zoya-game
12-12-2004, 08:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
فـتـوى
((الإعلام ببطلان القول بوجوب الطاعة والاستسلام
لمن نصبه العدو الكافر في أرض الإسلام))
بقلم . د/ حاكم المطيري الأمين العام للحركة السلفية
سؤال : ما صحة الفتوى بوجوب السمع والطاعة للحاكم الذي نصبه العدو الكافر في بلد إسلامي، بدعوى أن النبي يوسف كان وزيرا لملك مصر، وهو الذي ولى يوسف أمر خزائن الأرض كما جاء في القرآن ؟ وما حكم من يفتي بذلك ؟وهل يسوغ تقليده؟ وما الذي يجب على المسلمين إذا استقر الأمر لمثل هذا الحاكم على القول ببطلان ولايته؟.
الجواب : الحمد لله ولي المؤمنين، وصلى الله وسلم على إمام الموحدين، محمد بن عبدالله وآله وصحبه أجمعين ، وبعد:
فقد كثر السؤال عما أثاره بعض الشيوخ في وسائل الإعلام من شبه هدمت من الدين الفرع والأصل ، وصادمت من الأدلة الشرع والعقل، ومنها هذه القضية التي طرحها ذلك الشيخ على الناس ولم يسبقه إليها أحد من الأئمة، ولا سلف الأمة، بل صادم بها قطعيات النصوص الشرعية، وأحكامها القطعية، وهذا بيان وجه بطلان هذا القول أصلا وفرعا:
أولا : وجه بطلان هذا القول أصلا :
فمن المعلوم بالأدلة القطعية أن السمع والطاعة إنما هما فرع من فروع أصل المولاة، وهي ـ أي المولاة ـ أصل من أصول الإسلام، وركن من أركان الإيمان، وقد نص القرآن على هذا الأصل العظيم في آيات كثيرة، ورتب عليه أحكام خطيرة، ومن ذلك :
1ـ أن الله جعل نفسه ولي المؤمنين ، وجعل الطاغوت ولي الكافرين ، كما قال تعالى {الله ولي الذين آمنوا ... والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت}(البقرة 257)والولي هو النصير والظهير.
2ـ وحصر الولاية وقيدها فقال سبحانه {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(المائدة 55).
3ـ وحرم مولاة غير المؤمنين تحريما قاطعا فقال سبحانه{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (الممتحنة 1)، وقال{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء}(آل عمران 28)، وقال أيضا {يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم}(الممتحنة 13).
4ـ وقطع كل أشكال وصور المولاة معهم فقال {لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}(التوبة23).
5ـ وجعل حكم من تولاهم كحكمهم فقال في شأنهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}(المائدة 51).
6ـ وشرط لتحقق الإيمان عدم المولاة لهم فقال سبحانه{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء}(المائدة 81) فدل على أن من اتخذهم أولياء لم يتحقق له الإيمان بالله والرسول والكتاب.
7ـ وأوجب المولاة بين المؤمنين، كما جعل الظالمين والمشركين أولياء للظالمين والشياطين، فقال جلا وعلا {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}(التوبة 71)، وقال في شأن الظالمين{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}(الجاثية19)، وقال أيضا{والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}(الأنفال73)، وقال{إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}(الأعراف 27).
8 ـ وحرم على المؤمنين طاعتهم واتباعهم وجعل طاعتهم من الشرك به فقال{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}(الأنعام 121)، وقال أيضا{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}(الأعراف3).
9ـ وأوجب على المؤمنين جهاد المشركين أولياء الشياطين فقال سبحانه {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}(النساء 76)، وقال أيضا {واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا}(النساء 89)، وجعل الغاية من قتالهم أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين والطاعة كلها لله فقال{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}(الأنفال39).
10ـ وأجب على المؤمنين البراءة منهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده فقال سبحانه{ لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ... لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول الله فإن الله هو الغني الحميد}(الممتحنة 4ـ 6).
