المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية مقاله سليم الحص عن الوضع الراهن



عمر3
08-03-2005, 04:09 PM
السفير / قال الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد ما قال في خطابه أمام مجلس الشعب السوري في 5/3/2005. كنت أتمنى لو زاد على كلماته بعض العبارات: عندما تحدث عن ضبط الحدود بين سوريا والعراق، يا حبذا لو أضاف تذكيراً لأميركا بأنها بفعل احتلالها العراق هي التي تسيطر على الجانب العراقي من الحدود السورية العراقية. فبأي منطق تؤاخذ سوريا على عدم ضبط الحدود في الجانب السوري ولا تؤاخذ نفسها على عدم ضبط الحدود هي في الجانب العراقي؟ وفي صدد القرار الدولي 1559 كنت أتمنى لو أضاف الرئيس الأسد ملاحظة تلفت أميركا والعالم إلى أن القرار الدولي هو موضوع خلاف وانقسام في الرأي بين اللبنانيين، بدليل المواقف المتعارضة التي تُبدى في شأنه عبر وسائل الإعلام يومياً كما بدليل أن تظاهرات نزلت إلى الشارع تأييداً للقرار وأخرى تنديداً به غير مرة. والدولة العظمى لا تتوانى عن التبشير بالديموقراطية في بلادنا، لا بل تفتعل حروباً باسمها، كما فعلت في العراق وتهدد في سائر أقطار المنطقة. فإذا كانت الديموقراطية هي نظام يعبّر عن إرادة الشعب الحرة، كما نعهد، فبأي منطق ديموقراطي، ينقسم الرأي العام في لبنان بين مؤيد ومعارض للقرار الدولي فتلقي الدولة العظمى بوزنها الهائل لتغليب رأي على رأي في لبنان؟ أما خطر لها أو لحليفتها فرنسا أو للأمم المتحدة أن تستفتي الشعب اللبناني حول هذا الأمر قبل أن تبته نيابة عنه فتغلّب فريقاً على فريق؟ الواقع أن الإدارة الأميركية ديموقراطية داخل بلادها واستبدادية في الخارج. ولكن المشكلة ليست في القوى الخارجية وحدها، بل هي أشد وأدهى في صفوف الشعب اللبناني. من المفترض أن يكون الشعب اللبناني قد تعلم درسه الأول من أزمة عام 1958، ولكنه لم يفعل. خرج لبنان من أزمته الدامية ذلك العام بشعار <<لا غالب ولا مغلوب>>. من المفترض أن يكون قد تم ذلك بوعي أن التوازنات البالغة الدقة والحساسيات المرهفة التي يقوم عليها نسيج المجتمع اللبناني لا تسمح بغالب ومغلوب بين فئاته. إلا أن هذا الوعي لم يترسخ، فكانت كل الأزمات الوطنية التي توالت بعد ذلك: أزمة حكم متمادية في عام 1969 في محاولة من أحد الفريقين لانتزاع الغلبة لنفسه، وكذلك على امتداد خمسة عشر عاما من الأزمة الجامحة المدمرة ما بين 1975 و1990، حاول كلا الفريقين سحق الآخر بأعتى وسائل القتل والتدمير والتهجير والاستقواء بالخارج. فما انتهت الأزمة إلا بتسوية وفاقية لا غالب فيها ولا مغلوب. واليوم، في أزمة القرار 1559، يسعى كلا الفريقين الى أن يسجل انتصارا ساحقا على الآخر، مستقوياً بالخارج. فهل قدر اللبناني أن لا يتعلم الدرس البديهي، فلا يسلم بقدر التسوية إلا بعد أن يدفع الثمن غاليا من استقراره وهنائه ووحدته؟ إن استمرار حال التأزم بين اللبنانيين بعد أن أعلنت المعارضة مجددا التزامها تسوية الطائف نصا وروحا لا تفسير له إلا إصرار فريق القرار 1559 على الغلبة مستقوياً بالدولة العظمى ومعها فرنسا والأمم المتحدة، مأخوذا بشعار <<لم نعد وحدنا>>. أين عقلاء القوم يردّون الأفرقاء عن غيّهم فيثوبون إلى وعيهم أن لبنان لا يحتمل غالبا ومغلوبا؟ كان لي حديث مع أحد الصحافيين العرب، شعرت خلاله بأن الرجل غالى في التذكير بقوة الدولة العظمى في مناقشتي، موحياً أن من العبث الوقوف في وجه إرادتها، فعلام المكابرة في معارضتها؟ وبعد ختام التسجيل، توجهت الى جليسي الصحافي قائلاً: اسمح لي بكلمة خارج إطار التسجيل والتصريح. أميركا هي الدولة العظمى في العالم بلا منازع. وهاك فرنسا إلى جانبها وهي دولة كبرى. وهاك الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة معها. القوى الثلاث بوزنها معا لا تقاوَم. مع ذلك، عليك أن تتنبه إلى ان القوى الثلاث مجتمعة، هي في الميزان اللبناني في كفة وسوريا في الكفة الأخرى بما تملك من <<قوة سلبية>> إن صح التعبير. وذلك بمعنى أن لسوريا وزنا أو ظلاً في لبنان لا يمكن تجاهله. فأي تصرف دولي يتجاهله أو يتنكر له يمكن أن يجر إلى ما لا تحمد عقباه داخل المجتمع اللبناني. في ختام لقائي مع الموفد الأميركي الخاص دايفيد ساترفيلد، سألني: هل ثمة كلمة تود أن تقولها لي قبل أن أغادرك؟ فقلت أجل. نتوسل إليكم أن لا تجرونا الى فتنة أخرى. إن وقعت الفتنة، لا سمح الله، فأنتم لن تستطيعوا مساعدتنا في شيء. لقد مزقتنا الفتنة على امتداد خمسة عشر عاما في الماضي القريب، فماذا فعلتم لمساعدتنا أنتم الدولة العظمى، وماذا فعلت حليفتكم اليوم فرنسا، وماذا فعلت الأمم المتحدة؟ لا شيء. المساعدة على إنقاذنا جاءت من سوريا والمملكة العربية السعودية والمجموعة العربية، فكان اتفاق الطائف. أما القول بأن إرادة الدولة العظمى قدر لا يقاوَم في العالم، فوهم في وهم. الدولة العظمى عجزت عن حسم أزمات تورطت فيها منذ الحرب العالمية الثانية. فشلت في كوريا وفيتنام وكوسوفو، وفشلت في فلسطين والعراق. وقامت بإنزال في محيط مطار بيروت خلال الأزمة الوطنية الكبرى ثم انسحبت عند أول تفجير تعرضت له. وأهم من كل ذلك أن لبنان قاوم احتلالاً إسرائيلياً وانتصر عليه في العام 2000، مع العلم بأن إسرائيل أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، انتصرت في كل حروبها مع العرب مجتمعين ومتفرقين، ومع العلم بأن الدولة العبرية مدعومة من الدولة العظمى على وجه سافر بالمال والسلاح والانحياز الأعمى سياسيا ودبلوماسيا. مع ذلك قاوم لبنان الاحتلال وانتصر، من دون أن يتوقف لحظة أمام مقولة إن إرادة الدولة العظمى لا تقهر. فللشعوب إرادتها كذلك. حذار إغفال هذا الواقع. الوحدة الوطنية هي سلاح لبنان الأمضى في مواجهة الأخطار التي تهدد هذا الوطن في وجوده وتهدد شعبه في استقراره وهنائه وحقه في حياة أفضل. والوحدة الوطنية لن تكون بغالب ومغلوب في صراع الدببة بين أفرقاء يستقوون بالخارج، بل تكون بالاعتراف بالآخر ومن ثم بالتفاهم والوفاق. واقعنا الخطير اليوم هو نتاج تصرف كل فريق وكأنما هو الفريق الأوحد على الساحة، ولا وجود لسواه. قيل الكثير عن تظاهرات الشباب في ساحة الشهداء التي أطلق عليها <<ساحة الحرية>>. وقيل الكثير عن أنها ظاهرة <<وحدة وطنية>> نادرة. إن المغالاة في هذا التصور إنما تنم عن عدم الاعتراف بالآخر. لا شك في أن ظاهرة الأعلام اللبنانية، وليس إلا الأعلام اللبنانية، ترفرف في تلك الساحة، هي ظاهرة وطنية رائعة، يهنّأ الشباب عليها، ويجب أن تشجع وتنمى. ولكن هذه الظاهرة الرائعة تخفي وراءها واقعين: الأول هو أن المشهد إياه كان مغايراً تماماً قبل أسبوعين، إبان مأتم المغفور له الرئيس رفيق الحريري إذ رُفعت شعارات ولافتات وصور استفزازية تعكس حال فرز في المجتمع. والواقع الثاني هو أن الكلام عن <<الوحدة الوطنية>> لا يستقيم في بقعة من المدينة بمعزل عن سائر المناطق اللبنانية. الوحدة الوطنية تكون شاملة جامعة كل اللبنانيين أو لا تكون. هل تمثلت في تظاهرات ساحة الشهداء حقاً كل الفئات أو المناطق اللبنانية؟ هل صحيح أن ما جرى في ساحة الشهداء يعبّر تعبيراً صادقاً عما يختلج في نفوس أبناء عكار والبقاع والجنوب وكل بيروت والجبل؟ قد يكون فريق ساحة الشهداء هو الأعلى صوتاً. ولكنه يبقى فريقاً، وهناك سواه. هل يستقيم الحديث عن وحدة وطنية ضمن فريق دون الآخر. فلنعترف بأن وحدتنا الوطنية اليوم، وبالتالي وجودنا، في مهب الريح. لن يكون الخلاص بالاستظلال بشعار <<لم نعد وحدنا>>، أو الاستقواء بقوى دولية، بل بالاعتصام بوحدتنا الوطنية. فلنرمم وحدتنا الوطنية، ونبعث فيها العافية، ونحصنها في وجه الأخطار والتحديات حاضرا ومستقبلاً. والطريق الى ذلك إنما يمر بالضرورة في محطتين على الأقل: العمل منهجيا على تجاوز الحالة الطائفية في البلاد، وتنمية الممارسة الديموقراطية الفاعلة، علما بأن الديموقراطية هي نظام وثقافة في آن واحد. ونحن في أشد الحاجة الى تنمية الديموقراطية في بلادنا على الوجهين معاً.