المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قِصّــةٌ مُثِــيــرَةٌ .. ( سَلمَى مِن نَزَواتِ عديّ إلى مصَحّ هولَنديّ ) ..!!



بلومي
17-10-2004, 08:49 PM
سلمى من جحيم نزوات عدي الى مصح هولندي !!

حوار : ثائر الزعزوع

الحلقة الأولى


مساء الثلاثاء الواقع في /29/7/2003م الساعة تشير الى السادسة ، والحر الخانق يجعلنا نتململ باستمرار، رغم جهاز التكييف الذي يعمل بلا توقف ، نحن نستعد لإصدار العدد رقم /128/ من الجريدة ، الملاحظات ، والكلام والعمل كلها توقفت فجاة وكأننا كنا نعمل كهربائيا ، وقد انقطع التيار ، كان السبب دخول امرأة جميلة جدا نظرنا إليها كلنا وكأنها قادمة من عالم ثان ، تخفي عينيها بنظارة سوداء ،ماجعلها تبدو للوهلة الأولى وكأنها واحدة من نجمات هوليوود الفاتنات، بادرتنا بتحية :

مساء الخير
رددنا كلنا وبصوت واحد:

مساء النور

عندي موضوع
تفضلي ، أهلا وسهلا.

أجاب السيد مدير التحرير فجلست المرأة على الكرسي القريب من طاولته ، لم تستغرق وقتا طويلا في إشعال لفافة التبغ ، ولكنها كانت تبدو مرتبكة ومتوترة ، استطاعت أن ترشف رشفة من فنجان القهوة الذي قدم لها ، ولكن كان يبدو عليها الخوف نوعا ما ورغم النظارة السوداء التي تخفي عينيها إلا أن الجميع استطاعوا ملاحظة دمعة تنساب على خدها ، قطع السيد مدير التحرير حالة الترقب التي عشناها وبادرها قائلا:

كيف أستطيع مساعدتك سيدتي

عدم المؤاخذة ، أنا مضطربة ولكني أريد أن أحكي قصتي
تفضلي انا أستمع

لا….اقصد لن ينفع ، قصتي طويلة وتحتاج إلى وقت
طلب مني السيد مدير التحرير مرافقة السيدة إلى الغرفة الأخرى ، كي تحكي قصتها لأنه كان مشغولا .

اتجهت مع السيدة إلى الغرفة الثانية ، وفور دخولنا قالت السيدة:

اسمع اخي ، سأحكي كل شيء ولكن لاتسألني عن اسمي ،

لم يخطر في بالي أن أسألك عن الاسم ، يهمني أن أعرف ماالذي تريدين قوله

ما سأقوله يحتاج إلى وقت طويل
لدينا ماشئت من الوقت

في الحقيقة بدأ الفضول يحركني ، فبدوت أمام السيدة قلقا، قاطعت حيرتي قائلة :

حين سقط صدام حسين كنت في هولندا ، هل تعلم لم أصدق ، كان الأمر مفاجأة… صدام ليس في العراق ، صرت أرقص وأغني مثل المجانين، الذين حولي كلهم استغربوا فرحوا وغنوا معي …ولكن فرحتي لم تكتمل الا حين مات عدي، ورأيته ميتاً.

ولكن هذا ليس جديدا، الكثيرون غنوا ورقصوا.

بدت مستاءة جدا من مقاطعتي لها ، أشعلت لفافة وصارت تنفث الدخان بعصبية ، ارجعت رأسها مستندة على الكرسي وقالت:

ولكن أنا غير الكثيرين ، أنا، انا…..

ثم أجهشت بالبكاء، راودني شعور بالذنب لتسرعي بإطلاق جملتي ، حاولت تدارك ماقلته لكنها قالت:

أنا عندي قصة تبكي الصخر ، أريد أن أنقلها للعالم ليعرفوا ماذا عانى العراقيون والعراقيات من صدام وأولاده.

سيدتي أنا آسف ولكننا كل يوم نقرأ ونسمع الكثير من القصص ، وكلها متشابهة، ثم لماذا لم تقولي ماحدث معك قبل سقوط النظام ؟ لماذا انتظرت سقوطه كي تفضحيه؟

معك حق، ولكني كنت خائفة ، ومريضة ، وما أردت المتاجرة بمأساتي
أحسست بأنها صادقة ، وكل كلمة ستقولها ستكون حقيقة لالبس فيها ، استأذنتها ريثما تشرب فنجان القهوة الثالث، ونقلت للسيد مدير التحرير ماجرىبيني وبين السيدة الغريبةفطلب مني الاهتمام بموضوع تلك السيدة ، حملت معي الى الغرفة الأخرى آلة التسجيل ومجموعة أوراق بيضاء ، كانت تجلس كما تركتها وكانت منفضة السجائر أمامها تكاد تمتلئ تماما ، جلست قبالتها وبدأت الكــــــلام……

1
صدقني الكلام صعب علي لكني سأحاول أن أتكلم ربما لن يكفي كتاب كامل لكلامي ، ولكني واثقة بأنكم ستنشرونه ، كنت أقرا جريدتكم كثيرا حين كنت في هولندا ، وقرأت الكثير من القصص فيها ولكني لم أقرأ قصة تشبه قصتي .

