المسلمة روان
20-12-2004, 04:53 PM
ما هو الإيمان؟؟
الإيمان هو أن يعتقد المؤمن من قرارة وجدانه أن الآجال بيد الله ،
وأن ما أصابه لم يكن ليخطأه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ،
وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشئ لن ينفعوه إلا بشئ قد كتبه الله له ،
وإن اجتمعت على أن يضروه بشئ لن يضروه إلا بشئ قد كتبه الله عليه.
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه وتعالى
" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون"
الإيمان أن يعتمد المؤمن أن الأرزاق بيد الله و أن نفسا لن تموت حتى تستوفى أجلها ورزقها...
فبهذا يتحرر المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا ومن الإلحاح بالطلب ويتحرر من الشح النفسي.
والإيمان أن يعتقد المؤمن من أعماق أحاسيسه أن الله سبحانه وتعالى معه يسمعه ويراه ويعلم سره ونجواه ،
ويعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور فيتحلى بمراقبة الله والإخلاص له والإستعانة به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف يستشعر المؤمن حلاوة الإيمان ..؟؟
رسولنا و قائد دعوتنا صلوات الله وسلامه عليه أرشدنا إلى المنهج العلمي في استشعار حلاوة الإيمان ،
ولذة الإسلام ....
ما هو هذا المنهج؟؟
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار."
* المنهج كما دل عليه الحديث يتحقق في ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : المحبة الخالصة لله ولرسوله .
المرحلة الــثانية: الأخوة الصادقة لجماعة المؤمنين.
المرحلة الثالثــة: كراهية مبادئ الكفر ونبذ أهل الضلال.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرحلة الأولى
المحبة الخالصة لله ولرسوله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لابد أن يتساءل المسلم لماذا يعطي محبته وولاءه لله جل جلاله ، وللرسول صلوات اله وسلامه عليه؟؟؟
* يعطي محبته لله جل جلاله لأن الله سبحانه :
يستأهل هذه المحبة وهذا الولاء ل :
• كونه الخالق الأوحد للكون والحياة والإنسان.
• لما أسبغ على الإنسان من نعم ظاهرة وباطنة.
• لأن هذا الكون كله مسخر لمصلحة الإنسان.
• ما أنزل على البشرية من أنظمة حكم ، ومناهج حياة..
• إجابته المضطر إذا دعاه وكشفه الضر والسوء عنه.
• افتقار العبد إليه ، واعتماده في كل الأحوال عليه.
فإذا لم يكن المؤمن على هذا المستوى اللائق من محبة الله ، والولاء له ، والافتقار إليه ، والتوكل عليه، والاستعانة به، والشكران لأنعمه وفضائله..فيكون كاذبا في دعوى المحبة ، وناقضا عرى الإيمان.
* ويعطي محبته وولاءه للنبي صلى الله عليه وسلم لكونه يستأهل هذه المحبة وهذا الولاء ل:
- كونه الشخصية الكاملة المعصومة عن الخطأ ، والمنزهة عن العصيان.
- لكون طاعته صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله.
- كون سنته صلى الله عليه وسلم هي في المرتبة الثانية بعد كتاب الله عز وجل.
- كونه الأسوة الحسنة لمن يتطلع إلى المعالي ، ويستشرف الجلال والكمال.
- كونه أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده... حتى أقام في الجزيرة العربية دولة الإسلام.
- كونه السراج المنير للعوالم ، والرحمة المهداة للبشرية..
وقال تعالى في محكم آياته:
" ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيرا".
" وإنك لعلى خلق عظيم."
• ومن الطبيعي بعد أن يستشعر المؤمن من أعماق وجدانه هذه المعاني نحو رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه لابد أن يعطيه طاعته التامة وانقياده الكامل ومحبته الخالصة.
• فإذا لم يكن المؤمن على هذا المستوى اللائق من المحبة والطاعة والانقياد لنبي الإنسانية عليه الصلاة والسلام فيكون كاذبا في دعوى المحبة.
" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".
ورحم الله البوصيري حين قال:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم.
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم.
فإن فضل رسول الله ليس له
حد فيـــعــرب عــنه نــاطـــق بــفم.
فمبلغ العلن فيه أنـــــــــه بشر
وأنه خير خلق الله كلهـــــــــــم.
نماذج من الحب والتفاني رائعة:
- كان العارف الرباني ( الجنيد) كان إذا ذاق في قرارة نفسه حلاوة العبادة ، ولذة الطاعة انتشى مسرورا وقال:( لو تعلم الملوك ما نحن فيه من لذة لجالدونا عليها بالسيوف).
وكأنه رحمه الله يريد أن يقول : إن ملوك الأرض مهما استشعروا نشوة الملك ، وعزة السلطان ... لم يبلغوا النشوة الحقيقية التي بلغها أحباء الله في مناجاتهم الخالصة وعبادتهم الخاشعة..