11ـ وجعل الله سلطان الشياطين والكافرين على أوليائهم ولم يجعل لهم على المؤمنين سلطانا ولا سبيلا فقال سبحانه{فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}(النحل 98ـ 100) وقال أيضا{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}(النساء 141)، بل وأوجب على المسلمين الهجرة من أرض الكفرـ قبل الفتح ـ ولم يجعل لهم ولاية مع المؤمنين حتى يهاجروا إلى أرض الإسلام كما قال تعالى {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}(الأنفال 72).
12ـ وكتب الله العزة والنصر في الدنيا والآخرة له ولأنبيائه ولأوليائه المؤمنين فقال سبحانه{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون *الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}(يونس62 ـ 64)، وقال {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}(المائدة 56) وقال أيضا{ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فلله العزة جميعا}(النساء 139).
فإذا كان أمر الولاية على النحو المذكور ـ من كون الله سبحانه وتعالى هو ولي المؤمنين ، كما أن الطاغوت هو ولي الظالمين، ومن كون الولاية هي لله ولرسوله وللمؤمنين ، وأنه يحرم على المسلم أن يوالي غير المؤمنين ولو كان أبا أو أخا، وأن من تولاهم كان منهم ومثلهم في كفرهم ، وأن دعوى الإيمان بالله ورسوله وكتابه لا تتحقق مع اتخاذ غير المؤمنين أولياء، وأنه يحرم طاعتهم واتباعهم، بل يجب عداوتهم وجهادهم حتى يكون الدين كله لله ، وأن طاعتهم وتوليهم واتباعهم هو من الشرك بالله والكفر به....الخ ـ فكيف يسوغ في دين الله القول بمشروعية السمع والطاعة لهم التي تقتضي النصرة مع أن الولاية ـ التي تعني النصرة ـ محرمة بينهم وبين المسلمين، بل وتقتضي الردة عن الدين، والخروج عن سبيل المؤمنين؟!
وكيف يستقيم القول بوجوب السمع والطاعة لمن هو عدو لله ورسوله ممن أوجب الله على المؤمنين جهاده من الكفار والمنافقين كما قال تعالى{يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}(التوبة 73)؟!
وكيف يسعى المؤمن في نصرة من يريدون أن يطفئوا نور الله ، ويعطلوا شريعته، يبطلوا أحكامه، في الوقت الذي أوجب الله عليه الجهاد في سبيله حتى يكون الدين كله لله؟!
وكيف يبرأ المؤمن من المشركين والكافرين ويعاديهم ويبغضهم ولو كانوا عشيرته وفي الوقت نفسه يجب عليه طاعتهم وتوليهم ونصرتهم؟!
والمقصود أن أصل الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين، وأصل البراءة من المشركين والظالمين، يتناقضان كلية مع القول بوجوب السمع والطاعة للمشركين وأولياء المشركين أو لمن يوليه العدو على المؤمنين، إذ الولاية ـ التي تعني النصرة والتي هي خاصة لله ولرسوله وللمؤمنين ـ تتناقض مع الطاعة ـ التي تقتضي النصرة ـ التي يوجبها صاحب هذه الفتوى!!
ثانيا : وجه بطلان هذا القول فرعا:
وإذا كان ما سبق بيانه قاض ببطلان هذا القول أصلا، لمناقضته لأصول الإيمان، وقطعيات القرآن، فإنه باطل أيضا فرعا، لمصادمته لأحكام فقهية فرعية قطعية أيضا، ومن ذلك :
1ـ أن السمع والطاعة لولي الأمر من الأحكام الشرعية، وقد جعل الله السمع والطاعة له، ولرسوله، ولأولي الأمر من المسلمين كما قال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}(النساء)
فجعل الطاعة لله ورسوله مطلقة، وجعل الطاعة لولي الأمر (منا) أي من المسلمين، فليس لغير الإمام المسلم سمع ولا طاعة بالإجماع، كما جعل طاعة ولي الأمر المسلم مقيدة بطاعة الله ورسوله، فإذا اختلف المسلمون مع ولي أمرهم وجب عليهم جميعا التحاكم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جاء في الحديث (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وجاء أيضا (إنما الطاعة بالمعروف)، قد نص على ذلك الصديق بعد البيعة له مباشرة في خطبته الصحيحة حيث قال (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم) وجاء في الصحيح (اسمعوا وأطيعوا وإن كان عبدا حبشيا ما قادكم بـ ـ أو أقام بكم ـ كتاب الله).