حين نشرت محطات التلفزة صور عدي وقصي كان علي أن أغادر العالم الضيق الذي كنت أحبس نفسي فيه وأن أخرج الى العالم الواسع ، كان علي أن أنظر الى المرآة للمرة الأولى منذ سبع سنوات تخيل امرأة لم تنظر الى المرآة سبع سنوات كاملة لم أر وجهي إلا حين رأيت وجهه مضرجا بالدماء ، أية قسوة علمتني إياها الأيام والظروف التي عشتها كنت أخاف حين أرى دجاجة مذبوحة ولكني الآن أحكي عن موت إنسان بفرح كم أكره نفسي وأنا أقول هذا الكلام لكني في الوقت نفسه أحب أن أقوله نعم مات عدي وانتهت مأساتي

هل تتعلق قصتك بعدي صدام حسين ؟

لاتقل قصة بل مأساة ، هكذا هي مأساة ، دفعت ثمنها ودفع ثمنها الكثيرون غيري.

هل يمكن أن نبدأ الحديث؟

سأحكي كل شيء ولكن عدني أولا بأن تنشروا ما سأقوله دون زيادة أو نقصان .

كوني على ثقة بأننا لن نتدخل في الكلام الذي ستقولينه ، وسننشره كاملاً، المهم أن تكون القصة حقيقية وفيها شيء جديد.

صدقني لن أقول شيئا لم يحدث ، ولكن لن أبوح باسمي أبدا .

اسمحي لي ياسيدتي أن اختلف معك هنا ، فذكر اسمك ضروري كي يكون الموضوع الذي سننشره فيه مصداقية فقد نتهم بتلفيق القصة أو…..

قاطعتني السيدة بحدة وقالت:

الأمر حساس ، أنا من عائلة تنتمي الى عشيرة كبيرة من عشائر العراق ، ولدي طفل يبلغ العاشرة من العمر وذكر اسمي الصريح مرتبطا بما سأرويه سيسبب الكثير من الألم لعائلتي وعشيرتي ، والأهم من كل هذا فهو سيكون جرحا قاسيا لولدي ، وأنا لااريد هذا الأمر ان يحدث ، أرجو أن تقبلوا بهذا.

في الحقيقة لم أدر ماالذي يمكن أن أفعله ، لكني امتثلت لرغبتها لاقتناعي التام بأنه إذا كان ماتقوله مهماً ، فسوف يكون نشره أهم من البحث في تفاصيل أخرى .

اسمع سأختار لنفسي اسما أحبه مارأيك سأسمي نفسي /سلمى/ ؟
اسم معقول ، هل يمكن أن أعرف لماذا سلمى ؟

سلمى بنت كانت معي بالثانوي ، وماتت بحادث سيارة ، كانت أعز صديقة عندي ، وكنت ناذرة لو صار عندي بنت رح أسميها سلمى لكن الله أعطاني ولداً.

هل من الممكن أن نبدأ الآن.

نبدأ ، نعم ، لكن ،

لكن ماذا؟

أحسست حزنا يتسلل من عينيها ، ورأيت دموعا تنساب بغزارة على خديها،لم أقاطع ذلك الحزن الذي اعتراها بقوة، ظلت تبكي قرابة العشر دقائق، أخرجت من حقيبتها منديلاًومسحت عينيها ، شعرت فجأة بأنها امرأة تختلف عن تلك الجميلة التي كانت تقعد قبالتي قبل دقائق رأيت وجها شاحباً،وكأن سنوات طويلة مرت عليها، اعتذرت مني ومسحت دموعها ثم قالت بهدوء:

ساحكي ماحدث معي منذ سمعت خبر موت عدي
لكن ، لماذا لاتحكين الذي حدث معك منذ سقوط النظام؟

هذا لايهمني ، لو سقط النظام وبقي عدي حيا فلم يكن سيتغير شيء في حياتي ، لكن موت عدي هو بمثابة شهادة ميلاد جديدة لي، يوم الثلاثاء كان يوما مختلفا ، استيقظت باكرا عكس عادتي اليومية منذ ان ذهبت الى هولندا ، النزلاء في المصح استغربوا استيقاظي المفاجئ .

