المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعترافات طفل سارق...



khaled al-zamil
18-08-2001, 05:04 AM
كنت في الروضة .. وكانت بنت مدير المدرسة بجانبي في الفصل ..
ذات يوم عاد المحارب أبي من (الرياض) .. هذه المدينة التي لم تألفني .. كنا نسكن في الشمال حيث الأنهار .. والد نواره الفأل أمي (القصيمي) هرب من الفقر والمرض للشام قبل مائة عام هم قالوا لي هذا .. ولم يعد للقصيم إلا في صندوق .
عاد أبي وليكفر عن غيابه اصطحبني للمكتبة كي أشتري لوازمي .. اشتريت قلمان كأقلام أختي التي تكبرني بتسعة أعوام .
في الصباح كانا يزينان حقيبتي .. تجمهر طلاب الفصل حولي وأنا أخرج القلمين .. تمتعت كثيرا بهذا التجمهر .
طلبت بنت المدير أن أمنحها قلما لتجربه .. رفضت ، كنت لا أحبها ليس معنى هذا أني أكرهها .. بل أكره تلك المعاملة التي يهبها الأخريين لها .. الطلاب يهابوها لأنها بنت المدير ، والمدرسون يتعاملون معها بشكل مختلف .
لم أكن أخطط لأن أحسسها كيف هم الفقراء .. ولم أفوت فرصة أن أمارس حقدي الطبقي .
قلت لها : توسلي لي .. وسأعطيك القلم .
قالت : لن أترجاك وستعطيني .
حاولت أن تمد يدها عنوة لتأخذ القلم ، فدفعتها .. راحت تبكي وانطلقت تجري للخارج .
حين اختفى صوتها أسفل الدرج .. أطبق صمت مهيب على المكان ، لم أستطع تفسير نظرات طلاب الفصل .. لكنها بالتأكيد كانت تنبأ بحدوث أمر جلل .
جاء الفراش ليصحبني إلى الإدارة ، فعرفت لِمَ نظرات الطلاب كانت على هذا النحو .. معاملة الفراش لي لم تكن ودودة فقد دفعني بقوة أمامه إلى أن وصلنا لمكتب وكيل المدرسة .. كانت هي تجلس على الكرسي ، وأمامها كأس من الماء شعرت بالعطش أو الخوف هو من دفعني لهذا الشعور .
قال الوكيل لها : (خلاص يا بابا روحي أنتِ للفصل والا يهمك) .
أوصلها للباب وطبطب على ظهرها .. عاد إلى بعد أن خلع وجه المحبة ، سألني لماذا لم تعطيها القلم ، ألا تحب التعاون مع أصدقائك .؟
ـ يا أستاذ .. هذا ......
لم أكمل فقد صفعني بكل ما أوتي من كره على وجهي .. أصطدم رأسي بدولاب الحديد قبل أن أستقر على الأرض .
نبتت مشاعر كثيرة في داخلي .. خوف وكراهية وحقد ورغبة في التدمير ، لم أعد أسمع ما يقوله كنت أتخيل لو أني كبير ، لو بيدي مدفع لرميته به .. تمنيت لو أن صاعقة تهبط عليه الآن ويموت ، أقسمت أني سأفرح .
ضربني بحذائه وهو يقول : أنهض .. واذهب للفصل أعتذر منها وأعطيها القلم ، لم أقل شيئا ومضيت مملوءا بالكراهية .
دخلت للفصل فصمت الجميع كأنهم يعرفون ما الذي حدث لي أو هم يجيدون قراءة المستقبل لهذا لا يرفضون لبنت المدير طلب .
مددت لها القلم .. قالت : أريد الثاني ، أعطيتها الآخر وجلست وددت لو تحسست خدي الذي يحرقني ، ترى هل ترك الوكيل أصابعه على وجهي .. فمنحني الطلاب شفقتهم ، أكره هذه النظرات لست مسكين .. لا بل أنا مسكين أخاف من غرفة الفئران التي يهددونا بها ( سنضع على لسانك وأذانك دبس وندخلك غرفة الفئران كي تأكل الفئران لسانك) .
في الثانية عشرة ظهرا كنا نمشي طابورا للمطعم (مدرسة السعوديين كانت تقدم الغداء للطلاب) .. اخترت أن أكون خلفها ، لا أعرف بالتحديد لماذا ربما كنت أتوقع أن يحدث لها كارثة ، أو أني أتحين الفرصة لأنتقم .
بعد الطعام كانت تغسل يديها .. نسيت (سوارها) على المغسلة مددت يدي سريعا وأخفيت (سوارها) داخل جيبي .. في الحديقة أخفيته تحت الرمال ، خوفا من أن تنتبه لفقدها (سوارها) فأمسك بجريمتي .
