درع المجاهدين
16-11-2004, 07:58 PM
الكاتب: الشهيد بإذن الله الشيخ يوسف العييري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ؛
أختي الكريمة إن لك دوراً مهماًَ وعظيما يجب عليك أن تنهضي وتؤدي دورك الواجب عليك في حرب الإسلام اليوم لمواجهة الحرب الصليبية الجديدة التي تشنها دول العالم أجمع على الإسلام والمسلمين ، وإني سأخاطبك بهذه الورقات وسأطيل عليك وما تلك الإطالة إلا لأهمية الموضوع الذي يحتاج إلى أضعاف تلك الورقات فاسمعي رعاك الله وحفظك .
إن الأمة الإسلامية تعاني اليوم أنواعاً لا حصر لها من الذل والهوان التي لم تعرفها في عصورها السالفة وبشكل عام كهذه الأيام ، ولم يكن هذا الذل والهوان ناتج عن قلة الأمة الإسلامية ولا فقرها ، فهي تعد اليوم أكثر أمة في الأرض ، كما أنها أيضاً هي الأمة الوحيدة التي تمتلك من الثروات والمقومات ما لا يملكه أعداؤها ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما سبب هذا الذل والهوان الذي تعانيه الأمة اليوم بما أنها لا تفتقر لا إلى المال ولا إلى الرجال ؟ .
نقول إن السبب قد حدده لنا نبينا صلى الله عليه و سلم بقوله كما عند أحمد وأبي داود عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها ( قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ؟ ( قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن ( قال قلنا وما الوهن ؟ ) قال حب الحياة وكراهية الموت ( وفي رواية أخرى لأحمد) وكراهيتكم القتال ، ( فهذا هو جواب ذلك السؤال المحتار ، يجيب عنه رسولنا صلى الله عليه و سلم قبل وقوعه بألف وأربعمائة سنة تقريباً ، والداء الذي أهلك الأمة الإسلامية هو حب الدنيا وكراهية الموت ، فلما أحبت الأمة الدنيا وكرهت الموت انطبق عليها ما وصف الله به اليهود في قوله { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } والحياة هنا أتت نكرة أي أنها تشمل أي حياة سواءً حياة الذل و الهوان أو حياة البهائم أو حياة الحشرات المهم أنها حياة ، فتمسكت الأمة بنوع من الحياة دنيء لا يليق بها ولا بدينها ، كل ذلك لأنها أحبت الدنيا وكرهت الموت .
وكانت النتيجة الحتمية لحبنا للدنيا وكراهيتنا للموت أو القتال ، كانت النتيجة هي ترك الجهاد الذي يعتقد الكثير من أبناء الأمة الإسلامية وخاصة النساء أنه طريق الموت المحقق وهجران الدنيا لا محالة ، فلما تركت الأمة الإسلامية الجهاد تسلط عليها الأعداء وأصابها الذل وتحقق فيها قول الرسول صلى الله عليه و سلم الذي رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) وفي رواية أحمد ( لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد في سبيل الله ليلزمنكم الله مذلة في أعناقكم ثم لا تنزع منكم حتى ترجعون إلى ما كنتم عليه وتتوبون إلى الله ) .
ومن خلال ما سبق من الأحاديث يتضح لنا المرض الذي شخصه لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا وهو الوهن ، ويتضح لنا أيضاً مضاعفات هذا المرض وهو الذل المسلط علينا من أمم الأرض جميعاً من عباد البقر والأحجار ناهيك عن عباد الصليب والهيكل .
وبالرجوع إلى النصوص السابقة نعرف أن المخرج الوحيد من هذا الذل والهوان هو الرجوع إلى الجهاد وحب القتال في سبيل الله وترك الدنيا وزخرفها .
قد تكون المرأة من معوقات الجهاد أو من عوامله :
ولكن بعد اقتناعنا بأن الجهاد هو العلاج الذي وصفه لنا رسول الله rللخروج بالأمة من هذا التيه ، نجد أننا لم نستطع حتى الآن العمل بتلك القناعة ، لذا يجب علينا للعمل بتلك القناعة أن نبحث عن موانع ومعوقات الجهاد على مستوى الفرد ، وأصول موانع ومعوقات الجهاد جمعها الله سبحانه وتعالى في آية واحدة في سورة التوبة وهي قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } هذه هي أصول معوقات الجهاد ويتفرع عنها معوقات لا حصر لها ، والبحث في كيفية عدم تغلب هذه المحبوبات على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله هو أول طريق العزة ، لأننا سنصل إلى قناعة مفادها أن حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله أعظم وأوجب من كل تلك المحببات ، فإذا وصلنا لتلك النتيجة كان لزاماً علينا أن نترجم تلك القناعة فنبرهن بأعمالنا أن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فوق حب ذلك الحطام الفاني ، وهذا ما سيجعل أبناء الأمة يقدّمون أرواحهم لعز الإسلام والمسلمين ، فيذهب بذلك عنا الوهن وبعدها لن تتسلط أمم الكفر على أمتنا ، لعلمها أن لديها رجالاً يحبون الموت كما يحبون هم الحياة ، ولديها تجاراً على استعداد أن يبذلوا كل ثرواتهم لنصر الدين كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ولديها أمهات لا يطيب لهن العيش وقد تخلف أبنائهن عن الجهاد ، كل هذه المظاهر إذا حصلت فإن أعداء الله سيحسبون ألف حساب لإثارة الأمة أو الاعتداء عليها .
