Snoopy
31-01-2005, 02:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجهاد في جزيرة العرب
الحمد لله معز المؤمنين ، ومذل الكفّار والمنافقين ، وجاعل الحرب سجال بين أولياءه وأعدائها ثم قدّر بأن العاقبة للمتقين .. وأصلي وأسلم على المبعوث بين يد الساعة بالسيف إمام المنذرين بلسان عربي مبين ، وعلى آله وأصحابه الأخيار المجاهدين .. أما بعد ..
فبينما كانت الأمة الإسلامية غارقة في التبعية والتخلّف الشرعي والعلمي ، وكان الكفار يسرحون ويمرحون في بلاد الإسلام يسرقون الخيرات ويُذلّون أهل المروؤات ، وكان حكام بلاد العرب يُنفقوت على العاهرات أوزانهن من الذّهب والمجوهرات ، مما استأثروا به من أموال المسلمين والخيرات !! بينما كان الهوى والجهل وحب الدنيا سائد في شعوب العالم الإسلامي (إلا من رحم الله) .. في هذا الوقت العصيب من تاريخ الأمة الإسلامية : لم يكن غريباً أن يجثم الشيوعيون على كرسي الحكم ليُعلنوا الإلحاد في كابل وسائر بلاد الأفغان ، ولينزعوا الحجاب من على رؤوس نساء غزني وطالوقان ، وليحلق الأفغاني لحيته ويهجر صلاته ويقدم على لهوه وملذاته !!
كانت الأمة كلها غارقة في شهواتها لاهية بحياتها ناسية دينها (إلا من رحم الله) ، وكانت راية الحق خافتة ، وراية الكفر والإلحاد مشرَّعة ، وراية الجهاد كالغائبة ، وراية الذّلة في الأمة سائدة !!
لم يرق هذا كله لأهل العلم العاملين الذين آمنت قلوبهم بأن {العاقبة للمتقين} .. كانت حقبة من التاريخ تحتاج إلى رجال يصنعون التاريخ ..
فكان التاريخ على موعد مع رجل التاريخ !!
الغيرة تأكل قلبه .. والحسرة تملأ جوانبه .. والهمّة تعتلي قمم الهندكوش وجبال سليمان ..
في جامعة كابل ، في كليّة الشريعة ، قام رجل واحد ليضع لبنة هذا الصرح التاريخي الشامخ .. عميد ، وليس عميد شرطة أو جيش ، بل عميد كلية الشريعة ، يُقسم للمسلمين بأنكم : {أَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ..
جمع الشيخ "غلام محمد نيازي" - رحمه الله – بعض طلبة كلية الشريعة وبعض أهل الإستقامة من الطلبة ، وأعلنها مدوية : "يجب شرعاً الخروج على الحكومة الشيوعية الكافرة" ..
قُتل – رحمه الله – وتفرّق تلاميذه ، ليلتقوا بعد سنوات في بيشاور ، فتردد النّفر : هل يشكلوا حزباً سياسياً ، أم يخاطبوا بعض أفراد الجيش الأفغاني لعمل إنقلاب آخر ، أم ماذا !! قدّموا رجل وأخروا !! طرحوا الآراء وتداولوا !! وبكل ثقة ورباطة جأش ، أعلن ليث من ليوث غزني (قلب الدين حكمتيار) ، بأن : ليس للشيوعيين إلا السيف .. فأطلق أول رصاصة في نعش الكفر العالمي .. وبدأ الجهاد ..
بعد بضع سنوات من القتال : عرج إلى تلك البلاد أحد الرجال الأفذاذ من أرض المعراج لينقل صورة الجهاد الأفغاني إلى العالم الإسلامي : كانت الصورة مشرقة ، وكانت كلمات الناقل لا تقل إشراقاً عن تلك الصور البديعة ..
شُحذَت الهمم .. تحرّكت القلوب بعد سكون .. ظهر الأمل .. أشرقت شمس أعمال رجال الأمة الأوَل .. طاب لأهل الإسلام في خراسان المنون .. بحلقت إلى أرض أفغان المُقَل ..
العلماء في العالم الإسلامي يدعون للجهاد .. الخطباء يصرخون : حي على الجهاد .. الناس يُنفقون على أهل الجهاد .. الحكام يسهّلون وصول الرجال إلى أرض الجهاد .. عقد من الزمن كان الطاغي فيه على فكر الأمة : فريضة الجهاد .. التلفاز ، الجرائد ، المجلات ، الأشرطة ، الكتب ، المحاضرات ، الندوات ، التبرعات ، المخيمات ، القرارات .. كان الناس في حلم - وما أجمله من حلم - كانت تذكرة الطائرة من جزيرة العرب إلى أفغانستان بثُلث الثمن على الخطوط الوطنية !! كان الأمراء يتسابقون بالتبرعات للمجاهدين ويتفاخرون بذلك .. كان العلماء يحضون أهل الخير على بذل الأموال ، ومن العلماء من جهّز مئات المجاهدين على حسابه الخاص !!
في مثل هذا الجو الروحاني المشحون بحب الجهاد والشهادة والبذل لهذا الدين : نفر خيرة شباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بلادهم إلى بلاد الأفغان لنُصرة المجاهدين استجابة لنداء رب العالمين {انفروا خفافاً وثقالا} : الغني والفقير ، الكبير والصغير ، المتزوج والأعزب .. كل من صدّق الآيات بقلبه ، واعتقد كلام النبي - صلى الله عليه وسلم – بفؤاده ، وآثر الآخرة : التي هي معاده ، حمل على الكتف زاده ، وكان التُّقى خير زاده .. حتى النساء خلعن حليّهن وأنفقن من أموالهن وانتدبن أبنائهن للجهاد في سبيل الله ..
كانت الجرائد والمجلات الحكومية والخاصة تتفاخر بأمجاد المجاهدين وانتصاراتهم وكراماتهم .. كان قادة المجاهدين يخطبون في المساجد والجامعات والمدارس في أكثر الدول الإسلامية ، بل حتى في الدول الأوروبية وأمريكا .. كان أبي عبد الله "أسامة" يستقبله المسلمون (حكاماً وعلماء ومحكومين) استقبال القادة الفاتحين .. كان العلماء يُعلنون تشرّفهم أن يكون أسامة وإخوانه جلسائهم .. كان أسامة يتكلّم بين يدي أكبر علماء الأمة منزلة ، وأعظمهم قدراً ، وأغزرهم علماً ، كان يحرّض على الجهاد من مكة ، وعلى النفير من المدينة ، وعلى الإنفاق من جدّة ، وعلى النُّصرة العامة من نجد ..
ولكن هذا الحلم الجميل كان ورائه كيد خبيث خطير !!