ُ وهذا (ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب لرسول الله ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه فقال له صلى الله عليه وسلم : ما غير لونك؟ فقال يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع ، غير أني إذا لم أرك استوحشك وحشة شديدة حتى ألقاك؛ ثم ذكرت الآخرة فأخاف ألا أراك ، لأنك ترفع إلى السماء مع النبيين ، وإني إن دخلت الجنة فأنا في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا ، فنزلت هذه الآية:
" ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".
ُ وروى البيهقي عن عروة قال:
لما أخرج المشركون ( زيد ابن الدثنة) من الحرم ليقتلوه بالتنعيم ، وقد اجتمع في الطريق (خبيب بن عدي الأنصاري ، وزيد بن الدثنة) فتواصيا بالصبر والثبات على ما يلحقهما من المكاره ؛ قال أبو سفيان وهو يومئذ مشرك لزيد : أنشدك بالله يا زيد : أتحب ان محمدا الآن مكانك تضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟!!
فقال زيد : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وأنا جالس في أهلي!!.
فقال أبو سفيان :" ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا".
ُ وروي بن عساكر بسند جيد عن بلال بن رباح رضي الله عنه انه لما نزل (بداريا)- مكان قريب من الشام- بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم رآه في المنام ، وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟أما آن لك أن تزورني ؟ فانتبه بلال حزينا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه!!
ُ فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فجعل بلال يضمهما ويقبلهما ، فقالا له : نتمنى أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ فعلا سطح المسجد ، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه ، فلما قال :" الله أكر ، الله أكبر ": ارتجت المدينة ، فلنا قال :"أشهد أن لا إله إلا الله"،ازدادت رجتها، فلما قال :"أشهد أن محمدا رسول الله " خرجت النساء من خدورهن وقلن : أبعث رسول الله ؟؟ فما رؤي يوم أكثر باكيا ولا باكية من هذا اليوم بالمدينة بعده أكثر من ذلك اليوم ...لحنين الذكرى وأشواقها!!
ـــــــــــــــــــــــــــ
ثم ماذا عن الطاعة والإتباع؟؟
من الطبيعي أن من يحب الله ورسوله محبة قلبية خالصة أن يستجيب لندائهما ويمتثل أمرهما، ويقف عند حدودهما..وإلا فإنه يكون كاذبا في دعوى المحبة.
تعصى الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في القياس بديع.
لو كان حبك صادقا لأطــــعته
إن المحب لمن يحب مطيع.
بل يجد المؤمن من هذه المحبة والطاعة نشوة تظهر على جوارحه ومحياه لإخلاص المحبة ، وصدق الطاعة .. بل لا يتصور من المؤمن بعد أن يستشعر من أعماق قلبه حلاوة المحبة و نشوة الطاعة.. لا يتصور منه أبدا أن يحيد ولو قليلا عن المنهج الذي رسمه المحبوب له ، ولا عن الصراط الذي نصبه له من تعلق به وانجذب إليه . وهكذا الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض النماذج الصادقة في صدق الطاعة والإتباع:
- هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما روي إبن كثير – أراد أن يحدد في خطبة له مهور النساء ، فقامت إمرأة من صفوف النساء فطساء سوداء عجوز وقالت : ما ذاك الحكم يا عمر؟
فقال لها: لم يرحمك الله؟
قالت: لأن الله سبحانه وتعالى يقول :" وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا؟".
فقال عمر : أصابت المرأة وأخطأ عمر.
وقف رضي الله عنه عند النص القرآني ورجع عن خطأه دون أن يجد في هذا الرجوع غضاضة ولا حرجا.
- روى البيهقي وأبو نعيم أن أبا بكر رضي الله عنه قدم له طعام ، فلما تناول منه لقيمات ذكر له بأن في الطعام شبهة من حرام ، فماذا فعل أبو بكر رضي الله عنه ؟ وضع إصبعه في فمه ، واخرج تلك اللقيمات ، وقال : والله لو لم تخرج إلا مع روحي لأخرجتها لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به".
- وروي مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل ، فنزعه وطرحه وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ". فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله : خذ خاتمك انتفع به ، قال لا والله ،وقد طرحه رسول الله.
إلى غير ذلك من الأخبار الرائعة والنماذج الخالدة التي تبين صدق الطاعة وفضيلة الإتباع وحقيقة المحبة..في الرعيل الأول من صحابة رسول الله ومن تبعهم بإحسان.
فهل عرفت الدنيا أنبل منهم و أكرم أو أرأف أو أرحم أو أجل أو أعظم أو أرقى أو أعلم...؟؟؟!!!
إنهم في الحقيقة جيل فريد لا كالأجيال ، ورجال متميزون لا كالرجال، وأمة رائدة لا كالأمم ..