ونحن في هذه الورقات لن ندير البحث بالتفصيل على كل تلك الموانع والمعوقات ، ولكننا سنكتفي بعائق وحيد نرى أن الأمة بحاجة إلى إزالته عاجلاً وقبل كل شيء ، وهذا العائق هو المرأة المتمثلة بالأم أو الزوجة أو البنت أو الأخت وهن جميعاً داخلات تحت آية المعوقات ، وبحثنا لعائق المرأة أيضاً لن يكون بعيداً عنها بل إننا سنخاطبها في هذه الورقات ونخبرها أنها هي أحد العوائق الكبار أمام انتصار الإسلام وعزه ، ونحن حينما نقول بأن المرأة أحد العوائق الكبار أمام انتصار الإسلام ، يلزمنا أيضاً مفهوم المخالفة وهو أن المرأة هي أحد العوامل الرئيسة المؤثرة حين انتصار الإسلام شريطة أن تؤدي دورها بكل شجاعة وفداء ، كما سننقل لها هنا سيرة من يجب عليها أن تقتدي بهن لينتصر الإسلام .
وسبب مخاطبتنا في هذه الورقات للمرأة هو ما رأيناه بأن المرأة إذا اقتنعت بأمر كانت أعظم حافز للرجال بأدائه ، وإذا عارضت أمراً كانت من أعظم الموانع له ، لا سيما إن كانت تلك المرأة أماً أو جدة يجب برها وطلب رضاها .
ولما كانت المرأة هي مهد الرجال و راعية الزرع حتى يشتد عوده ، كان حرياً بنا أن نوجه لها خطاباً نحضها فيه على أداء دورها الفعال في الصراع القائم بين الإسلام و ملل الكفر جميعاً بلا استثناء ، ومتى تخاذلت المرأة عن خوض ذلك الصراع وأصبحت إما بمعزل عنه أو حاضرة لتثبيط الهمم ، كان هذا هو أول إرهاصات الهزيمة وطريق الخسارة ، وهذا ما حصل في أمتنا اليوم .
ولم ينتصر الإسلام في عصوره الزاهية على دول الكفر الأكثر منه عدة وعدداً ومالاً ، إلا لما كانت المرأة على قدر المسؤولية ، فهي التي تربي أولادها على الجهاد ، وهي التي تحفظ الرجل في عرضه وماله إذا خرج إلى الجهاد ، وهي التي تصبر وتصبّر أولادها وزوجها على مواصلة ذلك الطريق فكانت مقولة القائل " وراء كل رجل عظيم امرأة " تنطبق على نساء المسلمين آنذاك فنقول " وراء كل مجاهد عظيم امرأة " ، فعرفت المرأة منهن دورها وكانت كما وصفها رسول الله صلى الله عليه و سلم كما عند أحمد والترمذي أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أي المال نتخذ ؟ قال ( ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعينه على أمر الآخرة ) .
أما نساء عصرنا فماذا نقول وبما نصفهن وما هي اهتماماتهن ؟ وهل هن عوناً لأزواجهن على أمور الآخرة ؟ وهل يعقلن شيئاً عن الصراع بين الإسلام والكفر اليوم ؟ ، بل هل يعرفن دول الكفر ؟ ، وهل يعلمن ما يلاقيه المسلمون في كل مكان غير فلسطين ؟ إنهن مغيبات وأي غياب ذلك ، إنه غياب وراء الموضة وغياب وراء التقليعات وغياب وراء الزينة والمباحات ، بل بعضهن غائبات أو إن شئت قل غارقات بالمحرمات ، وأصبحن معول هدم يستخدمه أعداء الدين ضد الأمة من عقر دارها ، وبعدما كنا نأمل منها المساهمة في بناء صرح الأمة ، فإذا بنا نشغل لكف يدها عن هدم الإسلام ، وما حرص أعداء الأمة على تحرير المرأة إلا بعدما علموا بأن المرأة هي قوام الأمة ، فإذا فسدت فسد إنتاجها وفسد من حولها ، فاستخدموها أسوء استخدام وهي واهمة غارقة مصدقة لكل لتلك الدعوات ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولو أنك يا أمة الله إذا غبت عن حضور الصراع اليوم ، غبت وحدك لكان الأمر هيناً فلنا في الرجل عوض ! ، ولكنك اليوم إذا غبت عن حضور الصراع أو الإعداد له فإن الأمة كلها تغيب معك ، فمن يربي الشباب لتلك المعركة ؟ ومن يقف وراء الرجال لخوض تلك المعركة ؟ ، ومن يعد أمهات الجيل القادم ليكملن الطريق بعدك ؟ إن أجوبة هذه الأسئلة ومعها عشرات الأسئلة الملحة مثلها ، تبين أمراً واحداً وهو أن المرأة عنصر مهم في الصراع اليوم يجب حضورها وبكل إمكانياتها وعواطفها ، وحضورها ليس عبارة عن مكمل في الصراع كلا ، بل إن حضورها يعد ركيزة من ركائز النصر ومواصلة الطريق .