الحكّام أخذوا الضوء الأخضر من أمريكا لمساندة الجهاد : أمريكا كانت تريد إضعاف الدولة الشيوعية السوفييتية العدوّة اللدود للمدنية الغربية .. كان الكيد الأمريكي : أن تضرب المسلمين بالشيوعيين فيضعف الإثنين ليسهل عليها السيطرة عليهم فيما بعد ، ولذلك أمرت الحكام بالحث على الجهاد ..
حصلت المفاجأة الكبرى التي لم يحسب لها أهل الأرض حساب !!
إنتصر المجاهدون العُزّل على السوفييت ، وكانت تلك الملحمة التاريخية لا يمكن أن تؤتي هذه النتيجة - في ذلك الزمن القصير - بالمقاييس الأرضية !! وخرج المجاهدون من الحرب وهم أقوياء !!
جُنّ جنون يهود ومن دار في فلكهم لما رأوا شباب أمة محمد - الذين عملوا على تخديرهم بالخمر والزنا والهوى والخنى لسنوات طويلة – وقد : استبدلوا المعازف بالرصاص ، والقيان بالقنابل ، والهوى بالمدافع ، وفاره السيّارات بالدبابات ، ففتحوا من البلاد أضعاف أضعاف حجم فلسطين في وقت قياسي يكاد يكون معجزة بتلك الإمكانيات المتواضعة !!
دق هؤلاء ناقوس الخطر ، وأخذوا يولولون في أوروبا وأمريكا ويشقّون الجيوب يدعون ساسة الغرب إلى الإنتباه لحجم الكارثة التي حلّت بالكفر العالمي !!
أنسيتم ما فعل أجداد هؤلاء بالروم وفارس !! أنسيتم ما فعل أجداد هؤلاء في القسطنطينية والنمسا وإيطاليا وفرنسا !! أمة محمد استيقضت وحملت السلاح !!
ماذا فعلنا !! لقد أيقظنا العملاق !!
"What have we done! We have awakened the Giant"
هكذا قالوها !!
بدأت الكتابات اللامزة للجهاد والمجاهدين .. التفت الغرب للأمة الإسلامية بعد أن تحطمت الأسطورة الشيوعية على أيدي المجاهدين .. كتب الرؤساء والوزراء والمفكرون والسفراء اليهود والصليبيون عن الخطر الإسلامي القادم على أيدي هؤلاء الرجال قبل أن يدخل المجاهون كابل !! أتى الأمر الأمريكي بتشويه صورة المجاهدين ، فعمل الحكام على استئجار الأقلام ، وبدأت المعركة المقلوبة ..
حصلت كثافة سكانية في مدينة بيشاور الباكستانية جراء وصول جيوش من أجهزة المخابرات الدولية لرصد المجاهدين (وخاصة العرب) وتحركاتهم !! قامت أجهزة المخابرات الصليبية واليهودية – عن طريق الأجهزة العربية – بالدسيسة بين قادة المجاهدين والتفريق بينهم (وتحمل كبره أجهزة : مصر والسعودية) ، وكان قد صدر الأمر قبل ذلك بقتل مجدد فقه الجهاد وملهب نارها ومُحدّ أسنة رماحها الشيخ "عبد الله عزام" رحمه الله وتقبله في الشهداء ..
كان الشيخ "عبد الله" رحمه الله حلقة وصل بين الأحزاب الإسلامية في الساحة الأفغانية ، وكلما اشتعلت فتنة أخمدها الله عن طريق هذا الشيخ الذي رزق من الحكمة والإخلاص لقضايا الأمة ما الله به عليم .. قُتل الشيخ رحمه الله .. اشتدت الفتن .. دخل المجاهدون كابل .. وكان دخول كابل فتنة بذاتها حذّر الشيخ "عزام" منها المجاهدين العرب وأمرهم بأن لا يدخلوا كابل إن دخلها قادة الأفغان وأن ينتظروا خارجها ، وقد صح ظنه رحمه الله ، وكان فتح كابل – بالطريقة التي فتحت بها – أعظم فتنة للمجاهدين ..
جاءت قمّة جنيف التي قصمت ظهر البعير : أظهر الكفر العالمي حرصه على اجتماع الكلمة وأبطن الحقد المعروف في قلبه على الإسلام وأهله {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} ، تلك القمة التي أتت بالنكرات ليكونوا حكاماً يحكمون أفغانستان دون قادة الجهاد !! كان قادة الجهاد وضياء الحق (الرئيس الباكستاني آن ذاك) معارضون للقمة ، ثم ما لبث أن وافق الجميع تحت الضغوط الأمريكية ، ولكن ضياء الحق لم يزل يساند المجاهدين – رحمه الله – والأفغان ، برغم الاوامر الامريكية المانعة لذلك ، حتى قتله الأمريكان ..
قُتل ضياء الحق .. قُتل عبد الله عزام .. اختلفت الأحزاب الأفغانية .. وأتى الأمر الأمريكي بالقبض على المجاهدين العرب والزج بهم في غياهب السجون !!
كان الأولى بالأمة أن تستقبل هؤلاء الأبطال استقبال الفاتحين لما أثخنوا في العدو الشيوعي الذي أراد بخروجه من أرضه : الوصول إلى المياه الدافئة (جزيرة العرب) واحتلال منابع النفط في الخليج !! كان الواجب أن يرجع هؤلاء وقد تأمّن معاشهم ، واسترجعوا وظائفهم ، وأعطي بعضهم رتب عسكرية عالية في الجيوش النظامية لما لهم من خبرة حربية حقيقية تحتاجها الأمة الإسلامية .. ولكن :
أعدّ الحكام – بأمر من الصليبيين واليهود – لوائح الإتهام : إرهاب ، عنف ، مؤامرة على قلب نظام الحكم ، إنشاء جماعات مسلّحة ، خوارج ، فئات ضالة ، مخربون ، إلى آخرها من التهم الكثيرة التي ازدحمت بها قاموس المصطلحات السياسية !!
لم يعرف كثير من الشباب ما يدور حولهم .. كثير من المجاهدين خرجوا من أفغانستان ، وقد حذّرهم "عزام" – رحمه الله – من ترك أرض الجهاد .. توجه بعضهم إلى بلاده فسجن وعُذّب أو ضُيّق عليه .. وذهب بعضهم إلى بلاد أوروبا وغيرها كلاجئ سياسي فتكالبت عليه فتن تلك البلاد وتضييق عباد الصليب .. وبعضهم اتجه إلى ثغور أخرى (كالشيشان ، والبوسنة ، والفلبين ، وغيرها) وهؤلاء كانوا أفضل حالاً من غيرهم ، وبعد كيد ومكر ، وبأمر من اليهود والصليبيين : أصبح المجاهدين مجرمون في نظر القانون (قانون الكفر المحلي والدولي) !!
