Star_Fire
10-03-2005, 12:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التصوير الفوتوغرافي بين حداثة الاختراع والغاء الآخر
كيف ساهمت الصورة الفوتوغرافية في انشاء الدولة العبرية
االتصوير الفوتوغرافي، كغيره، كان صرخة في عالم الاختراعات الحديثة التي أفرزتها الثورة الصناعية في أوروبا، جعلت منه أوروبا سلاحاً فعالاً في ممارسة ساديتها على "الشرق" فيما عُرف بـ"الاستشراق". بيد أن الحركة الصهيونة لم تكن تاركة الأمور تسير "على الغارب" فجعلت منه أداة هامة في اقتلاع شعب فلسطين من أرضه، وحاولت مسحه من ذاكرة التاريخ لتزرع جسماً بديلاً عنه بات يُعرف بـ"إسرائيل".
كيف!!
نبدأ من البدايـــــــة
في التاسع عشر من شهر آب عام 1839 أعلن فرانسوا أراغو، زعيم الحزب الجمهوري الفرنسي، عن اختراع التصوير الفوتوغرافي، مشيراً إلى أن هذا الاختراع الجديد سيساهم بشكل كبير في اكتشاف "عجائب الشرق".
تكالب الغرب على هذا الاختراع الجديد، فكان سلاحاً ساعد بشكل جلي في تعبيد الطريق أمام الهجمة الاستشراقية الاستعمارية، وفك رموز افتراضات وايديولوجيات واستيهامات متعلقة بمنطقة من العالم تدعى الشرق. رفع من وتيرتها الصراع بين القطبين الحاكمين (بريطانيا وفرنسا) على اقتسام تركة "الرجل المريض" (الامبراطورية العثمانية) بعد أن بدأ المرض العضال وضع لمساته الأخيره عليه.
فبدأت أوروبا في قراءة ثقافة الشرق مستعينين بالصور الفوتوغرافية في نقل أشكال ورسومات مخطوطات أثرية لقرائتها وتحليلها هناك، ما وفر الكثير من الوقت عبر الاستعاضة به عن النسخ. الأمر ذاته تكرر في نقل الجغرافيا والأماكن المقدسة والأثرية بكل ما احتوت من فنون هندسية معمارية وغيرها.
بعد حوالي ثلاثة أشهر من اعلان آراغو، شد مصورون، وباحثون، أوروبيون رحالهم الى "الشرق"، على رأسهم المصور الفرنسي فريدريك غوبيل فيسك، الذي ابتعثته الخارجية الفرنسية - برفقة الرسام هوراس فيرنيه- في رحلة "علمية" وذلك في السادس من تشرين ثاني/ نوفمبر 1839.
ويُعتبر فيسك أول مصور يدخل فلسطين خلال رحلته الى "بلاد الشرق والأراضي المقدسة". فبعد وصوله الى فلسطين، عبْر مصر، بدأ في التقاط الصور الفوتوغرافية ملتهماً بعدسته أبرز ما يميزها؛ الأماكن المقدسة والتاريخية. وفي الثامن من شهر آب 1850، وصلت القدس بعثة فرنسية تضم المصور ماكسيم دي كومب يرافقه الكاتب غوستاف فلوبير، والتقط المصور اثنتي عشرة صورة لمدينة القدس، نُشرت في كتاب خاص في باريس سنة 1852.
وفي العام (1844) وصل القدس المصور البريطاني الكسندر كيث، الذي التقط عشرات الصور استعان بها في دراسة الصلة بين ما ورد في الكتاب المقدس وجغرافية الأراضي المقدسة، وهذا ما استفاض في شرحه في كتابه "براهين على حقيقة الدين المسيحي". image 06b here
في تلك الفترة، لم تكن الحركة الصهيونية غائبة عما يغزو العالم من تحولات سياسية واقتصادية وفكرية. ففي نفس العام الذي اُعلن فيه عن اختراع التصوير، أطلق اللورد شافتسبري (1801-1885)، أحد دعاة الانجيلية الصهيونية، عام 1839 في مقال نشرته صحيفة "كوارترلي ريفيو"، أكذوبته الشهيرة أن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" التي التقطها زعماء الحركة الصهيونية مستغلين اختراع التصوير لتحويل الأكذوبة الى واقع.
http://www.arabworldbooks.com/Articles/images/03B.jpg
فمن أبرز السمات التي ميزت الصور الفوتوغرافية في تلك الحقبة، هي خلوها من العنصر البشري، فكانت جل الصور تعطي انطباعاً بأن فلسطين أرض خالية من السكان، ويرجع ذلك الى أسباب عقائدية وفنية وغيرها.
