تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تعالو نتعلم عن أحسن الأعمال كيف نتقنها... الرجاء القراءة للأهمية، اقرأ كل يوم جزء



أمة الرحمن
18-12-2004, 09:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحبتي في الله أتعلمون لم لا نخشع في الصلاة لأننا نصليها بأركان لا نعرف لها معنى ونقول كلمات لا نعرف لالها معنى سوى أنها تعظم الله، تعالو معي نتعلم قرة عين رسولنا صلى الله عليه وسلم، كيف نصليها كيق نتقنها كيف نخشع فيها.

وها هنا عجيبة من عجائب الاسماء والصفات تحصل لمن تفقه قلبه في معاني القرآن وخالط بشاشة الإيمان بها قلبه بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعا من صلاته ومحلا منها
فإنه إذا انتصب قائما بين يدي الرب تبارك وتعالة شاهد بقلبه قيوميته
وإذا قال الله اكبر شاهد كبرياءه
وإذا قال سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك شاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب سالما من كل نقص محمودا بكل حمد فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك اسمه فلا يذكر على قليل إلا كثرة وعلى خير إلا أنماه وبارك فيه ولا على آفة إلا أذهبها ولا على شيطان ْإلا رده خاسئا داحرا
وكمال الاسم من كمال مسماه فإذا كان شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى اعلى واجل
وتعالى جده اي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في الهيته او في افعاله او في صفاته كما قال مؤمن الجن ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) 72 سورة الجن / الآية 3 فكم من هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها غير المعطل لحقائقها
وإذا قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد اوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد ان يقطعه عن ربه ويبعده عن قربه ليكون اسوأ حالا فإذا قال ( الرحمن الرحيم ) 1 سورة الفاتحة / الآية 3 انتظر الجواب بقوله اثنى علي عبدي فإذا قال ( ملك يوم الدين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 4 انتظر جوابه يمجدني عبدي فيا لذة قلبه وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه عبدي ثلاث مرات فوالله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس لاستطيرت فرحا وسرورا بقول ربها وفاطرها ومعبودها حمدني عبدني واثنى علي عبدي ومجدني عبدي ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التي هي اصول الاسماء الحسنى وهي الله والرب الرحمن فشاهد قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلها معبودا موجودا مخوفا لا يستحق العبادة غيره ولا تنبغي إلا له قد عنت له الوجوه وخضعت له الموجودات وخشعت له الأصوات ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) 17 سورة الإسراء / الآية 44 ( وله من في السموات والارض كل له قانتون ) 30 سورة الروم / الآية 26 وكذلك خلق السموات والارض وما بينهما وخلق الجن والانس والطير والوحش والجنة والنار وكذلك ارسل الرسل وانزل الكتب وشرع الشرائع والزم العباد الامر والنهي
وشاهد من ذكر اسمه ( رب العلمين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 2 قيوما قام بنفسه وقام به كل شيء فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه فالتدبير كله بيديه ومصير الامور كلها ْإليه فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على ايدي
ملائكته بالعطاء والمنع والخفض والرفع والاحياء والاماتة والتوبة والعزل والقبض والبسط وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين ( يسئله من في السموات والارض كل يوم هو في شأن ) 55 سورة الرحمن / الآية 29 لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره ولا مبدل لكلماته تعرج الملائكة والروح إليه وتعرض الاعمال اول النهار وآخره عليه فيقدر المقادير ويوقت المواقيت ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائما بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه
يشهد عند ذكر اسم ( الرحمن ) 1 سورة الفاتحة / الآية 3 جل جلاله ربا محسنا إلى خلقه بأنواع الاحسان متحببا إليهم بصنوف النعم وسع كل شيء رحمة وعلما واوسع كل مخلوق نعمة وفضلا فوسعت رحمته كل شيء ووسعت نعمته كل حي فبلغت رحمته حيث بلغ علمه فاستوى على عرشه برحمته وخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته وأرسل رسله برحمته وشرع شرائعه برحمته وخلق الجنة برحمته والنار ايضا برحمته فإنها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها ادران الموحدين من اهل معصيته وسجنه الذي يسجن فيه اعداءه من خليقته فتأمل ما في امره ونهيه ووصاياه ومواعيظه من الرحمة البالغة والنعمة السابغة وما في حشوها من الرحمة والنعمة فالرحمة هي السبب المتصل منه بعبادة كما ان العبودية هي السبب المتصل منهم به فمنهم إليه العبودية ومنه إليهم الرحمة ومن اخص مشاهد هذا الاسم شهود المصلي نصيبه من الرحمة الذي اقامه بها بين يدي ربه واهله لعبوديته ومناجاته واعطاه ومنع غيره واقبل بقلبه واعرض بقلب غيره وذلك من رحمته به
فإذا قال ( مالك يوم الدين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 4
فهنا شهد المجد الذي لا يليق بسوى الملك الحق المبين فيشهد ملكا قاهرا قد دانت له الخليفة وعنت له الوجوه وذلت لعظمته الجبابرة وخضع لعزته كل عزيز فيشهد بقلبه ملكا على عرش السماء مهيمنا لعزته تعنو الوجوه وتسجد وإذا لم تعطل حقيقة صفة الملك اطلعته على شهود حقائق الاسماء والصفات التي تعطيلها تعطيل لملكه وجحد له فإن الملك الحق التام الملك لا يكون إلا حيا قيوما سميعا بصيرا مدبرا قادرا متكلما آمرا ناهيا مستويا على سرير مملكته يرسل إلى اقاصي مملكته بأوامره فيرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء ويعطى من يشاء ويقرب من يشاء ويقضى من يشاء له دار عذاب وهي النار وله دار سعادة عظيمة وهي الجنة فمن ابطل شيئا من ذلك او جحده وانكر حقيقته فقد قدح في ملكه سبحانه وتعالى ونفى عنه كماله وتمامهوكذلك من أنكر عموم قضائه وقدره فقد أنكر عموم ملكه وكماله فيشهد المصلي مجد الرب تعالى في قوله ( ملك يوم الدين ) 1 سورة الفاتحة/ الآية 4
فإذا قال ( اياك نعبد وإياك نستعين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 5 ففيها سر الخلق والامر والدنيا والآخرة وهي متضمنة لأجل الغايات وافضل الوسائل فأجل الوسائل فأجل الغايات عبوديته وافضل الوسائل إعانته فلا معبود يستحق العبادة إلا هو ولا معين على عبادته غيره فعبادته اعلى الغايات وإعانته اجل الوسائل وقد انزل الله سبحانه وتعالى مئة كتاب واربعة كتب جمع معانيها في اربعة وهي التوراة والانجيل والقرآن والزبور معانيها في القرآن وجمع معانيه في المفصل وجمع معانيه في الفاتحة وجمع معانيها في ( إياك نعبد وإياك نستعين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 5 وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد وهما توحيد الربوبية وتوحيد الالهية وتضمنت التعبد باسم الرب واسم الله فهو يعبد بألوهيته ويستعان بربوبيته ويهديإلى الصراط المستقيم برحمته فكان اول السورة ذكر اسمه الله والرب والرحمن تطابقا لاجل الطالب من عبادته وإعانته وهدايته وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله لا يعين على عبادته سواه ولا يهدي سواه
