المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وسواس الوطنية



العناقره
06-12-2004, 11:55 AM
لقد جاءت تحذيرات القرآن المتكررة من الشياطين، في آيات كثيرة أبرزها قوله تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}، والعدو يتفنن في إيذاء عدوه والنيل منه، فهو تارة يخوفه {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وتارة يزين له العمل الفاسد {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ...}، وإذا تمكن منه أنساه ذكر الله، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ...}، وأحياناً يوقع العداوة والبغضاء {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}، إلى غير ذلك من حيل الشيطان وطرقه. وقد تقرر في الإسلام بأن هناك شيطاناً جنياً، وآخر إنسياً، {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}. حتى قال بعض أهل العلم بأن الشيطان الإنسي أخطر من الشيطان الجني، وأكثر ضرراً، وأشد فتكاً، أورد الطبري وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإنس والجن، قال: قلت يا رسول الله! وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر. فعلى المسلم أن يحذر هذا الشيطان أكثر، وأن يتعرف عليه أكثر، وأن يتفطن لطرقه وأساليبه أكثر، لكي يسلم من شره، وينجو من غوايته. ذلك أن أساليب شياطين الإنس في إغواء الناس أشدّ من أساليب شياطين الجن، إذ أنهم يعملون في تجارة خفية مع شياطين الجن، ويسوقون بضاعتهم الخبيثة على الناس كافة بمن فيهم كثير من المخلصين، خلافاً لشياطين الجن الذين ليس لهم سلطان على هذه الفئة. فكل من تعاون مع إبليس بأي شكل من الأشكال، وكان من جنوده في الإغواء تحت أي لواء، فإنه شيطان إنسي، وكل من كانت له مشاركات وجهود في صد الناس عن سبيل الله، فهو شيطان إنسي. وكل من دعا إلى طرق الباطل بأي أسلوب، وتحت أي شعار أو مذهب، فهو شيطان إنسي، والمثبط والمعوق للناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. شيطان إنسي، والمحبب الرذيلة للناس بأي مصطلح، وتحت أي مسمى.. شيطان إنسي، وكذا كل من سار معهم وروج لبضاعتهم.

أيها الناس: إن لكل عصر شياطينه من الإنس، فكما كان أبو لهب وأبو جهل واليهود والثقفي الكذاب، والعبيديون والباطنيون والقرامطة والنصيرية، وغيرهم شياطينَ الإنس في الماضي، فإن شياطين الإنس اليوم قد خرجوا علينا في حُلل جديدة، يتسترون خلف أقنعة الوطنية، ويثيرون النعرات العصبية في العرب والعجم من المسلمين وغير المسلمين، ليتولى كبرها بعضُ الشياطين، ويتم نشرها في وقت سريع، ليحصل من جراء وسواسها في تركيا وغيرها من بلاد المسلمين شر كبير وفتنة عظيمة، سحقت دولة خلافة المسلمين وأنتجت لنا هذه الأشكال المعوقة من الدمى الوطنية المشوهة. فهم الذين يسمون الفساد إصلاحاً، والمؤامرات والفتن ونقض العهود تحرراً، وهم الذين يسمون خيانة الله ورسوله وطنية، وارتكاب الفواحش مدنية، ويسمون الدياثة حضارة وتطوراً، والجهاد إرهاباً، ونبذ كتاب الله رقيًا ومسايرة للزمن، بل قلبوا المفاهيم رأساً على عقب، إلى حد تسمية الداعين إلى إقامة الدين زنادقة، والمجاهدين فئة ضالة، والمدافعين عن الديار والأعراض مجرمين!

لقد تفاقم شر هؤلاء الشياطين، وكثر جنودهم وأولياؤهم وعمت فتنتهم، وكثر ضررهم، وسيطر شياطين الإنس على أغلب المرافق، وتاجروا بالعقول، فهل نبقى مكتوفي الأيدي حيالهم، نراقب تشريح أجسادنا ونحن أحياء؟ وهل هذه وصية الله ورسوله لنا تجاه شياطين الإنس والجن؟ ألم نؤمر بالاستعاذة بالله منهم؟ أليس من واجبنا أن نتخذهم أعداء لا نواليهم بل نقاتلهم بكل ما نستطيع؟ فماذا عسانا نفعل مع وسواس الوطنية الذي عم ديارنا وينعق به الناعقون ليلاً ونهاراً؟ هل نكتفي بمقاطعة الانتخابات الفلسطينية، ولعن العنصرية الخليجية، والدعاء على من تأردن أو تعرقن أو تسيرن أو تلبنن أو تمصرن؟ أم أن الأمر أبعد من ذاك مما يحتمه علينا ديننا من التعوذ بالله من همزات هذا الوسواس ونفخاته ونفثاته، والعمل على قطع دابره حتى نريح الأرض من شره؟ وكيف يكون هذا العمل العظيم؟ وما هي سبله ووسائله، ولماذا يعرض كثير من الناس عنه لمجرد سماعه، كما أعرضوا في الماضي عند سماع دعوة الإسلام التي جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور؟

