منذ بداية الخطر النووي ولم تنته حتى نهاية الحرب الباردة·
وهو الذي نحت مصطلح المكارثية لوصف تلك الممارسات التي كان يستخدمها السيناتور جوزيف مكارثي ضد معارضيه المتهمين بالماركسية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي· وقد تم تصنيف 39 من رسومه في قائمة جامعة نيويورك عام 1999 على أنها من أعظم مائة عمل صحفي في القرن العشرين كله·
بعد أن كان الرئيس الأسبق نيكسون يتسلم رسومه كل صباح، قال عنه نيكسون في حوار معه لن أبدأ صباحي أبدا برؤية رسوم هيربلوك· وكان هيربلوك يرسمه بكتفين مستويين وغير حليق له عينان داكنتان وذقن شيطانية·

4 رسوم كل أسبوع

بدأ عمله بعد أزمة انهيار السوق الاقتصادية في العالم عام ،1929 وكان يواصل الرسم حتى وهو في عطلته السنوية· وقد قام بانتقاد كل الرؤساء الأميركيين الذين عاصرهم ابتداء من هربرت هوفر إلى جورج بوش الابن·
ولم يكن الرئيس نيكسون هو الوحيد الذي اشتكى من رسوماته، فقد اشتكى دوايت إيزنهاور وليندون جونسون الذي ألغى حفلا كان سينال فيه وسام الحرية، أما رونالد ريغان فقد قال عنه :يبدو أن هذا الرجل لا يحبني على الإطلاق· لكن هاري ترومان ضحك كثيرا مع نفسه وهو يقوم بجولة في معرض يضم رسومات هيربلوك·
قدم بلوك عددا لا يحصى من المعارض ونشر عشرة كتب عن رسومه الكاريكاتورية، بالإضافة إلى سيرة شخصية بعنوان هيربلوك: حياة رسام كاريكاتير· عاش طول حياته أعزب ويقول أصحابه بأنه قد تزوج الفن وقد كان يقضي كل أوقات فراغه في تحرير أكوام من الرسومات للصحف والمجلات بالإضافة إلى متابعة النشرات الإخبارية·
كان يرسم أربعة رسومات كل أسبوع، وقد خفضها عن سبعة كان يرسمها في فترة شبابه· ولم يكن يفهم معنى لاعتزاله الفن فقد قال في سيرته الذاتية: ماذا يرضيني أكثر من رسم صورة كل يوم، وما الذي يمكن أن أحصل عليه في العالم أكثر من ذلك·
ظهرت آخر رسوماته في صحيفة واشنطن بوست في شهر أغسطس الماضي بعد أن أخذ إجازته السنوية فسقط مريضا· نشأ بلوك في شيكاغو وهو ابن أحد الصحفيين الذي تحول إلى صيدلي وكان يرسم منذ طفولته·
وقد حدد اسم شهرته هيربلوك وهو في سن السادسة عشرة حينما بدأ يتطوع بكتابة تعليقات ورسومات في صحيفة شيكاغو تريبيون· وفي سن التاسعة عشرة ترك دراسته الجامعية ليتفرغ لعمله طول الوقت كرسام كاريكاتير في صحيفة شيكاغو ديلي نيوز· ومنذ ذلك الحين وهو يتفق مع وكالة نيوز بيبر إنتربرايز التي كانت تبث رسوماته الكاريكاتورية لعدد من الصحف لمدة عشر سنوات·
ثم خسر عمله في الوكالة عام 1942 لأن رسوماته كانت تدعم فرانكلين روزفلت وكانت تحث أميركا على الدخول في الحرب العالمية الثانية· لكن قبل أن يفصلوه نال جائزة بوليتزر للمرة الأولى· قضى الحرب في نيويورك يرسم في صحف الجيش وملصقاته، وبعد ذلك استقر في صحيفة واشنطن بوست·
كان يرسم وهو يضع رقعاً خشبية عريضة على حجره ويقضي فترة الظهيرة وهو يتفحص أفكاره الكاريكاتورية حتى يستقر على إحداها لتكون هي رسمة اليوم التالي· ولا يهدأ حيث يشرع فيما يليها بالقلم والحبر·
كان البعض يعتبر رسومه شريرة شيطانية وشديدة الوحشية، لكنها تعطي لنا فكرة عن الصور التذكارية لتاريخ الخطاب السياسي الأميركي· تتميز رسومه بالبساطة الشديدة، وقد عاصر معظم الأحداث المهمة الكبيرة التي يتميز بها القرن العشرين وحتى بداية الواحد والعشرين·
رسم الأحداث الكبرى منذ صعود نجم هتلر وهجمة الفاشية والديكتاتورية في أوروبا وآسيا فترة الثلاثينيات، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، والتغيرات العميقة التي ميزت الحياة الأميركية فترة ما بعد الحرب، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وانتشار الرخاء والفضائح في سنوات كلينتون الذي حكم البيت الأبيض مرتين·
بعد الحرب العالمية الثانية استمر فترة يرسم العالم على هيئة قنبلة تمثل الإنسان بدينا ومريضا في إشارة إلى جنون الأسلحة النووية· وكان يأخذ جانب المعوزين في العالم ضد الأغنياء· وكان يخدم حقوق الإنسان ويغضب الحكومات من صراحته الشديدة· وكان يرى أن كل القيم التي يتشدق بها العالم من الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة مجرد قيم زائفة ليست مقصودة لذاتها في كثير من الأحيان·
بعض أعماله الأولى كانت تعتبر نموذجا يحتذى حتى يومنا الحالي· وكان يكرس رسومه لحملات تمويل الإصلاح وحماية البيئة والسيطرة على الأسلحة قبل أن تصبح هذه الأشياء هي أساس الأجندة السياسية في أميركا·
ورغم أنه كان يدخن لفترة طويلة في حياته إلا أن شركات التبغ لم تسلم من رسوماته· وقبل أن يتم تأطير الرسوم الكاريكاتورية في محطات التلفزيون تعاقدت معه عدد من هذه المحطات وكانت تفتتح برسوماته الأحداث اليومية قبل غيرها· وربما كانت رسومه هي أول شيء يطلع عليه القراء في الصحف التي يقرأونها، وسواء كانوا يتفقون معه أو يختلفون فهي تستهويهم·
نال خمس جوائز أخرى على رسومه الكاريكاتورية من جهات صحفية عديدة مثل جائزة سيغما ديلتا شي وجمعية الصحافة المحترفة وغيرها· بالإضافة إلى عدد كبير من التكريمات وست درجات دكتوراه فخرية· وقد كرمه الرئيس كلينتون عام 1994 بوسام الحرية أعلى درجة تكريم مدنية في أميركا·
وكانت صحيفة الواشنطن بوست هي قاعدة هيربلوك الرئيسية لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان· وعبر الوكالة كانت رسوماته تصل إلى قراء الصحف عبر الولايات المتحدة وإلى كثير من البلاد الأجنبية أيضا·