عفوا للمقاطعة ، مصح! وهل كنت نزيلة مصح في هولندا؟

نعم، كنت نزيلة أحد مصحات العلاج في مدينة /ماستريخت/ وبقيت في ذلك المصح ست سنوات

الحمدلله على سلامتك

شكرا ، المهم كنت نشيطة ، ومرحة بشكل مختلف ، حتى أنا استغربت ذلك من نفسي، أحسست برغبة عارمة في الرقص والغناء ، تمام الساعة الرابعة عصرا، وبينما كنت اتمشى في حديقة المصح ، نادتني الممرضة ايفا وكان يبدو عليها الذهول بعض الشيء ، دهشت واندفعت راكضة الى الداخل ، كان الجميع متحلقين حول جهاز التلفاز وكانت صورة عدي وقصي تملأ الشاشة ، أوسعت لي ديانا فجلست الى جانبها وأصغيت للخبر كان المذيع يقول بأن القوات الاميركية تمكنت من قتل عدي وقصي صدام حسين في مدينة الموصل، بعدها لم أعد أسمع شيئا ، غبت عن الوعي تماما، ودارت الكثير من الاشياء في مخيلتي ، ثم لم أعد ارى شيئا أمامي ، نهضت مترنحة ، وغادرت الصالة دون أن أنبس ببنت شفة ، أحسست برغبة شديدة في الصراخ ولكني لم أفعل كنت مذهولة تماما ، ركضت الى غرفتي واغلقت الباب ثم انفجرت بالبكاء..

هل تصدق في تلك اللحظة فكرت كثيرا بالانتحار .

الانتحار!!

نعم ، لاأدري لماذا ، ولكن هذا ماخطر في بالي في تلك اللحظة التي كنت فيها وحيدة، والدنيا لاأدري كيف أصف الدنيا ، كانت الدنيا أشبه بالسماء ، نعم السماء ، هل جربت مرة أن تكون وحيدا وأن تشعر بأن قدميك غير مرتكزتين على الأرض، صدقني هذا ماحدث معي تماما ، ولذلك فلم أقم لفتح الباب على الرغم من الطرق المتواصل عليه، لم أرغب أن يشاركني أحد ذلك الشعور الغريب الذي انتابني لم أكن حزينة ، ولم أكن فرحة ، كنت لاادري ، كنت في حالة تختلف عن الحزن والفرح كثيرا ، حالة غريبة حقا، يمكن فكرت بالانتحار لتكون تلك اللحظات التي عشتها آخر لحظات اعيشها، المهم … ظللت حتى صباح اليوم التالي حبيسة غرفتي وتلك الحالة التي انتابتني لم تفارقني وكل الذين طرقوا الباب عادوا أدراجهم لأني طلبت منهم أن يتركوني وحيدة .

هل يعني كلامك أن الذين كانوا معك في المصح كانوا يعرفون قصتك؟

بكل تأكيد ، نحن في المصح كنا أشبه بأسرة ، كلنا لدينا مشاكل وهموم ومن جنسيات مختلفة ، تصور نفسك تتقاسم الهموم مع الآخرين، كلنا كنا نحكي همومنا وحكاياتنا كي نرتاح من تلك الأشياء التي تثقل صدورنا ، كان هذا نوعاً من العلاج الذي يتبعه الأطباء المعالجون ، كان كل واحد منا يستخدم اسما يختاره وكانت اسماؤنا الحقيقية موجودة فقط في سجلات المصح ، وهي سجلات سرية لايمكن لأحد أن يطلع عليها ، استطعت خلال وجودي في هولندا الحصول على الجنسية الهولندية بمساعدة صديق لنا ، واخترت اسماً غربياً كي انسى أي شيء يذكرني بالماضي ،

اسميت نفسي /باولا/ طبعا هو مجرد اسم ولا يعني لي شيئا ، لكن كما قلت لك أردت محو الماضي تماما لكني عدت اليه وبلمحة واحدة ، بخبر بث على شاشة التلفزيون ، عدي مات وأنا عدت سنوات الى الوراء .

