المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعر روائع امير الشعراء احمد شوقي



soxway84
25-02-2005, 11:31 PM
شوقي واحد من ألمعُ الشعراء في تاريخ أدبنا الحديث لتعدد نواحيه الفنية، وتشعب آثاره الأدبية، فقد ملأ عصره بقصائده الغنائية، ووَصلها بمسرحياته التمثيلية، وكان حين ينشر قصيدة تصبح حديثَ الصحف والندوات الأدبية، وكذلك كان حين ينشيء مسرحية أو تمثيلية.. وقلما ظهر كاتب أو ناقد في عصره إلا حاول ان يطير إلي الشهرة بتعرضه لأعماله، فتارة يصطدم به وبآثاره وتارة يثني عليه ويغلو في ثنائه، فنقاده كانوا في حياته بين أثنين: متحزبٍ له أو متعصبٍ عليه، وما يزال هذا شأنهم حتي اليوم، كأنهم يقودون معركة. وعلي نحو ما نعرف في المعارك من كثرة الأسلحة التي تُسْتَخدم كانت المعركة حول شوقي وشعره مغنياً وممثلا، فلا توسط ولا اعتدال فيما نقرأ عنه، بل غبار كثيف تضيع في ثناياه الحقائق الأدبية، ويضيع التثبت والتوقف والنظر التام النافذ .. وطبيعي ان لا يظهر في أثناء ذلك بحث منظم عن شوقي، فقد اكفهَّرت الأجواء الأدبية إزاءه بالثناء المسرف والطعن المجحف، وأصبحنا لا نعرف أين الوجه الصحيح، ولا أين المقدمات السليمة، ولم نعد ندري أي الأحكام فيه صادقٌ وأيها كاذب، وأيها مصيب وأيها مخطئ. وبذلك عُمِّيَتْ علينا حقيقة شوقي، بل حقائقه الفنية جميعاً، وكان هذا أكبر باعث لي علي النهوض بهذه الدراسة المتواضعة التي لم أقصد بها إلي تهجينه ولا إلي تحسينه، وإنما قصدت إلي بحثه ووزنه بمعايير سهلة، هي معايير النقد المنصف الذي لا يميل مع الهوي، وإنما يسجل الظواهر الأدبية متتبعاً مستقصياً. فليس همه ان يزُريّ وينتقصَّ، ولا ان يزخرف ويزيَّن، وإنما همه ان يصور الحق ويكشف الصواب.
حياته وبدايته
ولد شوقي سنة 1868م منحدرا من جد عربي، اختلطت به بعد ذلك فروع تركية وكردية وشركسية ويونانية، فهو مزاج لطيف من حضارة الشرق والشعر. ولد بحي (الحنفي) بالقاهرة، والتحق بمكتب الشيخ صالح، ثم بالمدرسة الخديوية، ثم بمدرسة الحقوق ((قسم الترجمة)) ثم سافر إلي فرنسا لدراسة الحقوق والآداب سنة 1887، وعاد منها سنة 1891، ونفي إلي إسبانيا سنة 1915، وعاد منها سنة 1919.
وأبوه علي شوقي، الذي ورث عن أبيه مالاً كثيراً بدده في سكرة الشباب، ويقول أمير الشعراء في هذه الحكاية (ثم عاش بعمله، غير نادم ولا محروم، وكأنه رأي لي كما رأي لنفسه من قبل، ان لا اقتات من فضلات الموتي). وعندما مات أبوه، أخذته جدته لأمه تكفله، ودخلت به يوماً علي الخديوي إسماعيل وكانت من معتوقاته - وهو في الثالثة من عمره - وكان بصره لا ينزل عن السماء، فطلب الخديوي بدرة من الذهب، ونثرها علي البساط عند قدميه، فوقع الطفل علي الذهب يجمعه ويلهو به. فقال الخديوي لجدته: اصنعي معه مثل هذا، فانه لا يلبث ان يعتاد النظر إلي الأرض. قالت السيدة الذكية: هذا دواء لا يخرج الاَّ من صيدليتك.. فقال الخديوي: جيئي به إلي متي شئت، فاني أعّز من ينثر الذهب في مصر. وقد عاش شوقي ما عاش، يحلق في السماء بعينين رجراجتين لا تقران علي قرار، حتي كان الشيخ علي الليثي كلما رآه، ذكر من قول المتنبي هذا المصراع:
محاجر مسك ركبت فوق زئبق
لم يسجل التاريخ للخديوي توفيق شيئاً من الإحسان في تاريخ هذا البلد، اللهم ألاّ حسنة واحدة، هي أنه مهد التربة الحسنة لشاعرية شوقي، فقد أوفده - بعد تخرجه في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق - في بعثة إلي باريس، وأمره ان يبقي هناك أربع سنوات حظر
عليه أن يعود خلالها إلي مصر، وأمره أن يقضيها في النظر في أدب الغرب، وحياة الناس، والتنقل بين باريس ومونبلييه ولندن، وهناك تفتحت عينا شوقي علي ألوان من الجمال في الحياة والأدب والفن، فتفتق خياله، وتفتحت له آفاق جديدة، ما كانت لتتفتح له لو بقي في مصر، شاعراً ناشئاً يعيش في أسار القصر، وكل رسالته ان يرفع المدائح للأعتاب الخديوية. هذه حسنة توفيق اليتيمة، أما الحسنة الثانية - غير مقصودة - فهي للإنجليز، حينما نفوه إلي الأندلس حيث قضي في ظلالها خمس سنوات، رأي فيها عوالم جديدة، وراجعته قصة الأندلس والمجد الذاهب فيها، وقصص ملوك الإسلام الأقدمين وأساطيرهم هناك. ومفاتن الشعر الاندلسي، بألوانه الزاهية وبحوره المفردة واوزانه المتراقصة... كل هذا لعب في شاعرية شوقي دوراً جديداً وأضاف إلي قيثارته أوتاراً حبيبة، ولشوقي ولدان، علي وحسين، وبنت واحدة وهي أمينة. وقد عاش شوقي 64 سنة، ولقي وجه ربه في أكتوبر سنة 1932.
المصرية في شعره
كانت مصر، بكل ما يحفل به ماضيها، وما يجتازه حاضرها، وما يؤمل لمستقبلها، أقوي مادة
للالهام عند شوقي، وملحمته الخالدة ((كبار الحوادث في وادي النيل)) التي ألقاها في المؤتمر الشرقي الدولي المنعقد في مدينة (جنيف) في سبتمبر سنة 1894 كممثل للحكومة المصرية، من أروع الملاحم في تاريخ الشعر العربي جملة، فهي تروي قصة مصر بكل ما عبر بها من أحداث منذ عهد الفراعنة إلي ذلك الحين (1894) رواية مفصلة جري فيها علي روي واحد من الشعر في غير تكلف ولا افتعال، إلي ان وصل إلي نحو ثلاثمائة بيت. وقد لج به هوي مصر، اكثر ما لج، إذا هو في منفاه بالأندلس، حيث كان شعره يذوب حنيناً ويحترق شوقاً إلي مصر، ومن أجمل أبياته إذ هو هناك، هذا البيت:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهو علي شدة اعتداده بإسلامه يري مصر دينا مع الدين, وأخشي أن أقول أنه يراها دينا قبل الدين, كما تشهد بذلك أبياته التي قالها حينما ثارت الفتنة بين المسلمين والأقباط في مصر عقب مصرع بطرس غالي:
بني القبـط، اخــوان الدهور رويدكم هبوه يسـوعاً فـي البـرية ثـانياً
حـملتم لحكـم الله صلب ابـن مريـم وهذا قضـاء الله قـد غـال(غاليا)
إلي أن يقول:
تعالوا عسي نطوي الجفاء وعهده وننبذ أسباب الشقـاق نواحيـا
ألم تكُ مصر مهدنـا ثم لـحدنـا وبينهمـا كـانـت لكل مغانيـا
ألم تكُ من قبل المسيـح ابن مريم وموسي وطـه نعبد النيل جاريا
فـهلا تساقـينا علي حبه الهـوي وهلا فدينـاه ضفـافا وواديـا
ومــازال منكم أهل ود ورحمة وفي المسلمين الخير مازال باقيا
وقصديته في النيل هي من خير مصرياته، وهي تربو علي مائة وخمسين بيتاً تجري في أروع النغم وترسم أجمل الصور، ويستهلها بقوله:
مـن أي عهد في القري تتدفـق وبأي كف في المدائن تغدق
ومن السماء نزلت أم فجرت من عليا الجنان جداولاً تترقرق
وفيها يقول عن النيل في لفتة روحية مشرقة يبرر فيها تأليه الفراعنة له:
دين الأوائل فيك دين مـرؤة لم لا يؤله من يقوت ويرزق
لو أن مخلوقا يؤله، لـم تكن لسواك مرتبة الالوهة تخلق
ومع أن هذه القصيدة هي أجمل مدحه للنيل في تاريخ الأدب العربي، فان من آيات العبقرية وجزالة الإلهام عند شوقي, أنه أنجزها كلها في ليلة واحدة.
إسلامه وإسلامياته
كان مسلماً شديد الاعتزاز بإسلامه, ويصل به شعره الديني إلي مراتب المتصوفة, كابن الفارض والبوصيري، من الناحية الروحية، وان تجاوزهم شاعرية إلي درجة أعلي ونفس أجمل ومن أروع إسلامياته، همزيته النبوية التي يستهلها بقوله:
ولد الهدي فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثـناء
وقصيدة (إلي عرفات).. ومعارضته الرائعة لنهج البردة,التي يستهلها بقوله:
ريم علي القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومما يجب أن نتلفت له في شعره الديني, أنه لم يفته - في غمار تصوفه - أن يتحدث إلي أبناء وطنه في شئون حياتهم وما يجب أن يشرق عليها من روح الإسلام، من تحل بالفضائل، وزهد في عرض الحياة الزائل، ودعوة إلي الخير والبر، وتبشير بالاشتراكية كجزء من رسالة الإسلام. ومما يجعل لهذه الالتفاتة الرائعة قدرها، إن شوقي قد سبق إليها الزمان، وبشر بها قبل ثورة 1952 بأكثر من جيلين، وجاهر بها في عنفوان طاغوت الملكية والإقطاع.
يقول شوقي في الهمزية النبوية, والخطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام :
الاشتراكيون أنت إمامـهم لولا دعــاو القوم الغـلواء
داويت متئداً وداووا طفرة وأخف من بعض الدواء الـداء
إلي أن يقول:
أنصفت أهل الفقر من أهل الغني فالكل في حق الحياة سواء
فـلو أن إنسان تخـير ملـــة مـا اختار إلا دينك الفقراء
ومع هذا فان شوقي لم يكن بالمسلم المتعصب الذي يعميه غلوه في الدين عن تقديس المسيح عليه السلام، والإشادة بدعوته إلي الحب والسلام، ففي قصيدته رثاء إلي الكاتب المسيحي جرجي زيدان مؤلف الأسفار الطيبة عن تاريخ التمدن الإسلامي، يدعو شوقي الناس إلي التسامح قائلا:
لا تجعلوا الديـن باب الشر بينكمو ولا محل مباهاة وادلال
ما الدين إلاّ تراث الناس قبلـكمو كل امرئ لابيه تابع تال
ويمجد الصليب والهلال معاً في قصيدته الإنسانية ((الصليب والهلال الأحمران)) فيقول:
جبريل أنت هدي السماء وأنت برهان العناية أبسط جناحيك اللذين هما الطهارة والهداية
وزد الهلال من الكرامة والصليب من الرعاية فهما لربك راية والحرب للشيطان رايـة
لم يخلق الرحمن أكبر منهما في البر آية
إلي ان يقول:
يقـفان في جنب الدما كالغـدر في جنب الجنايه لو خيما في (كربلا) لم يمنع السبط الساقية
لـو أدركا يوم المسيح لعاوناه علـي النكايــة ولناولاه الشهد لا الـخل الذي تصف الرواية
ويقول في قصيدته (أيا صوفياً) بعد أن تحولت الكنيسة إلي مسجد:
كنيسة صارت إلي مسجد هديـة السيـد للسيد