فحسب اعتقاد بعض البروتستانت (في تلك الفترة على الأقل) كان هناك اعتقاد مفاده أن فلسطين أرض حلت عليها لعنة الرب لأن المسيح صُلب فيها، بجانب بداية تبلور الحركة المسيحية الصهيونية، التي كان البروستانت مصدرها الأساسي، جعلتهم يلتقطون صوراً تخلو من العنصر البشري، وكأنها أرض لم تطأها قدم انسان وهي على حالها منذ 2000 عام.
في تلك الفترة بدأت الحركة الصهيونية في شراء الصور الأولى لفلسطين ونشرها بين الجاليات اليهودية في العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، وبدأ لعاب اليهود في السيلان للانتقال الى تلك الأرض التي "لم تطأها قدم انسان" منذ صلب المسيح عليه السلام، سيما وأنها (الطائفة اليهودية) في أوروبا كانت طائفة غير مرغوب فيها، يتجنب كل شرائح المجتمع التعامل معها. كانت تعيش في عزلة تامة، غرباء، دخلاء، مكروهين، الأمر الذي شجعهم أيضاً للهروب من مكان لا يحظون فيه بالاحترام.
إن خلو الصورة الفوتوغرافية الأولى لفلسطين، من العنصر البشري لا يلغي بعض الاستثناءات، التي ظهر فيها عائلات فلسطينية. بيد أن صور تلك العائلات كانت تتسم بالطابع الديني أو الامجتمع البدائي؛ فكان معظم الأشخاص يظهرون كقديسين أو رهبان أو رعاة؛ فتحمل ايحاءً لسيدنا عيسى عليه السلام، أما "السكان" فكانوا مجرد حفنة من البدو الرحل الذين مروا بفلسطين خلال ترحالهم بحثاً عن المراعي. بمعنى آخر، لم يكن هناك متسع للمواطنين الفلسطينيين في حياتهم اليومية، سواء الفلاح أوالطبيب أوالمعلم أورجل الأعمال والعامل ..الخ.
سبب فني آخر، ربما، كان له دور في خلو الصور من العنصر البشري؛ هو بطء سرعة غالق العدسة (shutter speed). فعند التقاط صورة لأشخاص في حالة حركة، سيظهرون على شكل أشبه بأشباح، الأمر الذي كان يتجنبه المصورون.
ضربة معلم :
ابان الحرب العالمية الثانية، كانت هجرات اليهود من أوروبا الى فلسطين في أوجها، وزادت الحركة الصهيونية من الاعتماد على الصور الفوتوغرافية التي كانت كسلاح ذو حدين؛ الحد الأول تمثل في نشر صور لضحايا من الطائفة اليهودية الذين تعرضوا للممارسات النازية، الأمر الذي جعل المجتمع الأوروبي يقع في "عقدة الذنب" تجاه هذه الطائفة، وتعزيز الفكرة لديهم بوجوب مساعدتهم تكفيراً لهذا الذنب. أما الحد الثاني فكان تعزيز نشر صور "أرض الميعاد" الخالية من السكان لتشجيع أبناء الطائفة اليهودية للرحيل إليها.
بدأ المهاجرون اليهود يتدفقون الى فلسطين، وارتفعت وتيرة اقامة المستعمرات الصهيونية، وأمدتهم أوروبا، وخصوصاً بريطانيا، بالآلات الصناعية والزراعية الحديثة والسلاح، فأقيمت المزارع الخضراء والمباني داخل المستعمرات، وهنا أيضاً كانت للحركة الصهيونية "ضربة معلم" جديدة على صعيد التصوير الفوتوغرافي.
آلاف الصور التقطها مصورون صهاينة لمزارعهم ومنشآتهم الجديدة وصدروها الى أوروبا لدعايتهم الجديدة في ابراز قدرة المهاجرين اليهود على تحويل "الأرض اليباب" الى جنات عدن، فكانت هذه الصور ذو أثر مزدوج وذلك بتشجيع الطائفة اليهودية للرحيل الى فلسطين
إن الحركة الصهيونية التي حرصت على نشر صور ضحايا النازية كانت تعي خطورة نشر الجرائم التي أرتكبوها في فلسطين، والأثر الذي ستتركه هذه الصور على المجتمع الغربي الذي لم يزل في أوج دعمه لهم، فحرصت على تفريغ الأرض من الكاميرات وارتكبت مجازرها دون أي رادع أخلاقي، أو غيره.
وبقي الفلسطيني الانسان مغيباً، وبقيت الكاميرا الصهيونية هي المسيطرة.
