تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موت الروح



د.اسامة الحاتم
04-11-2004, 10:23 PM
موت الروح

لم يعد احد في ايامنا هذه ينكر الروح ، ففي اواسط القرن الماضي ، سرت موجة انكار الروح الى العالم وانتشرت بين الناس ، واصبح من يؤمن بالروح ، يتهم بتمسكه بافكار عتيقة بالية ، اما اليوم ، فان من ينكر الروح ، ينظر اليه الناس بضجر ، ولا يكلف احد نفسه عناء مناقشته ، واصبح من المسلمات والبديهيات دور الروح في حياة الانسان وسعادته وشقائه ، ومثلما يضعف جسد الانسان ويمرض واذا طال عليه المرض مات ……… تضعف روح الانسان وتمرض واذا طال عليها المرض ماتت .
كيف تعيش الروح وكيف تموت ؟
بالنسبة للناس الذين انعم الله عليهم بنعمة الايمان فانهم يعرفون ان للروح غذاء ـ مثلما للجسد غذاء ـ وان غذاء الروح هو في اتصالها بمصدر طاقتها وحيويتها …. الله سبحانه وتعالى ، فكلما اتصل الانسان بربه بصلاة او دعاء او ذكر ، تجددت طاقته الروحية ، كما تتجدد طاقته الجسمية بعد غذاء شهي اثر جوع شديد ، او نوم عميق مريح اثر تعب واجهاد ، او متعة جسمية اثر حرمان طويل ، ولهذا كان الرسول (  ) اذا أهمه امر فزع الى الصلاة ـ أي الى ربه الكريم يستمد منه المزيد من القوة لمواجهة اعباء الدنيا وهمومها ـ وكان يقول اذا حان وقت الصلاة : ارحنا بها يا بلال .
اما بالنسبة للناس الذين حرمهم الله نعمة الايمان به ، فغذاء الروح عندهم متع الدنيا وشهواتها : الموسيقى والجنس والمال ولعبة النفوذ والسيطرة ، واذا أهم أحدهم أمر او وقع في مشكلة …. فانه يلجأ الى كل سراب ويطرق كل باب ، الا باب الله ، تكبرا واستنكافا ، يلجأ الى الخمر والى الدجل والمصحات النفسية والعقاقير التي تتلاعب بالتركيب الكيمياوي للدماغ ، كبديل عن التاثير الذي يتركه ذكر الله بالنسبة الى الانسان المؤمن ، وهم يستفيدون من ذلك ، ولكن كيف يستفيدون ؟
ان الانسان اذا دخل غرفة مظلمة ، يبحث عن شئ ما ، فانه يستطيع ان يجده اذا ما استعان بنور شمعة ضئيلة ، ويستطيع ايضا ان يجده اذا ما استعان بنور ثريا هائلة ، يستطيع ان يجده في الحالتين … ولكن شتان بين نور الشمعة الضئيل الذي يوصله الى ما يريد بعد تعب وعناء ووقت طويل ، ونور الثريا الذي يكشف امامه كل شئ بلحظات ، وهو نفس الفرق بين من يستعين بالموسيقى وبين من يستعين بذكر الله .
وانا اتوجه بمقالي هذا الى الذين لازال عندهم شئ من نور الله ، لينقذوا انفسهم قبل فوات الاوان ، اما الذين يصمون آذانهم عن سماع كلمة الله ، فهم وما اختاروا …
هل تعرفون ـ قرائي الاعزاء ـ ماذا يعني موت الروح ؟ …. انه ما يعرف بالكآبة ، ولا اقصد بالكابة : الحزن والاحباط الذي يشعر به أي منا في وقت ما ، ولكنني اقصد هذا المرض الفتاك الذي يسمى : سرطان الروح ، والذي من أهم علاماته ان المريض به لا يشفى ابدا …. !!
ماهي الكآبة ؟ وما هو موت الروح ؟