ثم يشهد الداعي بقوله ( اهدنا الصراط المستقيم ) 1 سورة الفاتحة / الآية 6 شدة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة التي ليس هو الى شيء اشد فاقة وحاجة منه إليهاالبتة فإنه محتاج اليه في كل نفس وطرفة عين وهذا المطلوب من هذا الدعاء لا يتم إلا بالهدية إلى الطريق الموصل إليه سبحانه والهداية فيه وهي هداية التفصيل وخلق القدرة على الفعل وإرادته وتكوينه وتوقيعه لإيقاعه له على الوجه الرمضي المحبوب للرب سبحانه وتعالى وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله
ولما كان العبد مفتقرا في كل حال إلى هذه الهداية في جميع ما يأتيه ويذره من امور قد اتاها على غير الهداية فهو يحتاج إلى التوبة منها وامور هدي إلى اصلها دون تفصيلها اوهدي إليها من وجه دون وجه فهو يحتاج إلى إتمام الهداية فيها ليزداد هدى وامور هو يحتاج إلى ان يحصل له من الهداية فيها بالمستقبل مثل ما حصل له في الماضي وامور هو خال عن اعتقاد فيها فهو يحتاج إلى الهداية فيها وامور لم يفعلها فهو يحتاج إلى فعلها على وجه الهداية وامور قد هدي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصواب فيها فهو محتاج إلى الثبات عليها إلى غير ذلك من انواع الهدايات فرض الله سبحانه عليه ان يسأله هذه الهداية في افضل احواله مرات متعددة في اليوم والليلة
ثم بين ان أهل هذه الهداية هم المختصون بنعمتة دون ( المغضوب عليهم ) وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ودون ( الضالين ) وهم الذين عبدوا الله بغير علم فالطائفتان اشتركتا في القول في خلقه وامره واسمائه وصفاته بغير علم فسبيل المنعم عليه مغايرة لسبيل اهل الباطل كلها علما وعملا
فرغ من هذا الثناء والدعاء والتوحيد شرع له ان يطبع على ذلك بطابع من التأمين يكون كالخاتم له وافق فيه ملائكة السماء وهذا التأمين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذي هو زينة الصلاة واتباع للسنة وتعظيم امر الله وعبودية اليدين وشعار الانتقال من ركن إلى ركن
ثم يأخذ في مناجاة ربه بكلامه واستماعه من الامام بالانصات وحضور القلب وشهوده
وأفضل اذكار الصلاة ذكر القيام واحسن هيئة المصلي هيئة القيام فخصت بالحمد والثناء والمجد وتلاوة كلام الرب جل جلاله ولهذا نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود لأنهما حالتا ذل وخضوع وتطامن وانخفاض ولهذا شرع فيهما من الذكر ما يناسب هيئتهما فشرع للراكع ان يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه وأنه سبحانه يوصف بوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته
فأفضل ما يقول الراكع على الاطلاق سبحان ربي العظيم فإن الله سبحانه امر العباد بذلك وعين المبلغ عنه السفير بينه وبين عباده هذا المحل لهذا الذكر لما نزلت ( فسبح باسم ربك العظيم ) 56 سورة
الواقعة / الآية 96 قال اجعلوها في ركوعكم ابو داود رقم 869 وابطل كثير من اهل العلم صلاة من تركها عمدا واوجب سجود السهو على من سها عنها وهذا مذهب الامام أحمد ومن وافقه من ائمة الحديث والسنةوالامر بذلك لا يقصر عن الامر بالصلاة عليه في التشهد الاخير ووجوبه لا يقصر عن وجوب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين
وبالجملة فسر الركوع تعظيم الرب جل جلاله بالقلب والقالب والقول ولهذا قال النبي أما الركوع فعظموا فيه الرب مسلم رقم 479
فصل في الرفع من الركوع

يرفع رأسه عائدا إلى اكمل حديثه وجعل شعار هذا الركن حمد الله الثناء عليه وتحميده فافتتح هذا الشعار بقول المصلي سمع الله لمن حمده اي سمع سمع قبول وإجابة ثم شفع بقوله ربنا ولك الحمد ملء السموات والارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء ولا يهمل امر هذه الواو في قوله ربنا ولك الحمد فإنه قد ندب الامر بها في الصحيحين البخاري رقم 734 مسلم رقم 392 وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما فإن قوله ربنا متضمن في المعنى انت الرب والملك القيوم الذي بيديه ازمة