المسلمة روان
26-01-2005, 05:02 AM
كانت النساء على عهد الصحابة تتميز بصفات عدة يجب ان تعيها امرأة اليوم و تحفظها جيدا كي تتخذ منها اسلوب حياة ،،حيث ان هؤلاء النساء عايشوا الرسول صلى الله عليه وسلم وعايشوا السلف الصالح له من الصحابة والتابعين..
ماذا كانوا يفعلون ؟؟
و كيف نصبح مثلهم ؟؟
دعوني إخوتي اصحبكم معي فيما تيسر لي من كتاب فتيات الصحابة لمحمد بن عبد الله دويش و أنا كلي ثقة انه سينول إعجابكم كما اعجبني
من أهم صفات فتيات الصحابة الآتي:
طلب العلم
إنك لست بحاجة إلى مزيد جدل وحوار أو استعراض للأدلة والنصوص لإقناع أحد بأهمية العلم والحاجة إليه، فالجميع يدرك ذلك، والدليل على هذا أنه لا ينسب أحد للجهل إلا اعتبر ذلك ذماً ونقصاً ولو كان هو جاهلاً فعلاً، ولا ينسب أحد للعلم إلا اعتبر ذلك محمدة وثناءً، بل إن العلم أفاد الحيوان البهيم؛ فصيد الكلب المعلم يحل وصيد غير المعلم لا يحل، فإذا كان هذا الشأن في الحيوان، فكيف بالإنسان الذي كرمه الله وأعلى منـزلته؟ وحيث كان العلم بهذه المنـزلة التي جعلته يفضل على نوافل العبادات، وجعلت فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، فقد كان لنساء الصحابة القدح المعلى وقصب السبق في ذلك، ومن صور عنايتهن بالتعلم ما يلي:
1 - حفظ القرآن
في وقت لم تكن الوسائل المتاحة أمام الناس تيسر لهم أسباب التعلم، فالقارئ والمتعلم للكتابة فيهم قليل، والمصحف ليس مهيأً مجموعاً للناس يحفظون ويقرؤون منه كما أرادوا، ناهيك عن أجهزة التسجيل التي كسرت حاجز الأمية وأتاحت استماع القرآن لكل الفئات والأعمار، وفي أي وقت يشاء المستمع. لكن حين تعلو الهمة وترتفع العزيمة تهوي كل تلك الصعاب، وتزول كل تلك العقبات وغيرها، فلنر نموذجاً من عناية فتيات الصحابة بحفظ القرآن الكريم، وكيف يغتنمن الفرصة ويستثمرنها.
فعن بنت لحارثة بن النعمان قالت ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة قالت وكان تنورنا وتنور رسول صلى الله عليه وسلم واحداً. فأين فتياتنا اليوم من الاعتناء بحفظ القرآن الكريم وتعلمه، لاسيما وقد تيسرت السبل، وتعددت الوسائل ولم يبق لأحد عذر في التخلف؟
2 - السؤال عن العلم:
كانت بعض فتيات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يستثمرن فرصة قربهن من النبي صلى الله عليه وسلم فيسألن عما يشكل عليهن من أمور الدين، وحين ترى إحداهن أمرًا لا تدرك وجهه ومأخذه تسأله صلى الله عليه وسلم عنه، وقد نُقلت لنا من عنايتهن -رضوان الله عليهن- بالسؤال أخبار عدة يضيق المقام عن استيعابها، ولإدراكهن -رضوان الله عليهن- أن تلاوة كتاب الله تبارك وتعالى لا يسوغ أن تقف عند مجرد ترداد ألفاظه بل لا بد من التدبر وإدراك المعاني، فقد حفظت لنا السنة مواقف عدة من سؤالهن للنبي صلى الله عليه وسلم عن معاني ما قد يشكل عليهن من كتاب الله تبارك وتعالى.
فأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تحكي عن نفسها أنها أول الناس سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى آية من كتاب الله تبارك وتعالى. فعن مسروق قال كنت متكئاً عند عائشة -رضي الله عنها- فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت: يا أم المؤمنين، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِين ِ}، { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } ؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض". ثم استدلت -رضي الله عنها- على ما تقول بآيات من كتاب الله تدل على علمها وفقهها، فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }؟ أو لم تسمع أن الله يقول { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }؟ قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية والله يقول { يا أيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه ُ} قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون َ }( ). ومع الأهمية الملحة للسؤال وضرورته نرى أن بعض فتيات المسلمين اليوم يُفَوِّتن على أنفسهن فرصاً نادرة للتعلم والاستزادة؛ إذ قد يوفق الله بعض الفتيات أن تكون بنتاً أو أختاً لأحد طلبة العلم فتكون أقل الناس استفادة منه، ورحم الله عكرمة إذ يقول :"إن أزهد الناس في عالم أهله".
