ALcATRAZ
14-09-2004, 07:27 PM
منقول من جريدة الرياض
زاوية : حول العالم الكاتب:فهد الأحمدي
التاريخ: الأحد 2004/09/12 م
بعث إلي أحد القراء برسالة عتاب "تحت المتوسط" قال في ختامها: "... وبمقابل هذه المقالات الرائعة هناك مقالات لا يصدقها حتى الأطفال.. فهل تعتقد أن هناك من سيصدقك حين تكتب عن المخلوقات الفضائية والأطباق الطائرة.. هل سيصدقك الناس حين تتحدث عن الجن والأشباح.. أحياناً أراك ذكياً للغاية وأحياناً أراك طفلاً يملك خيالاً خصباً!!
همممم...
بصراحة هذه الرسالة ليست الأولى من نوعها وتعد (نموذجية) من عدة وجوه، فهي نموذج لرسائل ترى الأمور من منظار واحد (كونها تتجاهل من يروقهم الحديث عن الجن والأشباح).. وهي ترى الأمور بواقعية وجمود (وتمنعنا حتى من التساؤل عن وجود مخلوقات غيرنا في الكون) كما انها تنطلق من فهم خاطئ وحكم مسبق (فأنا شخصياً لا أؤمن بالأطباق الطائرة، وأكتب عن المخلوقات الفضائية من باب الافتراض والتساؤل لا أكثر)!!
@ ولكن في المقابل ضمت هذه الرسالة كلمة مديح لا تقدر بثمن (ستكون محور حديثنا اليوم).. فالأخ الكريم يراني "طفلاً يملك خيالاً خصباً".. وهذه ليست شتيمة بل شهادة - لا أستحقها - بالإبداع والعبقرية.. فالعباقرة وحدهم يحتفظون بدهشة الطفولة حتى سن متأخرة، فالعبقري (كالطفل) دائم التساؤل في أمور أصبحنا نراها من المسلمات، فالطفل قد يسأل: لماذا لون الشجر أخضر!؟ لماذا لا تقع الطيور!؟ لماذا لا يغرق السمك!؟ لماذا نتنفس من منخرين!؟.. وفي خفايا هذه الأسئلة الساذجة تكمن أسباب الإبداع والاكتشافات العظيمة.. فالطفل دائم التساؤل لأنه يريد التعلم واكتشاف ما حوله.. أما الكبار فيقعون في دائرة الصدأ والتعود على وجود الأشياء كما هي، فتكرار الأحداث وزحمة الحياة أزال من أنفسهم دهشة الطفولة وسعة الخيال.. ولو يتذكرون - حين كانوا أطفالاً - كيف كان يدهشهم جمال الخلق ودقة الصنعة وحدوث الأشياء.. أما العبقري فيظل "طفلاً كبيراً" يتساءل بسذاجة ويندهش بسرعة ويريد جواباً لكل شيء.. خذ نيوتن كمثال، فحين سقطت بجانبه التفاحة تساءل بجدية "لماذا سقطت؟".. ولو كانت زوجته مستلقية بقربه لبادرت بأكلها (فالتفاح يا عزيزي يسقط منذ فترة طويلة!!).. غير أن نيوتن شغله الأمر وظل يفكر فيه حتى اكتشف قانون الجاذبية.
في الحقيقة الأطفال لا يطرحون أسئلة ساذجة بل عبقرية ومنطقية، فالشجر أخضر - ليس لأنه أخضر - بل لأن أوراقه تصنع مادة الكلوروفيل.. والسمك لا يغرق في الماء - ليس لأنه سمك - بل لأن لديه خياشيم تستخلص الأوكسجين من الماء.. ونتنفس من منخرين لأن لكل منخر علاقة بالجزء الأيسر أو الأيمن من الدماغ..
أما مسألة "الخيال الخصب" فهذه أيضاً ميزة طفولية يتحلى بها العباقرة، فمن يملك خيالاً واسعاً يستطيع رؤية المستقبل وطرح المبادرات الخلاقة.. أما حين نعجز (حتى عن التخيل) فكيف نبدأ أصلاً بعمل مهم أو إنجاز خلاق.. ولو تذكرنا جيداً لوجدنا أن أعظم الإنجازات العلمية - كالطيران وفلق الذرة والصعود إلى القمر - كانت مجرد خيالات مجنونة أمكن تحقيقها في الوقت الحاضر.. أضف لهذا أن "سعة الخيال" مطلب مهم لكشف ألغاز الكون والطبيعة، فتفسير أي ظاهرة غامضة يتطلب وضع عدد كبير من الاحتمالات والفرضيات ثم التقاط "الخيار الصحيح" منها.. والعبقري وحده قادر على طرح أكبر عدد من الاحتمالات والفرضيات - بينما تأخذ الناس بأول تفسير دون التثبت من صحته!
إذاً، ليس عيباً أن نعود لدهشة الطفولة.. وبالطبع ليس من مصلحة أحد نعتني بالطفل!!
