Mai Valentine
05-10-2004, 08:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كلمة الاستشراق تعني الاتجاه نحو الشرق ، وتطلق على كل ما يبحث في ثقافة أهل الشرق وتاريخهم وجميع أمورهم . ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي ، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته . ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة ، معبرا عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما.
لكن موضوعي هذا ليس مجرد بحث في الأستشراق ومنهجيته وإتجاهاته وأفكاره وأسماء رموزه البارزة، وإنما هو مسعى مني للبحث في طبيعة تفاعل المثقفين والمفكرين العرب مع الاستشراق فكراً ومرجعاً حضارياً غربياً أولاً، قد يتعاطف مع العروبة والإسلام في جزء منه، أو يخدمك الموروث العربي، لكني أريد أن أوضح وقبل أي شيء آخر وحتى لا يفهمني أحد خطاءاً أني أنظر إلى الأستشراق كمتنوع ثقافي غربي يحمل في داخله مذاهب الغرب لمرحلة ما، كما ينقل مصالحه واهتمامه.
ولقد أحببت أن أجمل صورة الاستشراق عند نخبة المفكرين هنا في منتدانا هذا(خصوصاً أخواني المثقفين السلفيين ذوي التوجه الأصولي الذين أكن لهم كل الأحترام) فكما نعرف أن النخب الفكرية تنمو متحاورة، مؤتلفة أو متخالفة، لتوجد بناها المنطقية، فأي توجهات معرضة لمخاطر التوظيف العملي للمادة المتداولة، سياسية أو فكرية، لتسهل لنفسها بناء منظومة ما من الأفكار، سرعان ما تتهاوى هي الأخرى جراء عدم الإحاطة ببقية المنظومات لدى الآخرين. فمهما تتعدد إتجاهات الأستشراق ومناهجه وتتنوع مداخل المثقفين العرب نحوه، فإن قضية الحوار والتفاعل لم تعد محض مسألة اكاديمية، كما أنها ليست ميدان منازلات وخصومات وإتهامات، بل هي ميدان معرفي له أثره الفعلي في تكوين الرؤية العربية الإسلامية، والرؤية الغربية المتعددة، ولم يكن الفكر الغربي المعاصر في تاريخه مجرد بناء للحاضر أو استرجاع متنوع النغمات للماضي، بل إنه كان في أغلبه مشدوداً إلى المادة الاستشراقية ورموزها مبجلاً بعضها ورافضاً الأخرى.
أن الفكرة الترسخة عند فكر معظم مثقفينا أن هدف الاستشراق إيجاد طبقة متعلمة منسلخة تماما عن شخصيتها الاصلية تسلمت قيادة شعوبها فكريا وسياسيا لتقوم بدورها نيابة عنهم وذلك عن طريق السيطرة على التعليم (غسيل المخ )، وأن كل الجهود المبذوله من المستشرفين من اجل دراسة العلوم والتراث الاسلاميين كان الغرض منها تحديد مكامن القوة والضعف من خلال منظور سياسي او علمي او اقتصادري اوحتى الاستعماري.
فاذا كان هذه النظرة للآستشراق صحيحة، فكيف نفسر ما قام به مستشرقون من دفاع بحق عن الإسلام وعن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وكما نعرف إن الشبهات التي يثيرها علماء الغرب ضد الإسلام، وبالخصوص ضد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليست جديدة، فهي موجودة في اعماق التاريخ ، والغربيون يسعون دوماً إلى الهجوم على الإسلام وإثارة الضجيج واصطناع العقبات في طريقه. فليس من العدل الصاق هذه التهم بالمستشرقين بل يجب أن نشكرهم، فمثلاً لشبهات التي طالما رددهاالغرب بشكل عام ، هي مسألة تعدد زوجات النبي، صدقوني لن تجدوا دفاعاً منصفاً ومستقلاً كما دافع عنه المستشرقين ، يقول المستشرق سمث دفاعاً عن مسألة تعدد زوجات النبي :
« لم يكن عند محمد زوجات متعددات ولكن كان عنده نساء متعددات ، لأن شروط النكاح والزوجية التي تجسدت فيها روابط الحب المتبادل بين الزوجين إنحصرت بخديجة ( عليها السلام )؛ أما النساء الباقيات فانه اقترن بهن بهدف التقرّب إلى القبائل الكبيرة وشدّها إلى تعاليم الدين الجديد أو لكفالة اليتامى والأرامل اللاتي فقدن أزواجهن في الحروب أو غيرها.
