المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليمونة



د.عبدالعزيز
07-11-2004, 08:34 PM
ليمونة

قصة قصيرة في الأدب السياسي


(مستلة بتصرف من روايتي "تهمة الإخلاص")


د.عبد العزيز بن سعيد الغامدي



أوقف فالح سيارته في الساعة الخامسة بعد الظهر أمام باب منزله الذي يحتوي على إثنين وعشرين غرفة للنوم وحديقة ومسبح كبير، دخل فالح إلى منزله مسرعاً وبيده اليمنى ليمونة صغيرة مصنوعة من المطاط، ذهب إلى غرفة الجلوس، وصل إلى باب غرفة الجلوس، بدأ يسمع بكاءً، بدأ يسمع صراخاً، نظر جيداً إلى المجلس، رأى إبنه الوحيد محمد الذي يبلغ من العمر خمس سنوات، يقف محمد في الركن الأيمن البعيد للمجلس، يبكي محمد، يصرخ محمد ويديه على عينيه، سأله والده: "أين أمك؟ أين مربيتك كرستين؟ أين معلمك ديفيد؟ أين السائق راجيف؟ أين الخادمة كولا؟ أين مديرة المنزل لادا؟ أين الطباخ بلفور؟ أين حارس المنزل نويل؟ أين البستاني ماوتسي؟" محمد لا يجيب، محمد مازال يبكي، محمد مازال يصرخ، " لا تبكي، لا تبكي، لا تبكي؟ قلت لك لا تبكي، بكاءك هذا يزعجني، سأعاقبك، لا تبكي، ألا تفهم؟" فالح يقول متسائلاً وهو يداعب ليمونته، ينقلها من يد إلى أخرى، طفله محمد لا يريد أن يتوقف عن البكاء.



قرر فالح مغادرة منزله، لقي فالح السائق عند الباب الخارجي للمنزل، "بابا، كيف هال بابا؟ ماما فالهه، ديفيد، كولا، لادا، بلفور، كرستين، ماوتسي، نويل، كلّه، كلّه، أنا يودي، كلّه يروه كسُر مال أم رازان، أسان فيه هفله كبير مال ولد سَكِير، آسي ولد مال أم رازان أُمر واهَد سنه، هذا يوم واهَد سنه، أم آسي سوي هفله كبير كبير كبير، كسُر مال أم رازان بابا كبير كبير كبير، أربئه وكمسين كُرفة نوم، كبير كبير، كل ناس يروه، ماما فالهه يكول أنا لازم يزي يزيب فستان اهمر هلو وسَنته مال دهب، بئدين يروه هفله" السائق لفالح، "طيب، طيب، باي" فالح لراجيف.



دخل راجيف إلى المنزل ليأخذ حاجته، سمع بكاءً، سمع صراخاً، أسرع في خطواته، وصل إلى غرفة الجلوس، " لِيس يبكي؟ ليس يبكي؟ أنا لازم كَلَّم ماما، الو، الو، ماما، ماما فالهه، فيه ولد مال إنتا يبكي، أنا يسأل ليس يبكي؟ ما يِكَلَّم أنا، بابا يمكن يُدرب ولد مال إنتا، يمكن كَسَّر راس ولد مال إنتا، أنا ما فيه مئلوم ماما، لازم يزي ماما يسوف ولد مال إنتا ماما"، "لا أستطيع أبداً الحضور يا راجيف، اليوم حفلة عاصي، أم رازان لن تكون سعيدة لو فعلت ذلك، أَسكِته بأي شيء، قطعة حلوى مثلاً، أعطه بطاقة القنوات الفضائية، إفعل ما تريد وما تستطيع، فقط لا تهاتفني، لا تنسى أن تأتي بما طلبت منك، أُو كي، مِرسي"، أخذ راجيف قطعة حلوى من المطبخ، ذهب بها إلى محمد، أختلطت دموع محمد بلعابه وعرقه وإفرازاته الأنفية، قدّم راجيف الحلوى لمحمد، محمد رفض إستلامها، واصل محمد البكاء، وضع راجيف الحلوى على الطاولة قريباً من محمد.