وقد أجمع المسلمون على أنه يشترط في الإمام الذي يجب له السمع والطاعة :الإسلام والعدالة، كما أجمعوا على وجوب طاعة الإمام العدل ـ وهو من تولى الأمر بالرضى والشورى ـ فيما كان من طاعة الله ورسوله كما إذا أمر بالجهاد، وإقامة الحدود، والفصل بين الناس ....الخ.
فإن طرأ عليه فسق أو ظلم يخرجه من حد العدالة، فقد اختلف السلف في وجوب طاعته، فمنهم من لا يرى إمامته أصلا، ولا يرى له طاعة، ويوجب الخروج عليه كالحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وكل من خرج على الحجاج من علماء العراق كسعيد بن جبير، وحجتهم في ذلك قوله تعالى{ قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهد الظالمين}(البقرة) فقالوا الظالم لا يكون إماما أبدا.
ومنهم من لا يرى إمامته، ولا يرى طاعته، ولا يوجب الخروج عليه، ولا يمنع منه، كمالك بن أنس، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، وحجته قوله تعالى{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} فحرموا الركون والميل إليهم، وإن لم يوجبوا الخروج عليهم، ولم يحرموه أيضا، وقد سئل مالك عن القتال مع الأئمة لمن خرج عليهم، فقال إن كان الإمام كمثل عمر بن عبد العزيز فقاتل معه، أما إن كان مثل هؤلاء الظلمة فلا ، دع الله ينتقم من الظالم بمثله.
ومنهم من يرى إمامته، وطاعته في طاعة الله ورسوله فقط، ويرى الصبر، ويحرم الخروج عليه كأحمد، كما هو مفصل في كتب الفقه، وهؤلاء إنما راعوا المصالح الكلية التي قد تتعطل بالخروج عليه كوحدة الأمة، وإقامة أمر الجهاد، وحماية البيضة من العدو، وإقامة مصالح الناس ....الخ.
فإذا اختلف الناس على إمامين ـ كما حدث في عهد ابن الزبير ـ فهو زمن فتنة، ولم يروا البيعة لواحد منهما، ولا السمع والطاعة لهما، حتى يكون الناس جماعة على إمام واحد، وهو مذهب الإمام أحمد فقد سئل ـ كما في أحكام أبي يعلى ص 23 ـ عن حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) فقال للسائل أتدري من ذاك؟ هو الذي يجمع المسلمون عليه كلهم يقول هذا الإمام.
أما إذا كفر الإمام، وارتد عن الإسلام، فقد أجمعوا على سقوط إمامته وطاعته، بل ووجوب الخروج عليه وخلعه، إذ المقصود من الإمامة أصلا إقامة الدين، وسياسة الأمة، وإقامة الجهاد في سبيل الله ، وتحكيم شرعه....الخ.
وقد نقل هذا الإجماع كثير من العلماء كالقاضي عياض ـ كما في شرح النووي على مسلم (12/229) ـ وعبارته ( أجمع العلماء على أنه لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة ـ أي مكفرة ـ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة منهم وجب عليهم القيام بخلع الكافر). ، وكذا نقل الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر كما في الفتح (3/123).
فالقول بوجوب السمع والطاعة لمن جاء به العدو الكافر ونصبه في دار الإسلام يصطدم بالنصوص القطعية، والإجماع القطعي على وجوب الخروج على الإمام إذا طرأ عليه كفر، أو كان كافرا أصليا ، للحديث الصحيح (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) أي فنابذوا الأمراء حينئذ بالسيف.
