المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلِمةٌ أبَديـــــــــــــّــــــــــــــــــة



mazen850
16-08-2004, 03:34 AM
كلِمةٌ أبَديـــــــــــــّــــــــــــــــــة


ذاتَ يوم بدأتُ أُفَكِر بَدَلَ أن اتسأئل. لأنَ التَسائُل لَم يَجلِب نَتِيجة.فَقَررتُ أن أُفكر بَدَلَ أن اتسائل مِنَ الأن فَصاعِداً. فَكرتُ. بِالناس حاضِراً و مُستقبلاً. وفَكرتُ بالقديمِ و الجَديد. فَكرتُ بالمُستقبل وقُلت, أيُ مُستَقبَل، هَل نريدُ أن نحيا لنعيش مستقبلاً أم أنّ المُستقبل هو الذي يَقتربُ مِنا بِسُرعة هائلة.

عِندما تسمعُ عنِ المُستَقبَل المُشرق يجب أن تُفكِرَ لِبُرهة أن اليَوم التالي هو جزئٌ مِنَ المُستقبل و أنّ اليومَ الذي يليه هو جزئٌ مِنَ المُستقبَل.
ومَرَت الأيام ...
ولم يتغير شيء. العجوزُ الذي كانَ بِالأمسِ ينتظرُ اليوم قد ماتَ وقد يَلحقُهُ غداً أخاهُ أو إبنُ عَمِهِ أو صَدِيقُهُ أورُبما عدوه.
ماتَ ولَم يرى المُستقبل المَوعود. المُستقبل الذي يَحلُمُ فيه.. مائةَ عامٍ ظَلَ في العُزلة. في العُزلة عنِ المُستقبل. وأخيراً مُستقبلهُ الفناء.
لم يَبرَح مكانهُ الحظُ السيء الذي يُخيمُ على العالم، لا ليس على العالم. بل على الخَلق غير المرغوب به إذا صح الكلام.
هذه المرة فكرتُ بِجِديّة و قلتُ أخيراً أننا يجب أن نحيا في هذا العالم مِن أجلِ الماضي وليسَ مِن أجلِ المُستقبَل فَلَرُبما يأتي بعدَ أعوامٍ و أعوام الجيلُ الذي يُفكِرُ بالمُستقبَل. ولكِن ليسَ الأن. ليسَ الأن.

فكرتُ أيضاً بالشِتاءِ والصَيفِ والخَريف.
والرّبيع!
و أيُ ربيعٍ يأتي بعدَ شِتائِنا.
لم نعُد نَستنشِق عَبيرَ الأزهار. لم نَعُد نَشم رائحةَ خُبزِ العيد اللطيفة. بدأنا نَستنشِقُ رائحَةَ الدم المُثيرة الباردة التي تلهب الأنفس.
الشِتاءُ يأتي أولاً. كما جِئنا نحن.أولاً. ويَطلي الأرضَ بياضاً لَعَلَ الإنسانَ يَرى السلامَ بالعينِ بَعدما فَشَلَ في استِحواذِ العَقل.
الشتاءُ يأخذُ العينَ لا العقل. يأخذُ العينَ لا الأُذنَ ولا الفَم ِبفِراشِهِ الأبيض ورذاذهِ الشفاف. ترى الوضُوحَ فيه ولكن لا ترى السُكون. و يَبقَى لِلِشتاءِ رونقُهُ القديم والجديد. ولكن المُستقَبَلَ مجهول.
والربيعُ فَقَدناه.
و المُفتَرَض مِن الصيف أن يُضيَء عَتمَة العُيون ويُعطي الإنسانَ فُرصةً لأن يَفكِرَ بِما فَعَلَ خِلالَ الزمان الذي مَضى. َيَتَنور و يَتَعلم في أنٍ واحد لعلَ وعسى أن يعودَ لرُشدِه.
كفانا عَن الصيف فالخريفُ على الأبواب وقد بدأ بإسقاط كُل الذي خططنا له. لم يهدم ما بُني. لأننا لم نَبني شيئا ودام. الشجرُ يبني والخريفُ يمزق ويكسو الأرض غشاءً له لون يبعث على الإغماء . ولو لوحظَ الأمر فإن جَميعَ المأسي تحدُث في الخريف.
ومَعَ ذلك جاد علينا الخريفُ بِأوراقه ولم نَستَفِد مِنها كَما هو الحالُ دائما.
فَكَرتُ أيضاً بالذكرِ والأُنثى. بِالطفلِ والناضِج، بالمُعاقِ، بالممسوسِ بالعاقلِ. بالقوي و الضعيف فلم أجد مخرجا مما أُفكِر فيه. رأيتُ الدُنيا بِعينِ طائِر رأيتُ الدُنيا بعينٍ لا تراها كلُ عين. رأيتُ الدُنيا بالخيالِ و بالواقِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع.