وكما حيا محمداً في همزيته، مستهلها بقوله:
ولد الهدي فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
حيا المسيح في همزية أخري - هي قصيدة (كبار الحوادث في وادي النيل)- بقوله..وهو أجمل ما قيل في تحية عيسـي في تاريخ الأدب العالمي:
ولد الرفق يوم مولـد عيسـي والمروءات والهدي والحيـاء
وأزدهي الكون بالوليد وضاءت بسناه من الثري الارجـــاء
وسرت آية المسيح كـما يسري من الفجر في الوجود الضـياء
تملأ الأرض والعوالـم نــورا فالثـري مائـج بهـا وضـاء
لا وعـيد، لا صـولة،لا انتقـام لا حسـام، لا غـزوة، لا عـداء
حبه للدنيا
ورغم هذه الروح المتصوفة، فقد كان شوقي يعشق الدنيا، ويأخذ نصيبه منها، تشهد بذلك خمرياته وغزلياته، ومن أجمل خمرياته، وصفه للجعة قائلا:
حف كأسـها الحبب فـهي فضـة ذهب
أو دوائــــر درر مائجـات بها لـبب
أو فم الحـبيب جـلا عن جـمانه الشنب
أو يـداه باطنــها عاطل ومختـضـب
أو شقـيق وجـنته حين لي بـه لعـب
راحة النفوس، وهل راحة عندها تعــب
يا نديم خـف بـها لا كبابـك الطــرب
لا تقـل عواقبهــا فالعـواقــب الأدب
ثم قوله في قصيدة (رمضان ولي) وقد ترجمت جريدة (الطان) بعض أبيات هذه القصيدة واحتفت بهما علي صفحاتها:
رمضان ولـي، هاتها يا ساقي مشتاقة تسعي إلي مشتاق
ما كـان أكثره علـي آلافهـا واقله في طاعة الخــلاق
إلي أن يقول:
هات اسقنيها غير ذات عواقب حتي تراع لصيحة الصفاق
صرفا مسلطة الشعاع كأنمــا من وجنتيك تدار والأحداق
حمراء أو صفراء، ان كريمهـا كالغيد، كل مليحة بمـذاق
وهذا البيت الأخير يؤدي بنا إلي ناحية بارزة من حياة شوقي العاطفية، فهو لا يكرس قلبه إلي للون واحد من الجمال، ولا يقصره علي حب امرأة واحدة، حتي أن أحداً من ثقاته لم يرو لنا حباً كبيراً في حياته. ذلك أن شوقي كان يعبد الجمال بكل ألوانه، ويري لكل مليحة مذاقاً مستملحاً وهكذا تبدو لنا غزلياته معممة، وقد لا تكون فيها حرفة الشعراء العشاق، كناجي أو رامي، ولكن فيها طرافة في تصوير الحب, كقوله:
وعندي الهوي، موصوفه لا صفاته إذا سألوني، ما الهوي، قلت ما بيا
وكقوله في معارضة(يا ليل الصب):
ما بال العاذل يفتح لي باب السلوان وأوصده
ويقول تكاد تجن بـه فأقول وأوشك أعبده
مولاي وروحي في يده قد ضيعها، سلمت يده
ناقوس القلب يدق له وحنايا الأضلع معبده
كل هذا يدلنا علي مقدار حب شوقي للحياة, التي عاشها,وعاشها في ترفها وابهتها ومتاعها الطويل العريض

nassir
27-02-2005, 03:09 AM
والله ماقصرت اخوي

اذا تقدر من فتره الى فتره تعطينا شخصيات شعريه مرموقه

ولك جزيل الشكر

أبوجمـــال
27-02-2005, 02:08 PM
من منا لا يعرف أحمد شوقي...

أشكرك أخي الكريم ..

وأتمنى أن لا ننقطع من إبداعاتك ...

أبوجمـــال

sheko842
01-03-2005, 02:42 AM
مشكووووووووور يا صديقى
على هذا الكلام الرائع
وعلى الشاعر العظيم احمد شوقى امير الشعراء
وانا مستنى منك المزيد من ابداعاتك الشعريه
مثل ابداعاتك فى المنتدى العام:biggthump
مشكووووووووووووور

IRON
03-03-2005, 11:07 PM
مشكوووووووور على هذا الموضوع