15


غادر راجيف المنزل، مضى من الوقت ساعة، ساعتان، ثلاث ساعات، خرج محمد وهو يبكي من غرفة الجلوس بإتجاه الباب الخارجي للمنزل، ينظر إلى اليمين، إلى الشمال، إلى الخلف، إلى الأمام، إلى الأعلى، تفصل الحديقة بمسبحها الكبير بينه وبين الباب الخارجي، ملأ الظلام المكان، ملأ الهدوء المكان، يسير محمد على غير هدى، لا يرى شيئاً غير أضواء سور المنزل، لا يسمع إلاّ صوته وهو يبكي، لا يرى حتى يديه من الظلام، أزداد بكاءه، سار مسرعاً إلى اليمين، سار مسرعاً إلى الأمام، سار محمد وسار وسار وسار، أسرع محمد وأسرع وأسرع وأسرع، سار محمد إلى أن سقط، أسرع محمد إلى أن سقط، سقط محمد، سقط في الهدوء، سقط في الظلام، سقط في الماء، سقط في المسبح الكبير، حاول الخروج، حاول وحاول، وحاول وحاول، وكلما حاول حاول، وكلما حاول فشل، وكلما فشل حاول، يحاول لعل أحد في هذا الظلام يسمع طفولته، يحاول لعل أحد في هذا الظلام ينقذ براءته، يحاول لعل أحد في هذا الظلام ينتشل جسده، يحاول لعل أحد في هذا الظلام يمسح دموعه، يحاول وكلما يحاول يصرخ، يحاول وكلما يحاول يستغيث، يحاول وكلما يحاول يرفع يديه إلى الأعلى، يحاول وكلما يحاول ينادي أمه، يحاول وكلما يحاول ينادي آباه، يحاول وكلما يحاول ينادي طفولته، يحاول وكلما يحاول ينادي أقرانه، يحاول وكلما يحاول ينادي أقلامه، يحاول وكلما يحاول ينادي دفاتره، يحاول وكلما يحاول ينادي ألعابه، يحاول وكلما يحاول ينادي أحلامه، يحاول وكلما يحاول ينادي آماله، يحاول وكلما يحاول ينادي طموحاته، يحاول وكلما يحاول ينادي الماضي، يحاول وكلما يحاول ينادي الحاضر، يحاول وكلما يحاول ينادي المستقبل، وظل يحاول ويحاول مرات ومرات إلى أن قال: "لا، لا، لا" واختفى محمد كاملاً تحت الماء ليزيد الهدوء في المكان هدوءاً وليزيد الظلام في المكان ظلاماً.



عاد الأب والأم ومن معها إلى المنزل في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ذهب كل منهم إلى غرفة نومه الخاصة مباشرة، أستيقظ فالح في الساعة الخامسة صباحاً مذعوراً، صرخ قائلاً ومتسائلاً: "ليمونتي، ليمونتي، أين هي؟ أين ليمونتي؟" بحث عن ليمونته، بحث عنها في كل ركن من أركان غرفة نومه، وبعد البحث المضني، وبعد العناء، وبعد الخوف، وبعد الحسرة، وبعد القلق، وبعد الشعور بالضياع، وبعد الدموع، وبعد الأحزان، وجد فالح ليمونته، وجدها، فالح وجد ليمونته، وجد غاليته، وجد حبيبته، وجد معشوقته، وجد شريكة حياته، وجد أسيرة قلبه، وجدها قد سقطت منه وهو نائم بجانب سريره، أخذها، رمى بها إلى الأعلى، راقبها، أبتسم لها، قفز ليمسك بها قبل أن تسقط على الأرض، إرتمى على سريره برفقتها، واصل نومه وهو ينظر إليها ضاحكاً مستبشراً وسعيداً.






مفتاح :




هال = حال

فالهة = فالحة

يروه = "يروح" / يذهب

كسُر = قصر

عسان = "عشان" / من أجل

هفلة كبير = حفلة كبيرة

سَكير = صغير

آسي = عاصي

أُمر = عُمْر



واهد = واحد

سوي = تُقيم

أربئه وكمسين كُرفة = أربعة وخمسون غرفة

يكول = يقول / تقول

يزي = "يجي" / يأتي

يزيب = "يجيب" / يُحضر

أهمر = أحمر

هلو = حلو

سنته = "شنطة" / حقيبة



دهب = ذَهَبْ

ولد مال إنتا = مُحمد

ليس = "ليش؟" / لماذا؟

كَلَّم = "يكلم" / يتصل

إنتا = أنت / أنتِ

يُدرب = يَضرب

راس = رأس

مئلوم = معلوم

أنا مافيه مئلوم = أنا لا أعلم

يسوف = "يشوف" / يرى، شاهد




















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


*بريد إلكتروني:aalghamidi@hotmail.com


جامعة م.سعود، كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية ، ص.ب 2456، الرياض 11451

تلفون 4675430