لذا لا بد أن تعي أختي المسلمة أن مهمتك أعظم مما تتصورين ، فهزيمة الإسلام اليوم تتحملين أنت جزءً كبيراً منها ، إذ لو أنك قمتي بمسئوليتك لما أصاب الأمة هذا الذل ، ولعلك تقولين لماذا أحمّل كل تلك التبعات ؟ نقول لأن مسئوليتك هي أول المسؤوليات التي إذا لم تؤد بشكل صحيح فإن ما بعدها غالباً لا فائدة فيه ، فأول ما ينشأ الطفل ينشأ بين ذراعيك وإذا أصبح صبياً لا يعرف إلا توجيهك لحبه لك ، فإذا لم تغرس أنت فيه أثناء صغره حب الله ورسوله والجهاد في سبيله ، فلن يستطيع أحد أن يغرس في قلبه هذا في كبره إلا بصعوبة بالغة ، فالعود بين يديك غض رطب فقومي بدورك وسترين النتيجة بعد عقدين بإذن الله .
ولبيان أهمية دورك في الصراع المحتدم اليوم بين ملل الكفر وملة الإسلام ، لا سيما في الحرب الصليبية الجديدة التي يشنها العالم بقيادة أمريكا ضد الإسلام والمسلمين ، لا بد لنا أن نذكرك بجانب من دورك عكسته لنا صورة المرأة المجاهدة في عصر الإسلام الذهبي ، وما سوف نسوقه لك من نماذج لنساء المسلمين لا يعد هو الجانب الوحيد المشرق في صفحات أولئك النساء ، إنما هي زاوية واحدة مشعة في حياة أم الأبطال وأخت الأبطال وزوجة الأبطال ، ولو كانت نساء المسلمين اليوم فيهن من الفداء والصدق والحب للدين مثل ما كان في نساء السلف لنصر الإسلام بإذن الله .
نماذج للمرأة المجاهدة من نساء السلف :
وما سنذكره من صور نود منك أختي الكريمة أن تقتدي بهن ليحصل لك من الخير ما حصل لهن وللدين في وقتهن ، فهن حقاً من يستحق أن يقتدى بهن ، وليست القدوة لك أختي المسلمة تلك البغي الراقصة أو المتاجرة بجسدها في كل ميدان ، أو تلك المغنية أو العارضة كلا ، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين ، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظر بمن تقتدي نسائها ، فإن كن يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات السائحات فقد انتصرت الأمة ، وإن كن يقتدين بالعاهرات الكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات ، فهذا خسران الأمة حقاً وهذا ما رأيناه في هذه الأيام نسأل الله العفو والغفران .
لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها ، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله ، يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن معه نساء فأرسل إلينا فقال ( ما أخرجكن ؟ وبأمر من خرجتن ؟ ) فقلنا خرجنا نناول السهام ونسقي الناس السويق ومعنا ما نداوي به الجرحى ونغزل الشَّعر ونعين به في سبيل الله قال ( قمن فانصرفن ) فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجل ، قلت يا جدة ما أخرج لكن ؟ قالت تمرا ، ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول صلى الله عليه و سلم فقالت كما في البخاري وسنن النسائي وللفظ له عن عائشة أنها قالت قلت يا رسول الله ألا نخرج فنجاهد معك فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد ؟ قال ( لا ولكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور ) وفي رواية أحمد والبخاري قال ( لا جهادكن الحج المبرور وهو لكن جهاد ) ، وبمقارنة بين حال المرأة بالأمس التي كانت تطلب أن يشرّع لها الجهاد بسبب حبها لهذا الدين ، نجد أن المرأة اليوم ودت أن قول الله تعلى ( كتب عليكم القتال ) لم ينزل خاصة إذا علمت أن ابنها أو والدها أو زوجها سيستجيب لله ويخرج في سبيله مدافعاً عن هذا الدين ، فهذا البون الشاسع بين نساء الأمس ونساء اليوم انعكس انعكاساً مباشراً على حال الأمة فنساء الأمس أخرجن رجالاً ملكوا رقاب ملل الكفر كلها ، ونساء اليوم أخرجن ذكوراً ملك عبّاد البقر والحجر والشجر و الصليب والهيكل رقابهم حتى دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأول تلك النماذج أختي الكريمة التي نسوقها لك لتزني نفسك وأعمالك بها قبل أن توزني ، امرأة عظيمة حقاً إنها تزن ألف رجل وأكثر ، ولو كانت نساء المسلمين عشرها أو أقل لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة ، إنها المجاهدة الشجاعة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء 2/278 قال " شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحدا والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل ، وقطعت يدها في الجهاد ، وقال الواقدي شهدت أحداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها ، خرجت تسقي ومعها شن وقاتلت وأبلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا ، وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدا قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ( وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا ، وكانت تقول إني لأنظر إلى ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها فداوته سنة ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم رضي الله عنه ورحمها ، قالت أم عمارة رأيتني انكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون به منهزمين ورأني ولا ترس معي فرأى رجلاً موليا ومعه ترس فقال ( ألق ترسك إلى من يقاتل ( فألقاه فأخذته فجعلت أترس به عن رسول الله وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل ، و لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله ، فيقبل رجل على فرس فيضربني وترست له فلم يصنع شيئا وولى فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يصيح ( يا ابن أم عمارة أمك أمك ( قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب - أسم من أسماء الموت - .
