ALcATRAZ
16-08-2004, 04:50 PM
في البداية احترت ..احط الموضوع بالمنتدى الاسلامي ولا العام..
لكن قلت احطه هنا عشان يستفيد الكل..
______________________________________________________
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فإن العلاج بالقرآن الكريم قد لجأ إليه الكثير من الناس في هذا الزمان, وأخذ الطريق العريض حتى أصبحت له المكانة اللائقة به في عصرنا كما كانت له في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا قد يشرف المسلمين إذا كان استعمال العلاج في حدود الكتاب والسنة, ولكن, للأسف الشديد أننا نجد البعض من المعالجين والرقاة, ليس لديهم الخبرة أو المعلومات الكافية لاستعمال العلاج. ولا يفرقون بين معنى كلمتي الجن والشياطين, ولا بين الأمراض النفسية والعصبية أو ما يسميه البعض بأمراض العصر. وعليه أن يكون الإنسان بصيرا بزمانه.
فإننا نعيش في القرن الخامس عشر من الهجرة الموافق للقرن الحادي والعشرين من الميلاد, ولا تزال في أذهان البعض من الناس الخرافات القديمة المزيفة والأراجيف المستعملة من بعض المشعوذين لجمع الأموال من المغفلين والجاهلين.
وهذا راجع إلى : عدم الثقافة والمطالعة والإدراك بتطور العلم الحديث, أو اتباع جمع الأموال والاستكثار منها, أو الاشتغال بالشهوات والاستمتاع بها... وبهذا, تتكون في الإنسان الأمراض النفسية والعصبية أو كما تسمى عند القدماء بالأمراض الروحانية. ومن ثم, يلجأ الإنسان إلى الأطباء ويتناول الحبوب والأقراص المهدئة. وبالإدمان على ذلك, تلج في قلبه أمراض الريب والوسوسة والتّخيّلات, ثم لا يجد راحة في نفسه ليلا نهارا.
ومن الأمراض أكثر انتشارا : الشك وفقد الثقة في النفس, الحالات العصبية, التخيلات المزعجة, الإرهاق والتمني الوهمي إلى... الانتحار. هذه الأمراض لها مصدر واحد ومحلها القلب.
... وقد صنفوها علماء السلف من الأمراض الشيطانية والوسوسة. ومن ثم, السحرة والمشعوذين استغلوا الفرصة وابتدعوا خرافات وقصص فنسبوها للجن والعفاريت, (وهم لا يعرفون من هم الجن والعفاريت.) ورسخت هذه الخرافات في عقول الناس واتخذوها من الحقائق, ونسبوا لها أسماء, ومنها المس من الجن. (وهو الأكثر انتشارا في هذا العصر).
والذين يدّعون ذلك ويعتقدون بأن الجن تسكن جسم الإنسان, ليس لديهم أدلة علمية أو عقلية أو قرآنية, إنما أقوالهم مستنبطة من الخرافات الموجودة في الكتب القديمة والمستعملة لهذا الغرض, كـشموس الأنوار والنور الرباني وشمس معارف الكبرى وأبو معشر الفلكي في حساب الأبراج...
وكيف باتباع ذلك, والمشرّع الحكيم أمر بالتحري في الأقوال والأنباء, وأمر سبحانه وتعالى باتباع أحسن ما أُنزل من الحق.
فقال في سورة الزمر 55:
( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ).
وبيّن سبحانه وتعالى بأن أحسن الحديث, كتابه, فقال في نفس السورة : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا ... ) .
وقد بيّن المولى عز وجل من أحسن الأقوال , الذي دعا إلى الإسلام ولا إلى غيره وعمل صالحا. فقال في سورة فصلت :
( ومن أحسن قولا ممن دعآ إلى الله...)
فالواجب على الإنسان أن يقتبس العلم والحقيقة من المصدر الموثوق فيه, وأن لا يتبع كل الخرافات والأكاذيب دون أن يعرضها على مقياس العلم والشرع الحنيف... فإن أراد الإنسان أن يقتبس من العلوم الروحانية ويتحقق من وجود عالم الجن والشياطين, فعليه بالقرآن, لأنه الكتاب الوحيد الذي جاء بحقيقة هذين العالمين (وهو شامل لكل العلوم) لقوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شئ .
ألا تعلم أخي القارئ بأن سيدانا داود وسليمان أتاهما الله من العلم ما لم يأتيه أحدا من العالمين؟ وعلمهما منطق الطير؟ وأتاهما من كل شيء؟... اقرأ قوله تعالى في سورة النمل 15-16:
( ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين - وقال سبحانه - ( وورث سليمان داوود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ... ))
فمن هذا ندرك بأنه لكل شيء علم, حتى في منطق الطير والنحل والحيوان وفي جميع ما خلق الله. وبالعلم نفرق بين الحق والباطل وتتضح به الأمور ونسعد به في الحيات الدنيا والآخرة.