عداء أبدي

ولد هربرت لورنس بلوك في 13 أكتوبر 1909 في شيكاغو وكان أصغر أخوته الثلاثة· كان أبوه صيدليا ونالت أمه عددا من الجوائز في مسابقات الطبخ· أظهر الولد موهبة كبيرة في سن الحادية عشرة، فألحقه أبوه في معهد الفن في شيكاغو، ونال منحة دراسية وعددا من الجوائز عن رسوماته الملونة والأبيض والأسود التي نشرها في عدد من الصحف·
في عام 1927 أظهر موهبة صحفية بارعة كانت توزعها الخدمة الإخبارية في شيكاغو نيوز، ثم نال منحة دراسية درس فيها الفن الصحفي في أحد المعاهد· وفي عام 1929 ترك المعهد ليعمل في صحيفة شيكاغو ديلي نيوز، وظهر أول رسم له في 24 أبريل ·1929 كتب عنه الكثير من أصدقائه بأنه كان شخصا مبدئيا لا تغريه الأهواء ولا مناصب الأحزاب·
بالإضافة إلى الأخبار المحلية يمكننا أن نقول بأن هيربلوك كان رجلا عالميا أيضا حيث لم يكن انعزاليا بل تعرض في رسوماته إلى مشاكل واضطرابات عالمية مثل المشاكل في اليابان ومنشوريا والصين، وصور هتلر في صورة القرصان بقدم واحدة ونعته بعدة أوصاف كالجهل والتعصب والخيانة والخديعة وغيرها·
كوفئ بجائزة بوليتزر لفن الكاريكاتير أربع مرات: للمرة الأولى عام 1924 وكان يسخر فيها من الجنود الألمان، وفي عام 1954 نال بوليتزر للمرة الثانية وهو يتهكم على ستالين بعد وفاته· أما بوليتزر الثالثة فقد نالها عام 1979 عن مجمل أعماله طيلة حياته· وقد نالها للمرة الرابعة والأخيرة بالاشتراك مع الصحيفة التي كان يعمل فيها الواشنطن بوست بعد أن قاما بكشف فضيحة ووترجيت التي أدت إلى استقالة نيكسون من الرئاسة·
ورغم العداء الشديد الذي كان يكنه ريتشارد نيكسون له ولرسوماته، حصل لقاء وحيد بينهما في حفل كوكتيل أوائل الخمسينيات إلا أن اللقاء لم يسفر سوى عن مزيد من العداء بينهما· منذ وصول نيكسون إلى واشنطن عام 1974 كعضو كونغرس قادما من كاليفورنيا حتى وفاته عام ،1994 لم يجسد هيربلوك شخصا يكرهه ويكره حكومته أكثر من نيكسون· وفي المقابل لم نجد نيكسون يكره من وسائل الإعلام شيئا أو أحدا أكثر من هيربلوك·
في عام 1948 صور نيكسون وهو عضو كونغرس جالسا مع صديقين له في ملابس الأطهار البيضاء وهم يوقدون نارا تحت تمثال الحرية بعد أن قيدوه بالسلاسل· يقول لهم: لسوف نخرج منها أرواح الشر·
وظل يصور نيكسون لمدة عشرين عاما تحت ظل الساعة الخامسة، وحين نال الرئاسة عام 1968 صوره فوق كرسي الحلاقة يقول: هذا المحل سوف يمنح كل رئيس جديد في الولايات المتحدة الحلاقة مجانا·
وكان الدور الرئيسي لصحيفة واشنطن بوست في كشف نيكسون عام 1970 بفضيحة ووترجيت، فقد نشر عشرات الرسوم الكاريكاتيرية خلال هذه الفترة، وبعد أن استقال نيكسون نشرت واشنطن بوست صفحة كاملة لرسوم هيربلوك عن فضيحة ووترجيت· وقد نشر هيربلوك عن نيكسون فصلا كاملا في سيرته الذاتية، قال عنه لقد كان أكبر خائن للأمانة رأيته في حياتي·