وقد أمر الله تبارك وتعالى من لا يعلم بالسؤال فقال { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }[النحل: 43].
3 - المراجعة والمناقشة:
والعلم عندهن - رضوان الله عليهن- لم يكن قاصراً على مجرد الحفظ للأخبار والروايات، بل كان مقروناً بالفهم والفقه، ولهذا حين يرد على إحداهن نص تعيه وتفهمه ثم تقوم بربطه بسائر النصوص الشرعية، وحين يبدو لديها لبس أو لا تفهم التوفيق بين هذه النصوص تراجع النبي صلى الله عليه وسلم وتناقشه في ذلك. فعن حفصة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية" قالت: فقلت: أليس الله عز وجل يقول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال: فسمعته يقول{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } .
وتحفظ لنا السنة أيضاً موقفاً آخر لأم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- ترى أن ما سمعته منه صلى الله عليه وسلم قد يتعارض مع قاعدة شرعية مستقرة لديها فتسأله صلى الله عليه وسلم تجلية هذا الإشكال. فعنها -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلاً من أهل مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم مثل ما أصابهم" فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان منهم مستكرهاً؟ قال:"يصيبهم كلهم ذلك ثم يبعث الله كل امرئ على نيته".
ولقد كان هذا الفقه لديها -رضي الله عنها- يعطيها زاداً يدفعها إلى أن تصحح ما تراه من أفعال أصحابه يخالف نصاً ربما لم يبلغهم، أو كان لهم عذر آخر في مخالفته. فعن نافع قال: لقي ابن عمر -رضي الله عنهما- ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها، فقالت له:رحمك الله ما أردت من ابن صائد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما يخرج من غضبة يغضبها"؟.
4 - الفقه:
ومع الحفظ والجمع للأخبار كن رضوان الله عليهن أهل فقه وفهم للنصوص، وهذا من علامة الخير كما قال صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
وها هي شواهد من فقههن -رضوان الله عليهن
فمع عروة وهو يسأل عائشة عن آية من كتاب الله، فعن عروة ابن الزبير أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن قول الله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا } إلى { ورباع } فقالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَا ء ِ} إلى قوله { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُن َّ} والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي قال فيها { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء ِ} قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُن َّ} يعني: هي رغبة أحدكم ليتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن.
ويسألها عن آية أخرى، فعن عروة أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيتِ قوله { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا } أو ( كُذِّبوا )؟ قالت: بل كذبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن، فقالت: يا عُريَّة، لقد استيقنوا بذلك، قلت: فلعلها أو { كُذِبوا } قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، وأما هذه الآية قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذبوهم، جاءهم نصر الله.
وعن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه، فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسي الناس، ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد.
وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله -يعني ابن مسعود- قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الحفظ للنصوص أمر لا بد منه، وهو مبدأ العلم وأول خطوة فيه، لكنه ليس الخطوة الأخيرة وليس النهاية بل لا بد من الفقه والفهم، وقد أثنى تبارك وتعالى على أحد أنبيائه وأخبر أنه رُزِق الفهم فقال { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان َ } ثم يعقب حتى لا يظن أحد أن في ذلك غمطاً لشأن داود -عليهما السلام- فيقول{ وَكُلا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا }[الأنبياء:79]. و يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفقه في الدين دلالة على إرادة الله الخير لعبده فيقول :"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وحين كافأ صلى الله عليه وسلم ابن عباس -رضي الله عنهما- على صنيعه دعا له بهذا الدعاء "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".
وجيل صحوتنا المباركة اليوم أحوج ما يكون إلى إدراك هذا المعنى وهو يعيش يقظة علمية مباركة بإذن الله.
إن جمع النصوص في الموضوع الواحد، وإدراك مقاصد التشريع وحكمته، والتعرف على أسباب نزول الآيات والوقائع، كل ذلك مما يعين على الفهم والفقه السليم للنصوص، وهو يحول دون خطأ وخلط أولئك الذين يستدلون بالنصوص على واقعهم الفاسد، ويحول أيضاً دون أولئك الذين تخف لديهم عظمة النص الشرعي وهيبته فيقفزون عليه ويلتفون عليه باسم الفقه والمصالح وتغير الزمان.