كانت محدثتي /سلمى/ أو /باولا/ أو مهما يكن اسمها تدخن بشراهة ، وكانت تعض باسنانها عقب كل سيجارة تدخنها ، وكانت المسجلة تدور ببطء شديد تسجل كلامها ، كانت تتحدث بعراقية ممتعة ، وتضع كلمة خويه بين كل جملتين من جملها ، طلبت مني أن أحضر لها شايا وأن أتركها بمفردها قليلا ، كانت مرهقة ، سألتها إن كانت تحب العودة في يوم آخر لمواصلة الحديث ، لكنها كانت راغبة في المتابعة ،تركتها وخرجت الى غرفة التحرير،استمعت الى جزء من الحوار المسجل وقبل أن أتم سيجارتي سمعت صوتها من الغرفة الأخرى تناديني ، عدت الى الغرفة وكانت تجلس كما تركتها لفافة التبغ بين شفتيها والتوتر والقلق مازالا يعلوان ملامحها، حين شعرت بدخولي ، قالت:

يمكن كان ذلك اليوم مثل الولادة كما قلت لك ، لكنه كان ولادة قاسية جدا
إذن ، الأسبوع الماضي كنت في هولندا ، واليوم أنت هنا إلى أين تذهبين ؟

سؤالك غريب ، أنا ذاهبة الى بغداد طبعا، حنيني الى ولدي يقتلني ، لم أره منذ غادرت البيت ليلا منذ ست سنوات ، أريد أن ارى ولدي ، وحيدي الذي يمكن أن يكون نسيني الآن ، حين مات عدي عدت الى طبيعتي السابقة ، عدت الى نفسي ، كرهت هولندا والغربة وحزمت حقائبي ، خلال يومين فقط كنت قد حجزت في الطائرة القادمة الى هنا .

تعودين الى العراق ، كهولندية أم كعراقية؟

صدقني أحب أن أعود كعراقية ، وسأسعى بكل جهدي كي أستعيد جنسيتي العراقية التي أرجو ألا تكون قد أتلفت بعد الأحداث التي ضربت بغداد وحوادث النهب والسلب الرهيبة التي تعرضت لها دوائر الحكومة ، خوية ، صدقني لم أفهم لماذا حدث كل ماحدث يعني لماذا الناس فعلوا كل تلك الأمور التي فعلوها ، أصدقائي في هولندا تضايقوا كثيرا حين رأوا ماحدث ، قالوا إن بغداد يجب ألا تسقط مع صدام .

وهل برأيك بغداد سقطت مع سقوط النظام؟

والله لا أعرف إذا كانت بغداد سقطت مع صدام أو لم تسقط ،شوف عيني أنا بحياتي لم يكن لي علاقة بالسياسة ، ولا أحب الحديث عن السياسة ، صحيح حياتي كلها تغيرت بسبب السياسة ، لكن أنا لم اتابع في حياتي نشرة الأخبار ، الشيء الوحيد الذي كان يشغلني طيلة حياتي الرياضة وهي سبب مأساتي التي دمرت حياتي

هل يمكن ان توضحي أكثر كيف كانت الرياضة سبب مأساتك؟

تغيرت نبرة صوتها، وبدت غاضبة بعض الشيء ، لكنها تمالكت نفسها وقالت:

تخرجت من جامعة بغداد عام 1990 قسم أدب انكليزي وتزوجت ابن عمتي وهو مهندس في نفس السنة ، كانت الأيام تمشي حلوة يعني مرتاحين ماكو شي يضايقنا ، قرأت خبرا في الجريدة عن وظائف لمترجمين في اللجنة الأولمبية العراقية ، طبعاً لا تتصور كم كانت فرحتي كبيرة بهذه الوظيفة يعني دراستي التي تفوقت فيها ، وأيضا الرياضة ، وفعلا قررت التقدم للوظيفة ، وقد شجعني زوجي على الفكرة .

في الثامنة صباحا من يوم السبت حملت كل الأوراق اللازمة للتقدم للوظيفة، وركبت مع زوجي في السيارة ، وقام بإيصالي الى مقر اللجنة الأولمبية العراقية .

ماذا كان يعمل زوجك في تلك الفترة ؟

كما قلت لك زوجي كان يحمل شهادة في الهندسة الكهربائية ، وكان يعمل في مصفاة الدورة .كان نشيطا ويحب عمله كثيرا ، وقد منح الكثير من المكافآت بسبب إخلاصه الشديد في العمل

هل كان هذا قبل اجتياح الكويت أم بعدها؟

لا ، طبعا قبل اجتياح الكويت ، في الشهر الثالث تم قبولي بوظيفة مترجمة في اللجنة الأولمبية العراقية ، طبعا أجري للمتقدمين اختبار شفوي وتحريري ، وأقولها بصراحة ، كان هناك الكثير من المتقدمين الذين هم أفضل مني لكن تم قبولي أنا ، ولم أدر ساعتها ماهي الأسباب، بعد ذلك فهمت

إذن تم قبولك في الوظيفة وتسلمت العمل؟

نعم ، كان الموضوع مثل الحلم بالنسبة لي ، يعني عمل رائع ، وفود أجنبية ، وخبراء، ومدربون ، وأهم شيء طبيعة العمل مختلفة ، يعني غير التدريس ، لايوجد ملل .