الذكرُ و الأُنثى تاريخُهُما مَعروف و لا يُضِيفُ كَلامي شيئاً جديداً إلا إذا كنتُ فَيلسوفا. وأنا لستُ كذلك. كفانا إذا. لِنَترُكِ الموضوع الذي لم نبدأه. فلو أني لم أعرف الخاتمة ، لَكُنتُ بدأت.
الممسوسُ يَبقى ممسوساً مالم يذكر خلافُ ذلك. الطِفلُ يجهلُ المستقبل. القوي يحاولُ بناء المستقبل( أو يُدمره ) والضعيفُ يحاولُ أن يُجاريَ الحياة القاسية التي بَناها القوي. كُلُها دراما مكتوبة على الحجر، ِبالصور! بأوراقِ الخريفِ ِمنَ الشجر.

و تَعَقَدَت الأشياءُ مِن حينٍ إلى حين ظَنا أو إرتِباساً مني بِصِحةِ ما قد أفكرُ فيه حتى ولو كانَ تَفكيري أقربُ إلى الجُنون مِنهُ إلى العقل. تَمكنت وبَعدَ مَراحلٍ مِن التصوير الذهني مِن ملىءِ الفراغ، فراغُ الشك، وقد أكونُ مُحِقاً وقد أكونُ مُخطِئا ولكِنها على أية حال مُحاوله.

أتَذَكَرُ ِتلكَ الأيام عِندما بدأتُ أتعلم أن ّالإنسانَ لا يعيشُ وحيداً في هذا العالم بل أنّ هُناكَ عالماً فوقياً يَتَنَفَسُ مَعه.
ليسَ بِالضَرورةِ أن يكون ذلكَ العالمُ عالماً حَيويا ولكنهُ عالمٌ أخر يستطيعُ أن يُمارسَ ما يُمارِسُهُ الإنسانُ ورُبَمَا أكثر. يستطيعُ إستِحواذَ العُقول جميعها بعكسِ الإنسان الذي عجز عن إستحواذِ عقلِه.
تعلمتُ أن أرسُمَ و أكتُب، تعلمتُ أن أقرأَ وأستجمِع. تعلمتُ أن ابكي وأضحك، تعلمتُ أن أرى وأن لا أرى. و الأهم من ذلك أني تعلمتُ أن أرى مالا يراه غيري.
تَمَكَنتُ وبعدَ سِنينٍ مِنَ المُغامرة الإبتدائية أن أجمَعَ قُواي لإستِطرادِ العَقل والكتابةِ بشكلٍ مُطلق مغايرٍ للطريقةِ المُعتادة والتي جعلتني أرى الذي بداخلي و ما بداخلِ الناس. تمكنتُ مِن رَسمِ الحُروفِ التي تُشكلُ العالم الجَديد المكتوب.
ثم تذكرت. هل نسيتُ شيئاً؟ هل جفِلَتُ عن شيء. أو رُبما أشياء؟
فكرتُ بِالناسِ القُدامى وقُلتُ أَنهُم إستَطاعوا أن يَفهَموا بَعضهُم البعض بدونِ القلم. فلِماذا التقليد. إنهُ زمنُ القلم وزمن الطُرُقِ الشخصية. زمنُ أستِرسالِ الأمورِ والتأمُلِ بالقلم.
ندورُ في دوامةَ. إستخلصت. الدُنيا تَدور. و العقولُ تَدور والأوراقُ تَدور على بَعضِها والإنسان يدورُ على نَفسِه ليَكتَشِفَ أنهُ أضاعَ فُرصَتَه. ولكِني سَأَََدور لكي لا أصبح فَريداً. سَأدورُ ولَكِنِي لَن أرى فُرصَتِي الضائِعة، و أِنما سأحصِدُ ثِمارَها. إن ضاعت سَتَعود. لأن الدنيا تدور. و الفرص تدور وسأمسكُ بِها ِمنَ البداية.

ليسَ هذا بالشيءِ الجديد فأرسطو قالَ أنّ الأرضَ كُرة. والدُنيا تدور. ولكِنّ الذي لم يعرفهُ ارسطو عَرَفَهُ غَيرُه. فلِماذا لا أكتشِفُ. أكتشِفُ النفسَ. أكتشِفُ الناس التي لم تبذُل جُهدا لإكتشاف نَفسِها.

ُأريدُ أن ابدأ ولكنّ الدُنيا تدور وتدور. والقلمُ يدور. والناسُ تدور حول بَعضِها وأراني قد درُتُ وكَتَبتُ الماضيَ مِن جديد.
رأيتُ الأسرارَ تُباح. رأيت ثُم رأيتُ الطائِرَ يَطير. رأيتُ نفسي أطير، رأيتُ الأشياءَ تلمعُ مَعَ أنها ليست هُناك. رأيتُها تطير مع أنها لا تطير.

