الب آرسلان
24-12-2004, 07:49 PM
بسم الله الملك الجبار
والصلاة والسلام على إمام المجاهدين المختار
فهذه رساله من أبي أحمد البرقاوي
قرأها وعلق عليها فضيلة الشيخ حامد العلي حفظه الله ورعاه
عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإسلام. فاشترط علي : تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وتصلي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله.
قلت يا رسول الله: أما اثنتان فلا أطيقهما: الزكاة، لأنه ليس لي إلا عشر ذود، هن رسل أهلي وحمولتهم. وأما الجهاد فإنهم يزعمون أنه من ولى فقد باء بغضب من الله، وأخاف إن حضرني قتال كرهت الموت، وخشعت نفسي.
فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها، ثم قال: (لا صدقة ولا جهاد، فبماذا تدخل الجنة؟).
قلت يارسول الله: أبايعك، فبايعني عليهن كلهن.
(رواه البيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أخي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأسأل الله العلي العظيم أن يوفقك للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يكتب لي ولك القبول في الدنيا والآخرة، وأن يهديني وإياك إلى ما اخُتلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
يا أخي أُشهد الله وهو العالم بخفايا الصدور، أني أُحبك في الله، أنت لا تعلم ما يحدث في فؤادي حين أراك، وقد مُثلت فيك سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ كم هي والله نسائم المحبة التي تغمر قلبي، حين أراك مطيعاً لله؛ مصلياً؛ أو تالياً للقرآن؛ أو واعظاً؛ أو خطيباً.
يا أخي إن ما وقع بيني وبينك من نقاشٍ هو والله لا يفسد للود قضية، وما زاد عندي إلا محبة لك، لكنني أنبري لأرسل لك هذه الكلمات؛ التي طالما اختلجت في خاطري، أرسلها لك على بساط النصح، عفاصها المحبة، ووكائها الأخوة، تنبثق من القلب لتصل إلى القلب؛ فتؤتي أكلها بإذن ربها، فاعرف وكائها وعفاصها، ثم عرفها الدهر كله .
يا أخي ما أجمل أن يتحلى المرء بعقيدة صافية نقية؛ قامت أُسسها على الكتاب والسنة؛ واكتمل بنيانها على فهم سلف الأمة، قد ظهرت على صاحبها معالم الإسلام، وامتلأ قلبه بعلائق الإيمان، فانعقد قلبه على الإيمان بالله رباً، وإلهاً، تسمى بالأسماء الحسنى واتصف بالصفات العليا؛ فحُق أن يعبد وحده، وأن لا تُضرب له الأمثال والأشباه والأنداد تعالى الله وجل الله.
تلك العقيدة التي سلمت مما شاب بعض العقائد في مسائل الإيمان؛ وفي مسائل الأسماء والأحكام، فلا تكفير إلا لمن كفره الله ورسوله؛ وقامت فيه الشروط؛ وانتفت الموانع؛ ورُد أمره لأهل العلم الناظرين ببصيرة .
ولا خروج على من ولاه الله أمر المسلمين، وصحت له البيعة من أهل الحل والعقد، فهذا يُدان له بالطاعة في غير معصية ولا أثم، ومن غير تقديس ورفعٍ له عن مكانه. (ما لم يكفر كفراً بواحاً لنا من الله فيه برهان) .
بهذه العقيدة، وعلى هذا الأساس؛ أتجاذب وإياك أطراف الحديث؛ حول فريضة قد عُطلت أو كادت؛ أعني الجهاد في سبيل الله.
* * *
يا أخي بارك الله فيك قد استقر عند أهل العلم أن الجهاد نوعان:
جهاد الطلب: وهو قصد الكفار وغزوهم في ديارهم، ولو لم يحصل منهم أي عدوان؛ ليدخلوا في السلم كافة؛ أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، (أو يُقتلوا) ، وهذا الجهاد فرض كفاية باتفاق أهل العلم .
وفرض الكفاية يُشترط فيه إذن الأبوين بالإجماع، ولا يُشترط فيه إذن الدائن للمدين على الصحيح إذا ترك ما يوفي عنه دينه، لخروج عبدالله بن حرام رضي الله عنه يوم أحد، وعليه دين، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك .
أما اشتراط إذن الإمام فقد قال ابن النحاس -رحمه الله-:
(الجهاد بغير إذن الإمام أو نائبه مكروه؛ ولكنه ليس حراماً، وتُستثنى من الكراهة الحالات التالية:
الأولى: إذا استأذن الواحد أو الجماعة ففات المقصود؛ لأن الجهاد حالة قائمة ماسة لا تنتظر التأخير والاستئذان.
الثانية: إذا عطل الإمام الجهاد، وأقبل هو وجنوده على الدنيا، مما هو مشاهد في هذه الأعصار والأمصار؛ فلا كراهة في الجهاد بغير إذن الإمام؛ لأن الإمام معطل للجهاد والمجاهدون يقومون بالفرض المعطل) ***.
جهاد الدفع: وهو دفع العدو عن بلاد المسلمين، حين حلولهم؛ أو اقترابهم منها، وهذا الذي وقع فيه الخلاف بين أهل العلم.
ويكون الجهاد فرض عين في ثلاث حالات :
إذا احتل العدو بلداً من بلاد المسلمين؛ أو حرك جيوشه لاحتلالها؛ أو قام بالهجوم عليها، وجب على الكل النفير.
إذا استنفر الإمام وجب النفير على من خصه الإمام.
إذا حضر القتال ووقف في الصف وجب عليه الجهاد.
والنقاش بيني وبينك وقع في الحالة الأولى؛ وفيها اختلف أهل العلم و مذهب جمهور العلماء : على أن الجهاد يكون فيها فرض عين، فيخرج العبد بدون إذن سيده، والولد بدون إذن والديه، والدائن بغير إذن مدينه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين، فإنه يصير دفعه واجباً على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين؛ لإعانتهم، كما قال الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (لأنفال: من الآية 72 ) ، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن، وهذا يجب على كل أحد بنفسه وماله، مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو، الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج، بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} (الأحزاب: من الآية 13 ) .
فهذا دفع عن الدين والحرمة والنفس، وهو قتال اضطرار، وذلك قتال اختيار: للزيادة في الدين وإعلائه، ولإرهاب العدو، كغزاة تبوك ونحوها ) .
و ذكر الجصاص –رحمه الله- أنه لا خلاف بين الأمة في أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم .
وقال ابن النحاس –رحمه الله-: (وإن داهم الكفار بلدة للمسلمين واحتلوها ولم يتمكن المسلمون فيها من الاجتماع والتأهب لقتال الكفار فيجب على كل مسلم أن يواجههم بنفسه) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (وأمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُو أشَدُّ أنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ، ودَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه، فَلا يُشْتَرَطُ لَه شَرْطٌ؛ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الإمْكَانِ، وقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ العُلَمَاءُ، أصْحَابُنا وغَيْرُهُم، فَيَجِبُ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ، وبَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه) .
فإن قلت يا أخي أن القتال هناك قتال فتنة!.
فأقول لك إن قتال الفتنة: إنما هو قتال المسلمين للمسلمين؛ لتكون هناك فتنة؛ ويكون الدين لغير الله .
والعاميُّ يعلم أن ما يقع هناك من المجاهدين هو قتالٌ ودفعٌ للكفار، حتى لا تكون فتنة؛ ويكون الدين كله لله؛ وبين هذا وذاك فرقٌ كما بين السماء والأرض.
* * *
وبعد فإنني حين تكلمت إليك يا أخي؛ خشيت على نفسي وعليك؛ أن نكون ممن قال الله فيهم: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة : 24 ) .
وكفى بهذا تهديداً وتحذيراً وتخويفاً، لمن ترك الجهاد وهو قادر ، رغبة عنه وسكوناً إلى ما هو فيه من الأهل والمال.
أو أن يتحقق فينا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التوبة : 38 ، 39 ) .
أو أن يصيبنا ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما روى عنه أبو إمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: (من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة...) .
فالله المستعان؛ كيف دُرست آثار الجهاد فلا تُرى، وطُمست أنواره بين الورى، وأعتم ليله بعد أن كان مقمراً، وأظلم نهاره بعد أن كان نيّرا، وذوى غصنه بعد أن كان مورقاً، وانطفأ حسنه بعد أن كان مُشرقاً.
كيف كرهته النفوس؟! والله سبحانه يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (البقرة : 216 ) .
كيف وقد أمر الله به المؤمنين فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة : 29 ) .
الجهاد الذي لولاه لما عُبد الله في الأرض، ولولا دفع الله المشركين بالمؤمنين؛ لظهر الشرك وطغى، يقول عز من قائل: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: من الآية 40 ) .
