المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أفضل رواياتي (انقلاب)



الفوهرر العظيم
06-03-2005, 03:42 PM
((انقلاب))



في المقهى.. النارجيلة هي المخلوق الوحيد الذي يتنفس.. و الصوت الذي تصدره نشيد وطني يترنم به الشرفاء من أبناء الحارة.. و ما عدا النارجيلة أموات كتب لهم أن يكونوا أحياء قهرا.. غاية أملهم أن يتحدوا مع جزيئات ذلك الدخان المتطاير في الأرجاء!!.. و مع ذلك فالمقهى أهم معلم من معالم الحارة التاريخية و الثقافية و الاجتماعية والسياسية و الرياضية و..و..و.. فمنه تخرج أهم القرارات المصيرية المتعلقة في أي شأن من شؤون الحارة.. و للحارة قوانين صارمة جدا لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها..و لا يفرض تلك القوانين سوى عمدة الحارة..و ربما تشترك النارجيلة معه بشكل أو بآخر في صنع القرار!!.. و لكن تلك القوانين الصارمة لا تواري سماحة العمدة و رحمته على رعيته من أبناء الحارة البسطاء..فهو قد يتغاضى عن أمور كثيرة بداعي الرحمة و طول البال و الحكمة التي يتسم بها !!.. فهو قد يتجاوز عن شخص يرفع صوته بكلمات نابية عندما تمر امرأة مصادفة من جانب المقهى على ألا تكون تلك المرأة أحد نساءه و ذلك لأن للعمدة هيبة يجب أن يحترمها الجميع.. و هو أيضا قد يتجاوز عن شخص يدخل المقهى في حالة سكر فيكسر بعض من أثاث المقهى و يتطاول بالسب و اللعن على بعض الموجودين في المقهى و لكن بالقدر الذي لا يؤدي إلى المساس بذات العمدة و هيبته بأي شكل من الأشكال.. و في الحارة كل الوجوه واحدة لا تختلف عن بعضها حتى لو اختلفت تقاسيمها.. يتناثرون في أذيال المقهى ليجعلوا للعمدة صدرها و يستحوذ على أكبر طاولة فيها بينما يدور القهوجي المشهور باسم (( صبي)) على الجميع بفناجين الشاي حتى يصل إلى الصدر و يقدم له قبل فنجان الشاي آيات من المدح و التمجيد إلا أن ذلك لا يعفيه عما يجب أن يأخذه على قفاه مما يكون بسبب عدم ضبط السكر في الشاي أو يكون بغرض التندر و ذلك لأن العمدة لا يجب أن يكون في نظر أبناء الحارة شخصا عبوسا أو جامدا حتى يكون قريبا منهم و من قلوبهم!!.. و للحارة نظام فريد في الحكم.. فمن يتسلط عليها يجب أن يملك قوة عاتية تخوله لأخذ هذا المنصب المرموق و هو منصب عمدة الحارة.. و القوة بمفهوم الحارة و تاريخها الغابي العتيد هو الفتك بمن تسول له نفسه أن يطمح لهذا المنصب!!.. كان العمدة بين فترة و أخرى حين ينتابه الشعور بالعظمة و الجلالة يخرج إلى الساحة المجاورة للمقهى فيتحلق حوله من أحب أن يحضر ذلك الاستعراض الفردي ثم يزأر بالقول..

_ هل فيكم رجل يريد أن تفقده أمه الليلة.. هل فيكم رجل يريد أن يحرم من ذكورته الليلة..

و يهجم بين لحظة و أخرى على واحد من المتحلقين حوله يريد أن يستفز فيه رجولته.. و لكن لا حراك..







و تتداول الحارة حكايا العمدة و بطولاته الخرافية و يتناقلها الكبار و الصغار ولو كان منهم من يستطيع القراءة و الكتابة لسطر سيرته كتبا لا يتسع لها حيزا و لا يملأها فضاء..