مئات الكتب والأشرطة والفتاوى التي تتحدث عن الجهاد .. كل العلماء قالوا بفرضية الجهاد في أرض أفغانستان .. ولما انتصر المجاهدون ، واستيقظ الكفار الغربيون على صهيل الخيول الإسلامية وقد فُكّ قيدها وانطلقت تسابق الريح : أصبح الجهاد من أكبر الكبائر في نظر الحكام (وعلمائهم) بعد صدور الفتوى من المجمع الفقهي الأعلى في البيت الأبيض !!
كان الشيخ عزام رحمه الله يحذّر الشباب المجاهد (الذين كان معظمهم من صغار السن في ذلك الوقت) من حقيقة هؤلاء الحكام ، وحقيقة المؤامرات التي تحاك لإجهاض هذا المشروع الحضاري الإسلامي الذي كاد (بل أصبح) حقيقة بعد أن كان حلماً وخيالاً لم يخطر على بال المسلمين منذ عقود طويلة !! كتب الشيخ عن الدسائس المؤامرات ، وحاضر عنها في أفغانستان وغيرها من الدول ، وكانت للشيخ – رحمه الله – فراسة عجيبة ورؤية واضحة لما ينتظر هذه الراية المباركة التي ارتفعت بعد غياب طويل .. ولكن الشيخ قُتل ..
قال القائد قلب الدين حكمتيار بعد مقتل عزام رحمه الله :"رأيت العرب بعد موت عزام في بيشاور وكأنهم أيتام" ، وكانوا بالفعل كذلك ، فقد مات أبو الجهاد ليترك فراغاً قلما يملؤه الرجال ..
ولكن الرؤية كانت واضحة عند ثلّة صغيرة من قادة المجاهدين الأنصار (العرب خاصة) في أفغانستان ..
كان الهدف من وراء الجهاد الأفغاني – كما كان يُبشّر الشيخ عزام رحمه الله – هو : تحرير المسجد الأقصى وفلسطين وسائر الأمة من أيدي الأعداء .. كان الهدف : إرجاع مقدرات الأمة لأهلها ، وأخذ الأمة الإسلامية مكانها الحقيقي من الصدارة والريادة في العالم .. وكان الشيخ رحمه الله يزرع هذه المعاني في قلوب المجاهدين ..
هذه الثلّة البسيطة من المجاهدين استمروا في طريقهم ، فجمعوا الشباب وشرعوا بتكوين نواة الجهاد في الأرض من جديد ، وبفضل الله ، ثم بفضل طلبة العلم الشرعي في أفغانستان ، أقام المجاهدون صرح أول إمارة إسلامية في الأرض منذ أكثر من قرن من الزمان ..
هذه الإمارة لم تكن مشروع أفغانستان ، بل كانت مشروع أمة الإسلام ، ولذلك أعلن العالم أجمع الحرب عليها لعلمهم بأن أمة الإسلام متى استيقظت فلا بد لها أن تلتهم سائر الأمم ، وهذا وعد من الله حاصل لا محالة ، ولكن القوم بوعد الله يجهلون ..
الذي تولى كِبر دعم الجهاد الأفغاني ضد الروس هم أهل الجزيرة العربية (حكاماً ومحكومين) ، وكان أهل نجد والحجاز وأهل الكويت من أكثر من دعم الجهاد الأفغاني الأول ، ولما انقلبت الآية ، وصدر المرسوم الأمريكي السامي بتعقّب المجاهدين : كانت حكومة "آل سعود" وحكومة "آل الصباح" من أشد الناس نكاية بالمجاهدين .. فالأمر عندهم لم يكن أمر جهاد ودين وراية شرعية ، بل كلّ ما في الأمر أنها : أوامر أمريكية ، فأمريكا هي التي أحلت الجهاد وجعلته من أوجب الواجبات (عند هؤلاء الحكام) ، وأمريكا هي التي حرّمت هذا الجهاد - في ما بعد - وجعلته من أعظم الموبقات ..
إقامات جبرية .. سجون .. معتقلات .. طرد من الوظائف .. ملاحقات .. مسائلات .. قتل .. إعتداء على الأجساد والأعراض : كل هذا كان من نصيب مَن لبّى نداء الله ونفر إلى ساحات الجهاد ..
ظن الكفار والمنافقون بأنهم قضوا على البقية الباقية من المجاهدين !! وأنهم أسكنوا ذلك الحماس وتلك الشّعلة !! وأنهم أطفؤوا النار التي ظنوا أنهم أوقدوها ، وكان ذلك بعد توقيع معاهدة "دايتون" المخزية بين النصارى والمسلمين في البوسنة والهرسك ، والتي وُقّعت في أمريكا ، والتي طلب بعدها "علي عزّت بيجوفيتش" من المجاهدين الخروج من البوسنة ، بضغط من أمريكا عدوة الإسلام والمسلمين (وقد عذَره المجاهدون الأنصار لعلمهم بالحال) ..
في غضون هذه الأحداث الجسام ، كانت أمريكا تعد العدة للخطوات النهائية لخطتها القديمة ، ألا وهي : غزو بلاد الإسلام مباشرة واحتلال منابع النفط في العراق وجزيرة العرب وإيران ، وتأمين حدود دولة يهود الكبرى : من الفرات إلى النيل (بما في ذلك : مدينة رسول الله صلى اله عليه وسلم ، حيث مسجده وقبره عليه الصلاة والسلام) ، وطعن الأمة الإسلامية في قلبها (جزيرة العرب) لتقضي عليها إلى الأبد ..
وبينما كانت أمريكا تعد عدتها للحرب الصليبية الثامنة على الأمة الإسلامية ، كانت هناك عصابة من رجال هذه الأمة يعدّون العدّة للتصدي لهذه الخطة الأمريكية الخبيثة .. كانت هذه الجماعة تُدرّب الشباب المسلم على الجهاد والتضحية في سبيل الدين في ربوع أفغانستان ، فتكوّنت قاعدة لا بأس بها من المجاهدين في أكثر بلاد المسلمين تحت إشراف القاعدة الجهادية الأم في خراسان ..
نفّذت أمريكا أولى خطواتها : إغراء صدام وإعطاءه الضوء الأخضر لاحتلال الكويت ، ثم القيام بجلب أساطيلها البحرية والبرية إلى جزيرة العرب بحجّة تحرير الكويت ، وبهذه الحجة : احتلّت منابع النفط في جزيرة العرب عسكرياً .. وبعدها قامت بإضعاف العراق : فدمّرت الجيش العراقي في حرب "تحرير" الكويت ، ومنعت العراق من صناعة الأسلحة ، وقامت بمحاصرة العراق لمدة 12 سنة مات في الحصار أكثر من مليوني عراقي جوعاً (أكثرهم من الأطفال) ، ثم أغرت أمريكا رافضة الجنوب وأكراد الشمال بالتمرد على حكومة بغداد .. ولما أتى وقت احتلال العراق : عملت قبله على ضرب الإماراة الإسلامية في أفغانستان لعلمها بأنها الدولة الوحيدة التي ستقف في وجه هذه الخطة الخبيثة ..