يتبع إن شاء الله بالمرحلتين التاليتين
الإيمان هو أن يعتقد المؤمن من قرارة وجدانه أن الآجال بيد الله ،
وأن ما أصابه لم يكن ليخطأه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ،
وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشئ لن ينفعوه إلا بشئ قد كتبه الله له ،
وإن اجتمعت على أن يضروه بشئ لن يضروه إلا بشئ قد كتبه الله عليه.
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه وتعالى
" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون"
الإيمان أن يعتمد المؤمن أن الأرزاق بيد الله و أن نفسا لن تموت حتى تستوفى أجلها ورزقها...
فبهذا يتحرر المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا ومن الإلحاح بالطلب ويتحرر من الشح النفسي.
والإيمان أن يعتقد المؤمن من أعماق أحاسيسه أن الله سبحانه وتعالى معه يسمعه ويراه ويعلم سره ونجواه ،
ويعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور فيتحلى بمراقبة الله والإخلاص له والإستعانة به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف يستشعر المؤمن حلاوة الإيمان ..؟؟
رسولنا و قائد دعوتنا صلوات الله وسلامه عليه أرشدنا إلى المنهج العلمي في استشعار حلاوة الإيمان ،
ولذة الإسلام ....
ما هو هذا المنهج؟؟
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار."
* المنهج كما دل عليه الحديث يتحقق في ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : المحبة الخالصة لله ولرسوله .
المرحلة الــثانية: الأخوة الصادقة لجماعة المؤمنين.
المرحلة الثالثــة: كراهية مبادئ الكفر ونبذ أهل الضلال.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرحلة الأولى
المحبة الخالصة لله ولرسوله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لابد أن يتساءل المسلم لماذا يعطي محبته وولاءه لله جل جلاله ، وللرسول صلوات اله وسلامه عليه؟؟؟
* يعطي محبته لله جل جلاله لأن الله سبحانه :
يستأهل هذه المحبة وهذا الولاء ل :
• كونه الخالق الأوحد للكون والحياة والإنسان.
• لما أسبغ على الإنسان من نعم ظاهرة وباطنة.
• لأن هذا الكون كله مسخر لمصلحة الإنسان.
• ما أنزل على البشرية من أنظمة حكم ، ومناهج حياة..
• إجابته المضطر إذا دعاه وكشفه الضر والسوء عنه.
• افتقار العبد إليه ، واعتماده في كل الأحوال عليه.
فإذا لم يكن المؤمن على هذا المستوى اللائق من محبة الله ، والولاء له ، والافتقار إليه ، والتوكل عليه، والاستعانة به، والشكران لأنعمه وفضائله..فيكون كاذبا في دعوى المحبة ، وناقضا عرى الإيمان.
* ويعطي محبته وولاءه للنبي صلى الله عليه وسلم لكونه يستأهل هذه المحبة وهذا الولاء ل:
- كونه الشخصية الكاملة المعصومة عن الخطأ ، والمنزهة عن العصيان.
- لكون طاعته صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله.
- كون سنته صلى الله عليه وسلم هي في المرتبة الثانية بعد كتاب الله عز وجل.
- كونه الأسوة الحسنة لمن يتطلع إلى المعالي ، ويستشرف الجلال والكمال.
- كونه أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده... حتى أقام في الجزيرة العربية دولة الإسلام.
- كونه السراج المنير للعوالم ، والرحمة المهداة للبشرية..
وقال تعالى في محكم آياته:
" ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيرا".
" وإنك لعلى خلق عظيم."
• ومن الطبيعي بعد أن يستشعر المؤمن من أعماق وجدانه هذه المعاني نحو رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه لابد أن يعطيه طاعته التامة وانقياده الكامل ومحبته الخالصة.
• فإذا لم يكن المؤمن على هذا المستوى اللائق من المحبة والطاعة والانقياد لنبي الإنسانية عليه الصلاة والسلام فيكون كاذبا في دعوى المحبة.
" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".
ورحم الله البوصيري حين قال:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم.
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم.
فإن فضل رسول الله ليس له
حد فيـــعــرب عــنه نــاطـــق بــفم.
فمبلغ العلن فيه أنـــــــــه بشر
وأنه خير خلق الله كلهـــــــــــم.
نماذج من الحب والتفاني رائعة:
- كان العارف الرباني ( الجنيد) كان إذا ذاق في قرارة نفسه حلاوة العبادة ، ولذة الطاعة انتشى مسرورا وقال:( لو تعلم الملوك ما نحن فيه من لذة لجالدونا عليها بالسيوف).
وكأنه رحمه الله يريد أن يقول : إن ملوك الأرض مهما استشعروا نشوة الملك ، وعزة السلطان ... لم يبلغوا النشوة الحقيقية التي بلغها أحباء الله في مناجاتهم الخالصة وعبادتهم الخاشعة..
