تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية 9 سنوات رحلة حاج افريقي على ظهر حمار



الغــامــدي
10-01-2005, 05:05 PM
زفّة للعائد على فرس ابيض من أطهر البقاع

9 سنوات رحلة حاج افريقي على ظهر حمار



المصدر : يرويها: فالح الذبياني


كانت دروب الحجاج الأفارقة - ونقصد بهم كل من أتى إلى مكة المكرمة من بلاد: نيجيريا والكاميرون وتشاد - من أكثر دروب الحجيج طولا وصعوبة ووعورة فكان على ركب الحجيج أن يسلك الغابات المكتظة بالحيوانات المفترسة ويتسلق الجبال الشاهقة ويعبر الصحاري الموحشة المقفرة إلا من العواصف والرياح, التي كانت تعصف بمواكب الحجيج أو يركب البحر المليء بالأهوال والأخطار بمراكب بدائية كل ذلك جعل من رحلة الحاج الأفريقي رحلة مليئة بالصعاب.
ومن ينج وتكتب له السلامة والعودة سالما غانما يكن قد ولد من جديد.
يقول الدكتور سليمان عبد الغني مالكي وسعد الدين أونال في بحث لهما عن تاريخ الحج أن نسبة الحجاج الأفارقة المعمرين قليلة نسبيا وخاصة عندما نعلم أن الرحلة قد استغرقت من بعضهم تسع سنوات متتالية بسبب المشاكل والأخطار التي كانت تحف بطريق الحج لذلك كان من الصعب أن نلتقي بمن كرر هذه الفريضة من المعمرين إلا أننا استطعنا مقابلة بعضهم ممن أدّى الفريضة في السنوات الماضية وكان معظمهم قد حجوا في حدود عام 1940م وجل هؤلاء أتوا للحج من نيجيريا سالكين طريق البر للوصول إلى مكة المكرمة.
الوحوش تهدد الحجاج
كانت الدواب - الإبل والحمير والخيول - وسيلة السفر والتنقل للحجاج الأفارقة نظرا لتحملها مشاق السفر وخاصة الجمال التي اتخذها الحجاج وسيلة لقطع المسافات الطويلة التي كانت تخلو من مياه الشرب كالفيافي والقفار, ولرخص الأجرة المطلوبة فيها عن الوسائل الأخرى كالقطارات والسيارات التي كانت قليلة ولا يستخدمها بعض الحجاج الا لقطع المسافات التي لا تتوفر فيها الدواب.
الحقيبة والمديدة
وكان الحاج النيجيري عندما ينوي أداء فريضة الحج يقوم بتسديد ديونه يساعده في ذلك بعض الأهل والأقارب ويُبقي مبلغا من المال للأهل ويصطحب معه ما تبقى منه وغالبا كان في حدود ما يساوي مائتي ريال كما يحتفظ ببعض الأدوية المركبة من الأعشاب معه لاستعمالها في الحالات الطارئة خلال الرحلة أو يبيع بعضها في مكة أحيانا وكان الحاج الافريقي يجهز أمتعته في حقيبة من الخشب تحتوي الملابس والأطعمة الجافة كالدقيق والمديدة إضافة إلى بعض لحوم الحيوانات التي يصطادونها أثناء سفرهم.