الجهاد الذي هو من صميم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أُمرت أن أُقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) .
وعن سلمة بن نفيل رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دخل رجل فقال: يا رسول الله: إن الخيل قد سُيّبت، ووضع السلاح، وقد زعم أقوامٌ أنه لا قتال، وإنه قد وضعت الحرب أوزارها!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبوا! الآن جاء القتال! وإنه لا تزال أمة من أُمتي يقاتلون في سبيل الله، لا يضرهم من خالفهم، يُزيغ الله بهم قلوب أقوام، ليرزقهم منهم، يقاتلون حتى تقوم الساعة. لا يزال الخير معقوداً في نواصي الخيل إلى يوم القيامة. تضع الحرب أوزارها حين يخرج يأجوج ومأجوج) .
فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملون أنفسهم على أكفهم، يطلبون الموت في مظانه؛ لإعلاء كلمة الله، حتى من عذره الله منهم كان سبّاقاً للجهاد!.
فعن عطية بن أبي عطية: أنه رأى عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه - وهو أعمى – يوماً من أيام القادسية، وعليه درع سابغة، يجرها في الصف في ميدان الجهاد .
* * *
فيا سبحان الله! قد أخذ والله حب الجهاد بمجامع قلوب الصالحين، واشرأبت لنيله أعناق المؤمنين.
كيف لا وفيه تلك الصفقة الرابحة،فيه يبيع الإنسان دنياه الدنية؛ بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (النساء : 74 ) .
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة : 111 ) .
كيف لا والجهاد أفضل عملٍ بعد الإيمان!.
فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟
قال: (إيمان بالله وجهاد في سبيله) .
بل هو ذروة سنام الإسلام!.
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقال: إن شئت انبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟
قلت: أجل يا رسول الله!
قال: أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد) .
فذروة سنام البعير -أعلاه- لا يعادلها ولا يساويها شيء من أجزاءه، فالله أكبر يوم رضينا بأخفاف البعير وأقدامه وأسافله؛ وتركنا السنام.
يا أخي ألست تقدس الله وتحب الله؟ وذلك موجبٌ لمحبة ما يحبه الله؛ فاعلم حينئذ أن الجهاد هو أحب الأعمال إلى الله!.
فعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عملناه.
فأنزل الله عز وجل: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف : 1 , 2 , 3 , 4 ) .
فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن المجاهد هو أفضل الناس عند الله!.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟
قال: (مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله...) .
الجهاد يا أخي لا يعدله شيء من الأعمال الصالحة!.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله: ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟
قال صلى الله عليه وسلم: لا تستطيعونه!
فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: لا تستطيعونه.
ثم قال: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) .
فأصحاب رسول الله؛ أصحاب الهمم العالية؛ والأعمال العظيمة؛ لا يستطيعوا أن يعملوا عملاً يعدل الجهاد، فكيف بي وبك، والله أعلم بالأحوال.
ولسان حال المجاهدين يخاطبني وإياك فيقول:
يـا عابد الـحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنـك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فـنحـورنـا بدمائنـا تتخضـب
أو كان يُتعب خيـله في باطل فـخيولنا يوم الصبيحـة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولـقـد أتـانا مـن مقـال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
هـذا كتـاب الله ينطـق بيننـا ليس الشهيد بميت لا يكذب .
هل تعلم يا أخي - وفقني الله وإياك للنفير في سبيله – أن نوم المجاهد أفضل من قيام الليل وصوم النهار؟!.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: أيستطيع أحدكم أن يقوم فلا يفتر، ويصوم فلا يفطر ما كان حياً؟!
قيل: ومن يطيق ذلك يا أبا هريرة؟!
قال: والذي نفسي بيده إن نوم المجاهد في سبيل الله أفضل منه !.
فالله أكبر هذه درجة الغافل النائم منهم، فكيف بالقائم العامل، فلا إله إلا الله يوم أقعدتنا ذنوبنا عن نيل الرتب العالية.
يا أخي أترى ما نحن فيه من رغد عيش وأمان؛ وصحة في الأبدان؛ والذي نفسي بيده لغدوة واحدة للمجاهد؛ أو روحه خيرٌ من عشرة أضعاف ما نحن فيه!.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لغدوة في سبيل الله، أو روحة خير من الدنيا وما فيها. ولقاب قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد سوطه خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأتها ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) .