هم أيضاً بشر :
http://www.arabworldbooks.com/Articles/images/04B.jpg
في نيسان (أبريل) 1956، توجه المصور السويدي بير آولو أندرسون (1921-1980) الى مصر لتغطية العدوان الثلاثي (إسرائيل، فرنسا، بريطانيا) على مصر، ومن هناك عرج على غزة التي كانت تحت الإدارة المصرية. زار أندرسون مخيمات اللاجئين، على رأسها مخيم الشاطئ، وهناك صُعق من هول ما رأى من حياة بؤس يعيشها الشعب الفلسطيني أثر النكبة التي حلت به عام 1948.
وتبدلت الصورة التي اعتملت في مخيلته عن الفلسطيني (إن وجدت) بالحقيقة، حقيقة وجود شعب فلسطيني صاحب للأرض التي رُوج أن لا شعب لها، وحقيقة أن هذا الشعب وقع "ضحية الضحية".
التقط أندرسون مئات الصور الهامة جداً لحياة اللاجئين الفلسطينيين مسلطاً الضوء (وربما له السبق في [نشر] ذلك) على تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين، كاشفاً النقاب عن كينونتهم الإنسانية وعن معاناتهم والقهر والبؤس والظلم والظروف التي يعيشون، وتفاصيل حياتهم اليومية، في المنزل والمدرسة والعيادة، الطفولة والشيخوخة والحرف وغيرها، "مكتشفا" الوجه الإنساني.
توجه اندرسون الى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر طالباً منه تمويل كتاب مصور يحمل الوجه الحقيقي للانسان الفلسطيني في محاولة لدحض الأكاذيب الصهيونية التي سيطرت على الشارع الغربي. وبعد موافقة عبد الناصر توجه أندرسون الى الولايات المتحدة لينشر كتابه "ذي آرهيومان تو" (هم أيضاً بشر)، في خريف 1957 في نيويورك، الأمر الذي كان بمثابة صاعقة للحركة الصهيونية التي "أقامت الدنيا ولم تقعدها" في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي غضون أسابيع قليلة اشترت الحركة جميع نسخ الكتاب ليختفي عن أرفف المكتبات في الولايات المتحدة وغيرها، ولم يتبق منه إلا نسخا نادرة في المتاحف.
هل تعتقد ان التصوير الفوتوغرافي ساهم فعلا على قلب الحقائق وتزوير التاريخ
________________________________________
التصوير الفوتوغرافي بين حداثة الاختراع والغاء الآخر
كيف ساهمت الصورة الفوتوغرافية في انشاء الدولة العبرية
االتصوير الفوتوغرافي، كغيره، كان صرخة في عالم الاختراعات الحديثة التي أفرزتها الثورة الصناعية في أوروبا، جعلت منه أوروبا سلاحاً فعالاً في ممارسة ساديتها على "الشرق" فيما عُرف بـ"الاستشراق". بيد أن الحركة الصهيونة لم تكن تاركة الأمور تسير "على الغارب" فجعلت منه أداة هامة في اقتلاع شعب فلسطين من أرضه، وحاولت مسحه من ذاكرة التاريخ لتزرع جسماً بديلاً عنه بات يُعرف بـ"إسرائيل".
كيف!!
نبدأ من البدايـــــــة
في التاسع عشر من شهر آب عام 1839 أعلن فرانسوا أراغو، زعيم الحزب الجمهوري الفرنسي، عن اختراع التصوير الفوتوغرافي، مشيراً إلى أن هذا الاختراع الجديد سيساهم بشكل كبير في اكتشاف "عجائب الشرق".
تكالب الغرب على هذا الاختراع الجديد، فكان سلاحاً ساعد بشكل جلي في تعبيد الطريق أمام الهجمة الاستشراقية الاستعمارية، وفك رموز افتراضات وايديولوجيات واستيهامات متعلقة بمنطقة من العالم تدعى الشرق. رفع من وتيرتها الصراع بين القطبين الحاكمين (بريطانيا وفرنسا) على اقتسام تركة "الرجل المريض" (الامبراطورية العثمانية) بعد أن بدأ المرض العضال وضع لمساته الأخيره عليه.
فبدأت أوروبا في قراءة ثقافة الشرق مستعينين بالصور الفوتوغرافية في نقل أشكال ورسومات مخطوطات أثرية لقرائتها وتحليلها هناك، ما وفر الكثير من الوقت عبر الاستعاضة به عن النسخ. الأمر ذاته تكرر في نقل الجغرافيا والأماكن المقدسة والأثرية بكل ما احتوت من فنون هندسية معمارية وغيرها.
