المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جغرافية الأخلاق



ALcATRAZ
01-10-2004, 01:31 PM
منقول للفائدة من مقال للكاتب فهد الأحمدي
بنهاية الإجازة الماضية أكون قد زرت 36بلداً حول العالم. ويبدو العدد كبيراً لسببين بسيطين: الأول أنني نادراً ما أكرر زيارتي لبلد شاهدته من قبل؛ والثاني أنني أحاول في كل جولة زيارة أكبر عدد ممكن من الدول؛ ففي عام 1998م مثلا زرت في شهرين بلدان اوروبا الغربية - لم أعد لأي منها حتى اليوم.. ومن محاسن هذا النمط من الرحلات سهولة المقارنة بين مختلف الشعوب في جولة واحدة. فأنا - لسبب ما - مغرم بملاحظة الفوارق المزاجية والأخلاقية بين الأمم.. مغرم بفهم العوامل التي تجعل الانجليز يتصرفون بتحفظ، والألمان بصرامة، والفرنسيين بغرور، والايطاليين بعصبية.. اتساءل لماذا يطغى الخجل على اليابانيين، والحذر على الكوريين، والسوقية وسرعة الاختلاط على الأمريكان..!؟ وهذا التنوع - في الأمزجة والأخلاق - لفت انتباه العديد من الرحالة والمؤرخين على مر العصور. فقد تحدث عنه ابن خلدون في "المقدمة" وأبقراط في "القوانين" وأرسطو في "السياسة" - والعديد من المفكرين الاوروبيين مثل ميكافيلس الايطالي وأرثيو الانجليزي ومونتسيكيو الفرنسي.. وهو جزء مما يسمى "الجغرافيا الاجتماعية" التي تهتم بدراسة تأثير المناخ وظروف البيئة على أمزجة وأخلاق الناس - مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير العوامل الاخرى.
ونظراً لضخامة الموضوع سأركز فقط على آراء العلماء المسلمين في هذا المجال.. فابن خلدون مثلا قسم شعوب الأرض إلى سبعة أقاليم تبدأ من الجنوب إلى الشمال. فسكان الجنوب - حسب تقسيمه - يعيشون في الاقليمين الأول والثاني حيث حرارة الشمس وسواد البشرة وصعوبة المزاج. ثم تأتي الأقاليم الثلاثة المتوسطة (الثالث والرابع والخامس) وأرضها أكثر عمراناً وسكانها أعدل أخلاقاً وفيهم ظهرت النبوءات والحضارات والشرائع والعلوم ، ومن أهلها الروم والعرب والفرس وأهل الصين والهند.. ثم يأتي الاقليم السادس ثم السابع في الشمال البارد - وسكانهما من البيض الصقالبة والافرنجة حيث زرقة العيون وجلافة الطبع وصهوبة الشعور..



أما علي الطاهر فيمتدح في كتابه "المفصل في تاريخ العرب" طبيعة اليمن ومناخها ويقول:
"وأرض بهذا الخير والاستقرار لابد أن تؤثر على أجسام وعقول أهلها فتجعلهم انشط شعوب جزيرة العرب في طلب العمل وكسب الرزق وصيرتهم قوماً لايرون الاشتغال بالحرف عيباً أو بالمهن بأساً.. ولو كانت أرضهم على شاكلة الحجاز ونجد لما صار أهل اليمن كذلك. ويستدل على هذا بأن القحطانيين الذين خرجوا من اليمن وسكنوا نجد وبادية الشام أصبحوا يأنفون من الاشتغال بالحرف والصنائع ويعيشون على تربية الإبل مع انهم يمنيون في الأصل".. ثم يتحدث عن البادية وقسوتها والصحراء وحرارتها حتى يصل إلى (الطائف) فيقول عنها:
"وبسبب تأثير الطبيعة في طباع الناس اختلفت طباع أهل الطائف عن طباع أهل مكة. وسبب ذلك أن الطائف مرتفعة معتدلة بها مياه وأشجار وأرضها سعيدة فرحة لا تسودها كآبة البادية ولا عبوس البيداء فصارت أخلاق أهلها أقرب إلى أخلاق أهل اليمن مع انها إلى مكة أقرب"!!.



أما اليعقوبي فيتحدث - في كتاب البلدان - عن محاسن بغداد فيقول:
"وباعتدال الهواء وطيب التراب وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها ونضرت وجوههم وتفتقت أذهانهم حتى فضلوا الناس في العلم والأدب وظهر فيهم أرباب اللغة والدين والحديث واستقر فيها العلماء والتابعون والمحدثون".
ويقول المقريزي في المواعظ والاعتبار:
"ويلاحظ على أهل البشمور (بمصر) أن طباعهم أغلظ والبله عليهم أغلب وذلك لطبيعة أرضهم وغلاظة طعامهم، أما الاسكندرية وتنيس فقربها من البحر واعتدال الحرارة والبرودة يصلح أمرهم ويرقق طباعهم ويرفع ذكاءهم"..
بقي أن أشير إلى وجود عوامل اخرى (بجانب طبيعة الأرض والمناخ) تساهم في بلورة أخلاق الأمم كالدين والاقتصاد وتراكم الموروث.. أضف لهذا أن الآراء السابقة قد تكون أقرب للواقع (في الماضي) منها للحاضر؛ فأجهزة التكييف - هذه الأيام - تلغي تأثير الطقس وتطرف الحرارة، والمواصلات الحديثة تتجاوز تأثير التضاريس والتقييد بالمكان.. (وأقرب دليل على هذا وفاة آلاف المواطنين في أوروبا بسبب الحر، ونجاة أهل الخليج بفضل "الاسبيليت" ورحلات البوينغ"!!.

بوعلاء
01-10-2004, 10:58 PM
مشكووور اخوى على نقل الموضوع الرائع

ALcATRAZ
02-10-2004, 02:17 PM
العفو أخوي
حياك الله
مشكور على مرورك