5 - سعة العلم:
لقد بلغ من سعة علم عائشة -رضي الله عنها- أن تكون مرجعاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونها عما أشكل عليهم.
عن أبي بردة عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً.
وبعد فهذه الأخبار غيض من فيض، وقطرة من بحر مما ورد من عناية فتيات الصحابة رضوان الله عليهن بالعلم الذي هو ضرورة ملحة لكل مسلم ومسلمة في كل زمان ومكان.
ها هي أختي المسلمة نساء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعنايتهن بالعلم والفقه في دين الله، فأصبحن قدوة لغيرهن، فحفظ لنا التاريخ مواقف من عناية نساء المسلمات بالعلم والفقه في دين الله. فمع عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، ورغم أنهن يحضرن مشاهد العلم والخير، فيشهدن الصلاة معه، ويسمعن القرآن والذكر، ويشهدن العيد حتى ذوات الخدور ويخصهن فيه بخطاب خاص، إلا أن ذلك لم يكن ليشبع تطلعهن ونهمهن بالعلم، فيرين أن الرجال فاقوهن في تحصيل العلم وإدراكه، فيتطلعن إلى مجلس خاص منه صلى الله عليه وسلم، ويعبرن له عن هذه الرغبة وهذا الطلب.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن:"ما منكن امرأة تُقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار" فقالت امرأة: واثنتين؟ فقال:"واثنتين.
وها هي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تشهد بهذه الشهادة لنساء الأنصار إذ تقول:"نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين".
ويحفظ لنا التاريخ بين صفحاته صوراً من عناية بعض النساء بالعلم بل تميزهن به، ومن ذلك ما ذكره الحافظ ابن كثير عن أم زينب فاطمة بنت عباس "وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية، فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعت الشيخ تقي الدين يثني عليها، ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيراً من المغني أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها، وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها".
وفى زماننا يتأكد هذا الأمر، إذ على الأمة اليوم أن تستنفر طاقاتها وتستجمع قواها، والنساء جزء له أهمية في هذا الميدان، وثمة أمور عدة تؤكد أهمية العلم والعناية به لدى الفتاة المسلمة اليوم، نعرض بعضاً منها فيما يلي:
الأمر الأول: حين تحمل المرأة المسلمة زاداً من العلم الشرعي فهو وسيلة بإذن الله لتربية أبنائها وتعاهدهم ورعايتهم، وتعليمهم ما يجهلون من دينهم، وما أجمل أن تعتني الأم بتعليم أولادها أحكام العبادات وآدابها، وتُوقِفَهم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي تراهم يتطهرون وتراهم يصلون، وتعيش معهم سائر أمور اليوم والليلة.
هي كذلك تمثل مرجعاً مهماً وقريباً لبناتها خاصة في المسائل التي يستحيين من سؤال آبائهن ومعلماتهن، وتكون قلباً مفتوحاً لهن يستمع وينصح ويوجِّه ويعلم.
الأمر الثاني: تحتاج الفتاة اليوم لرصيد من العلم يكون زاداً يمكن أن تملأ به المجالس بديلاً للهو والحديث غير المفيد، وما أكثر الهموم التي يجب أن تطرح للنقاش والحوار في مجالسنا.
الأمر الثالث: تحتاج الفتاة أيضاً للعلم حين تكون معلمة، فلا يقف دورها حينئذ عند مجرد قراءة الكتاب المدرسي وسرد ما فيه، بل تصبح مرجعاً لطالباتها، وحين تقدم لهن النصيحة يشعرن أنها تتكلم بعلم لا بمجرد عواطف. ولئن كانت طبيعة المرأة تحول بينها وبين بعض الفرص للتعلم، فإن التقنية المعاصرة اليوم قد هيأت أسباباً ووسائل كثيرة يمكن أن تستفيد منها الفتاة في تحصيل قدر من العلم ربما كان يصعب عليها فيما سبق. فالكتب اليوم غدت سهلة وميسرة وفي متناول كل منا، وقلما يخلو منها بيت أو منـزل، والأشرطة المسجلة التي تحوي دروس أهل العلم وأقوالهم وفتاواهم صارت في متناول الجميع، بل إن الفتاة تستطيع الاستماع إليها وهي تقضي ساعات في إعداد الطعام وكيّ الثياب وغير ذلك من الأعمال.. وغير هذه الوسائل كثير. فما بالنا مع هذه الفرص نرى بعض الفتيات الفاضلات يشتكين من الفراغ ويبحثن عما يقضين به أوقاتهن؟ لذا فهن يمضين أوقاتاً طويلة في قراءة الصحف أو المكالمات الهاتفية مع الصديقات والقريبات.
