المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موهبة الاختراع لا علاقة لها بالسن



Amarant
18-12-2004, 02:27 AM
موهبة الاختراع لا علاقة لها بالسن!!


لعل ما يخطر في بال كثير من الناس عند ذكر شخصية «المخترع» أن يتصوروا شكل ذلك البروفسور الشارد الذهن الأشعث الشعر، القلق النظرات وهو يتحرك في معمل يعج بأنابيب الاختبار، ورقائق الإلكترونيات، أو أنه يقف أمام سبورة على الجدار مليئة بالمعادلات الرياضية المعقدة!
فالمخترع هو في نظر الكثيرين شخص ذو تركيب عجيب يجمع في ذاته عالمًا حالمًا، ولكن الحقيقة هي أنه ليست هناك صفات محددة أو متطلبات خاصة تقصر القدرة على الاختراع على صنف معين من الناس، فكل شخص يمكن أن يكون مخترعًا. إذ يبدأ أي اختراع كفكرة في ذهن إنسان ما، لأن كل إنسان لديه قدر من الأفكار تدور حول سبل تطوير الأشياء التي حوله، وبعض هذه الأفكار قد تنتج عنها أشياء لم تخطر ببال أحد من قبل، ومن تلك الأفكار ـ كمثال ـ ما قد يؤدي إلى تطوير مخترعات موجودة من قبل، كما أن بعض المخترعات الجديدة تجعل أعمال الناس أسهل أداء أو تجعلها أكثر تسلية، وتتصف بعض الأفكار بأنها سابقة لأوانها، فقد يتطلب تحقيقها استحداث تقنيات لم تظهر بعد، وأحيانًا يفكر بعض الناس في أشياء قد تبدو للكثيرين «سخيفة»، بينما تكون عبارة عن حلول عملية لمشكلة واجهت المخترع نفسه، مثال ذلك النظارات التي وضعها أحدهم على عيون الدجاج حتى لا تفقأ عيونها عندما تتشاجر بعضها مع بعض، وكذلك فكرة أحزمة الأمان سواء للناس في السيارات أو للقطط والكلاب!
فكل إنسان توجد لديه فكرة ما أو مجموعة أفكار يعتقد أنها قد لا تجعل منه مخترعًا إذا توقف عند هذا الاعتقاد السلبي.
البحث هو الخطوة الأولى
فلكي تصبح مخترعًا تحتاج إلى أن تطلق لعقلك العنان في البحث والتفكير في الحلول الكثيرة المحتملة لأي مشكلة تعترضك أو تعترض أحدًا غيرك في أثناء محاولة اختراع شيء ما، وحتى إذا بدا لك أن كثيرًا من أفكارك تافهة أو غير عملية، فربما تتولد منها الفكرة الحاذقة المتميزة، والاختراع الجديد الناجح، وهذا يقتضي النظر إلى الأشياء بغير النظرات التي اعتدنا أن نراها بها دائمًا، فمثل هذه النظرات الجديدة إلى الأشياء التي نراها قد تكون مؤشرات لأفكار جديدة وتجعل عقلك نتيجة تعود البحث قادرًا على الابتكار والاختراع.
وليس بالضرورة أن يكون الاختراع شيئًا جديدًا أو مميزًا أو أن يدل على التفكير العميق، ذلك أن أكثر الأفكار بساطة قد تتحول إلى اختراعات ذكية، وقد يكون حظها مدهشًا في السوق، فمثلاً طوق اللعب المسمى (هولا هوب) هو في الأساس ذلك الإطار القديم الذي يدفعه الأطفال أمامهم ويركضون خلفه كما لو كانوا يقودون سيارات.
فالهولاهوب ليست أكثر من طريقة جديدة للعب بالإطار القديم نفسه، فبدلاً من أن يركض الأطفال خلفه، جعلته الطريقة الجديدة يدور حولهم بحركة اهتزازية خفيفة منهم في أثناء اللعب به.
وقد بيع من إطار الهولاهوب بقيمة ربت على عشرات ملايين الدولارات والجنيهات.
وفي الحقيقة يبدو بعض الاختراعات كأنها أفكار بدهية إلى حد القول: لماذا لم تخطر فكرة هذا الاختراع في بالي أو بال غير مخترعها؟
ومثال آخر لأفكار مخترعات غاية في البساطة مثل ابتكار قرص «الفريسبي» للعب، وابتكار «بيت ردك» للحيوانات المدللة، فالأفكار تأتي إلى أذهان بعض الناس كالومضات البرقية الساطعة، بينما يعمل بعضهم الآخر عن قصد وتصميم فيبذلون جهودهم لحل مشكلات محددة والشخص المخترع يستعرض أفكاره كلها ثم ينتقي منها ما يرى أنها تصلح للتطوير.