الامور وإليه مرجعها فعطف على هذا المعنى المفهوم من قوله ربنا قوله ولك الحمد فتضمن ذلك معنى قول الموحد له الملك وله الحمد ثم أخبر عن شأن هذا الحمد وعظمته قدرا وصفة فقال ملء السموات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء اي قدر ملء العالم العلوي والسفلي والفضاء الذي بينهما فهذا الحمد قد ملأ الخلق الموجود وهو يملأ ما يخلقه الرب تبارك وتعالى بعد ذلك ما يشاؤه فحمده قد ملأ كل موجود وملأ ما سيوجد فهذا احسن التقديرين وقيل ما شئت من شيء وراء العالم فيكون قوله بعد للزمان على الأول والمكان على الثاني
اتبع ذلك بقوله اهل الثناء والمجد فعاد الامر بعد الركعة إلى ما افتتح به الصلاة قبل الركعة من الحمد والثناء والمجد ثم اتبع ذلك بقوله احق ما قال العبد تقريرا لحمده وتمجيده والثناء عليه وان ذلك احق ما نطق به العبد ثم اتبع ذلك بالاعتراف بالعبودية وان ذلك حكم عام لجميع العبيد ثم عقب ذلك بقوله لا مانع لما اعطيت ولامعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وكان يقول ذلك بعد انقضاء الصلاة ايضا فيقوله في هذين الموضعين اعترافا بتوحيده وان النعم كلها منه وهذا يتضمن امورا
احدها انه المنفرد بالعطاء والمنع
الثاني انه إذا اعطى لم يطق احد منع من اعطاه وإذا منع لم يطق احد إعطاء من منعه
الثالث أنه لاينفع عنده ولا يخلص من عذابه ولا يدني من كرامته جدود بني آدم وحظوظهم من الملك والرئاسة والغنى وطيب العيش وغير ذلك إنما ينفعهم عنده التقريب إليه بطاعته وإيثار مرضاته ثم ختم ذلك بقوله اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كما افتتح به الركعة في اول الاستفتاح كما كان يختم الصلاة بالاستغفار وكان الاستغار في اول الصلاة ووسطها آخرها فاشتمل هذا الركن على افضل الاذكار وانفع الدعاء من حمده وتمجيده والثناء عليه والاعتراف له بالعبودية والتوحيد والتنصل إليه من الذنوب والخطايا فهو ذكر مقصود في ركن مقصود ليس بدون الركوع والسجود

وللحديث بقية وانتظر ردودكم

أمة الرحمن
20-12-2004, 08:48 PM
فصل في السجود

ثم يكبر ويخر لله ساجدا غير رافع يديه لأن اليدين تنحطان للسجود كما ينحط الوجه فهما ينحطان لعبوديتهما فأغنى ذلك عن رفعهما ولذلك لم يشرع رفعهما عند رفع الرأس من السجود لأنهما يرفعان معه كما يوضعان معه وشرع السجود على اكمل الهيئة وابلغها في العبودية واعمها لسائر الاعضاء بحيث يأخذ كل جزء من البدن بحظه من العبودية
والسجود سر الصلاة وركنها الاعظم وخاتمة الركعة وما قبله من الاركان كالمقدمات له فهو شبه طواف الزيارة في الحج فإنه مقصود الحج ومحل الدخول على الله وزيارته وما قبله كالمقدمات له ولهذا اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد مسلم رقم 482
وافضل الاحوال له حال يكون فيها اقرب إلى الله ولهذا كان الدعاء في هذا المحل اقرب إلى الإجابة
خلق الله سبحانه العبد من الارض كان جديرا بأن لا يخرج عن أصله بل يرجع إليه إذا تقاضاه الطبع والنفس بالخروج عنه فإن العبد لو ترك لطبعه ودواعي نفسه لتكبر واشر وخرج عن اصله الذي خلق منه ولوثب على حق ربه من الكبرياء والعظمة فنازعه أياهما وامر بالسجود خضوعا لعظمة ربه وفاطره وخشوعا له وتذللابين يديه وانكسارا له فيكون هذا الخشوع والخضوع والتذلل ردا له إلى حكم العبودية ويتدارك ما حصل له من الهفوة والغفلة والاعراض الذي خرج به عن اصله فتمثل له حقيقة التراب الذي خلق منه
وهو يضع اشرف شيء منه واعلاه وهو الوجه وقد صار اعلاه اسفله خضوعا بين يدي ربه الاعلى وخشوعا له وتذللا لعظمته واستكانة لعزته وهذا غاية خشوع الظاهر فإن الله سبحانه خلقه من الارض التي هي مذللة للوطء بالاقدم واستعمله فيها ورده إليها ووعده بالاخراج منها فهي امه وابوه واصله وفصله فضمته حيا على ظهرها وميتا في بطنها وجعلت له طهرا ومسجدا فأمر بالسجود إذ هو غاية خشوع الظاهر وأجمع العبودية لسائر الاعضاء فيعفر وجهه في التراب استكانة وتواضعا وخضوعا وإلقاء باليدين