ماذا كانوا يفعلون ؟؟
و كيف نصبح مثلهم ؟؟
دعوني إخوتي اصحبكم معي فيما تيسر لي من كتاب فتيات الصحابة لمحمد بن عبد الله دويش و أنا كلي ثقة انه سينول إعجابكم كما اعجبني
من أهم صفات فتيات الصحابة الآتي:
طلب العلم
إنك لست بحاجة إلى مزيد جدل وحوار أو استعراض للأدلة والنصوص لإقناع أحد بأهمية العلم والحاجة إليه، فالجميع يدرك ذلك، والدليل على هذا أنه لا ينسب أحد للجهل إلا اعتبر ذلك ذماً ونقصاً ولو كان هو جاهلاً فعلاً، ولا ينسب أحد للعلم إلا اعتبر ذلك محمدة وثناءً، بل إن العلم أفاد الحيوان البهيم؛ فصيد الكلب المعلم يحل وصيد غير المعلم لا يحل، فإذا كان هذا الشأن في الحيوان، فكيف بالإنسان الذي كرمه الله وأعلى منـزلته؟ وحيث كان العلم بهذه المنـزلة التي جعلته يفضل على نوافل العبادات، وجعلت فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، فقد كان لنساء الصحابة القدح المعلى وقصب السبق في ذلك، ومن صور عنايتهن بالتعلم ما يلي:
1 - حفظ القرآن
في وقت لم تكن الوسائل المتاحة أمام الناس تيسر لهم أسباب التعلم، فالقارئ والمتعلم للكتابة فيهم قليل، والمصحف ليس مهيأً مجموعاً للناس يحفظون ويقرؤون منه كما أرادوا، ناهيك عن أجهزة التسجيل التي كسرت حاجز الأمية وأتاحت استماع القرآن لكل الفئات والأعمار، وفي أي وقت يشاء المستمع. لكن حين تعلو الهمة وترتفع العزيمة تهوي كل تلك الصعاب، وتزول كل تلك العقبات وغيرها، فلنر نموذجاً من عناية فتيات الصحابة بحفظ القرآن الكريم، وكيف يغتنمن الفرصة ويستثمرنها.
فعن بنت لحارثة بن النعمان قالت ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة قالت وكان تنورنا وتنور رسول صلى الله عليه وسلم واحداً. فأين فتياتنا اليوم من الاعتناء بحفظ القرآن الكريم وتعلمه، لاسيما وقد تيسرت السبل، وتعددت الوسائل ولم يبق لأحد عذر في التخلف؟
2 - السؤال عن العلم:
كانت بعض فتيات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يستثمرن فرصة قربهن من النبي صلى الله عليه وسلم فيسألن عما يشكل عليهن من أمور الدين، وحين ترى إحداهن أمرًا لا تدرك وجهه ومأخذه تسأله صلى الله عليه وسلم عنه، وقد نُقلت لنا من عنايتهن -رضوان الله عليهن- بالسؤال أخبار عدة يضيق المقام عن استيعابها، ولإدراكهن -رضوان الله عليهن- أن تلاوة كتاب الله تبارك وتعالى لا يسوغ أن تقف عند مجرد ترداد ألفاظه بل لا بد من التدبر وإدراك المعاني، فقد حفظت لنا السنة مواقف عدة من سؤالهن للنبي صلى الله عليه وسلم عن معاني ما قد يشكل عليهن من كتاب الله تبارك وتعالى.
فأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تحكي عن نفسها أنها أول الناس سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى آية من كتاب الله تبارك وتعالى. فعن مسروق قال كنت متكئاً عند عائشة -رضي الله عنها- فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت: يا أم المؤمنين، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِين ِ}، { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } ؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض". ثم استدلت -رضي الله عنها- على ما تقول بآيات من كتاب الله تدل على علمها وفقهها، فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }؟ أو لم تسمع أن الله يقول { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }؟ قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية والله يقول { يا أيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه ُ} قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون َ }( ). ومع الأهمية الملحة للسؤال وضرورته نرى أن بعض فتيات المسلمين اليوم يُفَوِّتن على أنفسهن فرصاً نادرة للتعلم والاستزادة؛ إذ قد يوفق الله بعض الفتيات أن تكون بنتاً أو أختاً لأحد طلبة العلم فتكون أقل الناس استفادة منه، ورحم الله عكرمة إذ يقول :"إن أزهد الناس في عالم أهله".