إن كثيرًا من الاختراعات العظيمة قام بها أشخاص مغمورون، لم تتوفر لهم الخبرات الكافية، بينما لم يتسن للعلماء والمهندسين المهرة أن يكونوا السباقين إلى تلك الاختراعات أو إلى تلك الحلول العملية لبعض المشكلات المستعصية رغم محاولاتهم الحثيثة، فالمخترع لا يحتاج بالضرورة إلى أن يكون عالمًا أو مهندسًا ميكانيكيًا لكي يخترع فخًا للفئران مثلاً!
نعم قد يحتاج المخترع العادي إلى بعض الدعم التقني من أجل إبراز الفكرة التي واتته وإيضاح الفائدة التي يراها منها، ولكن الاختراع الحقيقي ينحصر في «مفهوم كيفية صيد الجرذ» فأغلب المخترعين يتعلمون أو يبتدعون التقنيات التي يحتاجون إليها حسب حاجتهم البحثية من أجل اختراع شيء ما جديد يفيد الناس.
ليس هناك سن محددة للمخترع
لقد ظهر المخترعون من مختلف الأعمار، فعامل السن لا علاقة له بقدرة الفرد على أن يكون مخترعًا أو نابغًا مبتكرًا، فحتى الأطفال في سن الروضة أو سن الابتدائي يحدث لأحد منهم أن يتوصل إلى فكرة اختراع جديدة وإن لم يصاحبها نموذج أولي أو نهائي يؤدي إلى تطبيق الفكرة عمليًا، وقد يتسنى للأطفال الأكبر سنًا أن يبدعوا أفكارًا تصبح نماذج عملية.
فأصل فكرة الاختراع أنها لا تخضع لحدود السن بل إن اختراعات عدة مرموقة انبثقت من عقول مخترعين صغار وأيديهم، فمثلاً المخترع (تشيستر غرينوول) قام باختراع «غطاء تدفئة الأذنين» حينما كان في الخامسة عشر من عمره، وبعدها أنجز مبتكرات كثيرة أخرى ناجحة قادته إلى آفاق الشهرة والثراء الواسع.
والحقيقة أن المخترع الشاب له ميزة نفسية يفتقدها كبار السن وأصحاب التجربة، فقد نجح العديد من المخترعين لأنهم كانوا من ضآلة الخبرة وصغر السن ما جعلهم لا يدركون الطريقة التقليدية لعمل الأشياء.
فقد حدث أن موسيقيين شابين لم يكونا يملكان المعرفة العلمية اللازمة لحل المشكلات التي كانت تواجه شركة كوداك لإنتاج الصور الملونة، وكان جهلهما بذلك هو نفسه ما جعلهما يستكشفان حلولاً غير تقليدية ففتحا الباب بذلك أمام صناعة الأفلام الملونة المسماة (كودا كروم)، ولقد أدهش الشابان الساذجان مهندسي شركة كوداك!
لقد ظل الاختراع على مدى التاريخ يأتي من القدرات الفردية، إذ يلاحظ فرد ما الحاجة إلى شيء ما فيبتكر ذلك الشيء الذي يجعل العمل في مجاله أسهل وأسرع أو أكثر إثارة ومتعة.
وفي العصور الحديثة بدأت جماعات من الناس يعملون معًا، إذ يدلي كل فرد من الجماعة بدلوه وخبرته ليصبح محصلة ذلك في النهاية اختراعًا جديدًا متكاملاً، وما دام بقيت عادات الناس وأذواقهم في تغير مستمر فإن هذا التغير سوف يؤدي دائمًا إلى ظهور تحديات ومشكلات جديدة تفسح المجال أمام الأفراد والجماعات لاختراع الحلول وابتكارها.
وكبرى الشركات لا تستطيع أن تحتكر الأفكار النيرة مهما تعاظمت ممتلكاتها المالية، وكذلك خبرات العاملين فيها؛ لأن الاختراع قد يأتي من ابتكار فرد لا علاقة له بهذه الشركة أو تلك.
كما أن أكثر الأفكار والمخترعات الحديثة يمكن أن تبتكر من أفكار ومخترعات قديمة، وهذا ما يعد أحد الأسرار المهمة التي تجعل شخصًا ما مخترعًا، فالذين يملكون القدرة على التفكير في ابتكار شيء جديد لا يحتاجون إلى أن يبدؤوا من الصفر، فقط البدء يمكن أن يكون من سؤال: ماذا يمكن أن أفيده من رصيدي من المعرفة، وما هو المتاح من الإمكانات والمواد التي يحتاج إليها ما يفكر فيه المرء.