يبدو أنك كنت سعيدة في عملك ؟

طبعا، كل الأمور كانت تجري بخير ، الى أن جاءنا أحد المدراء وأخبرنا أن الأستاذ يرغب بعقد اجتماع لكافة العاملين في اللجنة .

الأستاذ، تقصدين عدي صدام حسين؟

نعم ، عدي ، فقد كان مجرد ذكر كلمة الأستاذ يعني أن المقصود هو عدي.

هل تتذكرين تماما متى كان موعد هذا الاجتماع ؟

طبعا ، ولايمكن أن أنساه أبداً، كان يوم الاثنين الاسبوع الاول من الشهر الخامس الساعة الثانية عشر ظهرا.

يعني بعد شهرين من تعيينك في اللجنة ؟

شهران الا ثلاثة أيام تماما.

وماذا حدث بعد ذلك؟



تابع معنا في الحلقة الثانية ..

بلومي
17-10-2004, 08:51 PM
الحلقة الثانية :

في العدد الماضي دخلت سلمى حياة صحيفتنا ، وبدأت تروي لنا قصتها التي ألحت على أن تسميها من مأساة ، وهانحن نتابع نشر تلك القصة/المأساة، دون تدخل إلا بتحويل حوار سلمى من العامية العراقية المختلطة ببعض المفردات الانكليزية والهولندية الى اللغة العربية .
كانت سلمى قد تحدثت عن بداية عملها في اللجنة الأولمبية العراقية بوظيفة مترجمة ، وكم هي أحبت ذلك العمل ، ووصلت في نهاية حديثها الى الاجتماع الذي كان مزمعا عقده والذي سيترأسه عدي صدام حسين.
و ماذا حدث بعد ذلك؟
تمام الساعة الثانية عشرة ، وفي قاعة الاجتماعات، نحن دخلنا قبل عشر دقائق أو خمس ، صدقني ، هناك بعض الناس دخلوا قبل نصف ساعة ، كنت أجلس الى جانب الاستاذ أبو هادي..
من أبو هادي؟
أبو هادي ، مسؤول علاقات عامة، يعني هو ليس مسؤولا بل موظف مهم في العلاقات العامة ، كنا نتحدث بصوت هامس ، حين فتح الباب المواجه لنا ، يعني ليس الباب الرئيسي ، بل الباب الثاني ودخل عدي وخلفه اثنان من حراسه ومعاونوه في اللجنة.
سيدتي ، ارى أنك تتذكرين التفاصيل بشكل جيد، وكأنها حدثت قبل يومين وليس منذ ثلاث عشرة سنة
شوف، خويه، الحمد لله الله أعطاني ذاكرة جيدة ولا أدري اذا كانت نعمة أو نقمة ، لكن أنا أتذكر حوادث كثيرة منذ الطفولة
بتفاصيلها؟
نعم بتفاصيلها ، مثلا اذا تحب أروي لك بعض الأحداث التي حدثت بالمتوسطة أو بالابتدائية
لا، أحب أن نبقى في موضوعنا الرئيسي اذا سمحت ، قلت بأن عدي دخل قاعة الاجتماعات ومعه الحرس والمعاونون
نعم ، وقفنا جميعا ، وكان هو يمشي بهدوء ، ويتأملنا واحدا واحدا ، جلس على كرسيه ، ووقف وراءه أحد حراسه ، وصار يتحدث عن وضع اللجنة والرياضة العراقية بشكل عام ، ووجه ملاحظات لبعض الموجودين ، طبعا كان الجميع ساكتين ، لم يقل أي منهم كلمة واحدة ظلوا ساكتين ، ويستمعون،
استمرالاجتماع حوالي الساعة ونصف ، ثم نهض عدي واقفا وغادر القاعة بسرعة ، كنت ألملم اوراقي بعد انصرافه ، وكان ابو هادي يتكلم مع واحد من المدربين على ما أظن ، أتاني واحد من الحارسين اللذين كانا مع عدي ، قال لي : الاستاذ يطلبك
طبعا ، استغربت قلت له: لكن الاستاذ راح، قال لي بنبرة غريبة: لا ، الاستاذ ماراح هو موجود بمكتبه
اتفضلي معي، حملت اوراقي وسرت خلف الحارس ، انتابني إحساس غريب ، لاأدري ، يعني نوع من الخوف والتردد.
اذن توجهت الى مكتب عدي
نعم ، كان يتحدث على الهاتف ، ويضحك
هل تتذكرين ماالذي كان يقوله ؟
