المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنه الله قصة : محمد عبد الفتاح المغربي



الشاي
26-09-2004, 09:50 AM
دخل إلى بيته بعد يوم قصير من العمل ، أراد أن يفاجئ زوجته بأنه أحضر الغداء معه ، وأنهما سيتذكران معا شهر العسل ، بعد سنين عديدة ، لم يجدها أمام التلفاز ، بحث عنها فى المطبخ لم تكن هناك ، أيقن أنها بحجرة النوم . فتح الباب دون أدنى صوت ، ونظر برأسه باحثا عنها فى الحجرة ، لكنه صعق .. نعم صعق ، إنه يرى زوجته على سريره ، ومعها رجل أقرب ما يكون الشبه بأخيه …...لم يدر ماذا يجب عليه أن يفعل .!


أغلق الباب رغما عنه كما فتحه ، وقف قليلا يفكر فى أنه لايفكر ، قادته قدميه إلى الخارج ، نزل إلى الشارع ، ذهب إلى القطار ، جلس فى احدى عرباته شبه الفارغة ، لم يفعل شيئا سوى أن تمنى ألا يرى بعينه بعد الأن ، وذهب فى نوم عميق .


استيقظ . فتح عينيه .. لم ير شيئا ، ظن أنه يحلم ، ما لبث أن سمع صوت القطار وأحس بحركته ، وتأكد أنه لا يحلم .


أقنع نفسه أنه فقد البصر .


قال متهكما : لم تتحقق الأمانى إلا الآن " يا لسخرية القدر " . تجهم فجأة ، ثم قال ـ وفى صوته أشد أنواع الجد والجلد ـ قال : فليكن أنا أعمى .


مارس حياته بعد ذلك بصورة شبه طبيعية ، بعد أقنع أهل البلدة التى وصل إليها أنه أعمى منذ ولد . وألزم نفسه ألا يتمنى بعد ذلك أبدا ومهما حدث .


صادق فى وطنه الجديد رجلا أحس معه بالحب والإخلاص ، وجد فيه كل الصفات التى كان يتمناها قبل التزامه بعدم التمنى ، عاش مع صديقه هذا فترة جيدة ، وهو فى أتم حالات الاستقرار النفسى . فوجئ فى أحد الأيام . بأن رفيق غربته ومخلصه من الألم ، متهم فى قضية عظمى .!!


انتظر حتى يوم المحاكمة ، حضرها ، وسمع كل ما قيل عن صاحبه ، لم يستطع صبرا ، انتفض ، صرخ ، وتكلم بكل ما يخفي فى صدره عن فساد بالبلاد وظلم للعباد ، وضياع القيم ، واختفاء العدل .


استعاد وعيه سريعا ، وأول ما أحس به أنه فى مكان مغلق ، رطب ، كريه الرائحة ، ووحيد إلا من بعض الحشرات .


أخبره السجان أنه محبوس لأنه قال فى المحكمة ما يكفي لاعتقال نصف الشعب . هاج وماج ، سخط وغضب…..


أقسم أنه لم يفعل شيئا . حذره السجان مما يفعل ، وأنه بلا جدوى . خر على الأرض ، بكى وقال : ليتنى لم أتكلم . أقسم لكم لن أتكلم ، لن أتكلم بعد الآن أخرجونى . لن أتكلم . لن أتكلم ....


صمت فجأة . إنه لا يسمع صوته والحارس لا يلقي بالا . إنه لا يسمع شيئا . ما هذا …! لقد فقد صوته أيضا . ؟؟!! …


صمت أو سكن فى مكانه بمعنى أدق ، ثم قال بصوت ظنه مسموع وعال جدا : فليكن أنا أخرس منذ ولدت .


بعد عدة أيام سمع الحرس يتحدثون عن قضية صديقه ، أرهف السمع ، وعرف أن صديقه قد أطلق سراحه ، وأنه قدم ما يثبت أن.. أن ماذا !! أنه هو صاحب الذنب وأنه هو من يستحق العقوبة ، وأخرج نفسه من القضية تماما ؟؟!


لم يتمنّ هذه المرة أن يفقد السمع ، فقد فقده فعلا دون أن يتمنى ، وكأن ملاك الأمنيات كان مستعداً ضمنيًا .


استسلم للقدر .. أصبح لا يرى ،لا يتكلم ، ولا يسمع .


حُكم عليه بالإعدام لكنهم لم يخبروه ، قال لنفسه أتمنى أن أموت ، ثم استدرك قائلا : الموت راحة لى ولهذا فإن هذه الأمنية لن تتحقق معى بالذات .


قِيد وهو لا يعلم إلى حجرة الإعدام ، وعندما أصبح الموت أقرب اليه من حبل الوريد ، أضاءت عينيه فجأة ورأى الشيخ أمامه ، وسمعه وهو يتلو قوله تعالى { ولا تقنطوا من رحمة الله } ، فتكلم رغما عن لسانه حامدا الله مستغفرا، ومات ….، دون أن ُيعْدَمْ … !!!

http://www.arabneed.com/vb/images/buttons/reputation.gif (http://www.arabneed.com/vb/showthread.php?t=10964#)