قال عن عبد الله بن زيد – ابن أم عمارة - قال جرحت يومئذ جرحا وجعل الدم لا يرقأ فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( اعصب جرحك ) فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقوها فربطت جرحي والنبي صلى الله عليه و سلم واقف فقال ( انهض بني فضارب القوم وجعل يقول من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ) ، فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله ( هذا ضارب ابنك ) قالت فأعترض له فأضرب ساقه فبرك فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم حتى رأيت نواجذه وقال ( استقدت يا أم عمارة؟ ) ثم أقبلنا نعله بالسلاح حتى أتينا على نفسه فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( الحمد لله الذي ظفرك ) .
وقال عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً ، يقول شهدت أحدا فلما تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال ( ابن أم عمارة ؟ ) قلت نعم قال ( ارم ) فرميت بين يديه رجلا بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس فوقع هو وصاحبة وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي صلى الله عليه و سلم يبتسم ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال ( أمك أمك اعصب جرحها اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ) قلت ما أبالي ما أصابني من الدنيا .
وعن محمد بن يحيى بن حبان قال جرحت أم عمارة بأحد اثني عشر جرحا وقطعت يدها يوم اليمامة ، وجرحت يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر رضي الله عنه وهو خليفة يأتيها يسأل عنها ، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطّعه مسيلمة ، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل يوم الحرة وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه .
و جاء في صفة الصفوة 2/63 من أحوالها " أنه روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني ) أهـ .
وجاء في الإصابة 4/418 من أخبارها قال " ذكر الواقدي أن نسيبة بنت كعب لما بلغها قتل ابنها حبيب بن زيد على يد مسيلمة عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة أو تقتله ، فشهدت اليمامة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه ومعها ابنها عبد الله رضي الله عنه ، فقتل مسيلمة وقطعت يدها في الحرب " .
وذكر ابن هشام في زيادته من طريق أم سعد بن سعد بن الربيع قالت : دخلت على أم عمارة ، فقالت يا خالة أخبريني .
فقالت : خرجت – يعني يوم أحد – ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين ، فلمّا انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكنت أباشر القتال وأذب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف ، وأرمي بالقوس حتى خلصت الجراح إلي .
قالت أم سعيد بنت سعد بن الربيع : فرأيت عاتقها أجوف له غور ، فقلت من أصابك بهذا ؟ قالت ابن قمئة " أهـ .
هذه هي المجاهدة الشجاعة أم عمارة وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة إن الرجال لا يطيقون ثباتها وصبرها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف بالنساء ، ولكن متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحت بإذن الله .
وإليك أختي نموذجاً واضحاً يدل على فداء المرأة وقوة قلبها في سبيل نصر دين الله ، فقد خاطرت بنفسها ودخلت ميدان المعركة واستعدت لمواجهة الرجال كل ذلك بسبب حبها للدين ونصر الإسلام ، وهذا النموذج هي أم سليم فقد جاء عنها في حياة الصحابة 1/597 و صفة الصفوة 2/66 أنها دخلت أرض المعركة يوم حنين فداءً منها لدين الله وكان معها خنجراً " فجاء أبو طلحة يوم حنين يضحك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من أم سليم فقال يارسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ما تصنعين به يا أم سليم ؟ ) قالت : أردت إن دنا أحد منهم مني طعنته وفي رواية قالت : اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يضحك " أهـ .
وهذا أختي المجاهدة نموذج آخر فيها من قوة القلب ما نحتاجه في نسائنا ، و لا نظن أن رجلاً يعلم أن وراءه مثلها فينكص عن الجهاد والإقدام ، وهذا النموذج هي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه و سلم فقد جاء عنها في الإصابة 7/744 أنها قالت " إن رسول الله لما خرج إلى الخندق جعل النساء في أطم – أي حصن - يقال له فارع وجعل معهن حسان بن ثابت ، قالت فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا ، فقلت لحسان قم فاقتله فقال لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله – لأنه كان شيخاً فانياً - ، قالت فاعتجرت وأخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته و قطعت رأسه ، وقلت لحسان قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن ، فقال والله ما ذاك ، قالت فأخذت رأسه فرميت به عليهم ، فقالوا قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا ليس معهم أحد فتفرقوا ، وهي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين أخرجه بن سعد عن أبي أسامة " أهـ .
أما عن تحريضها للرجال على القتال فلم تقتصر في التحريض على لسانها فقط ، ولم تحرض القاعدين بل حرضت الغزاة الذين لم يظفروا بعدوهم ، وكان ذلك التحريض بجوارحها ، قال في الإصابة وجاء من طريق حماد عن هشام عن أبيه أن صفية جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوههم فقال النبي ( يا زبير المرأة )
أما صبرها على المصيبة واحتسابها فهي جبل أشم قال في الإصابة " وفي السيرة من رواية يونس بن بكير قال : قتل حمزة فأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى أخيها فلقيها الزبير فقال أي أمة إن رسول الله يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني أنه مثّل بأخي وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأصبرن وأحتسبن إن شاء الله فجاء الزبير فأخبره فقال ( خل سبيلها ) فأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به ودفن " أهـ .
