المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ فك رموز اللغة المصرية القديمة واسرارها



soxway84
05-02-2005, 09:45 PM
إن علم المصريات لا يزال علماً حديث العهد، فلم يتسن لنا معرفة اللغة المصرية القديمة إلا منذ ما يقرب من قرن من الزمان.. كذلك لم نلم بعد بميدان علم المصريات بأكمله، فلازلنا فى مرحلة الاستكشافات، وتتواصل الحفائر بانتظام وتمدنا سنوياً بوثائق جديدة. ويجرى نشر ما سبق جمعه من آثار بشكل منهجى منسق. وطالما لم نصل بعد إلى معرفة كل المصادر التاريخية فلا يزال أملنا كبيراً فى الوصول إلى اكتشافات جديدة. بيد أن ما تجمع بين أيدينا من معلومات يكفى للشروع فى كتابة تاريخ الحضارة المصرية فى خطوطها العريضة.


ولم يكن فى مقدورنا أن نعرض هذه الصورة الإجمالية عن الحضارة المصرية القديمة، على إيجازها فى هذه الموسوعة، لولا اكتشافات "جان فرانسوا شمبوليون" (1790-1832) Jean-François Champollion مبدع علم المصريات. وكان من النتائج المثيرة لمغامرات "نابليون"، أنها شدت انتباه العقول المتعطشة إلى المعرفة إلى الشرق.. إلى مصر. ويمكن القول دون مبالغة أن إعادة اكتشاف مصر القديمة يرجع إلى عام 1809 مع نشر كتاب "وصف مصر" Description de l'Egypte الذى وضعه علماء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798. لقد احتوى هذا المؤلف الهائل على مواد ومعلومات جديدة، فى نفس الوقت الذى بدأت فيه الحركة الرومانسية تحيى ذوق الماضى وذوق الشرق. وليس من قبيل المصادفة أن "ديلاكروا" Delacroix و"بيرون" Byron و"لامرتين" Lamartine على سبيل المثال لا الحصر، كانوا معاصرين "لشمبوليون"، وكانوا مثله مشدودين إلى عالم الشرق.


وبطبيعة الحال لم يكن كافياً أن تتوفر الظروف المواتية، وأن يتوصل علماء البعثة الفرنسية فى مصر بفضل علمهم وعملهم الرائع الدؤوب إلى جمع المعلومات اللازمة لإنجاز هذا الاكتشاف، بل كان الأمر يحتاج أيضاً إلى العبقرية. وكان "شمبوليون" يمسك هذا الوهج الذى لا غنى عنه، فقد كان شغوفاً بمصر متحمساً لها منذ نعومة أظافره. وانكب يتعلم بجد كل ما يشفى غليل ما يراوده من شغف: أن يلم بتاريخ مصر. وفتح له تكوينه الكلاسيكى الطريق أمام المصادر اليونانية واللاتينية. ثم زاد عليها بفضل جهده الدؤوب، معارف متخصصة كان يدرك مدى فائدتها: ففى القرن السابع عشر برهن الأب "كيرشيه" P. Kircher، وهو من الآباء اليسوعيين (الجزويت)، على أن اللغة المصرية الكلاسيكية، لا تزال حية من خلال اللغة القبطية التى ظلت على أيامه لغة الحديث بين رهبان مصر (ولا تزال مستعملة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية إلى يومنا هذا فى أجزاء من الشعائر الدينية)، وظل الرهبان يستخدمونها حتى القرن التاسع عشر. ومن ثم تعلم "شمبوليون" اللغة القبطية وأضاف إليها دراسة العربية والعبرية. كما تعلم السريانية والأثيوبية و"الكلدانية" (الآرامية). وهكذا واجه "شمبوليون" مشكلة المشاكل، وهى فك الرموز الهيروغليفية، وقد تسلح لها أحسن تسليح.


http://www.ncpd.org.eg/Encyclopedia/data/090.JPG


"حجر رشيد".


كان أحد قواد "بونابرت" الفرنسيين قد اكتشف فى دلتا النيل كتلة من البازلت الأسود نقش على سطحها نص مدون بثلاثة خطوط مختلفة. هذه الكتلة الحجرية المعروفة اصطلاحاً بـ"حجر رشيد" نسبة إلى المكان الذى عثر عليها فيه، نشرت فى كتاب "وصف مصر". وعلى الفور صارت محل اهتمام الدوائر العلمية بالنظر إلى أهميتها. وفى واقع الأمر كان أحد الخطوط الثلاثة، وهو الخط اليونانى معروفاً، فأماط اللثام عن مرسوم صادر عن "بطليموس الخامس إبيفانوس (الظاهر)". أما الخطان الآخران، فكان يتكون أحدهما من علامات تشبه تلك التى تُشاهد على سطوح المبانى المصرية التى حفظها الزمن وهو الخط الذى يعرف اصطلاحاً منذ "إكليمندس السكندرى" بالخط الهيروغليفى (علامات الكتابة المقدسة) أما الخط الآخر – وهو مختلف كل الاختلاف، مع وجود بعض أوجه الشبه بينه وبين الخط العربى: فلابد أنه كان الخط الديموطيقى، وهو خط مختصر شاع استخدامه فى الوثائق الشعبية.

