المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هـــدى والـعاصـفة.(الجزء الأول)



cherif rouan
01-09-2004, 02:11 AM
. إنها الثامنة صباحا،لم يعد يفصل أيوب عن مكتبه إلا بضعة أمتار،لحظتها تعترض سبيله فتاة في مقتبل العمر،لم يعتد على رؤيتها من قبل،فتبادره مستفسرة :
- صباح الخير..أهذا مكتب تسجيل المتربصين؟
يحملق فيها أيوب بشيء من التعجب،متفحصا وجهها الملائكي المبتسم ذو العينين الكبيرتين السوداويتين،ربعة القد،دقيقة الخصر،ساحرة حقا،فاتنة ومثيرة،تذكره بأمل..أمل خطيبته وبينما هو على حاله،يسترجع لذكريات أليمة لسنين خلت تعاود الفتاة سؤالها،حيينها يستفيق من غفوته ويرد عليها في ذهول قائلا :
- الإدارة لم تفتح بعد،لكن مصالحنا في الخدمة آنسة..؟
- هدى..هدى غفران من هيئة الطيران،متربصة سنة أولى.
- تشرفنا..أيوب،أيوب صبري سنين مهارة بمصلحة الإشارة..
يتجاذبان الحديث،تطلعه بأنها من مدينة مجاورة،قد أتت بغية التدرج في ميدان تخصصها،ولقد شجعتها شخصيته المتفتحة فتستأذن منه لمهاتفة ذويها من مكتبه لتعلن عن وصولها وما هي إلا دقائق وتفتح الإدارة أبوابها وقد يكونا قد تعرفا عن بعضهما البعض.فرح أيوب بصداقتها التي توطدت من أول لقاء،أنسته متاعب السنين التي مضت وأرجعت له البسمة المفقودة وتمنى أن تكون بداية لعهد جديد.
تبتسم هدى لأيوب وتشكره على الخدمة التي قدمها لها وتبلغه بأنه قد كان لطيفا معها وتستأذن بالانصراف.
يجلس أيوب على الكرسي تائها،حالما عير مبال بما يدور من حوله،مذا أصابه؟قد كانت هدى في تصوره توأم لأمل ويتساءل كيف استطاعت بمرورها الخاطف كالعاصفة أن تفعل به مثلما تفعله العواصف أثناء الاجتياح.
ها هي العاصفة تعصف بكيانه وتجتاحه فيحس بشيء غريب ينتابه،ينبعث لهيبه من أحشائه،لم يحس بهذا الاحساس منذ عشر سنوات،لقد ملأ حياته بالعمل والنوم لا غير،ها هو اليوم يفكر بشيء أخر وبالضبط يريد قلبا لا ينازعه فيه أحد،مثل مكتبه هذا،قلبا يغمره بالدفء ويملأ حياته بالأمل والاخلاص والحنان. يمرر شريط حياته للسنوات العشر وبسرعة فائقة اذ ليس فيها شيء يذكر اللهم الا الأيام السبع التي قضاها بمستشفى سيدي شحمي للأمراض النفسية نتيجة لصدمة تعرض لها من جراء حزنه العميق على أمل وهي توارى التراب.
مرت بعد ذلك سنين كان لا بد لها أن تمر..حدثت خلالها أحداث كان لا بد لها أن تحدث دون أن يحس بطعم الحياة إلى أن جاءت هدى ومعها العاصفة ،وما مر يوم حتى يزيد تعلقه بها،كلما صادفته تحييه وتبتسم.تبتسم له كرجل،يتعلق بها كوطن،يريد أن يقول لها أشياء،يحكي لها هموما،يريد أن يرتمي في أحضانها لكن يرتبك ويخونه لسانه،تغيب عنه الكلمات،من أين سيبدأ؟ماذا سيقول؟كيف يحدثها عن عواطفه؟كيف يتمكن من مجاملتها وتوطيد العلاقة بينهما أكثر؟يكتفي بمساءلتها عن أحوالها،عن الشتاء ولياليه المظلمة ،عن كل شيء إلا عن عواطفها نحوه.
