المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هي



rushin_911
16-11-2004, 10:24 PM
في أحد الأيّام أخذت أتجوّل ما بين المحلاّت كي أنتقي لي أيّ شيء يستهوي عيناي. لم أطل في البحث كثيراً، وجدت ذلك الكتاب العتيق. لم أتصفّحه و إنّما ابتعته على الفور، أظنّ أن النّاس قد يصفون الوضع بأنّه "حب من أوّل نظرة"، و لكن ما لي و ما للناس. لعلّ ما شدّني هو قدم الكتاب، إذ أن الورق بدأ يصفرّ، أو قد تكون طريقة تجليده هي التي جذبتني إليه، فبدا الكتاب ذلك المجلّد الرمّادي الضخم الممتلئ بالغبار. أوّل ما أمسكته ابتسمت، فلا توجد أي كلمة على الكتاب من الخارج، و حتى في أوّل صفحة لم أجد لا عنواناً ولا ذكر لأي كاتب. فكان ما كان من قراري بأن أطلق على الكتاب اسم"المجوّف"، و إن كان ممتلئاً بالورق. حين رجعت إلى البيت، استلقيت على تلك الأريكة الكبيرة، و أمسكت بالكتاب ففتحته. بدأت في قراءته. أذكر أن أوّل جملةٍ فيه كانت "إنّ الحياة و إن كانت كما هي ليست كذلك، إنّها نتاج الخيال و الخيال غير ساكن." أردت أن أكمل و لكنّ صوت أمّي أبى عليّ إلا و أن أؤجّل القراءة. ذهبت إليها و كان الطلب بأن أتوجّه إلى المحل الموجود بجانب البيت كي أشتري بعض الحاجيّات. حين عدت من الرحلة، و التي لا أنفي كونها كانت مملّة، انطلقت بسرعة نحو الكتاب، و يالدهشتي! كان قد اختفى من الموضع الذي تركته فيه. شرعت في البحث عنه في كلّ مكان "أين ذلك الكتاب؟" سألت كل من هبّ و دبّ في طريقي. وجدته أخيراً مرميّاً في الخارج، إذ أن أخي الصغير على ما يبدو أخذه هناك لحاجةٍ في نفس يعقوب. أمسكته أخيراً و حضنته كمن يحضن مفقوداً عاد بعد سنين طوال، و أتتني فجأةً تلك الرّغبة الملحّة بأن أفتحه في تلك اللحظة ففتحته، و لكن من الوسط، و أخذت أقرأ. "كانت هدى تمشي في الطريق على غير هدىً، فأتت لمياء تسألها عن الذي بها، فأجابتها بأنّ بها علّةٌ لا تشفى إلا بإذن الله، ثمّ توجّها نحو الصيدليّة..." و انتبهت لحظتها أنّه لم يكن هناك أي نقطة في كل الصفحة، و إنّما مجرد فواصل. ولذا، و انصياعاً للغرور الذي تملّك نفسي، أضرمت النار في الكتاب; كبريائي يمنعني من أن أقرأ مثل هذه الكتب ذات المستوى المتواضع! و بينما أخذ الكتاب يحترق تذكّرت الجملة الأولى فيه "إنّ الحياة و إن كانت كما هي ليست كذلك، إنّها نتاج الخيال و الخيال غير ساكن". و لسببٍ ما أخذت هذه الجملة تتكرّر في ذهني فأطفأت النار بسرعة، علّني أنقذ أي جزءٍ من الكتاب. لم يتبّق فيه الكثير، سلم الجزء الأخير فقط. أخذت أقرأ منه فكان الذي قرأته " "إن الذي يودّ أن يرى نفسه مخلّداً في ذكرى الناس فعليه بأذيّتهم، فالناس لا يذكرون إلا المساوئ". فتنهّدت هدى و قالت "و لكن الناس تنسى، إن الحياة كلّها مبنيّة على النسيان" ". عندها أدركت أن غروري كان بلا منطق، و أن الدافع إلى فعلتي كان الحمق. غير أنّني وضعت الجزء الباقي على الأرض و أحرقته، فما بدأ لا بدّ وأن ينتهي.


انتهى :)

ثريول
17-11-2004, 11:08 PM
قصة جميلة جداً عزيزي روشن, وفعلاً ,, الناس يذكرون المسيء والمخالف, وينسى المحسن الماشي على ما تجري عليه العادة.. حتى ولو كان صحيح الدرب.

شكراً .

rushin_911
19-11-2004, 05:16 PM
شكراً على الرّد اللطيف :)