زاوية : حول العالم الكاتب:فهد الأحمدي
التاريخ: الأحد 2004/09/12 م
بعث إلي أحد القراء برسالة عتاب "تحت المتوسط" قال في ختامها: "... وبمقابل هذه المقالات الرائعة هناك مقالات لا يصدقها حتى الأطفال.. فهل تعتقد أن هناك من سيصدقك حين تكتب عن المخلوقات الفضائية والأطباق الطائرة.. هل سيصدقك الناس حين تتحدث عن الجن والأشباح.. أحياناً أراك ذكياً للغاية وأحياناً أراك طفلاً يملك خيالاً خصباً!!
همممم...
بصراحة هذه الرسالة ليست الأولى من نوعها وتعد (نموذجية) من عدة وجوه، فهي نموذج لرسائل ترى الأمور من منظار واحد (كونها تتجاهل من يروقهم الحديث عن الجن والأشباح).. وهي ترى الأمور بواقعية وجمود (وتمنعنا حتى من التساؤل عن وجود مخلوقات غيرنا في الكون) كما انها تنطلق من فهم خاطئ وحكم مسبق (فأنا شخصياً لا أؤمن بالأطباق الطائرة، وأكتب عن المخلوقات الفضائية من باب الافتراض والتساؤل لا أكثر)!!
@ ولكن في المقابل ضمت هذه الرسالة كلمة مديح لا تقدر بثمن (ستكون محور حديثنا اليوم).. فالأخ الكريم يراني "طفلاً يملك خيالاً خصباً".. وهذه ليست شتيمة بل شهادة - لا أستحقها - بالإبداع والعبقرية.. فالعباقرة وحدهم يحتفظون بدهشة الطفولة حتى سن متأخرة، فالعبقري (كالطفل) دائم التساؤل في أمور أصبحنا نراها من المسلمات، فالطفل قد يسأل: لماذا لون الشجر أخضر!؟ لماذا لا تقع الطيور!؟ لماذا لا يغرق السمك!؟ لماذا نتنفس من منخرين!؟.. وفي خفايا هذه الأسئلة الساذجة تكمن أسباب الإبداع والاكتشافات العظيمة.. فالطفل دائم التساؤل لأنه يريد التعلم واكتشاف ما حوله.. أما الكبار فيقعون في دائرة الصدأ والتعود على وجود الأشياء كما هي، فتكرار الأحداث وزحمة الحياة أزال من أنفسهم دهشة الطفولة وسعة الخيال.. ولو يتذكرون - حين كانوا أطفالاً - كيف كان يدهشهم جمال الخلق ودقة الصنعة وحدوث الأشياء.. أما العبقري فيظل "طفلاً كبيراً" يتساءل بسذاجة ويندهش بسرعة ويريد جواباً لكل شيء.. خذ نيوتن كمثال، فحين سقطت بجانبه التفاحة تساءل بجدية "لماذا سقطت؟".. ولو كانت زوجته مستلقية بقربه لبادرت بأكلها (فالتفاح يا عزيزي يسقط منذ فترة طويلة!!).. غير أن نيوتن شغله الأمر وظل يفكر فيه حتى اكتشف قانون الجاذبية.
في الحقيقة الأطفال لا يطرحون أسئلة ساذجة بل عبقرية ومنطقية، فالشجر أخضر - ليس لأنه أخضر - بل لأن أوراقه تصنع مادة الكلوروفيل.. والسمك لا يغرق في الماء - ليس لأنه سمك - بل لأن لديه خياشيم تستخلص الأوكسجين من الماء.. ونتنفس من منخرين لأن لكل منخر علاقة بالجزء الأيسر أو الأيمن من الدماغ..
أما مسألة "الخيال الخصب" فهذه أيضاً ميزة طفولية يتحلى بها العباقرة، فمن يملك خيالاً واسعاً يستطيع رؤية المستقبل وطرح المبادرات الخلاقة.. أما حين نعجز (حتى عن التخيل) فكيف نبدأ أصلاً بعمل مهم أو إنجاز خلاق.. ولو تذكرنا جيداً لوجدنا أن أعظم الإنجازات العلمية - كالطيران وفلق الذرة والصعود إلى القمر - كانت مجرد خيالات مجنونة أمكن تحقيقها في الوقت الحاضر.. أضف لهذا أن "سعة الخيال" مطلب مهم لكشف ألغاز الكون والطبيعة، فتفسير أي ظاهرة غامضة يتطلب وضع عدد كبير من الاحتمالات والفرضيات ثم التقاط "الخيار الصحيح" منها.. والعبقري وحده قادر على طرح أكبر عدد من الاحتمالات والفرضيات - بينما تأخذ الناس بأول تفسير دون التثبت من صحته!
إذاً، ليس عيباً أن نعود لدهشة الطفولة.. وبالطبع ليس من مصلحة أحد نعتني بالطفل!!