والمقصود أن السمع والطاعة ـ المجمع عليها بين الأئمة وسلف الأمة ـ إنما تكون للإمام المسلم العدل، كما أنه مجمع على أنه لا سمع ولا طاعة للكافر، أو لمن طرأ عليه الكفر، ولا خلاف بين الأمة في ذلك، وأما الإمام الجائر أو الفاسق فقد اختلف الأئمة، وسلف الأمة في السمع والطاعة له اختلافا كبيرا، وهذا كله في الإمام الذي يصدق عليه أنه ولي أمر ليس فوقه من هو أعلى منه سلطة وسيادة، وهو من يطلق عليه في الفقه الإمام العام أو الإمام الأعظم وهو الخليفة، أما من يأتي به العدو الكافر الغازي وينصبه على المسلمين فإنه خارج عن محل الخلاف بلا خلاف، إذ الحاكم في واقع الأمر هو العدو الكافر الذي نصبه إماما، وهو ولي أمره، فمن أوجب له السمع والطاعة فإنما يوجبها للعدو الغازي، ويرى أنه يدخل في عموم الآية {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ومن يرى مثل الرأي الباطل، إنما يرد على الله ورسوله حكمهما، وينقض إجماع الأمة على أن السمع والطاعة لا تكون إلا للإمام المسلم وليس لكل إمام، إذ الكافر أو المنافق الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا واجب على الأمة جهاده، لا طاعته أو السمع له، وقد قال الله{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وإذا كان الله سبحانه لم يجعل للكافر على ابنته إذا أسلمت ولاية ولا سبيلا، فلا يعقد نكاحها، ولا يحل له ميراثها، ولا يتصرف في مالها، فكيف يكون له ذلك على الأمة كلها يتصرف في دمائها وأرضها وشئونها؟!! فهذا لا يقوله من يعلم عن الله كتابه، ولا من يفهم عن الشارع خطابه، ولا يصدر عمن يعرف الفقه، وأحكامه، ومقاصده، وهذا يدخل في القول على الله بلا علم وهو كالشرك به كما قال تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}(الأعراف 33).
فـتـوى
((الإعلام ببطلان القول بوجوب الطاعة والاستسلام
لمن نصبه العدو الكافر في أرض الإسلام))
بقلم . د/ حاكم المطيري الأمين العام للحركة السلفية
سؤال : ما صحة الفتوى بوجوب السمع والطاعة للحاكم الذي نصبه العدو الكافر في بلد إسلامي، بدعوى أن النبي يوسف كان وزيرا لملك مصر، وهو الذي ولى يوسف أمر خزائن الأرض كما جاء في القرآن ؟ وما حكم من يفتي بذلك ؟وهل يسوغ تقليده؟ وما الذي يجب على المسلمين إذا استقر الأمر لمثل هذا الحاكم على القول ببطلان ولايته؟.
الجواب : الحمد لله ولي المؤمنين، وصلى الله وسلم على إمام الموحدين، محمد بن عبدالله وآله وصحبه أجمعين ، وبعد:
فقد كثر السؤال عما أثاره بعض الشيوخ في وسائل الإعلام من شبه هدمت من الدين الفرع والأصل ، وصادمت من الأدلة الشرع والعقل، ومنها هذه القضية التي طرحها ذلك الشيخ على الناس ولم يسبقه إليها أحد من الأئمة، ولا سلف الأمة، بل صادم بها قطعيات النصوص الشرعية، وأحكامها القطعية، وهذا بيان وجه بطلان هذا القول أصلا وفرعا:
أولا : وجه بطلان هذا القول أصلا :
فمن المعلوم بالأدلة القطعية أن السمع والطاعة إنما هما فرع من فروع أصل المولاة، وهي ـ أي المولاة ـ أصل من أصول الإسلام، وركن من أركان الإيمان، وقد نص القرآن على هذا الأصل العظيم في آيات كثيرة، ورتب عليه أحكام خطيرة، ومن ذلك :
1ـ أن الله جعل نفسه ولي المؤمنين ، وجعل الطاغوت ولي الكافرين ، كما قال تعالى {الله ولي الذين آمنوا ... والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت}(البقرة 257)والولي هو النصير والظهير.