وإلى جانب المخترعات التي يتوصل إليها المخترع الحقيقي عن طريق الجهد الدائب بإطلاق خياله وتطوير أفكاره الجديدة لحل مشكلات قديمة، فإن هناك اختراعات يتوصل إليها فرد ما دون قصد أو اجتهاد أو فكرة جديدة، بمجرد ملاحظة قد تكون عابرة كالومضة البرقية الساطعة.
فاختراع ما يسمى بـ«الصابون العاجي» حدث نتيجة إهمال أحد عمال المصنع، إذ ترك آلة خلط الصابون تعمل لفترة طويلة، وحتى لا ينكشف إهماله قام هذا العامل برمي هذا المزيج السيئ في جدول الماء، غير أن المزيج لم يرسب في الماء كما كان العامل يأمل، بل طفا على سطح الماء، وهنا أتى الاختراع الحقيقي وهو أنه أدرك أن النتيجة غير المتوقعة وهي (الطفو) هي منتج جديد. كما أصبح أحد خطوط الإنتاج الجديد في المصنع هو «الصابون العائم» وهو ما استخدمته الإعلانات التجارية لتدل على أن ما تعرضه هو صابون نقي!
كما أن كثيرًا ما يحدث أن يتم استلهام الاختراعات في غمرة رغبة إنسان ما في مساعدة الآخرين، ومهما كانت الأسباب فإن مقولة (الحاجة أم الاختراع) تبقى صحيحة في أغلب الحالات، فعلى سبيل المثال، لولا أن زوجة إيرل ديكسون كانت كثيرة التعرض للحوادث في المطبخ لما قام زوجها باختراع «اللصق الجراحية» «البلاستر».
وإذا كانت الحاجة أم الاختراع فإن الإصرار هو والد الاختراع، وكثيرًا ما تكون الفكرة الزمنية طويلة ما بين بزوغ الفكرة الحصول على براءة الاختراع ثم الحصول على الربح، وقد يواجه الفرد المخترع في الطريق كثيرًا من ألوان النجاح والإخفاقات، ولكن على المخترع أن يسأل نفسه دائمًا: لماذا يبذل الجهد المضني؟ فإذا كان ذلك الجهد نوعًا من المغامرة ومتعة للاختراع فإن الفرد قد ينال مكافأة جديرة بما بذل من أجله، غير أن كثيرًا من المخترعين يحبون المكافآت المالية كذلك، فإذا كان الأمر كذلك فإن المخترع مضطر إلى أن يفكر أيضًا في حاجات الناس الآخرين، لأن الآخرين هم الجمهور الذي سيقتني المخترعات، فأي اختراع يراد منه أن يكسب المال ينبغي أن يحقق رواجًا في السوق بدلاً من أن يكون سلعة يسعى الناس لشرائها.
وعندما يشعر المخترع بأن فكرته قابلة للتسويق وأنها قد تصبح اختراعًا ناجحًا فإنه قد يرتبك بشأن ما ستكون عليه الخطوة التالية.
إن الخطوة التالية هي بالتأكيد أن يصنع نموذجًا لاختراعه، ثم يعالج سلبياته وهذه المرحلة هي مرحلة: اصنع وجرب، اصنع وجرب.. اصنع وجرب، وعليه في هذه المرحلة أن يصنع نموذجًا لاختراعه مرات ومرات ويقوم بتجربته، فكل مرحلة من التقدم في إنجاز نموذج من المخترع الجديد تظهر إشكالات مختلفة، وكل إشكال يتحدى المخترع لكي يبتدع حلولاً مبتكرة له ويستمر هذا حتى يشعر المبدع أخيرًا بأنه توصل إلى النموذج الذي يرضيه ويضمن رواجه عند تسويقه للجمهور.
ولكن لا يجب أن يتوقف المخترع عند حد تقديم منتجه القابل للتسويق، إذ عليه أن يسعى لجعل هذا المنتج سهل الاستخدام وفعالاً وبسيطًا بقدر المستطاع.
ومن الأمور التي يتعين أن يضعها المخترع في اعتباره تكلفة الإنتاج، إذ ينبغي أن تكون تكلفة الإنتاج أدنى ما يمكن أن تكون عليه، فمن السهل أن يصمم المرء اختراعات إذا لم تكن التكلفة في الحسبان، لكن نادرًا ما تكون الحالة كذلك مع حساب التكلفة، إذ يضطر المرء إلى الاعتماد على أقل المواد التي يستخدمها في اختراعه وأن يقلل أجزاء اختراعه بقدر الإمكان، فالناس يريدون الأنواع الأقل سعرًا من المخترعات التي يحتاجونها.