لا ، يعني كلام لاادري ، ماكو شي محدد، لما دخلت انهى المكالمة ، واشار لي بأن أجلس ، جلست على الكرسي القريب من طاولته ، اشعل سيجاره وظل ينظر الي حوالي خمس دقائق
تقصدين بأنه لم يقل شيئا خلال خمس دقائق ؟
و لا كلمة ، ظل ساكتا يتأملني ، ويبتسم ، احسست بأني مثل المتهم، يعني انت مجرب مثل هذا الموقف، تجلس لمدة خمس دقائق ويمكن أكثر أمام أحدهم وهو ينظر ، دون أن تسمع منه كلمة واحدة ، نظر الى ساعته ، وابتسم ، ثم قال لي بهدوء شديد : شكرا للمقابلة ، تستطيعين الذهاب
لم أدر ماذا اقول له ، لكني قلت بارتباك : أشكرك أستاذ . وغادرت الغرفة بسرعة ، كدت أن أسقط في الممر ، تعثرت وانا انزل السلالم ، لاأدري ، صرت أحس بنفسي مثل المجنونة تماما ، أمام الباب كان حارس الاستاذ يقف بانتظاري ، توقفت أمامه ، مد يده الى جيب بنطاله وأخرج مفتاحا ، قال بتهذيب شديد ، وكأنه غير الرجل الذي خاطبني قبل قليل ، تخلى عن تلك الطريقة القاسية التي خاطبني بها أول مرة ، وصار انسانا مهذبا ولطيفا:تفضلي ، هاي هدية من الاستاذ ، ثم أضاف مازحا : يعني أحسن ماتركبين بالأمانة
الأمانة ، ماذا يقصد؟
ضحكت سلمى بعمق ، وقالت :
الأمانة ، هي باصات النقل الداخلي في العراق ، نحن العراقيين نسميها الأمانة .
ماذا يعني هذا قدم لك مفتاحا وقال لك أفضل من ركوب الباص! المفتاح كان مفتاح سيارة أليس كذلك؟
نعم هذا صحيح ، مفتاح سيارة شفر موديل 90 لونها فضي . استغربت ، لا ، بل طار عقلي ، يعني لا ادري كيف أصف لك مشاعري ، خوف ورعب ، في العراق الناس تسمع قصص عجيبة غريبة عن عدي ، وقصي ، صحيح هو مديرنا بالعمل ، لكن أنا وبصراحة لااستحق أن أحصل على سيارة بعد شهرين في اللجنة .
وهل قبلت الهدية؟
لو كنت مكاني هل كنت سترفضها ! أنا قبلت الهدية لأني لا أقدر أن أرفضها ، رفض هدية من عدي صدام حسين ليس أمرا سهلا ، يعني لايمكن أن يقوم أي واحد في العراق بمثل هذا الفعل ، أصلا قليل الناس الذين يقدم لهم عدي أو أي واحد من عائلته هدية
كأنك فرحت بالهدية ، يعني أرى أنك تضعين الأعذار لنفسك لقبول هدية عدي
عفوا أستاذ ، هذا ليس صحيحا ، قلت لك انا لم أستطع رفض الهدية ، ولم أقل لك بأني فرحت بالهدية .
أخذت مفتاح السيارة ، وماذا فعلت بعد ذلك؟
أنا كنت أجيد القيادة ، ولكن لم يكن عندي رخصة سوق ، انتظرت حتى ذهب الحارس ، وتركت السيارة في مكانها ، أخذت سيارة تاكسي ورجعت الى البيت ، فتحت الباب ودخلت مسرعة ، لأن الهاتف كان يرن ، رفعت السماعة ، وجاءني صوت غريب يقول لي : إن شاءالله تكون الهدية أعجبتك ، ولو إني عاتب عليك.
طبعا كان المتحدث هو عدي، ارتبكت وقلت : السيارة ، نعم ، شكرا أستاذ ، الحقيقة لاأدري كيف أشكرك....
قاطعني ضاحكا ، وقال : لكن قلت لك بأني عاتب عليك
خير أستاذ ، هل بدر مني شيء جعلك تعتب عليّ، أقصد أنا لم أفعل شيئاً
ضحك بشدة وقال: مدام الهدية بقيت أمام باب اللجنة ، هذا معقول
أستاذ أنا ليس لدي رخصة قيادة ، ولا يمكن أسوق السيارة من دون رخصة المرور يخالفوني
رد علي بلهجة قاسية: المرور لايخالف سيارة عدي صدام حسين ، السيارة بعد قليل ستكون أمام باب بيتك ، وغدا تركبينها وتذهبين الى عملك ، وأي شرطي يتجرأ ويقوم بتوقيفك حسابه عندي ، اتفقنا
اتفقنا أستاذ
هل يلزمك شيء؟
لا أبدا ، سلامتك أستاذ .