أيها الناس: لا يتأتى القيام بذلك إلا بالدعوة إلى الله عز وجل، والعمل للإسلام، والبذل للدين، للتصدي لهؤلاء الشياطين بفضح خططهم، وتوضيح أساليبهم، وتحذير الناس منهم، تحذيراً عاماً وخاصاً، ولا يتأتى القيام بذلك إلا إذا نبذنا دعوة الوطنية وتعوذنا بالله من وسواسها، ولا يتأتى ذلك إلا بالقيام بأعمال نظيفة شرعية خالصة لله عز وجل من شأنها أن تعيد للإسلام دولته، وللمسلمين عزتهم ورفعتهم، وللأمة مجدها وسؤددها، فننبذ الوطنية نبذ النواة والنجاسات، ونبرأ إلى الله من الإنتخابات لا أن نقاطعها مؤقتاً، ثم نعود إذا أريد لنا أن نعود! فكيف بالله عليكم يا من أوجبتم المشاركة في الانتخابات تتخذون قراراً بإهدار هذا الواجب وتخالفون اجتهادكم الشرعي لأسباب غير شرعية وأنتم تعلمون؟ وأنتم يا من تتنافسون على رئاسة دولة غير موجودة، أين هي عقولكم؟ وبأي شرع ستحكمون إذا هيأت أميركا لكم دمية تشبه الدولة؟ وما هي برامجكم التي ستسيرون عليها، وأهدافكم التي تسعون لتحقيقها؟ وهل من بينها إقامة شرع الله في أرض الله، فإذا كان الجواب بالنفي – وهذا ما أطمئن له - خبتم وخاب مسعاكم. ولو وجد بينكم مرشح يعلن أن برنامجه حل السلطة بكافة مؤسساتها، وحل التنظيمات الوطنية جميعها، والتبرؤ من المعاهدات والاتفاقيات الخيانية جميعها، وإعلان إعادة القضية الفلسطينية إلى حضن المسلمين جميعاً وليس إلى العرب قولاً واحداً، لأعطيته صوتي دون تردد. فهذا هو مرشحي المفضل في الانتخابات الفلسطينية، بشرط ألا يكون أسيراً وراء القضبان، فإني أحب أن أرى أميري وأبايعه بصفقة يدي وثمرة قلبي.

وأما مرشحي المفضل في الانتخابات العراقية فهو الذي يقول لا للحكومة المؤقتة، ولا لأميركا، ولا للأمم المتحدة، ولا لفصل العراق عن أمته الإسلامية، ونعم لإقامة الدولة الإسلامية في العراق وطرد الأميركيين وحلفائهم منها، ونبذ الوطنية الكردية والعربية والأشورية والفارسية، ورفض الطائفية الشيعية أو السنية. وكذا هو مرشحي للإنتخابات اللبنانية الذي يعمل لإلحاق لبنان بأصله سوريا وضم الكل إلى كيان دولة الخلافة فور قيامها، ومرشحي للإنتخابات الأردنية الذي يجعل الإسلام أولاً وآخراً، وهكذا الحال إن وجد أمثال هؤلاء المرشحين للإنتخابات الأفغانية والتركية والإيرانية واليمنية والجزائرية وباقي بلاد المسلمين، فهو المرشح الذي يعطى الصوت بأمانة ليحقق أمانة الصوت.

أيها الناس: إنني أحب أن ألفت نظر المسلمين إلى أمر في غاية الوضوح والبساطة، وتستطيع الأبصار والبصائر أن تدركه من غير معاناة فكرية، ألا وهو أن الغرب الكافر وعلى رأسه أميركا المجرمة يسوِّقون لنا بضاعة مزجاة، ويوسوسون في صدورنا بوسواس الوطنية التي لفظتها أسواقهم السياسية، وتعوذ مفكروهم بالشيطان من شرها. فأميركا دولة واحدة – وهذا هو سر قوتها - رغم أنها خمسون قومية، وبريطانيا دولة واحدة رغم تعدد قومياتها، والهند دولة واحدة بقوميات كثيرة، والاتحاد السوفييتي كان دولة واحدة نافست أكبر دولة في العالم، وكان سر قوته يكمن في ذوبان قومياته تحت لواء واحد. ولكن عندما يأتي الأمر إلى المسلمين فالوحدة عليهم محرمة، والفرقة بينهم سنة مؤكدة. ولهذا هدمت دولة الخلافة العثمانية، وفصلت بنغلاديش عن الباكستان، وسلخ لبنان عن سوريا، وفك الارتباط الأردني الفلسطيني، وضل جنوب السودان عن شماله، وحصلت أمور بين ذلك كثيراً!

أيها الناس: لقد تفاقم شر شياطين الإنس في هذا الزمان، إلى حد أنهم أراحوا الأبالسة من الجن في كثير من الأمور، وأراحوا شياطين الاستعمار في كثير من المهام. وصارت مهمة الخلاص من شرورهم من أعظم وأجل المهمات على الإطلاق. فكما أننا مأمورون بأن نكل العصمة من شياطين الجن إلى الله، والمعصوم من عصمه الله، فإننا مأمورون أيضاً أن نتصدى لشياطين الإنس بطاقاتنا وقدراتنا وإمكانياتنا، مستعينين بالله ربنا وخالقنا ورازقنا، فهو حسبنا ونعم الوكيل. فالواجب الشرعي يحتم علينا أن نعمل للخلاص منهم ومن نفوذهم ووساوسهم. ولا يتأتى ذلك إلا بالعمل مع العاملين المخلصين لإقامة دولة خلافة المسلمين الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي توحد صف المسلمين، وتذيب قومياتهم، يبايع فيها أمير واحد، يقاتل الكفار عن قوس واحدة فينسيهم وساوس الشيطان. فاللهم اجعلنا من جنودها وشهودها ومن العاملين المخلصين لإقامتها. نسأل الله أن يقينا شر أنفسنا، وشر وساوس شياطين الجن والإنس.


الشيخ عصام عميرة
21شوال1425هـ - 3/12/2004م
----------
منقول من موقع النهضه www.al-nahda.com (http://www.al-nahda.com)