ُ وهذا (ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب لرسول الله ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه فقال له صلى الله عليه وسلم : ما غير لونك؟ فقال يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع ، غير أني إذا لم أرك استوحشك وحشة شديدة حتى ألقاك؛ ثم ذكرت الآخرة فأخاف ألا أراك ، لأنك ترفع إلى السماء مع النبيين ، وإني إن دخلت الجنة فأنا في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا ، فنزلت هذه الآية:
" ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".
ُ وروى البيهقي عن عروة قال:
لما أخرج المشركون ( زيد ابن الدثنة) من الحرم ليقتلوه بالتنعيم ، وقد اجتمع في الطريق (خبيب بن عدي الأنصاري ، وزيد بن الدثنة) فتواصيا بالصبر والثبات على ما يلحقهما من المكاره ؛ قال أبو سفيان وهو يومئذ مشرك لزيد : أنشدك بالله يا زيد : أتحب ان محمدا الآن مكانك تضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟!!
فقال زيد : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وأنا جالس في أهلي!!.
فقال أبو سفيان :" ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا".
ُ وروي بن عساكر بسند جيد عن بلال بن رباح رضي الله عنه انه لما نزل (بداريا)- مكان قريب من الشام- بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم رآه في المنام ، وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟أما آن لك أن تزورني ؟ فانتبه بلال حزينا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه!!
ُ فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فجعل بلال يضمهما ويقبلهما ، فقالا له : نتمنى أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ فعلا سطح المسجد ، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه ، فلما قال :" الله أكر ، الله أكبر ": ارتجت المدينة ، فلنا قال :"أشهد أن لا إله إلا الله"،ازدادت رجتها، فلما قال :"أشهد أن محمدا رسول الله " خرجت النساء من خدورهن وقلن : أبعث رسول الله ؟؟ فما رؤي يوم أكثر باكيا ولا باكية من هذا اليوم بالمدينة بعده أكثر من ذلك اليوم ...لحنين الذكرى وأشواقها!!
ـــــــــــــــــــــــــــ
ثم ماذا عن الطاعة والإتباع؟؟
من الطبيعي أن من يحب الله ورسوله محبة قلبية خالصة أن يستجيب لندائهما ويمتثل أمرهما، ويقف عند حدودهما..وإلا فإنه يكون كاذبا في دعوى المحبة.
تعصى الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في القياس بديع.
لو كان حبك صادقا لأطــــعته
إن المحب لمن يحب مطيع.
بل يجد المؤمن من هذه المحبة والطاعة نشوة تظهر على جوارحه ومحياه لإخلاص المحبة ، وصدق الطاعة .. بل لا يتصور من المؤمن بعد أن يستشعر من أعماق قلبه حلاوة المحبة و نشوة الطاعة.. لا يتصور منه أبدا أن يحيد ولو قليلا عن المنهج الذي رسمه المحبوب له ، ولا عن الصراط الذي نصبه له من تعلق به وانجذب إليه . وهكذا الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض النماذج الصادقة في صدق الطاعة والإتباع:
- هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما روي إبن كثير – أراد أن يحدد في خطبة له مهور النساء ، فقامت إمرأة من صفوف النساء فطساء سوداء عجوز وقالت : ما ذاك الحكم يا عمر؟
فقال لها: لم يرحمك الله؟
قالت: لأن الله سبحانه وتعالى يقول :" وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا؟".
فقال عمر : أصابت المرأة وأخطأ عمر.
وقف رضي الله عنه عند النص القرآني ورجع عن خطأه دون أن يجد في هذا الرجوع غضاضة ولا حرجا.
- روى البيهقي وأبو نعيم أن أبا بكر رضي الله عنه قدم له طعام ، فلما تناول منه لقيمات ذكر له بأن في الطعام شبهة من حرام ، فماذا فعل أبو بكر رضي الله عنه ؟ وضع إصبعه في فمه ، واخرج تلك اللقيمات ، وقال : والله لو لم تخرج إلا مع روحي لأخرجتها لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به".
- وروي مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل ، فنزعه وطرحه وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ". فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله : خذ خاتمك انتفع به ، قال لا والله ،وقد طرحه رسول الله.
إلى غير ذلك من الأخبار الرائعة والنماذج الخالدة التي تبين صدق الطاعة وفضيلة الإتباع وحقيقة المحبة..في الرعيل الأول من صحابة رسول الله ومن تبعهم بإحسان.
فهل عرفت الدنيا أنبل منهم و أكرم أو أرأف أو أرحم أو أجل أو أعظم أو أرقى أو أعلم...؟؟؟!!!
إنهم في الحقيقة جيل فريد لا كالأجيال ، ورجال متميزون لا كالرجال، وأمة رائدة لا كالأمم ..
يتبع إن شاء الله بالمرحلتين التاليتين