وهذه قدوة أخرى لك أختي في الله ، فمتى تصل نسائنا إلى ما وصلن من الفداء والإقدام ، وهذه القدوة هي أسماء بنت يزيد بن السكن بنت عم معاذ بن جبل رضي الله عنه ، جاء عنها في سير أعلام النبلاء 2/297 أنها " من المبايعات المجاهدات ، وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم " أ هـ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ؛
أختي الكريمة إن لك دوراً مهماًَ وعظيما يجب عليك أن تنهضي وتؤدي دورك الواجب عليك في حرب الإسلام اليوم لمواجهة الحرب الصليبية الجديدة التي تشنها دول العالم أجمع على الإسلام والمسلمين ، وإني سأخاطبك بهذه الورقات وسأطيل عليك وما تلك الإطالة إلا لأهمية الموضوع الذي يحتاج إلى أضعاف تلك الورقات فاسمعي رعاك الله وحفظك .
إن الأمة الإسلامية تعاني اليوم أنواعاً لا حصر لها من الذل والهوان التي لم تعرفها في عصورها السالفة وبشكل عام كهذه الأيام ، ولم يكن هذا الذل والهوان ناتج عن قلة الأمة الإسلامية ولا فقرها ، فهي تعد اليوم أكثر أمة في الأرض ، كما أنها أيضاً هي الأمة الوحيدة التي تمتلك من الثروات والمقومات ما لا يملكه أعداؤها ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما سبب هذا الذل والهوان الذي تعانيه الأمة اليوم بما أنها لا تفتقر لا إلى المال ولا إلى الرجال ؟ .
نقول إن السبب قد حدده لنا نبينا صلى الله عليه و سلم بقوله كما عند أحمد وأبي داود عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها ( قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ؟ ( قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن ( قال قلنا وما الوهن ؟ ) قال حب الحياة وكراهية الموت ( وفي رواية أخرى لأحمد) وكراهيتكم القتال ، ( فهذا هو جواب ذلك السؤال المحتار ، يجيب عنه رسولنا صلى الله عليه و سلم قبل وقوعه بألف وأربعمائة سنة تقريباً ، والداء الذي أهلك الأمة الإسلامية هو حب الدنيا وكراهية الموت ، فلما أحبت الأمة الدنيا وكرهت الموت انطبق عليها ما وصف الله به اليهود في قوله { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } والحياة هنا أتت نكرة أي أنها تشمل أي حياة سواءً حياة الذل و الهوان أو حياة البهائم أو حياة الحشرات المهم أنها حياة ، فتمسكت الأمة بنوع من الحياة دنيء لا يليق بها ولا بدينها ، كل ذلك لأنها أحبت الدنيا وكرهت الموت .
وكانت النتيجة الحتمية لحبنا للدنيا وكراهيتنا للموت أو القتال ، كانت النتيجة هي ترك الجهاد الذي يعتقد الكثير من أبناء الأمة الإسلامية وخاصة النساء أنه طريق الموت المحقق وهجران الدنيا لا محالة ، فلما تركت الأمة الإسلامية الجهاد تسلط عليها الأعداء وأصابها الذل وتحقق فيها قول الرسول صلى الله عليه و سلم الذي رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) وفي رواية أحمد ( لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد في سبيل الله ليلزمنكم الله مذلة في أعناقكم ثم لا تنزع منكم حتى ترجعون إلى ما كنتم عليه وتتوبون إلى الله ) .
ومن خلال ما سبق من الأحاديث يتضح لنا المرض الذي شخصه لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا وهو الوهن ، ويتضح لنا أيضاً مضاعفات هذا المرض وهو الذل المسلط علينا من أمم الأرض جميعاً من عباد البقر والأحجار ناهيك عن عباد الصليب والهيكل .
وبالرجوع إلى النصوص السابقة نعرف أن المخرج الوحيد من هذا الذل والهوان هو الرجوع إلى الجهاد وحب القتال في سبيل الله وترك الدنيا وزخرفها .
قد تكون المرأة من معوقات الجهاد أو من عوامله :
ولكن بعد اقتناعنا بأن الجهاد هو العلاج الذي وصفه لنا رسول الله rللخروج بالأمة من هذا التيه ، نجد أننا لم نستطع حتى الآن العمل بتلك القناعة ، لذا يجب علينا للعمل بتلك القناعة أن نبحث عن موانع ومعوقات الجهاد على مستوى الفرد ، وأصول موانع ومعوقات الجهاد جمعها الله سبحانه وتعالى في آية واحدة في سورة التوبة وهي قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } هذه هي أصول معوقات الجهاد ويتفرع عنها معوقات لا حصر لها ، والبحث في كيفية عدم تغلب هذه المحبوبات على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله هو أول طريق العزة ، لأننا سنصل إلى قناعة مفادها أن حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله أعظم وأوجب من كل تلك المحببات ، فإذا وصلنا لتلك النتيجة كان لزاماً علينا أن نترجم تلك القناعة فنبرهن بأعمالنا أن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فوق حب ذلك الحطام الفاني ، وهذا ما سيجعل أبناء الأمة يقدّمون أرواحهم لعز الإسلام والمسلمين ، فيذهب بذلك عنا الوهن وبعدها لن تتسلط أمم الكفر على أمتنا ، لعلمها أن لديها رجالاً يحبون الموت كما يحبون هم الحياة ، ولديها تجاراً على استعداد أن يبذلوا كل ثرواتهم لنصر الدين كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ولديها أمهات لا يطيب لهن العيش وقد تخلف أبنائهن عن الجهاد ، كل هذه المظاهر إذا حصلت فإن أعداء الله سيحسبون ألف حساب لإثارة الأمة أو الاعتداء عليها .