كانت الطائرات الأمريكية والصواريخ بعيدة المدى تخرج من مطارات وقواعد جزيرة العرب (عمان ، قطر ، البحرين ، الإمارات ، الكويت ، نجد وشمال الجزيرة والإحساء) ، وحكام الجزيرة تكفلوا بمؤن ومتطلبات الجيش الأمريكي يدفعونه من أموال المسلمين مقابل بقائهم على عروشهم !! قُتل عشرات الآلاف من أطفال ونساء أفغانستان ، وشُرّد الملايين ليُعلن الحكام العرب على الملأ بأن حكومة "طالبان" مخالفة للشرع والدين !! شرع أمريكا ودينها !!
بدأت حرب العراق .. كانت حرب خاطفة قصيرة سلّم كثير من قادة البعث والروافض البلاد للنصارى المعتدين ، هُتكت أعراض ، دُمّرت بيوت ، سُرقت أموال ، وكان القصف الأمريكي يأتي عن طريق الطائرات التي تخرج من مطارات دول الخليج العربي (وخاصة قلب الجزيرة : قاعدة "سلطان" وقاعدة "تبوك" ، ثم الكويت) ..
لما نوى الأمريكان غزو أفغانستان : هب كثير من شباب الإسلام للذود عن الإمارة الإسلامية ، فخرج الآلاف من الشباب ميممين شطر أفغانستان ، وأتى الأمر الأمريكي بوقف هذا الزحف الإسلامي فزجّ الحكام بكثير من هؤلاء المجاهدين في السجون ، وألقوا القبض على كل من اشترك في جهاد سابق (أفغانستان ، البوسنة ، الشيشان ، كشمير ...) !! زُجّ بهؤلاء في السجن لا لشيء إلا لأنهم دافعوا عن الإسلام في يوم من الأيام ، حتى امتلأت سجون الجزيرة بخيرة شباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم (ولا زال هؤلاء المجاهدين في السجون) !!
جائت حرب العراق ، فأمرت أمريكا الحكام بزيادة الإجرائات الأمنية لمنع المسلمين من الجهاد في سبيل الله .. فمنع الحكامُ الخطباء من الخوض في هذه الحملة الصليبية على الإسلام ، ومن التحريض على الجهاد أو حتى ذكر فضله في الشريعة ، وبدأ الحكام بتغيير المناهج الدراسية الممسوخة لتزداد مسخاً على مسخها وليحذفوا منها كل ما يمت للنصارى واليهود بصلة ، ولينشأ جيل لا يعرف الجهاد في سبيل الله ولا التضحية في سبيله ، ولا الولاء والبراء ، فلا يُعكّر صفو هذه الحملة الصليبية ، وجنّد هؤلاء الحكام شرذمة من "حفاظ النصوص" لنقل المسلمين من دين الحق إلى الإرجاء المحض !! (وقد أخبرني أحد المدرسين من دولة الإمارات بأن حكومة هذه الدولة حذفت كل ما يمت للنصارى واليهود من مقرراتها منذ زمن ، وأدخلت مادة الموسيقى في منهجها ليرتقي الحس العربي والإسلامي في الناشئة ويزيد تمسكهم برصيدهم الحضاري الإسلامي ويقاوموا هجمة العولمة والتغريب بالموسيقى الإسلامية !!)
أرسل قادة الجهاد في أفغانستان الكثير من الشباب العرب إلى أرض العراق ، ونفر شباب الشام ومصر والجزيرة وتركيا واليمن والمغرب وغيرها من بلاد الإسلام إلى أرض الرافدين للجهاد (وبعض المجاهدون الشيشان) ، وانضم هؤلاء إلى أسود العراق المسلمين المجاهدين من أهل السنة والجماعة .. وفي أيام قلائل : تحوّل نصر أمريكا ودول الكفر والحكومات المرتدة وجيوش المنافقين إلى هزيمة ساحقة على أيدي شباب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - العُزّل المجاهدين ..
جُنّ جنون أمريكا ، وأخذت تقصف المدن العراقية بكل همجية وبقنابل عنقودية وكيمياوية وغيرها من القنابل الفتاكة ، والطائرات التي تقصف مدن العراق – كالعادة – تنطلق من جزيرة العرب ، ومهما فعل المجاهدون في العراق فإنهم لن يستطيعوا تدمير هذه الطائرات لأنها ليست على أرض مطارت القواعد العسكرية الأمريكية في العراق !!
هنا التفت المجاهدون في العراق إلى إخوانهم في الجزيرة ، وطلبوا منهم النجدة والنُّصرة وأن يكفّوا عنهم هذه الطائرات التي تنطلق من بين أظهرهم (كما فعل إخوانهم الأفغان من قبل) ، فبدأت بعض الهجمات على جنود الصليب في جزيرة العرب ..
حاول الحكام عبثاً أن يُقنعوا الناس بأن هؤلاء الصليبيين المحتلين الصائلين القاتلين المدمرين بلاد الإسلام الهاتكين أعراض المسلمات هم من "أهل العهد" الذين لا يجوز قصدهم بأذى !! واستخدموا لهذا الغرض بعض من ينتسب إلى أهل العلم بعد أن أغدقوا عليهم الأموال !! ولكن هذا المكر لم ينطلي على عوام المسلمين الذين يشاهدون ويسمعون ما يفعله الأمريكان في العراق وأفغانستان ..
وبعد أن ظهر كذبهم : أخذوا يتعقّبون المجاهدين في بلاد الجزيرة يقتلونهم ويأسرون أهليهم ، حتى أنهم قتلوا بعض المجاهدين في البلد الحرام وبجوار المسجد الحرام ، ليرضى عنهم النصارى أعداء الإسلام !!
حاولوا تشويه هذا الجهاد ونعتوه بنعوت استخدمها النصارى واليهود ليصدوا المسلمين عن فريضة فرضها الله عليهم ، فقالوا : تدمير ، وتخريب ، وعنف ، وإرهاب ، وإفساد في الأرض ، وخروج عن طاعة ولي الأمر ، والإفتئات على الدين ، وغيرها من النعوت الكثير العقيمة التي لم تُفرّخ إلا أوهاماً في عقولهم يمجها عامة المسلمين الذين كرهوا كل ما هو أمريكي ويهودي ، وكرهوا كل من تولاهم وأعانهم على قتلهم المسلمين .