يا أخي أليست تتوق أنفسنا إلى عالي الدرجات في الجنة؟!.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن) .
يا أخي الجنة هناك في أرض الجهاد إن كنت تريد الجنة!.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) .
ومعلوم أن من قاتل في سبيل الله فقد وجبت له الجنة، فكأن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف حقيقة! .
يا أخي غبار الجهاد في أنفك محرمٌ لك على النار!.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمعان في النار اجتماعاً يضر أحدهما الآخر: مسلم قتل كافراً، ثم سدد المسلم وقارب.
ولا يجتمعان في جوف عبد: غبار في سبيل الله ودخان جهنم...) .
يا أخي إن وقوفك في الصف بدون أن تُطلق رصاصة واحدة؛ خير لك من عبادة ستين سنة!.
فعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مقام الرجل في الصف خير له من عبادة الرجل ستين سنة) .
يا أخي إنك إن جُرحت جُرحاً فضلاً عن الشهادة، فلك ذلك الفضل العظيم.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة، ومن سأل القتل من نفسه صادقاً ثم مات أو قُتل فإن له أجر الشهيد، ومن جُرح في سبيل الله أو نُكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك...) .
يا أخي إنك بمجرد أن تقتل علجاً كافراً عدواً لله ورسوله؛ فأنت حرامٌ على النار!.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يجتمع كافرٌ وقاتله في النار أبداً) .
* * *
يا أخي كل ما ذكرتُ لك آنفاً؛ إنما هو في فضل الجهاد فقط! فكيف بفضل الشهادة التي قعدت بنا هممنا عن نيلها؟!.
إن للشهيد من الخصائص ما يفرَقُ من فواته المؤمن.
فمن خصائص الشهيد أنه حي عند ربه يُرزق! {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} (البقرة : 154 ) . {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران : 169 , 170 , 171 ) .
لقد ماتوا وغادروا الدنيا، لكنهم فُضلوا على سائر الناس فهم في الجنة يُرزقون ويتنعمون ويأكلون.
ومنها أنه ينال من الكرامة ما يتمنى به أن يُرد إلى الدنيا ليقتل ثانية!.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد؛ فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة) .
فلله تلك الكرامة التي جعلت الشهيد يزهد في نعيم الجنة.
-------------- يتبع ----------
والصلاة والسلام على إمام المجاهدين المختار
فهذه رساله من أبي أحمد البرقاوي
قرأها وعلق عليها فضيلة الشيخ حامد العلي حفظه الله ورعاه
عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإسلام. فاشترط علي : تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وتصلي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله.
قلت يا رسول الله: أما اثنتان فلا أطيقهما: الزكاة، لأنه ليس لي إلا عشر ذود، هن رسل أهلي وحمولتهم. وأما الجهاد فإنهم يزعمون أنه من ولى فقد باء بغضب من الله، وأخاف إن حضرني قتال كرهت الموت، وخشعت نفسي.
فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها، ثم قال: (لا صدقة ولا جهاد، فبماذا تدخل الجنة؟).
قلت يارسول الله: أبايعك، فبايعني عليهن كلهن.
(رواه البيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أخي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأسأل الله العلي العظيم أن يوفقك للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يكتب لي ولك القبول في الدنيا والآخرة، وأن يهديني وإياك إلى ما اخُتلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
يا أخي أُشهد الله وهو العالم بخفايا الصدور، أني أُحبك في الله، أنت لا تعلم ما يحدث في فؤادي حين أراك، وقد مُثلت فيك سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ كم هي والله نسائم المحبة التي تغمر قلبي، حين أراك مطيعاً لله؛ مصلياً؛ أو تالياً للقرآن؛ أو واعظاً؛ أو خطيباً.
يا أخي إن ما وقع بيني وبينك من نقاشٍ هو والله لا يفسد للود قضية، وما زاد عندي إلا محبة لك، لكنني أنبري لأرسل لك هذه الكلمات؛ التي طالما اختلجت في خاطري، أرسلها لك على بساط النصح، عفاصها المحبة، ووكائها الأخوة، تنبثق من القلب لتصل إلى القلب؛ فتؤتي أكلها بإذن ربها، فاعرف وكائها وعفاصها، ثم عرفها الدهر كله .