ونحن في هذه الورقات لن ندير البحث بالتفصيل على كل تلك الموانع والمعوقات ، ولكننا سنكتفي بعائق وحيد نرى أن الأمة بحاجة إلى إزالته عاجلاً وقبل كل شيء ، وهذا العائق هو المرأة المتمثلة بالأم أو الزوجة أو البنت أو الأخت وهن جميعاً داخلات تحت آية المعوقات ، وبحثنا لعائق المرأة أيضاً لن يكون بعيداً عنها بل إننا سنخاطبها في هذه الورقات ونخبرها أنها هي أحد العوائق الكبار أمام انتصار الإسلام وعزه ، ونحن حينما نقول بأن المرأة أحد العوائق الكبار أمام انتصار الإسلام ، يلزمنا أيضاً مفهوم المخالفة وهو أن المرأة هي أحد العوامل الرئيسة المؤثرة حين انتصار الإسلام شريطة أن تؤدي دورها بكل شجاعة وفداء ، كما سننقل لها هنا سيرة من يجب عليها أن تقتدي بهن لينتصر الإسلام .
وسبب مخاطبتنا في هذه الورقات للمرأة هو ما رأيناه بأن المرأة إذا اقتنعت بأمر كانت أعظم حافز للرجال بأدائه ، وإذا عارضت أمراً كانت من أعظم الموانع له ، لا سيما إن كانت تلك المرأة أماً أو جدة يجب برها وطلب رضاها .
ولما كانت المرأة هي مهد الرجال و راعية الزرع حتى يشتد عوده ، كان حرياً بنا أن نوجه لها خطاباً نحضها فيه على أداء دورها الفعال في الصراع القائم بين الإسلام و ملل الكفر جميعاً بلا استثناء ، ومتى تخاذلت المرأة عن خوض ذلك الصراع وأصبحت إما بمعزل عنه أو حاضرة لتثبيط الهمم ، كان هذا هو أول إرهاصات الهزيمة وطريق الخسارة ، وهذا ما حصل في أمتنا اليوم .
ولم ينتصر الإسلام في عصوره الزاهية على دول الكفر الأكثر منه عدة وعدداً ومالاً ، إلا لما كانت المرأة على قدر المسؤولية ، فهي التي تربي أولادها على الجهاد ، وهي التي تحفظ الرجل في عرضه وماله إذا خرج إلى الجهاد ، وهي التي تصبر وتصبّر أولادها وزوجها على مواصلة ذلك الطريق فكانت مقولة القائل " وراء كل رجل عظيم امرأة " تنطبق على نساء المسلمين آنذاك فنقول " وراء كل مجاهد عظيم امرأة " ، فعرفت المرأة منهن دورها وكانت كما وصفها رسول الله صلى الله عليه و سلم كما عند أحمد والترمذي أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أي المال نتخذ ؟ قال ( ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعينه على أمر الآخرة ) .
أما نساء عصرنا فماذا نقول وبما نصفهن وما هي اهتماماتهن ؟ وهل هن عوناً لأزواجهن على أمور الآخرة ؟ وهل يعقلن شيئاً عن الصراع بين الإسلام والكفر اليوم ؟ ، بل هل يعرفن دول الكفر ؟ ، وهل يعلمن ما يلاقيه المسلمون في كل مكان غير فلسطين ؟ إنهن مغيبات وأي غياب ذلك ، إنه غياب وراء الموضة وغياب وراء التقليعات وغياب وراء الزينة والمباحات ، بل بعضهن غائبات أو إن شئت قل غارقات بالمحرمات ، وأصبحن معول هدم يستخدمه أعداء الدين ضد الأمة من عقر دارها ، وبعدما كنا نأمل منها المساهمة في بناء صرح الأمة ، فإذا بنا نشغل لكف يدها عن هدم الإسلام ، وما حرص أعداء الأمة على تحرير المرأة إلا بعدما علموا بأن المرأة هي قوام الأمة ، فإذا فسدت فسد إنتاجها وفسد من حولها ، فاستخدموها أسوء استخدام وهي واهمة غارقة مصدقة لكل لتلك الدعوات ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولو أنك يا أمة الله إذا غبت عن حضور الصراع اليوم ، غبت وحدك لكان الأمر هيناً فلنا في الرجل عوض ! ، ولكنك اليوم إذا غبت عن حضور الصراع أو الإعداد له فإن الأمة كلها تغيب معك ، فمن يربي الشباب لتلك المعركة ؟ ومن يقف وراء الرجال لخوض تلك المعركة ؟ ، ومن يعد أمهات الجيل القادم ليكملن الطريق بعدك ؟ إن أجوبة هذه الأسئلة ومعها عشرات الأسئلة الملحة مثلها ، تبين أمراً واحداً وهو أن المرأة عنصر مهم في الصراع اليوم يجب حضورها وبكل إمكانياتها وعواطفها ، وحضورها ليس عبارة عن مكمل في الصراع كلا ، بل إن حضورها يعد ركيزة من ركائز النصر ومواصلة الطريق .