ولكن اختلط الكلام, وانتفخت الأورام فأصبح الحليم حيران , لا يستطيع أن يفرق بين المس... أهو من الجن أو من الشيطان ؟
لذا, نقدم لكم هذا البحث البسيط على حقيقة المس والمقتبس من كتاب الله وسنة رسوله, وأدرجناه في أبواب مفصّلة وأردناه بأسلوب مبسّط وميسّر لقوله تعالى: (ويريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وهذا ليكون في متناول العام والخاص.
تنبيه :
ليكون في علم الجميع بأنه ما جاء من أقوال العلماء مأخوذة من الكتب أو غير ذلك, فقد أشرنا إلى مصادرها. أما ما قمنا به من تحليل أو تعبير أو ملاحظات فهي من وجهة نظرنا, ولا ينبغي للقارئ أن يتخذ رأينا كتفسير للقرآن, إنما هي محاولة الاستدلال به لفهم الحقيقة عن عالم:
الجن والشياطين. هذين الكلمتين اللتين حيّرتا العلماء وهي:
كــلـمـتـان مـن كـتـاب ربـــــي.
كم من إنسان بحث طوال عمره على أمر يهمه, وكم من عـالم بحث في شتى العلوم لإدراك الحقيقة, فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر, ومنهم من هو مستمر. ومن هؤلاء العلماء من أدركه ملك الموت وهو في الطريق المؤدي إلى الحقيقة, ومنهم من أدركه وهو مقبلا على الحقيقة, لكن : وما تشاؤن إلا أن يشاء الله .
- كم من أقلام جُفت, وكتُب صُنفت, وعيون سهرت, وكم من إنسان خُيّل إليه إدراك الحقيقة والأمر ليس كذلك. ليست الحقيقة التي هي مُطابقة الفكر للواقع, إنما الحقيقة التي نبحث عنها, هي الحقيقة الحسّية.
لأن الحقيقة نوعان: حقيقة علمية ملموسة, وحقيقة معنوية محسوسة,
(أي : يحس الإنسان بشيء أو يشعر به ولا يجد له تفسيرا علميا.)
وهذه الأخيرة خاض فيها الكثير من العلماء منذ القدم إلى عصرنا.
ولو لا الكتب السماوية, ما خطر ذلك على بال أحد من البشر, ألا وهي حقيقة الجن والشياطين. هاتين الكلمتين اللتين شغلتا عقول الكثير من العلماء والباحثين وأعجزتهما, وسالت من اجلهما أوديةُ حبر وحملتهما صحف الملاين من الكتب, ما هي إلا كلمتين من كتاب ربي, وصدق ربي حيث قال في سورة الكهف 109 :
( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا ) .
- كلمتان من كتاب ربي, تداولت على ذكرها الأمم, وتنافست على شرحها أكابر العلماء, و وجدوا أن معنى هاتين الكلمتين تُحدثا أمراضا فصنفوها ونسبوا لها أسماء, منها أمراض الجنون وأمراض الشياطين, ومنها غير ذلك, فاخترعوا لها أدوية كيماوية وأخرى صوتية .
- كلمتان من كتاب ربي جلبتا الكثير من الأموال للبعض من الناس وأفقرتا البعض الأخر, فرقتا أو كادتا أن تفرقا بين الزوج والزوجة, بين الأخ وشقيقته...ونقول هذه ليست حقيقة. أجل إنها ليست من الحقائق الملموسة, ولكن تؤدي إلى شيء ملموس يراه العام والخاص, فمثلا:
أنت تعرف أسرة معينة في بلادك مكونة من زوج و زوجة.... فيُعمل لهما سحر من طرف مشعوذ فيصبحا متفرقان .
والسؤال : ما السبب الذي جعلهما يتفرقان ؟
الجواب : السحر.
وهذا الأخير لا علاقة له بالحقيقة العلمية في عصرنا, ولكن أدي إلى حقيقة وهي: التفريق المبين وتـشـتيت الأسرة. وهذا الواقع يعيشه الكثير من الناس في هذا الزمان. ونقول هذه ليست حقيقة...
- كلمتان من كتاب ربي تكلم بها العالم والجاهل, الكبير والصغير, الأنثى والذكر ولا تزال الأمم تتوالى علي ذكرها حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وصدق الله حيث فال: سورة لقـمان :
( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم .) ....
نبذة من قصة إبليس
خلق إبليس وأصله :
لا يمكن لنا أن نخوض في الكلام على المس أو الجن والشياطين قبل المطالعة على تاريخ أول البشر مما خلق ولما ؟ وعن عدوّه وكيف تمت العداوة. ولهذا كان حتما علينا أن ندرج قصة إبليس لعنه الله . ونستهلها بما جاء في كتاب الله من الآيات والذكر الحكيم خاص بها. لأنه لا يوجد أحسن تعبيرا عن هذه القصة كتعبير القرآن.