وقال مسروق لسعيد بن جبير ما بقي شيء يرغب فيه إلا ان نعفر وجوهنا في التراب له
وكان النبي لا يتقي الارض بوجهه قصدا بل إذا اتفق له ذلك فعله ولذلك سجد في الماء والطين البخاري رقم 813 مسلم رقم 1167
ولهذا كان من كمال السجود الواجب أنه يسجد على الاعضاء السبعة الوجه واليدين والركبتين واطراف القدمين فهذا فرض امر الله به رسول وبلغه الرسول لأمته ومن كماله الواجب او المستحب مباشرة مصلاه بأديم وجهه واعتماده على الارض بحيث ينالها ثقل رأسه وارتفاع اسافله على اعاليه فهذا من تمام السجود
ومن كماله ان يكون على هيئة يأخذ فيها كل عضو من البدن بحظه من الخضوع فيقل بطنه عن فخذيه وفخديه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه ولا يفرشهما على الارض ليستقل كل عضو منه بالعبودية
ولذلك إذا رأى الشيطان ابن آدم ساجدا لله اعتزل ناحية يبكي ويقول يا ويله امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وامرت بالسجود فعصيت فلي النار مسلم رقم 81
ولذلك اثنى الله سبحانه على الذين يخرون !سجدا عند سماع كلامه وذم من لا يقع ساجدا عنده ولذلك كان قول من اوجبه قويا في الدليل ولما علمت السحرة صدق موسى وكذب فرعون خروا سجدا لربهم فكانت تلك السجدة اول سعادتهم وغفران ما افنوا فيه اعمارهم من السحر ولذلك اخبر سبحانه عن سجود جميع المخلوقات له فقال تعالى ( ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملئكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) 16 سورة النحل / الآيتان 49 و 50 فأخبر عن إيمانهم بعلوه وفرقيته وخضوعهم له بالسجود تعظيما وإجلالا
تعالى ( الم تر ان الله يسجد له من السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ) 22 سورة الحج / الآية 18 فالذي حق عليه العذاب هو الذي لا يسجد به سبحانه وهو الذي اهانه بترك السجود له واخبر انه لا مكرم له وقد هان على ربه حيث لم يسجد له وقال تعالى ( ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظللهم في الغدو والآصال ) 13 سورة الرعد / الآية 15
ولما كانت العبودية غاية كمال الانسان وقربه من الله بحسب نصيبه من عبوديته وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية متضمنة لاقسامها كانت افضل اعمال العبد ومنزلتها من الاسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه وكان السجود افضل اركانها الفعلية وسرها الذي شرعت لأجله وكان تكرره في الصلاة اكثر من تكرر سائر الاركان وجعله خاتمة الركعة وغايتها وشرع فعله بعد الركوع فإن الركوع توطئة له ومقدمة بين يديه وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول العبد سبحان ربي الاعلى فهذا افضل ما يقال فيه ولم يرد عن النبي أمره في السجود بغيره حيث قال اجعلوها في سجودكم ومن تركه عمدا فصلاته باطلة عند كثير من العلماء منهم الامام احمد وغيره لأنه لم يفعل ما امر به وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه وهو كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزه ربه عما لايليق به مما يضاد عظمته وعلوه
ثم لما شرع السجود بوصف التكرار لم يكن بد من الفصل بين السجدتين ففصل بينهما بركن مقصود شرع فيه من الدعاء ما يليق به ويناسبه وهو سؤال العبد المغفرة والرحمة والهداية والعافية والرزق فإن
هذه تتضمن جلب خير الدنيا والآخرة ودفع شر الدنيا والآخرة فالرحمة تحصل الخير والمغفرة تقي الشر والهداية توصل إلى هذا وهذا والرزق إعطاء ما به قوام البدن من الطعام والشراب وما به قوام الروح والقلب من العلم والايمان وجعل جلوس الفصل محلا لهذا الدعاء لما تقدمه من رحمة الله والثناء عليه والخضوع له فكان هذا وسيلة للداعي ومقدمة بين يدي حاجته