ثم يخرج من مدينته أو قريته ويتوجه إلى إحدى المدن الرئيسية في نيجيريا مثل لاجوس أو كانز لإنهاء معاملات السفر هناك مستعينا بالمواصلات المتوفرة آنذاك كالقطار أو الدواب وما شابه ذلك, ثم ينطلق ركب الحجيج غالبا من تلك المدن ليتوجه إلى مكة المكرمة فكان على الركب أن يقطع بعض المدن الصغيرة ليلتقي في (غايا) احدى مدن نيجيريا حيث يمكثون فيها فترة قصيرة ثم ينطلق الركب بعد ذلك إلى ( ميسو ) وهي أيضا من المدن النيجيرية ويلاحظ على الركب عدم المكوث كثيرا داخل الأراضي النيجيرية لشوقه ورغبته في مواصلة هذه الرحلة ليصل إلى الديار المقدسة ثم يتحرك الركب تجاه مدينة (بوتسكوم ) ثم يصل بعد ذلك إلى مدينة (ميدغري) التي كانت ملتقى الحجاج - ومعظم الحجاج الذين أدوا الحج ثم كرروه بعد ذلك كانوا من هذه المقاطعة أو من ضواحيها وبعد قضاء فترة قصيرة في هذه المنطقة يرحل الركب إلى ( ديكور ) ثم إلى (بنفر) ثم إلى ( جامينا) وهي الحدود التشادية النيجيرية حيث يمكث فيها الحجاج فترة تقارب الشهر في الحالات العادية وكانت تزيد على ذلك اضعافا في حالة نشوب حروب بين القبائل التي تسكن على محاذاة طريق الحجاج. ثم يتحرك الحجاج إلى (مسكورى ) ومنها ينتقلون إلى أديري التي كان يجلس فيها الحجاج فترة تقارب الشهرين ومنها يخرجون إلى افكدوا ثم إلى فهول ثم يرحلون منها إلى الجنينة وهي الحدود التشادية السودانية فيدخلون السودان ونظرا لتفشي الأمراض والأوبئة في تلك المناطق وخاصة تشاد كان القادمون إلى الجنينة يحجزون في المحجر الصحي مدة طويلة وصلت في بعض الأحيان إلى أربعة أشهر دون أن يتوقع الحجاج ذلك فكان يدركهم الحج وهم في الطريق ولم يصلوا إلى الديار المقدسة, وبعد خروجهم من المحجر الصحي كان الحجاج يمكثون مدة في الجنسية وخاصة عند فوات موسم الحج - الذين كانوا يفضلون أداء المناسك فيه أو اقترابه وتيقن الحجاج من عدم ادراكهم له فمن شارفت أمواله على الانتهاء ذهب باحثا عن موارد الرزق ليشتغل في الزراعة أو أي عمل بسيط يستطيع أن يجمع منه دراهم معدودة للانتقال إلى مدينة أخرى لمتابعة رحلة الحج ثم يخرجون من الجنينة إلى النشر ثم إلى أم كضاده وقد استخدم الحجاج متوسطي الحال في التنقل من الجنينة إلى أم كضادة السيارات التي كانت متاحة ومتوفرة في ذلك الوقت, ثم يرحلون منها إلى الهنود كما يسميها البعض أو احود ليصلوا بعد ذلك إلى الأبيض وهي إحدى مدن السودان التي يجتمع فيها الحجاج ليستقلوا بعد ذلك القطار - ليرتاح الحجاج من عناء الطريق ووعثاء السفر فيعبر بهم القطار إلى سينور ثم يتجه نحو الشمال مرورا بوادي مدني ليصل بهم بعد ذلك إلى الخرطوم.
من سواكن الى جدة
فمن أحب أن يمكث فيها مكث ليبحث عن أسباب الرزق وموارد العيش لينفق بعد ذلك بسخاء في الديار المقدسة وإلا تابع رحلته من الخرطوم وبالقطار أيضا الذي يتابع رحلته شمالا ثم يتجه بهم جهة الشرق ليصلوا إلى ميناء مدينة سواكن الذي يقصده الحجاج دائما ليركبوا بعد ذلك عابرين البحر قاصدين مدينة جدة.
وبالرغم من وقوع ميناء سواكن بالقرب من بورت سودان إلا أن الحجاج الذين أجريت معهم المقابلة لم يستخدموا هذا الميناء مطلقا وإنما الميناء الوحيد كان ميناء سواكن الذي ينقلهم إلى جدة لتبدأ بعد ذلك مرحلة ثانية من الرحلة وتختلف اختلافا كليا عن الشوط الأول.