وأقر الجميع على الفور وبحق، أن النصين الهيروغليفى والديموطيقى هما بكل بساطة ترجمة للنص اليونانى. وبدى أن المشكلة بسيطة: فالمطلوب قراءة وفهم لغة مجهولة تُرجم إليها نص مفهوم. وبالنظر إلى أن النصين المصريين لم يتركا فواصل بين الكلمات شأنهما شأن النص اليونانى – كان لابد من التوصل إلى موضع كل كلمة ومعناها ومحلها فى الإعراب. لقد وقفت نخبة من عقول هذا العصر الثاقبة عاجزة أمام هذه المشكلة السهلة الحل فى ظاهرها. زد على ذلك، أن المشكلة لم تطرح نفسها بالبساطة التى عرضنا لها. فبداية النقش الهيروغليفى كان مهشماً والباحثون يجهلون عدد السطور الناقصة. أما النص الديموطيقى فكان وحده سليماً. بادئ ذى بدء، تصدى "اكربلاد" Akerblad و"سيلفستر دى ساسى" Sylvestre de Sacy لهذا النص الأخير، وتوصلا إلى تحديد موضع أسماء "بطليموس" فى النص. ولم يذهبا إلى أبعد من هذا. وانكب "يونج" Young، الطبيب والفيزيائى البريطانى الذائع الصيت، على النص الهيروغليفى، فتوصل هو أيضاً إلى تحديد موضع اسم "بطليموس". واستخدم الأصوات التى اعتقد أنه قد استطاع استنتاجها، لمحاولة قراءة باقى النص، ولكن دون جدوى.


عندئذ تدخل "شمبوليون" الذى كان يتابع فى شغف أبحاث من سبقوه. فمسألة المنهج هى التى كانت تقف فى واقع الأمر حائلاً دون تقدمهم. هل الكتابة المصرية تصويرية، فتشير كل علامة فيها إلى صوت واحد، كما هو الحال فى اللغات الحديثة. وما هى هذه الأصوات؟ وهل هى أبجدية أم مقطعية؟ إن "شمبوليون" نفسه قد تردد طويلاً. واكتشف بداية إن الحروف الساكنة وحدها هى التى تكتب مع إغفال الحروف المتحركة، شأنها فى ذلك شأن العبرية والعربية القديمة. فلا يتبقى من الكلمة سوى هيكلها العظمى. ومن فرط ما تلمس طريقه، ومن كثرة ما قلب المسألة فى ذهنه، لاحت له الحقيقة فجأة. إذ كان النص المصرى يحتوى بكل وضوح ورغم ما أصابه من تشويه على عدد من العلامات أكثر بكثير من النص اليونانى. وهى ظاهرة كانت تحتاج قبل كل شئ إلى تفسير. وأدرك "شمبوليون" على الفور أن هذه العلامات الزائدة مردها إلى حقيقة أن المصرية القديمة كانت فى آن واحد تصويرية وصوتية. أو كانت بعبارة أخرى، تضم علامات تُقرأ وأخرى لا تُقرأ – وهدفها تحديد معنى الكلمة فحسب. شرع "شمبوليون" يطبق ما توصل إليه من اكتشافات، فقرأ أول ما قرأ جميع أسماء الملوك اليونانيين، فى ترجمتها المصرية. ثم تصدى بعد ذلك للكلمات المصرية، بمعنى الكلمة. واعتمادا على إلمامه باللغة القبطية، لم يتوصل فحسب إلى قراءة اسم الملك "رمسيس (http://www.ncpd.org.eg/Encyclopedia/data/egypt5.HTM)" الشهير فحسب، بل نجح أيضاً فى فهم معنى الاسم ويعنى "رع (إله الشمس) أنجبه". وهكذا خطى الخطوة الفاصلة، فاستطاع أن يفهم الهيروغليفية (1822).


ومن ذلك التاريخ فصاعداً، انكب "شمبوليون" على ما وقع بين يديه من نصوص، فعمل بنشاط منقطع النظير وتغلب على كل ما اعترضه من عقبات. وفى عام 1832، بعد مضى عشر سنوات على اكتشافه الأول، وضع كتاباً فى قواعد اللغة المصرية وشرع فى إعداد قاموس. وجمع خلال رحلة قام بها إلى مصر مادة لمجموعة من المؤلفات عن آثار مصر والنوبة. وأخذ يعد العدة للاستفادة من أعماله لإلقاء محاضرات فى "الكوليج دى فرانس" Collège de France، عندما وافته المنية وهو فى الثانية والأربعين من عمره، وقد أنهكه ما بذله من جهد جهيد.


http://www.ncpd.org.eg/Encyclopedia/data/429.JPG


نقوش هيروغليفية تُزين أحد التماثيل.:bigeyes: :bigeyes:

alaaghost
05-02-2005, 11:22 PM
الف شكر على الموضوع الحلو :biggthump