قد جاءت في القرآن قصة إبليس لعنه الله مفصلة وواضحة. وتحتوي هذه القصة على الآيات التي تشهد لنا بعصيان إبليس أمر المولى عز وجل,ّ وتبيّن لنا مما خُلق والسّبب الذي جعله يرفض أمر المولى عز وجل . قال تعالى فيما يختص بخلق إبليس عليه اللعنة, في سورة الأعراف 13: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من ذين ...)
وأما ما يشير لنا في القرآن عن أصله, لعنه الله , قوله تعالى في سورة الكهف آية 50 : (... إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه...)
فمن خلال قوله تعالى: إلا إبليس كان من الجن... يتبين لنا بأن أصله من الجن , والمقصود به ليس الجن المكلّفون الذين نزلت في حقهم سورة الجن. لأن أصل إبليس يختلف عن أصلهم. وهذا في آية أخرى حيث أشار فيها المولى سبحانه وتعالى إلى مما خُلقت الجن. فقال في سورة الرحمان آية 15 : ( وخلق الجآن من مآرج من نار ) . أما نوع النار التي خلق منها إبليس, تختلف عن النار التي خلقت منها الجن, لأنه هناك نوع من الجن خلقوا من نار السموم, وإبليس لعنه الله من هذا النوع.)
قال تعالى في سورة الحجر 27 : ( والجآن خلقناه من قبل من نار السموم ).
وجاء في تفسير بن كثير عن بن عباس رضي الله عنهما قال :
(كان إبليس حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة. وخُلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي...
وفي الحديث : ( خُلقت الملائكة من نور, وخُلق الجان من مارج من نار وخُلق آدم مما وصف لكم.) وقال: (المارج: هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت...). أ.ه.
ومن هذا, يكون الفرق بين أصل إبليس وأصل الجن بالدليل :
(أن إبليس خُلق من نار السموم , والجآن خُلق من مارج من نار.)
ومما يثبت لنا بأن إبليس ليس من الجن المكلفون ومستقره في الأرض تحديدا على سطح الماء الحديث الآتي :
- عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجئ أحدهم فيقول ما صنعت شئ , و يجئ أحدهم فيقول , ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله. فيدنيه أو قال فيلزمه ويقول أنت, أنت . (رواه مسلم).
الأمر بالسجود .
فنتساءل : هل كان الأمر بالسجود متوجه إلى إبليس؟ وهل كان إبليس حاضرا بين الملائكة الذين أمروا بالسجود؟ ..... إلى غير ذلك من الأسئلة .
هذا قد اختلف فيه الكثير من العلماء كابن كثير وغيرهم, قالوا , كان خازنا من خزان الجنة, وقالوا , إنه كان على رأس جند من الملائكة, وقالوا , إنه كان من الملائكة المقربين.
والجواب على ذلك :
من قال إن إبليس كان من الملائكة , أو من المقربين أو كان يترأس جنود من الملائكة. فجوابنا على ذلك: قد سبق وأن ذكرنا قوله تعالى في سورة الكهف آية 50 : ( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه). هذا دليل على أنه كان من الجن وليس من أصل أخر.
أما الأمر بالسجود فهو واضح أنه خاص بالملائكة لقوله تعالى في نفس الآية من السورة : (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم). ولكن كيف عاتب الله سبحانه وتعالى إبليس اللعين وهو غير مأمور بالسجود ؟
فنقول وبالله التوفيق:
إن الأمر بالسجود كان متوجه للملائكة خاصة وللحاضرين عامة, لأنه كما سبق وأن ذكرنا ما قاله بن عباس رضي الله عنهما في الحديث, (كان إبليس حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة. وخُلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي... يتبين بأنه كان خلق أخر من بين الملائكة حاضرين, وهذا الخلق أصله ما بين الملائكة والجن, ويقال لهم الجن. فعندما أمر الله سبحانه الملائكة كلهم بالسجود, فالحاضر معهم يجب عليه السجود احتراما لله. وقياس ذلك, إذا كنت في المسجد تقرأ في سورة السجدة , فتسجد حين تصل إلى علامة السجدة. فإذا كان بجانبك شخص أخر ورآك سجدت, فيجب عليه السجود احتراما لله وإلا فهو من المتكبرين . ولهذا وجب تمثيل الحاضرين مع جمهور الملائكة لأمر الله, فسجد الملائكة كلهم إلا إبليس أبى واستكبر. وفي قوله تعالى في الأعراف بيان بأن الأمر الموجه للملائكة فهو موجه لإبليس أيضا وللحاضرين. قال تعالى موضحا ذلك في سورة الأعراف آية 12:
( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك )
فصيلة الجن الإبليسية :
كما سبق وأن ذكرنا بأن إبليس كان من فصيلة يقال لها الجن, ولما عصى أمر ربه, لعنه عز وجل وأخرجه من المكان المقدس الذي جرى فيه الحوار, وجعل منه ذرية أصلهم يختلف عن أصل الجن المكلفون, ومما يدل بأن لإبليس ذرية قوله تعالى في سورة الكهف 50.
( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه , أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) .
وذرية إبليس وأعوانه, هم الشياطين الذين تدريهم الناس من الجن الذين نزل في حقهم القرآن. وفصيلة الجن الإبليسية مستقرها في الأرض وبالتحديد على سطح الماء كما ورد في الحديث سابقا, وهذه الفصيلة تظلم البشر وعلى رأسها إبليس اللعين, كما بيناه في الحديث السابق ( إن إبليس يضع عرشه على الماء...).
ومما يدل على أن مستقر فصيلة الجن الإبليسية الأرض قوله تعالى: ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) .
وهذه الفصيلة تظلم الإنس وتحدث لهم المس, ولهذا, شاعت الأقوال عند العرب بأن المس يقع من الجن . وأما الجن المذكورون في القرآن فمستقرها غير الأرض كما سنبينه في فصله إن شاء الله .
وفصيلة الإبليسية لها القدرة على إيذاء الإنس عامة بسهولة, وعلى المؤمنين خاصة بصعوبة , لأن المؤمن الذي يتبع هدى الله لا يضل ولا يشقى, وليس لإبليس اللعين ولا لجنوده سلطان على الذين أمنوا , قال تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون)
سبب عصيان إبليس :
- السبب الذي جعل إبليس لعنه الله يعصي ربه فيما أمره هو, التكبّر عن خليقة أبينا آدم عليه السلام. لأنه خُلق من تراب وطين وماء , وطين .., وهذا التكبر منه لعنه الله, قد أشار إليه القرآن في عدد من الآيات بمعنى الكلمة. وهي: استعمال كلمتي: أبى واستكبر. قال تعالى في البقرة 34:
(إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين). وقال في سورة الحجر آيات 31
( إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) . وقال تعالى في سورة الإسراء 61
( إلا إبليس ءاسجد لمن خلقت طينا ) . وقال تعالى في سورة طـه 116
( إذ قلما للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ) . وقال تعالى في سورة صاد: 74- 75 : ( إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ) .
( يإبليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين).
والآيات في هذه المعنى كثيرة, ومن خلالها قد نلاحظ تكرار الكلمتين:
(أبـى و أستكبـر.) .
القصة والحـوار
قد روى لنا القرآن قصة إبليس لعنه الله مختصرة في سورة الأعراف وهي عبارة عن حوار. ومن خلالها, تتبين لنا هذه البنود :
1- في لآية الأولى من القصة, يشهد المولى عز وجل بأن إبليس لم يكن من الساجديـن, فقال تعالى إلا إبليس لم يكن من الساجدين)
2- في لآية الثانية من القصة, نشاهد سؤال وجواب, فالسؤال: قوله تعالى: ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟). وأما الجواب فيتمثل في قوله تعالى على لسان إبليس لعنه الله . (أنا خير منه, خلقتني من نار وخلقته من طين).
3- في لآية الثالثة من القصة, نشاهد فيها العقاب الذي ناله إبليس المتكبر عن أمر الله والمتمثل في هبوطه وإخراجه من المكان الذي دار فيه الحوار, وجعله من الصاغرين.
4- وأما محتوى الآية الرابعة, فيتمثل فيها توسّل إبليس إلى الله أن ينظره إلى يوم يبعثون. ( قال أنظرني إلى يوم يبعثون) .
5- في الآية الخامسة من القصة مشهد حصول إبليس على طلبه من المولى عز وجل : (قال إنّك من المنظرين ).
6- وأما ما بقي من القصة فهو توعّـد إبليس لعنه الله ذرّية آدم
عليه السلام بالإفواء وإبعادهم عن الصراط المستقيم.
والقصة في قوله تعالى : سورة الأعراف من الآية 11...18
( ولقد خلناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين - قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - قال فأهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين - قال أنظرني إلى يوم يبعثون - قال إنك من المنظرين - قال فبما أغويتني لأقعدنهم صراطك المستقيم.)))))
فمن خلال ما ذكرناه في الصفحات السالفة, والقصة التي روت لنا الحوار الذي دار بين الله وإبليس اللعين, نستخلص بأن: إبليس ليس من الجن المكلفون, وهذا بيانه في: قلة أدبه في الحوار مع الله عز وجل, وفي حديثه الذي يختلف بكثير عن كلام الجن الذين قالوا : أنا سمعنا قرأنا عجبا, وقالوا: وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به... فالمقارنة واضحة بين أقوال الجن التي كان فيها احتراما لله وتصديقا بكلامه, وبين أقوال إبليس اللعين التي كان فيها العصيان والتكبر عن أمر الله. وقال بن كثير في حديث طويل من تفسير الآية 34 من سورة البقرة ما نصه : ( فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله , أي: آيسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته.) انتهى ..... والله أعلم بالصواب
للموضوع بقية..