فهذا الركن مقصود الدعاء فيه فهو ركن وضع للرغبة وطلب العفو والمغفرة والرحمة فإن العبد لما أتى بالقيام والحمد والثناء والمجد ثم اتى بالخضوع وتنزيه الرب وتعظيمه ثم عاد إلى الحمد والثناء ثم كمل ذلك بغاية التذلل والخضوع والاستكانة بقي سؤال حاجته واعتذاره وتنصله فشرع له ان يتمثل في الخدمة فيقعد فعل العبد الذليل جاثيا على ركبتيه كهيئة المقلي نفسه بين يدي سيده راغبا راهبا معتذرا إليه مستعديا إليه على نفسه الامارة بالسوء
ثم شرع له تكرير هذه العبودية مرة بعد مرة إلى إتمام الاربع كما شرع له تكرير الذكر مرة بعد مرة لانه ابلغ في حصول المقصود وادعى إلى الاستكانة والخضوع فلما أكمل ركوع الصلاة وسجودها وقراءتها وتسبيحها وتكبيرها شرع له ان يجلس في آخر صلاته جلسة المتخشع المتذلل المستكين جاثيا على ركبتيه ويأتي في هذه الجلسة باكمل التحيات وافضلها عوضا عن تحية المخلوق للمخلوق إذا واجهه او دخل عليه فإن الناس يحيون ملوكهم واكابرهم بأنواع التحيات التي يحيون بها قلوبهم فبعضهم يقول انعم صباحا وبعضهم يقول لك البقاء والنعمة وبعضهم يقول اطال الله بقاءك وبعضهم يقول تعيش الف عام وبعضهم يسجد للملوك وبعضهم يسلم فتحياتهم بينهم تتضمن ما بحبه المحيى من الاقوال والافعال والمشركون يحيون اصنامهم
قال الحسن كان أهل الجاهلية يتمسحون بأصنامهم ويقولون لك الحياة الدائمة فلما جاء الاسلام امروا ان يجعلوا اطيب تلك التحيات وازكاها وافضلها لله
فالتحية هي تحية من العبد للحي الذي لا يموت وهوسبحانه اولى بتلك التحيات من كل ما سواه فإنها تتضمن الحياة والبقاء والدوام ولا يستحق احد هذه التحيات إلا الحي الباقي الذي لا يموت ولا يزول ملكه
وكذلك قوله والصلوات فإنه لا يستحق احد الصلاة إلا الله عز وجل والصلاة لغيره من اعظم الكفر والشرك به
وكذلك قوله والطيبات هي صفة الموصوف المحذوف اي الطيبات من الكلمات والافعال والصفات والاسماء لله وحده فهو طيب وافعاله طيبة وصفاته أطيب شيء واسماؤه أطيب الاسماء واسمه الطيب ولا يصدر عنه إلا طيب ولا يصعد إليه إلا طيب ولا يقرب منه إلا طيب وإليه يصعد الكلم الطيب وفعله طيب والعمل الطيب يعرج إليه فالطيبات كلها له ومضافة إليه وصادرة عنه ومنتهية إليه
قال النبي إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا مسلم رقم 1015
وفي حديث رقية المريض الذي رواه أبو داود رقم 3892 وغيره أنت رب الطيبين ولا يجاوره من عبادة إلا الطيبون كما يقال لأهل الجنة ( سلم عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) 39 سورة الزمر / الآية
وقد حكم سبحانه شرعه وقدره ان الطيبات للطيبين فإذا كان هو سبحانه الطيب على الاطلاق فالكلمات الطيبات والافعال الطيبات والصفات الطيبات والاسماء الطيبات كلها له سبحانه لا يستحقها أحد سواه بل ما طاب شيء قط إلا بطيبته سبحانه فطيب كل ما سواه من آثار طيبته ولا تصلح هذه التحية الطيبة إلا له
ولما كان السلام من انواع التحية وكان المسلم داعيا لمن يحييه وكان الله سبحانه هو الذي يطلب منه السلام لعباده الذين اختصهم بعبوديته وارتضاهم لنفسه وشرع ان يبدأ بأكرمهم عليه واحبهم إليه واقربهم منه منزلة في هذه التحية بالشهادتين اللتين هما مفتاح الاسلام فشرع أن يكون خاتمة الصلاة فدخل فيها بالتكبير والحمد والثناء والتمجيد وتوحيد الربوبية والالهية وختمها بشهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله وشرعت هذه التحية في وسط الصلاة إذا زادت على ركعتين تشبيها لها بجلسة الفصل بين السجدتين وفيها مع الفصل راحة للمصلي لاستقباله الركعتين الآخرتين بنشاط وقوة بخلاف ماإذا والى بين الركعات ولهذا كان الافضل في النفل مثنى مثنى وإن تطوع باربع جلس في وسطهن