يا أخي ما أجمل أن يتحلى المرء بعقيدة صافية نقية؛ قامت أُسسها على الكتاب والسنة؛ واكتمل بنيانها على فهم سلف الأمة، قد ظهرت على صاحبها معالم الإسلام، وامتلأ قلبه بعلائق الإيمان، فانعقد قلبه على الإيمان بالله رباً، وإلهاً، تسمى بالأسماء الحسنى واتصف بالصفات العليا؛ فحُق أن يعبد وحده، وأن لا تُضرب له الأمثال والأشباه والأنداد تعالى الله وجل الله.
تلك العقيدة التي سلمت مما شاب بعض العقائد في مسائل الإيمان؛ وفي مسائل الأسماء والأحكام، فلا تكفير إلا لمن كفره الله ورسوله؛ وقامت فيه الشروط؛ وانتفت الموانع؛ ورُد أمره لأهل العلم الناظرين ببصيرة .
ولا خروج على من ولاه الله أمر المسلمين، وصحت له البيعة من أهل الحل والعقد، فهذا يُدان له بالطاعة في غير معصية ولا أثم، ومن غير تقديس ورفعٍ له عن مكانه. (ما لم يكفر كفراً بواحاً لنا من الله فيه برهان) .
بهذه العقيدة، وعلى هذا الأساس؛ أتجاذب وإياك أطراف الحديث؛ حول فريضة قد عُطلت أو كادت؛ أعني الجهاد في سبيل الله.
* * *
يا أخي بارك الله فيك قد استقر عند أهل العلم أن الجهاد نوعان:
جهاد الطلب: وهو قصد الكفار وغزوهم في ديارهم، ولو لم يحصل منهم أي عدوان؛ ليدخلوا في السلم كافة؛ أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، (أو يُقتلوا) ، وهذا الجهاد فرض كفاية باتفاق أهل العلم .
وفرض الكفاية يُشترط فيه إذن الأبوين بالإجماع، ولا يُشترط فيه إذن الدائن للمدين على الصحيح إذا ترك ما يوفي عنه دينه، لخروج عبدالله بن حرام رضي الله عنه يوم أحد، وعليه دين، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك .
أما اشتراط إذن الإمام فقد قال ابن النحاس -رحمه الله-:
(الجهاد بغير إذن الإمام أو نائبه مكروه؛ ولكنه ليس حراماً، وتُستثنى من الكراهة الحالات التالية:
الأولى: إذا استأذن الواحد أو الجماعة ففات المقصود؛ لأن الجهاد حالة قائمة ماسة لا تنتظر التأخير والاستئذان.
الثانية: إذا عطل الإمام الجهاد، وأقبل هو وجنوده على الدنيا، مما هو مشاهد في هذه الأعصار والأمصار؛ فلا كراهة في الجهاد بغير إذن الإمام؛ لأن الإمام معطل للجهاد والمجاهدون يقومون بالفرض المعطل) ***.
جهاد الدفع: وهو دفع العدو عن بلاد المسلمين، حين حلولهم؛ أو اقترابهم منها، وهذا الذي وقع فيه الخلاف بين أهل العلم.
ويكون الجهاد فرض عين في ثلاث حالات :
إذا احتل العدو بلداً من بلاد المسلمين؛ أو حرك جيوشه لاحتلالها؛ أو قام بالهجوم عليها، وجب على الكل النفير.
إذا استنفر الإمام وجب النفير على من خصه الإمام.
إذا حضر القتال ووقف في الصف وجب عليه الجهاد.
والنقاش بيني وبينك وقع في الحالة الأولى؛ وفيها اختلف أهل العلم و مذهب جمهور العلماء : على أن الجهاد يكون فيها فرض عين، فيخرج العبد بدون إذن سيده، والولد بدون إذن والديه، والدائن بغير إذن مدينه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين، فإنه يصير دفعه واجباً على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين؛ لإعانتهم، كما قال الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (لأنفال: من الآية 72 ) ، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن، وهذا يجب على كل أحد بنفسه وماله، مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو، الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج، بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} (الأحزاب: من الآية 13 ) .
فهذا دفع عن الدين والحرمة والنفس، وهو قتال اضطرار، وذلك قتال اختيار: للزيادة في الدين وإعلائه، ولإرهاب العدو، كغزاة تبوك ونحوها ) .
و ذكر الجصاص –رحمه الله- أنه لا خلاف بين الأمة في أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم .
وقال ابن النحاس –رحمه الله-: (وإن داهم الكفار بلدة للمسلمين واحتلوها ولم يتمكن المسلمون فيها من الاجتماع والتأهب لقتال الكفار فيجب على كل مسلم أن يواجههم بنفسه) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (وأمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُو أشَدُّ أنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ، ودَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه، فَلا يُشْتَرَطُ لَه شَرْطٌ؛ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الإمْكَانِ، وقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ العُلَمَاءُ، أصْحَابُنا وغَيْرُهُم، فَيَجِبُ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ، وبَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه) .
فإن قلت يا أخي أن القتال هناك قتال فتنة!.
فأقول لك إن قتال الفتنة: إنما هو قتال المسلمين للمسلمين؛ لتكون هناك فتنة؛ ويكون الدين لغير الله .
والعاميُّ يعلم أن ما يقع هناك من المجاهدين هو قتالٌ ودفعٌ للكفار، حتى لا تكون فتنة؛ ويكون الدين كله لله؛ وبين هذا وذاك فرقٌ كما بين السماء والأرض.
* * *
وبعد فإنني حين تكلمت إليك يا أخي؛ خشيت على نفسي وعليك؛ أن نكون ممن قال الله فيهم: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة : 24 ) .
وكفى بهذا تهديداً وتحذيراً وتخويفاً، لمن ترك الجهاد وهو قادر ، رغبة عنه وسكوناً إلى ما هو فيه من الأهل والمال.
أو أن يتحقق فينا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التوبة : 38 ، 39 ) .
أو أن يصيبنا ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما روى عنه أبو إمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: (من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة...) .
فالله المستعان؛ كيف دُرست آثار الجهاد فلا تُرى، وطُمست أنواره بين الورى، وأعتم ليله بعد أن كان مقمراً، وأظلم نهاره بعد أن كان نيّرا، وذوى غصنه بعد أن كان مورقاً، وانطفأ حسنه بعد أن كان مُشرقاً.
كيف كرهته النفوس؟! والله سبحانه يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (البقرة : 216 ) .
كيف وقد أمر الله به المؤمنين فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة : 29 ) .
الجهاد الذي لولاه لما عُبد الله في الأرض، ولولا دفع الله المشركين بالمؤمنين؛ لظهر الشرك وطغى، يقول عز من قائل: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: من الآية 40 ) .
الجهاد الذي هو من صميم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أُمرت أن أُقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) .
وعن سلمة بن نفيل رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دخل رجل فقال: يا رسول الله: إن الخيل قد سُيّبت، ووضع السلاح، وقد زعم أقوامٌ أنه لا قتال، وإنه قد وضعت الحرب أوزارها!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبوا! الآن جاء القتال! وإنه لا تزال أمة من أُمتي يقاتلون في سبيل الله، لا يضرهم من خالفهم، يُزيغ الله بهم قلوب أقوام، ليرزقهم منهم، يقاتلون حتى تقوم الساعة. لا يزال الخير معقوداً في نواصي الخيل إلى يوم القيامة. تضع الحرب أوزارها حين يخرج يأجوج ومأجوج) .
فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملون أنفسهم على أكفهم، يطلبون الموت في مظانه؛ لإعلاء كلمة الله، حتى من عذره الله منهم كان سبّاقاً للجهاد!.
فعن عطية بن أبي عطية: أنه رأى عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه - وهو أعمى – يوماً من أيام القادسية، وعليه درع سابغة، يجرها في الصف في ميدان الجهاد .
* * *
فيا سبحان الله! قد أخذ والله حب الجهاد بمجامع قلوب الصالحين، واشرأبت لنيله أعناق المؤمنين.
كيف لا وفيه تلك الصفقة الرابحة،فيه يبيع الإنسان دنياه الدنية؛ بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (النساء : 74 ) .
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة : 111 ) .
كيف لا والجهاد أفضل عملٍ بعد الإيمان!.
فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟
قال: (إيمان بالله وجهاد في سبيله) .
بل هو ذروة سنام الإسلام!.
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقال: إن شئت انبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟
قلت: أجل يا رسول الله!
قال: أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد) .
فذروة سنام البعير -أعلاه- لا يعادلها ولا يساويها شيء من أجزاءه، فالله أكبر يوم رضينا بأخفاف البعير وأقدامه وأسافله؛ وتركنا السنام.
يا أخي ألست تقدس الله وتحب الله؟ وذلك موجبٌ لمحبة ما يحبه الله؛ فاعلم حينئذ أن الجهاد هو أحب الأعمال إلى الله!.
فعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عملناه.
فأنزل الله عز وجل: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف : 1 , 2 , 3 , 4 ) .
فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن المجاهد هو أفضل الناس عند الله!.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟
قال: (مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله...) .
الجهاد يا أخي لا يعدله شيء من الأعمال الصالحة!.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله: ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟
قال صلى الله عليه وسلم: لا تستطيعونه!
فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: لا تستطيعونه.
ثم قال: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) .
فأصحاب رسول الله؛ أصحاب الهمم العالية؛ والأعمال العظيمة؛ لا يستطيعوا أن يعملوا عملاً يعدل الجهاد، فكيف بي وبك، والله أعلم بالأحوال.
ولسان حال المجاهدين يخاطبني وإياك فيقول:
يـا عابد الـحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنـك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فـنحـورنـا بدمائنـا تتخضـب
أو كان يُتعب خيـله في باطل فـخيولنا يوم الصبيحـة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولـقـد أتـانا مـن مقـال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
هـذا كتـاب الله ينطـق بيننـا ليس الشهيد بميت لا يكذب .
هل تعلم يا أخي - وفقني الله وإياك للنفير في سبيله – أن نوم المجاهد أفضل من قيام الليل وصوم النهار؟!.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: أيستطيع أحدكم أن يقوم فلا يفتر، ويصوم فلا يفطر ما كان حياً؟!
قيل: ومن يطيق ذلك يا أبا هريرة؟!
قال: والذي نفسي بيده إن نوم المجاهد في سبيل الله أفضل منه !.
فالله أكبر هذه درجة الغافل النائم منهم، فكيف بالقائم العامل، فلا إله إلا الله يوم أقعدتنا ذنوبنا عن نيل الرتب العالية.
يا أخي أترى ما نحن فيه من رغد عيش وأمان؛ وصحة في الأبدان؛ والذي نفسي بيده لغدوة واحدة للمجاهد؛ أو روحه خيرٌ من عشرة أضعاف ما نحن فيه!.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لغدوة في سبيل الله، أو روحة خير من الدنيا وما فيها. ولقاب قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد سوطه خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأتها ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) .
يا أخي أليست تتوق أنفسنا إلى عالي الدرجات في الجنة؟!.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن) .
يا أخي الجنة هناك في أرض الجهاد إن كنت تريد الجنة!.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) .
ومعلوم أن من قاتل في سبيل الله فقد وجبت له الجنة، فكأن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف حقيقة! .
يا أخي غبار الجهاد في أنفك محرمٌ لك على النار!.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمعان في النار اجتماعاً يضر أحدهما الآخر: مسلم قتل كافراً، ثم سدد المسلم وقارب.
ولا يجتمعان في جوف عبد: غبار في سبيل الله ودخان جهنم...) .
يا أخي إن وقوفك في الصف بدون أن تُطلق رصاصة واحدة؛ خير لك من عبادة ستين سنة!.
فعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مقام الرجل في الصف خير له من عبادة الرجل ستين سنة) .
يا أخي إنك إن جُرحت جُرحاً فضلاً عن الشهادة، فلك ذلك الفضل العظيم.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة، ومن سأل القتل من نفسه صادقاً ثم مات أو قُتل فإن له أجر الشهيد، ومن جُرح في سبيل الله أو نُكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك...) .
يا أخي إنك بمجرد أن تقتل علجاً كافراً عدواً لله ورسوله؛ فأنت حرامٌ على النار!.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يجتمع كافرٌ وقاتله في النار أبداً) .
* * *
يا أخي كل ما ذكرتُ لك آنفاً؛ إنما هو في فضل الجهاد فقط! فكيف بفضل الشهادة التي قعدت بنا هممنا عن نيلها؟!.
إن للشهيد من الخصائص ما يفرَقُ من فواته المؤمن.
فمن خصائص الشهيد أنه حي عند ربه يُرزق! {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} (البقرة : 154 ) . {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران : 169 , 170 , 171 ) .
لقد ماتوا وغادروا الدنيا، لكنهم فُضلوا على سائر الناس فهم في الجنة يُرزقون ويتنعمون ويأكلون.
ومنها أنه ينال من الكرامة ما يتمنى به أن يُرد إلى الدنيا ليقتل ثانية!.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد؛ فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة) .
فلله تلك الكرامة التي جعلت الشهيد يزهد في نعيم الجنة.
-------------- يتبع ----------