لكن قلت احطه هنا عشان يستفيد الكل..
______________________________________________________
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فإن العلاج بالقرآن الكريم قد لجأ إليه الكثير من الناس في هذا الزمان, وأخذ الطريق العريض حتى أصبحت له المكانة اللائقة به في عصرنا كما كانت له في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا قد يشرف المسلمين إذا كان استعمال العلاج في حدود الكتاب والسنة, ولكن, للأسف الشديد أننا نجد البعض من المعالجين والرقاة, ليس لديهم الخبرة أو المعلومات الكافية لاستعمال العلاج. ولا يفرقون بين معنى كلمتي الجن والشياطين, ولا بين الأمراض النفسية والعصبية أو ما يسميه البعض بأمراض العصر. وعليه أن يكون الإنسان بصيرا بزمانه.
فإننا نعيش في القرن الخامس عشر من الهجرة الموافق للقرن الحادي والعشرين من الميلاد, ولا تزال في أذهان البعض من الناس الخرافات القديمة المزيفة والأراجيف المستعملة من بعض المشعوذين لجمع الأموال من المغفلين والجاهلين.
وهذا راجع إلى : عدم الثقافة والمطالعة والإدراك بتطور العلم الحديث, أو اتباع جمع الأموال والاستكثار منها, أو الاشتغال بالشهوات والاستمتاع بها... وبهذا, تتكون في الإنسان الأمراض النفسية والعصبية أو كما تسمى عند القدماء بالأمراض الروحانية. ومن ثم, يلجأ الإنسان إلى الأطباء ويتناول الحبوب والأقراص المهدئة. وبالإدمان على ذلك, تلج في قلبه أمراض الريب والوسوسة والتّخيّلات, ثم لا يجد راحة في نفسه ليلا نهارا.
ومن الأمراض أكثر انتشارا : الشك وفقد الثقة في النفس, الحالات العصبية, التخيلات المزعجة, الإرهاق والتمني الوهمي إلى... الانتحار. هذه الأمراض لها مصدر واحد ومحلها القلب.
... وقد صنفوها علماء السلف من الأمراض الشيطانية والوسوسة. ومن ثم, السحرة والمشعوذين استغلوا الفرصة وابتدعوا خرافات وقصص فنسبوها للجن والعفاريت, (وهم لا يعرفون من هم الجن والعفاريت.) ورسخت هذه الخرافات في عقول الناس واتخذوها من الحقائق, ونسبوا لها أسماء, ومنها المس من الجن. (وهو الأكثر انتشارا في هذا العصر).
والذين يدّعون ذلك ويعتقدون بأن الجن تسكن جسم الإنسان, ليس لديهم أدلة علمية أو عقلية أو قرآنية, إنما أقوالهم مستنبطة من الخرافات الموجودة في الكتب القديمة والمستعملة لهذا الغرض, كـشموس الأنوار والنور الرباني وشمس معارف الكبرى وأبو معشر الفلكي في حساب الأبراج...
وكيف باتباع ذلك, والمشرّع الحكيم أمر بالتحري في الأقوال والأنباء, وأمر سبحانه وتعالى باتباع أحسن ما أُنزل من الحق.
فقال في سورة الزمر 55:
( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ).
وبيّن سبحانه وتعالى بأن أحسن الحديث, كتابه, فقال في نفس السورة : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا ... ) .
وقد بيّن المولى عز وجل من أحسن الأقوال , الذي دعا إلى الإسلام ولا إلى غيره وعمل صالحا. فقال في سورة فصلت :
( ومن أحسن قولا ممن دعآ إلى الله...)
فالواجب على الإنسان أن يقتبس العلم والحقيقة من المصدر الموثوق فيه, وأن لا يتبع كل الخرافات والأكاذيب دون أن يعرضها على مقياس العلم والشرع الحنيف... فإن أراد الإنسان أن يقتبس من العلوم الروحانية ويتحقق من وجود عالم الجن والشياطين, فعليه بالقرآن, لأنه الكتاب الوحيد الذي جاء بحقيقة هذين العالمين (وهو شامل لكل العلوم) لقوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شئ .
ألا تعلم أخي القارئ بأن سيدانا داود وسليمان أتاهما الله من العلم ما لم يأتيه أحدا من العالمين؟ وعلمهما منطق الطير؟ وأتاهما من كل شيء؟... اقرأ قوله تعالى في سورة النمل 15-16:
( ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين - وقال سبحانه - ( وورث سليمان داوود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ... ))
فمن هذا ندرك بأنه لكل شيء علم, حتى في منطق الطير والنحل والحيوان وفي جميع ما خلق الله. وبالعلم نفرق بين الحق والباطل وتتضح به الأمور ونسعد به في الحيات الدنيا والآخرة.