بعد حوالي ثلاثة أشهر من اعلان آراغو، شد مصورون، وباحثون، أوروبيون رحالهم الى "الشرق"، على رأسهم المصور الفرنسي فريدريك غوبيل فيسك، الذي ابتعثته الخارجية الفرنسية - برفقة الرسام هوراس فيرنيه- في رحلة "علمية" وذلك في السادس من تشرين ثاني/ نوفمبر 1839.
ويُعتبر فيسك أول مصور يدخل فلسطين خلال رحلته الى "بلاد الشرق والأراضي المقدسة". فبعد وصوله الى فلسطين، عبْر مصر، بدأ في التقاط الصور الفوتوغرافية ملتهماً بعدسته أبرز ما يميزها؛ الأماكن المقدسة والتاريخية. وفي الثامن من شهر آب 1850، وصلت القدس بعثة فرنسية تضم المصور ماكسيم دي كومب يرافقه الكاتب غوستاف فلوبير، والتقط المصور اثنتي عشرة صورة لمدينة القدس، نُشرت في كتاب خاص في باريس سنة 1852.
وفي العام (1844) وصل القدس المصور البريطاني الكسندر كيث، الذي التقط عشرات الصور استعان بها في دراسة الصلة بين ما ورد في الكتاب المقدس وجغرافية الأراضي المقدسة، وهذا ما استفاض في شرحه في كتابه "براهين على حقيقة الدين المسيحي". image 06b here
في تلك الفترة، لم تكن الحركة الصهيونية غائبة عما يغزو العالم من تحولات سياسية واقتصادية وفكرية. ففي نفس العام الذي اُعلن فيه عن اختراع التصوير، أطلق اللورد شافتسبري (1801-1885)، أحد دعاة الانجيلية الصهيونية، عام 1839 في مقال نشرته صحيفة "كوارترلي ريفيو"، أكذوبته الشهيرة أن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" التي التقطها زعماء الحركة الصهيونية مستغلين اختراع التصوير لتحويل الأكذوبة الى واقع.
http://www.arabworldbooks.com/Articles/images/03B.jpg
فمن أبرز السمات التي ميزت الصور الفوتوغرافية في تلك الحقبة، هي خلوها من العنصر البشري، فكانت جل الصور تعطي انطباعاً بأن فلسطين أرض خالية من السكان، ويرجع ذلك الى أسباب عقائدية وفنية وغيرها.
فحسب اعتقاد بعض البروتستانت (في تلك الفترة على الأقل) كان هناك اعتقاد مفاده أن فلسطين أرض حلت عليها لعنة الرب لأن المسيح صُلب فيها، بجانب بداية تبلور الحركة المسيحية الصهيونية، التي كان البروستانت مصدرها الأساسي، جعلتهم يلتقطون صوراً تخلو من العنصر البشري، وكأنها أرض لم تطأها قدم انسان وهي على حالها منذ 2000 عام.
في تلك الفترة بدأت الحركة الصهيونية في شراء الصور الأولى لفلسطين ونشرها بين الجاليات اليهودية في العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، وبدأ لعاب اليهود في السيلان للانتقال الى تلك الأرض التي "لم تطأها قدم انسان" منذ صلب المسيح عليه السلام، سيما وأنها (الطائفة اليهودية) في أوروبا كانت طائفة غير مرغوب فيها، يتجنب كل شرائح المجتمع التعامل معها. كانت تعيش في عزلة تامة، غرباء، دخلاء، مكروهين، الأمر الذي شجعهم أيضاً للهروب من مكان لا يحظون فيه بالاحترام.
إن خلو الصورة الفوتوغرافية الأولى لفلسطين، من العنصر البشري لا يلغي بعض الاستثناءات، التي ظهر فيها عائلات فلسطينية. بيد أن صور تلك العائلات كانت تتسم بالطابع الديني أو الامجتمع البدائي؛ فكان معظم الأشخاص يظهرون كقديسين أو رهبان أو رعاة؛ فتحمل ايحاءً لسيدنا عيسى عليه السلام، أما "السكان" فكانوا مجرد حفنة من البدو الرحل الذين مروا بفلسطين خلال ترحالهم بحثاً عن المراعي. بمعنى آخر، لم يكن هناك متسع للمواطنين الفلسطينيين في حياتهم اليومية، سواء الفلاح أوالطبيب أوالمعلم أورجل الأعمال والعامل ..الخ.
سبب فني آخر، ربما، كان له دور في خلو الصور من العنصر البشري؛ هو بطء سرعة غالق العدسة (shutter speed). فعند التقاط صورة لأشخاص في حالة حركة، سيظهرون على شكل أشبه بأشباح، الأمر الذي كان يتجنبه المصورون.