يتبع ...
الجهاد في جزيرة العرب
الحمد لله معز المؤمنين ، ومذل الكفّار والمنافقين ، وجاعل الحرب سجال بين أولياءه وأعدائها ثم قدّر بأن العاقبة للمتقين .. وأصلي وأسلم على المبعوث بين يد الساعة بالسيف إمام المنذرين بلسان عربي مبين ، وعلى آله وأصحابه الأخيار المجاهدين .. أما بعد ..
فبينما كانت الأمة الإسلامية غارقة في التبعية والتخلّف الشرعي والعلمي ، وكان الكفار يسرحون ويمرحون في بلاد الإسلام يسرقون الخيرات ويُذلّون أهل المروؤات ، وكان حكام بلاد العرب يُنفقوت على العاهرات أوزانهن من الذّهب والمجوهرات ، مما استأثروا به من أموال المسلمين والخيرات !! بينما كان الهوى والجهل وحب الدنيا سائد في شعوب العالم الإسلامي (إلا من رحم الله) .. في هذا الوقت العصيب من تاريخ الأمة الإسلامية : لم يكن غريباً أن يجثم الشيوعيون على كرسي الحكم ليُعلنوا الإلحاد في كابل وسائر بلاد الأفغان ، ولينزعوا الحجاب من على رؤوس نساء غزني وطالوقان ، وليحلق الأفغاني لحيته ويهجر صلاته ويقدم على لهوه وملذاته !!
كانت الأمة كلها غارقة في شهواتها لاهية بحياتها ناسية دينها (إلا من رحم الله) ، وكانت راية الحق خافتة ، وراية الكفر والإلحاد مشرَّعة ، وراية الجهاد كالغائبة ، وراية الذّلة في الأمة سائدة !!
لم يرق هذا كله لأهل العلم العاملين الذين آمنت قلوبهم بأن {العاقبة للمتقين} .. كانت حقبة من التاريخ تحتاج إلى رجال يصنعون التاريخ ..
فكان التاريخ على موعد مع رجل التاريخ !!
الغيرة تأكل قلبه .. والحسرة تملأ جوانبه .. والهمّة تعتلي قمم الهندكوش وجبال سليمان ..
في جامعة كابل ، في كليّة الشريعة ، قام رجل واحد ليضع لبنة هذا الصرح التاريخي الشامخ .. عميد ، وليس عميد شرطة أو جيش ، بل عميد كلية الشريعة ، يُقسم للمسلمين بأنكم : {أَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ..
جمع الشيخ "غلام محمد نيازي" - رحمه الله – بعض طلبة كلية الشريعة وبعض أهل الإستقامة من الطلبة ، وأعلنها مدوية : "يجب شرعاً الخروج على الحكومة الشيوعية الكافرة" ..
قُتل – رحمه الله – وتفرّق تلاميذه ، ليلتقوا بعد سنوات في بيشاور ، فتردد النّفر : هل يشكلوا حزباً سياسياً ، أم يخاطبوا بعض أفراد الجيش الأفغاني لعمل إنقلاب آخر ، أم ماذا !! قدّموا رجل وأخروا !! طرحوا الآراء وتداولوا !! وبكل ثقة ورباطة جأش ، أعلن ليث من ليوث غزني (قلب الدين حكمتيار) ، بأن : ليس للشيوعيين إلا السيف .. فأطلق أول رصاصة في نعش الكفر العالمي .. وبدأ الجهاد ..
بعد بضع سنوات من القتال : عرج إلى تلك البلاد أحد الرجال الأفذاذ من أرض المعراج لينقل صورة الجهاد الأفغاني إلى العالم الإسلامي : كانت الصورة مشرقة ، وكانت كلمات الناقل لا تقل إشراقاً عن تلك الصور البديعة ..
شُحذَت الهمم .. تحرّكت القلوب بعد سكون .. ظهر الأمل .. أشرقت شمس أعمال رجال الأمة الأوَل .. طاب لأهل الإسلام في خراسان المنون .. بحلقت إلى أرض أفغان المُقَل ..
العلماء في العالم الإسلامي يدعون للجهاد .. الخطباء يصرخون : حي على الجهاد .. الناس يُنفقون على أهل الجهاد .. الحكام يسهّلون وصول الرجال إلى أرض الجهاد .. عقد من الزمن كان الطاغي فيه على فكر الأمة : فريضة الجهاد .. التلفاز ، الجرائد ، المجلات ، الأشرطة ، الكتب ، المحاضرات ، الندوات ، التبرعات ، المخيمات ، القرارات .. كان الناس في حلم - وما أجمله من حلم - كانت تذكرة الطائرة من جزيرة العرب إلى أفغانستان بثُلث الثمن على الخطوط الوطنية !! كان الأمراء يتسابقون بالتبرعات للمجاهدين ويتفاخرون بذلك .. كان العلماء يحضون أهل الخير على بذل الأموال ، ومن العلماء من جهّز مئات المجاهدين على حسابه الخاص !!
في مثل هذا الجو الروحاني المشحون بحب الجهاد والشهادة والبذل لهذا الدين : نفر خيرة شباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بلادهم إلى بلاد الأفغان لنُصرة المجاهدين استجابة لنداء رب العالمين {انفروا خفافاً وثقالا} : الغني والفقير ، الكبير والصغير ، المتزوج والأعزب .. كل من صدّق الآيات بقلبه ، واعتقد كلام النبي - صلى الله عليه وسلم – بفؤاده ، وآثر الآخرة : التي هي معاده ، حمل على الكتف زاده ، وكان التُّقى خير زاده .. حتى النساء خلعن حليّهن وأنفقن من أموالهن وانتدبن أبنائهن للجهاد في سبيل الله ..
كانت الجرائد والمجلات الحكومية والخاصة تتفاخر بأمجاد المجاهدين وانتصاراتهم وكراماتهم .. كان قادة المجاهدين يخطبون في المساجد والجامعات والمدارس في أكثر الدول الإسلامية ، بل حتى في الدول الأوروبية وأمريكا .. كان أبي عبد الله "أسامة" يستقبله المسلمون (حكاماً وعلماء ومحكومين) استقبال القادة الفاتحين .. كان العلماء يُعلنون تشرّفهم أن يكون أسامة وإخوانه جلسائهم .. كان أسامة يتكلّم بين يدي أكبر علماء الأمة منزلة ، وأعظمهم قدراً ، وأغزرهم علماً ، كان يحرّض على الجهاد من مكة ، وعلى النفير من المدينة ، وعلى الإنفاق من جدّة ، وعلى النُّصرة العامة من نجد ..
ولكن هذا الحلم الجميل كان ورائه كيد خبيث خطير !!
