Dark Master 12
11-03-2005, 03:41 PM
أبشر.. أيها المريض
د. محمد الركبان
راجعها فضيلة الشيخ: عبد الله بن جبرين
الحمد لله مقدرالأقدار، وكاشف الأسقام، ودافع الأكدار..والصلاة والسلام على نبيه المختار،وآله الكرام وصحبه الأخيار..أما بعد:
فإلى من شاء الله ابتلاءهمبالشدائد والكروب..وإلى من أراد تمحيصهم بالأسقام علام الغيوب..فذاك مريضفقد صحته..وآخر حار في معرفة سقمه وفهم علته..وثالث خارت قواه وزالتبشاشته..وهم- مع ذلك-...ذاكرون شاكرون، وصابرون محتسبون.. وتأملوا قولالنبي صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمرالمؤمن ، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، وإن أصابته سراء شكر، فكانخيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [رواه مسلم]. فوعوا الخطاب، وأعدواله محكم الجواب..فكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمةحرمانه شفاؤه.. { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أنتحبوا شيئا وهو شر لكم} [البقرة:216]أخي المريض.. شفاك اللهوعافاك، ومن كل سقم وبلاء حماك..قلب طرفك في هذه العجالة، وجل ببصرك بما فيهامن عبارة ومقالة..فهي وقفات مطعمة بنور الوحي، ومعطرة بعبير الرسالة..أسألالله تعالى أن يجعل في ذكرها عزاء، وفي دعائها شفاء، وفي أحكامها غناء.
الوقفة الأولى.. المتاع الزائل:.. تلكم هي الدنيا التي اغتر بهاكثير من الناس فجعلها منتهى أمله، وأكبر همه..وصفها ربها بقوله : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب} [العنكبوت: 64] {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد: 20].
وبين خليله صلى الله عليه وسلم حاله معها بقوله : «ما أنا في الدنياإلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» [رواه الترمذي]. ذلك أنه عرف منزلتها، وتبين له دنوهاوحقارتها.
قال صلى الله عليه وسلم : «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناحبعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء» [رواه الترمذي]. وهي مع ذلك لا يدوم لها حال، إن أضحكتقليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما ساءت أياما ودهورا. لا يسلم العبد فيها من سقميكدر صفو حياته، أو مرض يوهن قوته ويعكر بياته..ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوفلعمري عن قليل يلومهاولذلك كانت وصية من عرف قدرها صلى الله عليه وسلم : «كن في الدنيا كأنكغريب أو عابر سبيل» [رواهالبخاري]
وهكذا.. من عرف حقيقة الدنيا زهد فيها.. ومن زهد فيها هانت عليهأكدارها ومصائبها.
الوقفة الثانية.. البلاء عنوان المحبة:عنأنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن عظم الجزاء مععظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط» [رواهالترمذي]
فالبلاء والأسقام إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه ورزقه صبراعليها كانت علامة خير ومحبة.
قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد اللهبعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا.. » [رواه الترمذي].
ومن تأمل سير الأنبياء والرسلعليهم الصلاة والسلام- وهم من أحب الخلق إلى الله- وجد البلاء طريقهم، والشدةوالمرض ديدنهم..
دخل عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- على الرسول الله صلىالله عليه وسلم وهو يوعك، فقال: يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، قال صلى اللهعليه وسلم : «أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم.. » [متفق عليه]
وسأله سعد بن أبيوقاص- رضي الله عنه-: أي الناس أشد بلاء؟، قال صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاءالأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسن دينه، فإن كان دينه صلبا اشتدبلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركهيمشي على الأرض ما عليه خطيئة» [رواه الترمذي]لقد تأمل السلف هذه العبارة، وأدركوا مافيها من إشارة.. فعدوا البلاء نعمة، والمرض والشدة بشارة..
ولهذا لما مروهب بمبتلى، أعمى مجذوم، مقعد عريان، به وضح، كان يقول: الحمد لله على نعمه، فقالرجل كان مع وهب: أي شيء بقي عليك من النعمة تحمد الله عليها؟ فقال له المبتلى: ارمببصرك إلى أهل المدينة، فانظر إلى أكثر أهلها، أفلا أحمد الله أنه ليس فيها أحديعرفه غيري.