ولكن اختلط الكلام, وانتفخت الأورام فأصبح الحليم حيران , لا يستطيع أن يفرق بين المس... أهو من الجن أو من الشيطان ؟
لذا, نقدم لكم هذا البحث البسيط على حقيقة المس والمقتبس من كتاب الله وسنة رسوله, وأدرجناه في أبواب مفصّلة وأردناه بأسلوب مبسّط وميسّر لقوله تعالى: (ويريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وهذا ليكون في متناول العام والخاص.
تنبيه :
ليكون في علم الجميع بأنه ما جاء من أقوال العلماء مأخوذة من الكتب أو غير ذلك, فقد أشرنا إلى مصادرها. أما ما قمنا به من تحليل أو تعبير أو ملاحظات فهي من وجهة نظرنا, ولا ينبغي للقارئ أن يتخذ رأينا كتفسير للقرآن, إنما هي محاولة الاستدلال به لفهم الحقيقة عن عالم:
الجن والشياطين. هذين الكلمتين اللتين حيّرتا العلماء وهي:
كــلـمـتـان مـن كـتـاب ربـــــي.
كم من إنسان بحث طوال عمره على أمر يهمه, وكم من عـالم بحث في شتى العلوم لإدراك الحقيقة, فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر, ومنهم من هو مستمر. ومن هؤلاء العلماء من أدركه ملك الموت وهو في الطريق المؤدي إلى الحقيقة, ومنهم من أدركه وهو مقبلا على الحقيقة, لكن : وما تشاؤن إلا أن يشاء الله .
- كم من أقلام جُفت, وكتُب صُنفت, وعيون سهرت, وكم من إنسان خُيّل إليه إدراك الحقيقة والأمر ليس كذلك. ليست الحقيقة التي هي مُطابقة الفكر للواقع, إنما الحقيقة التي نبحث عنها, هي الحقيقة الحسّية.
لأن الحقيقة نوعان: حقيقة علمية ملموسة, وحقيقة معنوية محسوسة,
(أي : يحس الإنسان بشيء أو يشعر به ولا يجد له تفسيرا علميا.)
وهذه الأخيرة خاض فيها الكثير من العلماء منذ القدم إلى عصرنا.
ولو لا الكتب السماوية, ما خطر ذلك على بال أحد من البشر, ألا وهي حقيقة الجن والشياطين. هاتين الكلمتين اللتين شغلتا عقول الكثير من العلماء والباحثين وأعجزتهما, وسالت من اجلهما أوديةُ حبر وحملتهما صحف الملاين من الكتب, ما هي إلا كلمتين من كتاب ربي, وصدق ربي حيث قال في سورة الكهف 109 :
( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا ) .
- كلمتان من كتاب ربي, تداولت على ذكرها الأمم, وتنافست على شرحها أكابر العلماء, و وجدوا أن معنى هاتين الكلمتين تُحدثا أمراضا فصنفوها ونسبوا لها أسماء, منها أمراض الجنون وأمراض الشياطين, ومنها غير ذلك, فاخترعوا لها أدوية كيماوية وأخرى صوتية .
- كلمتان من كتاب ربي جلبتا الكثير من الأموال للبعض من الناس وأفقرتا البعض الأخر, فرقتا أو كادتا أن تفرقا بين الزوج والزوجة, بين الأخ وشقيقته...ونقول هذه ليست حقيقة. أجل إنها ليست من الحقائق الملموسة, ولكن تؤدي إلى شيء ملموس يراه العام والخاص, فمثلا:
أنت تعرف أسرة معينة في بلادك مكونة من زوج و زوجة.... فيُعمل لهما سحر من طرف مشعوذ فيصبحا متفرقان .
والسؤال : ما السبب الذي جعلهما يتفرقان ؟
الجواب : السحر.
وهذا الأخير لا علاقة له بالحقيقة العلمية في عصرنا, ولكن أدي إلى حقيقة وهي: التفريق المبين وتـشـتيت الأسرة. وهذا الواقع يعيشه الكثير من الناس في هذا الزمان. ونقول هذه ليست حقيقة...
- كلمتان من كتاب ربي تكلم بها العالم والجاهل, الكبير والصغير, الأنثى والذكر ولا تزال الأمم تتوالى علي ذكرها حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وصدق الله حيث فال: سورة لقـمان :
( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم .) ....
نبذة من قصة إبليس
خلق إبليس وأصله :
لا يمكن لنا أن نخوض في الكلام على المس أو الجن والشياطين قبل المطالعة على تاريخ أول البشر مما خلق ولما ؟ وعن عدوّه وكيف تمت العداوة. ولهذا كان حتما علينا أن ندرج قصة إبليس لعنه الله . ونستهلها بما جاء في كتاب الله من الآيات والذكر الحكيم خاص بها. لأنه لا يوجد أحسن تعبيرا عن هذه القصة كتعبير القرآن.