الحكّام أخذوا الضوء الأخضر من أمريكا لمساندة الجهاد : أمريكا كانت تريد إضعاف الدولة الشيوعية السوفييتية العدوّة اللدود للمدنية الغربية .. كان الكيد الأمريكي : أن تضرب المسلمين بالشيوعيين فيضعف الإثنين ليسهل عليها السيطرة عليهم فيما بعد ، ولذلك أمرت الحكام بالحث على الجهاد ..
حصلت المفاجأة الكبرى التي لم يحسب لها أهل الأرض حساب !!
إنتصر المجاهدون العُزّل على السوفييت ، وكانت تلك الملحمة التاريخية لا يمكن أن تؤتي هذه النتيجة - في ذلك الزمن القصير - بالمقاييس الأرضية !! وخرج المجاهدون من الحرب وهم أقوياء !!
جُنّ جنون يهود ومن دار في فلكهم لما رأوا شباب أمة محمد - الذين عملوا على تخديرهم بالخمر والزنا والهوى والخنى لسنوات طويلة – وقد : استبدلوا المعازف بالرصاص ، والقيان بالقنابل ، والهوى بالمدافع ، وفاره السيّارات بالدبابات ، ففتحوا من البلاد أضعاف أضعاف حجم فلسطين في وقت قياسي يكاد يكون معجزة بتلك الإمكانيات المتواضعة !!
دق هؤلاء ناقوس الخطر ، وأخذوا يولولون في أوروبا وأمريكا ويشقّون الجيوب يدعون ساسة الغرب إلى الإنتباه لحجم الكارثة التي حلّت بالكفر العالمي !!
أنسيتم ما فعل أجداد هؤلاء بالروم وفارس !! أنسيتم ما فعل أجداد هؤلاء في القسطنطينية والنمسا وإيطاليا وفرنسا !! أمة محمد استيقضت وحملت السلاح !!
ماذا فعلنا !! لقد أيقظنا العملاق !!
"What have we done! We have awakened the Giant"
هكذا قالوها !!
بدأت الكتابات اللامزة للجهاد والمجاهدين .. التفت الغرب للأمة الإسلامية بعد أن تحطمت الأسطورة الشيوعية على أيدي المجاهدين .. كتب الرؤساء والوزراء والمفكرون والسفراء اليهود والصليبيون عن الخطر الإسلامي القادم على أيدي هؤلاء الرجال قبل أن يدخل المجاهون كابل !! أتى الأمر الأمريكي بتشويه صورة المجاهدين ، فعمل الحكام على استئجار الأقلام ، وبدأت المعركة المقلوبة ..
حصلت كثافة سكانية في مدينة بيشاور الباكستانية جراء وصول جيوش من أجهزة المخابرات الدولية لرصد المجاهدين (وخاصة العرب) وتحركاتهم !! قامت أجهزة المخابرات الصليبية واليهودية – عن طريق الأجهزة العربية – بالدسيسة بين قادة المجاهدين والتفريق بينهم (وتحمل كبره أجهزة : مصر والسعودية) ، وكان قد صدر الأمر قبل ذلك بقتل مجدد فقه الجهاد وملهب نارها ومُحدّ أسنة رماحها الشيخ "عبد الله عزام" رحمه الله وتقبله في الشهداء ..
كان الشيخ "عبد الله" رحمه الله حلقة وصل بين الأحزاب الإسلامية في الساحة الأفغانية ، وكلما اشتعلت فتنة أخمدها الله عن طريق هذا الشيخ الذي رزق من الحكمة والإخلاص لقضايا الأمة ما الله به عليم .. قُتل الشيخ رحمه الله .. اشتدت الفتن .. دخل المجاهدون كابل .. وكان دخول كابل فتنة بذاتها حذّر الشيخ "عزام" منها المجاهدين العرب وأمرهم بأن لا يدخلوا كابل إن دخلها قادة الأفغان وأن ينتظروا خارجها ، وقد صح ظنه رحمه الله ، وكان فتح كابل – بالطريقة التي فتحت بها – أعظم فتنة للمجاهدين ..
جاءت قمّة جنيف التي قصمت ظهر البعير : أظهر الكفر العالمي حرصه على اجتماع الكلمة وأبطن الحقد المعروف في قلبه على الإسلام وأهله {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} ، تلك القمة التي أتت بالنكرات ليكونوا حكاماً يحكمون أفغانستان دون قادة الجهاد !! كان قادة الجهاد وضياء الحق (الرئيس الباكستاني آن ذاك) معارضون للقمة ، ثم ما لبث أن وافق الجميع تحت الضغوط الأمريكية ، ولكن ضياء الحق لم يزل يساند المجاهدين – رحمه الله – والأفغان ، برغم الاوامر الامريكية المانعة لذلك ، حتى قتله الأمريكان ..
قُتل ضياء الحق .. قُتل عبد الله عزام .. اختلفت الأحزاب الأفغانية .. وأتى الأمر الأمريكي بالقبض على المجاهدين العرب والزج بهم في غياهب السجون !!
كان الأولى بالأمة أن تستقبل هؤلاء الأبطال استقبال الفاتحين لما أثخنوا في العدو الشيوعي الذي أراد بخروجه من أرضه : الوصول إلى المياه الدافئة (جزيرة العرب) واحتلال منابع النفط في الخليج !! كان الواجب أن يرجع هؤلاء وقد تأمّن معاشهم ، واسترجعوا وظائفهم ، وأعطي بعضهم رتب عسكرية عالية في الجيوش النظامية لما لهم من خبرة حربية حقيقية تحتاجها الأمة الإسلامية .. ولكن :
أعدّ الحكام – بأمر من الصليبيين واليهود – لوائح الإتهام : إرهاب ، عنف ، مؤامرة على قلب نظام الحكم ، إنشاء جماعات مسلّحة ، خوارج ، فئات ضالة ، مخربون ، إلى آخرها من التهم الكثيرة التي ازدحمت بها قاموس المصطلحات السياسية !!
لم يعرف كثير من الشباب ما يدور حولهم .. كثير من المجاهدين خرجوا من أفغانستان ، وقد حذّرهم "عزام" – رحمه الله – من ترك أرض الجهاد .. توجه بعضهم إلى بلاده فسجن وعُذّب أو ضُيّق عليه .. وذهب بعضهم إلى بلاد أوروبا وغيرها كلاجئ سياسي فتكالبت عليه فتن تلك البلاد وتضييق عباد الصليب .. وبعضهم اتجه إلى ثغور أخرى (كالشيشان ، والبوسنة ، والفلبين ، وغيرها) وهؤلاء كانوا أفضل حالاً من غيرهم ، وبعد كيد ومكر ، وبأمر من اليهود والصليبيين : أصبح المجاهدين مجرمون في نظر القانون (قانون الكفر المحلي والدولي) !!