2ـ وحصر الولاية وقيدها فقال سبحانه {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(المائدة 55).
3ـ وحرم مولاة غير المؤمنين تحريما قاطعا فقال سبحانه{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (الممتحنة 1)، وقال{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء}(آل عمران 28)، وقال أيضا {يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم}(الممتحنة 13).
4ـ وقطع كل أشكال وصور المولاة معهم فقال {لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}(التوبة23).
5ـ وجعل حكم من تولاهم كحكمهم فقال في شأنهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}(المائدة 51).
6ـ وشرط لتحقق الإيمان عدم المولاة لهم فقال سبحانه{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء}(المائدة 81) فدل على أن من اتخذهم أولياء لم يتحقق له الإيمان بالله والرسول والكتاب.
7ـ وأوجب المولاة بين المؤمنين، كما جعل الظالمين والمشركين أولياء للظالمين والشياطين، فقال جلا وعلا {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}(التوبة 71)، وقال في شأن الظالمين{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}(الجاثية19)، وقال أيضا{والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}(الأنفال73)، وقال{إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}(الأعراف 27).
8 ـ وحرم على المؤمنين طاعتهم واتباعهم وجعل طاعتهم من الشرك به فقال{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}(الأنعام 121)، وقال أيضا{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}(الأعراف3).
9ـ وأوجب على المؤمنين جهاد المشركين أولياء الشياطين فقال سبحانه {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}(النساء 76)، وقال أيضا {واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا}(النساء 89)، وجعل الغاية من قتالهم أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين والطاعة كلها لله فقال{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}(الأنفال39).
10ـ وأجب على المؤمنين البراءة منهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده فقال سبحانه{ لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ... لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول الله فإن الله هو الغني الحميد}(الممتحنة 4ـ 6).
11ـ وجعل الله سلطان الشياطين والكافرين على أوليائهم ولم يجعل لهم على المؤمنين سلطانا ولا سبيلا فقال سبحانه{فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}(النحل 98ـ 100) وقال أيضا{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}(النساء 141)، بل وأوجب على المسلمين الهجرة من أرض الكفرـ قبل الفتح ـ ولم يجعل لهم ولاية مع المؤمنين حتى يهاجروا إلى أرض الإسلام كما قال تعالى {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}(الأنفال 72).
12ـ وكتب الله العزة والنصر في الدنيا والآخرة له ولأنبيائه ولأوليائه المؤمنين فقال سبحانه{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون *الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}(يونس62 ـ 64)، وقال {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}(المائدة 56) وقال أيضا{ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فلله العزة جميعا}(النساء 139).
فإذا كان أمر الولاية على النحو المذكور ـ من كون الله سبحانه وتعالى هو ولي المؤمنين ، كما أن الطاغوت هو ولي الظالمين، ومن كون الولاية هي لله ولرسوله وللمؤمنين ، وأنه يحرم على المسلم أن يوالي غير المؤمنين ولو كان أبا أو أخا، وأن من تولاهم كان منهم ومثلهم في كفرهم ، وأن دعوى الإيمان بالله ورسوله وكتابه لا تتحقق مع اتخاذ غير المؤمنين أولياء، وأنه يحرم طاعتهم واتباعهم، بل يجب عداوتهم وجهادهم حتى يكون الدين كله لله ، وأن طاعتهم وتوليهم واتباعهم هو من الشرك بالله والكفر به....الخ ـ فكيف يسوغ في دين الله القول بمشروعية السمع والطاعة لهم التي تقتضي النصرة مع أن الولاية ـ التي تعني النصرة ـ محرمة بينهم وبين المسلمين، بل وتقتضي الردة عن الدين، والخروج عن سبيل المؤمنين؟!
وكيف يستقيم القول بوجوب السمع والطاعة لمن هو عدو لله ورسوله ممن أوجب الله على المؤمنين جهاده من الكفار والمنافقين كما قال تعالى{يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}(التوبة 73)؟!
