المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأضابير



راضي جودة
01-12-2004, 09:42 PM
الأضابير
قصة قصيرة


ذهبت إلى مكتب السيد رئيس قلم الأرشيف في ديوان المحفوظات بمصلحة الشهر العقاري بوزارة المالية , وعند باب غرفته وقبل استقبالي اياه استقبلتني لافته لونها أقرب إلى السواد منه إلى الإخضرار . كانت في الأصل نحاسية لها بريق الذهب ولكنها اخذت طابع المكان مع طول البقاء , ولعلها هي الأخرى قد تخلل إليها اليأس فمنذ أن علقها كاتب الأرشيف عفيفي أفندي عبد الهادي بعد اختيار دقيق للخطاط الذي أبدع في اخراجها على هذا النحو حيث كان يحلو له الوقوف قبالتها يوميا ويعيد قراءتها (قلم الأضابير) ثم ينفث فيها من أبخرة فمه ثم يزيح تلك الأبخرة بالمنديل رغبة منه في الصقل والتلميع الذي كان يحلم به هو الآخر مع كل يوم طلعت فيه الشمس, ولكن حركة الوظيفة تبرد حرارتها مع مرور الزمن وزيادة الأعباء , وأمتلاء الأرفف والخزائن وكل حيز بتلك الأضابير والملفات . ذلك بالاضافة إلى بعض كتب التسجيل.
استقبلني الرجل بحرارة غيرت مفهومي عن تلك التكشيرة التي يرسمها شاغلو تلك الوظيفة .. مع اليوم الأول للاستلام مثلها مثل قلم (الكوبيا) وقطعة القماش السوداءوالختامة وخاتم المصلحة.
وبشاشة الرجل أفقدتني لذة التدقيق في فحوى المكان بعدما راح يسهب في عبارات الود .. حتى أنطلق لسانه دون أن يترك لى فرصة .. وصحيح أنه قد أنعم عليه بلقب حضرة الباشكاتب منذ اليوم الأول للعمل بتلك الوظيفة تعد الامتداد الطبيعي للسابقين ممن سجلوا معلوماتهم على جلود وعظام وجدران وأعمدة مباني , إلا أنه قد تفوق عليهم باضافة البعد الثالث بشغل حيز الفراغ , وبعد أن حركته كلماتي وندائى له .. (عفيفي بك) أشار الرجل إلى هذا الكم الهائل من اللفائف التي يعتمد على توثيقها بالحبال وقطع الكرتون مثبوت فيها بعض الأرقام أو الأحرف لسهولة الأستدلال عليها , وبالتالي فانه غير مسموح بفك تلك الأحبال والأربطة دون إذن كتابي منه شخصيا.. لأن هذه المجموعة التي على اليمين جزء من تاريخه وكانت أول الأعمال التي تشرف بالقيام بها, وأما المجموعة التي تعلوها فقد تميزت بنوع خاص من الورق جاءت بشكل منحة للمصلحة منذ خمسة وعشرين سنة يوم رزق بإبنته التي هلت ومعها الخير بالمنحة والعلاوة ـ كانت بنت مبروكة صحيح ـ ثم هناك الصناديق المغلقة بداخلها أيضا لفائف للحراسات التي كانت من أدق أعماله وكان يواصل الليل بالنهار للإنتهاء منها تخلصا من تلك الوجوه الواجمة التي تثقب يديه بنظراتها وهو يسجل ويبدل ويكتب على هوى من يمليه دون اعتبار لوثائق أو مستندات فانهم يعرفون كل شيء حتى مبلغ العشرة جنيهات التي تسلفها من الموظف الجديد.
ابلغوه بعدد الخطوات التي يقطعها من منزله إلى مبنى ديوان المحفوظات فكيف يسأل عن عقود أو صكوك كما أنهم وعدوه بالترقية والتغاضي عن الساعات التي يقرأ فيها بعض الجرائد أثناء تناوله فنجان القهوة السوداء .. والتي هي أحد علاماته .. وعاداته اليومية فلم تكن هناك أي نغمة نشاذ هو دقيق كالساعة .. ويتذكر عدد المرات التي ارتدى فيها البدلة القرنفلي كان يحب القرنفل عن كل أنواع الزهور . صحيح أن لون البدلة( فاقع ) إلى حد ما لكنها عزيزة عليه لأنها أقامت معه منذ أن انتقل للشقه الجديدة بعد ولادة ابنته بثلاث سنوات كانت بنت مبروكة .ز أنه تاريخ كل جزء فيه يذكره بحياته والذكريات تفعل بالنفس الأفاعيل .. تنبه لوجودي وكأنه كان يحاكي نفسه :
منذ فترة وأنا هنا لم أكن أظن أن يد التغيير سوف تمتد إلى حياتي أو إلى ملفاتي .. كانت لمبات قليلة لكنها كانت كافية أضيفت إليها بعض لمبات ـ الفلورسنت ـ .. أنها يد الحداثة يا عزيزى ثم تم تكريم هذا المكان بتلك المروحة ربما تكون عتيقة لكنها مازالت تعمل بنفس الطاقة مثلي .. يا أخي الدهن في العتاقي برضه ثم الآلة الحاسبة التي لا استغني عنها في منتهى الروعة وتعمل بالبطارية وسمعت أنهم صنعوا تليفون يتحرك معك في كل مكان الحداثة تزحف للمكان مثلك تماما وسوف تعجبك الوظيفة .. وعليك ان تتحلى بالصير فهي الحكمة التي عاشت معى سنوات عمري(الصبر مفتاح الفرج) فأنتبهت له قائلا : ولكني لست الموظف الجديد
ولكنك لم تطلب أي معلومات فانت لست واحد من العملاء
لا . ولكني مهندس الشبكات جئت لأرى المكان الذي سوف يوضع فيه الحاسب الآلى !!![/align]