تمضي كالعاصفة مخلفة ما تخلفه العواصف أثناء الاجتياح ويصبح كالقشة بقلب الدوامة ، يتكرر المشهد مرات ومرات دون أن يبوح لها عن مكنونات صدره خوفا من فقدان صداقتها ويتساءل،ماذا لو عرفت؟ وفي الأخير يهتدي لمصارحتها كتابيا لعله يرتاح،أثناء اليوم الموالي ينتظرها كالمعتاد بالرواق بكل عزم وما هي إلا لحظات حتى تلوح في الأفق علامات هبوب العاصفة،فتوقد الحريقة في دمه وتبعث القشعريرة اللذيذة في جسده،لكنه أصر على الصمود حتى يسلمها الظرف فتسأله :
-ما هذا يا أيوب ؟
انه خطاب لك بمناسبة رأس السنة الجديدة.
تشكره وتهنئه بدورها بالمناسبة،وتمضي للمدرج كالعاصفة.
تمر الأيام ثقيلة كسابقاتها،ينتظر الرد لكنه لم يأت،تبقى التحية والابتسامة ترافقها كأن شيئا لم يحدث،وكلما تمر وكأنها العاصفة نفسها فتترك بنفسية أيوب سوى الأسى والتأسف.تتوالى الخطابات دون رد رغم تسليمها المباشر فيتسأل انه لأمر غريب لماذا هذا السكوت؟هل السكوت من علامات الرضا؟فلما تستلم الخطابات بابتسامة عريضة دون رد؟هل هي بلهاء حتى لهذا الحد؟هل تفعل ذلك من باب الرأفة؟..بعد تفكير عميق يقرر أيوب المواجهة، ينتظرها كالمعتاد وهو يردد ّ سأستوقف العاصفة ،سأركبها إن لم تحملني فلتكسرني..ّ وبينما هو على حاله،يسمع قرع أقدام وراءه فيلتفت فيتفاجأ بسؤالها :
أيوب ما بك؟هل أنت مريض؟سمعتك تكلم نفسك.
لا أنا بخير،أنا في انتظارك.أريد أن..أن أعزمك لنزور المتحف معا،فما رأيك؟
بدون تردد تبتسم وترد قائلة :
موافقة، لكن يوم الخميس على العاشرة..اتفقنا؟ اتفقنا.
لم تسع أيوب الأرض من الفرحة، لقد استطاع توقيف العاصفة وها هو يوجهها للوجهة التي أرادها.
يأتي اليوم الموعود تغيب هدى ويتساءل أيوب،هل أصابها مكروه؟لماذا غابت؟هل غيرت رأيها؟ما الذي جرى؟..ما الذي جرى؟.ينقضيان يومان كاملان،حين يلتقي بها يستفسرها عن سبب تغيبها ،تجيبه بكلام مبهم،حيث قالت : ّ لنبقى أصدقاء وباسم الاختلاف تستمر الحياة ّ لحظتها أحس بأن شيئا ما قد حصل،قد كانت مفاجأته كبيرة يوم أن رأها ذات مساء تركب سيارة فاخرة فيتبع آثارها حتى تدخل بصحبة رجل طاعن في السن من ذوي البطون المنتفخة لأحد الملاهي الليلية،يسترق النضر خلسة من وراء الزجاج،يراها تشعل سيجارة مارلبورو،يصفق مرافقها للنادل ليطلبا شيئا..
استيقض أيوب من أحلامه،حينما لمس بأنها كانت تخفي عنه أشياء،وكانت رسائله تقبل سوى من باب العطف لا غير وأيقن بأن الحب أخذ وعطاء،وهذا ما لم يلمسه فيها0 انه الواقع الذي لم يرد أن يعترف به،فيتسأل للمرة الأولى في حياته ما هو الواقع؟ومن صنعه،ولماذا حين يتجسد تتبدد الأحلام؟
الهزيمة لم تترك لأيوب منفذا للهرب سوى الهرب من الواقع،فيطلب تحويله لتمنراست بحثا عن الهدوء ونسيان الواقع المر وتشاء الصدف وهو في طريقه للمطار أن يرى هدى تتأبط صديقا جديدا