ضربة معلم :
ابان الحرب العالمية الثانية، كانت هجرات اليهود من أوروبا الى فلسطين في أوجها، وزادت الحركة الصهيونية من الاعتماد على الصور الفوتوغرافية التي كانت كسلاح ذو حدين؛ الحد الأول تمثل في نشر صور لضحايا من الطائفة اليهودية الذين تعرضوا للممارسات النازية، الأمر الذي جعل المجتمع الأوروبي يقع في "عقدة الذنب" تجاه هذه الطائفة، وتعزيز الفكرة لديهم بوجوب مساعدتهم تكفيراً لهذا الذنب. أما الحد الثاني فكان تعزيز نشر صور "أرض الميعاد" الخالية من السكان لتشجيع أبناء الطائفة اليهودية للرحيل إليها.
بدأ المهاجرون اليهود يتدفقون الى فلسطين، وارتفعت وتيرة اقامة المستعمرات الصهيونية، وأمدتهم أوروبا، وخصوصاً بريطانيا، بالآلات الصناعية والزراعية الحديثة والسلاح، فأقيمت المزارع الخضراء والمباني داخل المستعمرات، وهنا أيضاً كانت للحركة الصهيونية "ضربة معلم" جديدة على صعيد التصوير الفوتوغرافي.
آلاف الصور التقطها مصورون صهاينة لمزارعهم ومنشآتهم الجديدة وصدروها الى أوروبا لدعايتهم الجديدة في ابراز قدرة المهاجرين اليهود على تحويل "الأرض اليباب" الى جنات عدن، فكانت هذه الصور ذو أثر مزدوج وذلك بتشجيع الطائفة اليهودية للرحيل الى فلسطين
إن الحركة الصهيونية التي حرصت على نشر صور ضحايا النازية كانت تعي خطورة نشر الجرائم التي أرتكبوها في فلسطين، والأثر الذي ستتركه هذه الصور على المجتمع الغربي الذي لم يزل في أوج دعمه لهم، فحرصت على تفريغ الأرض من الكاميرات وارتكبت مجازرها دون أي رادع أخلاقي، أو غيره.
وبقي الفلسطيني الانسان مغيباً، وبقيت الكاميرا الصهيونية هي المسيطرة.
هم أيضاً بشر :
http://www.arabworldbooks.com/Articles/images/04B.jpg
في نيسان (أبريل) 1956، توجه المصور السويدي بير آولو أندرسون (1921-1980) الى مصر لتغطية العدوان الثلاثي (إسرائيل، فرنسا، بريطانيا) على مصر، ومن هناك عرج على غزة التي كانت تحت الإدارة المصرية. زار أندرسون مخيمات اللاجئين، على رأسها مخيم الشاطئ، وهناك صُعق من هول ما رأى من حياة بؤس يعيشها الشعب الفلسطيني أثر النكبة التي حلت به عام 1948.
وتبدلت الصورة التي اعتملت في مخيلته عن الفلسطيني (إن وجدت) بالحقيقة، حقيقة وجود شعب فلسطيني صاحب للأرض التي رُوج أن لا شعب لها، وحقيقة أن هذا الشعب وقع "ضحية الضحية".
التقط أندرسون مئات الصور الهامة جداً لحياة اللاجئين الفلسطينيين مسلطاً الضوء (وربما له السبق في [نشر] ذلك) على تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين، كاشفاً النقاب عن كينونتهم الإنسانية وعن معاناتهم والقهر والبؤس والظلم والظروف التي يعيشون، وتفاصيل حياتهم اليومية، في المنزل والمدرسة والعيادة، الطفولة والشيخوخة والحرف وغيرها، "مكتشفا" الوجه الإنساني.
توجه اندرسون الى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر طالباً منه تمويل كتاب مصور يحمل الوجه الحقيقي للانسان الفلسطيني في محاولة لدحض الأكاذيب الصهيونية التي سيطرت على الشارع الغربي. وبعد موافقة عبد الناصر توجه أندرسون الى الولايات المتحدة لينشر كتابه "ذي آرهيومان تو" (هم أيضاً بشر)، في خريف 1957 في نيويورك، الأمر الذي كان بمثابة صاعقة للحركة الصهيونية التي "أقامت الدنيا ولم تقعدها" في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي غضون أسابيع قليلة اشترت الحركة جميع نسخ الكتاب ليختفي عن أرفف المكتبات في الولايات المتحدة وغيرها، ولم يتبق منه إلا نسخا نادرة في المتاحف.
هل تعتقد ان التصوير الفوتوغرافي ساهم فعلا على قلب الحقائق وتزوير التاريخ
________________________________________