وكذلك يقول العالم كارليل في هذا المعنى :
« لم يكن محمد من الساعين نحو اشباع رغباتهم الشخصية، لكن الأعداء اتهموه بذلك ظلماً وعناداً ، لقد كان محمد زاهداً في ملبسه ، ومأكله، وسكنه، وفي جميع جوانب حياته ، وكان كثيراً ما يكتفي بالخبز والماء ، ولعل الشهور تمضي وهو لا يضع على النار قدراً، أليس من الظلم والتعسف أن يقوم البعض باتهامه بأنه كان يسعى نحو إشباع رغباته وملذاته الدنيويه ».
وتقول السيدة آنّي بزانت في دفاعها عن نظام تعدد الزوجات :
« شرّع الإسلام نظام تعدد الزوجات لحل المشكلات الأجتماعية والقضاء على الأمراض المترتبة على الزنى ، ودعوة الإنسان لاشباع رغباته الجنسية بشكل يتناسب مع المكانة السامية التي أرادها الله له ».
يقول المستشرق سمث:
« استطاع الإسلام ان يصون المرأة ويحفظها من الوقوع في الزنى، وذلك من خلال النظام الاخلاقي الذي شرّعه لعلاقة الرجل بالمرأة ، بينما نجد العكس في الدول الاخرى غير الإسلامية حيث تعتبر النساء الزانيات طبقة معترف بها من طبقات المجتمع لها حقوقها واحترامها ».
فتغيير النظرة العامة اتجاه الاستشراق ضروري جداً في وقتنا الراهن وذلك بعدما شوه صورته وتعرضه للكثير من النقد والسهام، من الكثير من الكتاب والباحثين الثين لهم مكانتهم العلمية، وسمعتهم الأكاديمية العالمية. لكني أرى ومن خلال قرائاتي في دور المستشرقين في كشف التاريخ العربي، أن هذه القضية لها طرحها المختلف، ونظرتها الخاصة كنظرة تقويمية شاملة لكل أدوار الاستشراق الفكري والأيديولوجي والمعرفي، قد لا تلتقي إجمالاً بطرحي في هذه الجانب، ولكني أرى أيضاً بأن التعميم والمبالغة في نقد كل أعمال المستشرقين وربطهم بالاستثمار والتنصير والتبشير، لا يستقيمان مع العدل والموضوعية... ناهيك عن المنهجية والعلمية في الطرح والمناقشة، وتفنيد الرأي المختلف. من هنا كان لا بد من التفريق بين الاستشراق الأيديولوجي غير المنصف، والاستشراق العلمي الذي قدم الكثير من الأعمال الجليلة لتراثنا وتاريخنا وروائع حضارتنا، وهي جهود لا تزال موثقة ومكتوبة وشاهدة على الأخلاق والتفاني والموضوعية.
واخيراً، أختتم الموضوع بهذه الجملة القصيرة التي قالتها السيدة آنّي بزانت دفاعاً عن الإسلام، ونُذكّر بان المقالات التي كتبها المستشرقون في هذا المجال كثيرة جداً لا يسعنا المجال ان نتحدث عنها:
« تتظاهر الدول المسيحية وبشدة بالزواج من إمرأة واحدة ، ولكن هذه الدول تطبق نظام التعدد في الواقع العملي ، وبشكل مخفي عن طريق العلاقات غير المشروعة بينما يعتبر الإسلام مثل هذه العلاقات محرّمة وغير قانونية ».
