King Of Death
21-03-2005, 10:09 PM
الغدر والإرهاب لإصلاح أم جهاد...؟
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرساه الله تعالى بين يدى الساعه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلغ الرساله وأدى الأمانه ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاده وترك أمته على بيضاء نقيه لا يزيغ عنها إلا هالك .
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فــ
(( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً))
عباد الله .. إن دين الأسلام الذي ارتضاه الله لكم وبعث به خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم إنه لدين الوفاء ، دين الأمانه ، دين العدل، دين الصدق، دين البر، دين الصله ، قال الله عزوجل((وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً))
وقال تعالى (( ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود))
وقال تعالى ((ياأيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ))
وقال تعالى ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا )) ـ أى لايحملكم بغض قوم على عدم العدل ـ (( أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون ))
وقال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ))
وقال عزوجل (( واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ))
وقال تعالى (( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ))
وإن دين الإسلام كما يأمر بالأخلاق الفاضلة والآداب العادلة ، فإنه يحارب الغدر والخيانه والجور والكذب
والعقوق والقطيعه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من الأخلاق السيئة :(( أربع من كن قيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كن فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ، قلنا : بلى يا رسول الله ! قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين )) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( لايدخل الجنة قاطع )) يعني قاطع رحم . فالإسلام دين الفضيلة ، دين الأخلاق ، إنه يحارب الرذيله .
عباد الله إن الوفاء بالعهد من أخلاق الإسلام الفاضله التى أمر الله بها وحث عليها ومدح عليها ،وإن الغدر والخيانه من الأخلاق الذميمة التى حرمتها الشرائع وتنفر منها الطبائع ، وإن من أعظم الغدر قتل النفس التى المحرمة هى نفس المؤمن فقط ، بل النفوس التى حرمها الله عزوجا ، وحرم قتلها ، أربع أنفس : نفس المسلم ، ونفس الكافر الذمي ، ونفس الكافر المعاهد ، ونفس الكافر المستأمن .
وأما الذمي والمعاهد فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال (( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ،وأن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً)) رواه بخاري في صحيحه.
وروى البخارى أيضاً عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم](( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصيب دماً حراماً ))
وقد علمتم الدماء المحرمة وأنها أربعة أصناف ، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لن يزال في فسحة في دينه مالم يصب دماً حراماً)) قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما :( إن من ورطات الأمور التي لامخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) أخرجه البخاري أيضاً.
ولقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما أن من ورطات الأمور التي لامخرج لمن أوقع نفسه فيها أن يسفك الإنسان الدم الحرام بغير حله وإن دم المعاهدحرام وسفكه من الكبائر الذنوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر من قتله لم يرح رائحة الجنة ، وكل ذنب توعد الله عليه في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فإنه من كبائر الذنوب .
وأما المستأمن فقد قال الله عزوجل في كتابه (( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اله ثم أبلغه مأمنه )) أى إجعله في حماية منك حتى يبلغ المكان الآمن في بلده .
وفي الصحيح البخارى ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لايقبل منه صرف ولا عدل ))
ومعنى الحديث أن الإنسان المسلم إذا أمن إنساناً وجعله في عهده فإن ذمته ذمة للمسلمين جميعاً من أخفرها وغدربها الذي أعطى الأمان من المسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وإننا لنعلن من لعنة الله ورسوله وملائكة وأنه لايقبل منه صرف ولاعدل.
وفي الصحيح البخاري أن أم هانيء بنت أبي طالب رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فسلمت عليه فقال :((من هذه )) فقالت : أم هانئ بنت أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((مرحباً بأم هانيء)) .فقالت : يارسول الله زعم ابن أمي عليُُُُُُ ُ ـــ تعني علي بن أبي طالب ــ أنه قاتل رجلاً قد أجرته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ )) فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم أمان المرأة وجعل أمانها عاصماً لدم المشرك ، وعلى هذا فمن كان عندنا من الكفار بأمان فهو محترم ، محرم الدم ، وبذلك نعرف خطأ عملية التفجير التي وقعت في الخبر في مكان آهل بالسكان المعصومين في دمائهم وأموالهم ، ليلة الأربعاء العاشر من هذا الشهر شهر صفر عام سبعة عشر وأربعمائة وألف ، الذي حصل من جرائة أكثر من ثمانية عشر قتيلا ً وثلاثمائة وستة وثمانين مصابا ، منهم المسلمون والأطفال والنساء والشيوخ والكهول والشباب ، وتلف من جراء ذلك أموال ومساكن كثيرة ولاشك أن هذه العملية لايقرها شرع ولاعقل ولافظره .
أما الشرع فقد استمعتم إلى النصوص القرآنيه والنبويه الدالة على وجوب احترام المسلمين في دمائهم وأموالهم ، وكذلك الكفار الذين لهم ذمة أو عهد أو أمان ، وأن هؤلاء المعاهدين والمستأمنين والذميين إحترمهم من محاسن الدين الإسلامي ، ولا يلزم من إحترامهم بمقتضى عهودهم لايلزم ذلك محبة ولا ولاء ومناصرة ، ولكنه الوفاء بالعهد إن العهد كان مسؤولاً .