النمر من ذيله

في عام 1950 أقام أول معرض له عام 1950 في غاليري كوركوران، وبعد نصف قرن تقريبا أقام آخر معرض له عام 2000 في مكتبة الكونغرس· وفي الستينيات تم تكريمه بتصميم طابع تذكاري يسجل الذكرى 175 لحقوق الإنسان·
في الذكرى الخمسين لتأسيس جريدة واشنطن بوست، كتبت رئيسة التحرير وقتها كاترين غراهام تقول عن هيربلوك: كانت أمي تقول مثلا (الرجل الذي يستحق الزواج منه يستحيل أن نعيش معه)، كيف لم أفكر على هذا النحو في تلك الحياة المجيدة والأوقات العصيبة التي عشتها مع هيربلوك، أحد العلامات البارزة في صحيفة واشنطن بوست وفي عالم الصحافة بشكل عام؟ تتخفى تحت عبقريته في عالم الكاريكاتير والكتابة شخصية متواضعة رائعة· وتحت تلك الشخصية تقبع طبقة أخرى من الصلب والحديد· بالنسبة للناشرين والمحررين الذين يعملون تحت إمرته يمكننا أن نقول بأن التعامل مع هيربلوك يشبه ان تمسك نمرا من ذيله· قاتل طول عمره لينال الاستقلال الكامل في كل شيء· ورغم أن وكالة الصحافة كانت تتحكم كثيرا في المتعاملين معها إلا أن حالة هيربلوك كانت متطرفة فكانت تتعامل مع عبقريته وكأنها صفة ملازمة له·
كان هيربلوك يسير على خطى تقاليد فن الكاريكاتير الذي بدأ في إنكلترا في القرن الثامن عشر على يدي وليم هوجارت· وكان النقاد يقارنونه بالرسام أونور دوميير الذي سجل بريشته معظم الأحداث التي دارت في القرن التاسع عشر في فرنسا، كما سجن لأنه وضع رسما كاريكاتيريا مضحكا للملك لويس فيليب·
كما يتم مقارنته بالرسام توماس ناست مخترع رمزي الفيل والحمار للحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكذلك بالرسام بوس تويد الذي فضح الحياة السياسية في نيويورك أواخر القرن التاسع عشر، وكذلك بالرسام ديفيد لو الذي اخترع الكولونيل بليمب الذي يمثل النزعة المحافظة في بريطانيا في القرن العشرين·
في مقالة كتبها هيربلوك في كاتالوج معرضه الذي أقامه في مكتبة الكونغرس، كتب يقول: إن الكاريكاتير السياسي ليس مجرد حكاية صحفية ولا صورة بالزيت والألوان· إنه يعنى أساسا بإبراز طاقة المرح· كما تخدم رسوم الكاريكاتير والقصص الصحفية نفس الغرض في مساعدة القراء على فهم مواقف الحياة· إن الكاريكاتير فن يقاوم الفساد والاضطهاد وإساءة استخدام حقوق الانسان وهو ضد الجبروت الحكومي· ويمكننا عموما أن نعتبر أن الكاريكاتير السياسي خصوصا هو خادم الرأي العام· تلك هي العلاقة المفترض وجودها بين رسام الكاريكاتير والحكومة، وأنا أعتقد أن هذه العلاقة تكون على أحسن ما يرام حينما يكتسب فنان الكاريكاتير ثقته بنفسه من قبول الرأي العام لآرائه التي يفضح فيها أي نوع من الفساد·
لم يكف هيربلوك عن الرسم طيلة عمره المديد، ونستنتج حماسته الزائدة التي لم تخف وتيرتها على الإطلاق حتى وفاته من نفس كلماته التي قالها في آخر سيرته الذاتية أمامي دائما شريحة نظيفة عليها فرخ ورق أبيض ومساحة تنتظر أن يشغلها شيء، وفرصة علي أن أغتنمها لتكون الرسم الذي يظهر في اليوم التالي ربما يعجب الجميع·