مئات الكتب والأشرطة والفتاوى التي تتحدث عن الجهاد .. كل العلماء قالوا بفرضية الجهاد في أرض أفغانستان .. ولما انتصر المجاهدون ، واستيقظ الكفار الغربيون على صهيل الخيول الإسلامية وقد فُكّ قيدها وانطلقت تسابق الريح : أصبح الجهاد من أكبر الكبائر في نظر الحكام (وعلمائهم) بعد صدور الفتوى من المجمع الفقهي الأعلى في البيت الأبيض !!
كان الشيخ عزام رحمه الله يحذّر الشباب المجاهد (الذين كان معظمهم من صغار السن في ذلك الوقت) من حقيقة هؤلاء الحكام ، وحقيقة المؤامرات التي تحاك لإجهاض هذا المشروع الحضاري الإسلامي الذي كاد (بل أصبح) حقيقة بعد أن كان حلماً وخيالاً لم يخطر على بال المسلمين منذ عقود طويلة !! كتب الشيخ عن الدسائس المؤامرات ، وحاضر عنها في أفغانستان وغيرها من الدول ، وكانت للشيخ – رحمه الله – فراسة عجيبة ورؤية واضحة لما ينتظر هذه الراية المباركة التي ارتفعت بعد غياب طويل .. ولكن الشيخ قُتل ..
قال القائد قلب الدين حكمتيار بعد مقتل عزام رحمه الله :"رأيت العرب بعد موت عزام في بيشاور وكأنهم أيتام" ، وكانوا بالفعل كذلك ، فقد مات أبو الجهاد ليترك فراغاً قلما يملؤه الرجال ..
ولكن الرؤية كانت واضحة عند ثلّة صغيرة من قادة المجاهدين الأنصار (العرب خاصة) في أفغانستان ..
كان الهدف من وراء الجهاد الأفغاني – كما كان يُبشّر الشيخ عزام رحمه الله – هو : تحرير المسجد الأقصى وفلسطين وسائر الأمة من أيدي الأعداء .. كان الهدف : إرجاع مقدرات الأمة لأهلها ، وأخذ الأمة الإسلامية مكانها الحقيقي من الصدارة والريادة في العالم .. وكان الشيخ رحمه الله يزرع هذه المعاني في قلوب المجاهدين ..
هذه الثلّة البسيطة من المجاهدين استمروا في طريقهم ، فجمعوا الشباب وشرعوا بتكوين نواة الجهاد في الأرض من جديد ، وبفضل الله ، ثم بفضل طلبة العلم الشرعي في أفغانستان ، أقام المجاهدون صرح أول إمارة إسلامية في الأرض منذ أكثر من قرن من الزمان ..
هذه الإمارة لم تكن مشروع أفغانستان ، بل كانت مشروع أمة الإسلام ، ولذلك أعلن العالم أجمع الحرب عليها لعلمهم بأن أمة الإسلام متى استيقظت فلا بد لها أن تلتهم سائر الأمم ، وهذا وعد من الله حاصل لا محالة ، ولكن القوم بوعد الله يجهلون ..
الذي تولى كِبر دعم الجهاد الأفغاني ضد الروس هم أهل الجزيرة العربية (حكاماً ومحكومين) ، وكان أهل نجد والحجاز وأهل الكويت من أكثر من دعم الجهاد الأفغاني الأول ، ولما انقلبت الآية ، وصدر المرسوم الأمريكي السامي بتعقّب المجاهدين : كانت حكومة "آل سعود" وحكومة "آل الصباح" من أشد الناس نكاية بالمجاهدين .. فالأمر عندهم لم يكن أمر جهاد ودين وراية شرعية ، بل كلّ ما في الأمر أنها : أوامر أمريكية ، فأمريكا هي التي أحلت الجهاد وجعلته من أوجب الواجبات (عند هؤلاء الحكام) ، وأمريكا هي التي حرّمت هذا الجهاد - في ما بعد - وجعلته من أعظم الموبقات ..
إقامات جبرية .. سجون .. معتقلات .. طرد من الوظائف .. ملاحقات .. مسائلات .. قتل .. إعتداء على الأجساد والأعراض : كل هذا كان من نصيب مَن لبّى نداء الله ونفر إلى ساحات الجهاد ..
ظن الكفار والمنافقون بأنهم قضوا على البقية الباقية من المجاهدين !! وأنهم أسكنوا ذلك الحماس وتلك الشّعلة !! وأنهم أطفؤوا النار التي ظنوا أنهم أوقدوها ، وكان ذلك بعد توقيع معاهدة "دايتون" المخزية بين النصارى والمسلمين في البوسنة والهرسك ، والتي وُقّعت في أمريكا ، والتي طلب بعدها "علي عزّت بيجوفيتش" من المجاهدين الخروج من البوسنة ، بضغط من أمريكا عدوة الإسلام والمسلمين (وقد عذَره المجاهدون الأنصار لعلمهم بالحال) ..
في غضون هذه الأحداث الجسام ، كانت أمريكا تعد العدة للخطوات النهائية لخطتها القديمة ، ألا وهي : غزو بلاد الإسلام مباشرة واحتلال منابع النفط في العراق وجزيرة العرب وإيران ، وتأمين حدود دولة يهود الكبرى : من الفرات إلى النيل (بما في ذلك : مدينة رسول الله صلى اله عليه وسلم ، حيث مسجده وقبره عليه الصلاة والسلام) ، وطعن الأمة الإسلامية في قلبها (جزيرة العرب) لتقضي عليها إلى الأبد ..
وبينما كانت أمريكا تعد عدتها للحرب الصليبية الثامنة على الأمة الإسلامية ، كانت هناك عصابة من رجال هذه الأمة يعدّون العدّة للتصدي لهذه الخطة الأمريكية الخبيثة .. كانت هذه الجماعة تُدرّب الشباب المسلم على الجهاد والتضحية في سبيل الدين في ربوع أفغانستان ، فتكوّنت قاعدة لا بأس بها من المجاهدين في أكثر بلاد المسلمين تحت إشراف القاعدة الجهادية الأم في خراسان ..
نفّذت أمريكا أولى خطواتها : إغراء صدام وإعطاءه الضوء الأخضر لاحتلال الكويت ، ثم القيام بجلب أساطيلها البحرية والبرية إلى جزيرة العرب بحجّة تحرير الكويت ، وبهذه الحجة : احتلّت منابع النفط في جزيرة العرب عسكرياً .. وبعدها قامت بإضعاف العراق : فدمّرت الجيش العراقي في حرب "تحرير" الكويت ، ومنعت العراق من صناعة الأسلحة ، وقامت بمحاصرة العراق لمدة 12 سنة مات في الحصار أكثر من مليوني عراقي جوعاً (أكثرهم من الأطفال) ، ثم أغرت أمريكا رافضة الجنوب وأكراد الشمال بالتمرد على حكومة بغداد .. ولما أتى وقت احتلال العراق : عملت قبله على ضرب الإماراة الإسلامية في أفغانستان لعلمها بأنها الدولة الوحيدة التي ستقف في وجه هذه الخطة الخبيثة ..