انه الاحساس بالفراغ الدائم ، وعبثية الحياة والوجود ، واليأس من كل شئ ، انه الانصات الى كلمات الله التي تفضل علينا بها في كتابه الكريم وكأنها كلام عادي لايحدث اثرا ولا يحرك ساكنا ، والمرور بالقبور وكانها ابنية عادية لاتذكر احدا ولاتنذر بشرا ، انه الانصراف الى الدنيا ومتعها في محاولة من المريض البائس لملء الفراغ الذي يحس به ، بالموسيقى او الجنس او الخمر او كلها اوغيرها ، ولا يجد المريض راحة في ذلك كالعطشان الذي يشرب من ماء البحر ، كلما شرب اكثر كلما ازداد عطشه اكثر ، وكلما مرت الايام ، ازداد المرض استفحالا وازداد المريض تدهورا ـ لان روحه تزداد ضعفا بمرور الايام ـ وهو يعاني ويكابر ويحاول علاجا آخر وآخر في دوامة مفرغة رهيبة لا تنتهي .
الى هؤلاء اتوجه بكلامي هذا ، فاقول لهم : ان الطريق للشفاء هو في الاتصال مع مصدر الشفاء … الله … ، فهو الوحيد القادر على ذلك ، لان للكآبة اسما آخر هو الكفر ، وهذا ليس كلاما انشائيا بل هو حقيقة علمية ، ففي كتاب تدريسي في الكلية الطبية عن موضوع الكابة ، يصف الاستاذ المختص بالامراض النفسية اعراض المرض فيذكر في مقدمتها : شعور المريض انه مبعد او بعيد من الله ، وشعوره دائما بالذنب دون سبب يفهمه هو ، وهذا النص الحرفي لما ورد في ذلك الكتاب ، وهذا هو الكفر بعينه كما يعرّفه الاسلام ، وعلى من اراد التوسع مراجعة ذلك الكتاب التدريسي .
كيف العلاج لهذا السرطان :
ان علاج موت الروح ليس امرا سهلا ابدا ، فهو مرض عضال لانه يتصل بروح الانسان وجوهره ، وهو يحتاج الى صبر طويل وعزيمة كبيرة ، فهذا الانسان الذي وقع فريسة لهذا الداء الوبيل لم يعد يؤثر فيه شئ ، ولم يعد يحركه شئ ، واهل العلم يقولون ان هذا المرض ـ الكآبة او موت الروح ـ هو الران الذي ذكره الله عزوجل في كتابه الكريم في معرض حيثه عن معاناة الكفار في الدنيا بقوله سبحانه وتعالى : (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) ، وهذا الران هو صدأ القلوب الذي يعميها عن تذكر الله وعن التفكر في مصير الانسان في حياته الدنيا والاخرة ، وهذا امر يحتاج علاجه الى صبر عظيم ووقت طويل ، و كما يعالج المريض المدنف الذي استفحل به المرض الجسمي بالتدريج والصبر على مرارة الدواء ، يعالج موت الروح بالتدريج والصبر على مرارة الدواء ، نعم … في اول الامر يشعر الانسان بضجر شديد وتعب من قراءة القران ومن الذكر ومن الصلاة ويتثاقل عنها ولايجد لها طعما ، الى ان ياذن الله بشفائه فيحس آنذاك بحلاوة ذكر الله ويشعر بان الصلاة تريحه من عناء الدنيا وهمومها ومتاعبها ، مثلما كان الرسول  ) ) يصفها .
الا يضجر الانسان المريض من الحاحنا عليه بتناول الدواء والاغذية المفيدة له ، ويقول لنا انه لا يحس باي شهية لها وانه يتجرعها تجرعا ، الى ان يستعيد قواه تدريجيا ويطلب هو ما يشتهي من غذاء ؟ .. هذا مثل ذاك .
ومع مداومة الاتصال بالله عزوجل ، وتذكر الانسان للحقيقة الكبرى الوحيدة في حياتنا المادية وهي اننا جميعا ميتون لا محالة ، ومع الالحاح في التوسل الى الله سبحانه وتعالى ، تبدا الروح في الانتعاش شيئا فشيئا ، الى ان تستعيد رغبتها الطبيعية في القرب من الله وفي استمداد القوة منه ، ويقترب المريض من الشفاء تدريجيا الى ان يفيق يوما من الايام على حقيقة امره : وهي انه كان على شفا حفرة فانقذه الله منها