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كلمة الاستشراق تعني الاتجاه نحو الشرق ، وتطلق على كل ما يبحث في ثقافة أهل الشرق وتاريخهم وجميع أمورهم . ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي ، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته . ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة ، معبرا عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما.
لكن موضوعي هذا ليس مجرد بحث في الأستشراق ومنهجيته وإتجاهاته وأفكاره وأسماء رموزه البارزة، وإنما هو مسعى مني للبحث في طبيعة تفاعل المثقفين والمفكرين العرب مع الاستشراق فكراً ومرجعاً حضارياً غربياً أولاً، قد يتعاطف مع العروبة والإسلام في جزء منه، أو يخدمك الموروث العربي، لكني أريد أن أوضح وقبل أي شيء آخر وحتى لا يفهمني أحد خطاءاً أني أنظر إلى الأستشراق كمتنوع ثقافي غربي يحمل في داخله مذاهب الغرب لمرحلة ما، كما ينقل مصالحه واهتمامه.
ولقد أحببت أن أجمل صورة الاستشراق عند نخبة المفكرين هنا في منتدانا هذا(خصوصاً أخواني المثقفين السلفيين ذوي التوجه الأصولي الذين أكن لهم كل الأحترام) فكما نعرف أن النخب الفكرية تنمو متحاورة، مؤتلفة أو متخالفة، لتوجد بناها المنطقية، فأي توجهات معرضة لمخاطر التوظيف العملي للمادة المتداولة، سياسية أو فكرية، لتسهل لنفسها بناء منظومة ما من الأفكار، سرعان ما تتهاوى هي الأخرى جراء عدم الإحاطة ببقية المنظومات لدى الآخرين. فمهما تتعدد إتجاهات الأستشراق ومناهجه وتتنوع مداخل المثقفين العرب نحوه، فإن قضية الحوار والتفاعل لم تعد محض مسألة اكاديمية، كما أنها ليست ميدان منازلات وخصومات وإتهامات، بل هي ميدان معرفي له أثره الفعلي في تكوين الرؤية العربية الإسلامية، والرؤية الغربية المتعددة، ولم يكن الفكر الغربي المعاصر في تاريخه مجرد بناء للحاضر أو استرجاع متنوع النغمات للماضي، بل إنه كان في أغلبه مشدوداً إلى المادة الاستشراقية ورموزها مبجلاً بعضها ورافضاً الأخرى.
أن الفكرة الترسخة عند فكر معظم مثقفينا أن هدف الاستشراق إيجاد طبقة متعلمة منسلخة تماما عن شخصيتها الاصلية تسلمت قيادة شعوبها فكريا وسياسيا لتقوم بدورها نيابة عنهم وذلك عن طريق السيطرة على التعليم (غسيل المخ )، وأن كل الجهود المبذوله من المستشرفين من اجل دراسة العلوم والتراث الاسلاميين كان الغرض منها تحديد مكامن القوة والضعف من خلال منظور سياسي او علمي او اقتصادري اوحتى الاستعماري.
فاذا كان هذه النظرة للآستشراق صحيحة، فكيف نفسر ما قام به مستشرقون من دفاع بحق عن الإسلام وعن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وكما نعرف إن الشبهات التي يثيرها علماء الغرب ضد الإسلام، وبالخصوص ضد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليست جديدة، فهي موجودة في اعماق التاريخ ، والغربيون يسعون دوماً إلى الهجوم على الإسلام وإثارة الضجيج واصطناع العقبات في طريقه. فليس من العدل الصاق هذه التهم بالمستشرقين بل يجب أن نشكرهم، فمثلاً لشبهات التي طالما رددهاالغرب بشكل عام ، هي مسألة تعدد زوجات النبي، صدقوني لن تجدوا دفاعاً منصفاً ومستقلاً كما دافع عنه المستشرقين ، يقول المستشرق سمث دفاعاً عن مسألة تعدد زوجات النبي :
« لم يكن عند محمد زوجات متعددات ولكن كان عنده نساء متعددات ، لأن شروط النكاح والزوجية التي تجسدت فيها روابط الحب المتبادل بين الزوجين إنحصرت بخديجة ( عليها السلام )؛ أما النساء الباقيات فانه اقترن بهن بهدف التقرّب إلى القبائل الكبيرة وشدّها إلى تعاليم الدين الجديد أو لكفالة اليتامى والأرامل اللاتي فقدن أزواجهن في الحروب أو غيرها.