لذا لا بد أن تعي أختي المسلمة أن مهمتك أعظم مما تتصورين ، فهزيمة الإسلام اليوم تتحملين أنت جزءً كبيراً منها ، إذ لو أنك قمتي بمسئوليتك لما أصاب الأمة هذا الذل ، ولعلك تقولين لماذا أحمّل كل تلك التبعات ؟ نقول لأن مسئوليتك هي أول المسؤوليات التي إذا لم تؤد بشكل صحيح فإن ما بعدها غالباً لا فائدة فيه ، فأول ما ينشأ الطفل ينشأ بين ذراعيك وإذا أصبح صبياً لا يعرف إلا توجيهك لحبه لك ، فإذا لم تغرس أنت فيه أثناء صغره حب الله ورسوله والجهاد في سبيله ، فلن يستطيع أحد أن يغرس في قلبه هذا في كبره إلا بصعوبة بالغة ، فالعود بين يديك غض رطب فقومي بدورك وسترين النتيجة بعد عقدين بإذن الله .
ولبيان أهمية دورك في الصراع المحتدم اليوم بين ملل الكفر وملة الإسلام ، لا سيما في الحرب الصليبية الجديدة التي يشنها العالم بقيادة أمريكا ضد الإسلام والمسلمين ، لا بد لنا أن نذكرك بجانب من دورك عكسته لنا صورة المرأة المجاهدة في عصر الإسلام الذهبي ، وما سوف نسوقه لك من نماذج لنساء المسلمين لا يعد هو الجانب الوحيد المشرق في صفحات أولئك النساء ، إنما هي زاوية واحدة مشعة في حياة أم الأبطال وأخت الأبطال وزوجة الأبطال ، ولو كانت نساء المسلمين اليوم فيهن من الفداء والصدق والحب للدين مثل ما كان في نساء السلف لنصر الإسلام بإذن الله .
نماذج للمرأة المجاهدة من نساء السلف :
وما سنذكره من صور نود منك أختي الكريمة أن تقتدي بهن ليحصل لك من الخير ما حصل لهن وللدين في وقتهن ، فهن حقاً من يستحق أن يقتدى بهن ، وليست القدوة لك أختي المسلمة تلك البغي الراقصة أو المتاجرة بجسدها في كل ميدان ، أو تلك المغنية أو العارضة كلا ، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين ، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظر بمن تقتدي نسائها ، فإن كن يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات السائحات فقد انتصرت الأمة ، وإن كن يقتدين بالعاهرات الكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات ، فهذا خسران الأمة حقاً وهذا ما رأيناه في هذه الأيام نسأل الله العفو والغفران .
لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها ، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله ، يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن معه نساء فأرسل إلينا فقال ( ما أخرجكن ؟ وبأمر من خرجتن ؟ ) فقلنا خرجنا نناول السهام ونسقي الناس السويق ومعنا ما نداوي به الجرحى ونغزل الشَّعر ونعين به في سبيل الله قال ( قمن فانصرفن ) فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجل ، قلت يا جدة ما أخرج لكن ؟ قالت تمرا ، ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول صلى الله عليه و سلم فقالت كما في البخاري وسنن النسائي وللفظ له عن عائشة أنها قالت قلت يا رسول الله ألا نخرج فنجاهد معك فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد ؟ قال ( لا ولكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور ) وفي رواية أحمد والبخاري قال ( لا جهادكن الحج المبرور وهو لكن جهاد ) ، وبمقارنة بين حال المرأة بالأمس التي كانت تطلب أن يشرّع لها الجهاد بسبب حبها لهذا الدين ، نجد أن المرأة اليوم ودت أن قول الله تعلى ( كتب عليكم القتال ) لم ينزل خاصة إذا علمت أن ابنها أو والدها أو زوجها سيستجيب لله ويخرج في سبيله مدافعاً عن هذا الدين ، فهذا البون الشاسع بين نساء الأمس ونساء اليوم انعكس انعكاساً مباشراً على حال الأمة فنساء الأمس أخرجن رجالاً ملكوا رقاب ملل الكفر كلها ، ونساء اليوم أخرجن ذكوراً ملك عبّاد البقر والحجر والشجر و الصليب والهيكل رقابهم حتى دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأول تلك النماذج أختي الكريمة التي نسوقها لك لتزني نفسك وأعمالك بها قبل أن توزني ، امرأة عظيمة حقاً إنها تزن ألف رجل وأكثر ، ولو كانت نساء المسلمين عشرها أو أقل لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة ، إنها المجاهدة الشجاعة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء 2/278 قال " شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحدا والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل ، وقطعت يدها في الجهاد ، وقال الواقدي شهدت أحداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها ، خرجت تسقي ومعها شن وقاتلت وأبلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا ، وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدا قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ( وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا ، وكانت تقول إني لأنظر إلى ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها فداوته سنة ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم رضي الله عنه ورحمها ، قالت أم عمارة رأيتني انكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون به منهزمين ورأني ولا ترس معي فرأى رجلاً موليا ومعه ترس فقال ( ألق ترسك إلى من يقاتل ( فألقاه فأخذته فجعلت أترس به عن رسول الله وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل ، و لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله ، فيقبل رجل على فرس فيضربني وترست له فلم يصنع شيئا وولى فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يصيح ( يا ابن أم عمارة أمك أمك ( قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب - أسم من أسماء الموت - .