أغلقت سماعة الهاتف ، وتهاويت مذهولة على مقعد قريب ، كنت مثل الغايب عن الوعي ، حتى أني لم أنتبه إلى أن زوجي قد دخل إلى البيت ، كان يقف قريباً مني وينظر إليّ ، مستغرباً:
مابك ؟ قالها ، والدهشة بادية عليه ثم أضاف : تعبانة ؟
لا أبداً حبيبي ، ماكو شي ، شاردة شويه ، تدري اليوم سلموني سيارة من اللجنة
سيارة ، دفعة واحدة ، ألف مبروك ، أين هي ؟
في الخارج ، أمام الباب ، ألم ترها حين دخلت ؟
لا لم أر شيئاً
لايمكن .
اندفعت راكضة الى الخارج ، وكانت السيارة تقف قرب سيارة زوجي الذي وقف مندهشا وقال :
أقسم بالله بأنها لم تكن موجودة حين أتيت
حبيبي ، كيف لم تكن موجودة ، يمكن أنت لم تنتبه .
عفوا سيدتي ، كيف كنت متأكدة من أن السيارة موجودة في الخارج ، على الرغم من أنك تركتها أمام باب اللجنة الأولمبية ، أين يقع بيتكم ؟
يعني أنا كنت متأكدة ، لاأدري يمكن لأن عدي قال لي بأن السيارة ستكون أمام باب البيت بعد قليل ، ومقراللجنة يبعد عن بيتنا بحدود ربع ساعة بالسيارة ، كنا نسكن في المنصور قرب الأسواق المركزية ، ومقر اللجنة بشارع فلسطين ، يمكن حتى اقل من ربع ساعة .
ماذا فعل زوجك بعد ذلك ؟
لم يفعل شيئا ، بارك لي مرة ثانية ، وقال لي إني لازم أحصل على شهادة قيادة .
مدام ، هل يمكن أن أسألك لماذا أخفيت الحقيقة عن زوجك؟
أية حقيقة؟!
حقيقة السيارة ، واتصال عدي بك ، ولقائك به
أنا لم أخف تلك الأشياء عنه بقصد ، لكن لم أرغب في إزعاجه ، كان زوجي حساسا جدا ، وكنت أعرف طبيعته جيدا ، واذا قلت له تلك الأشياء كان سيغضب ، وسينزعج ، وأنا لا أريد إزعاجه .
يعني في رأيك الموضوع كان مزعجاً؟
طبعا مزعج ، مزعج جدا أيضاً ، وصدقني أنا الآن نادمة كثيرا لأني لم أخبر زوجي بما حدث في وقتها يمكن كانت الأمور ستكون مختلفة ، يعني كان ممكن الذي حدث لم يحدث، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل ، أحيانا الشيطان يصور الأمور للإنسان عكس ماهي في الواقع ، ربما لو قلت له لما دفعنا الثمن جميعنا .
صارت سلمى تبكي بألم ، ولم أدر ماالذي يمكن أن أفعله لمساعدتها ، غادرت الغرفة وأحضرت لها كأس ماء وعدت ، تناولت من يدي الماء وشربته دفعة واحدة ، مسحت دموعها ، وتابعت الحديث:
مر أسبوعان دون أن يتصل بي عدي أو يرسل لي أحدا من طرفه فحمدت الله أن الأمور كانت تسير بهذه الصورة ، لا أخفيك كنت أحس أن هناك تهامسا في اللجنة حول موضوع السيارة التي قدمها الأستاذ لي يعني حضرتك تعرف الناس يتكلمون ، ليس علناً أكيد بل همساً، وصرت أحس أن هناك من يلاحقني أينما ذهبت ، قال لي أبو هادي مرة : انتبهي جيدا ياابنتي ، أنت جميلة ، والعيون كلها تلاحقك ، قلت له مستغربة : ماذا تقصد ؟ قال : أنا لاأقصد شيئا ، المهم أنت مثل ابنتي .
بعد أسبوعين تماما جاءني الى مكتبي في اللجنة واحد من رجال عدي وأخبرني أن الاستاذ يطلبني الى مكتبه ، تعرف كنت كأني أنتظر هذا الاستدعاء فربما ارتاح من القلق الذي كنت أعيش فيه ، كان ثمة شيء يجعلني دائما وطيلة الأيام التي مرت قبل أن يطلبني عدي الى مكتبه أشعر بنوع من التوتر ، زوجي لاحظ ذلك وسألني أكثر من مرة عن السبب وكنت أقول له بأن السبب هو التعب من العمل والحمل
الحمل؟
نعم ، لقد كنت حاملا في الشهر الأول