و في إحدى أيام الحارة التاريخية.. حيث رحلت الشمس على غير عادتها.. و استقرت فوق رأس النارجيلة لتنفذ أشعتها الحارقة داخل جسد العمدة.. ثم تظهر في جلاء بعيني العمدة فتزيدها احمرارا فوق احمرارها الطبيعي..ربما سمع العمدة ما جعله ينتفض كثور هائج على كرسيه حتى تكاد أرجلها أن تتفتت تحته.. ربما سمع من نسائه شيئا أغضبه فهو على جبروته و عنفوانه يقضي غالب ما يحلو له من وقت مع نسائه أو مما يقمن مقامهن.. و ربما وصل له خبر كدره عن طريق رجاله المختلطين مع أهل الحارة بصورة بشر يصاحبونهم و يناسبونهم و يأكلون معهم وهم في الواقع أعين العمدة المتخفية التي تتقصى أخبارهم و تترصد حركاتهم.. الوجوه يكسوها الوجوم و هم يطلبون في سرهم و في بعض جهرهم الستر و العافية لهم و لأهلهم و يستعيذون بالله من شر الشيطان و العمدة.. فمن فاز بسخط العمدة خسر الدنيا باتفاق أهل الحارة.. والآخرة على قولة إمام مسجد الحارة إذا تحدث في خطبة الجمعة في سياق ذكره لمآثر العمدة و إنجازاته و ذكر أعدائه و العاقبة الوخيمة لهم في الآخرة قبل الدنيا!! .. أو ربما بسبب ذلك الشخص الغريب الملثم الذي جلس في طرف المقهى دون أن يجثو على ركبتيه أمام العمدة و يذعن له بالطاعة و الولاء.. الويل للغرباء و الدخلاء!!..و الويل لمن كان سببا في هياج العمدة و ثورته و هو الحليم الحكيم الذي أخذ جزءا كبيرا من قداسته مما تداولته ألسن الحارة عبر سنين متعاقبة.. و فتكه بأعدائه مثنى و ثلاث و رباع!!.. إنه الرمز لكل كمال.. متأصل كعراقة التراث.. أسطورة مصدقة.. إله فرعوني.. أو كتاب مقدس يحفل بسيرة شخص واحد لا يخطئ .. هو ذاك الصنم العملاق الذي تقدم له القرابين فالملك له و هو على كل شيْ قدير!!..

تلتصق الأنظار نحو الحدث في شده.. معركة استثنائية.. استعراض غير رسمي.. مشهد غير مفتعل..

و لكنه أيضا غير مصدق!!. . لقد تطاير الغبار الذي جثم لزمن طويل على الجدران و الكراسي القديمة و تناثرت الرواسب المتعفنة في كل ركن من أركان القهوة.. الصنم لا يجد من يدافع عنه أمام الفأس العازم على تحطيمه..لو كان الصنم ينطق لتمنى لو كان قبل هذا الحدث نسيا منسيا.. و لكنه يعلم أنه سيكون حتما بعد هذا نسيا منسيا.. هو انقلاب أسود بسواد المصير الذي لحق بالنارجيلة و بالطاولة الموضوعة في صدر المقهى و بصاحبها !!.. تلك الجثة الضخمة الملقاة على بلاط المقهى كانت تزاحم أرجل الكراسي و الطاولات و أرجل صبيان الحارة حين التفوا حولها يعبثون بها و بملامحها و بكل ما لم يحلموا قط أن تتناولها أيديهم .. (( كيف يصبح الإله طعام يأكله العبيد عندما يجوعون!!..))


***

و في صباح يوم جديد..حيث بداية عهد جديد غسلت فيه كل ما كان في العهد البائد كما غسلت به أرضية المقهى من قاذورات و أوساخ عالقة سلكت في مجراها الطبيعي حيث يجب أن تكون ..

_(DEVIL)_
06-03-2005, 05:42 PM
مشكوووور على الروايه

الفوهرر العظيم
09-03-2005, 08:55 PM
إن دل هذا فلن يدل إلا على الأحساس العالي الذي تمتلكه أهنئك

وشـــــــــــــــكـــــــــــــرااااا.