قال عن عبد الله بن زيد – ابن أم عمارة - قال جرحت يومئذ جرحا وجعل الدم لا يرقأ فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( اعصب جرحك ) فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقوها فربطت جرحي والنبي صلى الله عليه و سلم واقف فقال ( انهض بني فضارب القوم وجعل يقول من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ) ، فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله ( هذا ضارب ابنك ) قالت فأعترض له فأضرب ساقه فبرك فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم حتى رأيت نواجذه وقال ( استقدت يا أم عمارة؟ ) ثم أقبلنا نعله بالسلاح حتى أتينا على نفسه فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( الحمد لله الذي ظفرك ) .
وقال عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً ، يقول شهدت أحدا فلما تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال ( ابن أم عمارة ؟ ) قلت نعم قال ( ارم ) فرميت بين يديه رجلا بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس فوقع هو وصاحبة وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي صلى الله عليه و سلم يبتسم ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال ( أمك أمك اعصب جرحها اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ) قلت ما أبالي ما أصابني من الدنيا .
وعن محمد بن يحيى بن حبان قال جرحت أم عمارة بأحد اثني عشر جرحا وقطعت يدها يوم اليمامة ، وجرحت يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر رضي الله عنه وهو خليفة يأتيها يسأل عنها ، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطّعه مسيلمة ، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل يوم الحرة وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه .
و جاء في صفة الصفوة 2/63 من أحوالها " أنه روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني ) أهـ .
وجاء في الإصابة 4/418 من أخبارها قال " ذكر الواقدي أن نسيبة بنت كعب لما بلغها قتل ابنها حبيب بن زيد على يد مسيلمة عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة أو تقتله ، فشهدت اليمامة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه ومعها ابنها عبد الله رضي الله عنه ، فقتل مسيلمة وقطعت يدها في الحرب " .
وذكر ابن هشام في زيادته من طريق أم سعد بن سعد بن الربيع قالت : دخلت على أم عمارة ، فقالت يا خالة أخبريني .
فقالت : خرجت – يعني يوم أحد – ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين ، فلمّا انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكنت أباشر القتال وأذب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف ، وأرمي بالقوس حتى خلصت الجراح إلي .
قالت أم سعيد بنت سعد بن الربيع : فرأيت عاتقها أجوف له غور ، فقلت من أصابك بهذا ؟ قالت ابن قمئة " أهـ .
هذه هي المجاهدة الشجاعة أم عمارة وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة إن الرجال لا يطيقون ثباتها وصبرها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف بالنساء ، ولكن متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحت بإذن الله .
وإليك أختي نموذجاً واضحاً يدل على فداء المرأة وقوة قلبها في سبيل نصر دين الله ، فقد خاطرت بنفسها ودخلت ميدان المعركة واستعدت لمواجهة الرجال كل ذلك بسبب حبها للدين ونصر الإسلام ، وهذا النموذج هي أم سليم فقد جاء عنها في حياة الصحابة 1/597 و صفة الصفوة 2/66 أنها دخلت أرض المعركة يوم حنين فداءً منها لدين الله وكان معها خنجراً " فجاء أبو طلحة يوم حنين يضحك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من أم سليم فقال يارسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ما تصنعين به يا أم سليم ؟ ) قالت : أردت إن دنا أحد منهم مني طعنته وفي رواية قالت : اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يضحك " أهـ .
وهذا أختي المجاهدة نموذج آخر فيها من قوة القلب ما نحتاجه في نسائنا ، و لا نظن أن رجلاً يعلم أن وراءه مثلها فينكص عن الجهاد والإقدام ، وهذا النموذج هي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه و سلم فقد جاء عنها في الإصابة 7/744 أنها قالت " إن رسول الله لما خرج إلى الخندق جعل النساء في أطم – أي حصن - يقال له فارع وجعل معهن حسان بن ثابت ، قالت فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا ، فقلت لحسان قم فاقتله فقال لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله – لأنه كان شيخاً فانياً - ، قالت فاعتجرت وأخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته و قطعت رأسه ، وقلت لحسان قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن ، فقال والله ما ذاك ، قالت فأخذت رأسه فرميت به عليهم ، فقالوا قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا ليس معهم أحد فتفرقوا ، وهي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين أخرجه بن سعد عن أبي أسامة " أهـ .
أما عن تحريضها للرجال على القتال فلم تقتصر في التحريض على لسانها فقط ، ولم تحرض القاعدين بل حرضت الغزاة الذين لم يظفروا بعدوهم ، وكان ذلك التحريض بجوارحها ، قال في الإصابة وجاء من طريق حماد عن هشام عن أبيه أن صفية جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوههم فقال النبي ( يا زبير المرأة )
أما صبرها على المصيبة واحتسابها فهي جبل أشم قال في الإصابة " وفي السيرة من رواية يونس بن بكير قال : قتل حمزة فأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى أخيها فلقيها الزبير فقال أي أمة إن رسول الله يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني أنه مثّل بأخي وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأصبرن وأحتسبن إن شاء الله فجاء الزبير فأخبره فقال ( خل سبيلها ) فأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به ودفن " أهـ .
وهذه قدوة أخرى لك أختي في الله ، فمتى تصل نسائنا إلى ما وصلن من الفداء والإقدام ، وهذه القدوة هي أسماء بنت يزيد بن السكن بنت عم معاذ بن جبل رضي الله عنه ، جاء عنها في سير أعلام النبلاء 2/297 أنها " من المبايعات المجاهدات ، وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم " أ هـ .