تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا جعل الله يوم القيامة من الغيوب



د.اسامة الحاتم
04-11-2004, 09:43 PM
من رسائل النور ..
لشيخنا الجليل سعيد النورسي رحمه الله و نفعنا بعلمه وحشرنا معه تحت لواء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

غيب يوم القيامة
مثلما حجبت امور غيبية كالاجل والموت ، لحكم ومصالح شتى ، فان القيامة ـ التي هي سكرات موت الدنيا واجل البشرية وموت الحيوان ـ قد اخفيت كذلك لمصالح كثيرة .
اذ لو كان الاجل ـ أي الموت ـ معينا وقته ، لاختلت الموازنة بين الخوف والرجاء ، تلك الموازنة المبنية على مصالح وحكم ، اذ كان نصف العمر يمضي في غفلة مطبقة ، يعقبه خوف رهيب كمن يساق خطوة خطوة نحو المشنقة .
واجل الدنيا وسكراتها ـ أي القيامة ـ يشبه هذا تماما ، اذ لو كان وقتها معينا ، لكانت القرون الاولى والوسطى غير متاثرة بفكرة الاخرة الا قليلا ولا تنفعل بها الا جزئيا ، اما القرون الاخرى فكانت تعيش في رعب مستديم ، وما كانت لتبقى ـ حينئذ ـ للحياة متعة وقيمة ، ولا للعبادة ـ التي هي طاعة الفرد باختياره ضمن الخوف والرجاء ـ اهمية وحكمة .
ثم .. لو كان وقت القيامة معينا ، لدخل قسم من الحقائق الايمانية ضمن البديهيات ، أي يصدق بها الجميع سواء ارادوا ام لم يريدوا ، ولاختل عندئذ سر التكليف وحكمة الايمان المرتبطان بارادة الانسان واختياره .
وهكذا اخفيت الامور الغيبية لاجل مصالح كثيرة امثال هذه ، فصار الانسان يتوقع مجئ اجله كل دقيقة مثلما يتوقع بقاءه فيها ، ويفكر فيهما معا ، ويسعى بجد للدنيا سعيه للآخرة ، ومثلما يتوقع قيام الساعة في كل عصر ، يتوقع دوام الدنيا فيه ايضا ، ومن هنا غدا الانسان متمكنا من العمل للحياة الابدية وهو ينظر الى فناء الدنيا ، ويعمل في الوقت نفسه لعمارة الدنيا وكانه يعيش ابدا .
ثم انه لو كان وقت المصائب والبلايا معينا ، لتجرع الانسان اذى والما معنويين من جراء انتظاره وقوع المصيبة ونزول البلاء اضعاف اضعاف الم المصيبة نفسها ، لذا سترت الحكمة الالهية ورحمتها الواسعة المصائب ، فظلت مخفية عن الانسان ومستورة عنه ، فلا يتاذى بمثل ذلك الالم المعنوي .
وحيث ان اغلب الحوادث الكونية الغيبية تتضمن امثال هذه الحكم ، فقد منع الاخبار عن الغيب ، وحتى الذين يخبرون عنه باذن رباني ، فقد اخبروا عنه اخبارا على صورة اشارات فقط ، مع شئ من الابهام دون الصراحة المكشوفة ، فيما عدا الحقائق الايمانية وما هو مدار التكليف ، وذلك لئلا يكون هناك قلة توقير وعدم امتثال كامل للدستور الالهي :
(( قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله )) .
بل حتى البشارات التي وردت في حق رسولنا الكريم (  ) في التوراة والانجيل والزبور قد جاءت بشئ من الابهام وعدم التصريح مما حدا باناس من اهل تلك الكتب ان يؤولوا تلك الاشارات فلم ينعموا بالايمان بالرسول الكريم (  ) .
اما المسائل التي هي ضمن العقائد الايمانية فبمقتضى حكمة التكليف بحاجة الى تبليغ امين ووضوح تام وصراحة كاملة وتكرار ، لذا فصّل القرآن الكريم ومبلغه الامين (  ) وبيّنا بيانا وافيا امور الاخرة ، في حين انهما ذكرا الحوادث الدنيوية المستقبلية ذكرا مجملا .