المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منـاظرة بين..السيف والقلم



درع المجاهدين
15-11-2004, 08:50 PM
مناظرة . . بين السيف والقلم




لزينالدين عمر بن الوردي المتوفى سنة 749 هـ








بسمالله الرحمن الرحيم










لمَّاكان السيفُ والقلمُ عُدَّتي العمل وَالقَوْل، وَعُمْدتي الدُّوَل، فإنْعَدِمَتهمادولَةٌ فلا حَوْلَ، وَرُكْني إسنادِ المُلْك الُمعربَيْنِ عن المخفوضِوالمرفوع،وَمُقَدِّمَتَي نتيجة الجدلِ الصادر عنهما المحمولُ والموضوع فكَّرْتُأيهماأعظمُ فخراً وأعلى قدراً فجلستُ لهما مجلسَ الحُكْمِ والفتوى، ومثلتُهما فيالفكرِحَاضِرَيْنِ للدعوى، وسوّيت بين الخصمينِ في الإكْرَامِ، واستنطقتُ لسانَحالِهمَاللكلام.


فقالالقلم :-
بسماللهمجريها ومُرْساها، والنهار إذا جَلاّها والليل إذا يغشاها، أما بعد حمد اللهخالقالقلم، ومشرفة بالقسَم، وجاعله أول ما خلق، جَمّل الورق بغصنه كما جَمّل الغصنالورق. والصلاة على القائل : "جفت الأقلامُ"، فإن للقلم قصَبُ السباق، والكاتِبُبسبعةأقلام من طبقات الكتاب في السبع الطباق، جَرَى بالقضاء والقدر، ونَابَ عناللِّسانفيما نهى وأَمَرَ، وطالما أربى عَلَى البِيض والسُّمْر في ضرابها وطعانها،وقاتلفي البعد والصوارم في القُرْبِ ملء أجفانها، وماذا يُشْبِهُ القلم في طاعةناسه؟ ومشيه لهم على أمِّ ر اسه ؟

قالالسيف :-
بسمالله الخافض الرافع، وأنزلْنَا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع،أمابعد حمد الله الذي أنزل آيةَ السيفِ فعظَّمَ بها حرمة الَجْرح وآمن خيفةَالخيف،والصلاة على الذي نفذَّ بالسيف سطور الطروس، وخدمته الأقلام ماشية علىالرءوس،وعلى آله وصحبه الذين أُرْهِفَتْ سيوفهم، وبُنِيَتْ بها على كسر الأعداءحروفهم،فإن السيف عظيم الدولة شديد الصّولة، محا أسطار البلاغة، وأساغ ممنوعالإساغة،من اعتمد على غيره في قهر الأعداء تعب، وكيف لا وفي حَدِّه اَلْحدُّ بينالجدِّواللِعبِ ؟!
فإنكان القلم شاهداً، فالسيف قاض، وإن اقتربت مجادلته بأمرمستقبلقطعَهُ السيف بفعل ماض، به ظهرَ الدينُ، وهو العُدّة لقمع المعتدين،حَمَلَتْهُدون القلم يد نبيِّناَ، فَشَرُف بذلك في الأمم شرفاً بيِّناً، الجنة تحتظِلاله،ولا سيما حين يُسَلُّ فترى وَدْقَ الدم يخرج من خلاله، زُينت بزينة الكواكبسماءغِمدة، وصدَقَ من قال "السيف أصّدَقُ أنْباءٍ من ضده " لا يعبثُ به الحاملُ،ولايتناوله كالقلم بأطراف الأناَمل، ما هو كالقلم المُشَبَّه بقوم عرُوُّا عنلبوسهم،ثم نُكسوا كما قيل على رُءُوسهم، فكأن السيف خُلِق من ماءٍ دافق، أو كوكبراشقمقدراً في السّرْد، فهو الجوهر الفَرْد، لا يُشترى كالقلم بثمن بخس، ولا يبلىكمايبلى القلم بسواد وطمس، كم لقائمه المنتظر، من أثرٍ في عينٍ أو عينٍ في أثر،فهوفي جراب القوم قَوامُ الحرب، ولهذا جاء مطبوع الشكل داخل الضرب.