قد جاءت في القرآن قصة إبليس لعنه الله مفصلة وواضحة. وتحتوي هذه القصة على الآيات التي تشهد لنا بعصيان إبليس أمر المولى عز وجل,ّ وتبيّن لنا مما خُلق والسّبب الذي جعله يرفض أمر المولى عز وجل . قال تعالى فيما يختص بخلق إبليس عليه اللعنة, في سورة الأعراف 13: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من ذين ...)
وأما ما يشير لنا في القرآن عن أصله, لعنه الله , قوله تعالى في سورة الكهف آية 50 : (... إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه...)
فمن خلال قوله تعالى: إلا إبليس كان من الجن... يتبين لنا بأن أصله من الجن , والمقصود به ليس الجن المكلّفون الذين نزلت في حقهم سورة الجن. لأن أصل إبليس يختلف عن أصلهم. وهذا في آية أخرى حيث أشار فيها المولى سبحانه وتعالى إلى مما خُلقت الجن. فقال في سورة الرحمان آية 15 : ( وخلق الجآن من مآرج من نار ) . أما نوع النار التي خلق منها إبليس, تختلف عن النار التي خلقت منها الجن, لأنه هناك نوع من الجن خلقوا من نار السموم, وإبليس لعنه الله من هذا النوع.)
قال تعالى في سورة الحجر 27 : ( والجآن خلقناه من قبل من نار السموم ).
وجاء في تفسير بن كثير عن بن عباس رضي الله عنهما قال :
(كان إبليس حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة. وخُلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي...
وفي الحديث : ( خُلقت الملائكة من نور, وخُلق الجان من مارج من نار وخُلق آدم مما وصف لكم.) وقال: (المارج: هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت...). أ.ه.
ومن هذا, يكون الفرق بين أصل إبليس وأصل الجن بالدليل :
(أن إبليس خُلق من نار السموم , والجآن خُلق من مارج من نار.)
ومما يثبت لنا بأن إبليس ليس من الجن المكلفون ومستقره في الأرض تحديدا على سطح الماء الحديث الآتي :
- عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجئ أحدهم فيقول ما صنعت شئ , و يجئ أحدهم فيقول , ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله. فيدنيه أو قال فيلزمه ويقول أنت, أنت . (رواه مسلم).
الأمر بالسجود .
فنتساءل : هل كان الأمر بالسجود متوجه إلى إبليس؟ وهل كان إبليس حاضرا بين الملائكة الذين أمروا بالسجود؟ ..... إلى غير ذلك من الأسئلة .
هذا قد اختلف فيه الكثير من العلماء كابن كثير وغيرهم, قالوا , كان خازنا من خزان الجنة, وقالوا , إنه كان على رأس جند من الملائكة, وقالوا , إنه كان من الملائكة المقربين.
والجواب على ذلك :
من قال إن إبليس كان من الملائكة , أو من المقربين أو كان يترأس جنود من الملائكة. فجوابنا على ذلك: قد سبق وأن ذكرنا قوله تعالى في سورة الكهف آية 50 : ( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه). هذا دليل على أنه كان من الجن وليس من أصل أخر.
أما الأمر بالسجود فهو واضح أنه خاص بالملائكة لقوله تعالى في نفس الآية من السورة : (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم). ولكن كيف عاتب الله سبحانه وتعالى إبليس اللعين وهو غير مأمور بالسجود ؟
فنقول وبالله التوفيق:
إن الأمر بالسجود كان متوجه للملائكة خاصة وللحاضرين عامة, لأنه كما سبق وأن ذكرنا ما قاله بن عباس رضي الله عنهما في الحديث, (كان إبليس حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة. وخُلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي... يتبين بأنه كان خلق أخر من بين الملائكة حاضرين, وهذا الخلق أصله ما بين الملائكة والجن, ويقال لهم الجن. فعندما أمر الله سبحانه الملائكة كلهم بالسجود, فالحاضر معهم يجب عليه السجود احتراما لله. وقياس ذلك, إذا كنت في المسجد تقرأ في سورة السجدة , فتسجد حين تصل إلى علامة السجدة. فإذا كان بجانبك شخص أخر ورآك سجدت, فيجب عليه السجود احتراما لله وإلا فهو من المتكبرين . ولهذا وجب تمثيل الحاضرين مع جمهور الملائكة لأمر الله, فسجد الملائكة كلهم إلا إبليس أبى واستكبر. وفي قوله تعالى في الأعراف بيان بأن الأمر الموجه للملائكة فهو موجه لإبليس أيضا وللحاضرين. قال تعالى موضحا ذلك في سورة الأعراف آية 12:
( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك )
فصيلة الجن الإبليسية :
كما سبق وأن ذكرنا بأن إبليس كان من فصيلة يقال لها الجن, ولما عصى أمر ربه, لعنه عز وجل وأخرجه من المكان المقدس الذي جرى فيه الحوار, وجعل منه ذرية أصلهم يختلف عن أصل الجن المكلفون, ومما يدل بأن لإبليس ذرية قوله تعالى في سورة الكهف 50.
( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه , أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) .
وذرية إبليس وأعوانه, هم الشياطين الذين تدريهم الناس من الجن الذين نزل في حقهم القرآن. وفصيلة الجن الإبليسية مستقرها في الأرض وبالتحديد على سطح الماء كما ورد في الحديث سابقا, وهذه الفصيلة تظلم البشر وعلى رأسها إبليس اللعين, كما بيناه في الحديث السابق ( إن إبليس يضع عرشه على الماء...).
ومما يدل على أن مستقر فصيلة الجن الإبليسية الأرض قوله تعالى: ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) .
وهذه الفصيلة تظلم الإنس وتحدث لهم المس, ولهذا, شاعت الأقوال عند العرب بأن المس يقع من الجن . وأما الجن المذكورون في القرآن فمستقرها غير الأرض كما سنبينه في فصله إن شاء الله .
وفصيلة الإبليسية لها القدرة على إيذاء الإنس عامة بسهولة, وعلى المؤمنين خاصة بصعوبة , لأن المؤمن الذي يتبع هدى الله لا يضل ولا يشقى, وليس لإبليس اللعين ولا لجنوده سلطان على الذين أمنوا , قال تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون)
سبب عصيان إبليس :
- السبب الذي جعل إبليس لعنه الله يعصي ربه فيما أمره هو, التكبّر عن خليقة أبينا آدم عليه السلام. لأنه خُلق من تراب وطين وماء , وطين .., وهذا التكبر منه لعنه الله, قد أشار إليه القرآن في عدد من الآيات بمعنى الكلمة. وهي: استعمال كلمتي: أبى واستكبر. قال تعالى في البقرة 34:
(إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين). وقال في سورة الحجر آيات 31
( إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) . وقال تعالى في سورة الإسراء 61
( إلا إبليس ءاسجد لمن خلقت طينا ) . وقال تعالى في سورة طـه 116
( إذ قلما للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ) . وقال تعالى في سورة صاد: 74- 75 : ( إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ) .
( يإبليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين).
والآيات في هذه المعنى كثيرة, ومن خلالها قد نلاحظ تكرار الكلمتين:
(أبـى و أستكبـر.) .
القصة والحـوار
قد روى لنا القرآن قصة إبليس لعنه الله مختصرة في سورة الأعراف وهي عبارة عن حوار. ومن خلالها, تتبين لنا هذه البنود :
1- في لآية الأولى من القصة, يشهد المولى عز وجل بأن إبليس لم يكن من الساجديـن, فقال تعالى إلا إبليس لم يكن من الساجدين)
2- في لآية الثانية من القصة, نشاهد سؤال وجواب, فالسؤال: قوله تعالى: ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟). وأما الجواب فيتمثل في قوله تعالى على لسان إبليس لعنه الله . (أنا خير منه, خلقتني من نار وخلقته من طين).
3- في لآية الثالثة من القصة, نشاهد فيها العقاب الذي ناله إبليس المتكبر عن أمر الله والمتمثل في هبوطه وإخراجه من المكان الذي دار فيه الحوار, وجعله من الصاغرين.
4- وأما محتوى الآية الرابعة, فيتمثل فيها توسّل إبليس إلى الله أن ينظره إلى يوم يبعثون. ( قال أنظرني إلى يوم يبعثون) .
5- في الآية الخامسة من القصة مشهد حصول إبليس على طلبه من المولى عز وجل : (قال إنّك من المنظرين ).
6- وأما ما بقي من القصة فهو توعّـد إبليس لعنه الله ذرّية آدم
عليه السلام بالإفواء وإبعادهم عن الصراط المستقيم.
والقصة في قوله تعالى : سورة الأعراف من الآية 11...18
( ولقد خلناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين - قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - قال فأهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين - قال أنظرني إلى يوم يبعثون - قال إنك من المنظرين - قال فبما أغويتني لأقعدنهم صراطك المستقيم.)))))
فمن خلال ما ذكرناه في الصفحات السالفة, والقصة التي روت لنا الحوار الذي دار بين الله وإبليس اللعين, نستخلص بأن: إبليس ليس من الجن المكلفون, وهذا بيانه في: قلة أدبه في الحوار مع الله عز وجل, وفي حديثه الذي يختلف بكثير عن كلام الجن الذين قالوا : أنا سمعنا قرأنا عجبا, وقالوا: وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به... فالمقارنة واضحة بين أقوال الجن التي كان فيها احتراما لله وتصديقا بكلامه, وبين أقوال إبليس اللعين التي كان فيها العصيان والتكبر عن أمر الله. وقال بن كثير في حديث طويل من تفسير الآية 34 من سورة البقرة ما نصه : ( فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله , أي: آيسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته.) انتهى ..... والله أعلم بالصواب
للموضوع بقية..