وكذلك يقول العالم كارليل في هذا المعنى :
« لم يكن محمد من الساعين نحو اشباع رغباتهم الشخصية، لكن الأعداء اتهموه بذلك ظلماً وعناداً ، لقد كان محمد زاهداً في ملبسه ، ومأكله، وسكنه، وفي جميع جوانب حياته ، وكان كثيراً ما يكتفي بالخبز والماء ، ولعل الشهور تمضي وهو لا يضع على النار قدراً، أليس من الظلم والتعسف أن يقوم البعض باتهامه بأنه كان يسعى نحو إشباع رغباته وملذاته الدنيويه ».
وتقول السيدة آنّي بزانت في دفاعها عن نظام تعدد الزوجات :
« شرّع الإسلام نظام تعدد الزوجات لحل المشكلات الأجتماعية والقضاء على الأمراض المترتبة على الزنى ، ودعوة الإنسان لاشباع رغباته الجنسية بشكل يتناسب مع المكانة السامية التي أرادها الله له ».
يقول المستشرق سمث:
« استطاع الإسلام ان يصون المرأة ويحفظها من الوقوع في الزنى، وذلك من خلال النظام الاخلاقي الذي شرّعه لعلاقة الرجل بالمرأة ، بينما نجد العكس في الدول الاخرى غير الإسلامية حيث تعتبر النساء الزانيات طبقة معترف بها من طبقات المجتمع لها حقوقها واحترامها ».
فتغيير النظرة العامة اتجاه الاستشراق ضروري جداً في وقتنا الراهن وذلك بعدما شوه صورته وتعرضه للكثير من النقد والسهام، من الكثير من الكتاب والباحثين الثين لهم مكانتهم العلمية، وسمعتهم الأكاديمية العالمية. لكني أرى ومن خلال قرائاتي في دور المستشرقين في كشف التاريخ العربي، أن هذه القضية لها طرحها المختلف، ونظرتها الخاصة كنظرة تقويمية شاملة لكل أدوار الاستشراق الفكري والأيديولوجي والمعرفي، قد لا تلتقي إجمالاً بطرحي في هذه الجانب، ولكني أرى أيضاً بأن التعميم والمبالغة في نقد كل أعمال المستشرقين وربطهم بالاستثمار والتنصير والتبشير، لا يستقيمان مع العدل والموضوعية... ناهيك عن المنهجية والعلمية في الطرح والمناقشة، وتفنيد الرأي المختلف. من هنا كان لا بد من التفريق بين الاستشراق الأيديولوجي غير المنصف، والاستشراق العلمي الذي قدم الكثير من الأعمال الجليلة لتراثنا وتاريخنا وروائع حضارتنا، وهي جهود لا تزال موثقة ومكتوبة وشاهدة على الأخلاق والتفاني والموضوعية.
واخيراً، أختتم الموضوع بهذه الجملة القصيرة التي قالتها السيدة آنّي بزانت دفاعاً عن الإسلام، ونُذكّر بان المقالات التي كتبها المستشرقون في هذا المجال كثيرة جداً لا يسعنا المجال ان نتحدث عنها:
« تتظاهر الدول المسيحية وبشدة بالزواج من إمرأة واحدة ، ولكن هذه الدول تطبق نظام التعدد في الواقع العملي ، وبشكل مخفي عن طريق العلاقات غير المشروعة بينما يعتبر الإسلام مثل هذه العلاقات محرّمة وغير قانونية ».