الوقفة الثالثة.. البلاء طريق الجنة:.. إن الأمراضوالأسقام من جملة ما يبتلي الله تعالى به عباده، امتحانا لصبرهم، وتمحيصالإيمانهم.. بل هي- لمن وفق لحسن التأمل والتدبر- نعمة عظيمة توجب الشكر..
قال تعالى: { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص منالأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للهوإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155- 157].
الله أكبر.. أي فضل بعد صلوات الرب ورحمته وهداه؟
وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : «يودأهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت فيالدنيا بالمقارض» [رواهالترمذي]
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : «ما منمسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به من سيئاته كما تحط الشحرة من ورقها» [رواه مسلم]
وعنأبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما يزال البلاءبالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» [رواهالترمذي]
وأتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإنيأتكشف فادع الله تعالى لي، فقال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك»، فقالت: أصبر.. [متفقعليه].
ودخل صلى الله عليه وسلم على أم السائب، فقال: «مالك يا أم السائبتزفزفين؟»، قالت: الحمى لابارك الله فيها، فقال: «لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبثالحديد» [رواهمسلم]
قال ابن أبي الدنيا: كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة ما مضى من الذنوب.
أخي الحبيب.. لعل لك عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بعملك، فما يزال اللهتعالى يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما ابتلاك به، حتى تبلغ تلك المنزلة..فلمالحزن إذا؟!
الوقفة الرابعة.. الأجر الجاري..من لطف الله تعالىورحمته أنه لا يغلق بابا من أبواب الخير إلا فتح لصاحبه أبوابا.. فعلاوة على مايكتب للمرضى من الأجر جزاء ما أصابهم من شدة ومرض وصبرهم عليه، لا يحرمهم ثواب مااعتادوا فعله من الطاعات إذا قصروا عنها بسبب المرض. فعن أبي موسى الأشعري- رضيالله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالىله من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما» [رواه البخاري]
يتبع................
د. محمد الركبان
راجعها فضيلة الشيخ: عبد الله بن جبرين
الحمد لله مقدرالأقدار، وكاشف الأسقام، ودافع الأكدار..والصلاة والسلام على نبيه المختار،وآله الكرام وصحبه الأخيار..أما بعد:
فإلى من شاء الله ابتلاءهمبالشدائد والكروب..وإلى من أراد تمحيصهم بالأسقام علام الغيوب..فذاك مريضفقد صحته..وآخر حار في معرفة سقمه وفهم علته..وثالث خارت قواه وزالتبشاشته..وهم- مع ذلك-...ذاكرون شاكرون، وصابرون محتسبون.. وتأملوا قولالنبي صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمرالمؤمن ، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، وإن أصابته سراء شكر، فكانخيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [رواه مسلم]. فوعوا الخطاب، وأعدواله محكم الجواب..فكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمةحرمانه شفاؤه.. { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أنتحبوا شيئا وهو شر لكم} [البقرة:216]أخي المريض.. شفاك اللهوعافاك، ومن كل سقم وبلاء حماك..قلب طرفك في هذه العجالة، وجل ببصرك بما فيهامن عبارة ومقالة..فهي وقفات مطعمة بنور الوحي، ومعطرة بعبير الرسالة..أسألالله تعالى أن يجعل في ذكرها عزاء، وفي دعائها شفاء، وفي أحكامها غناء.
الوقفة الأولى.. المتاع الزائل:.. تلكم هي الدنيا التي اغتر بهاكثير من الناس فجعلها منتهى أمله، وأكبر همه..وصفها ربها بقوله : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب} [العنكبوت: 64] {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد: 20].
وبين خليله صلى الله عليه وسلم حاله معها بقوله : «ما أنا في الدنياإلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» [رواه الترمذي]. ذلك أنه عرف منزلتها، وتبين له دنوهاوحقارتها.