وقد أمر الله تبارك وتعالى من لا يعلم بالسؤال فقال { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }[النحل: 43].
3 - المراجعة والمناقشة:
والعلم عندهن - رضوان الله عليهن- لم يكن قاصراً على مجرد الحفظ للأخبار والروايات، بل كان مقروناً بالفهم والفقه، ولهذا حين يرد على إحداهن نص تعيه وتفهمه ثم تقوم بربطه بسائر النصوص الشرعية، وحين يبدو لديها لبس أو لا تفهم التوفيق بين هذه النصوص تراجع النبي صلى الله عليه وسلم وتناقشه في ذلك. فعن حفصة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية" قالت: فقلت: أليس الله عز وجل يقول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال: فسمعته يقول{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } .
وتحفظ لنا السنة أيضاً موقفاً آخر لأم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- ترى أن ما سمعته منه صلى الله عليه وسلم قد يتعارض مع قاعدة شرعية مستقرة لديها فتسأله صلى الله عليه وسلم تجلية هذا الإشكال. فعنها -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلاً من أهل مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم مثل ما أصابهم" فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان منهم مستكرهاً؟ قال:"يصيبهم كلهم ذلك ثم يبعث الله كل امرئ على نيته".
ولقد كان هذا الفقه لديها -رضي الله عنها- يعطيها زاداً يدفعها إلى أن تصحح ما تراه من أفعال أصحابه يخالف نصاً ربما لم يبلغهم، أو كان لهم عذر آخر في مخالفته. فعن نافع قال: لقي ابن عمر -رضي الله عنهما- ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها، فقالت له:رحمك الله ما أردت من ابن صائد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما يخرج من غضبة يغضبها"؟.
4 - الفقه:
ومع الحفظ والجمع للأخبار كن رضوان الله عليهن أهل فقه وفهم للنصوص، وهذا من علامة الخير كما قال صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
وها هي شواهد من فقههن -رضوان الله عليهن
فمع عروة وهو يسأل عائشة عن آية من كتاب الله، فعن عروة ابن الزبير أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن قول الله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا } إلى { ورباع } فقالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَا ء ِ} إلى قوله { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُن َّ} والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي قال فيها { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء ِ} قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُن َّ} يعني: هي رغبة أحدكم ليتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن.
ويسألها عن آية أخرى، فعن عروة أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيتِ قوله { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا } أو ( كُذِّبوا )؟ قالت: بل كذبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن، فقالت: يا عُريَّة، لقد استيقنوا بذلك، قلت: فلعلها أو { كُذِبوا } قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، وأما هذه الآية قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذبوهم، جاءهم نصر الله.
وعن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه، فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسي الناس، ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد.
وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله -يعني ابن مسعود- قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الحفظ للنصوص أمر لا بد منه، وهو مبدأ العلم وأول خطوة فيه، لكنه ليس الخطوة الأخيرة وليس النهاية بل لا بد من الفقه والفهم، وقد أثنى تبارك وتعالى على أحد أنبيائه وأخبر أنه رُزِق الفهم فقال { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان َ } ثم يعقب حتى لا يظن أحد أن في ذلك غمطاً لشأن داود -عليهما السلام- فيقول{ وَكُلا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا }[الأنبياء:79]. و يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفقه في الدين دلالة على إرادة الله الخير لعبده فيقول :"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وحين كافأ صلى الله عليه وسلم ابن عباس -رضي الله عنهما- على صنيعه دعا له بهذا الدعاء "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".
وجيل صحوتنا المباركة اليوم أحوج ما يكون إلى إدراك هذا المعنى وهو يعيش يقظة علمية مباركة بإذن الله.
إن جمع النصوص في الموضوع الواحد، وإدراك مقاصد التشريع وحكمته، والتعرف على أسباب نزول الآيات والوقائع، كل ذلك مما يعين على الفهم والفقه السليم للنصوص، وهو يحول دون خطأ وخلط أولئك الذين يستدلون بالنصوص على واقعهم الفاسد، ويحول أيضاً دون أولئك الذين تخف لديهم عظمة النص الشرعي وهيبته فيقفزون عليه ويلتفون عليه باسم الفقه والمصالح وتغير الزمان.
5 - سعة العلم:
لقد بلغ من سعة علم عائشة -رضي الله عنها- أن تكون مرجعاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونها عما أشكل عليهم.