فقالالقلم :-
أَوَمَنْيُنَشَّأُ في الحلية وهو فيالخصامغيرُ مُبيِن، يُفاخرُ وهو القائمُ عن الشِمال، وأنا الجالس على اليمين؟! أناالمخصوصُبالرأي وأنت المخصوص بالصَّدَى، أنا آلة الحياة وأنت آلة الردى، ما لِنْتُإلابعد دخول السعير، وما حُدّدت إلا عن ذنبٍ كبير، أنت تنفع في العمر ساعة، وأناأُفنيالعُمْرَ في الطاعة، أنت للرَّهَب، وأنا للرَّغَب، وإذا كان بَصَرُك حديداًفبصريماءُ ذهب، أين تقليدُكَ من اجتهادي، وأين نجاسة دمك من تطهير مِدادي؟

قالالسيف :-
أمثلكيُعَيِّرُ مثليبالدماء؟! فطالما أمرتُ بعض فراخي ـ وهي السكين ـ فأصبحت من النفاثات في العقد يامسكين،فأخلَتْ من الحياة جُثمانك، وشقّت أنفك وقطعت لسانك.
ويلك ! إن كنتللديوانفحاسِبٌ مهموم , أو للإنشاء فخادمٌ لمخدوم، أو للتبليغ فساحر مذموم، أوللفقيهفناقص في المعلوم، أو للشاعر فسائل محروم، أو للشاهد فخائف مسموم، أو للمعلمفللحيّالقيُّوم أمَّا أنا فلي الوجه الأزهر والحلية والجوهر والهيبة إذ أُشْهَر ,والصعودعلى المنبر. ثم إني مملوك كمالك، فإنك كناسك، أسلك الطريق واقطعالعلائق.

فقالالقلم :-
أماأنا فأبنماءِالسماءِ , وأليف الغدير وحليف الهواء، أما أنت فابن النار والدخان وناثرُالأعماروخَوَّان الإخوان تفصل ما لا يُفصل وتقطعُ ما أمر الله به أن يُوصَل، لاجرمأن صَعَّرَ السيف خده وصقل قفاه , وسُقيِ ماءً حميماً فَقَطّع مِِعَاه، ياغُرَابالبين , ويا عُدَّة الحْينِ، ويا مُعْتَلّ العين، ويا ذا الوجهين، كم أفنيتوأعدمت؟ وأرملْتَ وأيْتَمْتُ ؟

قالالسيف :-
ياابن الطين ! ألست ضامراً وأنت بطين ؟! كم جَرَيت بعكس وتصرَّفتفيمكس وزَوَّرْت وَّحرفت، و نكّرت وعرّفت، وسَطّرت هجواً وشتما ً، وخلّدت عاراًوذمًّا،أبشر بفرط رَوْعتك، وشدة خِيفتك، إذا قِسْتَ بياض صحيفتي بسواد صحيفتك،فألِنْخطابك فأنت قصير المدة، وأحسن جوابك فعندي حِدّه، وأقلل من غلظتك، وجبهك،واشتغلعن دم في وجهي بقبيح في وجهك، وإلا فأدنى ضربةٍ مني تروم أرومتك، فتستأصلكَوتجتثُّجرثومتَك، فسقياً لمن غاب لك عن غابك، ورعياً لمن لو أهاب بك لسلخإهابك.

فلمارأى القلمُ السيفَ قد احتد، ألان له منخطابهِما اشتد وقال :-
أماالأدب فيؤخذ عنِّي، وأما اللطف فيُكتسبمنِّي،فإن لِنْتَ لنتُ، وإن أحسنتَ أحسنتُ، نحن أهل السمعِ والطاعةِ، ولهذا نجمعُفيالدواةِ الواحدةِ منَّا جماعة، وأما أنتم فأهلُ الحدةِ والخلافِ، ولهذا لايجمعونبين سيفين في غلاف.

قالالسيف :-
أمَكْراًودعوى عِفّة ؟ لأمرٍ ما جدع قصير أنفه ! لو كنتَ كمازعمتَذا أدبٍ , لما قابلتَ رأسَ الكاتبِ بعُقدةِ الذنَبِ، أنا ذو الصِّيت والصوتِ،وغِراريلسانَ مشرَفي يرتجل غرائب الموت , أنا مِن مارجٍ مِن نارٍ، والقلم منصلصالٍكالفخارِ، وإذا زعم القلمُ أنه مثلي، أمرتُ مَنْ يدقُ رأْسه بنعلي.