ضياع الطريق
ويواجه ركب الحجاج الأفارقة مشاكل عديدة أثناء هذه الرحلة الطويلة إلى الأراضي المقدسة فكان على هذا الركب أن يقطع أحيانا الصحارى والفيافي التي كانت تخلو من الماء العذب الصالح للشرب مما أدى بطبيعة الحال إلى وفاة بعض الحجاج نتيجة ذلك وكثرة الغبار والعواصف المليئة بالأتربة مما كان يعيق مسيرة الركب لعدم وضوح الرؤية وضياع الطريق في معظم الأحيان كما كان يسلك هذا الركب الغابات المليئة بالحيوانات المتوحشة والمفترسة وما إليها فكثيرا كانوا لا يستطيعون النوم وقد أنهكهم التعب - خشية تلك الحيوانات بل عليهم مواصلة السير حتى طلوع الشمس ليستريحوا بعد ذلك قليلا من وعثاء السفر.
وان سلك هذا الركب طريق البحر أحيانا أخرى كانت هناك مشاكل من نوع آخر وهي تحمل الأهوال التي تعتري ركوب البحار كالعواصف والرياح التي تغير وجهة المراكب البدائية الصنع والصغيرة الحجم التي كان يسافر بها الحجيج ولا تقدر على مواجهة مخاطر البحر أو مواجهة الرياح والعواصف إضافة إلى مهاجمة بعض الحيتان الكبيرة لتلك المراكب الشراعية الصغيرة.
الحروب القبلية
ونظرا لمرور هذا الركب على الأقاليم والقرى الإفريقية المتعددة والمختلفة في عاداتها وتقاليدها كانت تنشب الحروب القبلية الكثيرة بين سكان تلك الأقاليم فكان على الحجاج أن لم يوجد طريق آخر أن ينتظروا حتى تنتهي هذه الحروب والله اعلم بمدتها ليستطيعوا مواصلة السير, إذا لم يذهبوا ضحية لتلك الحروب القبلية.
ولعل الوقت الطبيعي الذي كانت تستغرقه الرحلة هو شهر واحد قد يزيد قليلا أو ينقص عنه إلا أن معظم الحجاج كان من الفقراء ومتوسطي الحال. فالمشاكل التي كانت تواجههم تعيقهم من متابعة السفر فكانوا يضطرون للبقاء مدة طويلة في بعض الأمكنة ويكون الحاج قد انفق ما اصطحبه معه من المال وهو في الغالب يكون مائتي ريال التي بقيت بعد تسديد ديونه والجزء الذي أبقاه لأهله فيبدأ البحث عن أسباب الرزق خلال الطريق لمتابعة رحلة الحج وغالبا ما كانوا يشتغلون في الزراعة أو البناء أو غير ذلك كما سبق. فهذا مجمل ما كان يواجهه الحاج الإفريقي خلال رحلته هذه ولا يشعر بالأمان إلا عندما تطأ قدماه ارض جدة استعدادا للسفر إلى مكة المكرمة.
رحلة العودة والاحتفالات
ويواصل الدكتور سليمان وعبد الغني مالكي الحديث قائلين: وفي رحلة العودة وبعد زيارة المدينة المنورة يعود الحجاج الأفارقة إلى جدة لينتقلوا بالمراكب الصغيرة إلى سواكن ويعودوا من حيث أتوا وبالطريقة نفسها ويتحملون أحيانا المصاعب والمشقات التي تحملوها خلال رحلة القدوم.
وعندما يدخل الحاج أراضي بلاده كان يبرق إلى أهله بوصوله إلى مدينة كذا فيخرج معظم أهل القرية أو البلدة لاستقباله من حيث ودعوه قبل ذلك مصطحبين معهم فرسا ابيض ليركبه الحاج فرحة بقدومه وعودته بسلام ثم يتوجهون إلى مسجد البلدة أو إلى بيت شيخ القرية ليدعو لهم ثم ينتقل الحاج بعد ذلك إلى بيته ليستقبل المهنئين الذين يستقبلهم لمدة أسبوعين أو شهر تقريبا.
وكان من عادات بعض القبائل الإفريقية أن لا يدخل الحاج إلى بيته مدة ثلاثة أيام بل يبيت خارج بيته ولا يجامع زوجته إلا بعد مضي شهر حتى لا يفسد حجه حسب اعتقادهم.