لم تنتبه إلا في نهاية الدوام حاولت أن تبحث عنها في كل مكان ، ولم أتمتع كثيرا بحزنها فقد ركبت (الأتوبيس) متجها لمنزلي .
كانت أصابعي تلعب بالسوار في جيبي لم أخبر أحدا من أصدقائي كي لا يشي بي .
في العصر وأنا أقف على (البلكونا) خرجت (هيفاء) ورحنا نثرثر كثيرا .. لم أخبر (هيفاء) أيضا بما قمت به ، قدمت لها السوار هدية ، سألتني عن سبب الهدية وأخبرتها أني أريد تقديم هدية لها لتتذكرني كما أنا أتذكرها حين منحتني وردة .
(هيفاء) لم يصفعها وكيل المدرسة فهي لا تذهب لمدرستنا وهم لا يقبلون إلا السعوديين ، وأظن أمها لا تجيد يداها سوى العزف على البيانو فهي مدرسة بيانو ، وهي المسؤولة عن تعلقي بالبيانو والموسيقى فكثيرا ما عزفت وهيفاء وأنا نثرثر عن أحلامنا الصغيرة .
هيفاء لا تخفي شيئا عن والدتها لأنه لا يوجد شيء قبيح فعلته ، فأخبرتها بهديتي ، لا أعرف ما الذي قالته لها أمها لتتخلى عن السوار ، سمعت حديث والدتها مع أمي وجدتي كنت أعرف أن الحديث يدور حول السوار ، فبدأت أفكر بعذر كي أخفي عملتي .
كنت خائفا .. أمي أحيانا لا تجيد التعامل معي فتلجأ للضرب وأحيانا أنا أدفعها لأن تضربني ، فرحت حين سمعت صوت جدتي تقول لأمي : أنا من سيتفاهم مع الغريب .
دخلت جدتي فكففت عن البحث ، لن أبحث عن عذر جدتي ستعرف أني كاذب ، لا أعرف كيف هي تكشفني أو أنا لا أجراء على الكذب أمامها ، فأنا أراها قديسة ولو كان هناك (نبيات) لقلت جدتي إحداهن .
جلست بجانبي راحت تداعب شعري وأنا أتأمل الأرض .. همست لماذا فعلت هذا ؟
ـ يا جدتي ضربوني ظلما وكنت أريد أن أنتقم .. تمنيت لو أني كبير لكنت قتلت الوكيل ، تمنيت لو دفعتها من فوق الدرج لأعاقبها لكني خفت من غرفة (الفئران) .. لو أن الله عاقبها هي والوكيل لما سرقت سوارها .. لماذا لم يعاقبهما الله يا جدتي ؟
ـ ليختبرك يا غريب .. يريد التأكد أن الغريب حين يظلم سيتحمل ولن يتحول لسارق .
ـ هل السارقون مظلومين يا جدتي ؟
ـ كلهم مساكين يا غريب .. لم يتحملوا الظلم فتحولوا لسارقين .
ـ إذا لماذا يكرههم الناس ؟
ـ لا يكرهونهم بل يخافون منهم .. يخافون أن يسرقوا أموالهم فلا يجدون مالا يشترون به أكل لأطفالهم .
ـ هل أنا سارق يا جدتي ؟
ـ لا .. أنت ستعيد السوار ولن تصبح سارقا .. وستتحمل الظلم ولن تقبل أن يدفعوك لتصبح شريرا يا غريب .
ـ ولكن سيضربني وكيل المدرسة .
ـ لا تخف سأكون معك .
خرجت جدتي وأنا من الغرفة .. ذهبت (للبلكونه) كانت هيفاء تنتظرني هناك .. تعتقد أني سأغضب منها لأنها وشت بي .
بدأت حديثها بصوت خفيف كصوت الشجر : أمي قالت لي علينا أن نحمي الغريب ، فهو لا يملك مالا ليشتري لك مثل هذه الهدية أكيد أرتكب خطأ ما وعليك أن تساعديه إن كنت صديقته ، اقتنعت وأعطيتها السوار .. ولكن كيف جئت بالسوار ؟
حدثتها عن القصة كاملة وماذا قالت لي جدتي وقلت لها : لا أعرف كيف سأحل المشكلة غدا ولكن أنا مطمئن لأن جدتي معي .
أكدت لي هيفاء أن جدتي كان يمكن أن تكون (نبية) فهي قديسة وهناك نور يشع من وجهها لا ترى مثله هيفاء ولا حتى في الكنيسة .. لا تراه إلا في الحلم حين يزورها (عيس) عليه السلام .
هي كذلك قالت أنها لا تحب الوكيل ولا بنت المدير .. لست أدري لماذا هيفاء لا تستخدم كلمة (الكُره) .. الأطفال لا يتعاملون مع هذه الكلمة فقط كلمة الحب .. أحب أو لا أحب .. ولا أحب ليس بالضرورة أننا نكره .