عن أبي بردة عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً.
وبعد فهذه الأخبار غيض من فيض، وقطرة من بحر مما ورد من عناية فتيات الصحابة رضوان الله عليهن بالعلم الذي هو ضرورة ملحة لكل مسلم ومسلمة في كل زمان ومكان.
ها هي أختي المسلمة نساء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعنايتهن بالعلم والفقه في دين الله، فأصبحن قدوة لغيرهن، فحفظ لنا التاريخ مواقف من عناية نساء المسلمات بالعلم والفقه في دين الله. فمع عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، ورغم أنهن يحضرن مشاهد العلم والخير، فيشهدن الصلاة معه، ويسمعن القرآن والذكر، ويشهدن العيد حتى ذوات الخدور ويخصهن فيه بخطاب خاص، إلا أن ذلك لم يكن ليشبع تطلعهن ونهمهن بالعلم، فيرين أن الرجال فاقوهن في تحصيل العلم وإدراكه، فيتطلعن إلى مجلس خاص منه صلى الله عليه وسلم، ويعبرن له عن هذه الرغبة وهذا الطلب.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن:"ما منكن امرأة تُقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار" فقالت امرأة: واثنتين؟ فقال:"واثنتين.
وها هي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تشهد بهذه الشهادة لنساء الأنصار إذ تقول:"نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين".
ويحفظ لنا التاريخ بين صفحاته صوراً من عناية بعض النساء بالعلم بل تميزهن به، ومن ذلك ما ذكره الحافظ ابن كثير عن أم زينب فاطمة بنت عباس "وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية، فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعت الشيخ تقي الدين يثني عليها، ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيراً من المغني أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها، وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها".
وفى زماننا يتأكد هذا الأمر، إذ على الأمة اليوم أن تستنفر طاقاتها وتستجمع قواها، والنساء جزء له أهمية في هذا الميدان، وثمة أمور عدة تؤكد أهمية العلم والعناية به لدى الفتاة المسلمة اليوم، نعرض بعضاً منها فيما يلي:
الأمر الأول: حين تحمل المرأة المسلمة زاداً من العلم الشرعي فهو وسيلة بإذن الله لتربية أبنائها وتعاهدهم ورعايتهم، وتعليمهم ما يجهلون من دينهم، وما أجمل أن تعتني الأم بتعليم أولادها أحكام العبادات وآدابها، وتُوقِفَهم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي تراهم يتطهرون وتراهم يصلون، وتعيش معهم سائر أمور اليوم والليلة.
هي كذلك تمثل مرجعاً مهماً وقريباً لبناتها خاصة في المسائل التي يستحيين من سؤال آبائهن ومعلماتهن، وتكون قلباً مفتوحاً لهن يستمع وينصح ويوجِّه ويعلم.
الأمر الثاني: تحتاج الفتاة اليوم لرصيد من العلم يكون زاداً يمكن أن تملأ به المجالس بديلاً للهو والحديث غير المفيد، وما أكثر الهموم التي يجب أن تطرح للنقاش والحوار في مجالسنا.
الأمر الثالث: تحتاج الفتاة أيضاً للعلم حين تكون معلمة، فلا يقف دورها حينئذ عند مجرد قراءة الكتاب المدرسي وسرد ما فيه، بل تصبح مرجعاً لطالباتها، وحين تقدم لهن النصيحة يشعرن أنها تتكلم بعلم لا بمجرد عواطف. ولئن كانت طبيعة المرأة تحول بينها وبين بعض الفرص للتعلم، فإن التقنية المعاصرة اليوم قد هيأت أسباباً ووسائل كثيرة يمكن أن تستفيد منها الفتاة في تحصيل قدر من العلم ربما كان يصعب عليها فيما سبق. فالكتب اليوم غدت سهلة وميسرة وفي متناول كل منا، وقلما يخلو منها بيت أو منـزل، والأشرطة المسجلة التي تحوي دروس أهل العلم وأقوالهم وفتاواهم صارت في متناول الجميع، بل إن الفتاة تستطيع الاستماع إليها وهي تقضي ساعات في إعداد الطعام وكيّ الثياب وغير ذلك من الأعمال.. وغير هذه الوسائل كثير. فما بالنا مع هذه الفرص نرى بعض الفتيات الفاضلات يشتكين من الفراغ ويبحثن عما يقضين به أوقاتهن؟ لذا فهن يمضين أوقاتاً طويلة في قراءة الصحف أو المكالمات الهاتفية مع الصديقات والقريبات.