فقالالقلم :-
صَهْفصاحبُ السيفِ بلاسعادةٍ،كأعزل.

قالالسيف :-
مهْفقلمُالبليغِبغير حظٍ مغزل.

فقالالقلم :-
أناأزكى وأطهر.

قالالسيف :-
أناأبهىوأبهر.

فتلاذو القلم لقلمه :-
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) (الكوثر:1).

وتلاصاحب السيف لسيفه :-
( فَصَلِّ لِرَبِّكَوَانْحَرْ) (الكوثر:2).

فتلاذو القلم لقلمه :-
( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر:3).

قال :-
أماوكتابي المسطور، وبيتي المعمور، والتوراةوالإنجيل،والقُرآن ذو التبجيل، إن لم تكف عنِّي غرْبك، وتُبعد مني قُرْبك،لأكتبنكْمن الصُّمِّ والبُكم، وَلأُسطرنّ عليك بِقلمي سجلاً بهذاالحكم.









يتبع....

درع المجاهدين
15-11-2004, 08:51 PM
قال السيف :-
أما ومَتْني المتين، وفتحي الْمُبين , ولسانَيّ الرطبين، ووجهَيّ الصُلبين، إنْ لم تُغِبْ عن بياضي بسوادك، لأمسَنَّ وجهك بمدادك، ولقد كسبت من الأسد في الغابة، توقيع العين والصلابة، مع أني ما ألوتُكَ نصحاً أفنضرب عنكم الذكر صفحاً ؟

قال القلم :-
سَلِّم إن كنتَ أعلى فأنا أعلم , وإن كنتَ أحلى فأنا أحلم، وإن كنت أقوى فأنا أقوم , أو كنت ألوى َ فأنا ألوم , أو كنت أطرى فأنا أطربُ، أو كنت أغلى فأنا أغلب , أو كنت أعتى فأنا أعتبُ , أو كنت أقضى فأنا أقضب.

قال السيف :-
كيف لا أفْضُلك , والمقرُّ الفلانيُّ شادٌّ أزري.

قال القلم :-
كيف لا أفْضُلك وهو ( عزَّ نصرهُ ) ولي أمري ؟

قال الحَكمُ بين السيفِ والقلمِ :
فلما رأيتُ الحجَّتيْن ناهضتين، والبيِّنتيْن بينتيْن مُتعارضتين، وعلمتُ أنَّ لكلِّ واحدٍ منها نسبةً صحيحةً، إلى هذا المقرَّ الكريم، ورواية مُسْندة عن حديثه القديم، لطَّفتُ الوسيلة، ودققّتُ الحيلة حتى رددْتُ القلم إلى كنَّه , وأغمدتُ السَّيف فنام ملء جفنه، وأخّرْتُ بينهما الترجيح وسكتُّ عمّا هو عندي الصّحيح، إلى أن يحكم المقرُّ بينهما بعلمه، ويسكِّن سورة غضبهما الوافر ولجاجهما المديد ببسط حلمه.

قال أبو جندل الأزدي:
بعد هذه المناظرة الرائعة المثيرة تأملت التاريخ الإسلامي فوجدتُ أن الذي يرفعُ القلمَ دونَ سيفٍ يذِلّ، والذي يرفعُ السيفَ دونَ قلمٍ يضلّ ويزلّ، ومن يرفعهما معاً فإلى مبتغاه يهتدي ويصل , ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال: (لا يقوم الدين إلا بكتابٍ يهدي وسيفٍ ينصر وكفى بربك هادياً ونصيراً ).

والله أكبر والعزة لله وللإسلام..
اللهم انصر المجاهدين الموحدين في كل مكان..
اللهم احفظ إخواننا المجاهدين المطاردين في كل مكان..
اللهم فك أسرانا وأسرى المسلمين في كل مكان..
اللهم دمر أمريكا والصليبيين واليهود وطواغيت العرب والعجم في كل مكان..

أبو جندل الأزدي
بتاريخ 9/10/1424هـ