######
في المساء حاولت تخيل ما الذي سيحدث غدا حين أعترف لهم .. كان وكيل المدرسة يحبط كل حلولي حتى في الحلم كان يأتي كالكابوس فأفز مفزوعا .. لم أنم جيدا في هذا المساء فشعرت بأني متعب ولا أنكر أن الخوف كان مغروسا في رأسي طوال الوقت .. حتى كلمات جدتي وأنا ذاهب للمدرسة لم تخفف من حدته .
عند الباب أكدت لي أنها ستلتقي بالمدير .. كنت مشوشا وأنا أركب الأتوبيس .. لم أتحدث ولم يستطع صديقي أن يعيدني من عالمي الذي دخلته حتى وهو يصرخ : ( هي وين رحت يا غريب) .
مرت الحصة الأولى والثاني والثالثة والرابعة ولم يحدث شيئا .. في الحصة الخامسة طرق باب الفصل ، لا أعرف لماذا تخيلت أن شرطي سيدخل ويضع أساوره الحديدية في معصمي وسيقودني لغرفة الفئران .. تمنيت لو أني نملة لا يراني أحد أتسلل لجحر وأختفي .
أطل رأس الفراش من الباب .. كدت أن أنهض قبل أن يتحدث لكني خفت أن يكتشف الطلاب أني سارق .
مضيت معه إلى المدير الذي قال أنه يريدني .. لم يكن جلفا في معاملته كالمرة السابقة .. ومع هذا مازال الخوف يسكنني .
دخلت لغرفة وكيل المدرسة .. ثم إلى باب أخر يؤدي لغرفة المدير .. مات خوفي تماما حين رأيت جدتي .
بادرني المدير بالكلام : أجلس يا غريب .. لقد حدثتني جدتك عن ما فعلته وخوفك أن نتهمك بالسرقة .. أنت ولد شهم يا أبني .
لم أفهم شيئا .. حاولت أن أقرأ سر هذا المديح في وجه جدتي لم أستطع ، فقررت أن أصمت حتى النهاية .
كان قد حان وقت موعد الغداء رفع المدير سماعة الهاتف وطلب منه أن يأمر الطلاب ليقفوا طابورا في حديقة المدرسة .. اصطحبني المدير وهو يربت على كتفي .. فيما جدتي كانت تمشي خلفنا .
وقفت أمام المدير وهو يقول : اليوم تفتخر المدرسة بأن لديها طفل شهم أسمه الغريب وجد سوارا مرمي فسلمه للإدارة ، أتمنى أن تتعلموا منه وتصفق له .
دوى تصفيق حاد ألتفت أبحث عن جدتي كانت أمام الباب الخارجي أظنها كانت تنتظرني أن ألتفت لوحت لي واختفت .
عدت بنظري للطلاب وهم مازالوا يصفقون لي .. لم أشعر بفرح كبير لهذا التصفيق فأنا لا أستحقه والقصة ليست كما رواها المدير .
في الغداء كان الطلاب ينادوني كي أشاركهم طاولتهم .. وكنت أتمنى أن ينتهي اليوم لأعود للبيت .
######
في البيت جلست أنتظر جدتي لتنهي صلاتها .. أشارت بيدها أن أتي لأشاركها الجلوس على السجادة .
ـ لماذا فعلت هذا يا جدتي ؟
ـ الله قال لي الغريب يحتاج مساعدتك .. إنه لا يعرف ما الفرق بين أن تكون شهما وبين أن تكون مجرما ، عليك أن تساعديه فهم سيحولنه لسارق .. ففعلت هذا .
ـ ولكن يا جدتي أنتِ قلت لي الكذب حرام وأن الكذب يغضب الله ؟
ـ أحيانا نكذب يا غريب لنمنع الشرور .. ولو لم أفعل هذا كيف ستعرف الفرق بين الشهم والمجرم .. الله يا غريب سيغفر لنا مثل هذا الكذب لأننا لم نؤذي أحد .. الله يعاقبنا حين نسبب الأذى للناس حتى وإن لم نكذب .
ـ من قال لك هذا يا جدتي ؟
ـ غدا ستكبر وتصلي .. كن صادقا في صلاتك وستشعر كأنك ترى الله .. وكأنه يحدثك ، وسيقول لك ما الذي عليك أن تفعله .
كبرت .. وحين أرى الكبار يضربون الأطفال ، أحزن فجدتي ماتت ولم يعد هناك من ينقذهم .
وأتساءل بيني وبيني : هل يعرف الكبار أنهم هم من يصنعون المجرمين ؟

(chico)
18-08-2001, 06:12 AM
انا ماقريتها حستها طويلة راح اقراها بعدين