قال صلى الله عليه وسلم : «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناحبعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء» [رواه الترمذي]. وهي مع ذلك لا يدوم لها حال، إن أضحكتقليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما ساءت أياما ودهورا. لا يسلم العبد فيها من سقميكدر صفو حياته، أو مرض يوهن قوته ويعكر بياته..ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوفلعمري عن قليل يلومهاولذلك كانت وصية من عرف قدرها صلى الله عليه وسلم : «كن في الدنيا كأنكغريب أو عابر سبيل» [رواهالبخاري]
وهكذا.. من عرف حقيقة الدنيا زهد فيها.. ومن زهد فيها هانت عليهأكدارها ومصائبها.
الوقفة الثانية.. البلاء عنوان المحبة:عنأنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن عظم الجزاء مععظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط» [رواهالترمذي]
فالبلاء والأسقام إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه ورزقه صبراعليها كانت علامة خير ومحبة.
قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد اللهبعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا.. » [رواه الترمذي].
ومن تأمل سير الأنبياء والرسلعليهم الصلاة والسلام- وهم من أحب الخلق إلى الله- وجد البلاء طريقهم، والشدةوالمرض ديدنهم..
دخل عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- على الرسول الله صلىالله عليه وسلم وهو يوعك، فقال: يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، قال صلى اللهعليه وسلم : «أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم.. » [متفق عليه]
وسأله سعد بن أبيوقاص- رضي الله عنه-: أي الناس أشد بلاء؟، قال صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاءالأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسن دينه، فإن كان دينه صلبا اشتدبلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركهيمشي على الأرض ما عليه خطيئة» [رواه الترمذي]لقد تأمل السلف هذه العبارة، وأدركوا مافيها من إشارة.. فعدوا البلاء نعمة، والمرض والشدة بشارة..
ولهذا لما مروهب بمبتلى، أعمى مجذوم، مقعد عريان، به وضح، كان يقول: الحمد لله على نعمه، فقالرجل كان مع وهب: أي شيء بقي عليك من النعمة تحمد الله عليها؟ فقال له المبتلى: ارمببصرك إلى أهل المدينة، فانظر إلى أكثر أهلها، أفلا أحمد الله أنه ليس فيها أحديعرفه غيري.
الوقفة الثالثة.. البلاء طريق الجنة:.. إن الأمراضوالأسقام من جملة ما يبتلي الله تعالى به عباده، امتحانا لصبرهم، وتمحيصالإيمانهم.. بل هي- لمن وفق لحسن التأمل والتدبر- نعمة عظيمة توجب الشكر..
قال تعالى: { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص منالأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للهوإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155- 157].
الله أكبر.. أي فضل بعد صلوات الرب ورحمته وهداه؟
وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : «يودأهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت فيالدنيا بالمقارض» [رواهالترمذي]
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : «ما منمسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به من سيئاته كما تحط الشحرة من ورقها» [رواه مسلم]
وعنأبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما يزال البلاءبالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» [رواهالترمذي]
وأتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإنيأتكشف فادع الله تعالى لي، فقال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك»، فقالت: أصبر.. [متفقعليه].
ودخل صلى الله عليه وسلم على أم السائب، فقال: «مالك يا أم السائبتزفزفين؟»، قالت: الحمى لابارك الله فيها، فقال: «لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبثالحديد» [رواهمسلم]
قال ابن أبي الدنيا: كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة ما مضى من الذنوب.
أخي الحبيب.. لعل لك عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بعملك، فما يزال اللهتعالى يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما ابتلاك به، حتى تبلغ تلك المنزلة..فلمالحزن إذا؟!
الوقفة الرابعة.. الأجر الجاري..من لطف الله تعالىورحمته أنه لا يغلق بابا من أبواب الخير إلا فتح لصاحبه أبوابا.. فعلاوة على مايكتب للمرضى من الأجر جزاء ما أصابهم من شدة ومرض وصبرهم عليه، لا يحرمهم ثواب مااعتادوا فعله من الطاعات إذا قصروا عنها بسبب المرض. فعن أبي موسى الأشعري- رضيالله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالىله من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما» [رواه البخاري]
يتبع................