وحين تدير رأسها تتلاقى النظرات،يعاوده مشهد أمل وهي تودعه الوداع الأخير،وهي تنزف دما على سرير المستشفى لتغادر هذا العالم،لكن هدى لتمتطي سيارة فاخرة من نوع الشبح لثري أخر لتنطلق بها الى الجحيم الراقي ،انه لعالم سحري لا مكانة فيه للبسطاء ولا للضعفاء،بنيت مبادئه على المال والقوة.
تشده الحيرة ويتساءل،ما دام هذا العالم السحري من صنع الأثرياء،فلماذا يقحم فيه البسطاء ليكونوا من أول ضحياه؟فما دخل هدى به؟ألم تعد من عجينتي؟هل أدخلت اليه مرغمة أم طواعية؟هل للبؤس دخل في ذلك؟ عالمهم هذا كل شيء يباع ويشترى فيه،هذا لعجيب حقا أحمر بأنواره هدوئه غضب لياليه صخب ،تدب فيه الحركة الا ليلا انه عالم الخفافيش.
يصل أيوب للمطار كالطير الجريح،مكسور الجنحان ،اشترى جريدة لعلها تكون له خير أنيس وقد لفتت انتباهه احداها بشعارها الجرئ ّ الرأي قبل شجاعة الشجعان ّ وبقدرة قادر لم يتمالك نفسه وراح يردد وكأنه يهذي حيث قال :
ّ عندما مشيت وراء هذا الاسم
لم أكن أعرف أنني العابر
الذي شرب واكتوى من الحسن
نبيذا من اللهب
وجعلت منه شهيدا
فارق أرضه وصار
بطلا رمزيا للنسيان
يجر ملحمته الكبرى..ّ
...بعد سفر دام أربع ساعات،تحط الطائرة بمطار ( أقنار ( ،يلتحق أيوب بمقر منصبه الجديد،تاركا همومه للباهية عاشقة البحر لعلها تحكيها للأجيال نيابة عنه،يطوي صفحة كئيبة ليفتح أخرى ناصعة البياض حيث يذوب في صمت الهقار ويجعل من اقامته المحاذية لقمة ( الأسكريم( معبدا له،يملئ أوقات فراغه بالصلوات والتأمل في فساحة الكون وعظمة الخالق في الابداع،يتخذ من الطبيعة العذراء عشيقة له لأنها أحن وأوفى من البشر.من حين لآخر تهب الرياح الموسمية وتصاحبها العواصف وحين تهدأ،تظهر للوجود كثبان رملية شكلت فتزيد من روعة المكان وتزيد من ايمان أيوب بربه وعظمته،يرتمي في نسوك بين أحظان العالم الروحاني تاركا العالم المادي للماديين،انه الشوق الغريب المتدفق الذي لا يعرف له مسكنا،عالم ملائكي الجناح ،مثالي الطقوس فيه العبادة الحقيقية والتي هي أقوي من كل العواصف التي ولو اجتمعت لن تأثر عن طريقه الذي سلكه، حتى وان حلت واحدة لا يعتبرها صدفة بل يستقبلها بثبات وتهليل :
ّ ذا الطريق المحتوم
المرموز بك أيتها العاصفة
غيرك ما كان للقدر لزوم
لولاك ما كان السبيل الى هدى
الدمية الصامتة،
البرق والصاعقة..ّّ
__________________

undefinedundefinedundefined :)

أبوجمـــال
01-09-2004, 01:28 PM
سلمت يمناك وبإنتظار الجزء الثاني.... ....

cherif rouan
16-09-2004, 08:59 AM
تحية طيبة اخي أبو جمال وبعد.
ها قد بعثت بالجزء الثاني من قصة هدى والعاصفة التي كنت تترقبه لكني لم أجد اي تعقيب من طرفك؟؟؟؟


مع تحياتي لك ولجميع اعضاء منتدى القصة.undefinedundefined

أبوجمـــال
16-09-2004, 11:28 AM
لم أرى أي جزء ثاني...

فأين هو ...؟؟؟

وأعذرني أرسلي أياه على الخاص لأن الموضوع قديم ..

ويمنع رفع المواضيع القديمة....

سيغلق الموضوع ...


أبوجمـــال