MA7ROM
05-11-2004, 07:03 PM
إستاذى العزيز

فعلا قلت فأحسنت القول

وشبهت فأجدت التشبيه

ومن أجمل ماقلته في مقالتك هذه العبارة الرائعه والتشبيه الاروع




ان الانسان اذا دخل غرفة مظلمة ، يبحث عن شئ ما ، فانه يستطيع ان يجده اذا ما استعان بنور شمعة ضئيلة ، ويستطيع ايضا ان يجده اذا ما استعان بنور ثريا هائلة ، يستطيع ان يجده في الحالتين … ولكن شتان بين نور الشمعة الضئيل الذي يوصله الى ما يريد بعد تعب وعناء ووقت طويل ، ونور الثريا الذي يكشف امامه كل شئ بلحظات ، وهو نفس الفرق بين من يستعين بالموسيقى وبين من يستعين بذكر الله .




نعم للروح غذائها التى تطلبه من محتويها

وتستجديه حتى إذا حانت ساعتها المحتومه خرجت مع حشرجت الى بارئها ومنشئها أول مرة فتجد معه الطمئنينه والامان والراحة والسعادة بقربها منها

فهى تغذت جيدا واحسن صاحبها إطعامها الطعام الطيب والخير والعظيم

وان كان طعامها الجنس والرذيلة والخمر والحرام كانت روحا سيئة الريح والمنظر لها ولصاحبها اعاذنا الله واياكم من ذك الطعام وسوء الخاتمة

للاسف نجد اغلب شباب وشابات هالوقت يلجأ لذلك الطعام الفاسد والمفسد بهذا الوقت اثناء مرحلتهم العمرية الشابه وكل واحد فيهم يقول لازلت صغيرا على الموت والالتزام بما أمر الله

فالعمر طويل ومديد (وكأنه يعلم الغيب ومتى ساعته؟؟) عندما اكبر واتعدى مرحلة ثلاثينات او اربعينات العمر التزم مسجدى وسجادتى للصلاة الى ربي

وكأنهم لايعلمون انهم محاسبون على كل فعل يصدر منهم بعد بلوغهم ولا طائل من التعذر بتلك الحججة والافكار

فأحسنوا الطعام يا شباب وشابات هذه الامة الاسلامية

أحسنوا الطعام واختياره

فلا منقذ لكم يوم القيامة الا انفسكم

فكل واحدا فينا منشغله بنفسه يوم ذاك

عسي ان يكتب الله لنا الخير فيه ويسكنا فسيح جناته

وغفر الله لى ولكم ماتقدم من ذنبا وما تأخر

مع تحياتى تقديرى على هالمقالة الرائعه والنصيحة المعبرة

اخوك محروم

سهم الاسلام
05-11-2004, 11:14 PM
بارك الله فيك .. أخي الحبيب الدكتور أسامة الحاتم .. جزاك الله خيراً موضوع جميل جداً فعلاً كما قال الأخ الحبيب محروم.. و الحمدلله على سلامة ، أين كنت ؟ و رمضان مبارك إن شاء الله .. :) .. و السلام ..

د.اسامة الحاتم
20-11-2004, 11:31 AM
اخي العزيز واستاذي الكريم MA7ROM

ان كلماتك الرائعة التي تفضلت فوصفت بها مقالي لهي فخر كبير لي

ثم ان تعليقك الرائع عن مكائد الشيطان الذي يزين للانسان التسويف وتاجيل التوبة والعمر يسير من محطة الى محطة حتى يصل نهايته

ان تعليقك هذا قد اغنى الموضوع اكثر واكثر



اسال الله عزوجل ان يجعلني بمستوى ثقتك الغالية

وجزاك الله عني خير الجزاء

د.اسامة الحاتم
20-11-2004, 11:38 AM
اخي الفاضل سهم الاسلام

حياك الله وجمل ايامك بالصحة والسعادة
واعذرني انت وجميع الاعضاء الكرام على تاخيري في الرد هذه المرة لظروف قاهرة خارجة عن ارادتي تتعلق بوضعنا العام الذي لا يخفى عليكم
نسالكم الدعاء لنا ودمتم بخير

Batistuta
20-11-2004, 11:39 AM
جزاااااااااااك الله خير أخي الحبيب أسامه

موضوع متميز

والله يعينك ويوفقك وينصركم إن شاء الله




سلام عليكم:)

د.اسامة الحاتم
20-11-2004, 12:06 PM
اخي الحبيب حد السيف
بارك الله فيك وشكرا على مرورك الذي اسعدني وشرفني
وارجو ان اكون عند حسن ظنك دائما
ودمت اخا كريما

soe_lover
21-11-2004, 03:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بارك الله فيك يا أخى ( د. أسامة حاتم ) على هذا الموضوع الغاية فى الروعة , و نرجو منك المزيد من المواضيع الرائعة

أخوك
Soe_Lover

د.اسامة الحاتم
11-01-2005, 09:38 PM
اخي الكريم soe_lover شكرا جزيلا على مرورك الكريم وتعليقك الجميل واسف اشد الاسف على تاخيري في الرد لظروف لا يد لي فيها ولا حيلة حفظكم الله من كل سوء