عرفتُ أنّ اللاشيءَ ما هو ألا شيء.وهو معدومٌ بالقدر.وعرفتُ أن قلبيَ هو شيء ولكِنَهُ لاشيء،وهو معدومٌ بالمُقارنة.
لأنهُ يَنبِضُ كسائرِ البشرِ ولكنهُ لا يتعدى مُهمة النبضِ.
هكذا عَلِمتُ أنني يجبُ أن أجعَلَ كُلَ ما يُمكِنُهُ أن يَقومَ بمهمةٍ أن يقومَ بِها ويتعداها.
القلمُ يكتب وفي نفسِ الوقت إنه يبكي و يضحك و يحيا ويموت. هل له قلب؟لا؟نعم؟ يجبُ أن أُجيب لكي أبدأ.
إكتشفتُ. ودُرتُ مِن جَديد، و رأيت، تصورت، تخيلت، تأملت. ما الغرض، ما السبب!! ما السؤال و أخيراً....تحيرت.
قُلت.. دوافع، غرائِز. كُلُها أجوِبة، كُلُها اطروحات وجميعُها جوابٌ لسؤالٍ واحد.. لماذا الإنسانُ إنسان. لماذا الحياةُ حياة و جوابُها بإختصار لأنني موجودٌ و أحيا.
الظلمةَ الطَيِبة التي تَجلِبُ العزاءَ للقلب، المهدُ الدافىء للروح والوطن الضائِع. ينفتِحُ أمامي ، زمانُ الوجودِ الذي لم يَتَخَلق بعد ، الإرتِعاشاتُ الأولى غيرُ الواثقة فوقَ صدرِ النبع ، حيثُ تنام تحتها الأزمنة القديمة بأحلامِها عنِ الغابات الإستوائية ، تحسسي طريقَكِ أيتُها الروحُ ، تجولي ولا تكُفي عنِ التجول ، غوصي عشوائيةً في حمامِ الشهواتِ البريئةِ مِنَ الإثم! أنا أعرِفُكِ ، أيتُها الروحُ الجبان ، لا شيء ألزم لك، لا شيء أفضَلُ لكِ مِنَ الطعامِ والشراب والنوم سوى الرجوعُ ألى البدايات . فهناكَ تُهدرُ الأمواج حولكِ ، فتُصبِحينَ موجة ، وتُرسِلُ الغاباتُ حفيفها فتكونينَ غابة. لا وجودَ لخارجٍ عنكِ ، أو داخلٍ فيكِ ، أنتِ تطيرينَ.. كطائرٍ في الهواء ، وتسبحينَ كسمكةٍ في الماء ، وتتنفسينَ في الضياء ، فأنت ضياء. وتتذوقين الظلام فأنت ظلام. نحنُ نتجولُ- أيتها الروح - و نحنُ نسبحُ ونطيرُ و نبتسمُ و بأناملٍ شبحيةٍ رقيقةٍ تربكُ من جديدٍ الخيوطَ الممزقة ونوحدُ مغتبطين الهارمونيات المُنفَصِلة، ولم نعُد نريدُ العالم ، لأننا العالم. نحن نقتل و نموت مَعَ الأخرين ، نحن نُخلقُ ونُبعث بأحلامنا . و أروعُ أحلامِنا هي السماءُ الزرقاء، وأروعُ أحلامِنا هو البحر ، وأروعُ أحلامِنا هي السماء الزرقاء المرصعةُ بالنجوم ، وهي الأسماك ، وهي النورُ الساطِع السعيد، والأصوات المشرقةُ السعيدة. كل شيءٍ هو حُلمنا وكل شيءٍ هو أروعُ أحلامِنا. لقد مُتنا و أصبحنا تراباً. وقد إكتشفنا الضحِك من فورِنا ورتّبنا صورةَ الأفلاك.
و الأصواتُ تتجاوب، وكل صوتٍ فيها هو صوتُ أُمِنا. وينبعثُ الحفيفُ من الشجر ، وكل شجرةٍ مِنها تبعثُ حفيفها فوقَ مهدِنا. وتتفرقُ السُبُلُ على هيئة نجمٍ وكل سبيلٍ منها يؤدي إلى الوطن.
في صباحِ اليومِ الذي حَلُمتُ أن أعود فيهِ إلى الواقِع، فوجئتُ بالواقِع. كان حُلُماً غريبا. فوجئتُ بِنفسِ الأثائِرِ التي أراها كل صباح.الإسفلتُ الأسودُ نفسُه والبلاطُ الرماديُ الذي نمت بينَ فَجَواتِهِ الأعشابُ الغضة والندى الذي يُعطيها شكلاً رَطِباً عادياً يُثيرُ الغَثَيان.
صديقي ينتظِرُ الليل و أنا عُدتُ إلى الداخِل لأنتَظِرَ الصباحَ الأخر لعلهُ يَحمِلُ الواقِعَ المنشود. نفسُ الشارِع و نَفسُ السُلم. أعودُ الى الدارِ لأعتكِف، و أعترِف، أنني لن أُغيرَ الحال و أني لم أعُد أقوى على الإحتِمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال.

مازن

لندن
أبريل ۲۰۰٤



بإنتظار النقد.

sun jain
16-08-2004, 05:22 PM
قصه مثيره جدا الصراحه الف شكر على الموضوع ^_^ والقصه