وكيف يسعى المؤمن في نصرة من يريدون أن يطفئوا نور الله ، ويعطلوا شريعته، يبطلوا أحكامه، في الوقت الذي أوجب الله عليه الجهاد في سبيله حتى يكون الدين كله لله؟!
وكيف يبرأ المؤمن من المشركين والكافرين ويعاديهم ويبغضهم ولو كانوا عشيرته وفي الوقت نفسه يجب عليه طاعتهم وتوليهم ونصرتهم؟!
والمقصود أن أصل الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين، وأصل البراءة من المشركين والظالمين، يتناقضان كلية مع القول بوجوب السمع والطاعة للمشركين وأولياء المشركين أو لمن يوليه العدو على المؤمنين، إذ الولاية ـ التي تعني النصرة والتي هي خاصة لله ولرسوله وللمؤمنين ـ تتناقض مع الطاعة ـ التي تقتضي النصرة ـ التي يوجبها صاحب هذه الفتوى!!
ثانيا : وجه بطلان هذا القول فرعا:
وإذا كان ما سبق بيانه قاض ببطلان هذا القول أصلا، لمناقضته لأصول الإيمان، وقطعيات القرآن، فإنه باطل أيضا فرعا، لمصادمته لأحكام فقهية فرعية قطعية أيضا، ومن ذلك :
1ـ أن السمع والطاعة لولي الأمر من الأحكام الشرعية، وقد جعل الله السمع والطاعة له، ولرسوله، ولأولي الأمر من المسلمين كما قال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}(النساء)
فجعل الطاعة لله ورسوله مطلقة، وجعل الطاعة لولي الأمر (منا) أي من المسلمين، فليس لغير الإمام المسلم سمع ولا طاعة بالإجماع، كما جعل طاعة ولي الأمر المسلم مقيدة بطاعة الله ورسوله، فإذا اختلف المسلمون مع ولي أمرهم وجب عليهم جميعا التحاكم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جاء في الحديث (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وجاء أيضا (إنما الطاعة بالمعروف)، قد نص على ذلك الصديق بعد البيعة له مباشرة في خطبته الصحيحة حيث قال (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم) وجاء في الصحيح (اسمعوا وأطيعوا وإن كان عبدا حبشيا ما قادكم بـ ـ أو أقام بكم ـ كتاب الله).
وقد أجمع المسلمون على أنه يشترط في الإمام الذي يجب له السمع والطاعة :الإسلام والعدالة، كما أجمعوا على وجوب طاعة الإمام العدل ـ وهو من تولى الأمر بالرضى والشورى ـ فيما كان من طاعة الله ورسوله كما إذا أمر بالجهاد، وإقامة الحدود، والفصل بين الناس ....الخ.
فإن طرأ عليه فسق أو ظلم يخرجه من حد العدالة، فقد اختلف السلف في وجوب طاعته، فمنهم من لا يرى إمامته أصلا، ولا يرى له طاعة، ويوجب الخروج عليه كالحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وكل من خرج على الحجاج من علماء العراق كسعيد بن جبير، وحجتهم في ذلك قوله تعالى{ قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهد الظالمين}(البقرة) فقالوا الظالم لا يكون إماما أبدا.
ومنهم من لا يرى إمامته، ولا يرى طاعته، ولا يوجب الخروج عليه، ولا يمنع منه، كمالك بن أنس، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، وحجته قوله تعالى{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} فحرموا الركون والميل إليهم، وإن لم يوجبوا الخروج عليهم، ولم يحرموه أيضا، وقد سئل مالك عن القتال مع الأئمة لمن خرج عليهم، فقال إن كان الإمام كمثل عمر بن عبد العزيز فقاتل معه، أما إن كان مثل هؤلاء الظلمة فلا ، دع الله ينتقم من الظالم بمثله.