ذهبت اذن لمقابلة عدي بعد أن طلبك الى مكتبه
طبعا ، دخلت الى المكتب ، وكان يجلس على الأريكة وليس على كرسيه ، فور دخولي بادرني قائلا:
أهلا بمترجمتنا الشجاعة ، كيف الأحوال ؟
الحمد لله ، الله يخليك أستاذ
أشار لي بأن أجلس إلى جانبه فجلست ، كانت الأريكة كبيرة ، نظر إليّ وأنا جالسة ، تأمل وجهي بشكل فيه شيء من الوقاحة ، ثم قال : مرتاحة بالشغل ؟
الحمدلله أستاذ مرتاحة ، وأشكرك على السيارة
السيارة ! آه تذكرت ، هذا شيء بسيط ، أنت موظفة ممتازة ، وتستحقين أكثر من ذلك ، زوجك مهندس بالدورة أليس كذلك؟
نعم أستاذ
مرتاح في العمل ؟
نعم أستاذ
إن شاء الله لايوجد إزعاج
لا الحمدلله أستاذ ، ماكو أي إزعاج ، الامور بخير
أنا ، أنت تعرفين الناس الذين يعملون معي أحب أن يكونوا مرتاحين تماما ، ولا ينقصهم شيء.
الله يخليك أستاذ
سكت عدي ، وماعاد يتكلم نهض ، وسار باتجاه طاولة مكتبه ، حمل جهاز التحكم وأدار التلفزيون ، ثم أشعل سيجاره ، وصار يتفرج على برنامج كان يبث على التلفزيون، التفت إلي وقال ضاحكا:
مدام ، ممكن أن تذهبي اذا أردت
شكرا أستاذ
لم يجب ولم يلتفت الي ، غادرت مكتبه ، وتوجهت الى مكتبي، جلست شاردة حتى وقت نهاية الدوام، يعني لم أفهم ماالذي يريده هذا الشخص الغريب الطباع
ألم تفكري بترك العمل بسبب هذه التصرفات الغريبة؟
لا أبدا ، يعني كانت تصرفاته لاتوحي بأي شيء ، كان ورغم كل مايقال عنه من حدة الطبع والقسوة وحب التسلط ، هذه الصفات كان الناس كلهم يعرفونها عنه ، لكنه كان هادئا ومريحا اثناء حديثه ، ولو أن تصرفاته كان فيها شيء من الغرابة ، المهم ، الأمور استمرت هكذا حتى جاءني في احد الأيام وقبل أن أغادر مقر اللجنة متوجهة الى بيتي ، جاءني مرافقه وقال لي الأستاذ عنده سهرة غداً وهو يدعوك للحضور بمفردك ، طبعا لاأدري احسست بأني لم أسمع بشكل جيد ، تصدق ، دخت وصرت اشوف الدنيا تدور ، سألت المرافق: عفوا ماذا قلت؟
أجابني بشيء من الانزعاج :قلت لك الاستاذ يدعوك لحضور سهرة في مزرعته، الساعة السابعة سوف آتي لاصطحابك من أمام منزلك غداً في السادسة والنصف .
دارت الأرض بي ، لم أدر ماذا أصابني ، أحسست كأن أمعائي تقطعت ، لم أعد قادرة على رؤية شيء مما يحدث أمامي ، لم أعد أرى ذلك المرافق ذا السحنة الكريهة ، صدقني تمنيت الموت في تلك اللحظة قبل أن أقول للمرافق: سهرة ، لكن زوجي لايقبل أن أذهب
ضحك المرافق وقال بغطرسة: لما الأستاذ يدعوك ، يجب أن توافقي ، هذه الدعوة غير قابلة للمنقشة أو الرفض ، مفهوم
انفجرت غاضبة ، وصرخت في وجهه : قلت لك لاأستطيع ، أنا امرأة متزوجة ، وهذه السهرات لاتناسبني ، افهمني ، افهمني ، افهمني أرجوك.
رد ببرود شديد : أفهمك ؟ لماذا تطلبين مني أن أفهمك إذا كان كلامك أصلا ليس مفهوماً؟ الموضوع بسيط ولايحتاج الى كل هذا الصراخ ، إما أن تكوني مع الأستاذ أو أنت تعرفين ماالذي يمكن أن يحدث.
يعني أن تكوني جاهزة ومستعدة في تمام الساعة السادسة والنصف غدا ، ولا تذهبي الى العمل في الصباح حتى تكوني مرتاحة أثناء السهرة، هذه هي التعليمات وعليك تنفيذها


في الحلقة الثالثة :

كان الخوف والاستغراب يعم الشوارع والبيوت ، لم يدر أحد حقيقة مايجري ..

لننتظر ونرى ..