كانت الطائرات الأمريكية والصواريخ بعيدة المدى تخرج من مطارات وقواعد جزيرة العرب (عمان ، قطر ، البحرين ، الإمارات ، الكويت ، نجد وشمال الجزيرة والإحساء) ، وحكام الجزيرة تكفلوا بمؤن ومتطلبات الجيش الأمريكي يدفعونه من أموال المسلمين مقابل بقائهم على عروشهم !! قُتل عشرات الآلاف من أطفال ونساء أفغانستان ، وشُرّد الملايين ليُعلن الحكام العرب على الملأ بأن حكومة "طالبان" مخالفة للشرع والدين !! شرع أمريكا ودينها !!
بدأت حرب العراق .. كانت حرب خاطفة قصيرة سلّم كثير من قادة البعث والروافض البلاد للنصارى المعتدين ، هُتكت أعراض ، دُمّرت بيوت ، سُرقت أموال ، وكان القصف الأمريكي يأتي عن طريق الطائرات التي تخرج من مطارات دول الخليج العربي (وخاصة قلب الجزيرة : قاعدة "سلطان" وقاعدة "تبوك" ، ثم الكويت) ..
لما نوى الأمريكان غزو أفغانستان : هب كثير من شباب الإسلام للذود عن الإمارة الإسلامية ، فخرج الآلاف من الشباب ميممين شطر أفغانستان ، وأتى الأمر الأمريكي بوقف هذا الزحف الإسلامي فزجّ الحكام بكثير من هؤلاء المجاهدين في السجون ، وألقوا القبض على كل من اشترك في جهاد سابق (أفغانستان ، البوسنة ، الشيشان ، كشمير ...) !! زُجّ بهؤلاء في السجن لا لشيء إلا لأنهم دافعوا عن الإسلام في يوم من الأيام ، حتى امتلأت سجون الجزيرة بخيرة شباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم (ولا زال هؤلاء المجاهدين في السجون) !!
جائت حرب العراق ، فأمرت أمريكا الحكام بزيادة الإجرائات الأمنية لمنع المسلمين من الجهاد في سبيل الله .. فمنع الحكامُ الخطباء من الخوض في هذه الحملة الصليبية على الإسلام ، ومن التحريض على الجهاد أو حتى ذكر فضله في الشريعة ، وبدأ الحكام بتغيير المناهج الدراسية الممسوخة لتزداد مسخاً على مسخها وليحذفوا منها كل ما يمت للنصارى واليهود بصلة ، ولينشأ جيل لا يعرف الجهاد في سبيل الله ولا التضحية في سبيله ، ولا الولاء والبراء ، فلا يُعكّر صفو هذه الحملة الصليبية ، وجنّد هؤلاء الحكام شرذمة من "حفاظ النصوص" لنقل المسلمين من دين الحق إلى الإرجاء المحض !! (وقد أخبرني أحد المدرسين من دولة الإمارات بأن حكومة هذه الدولة حذفت كل ما يمت للنصارى واليهود من مقرراتها منذ زمن ، وأدخلت مادة الموسيقى في منهجها ليرتقي الحس العربي والإسلامي في الناشئة ويزيد تمسكهم برصيدهم الحضاري الإسلامي ويقاوموا هجمة العولمة والتغريب بالموسيقى الإسلامية !!)
أرسل قادة الجهاد في أفغانستان الكثير من الشباب العرب إلى أرض العراق ، ونفر شباب الشام ومصر والجزيرة وتركيا واليمن والمغرب وغيرها من بلاد الإسلام إلى أرض الرافدين للجهاد (وبعض المجاهدون الشيشان) ، وانضم هؤلاء إلى أسود العراق المسلمين المجاهدين من أهل السنة والجماعة .. وفي أيام قلائل : تحوّل نصر أمريكا ودول الكفر والحكومات المرتدة وجيوش المنافقين إلى هزيمة ساحقة على أيدي شباب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - العُزّل المجاهدين ..
جُنّ جنون أمريكا ، وأخذت تقصف المدن العراقية بكل همجية وبقنابل عنقودية وكيمياوية وغيرها من القنابل الفتاكة ، والطائرات التي تقصف مدن العراق – كالعادة – تنطلق من جزيرة العرب ، ومهما فعل المجاهدون في العراق فإنهم لن يستطيعوا تدمير هذه الطائرات لأنها ليست على أرض مطارت القواعد العسكرية الأمريكية في العراق !!
هنا التفت المجاهدون في العراق إلى إخوانهم في الجزيرة ، وطلبوا منهم النجدة والنُّصرة وأن يكفّوا عنهم هذه الطائرات التي تنطلق من بين أظهرهم (كما فعل إخوانهم الأفغان من قبل) ، فبدأت بعض الهجمات على جنود الصليب في جزيرة العرب ..
حاول الحكام عبثاً أن يُقنعوا الناس بأن هؤلاء الصليبيين المحتلين الصائلين القاتلين المدمرين بلاد الإسلام الهاتكين أعراض المسلمات هم من "أهل العهد" الذين لا يجوز قصدهم بأذى !! واستخدموا لهذا الغرض بعض من ينتسب إلى أهل العلم بعد أن أغدقوا عليهم الأموال !! ولكن هذا المكر لم ينطلي على عوام المسلمين الذين يشاهدون ويسمعون ما يفعله الأمريكان في العراق وأفغانستان ..
وبعد أن ظهر كذبهم : أخذوا يتعقّبون المجاهدين في بلاد الجزيرة يقتلونهم ويأسرون أهليهم ، حتى أنهم قتلوا بعض المجاهدين في البلد الحرام وبجوار المسجد الحرام ، ليرضى عنهم النصارى أعداء الإسلام !!
حاولوا تشويه هذا الجهاد ونعتوه بنعوت استخدمها النصارى واليهود ليصدوا المسلمين عن فريضة فرضها الله عليهم ، فقالوا : تدمير ، وتخريب ، وعنف ، وإرهاب ، وإفساد في الأرض ، وخروج عن طاعة ولي الأمر ، والإفتئات على الدين ، وغيرها من النعوت الكثير العقيمة التي لم تُفرّخ إلا أوهاماً في عقولهم يمجها عامة المسلمين الذين كرهوا كل ما هو أمريكي ويهودي ، وكرهوا كل من تولاهم وأعانهم على قتلهم المسلمين .
يتبع ...