ومنهم من يرى إمامته، وطاعته في طاعة الله ورسوله فقط، ويرى الصبر، ويحرم الخروج عليه كأحمد، كما هو مفصل في كتب الفقه، وهؤلاء إنما راعوا المصالح الكلية التي قد تتعطل بالخروج عليه كوحدة الأمة، وإقامة أمر الجهاد، وحماية البيضة من العدو، وإقامة مصالح الناس ....الخ.
فإذا اختلف الناس على إمامين ـ كما حدث في عهد ابن الزبير ـ فهو زمن فتنة، ولم يروا البيعة لواحد منهما، ولا السمع والطاعة لهما، حتى يكون الناس جماعة على إمام واحد، وهو مذهب الإمام أحمد فقد سئل ـ كما في أحكام أبي يعلى ص 23 ـ عن حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) فقال للسائل أتدري من ذاك؟ هو الذي يجمع المسلمون عليه كلهم يقول هذا الإمام.
أما إذا كفر الإمام، وارتد عن الإسلام، فقد أجمعوا على سقوط إمامته وطاعته، بل ووجوب الخروج عليه وخلعه، إذ المقصود من الإمامة أصلا إقامة الدين، وسياسة الأمة، وإقامة الجهاد في سبيل الله ، وتحكيم شرعه....الخ.
وقد نقل هذا الإجماع كثير من العلماء كالقاضي عياض ـ كما في شرح النووي على مسلم (12/229) ـ وعبارته ( أجمع العلماء على أنه لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة ـ أي مكفرة ـ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة منهم وجب عليهم القيام بخلع الكافر). ، وكذا نقل الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر كما في الفتح (3/123).
فالقول بوجوب السمع والطاعة لمن جاء به العدو الكافر ونصبه في دار الإسلام يصطدم بالنصوص القطعية، والإجماع القطعي على وجوب الخروج على الإمام إذا طرأ عليه كفر، أو كان كافرا أصليا ، للحديث الصحيح (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) أي فنابذوا الأمراء حينئذ بالسيف.
والمقصود أن السمع والطاعة ـ المجمع عليها بين الأئمة وسلف الأمة ـ إنما تكون للإمام المسلم العدل، كما أنه مجمع على أنه لا سمع ولا طاعة للكافر، أو لمن طرأ عليه الكفر، ولا خلاف بين الأمة في ذلك، وأما الإمام الجائر أو الفاسق فقد اختلف الأئمة، وسلف الأمة في السمع والطاعة له اختلافا كبيرا، وهذا كله في الإمام الذي يصدق عليه أنه ولي أمر ليس فوقه من هو أعلى منه سلطة وسيادة، وهو من يطلق عليه في الفقه الإمام العام أو الإمام الأعظم وهو الخليفة، أما من يأتي به العدو الكافر الغازي وينصبه على المسلمين فإنه خارج عن محل الخلاف بلا خلاف، إذ الحاكم في واقع الأمر هو العدو الكافر الذي نصبه إماما، وهو ولي أمره، فمن أوجب له السمع والطاعة فإنما يوجبها للعدو الغازي، ويرى أنه يدخل في عموم الآية {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ومن يرى مثل الرأي الباطل، إنما يرد على الله ورسوله حكمهما، وينقض إجماع الأمة على أن السمع والطاعة لا تكون إلا للإمام المسلم وليس لكل إمام، إذ الكافر أو المنافق الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا واجب على الأمة جهاده، لا طاعته أو السمع له، وقد قال الله{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وإذا كان الله سبحانه لم يجعل للكافر على ابنته إذا أسلمت ولاية ولا سبيلا، فلا يعقد نكاحها، ولا يحل له ميراثها، ولا يتصرف في مالها، فكيف يكون له ذلك على الأمة كلها يتصرف في دمائها وأرضها وشئونها؟!! فهذا لا يقوله من يعلم عن الله كتابه، ولا من يفهم عن الشارع خطابه، ولا يصدر عمن يعرف الفقه، وأحكامه، ومقاصده، وهذا يدخل في القول على الله بلا علم وهو كالشرك به كما قال تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}(الأعراف 33).