وأما العقل فلأن الإنسان العاقل لن يتصرف أبدأً في شيء محرم لأنه يعلم سوء النتيجة والعاقبة ، وإن الإنسان العاقل لن يتصرف في شيء مباح حتى يتبينله ما نتيجته ، وماذا يترتب عليه ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم من مقتضيات الإيمان وكماله أن لايقول اٌنسان إلا خيراً أو ليسكت .
فكذلك يقال : إن من مقتضيات الإيمان وكماله أن لايفعل الإنسان إلا خيراً أو ليمسك ، ولاشك أن هذه
الفعلة الشنيعة يترتب عليها من المفاسد ما سنذكر ما تيسر منه إن شاء الله .
وأما مخالفة هذه الفعلة الشنيعة للفطرة ، فإن كل ذي فطرة سليمة يكره العدوان على الغير ويراه من المنكر
، فما ذنب المصابين بهذا الحادث من المسلمين ؟ ما ذنب الآمنين على فرشهم في بيوتهم أن يصابوا بهذا الحادث المؤلم ؟
ماذنب المصابين من المعاهدين والمستتأمنين ؟
ماذنب الأطفال والشيوخ والعجائز ؟
إنه لحادث منكر لامبرر له!!
أما المفاســــد ،
فأولاً:
من مفاسد ذلك : أنه معصية لله ورسوله واتهاك لحرمات الله وتعرض للعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأن لايقبل من فاعله صرف ولاعدل .
ثــانـيــاً
من مفاسده تشويه سمعة الإسلام ، فإن أعداء الإسلام سوف يستغلون مثل هذا الحدث بتشويه سمعة الإسلام وتنفير الناس عنه مع أن الإسلام برئ من ذلك ، فأخلاق الإسلام صدق وبر ووفاء ، والدين الإسلامي يحذر من هذا وأمثاله أشد التحذير .
ثـالـثـــاً
من مفاسده أن أصابع في الداخل والخارج سوف تشير إلى أن هذا من صنع الملتزمين بالإسلام مع أننا نعلم علم اليقين أن الملتزمين بشريعة الله حقيقة لن يقبلوا مثل ذلك ، ولن يرضوا به أبداً ، بل يتبرءون منه وينكرونه أعظم إنكار لأن الملتزم بدين الله حقيقة هو الذي يقوم بدين الله على مايريد الله لا على ما تهواه نفسه ويملي عليه ذوقه المبني على العاطفة الهوجاء والمنهج المنحرف وهذا ـــ أعني الالتزام الموافق للشريعة ــ كثير في شبابنا ولله الحمد .
رابــعــاً
من مفاسده أن كثيراً من العامة الجاهلين بحقيقة الالتزام بدين الله سوف ينظرون إلى كثير من الملتزمين البراء من هذا الصنيع نظرة عداء وتخوف وحذر وتحذير كما سمعنا عن بعض جهال العوام من تحذير أبنائهم من الالتزام لاسيما بعد أ،شاهدوا صور الذين حكم عليهم في قضية تفجير المتفجرات في الرياض .
وإنني أيها الإخوة بهذا المناسبة لأعجب من أقوام أطلقوا ألسنتهم بشأن الحكم فيهم مع أن هذا الحكم صادر بأقوى طرق الحكم ، فقد صدر من عدد من قضاة المحكمة الذين يؤتمنون على دماء الناسوأموالهم وفروجهم
وأُيدَ الحكم ُ بموافقة هيئة التمييز ثم بموافقة المجلس الأعلى للقضاء ثم جرى تنفيذه من قبل ولى أمر هذه البلاد .
أفبعد هذا يمكن أنيطلق المسلم الذي يؤمن بالله وكلماته أن يطلق لسانه في هذا الحكم ويقول ما هو أقرب منه إلى الإثم من السلامة، وإذا كان الإنسان يقول هذا الحكم الصادر بأقوى أدوات الحكم وطرقه يقول ما يقول فإنه يمكن أن يقول فيما دونه ما يقول ، ومن المعلوم للخاصة والعامة أن بلادنا ولله الحمد أقوى بلاد العالم الآن في الحكم بما أنزل الله عزوجل يشهد بذلك القاضي والداني وإني لأظن أنه لوكان على أحد من أهله ضرر من هذا التفجير لم يقل ماقال ، وإذا تنزلنا جدلاً لما يقول هؤلاء فإن الحاكم الذي حكم بذلك مغفور له مأجور بأجر واحد كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما إذا اجتهد الحاكم فأخظأ، والحكم الصادر نكال لمن حاول الفساد والإفساد في هذه البلاد والحكوم عليهم قضوا ما قدر لهم من حياة ، ويثابون على ماحصل لهم من فوات ، ولكن لا شك أننا في بلادنا واثقون بما صدر من حكامنا القاضين والمنفذين . نسأل الله تعالى أن يسددهم في أقوالهم وأعمالهم.
خـــامـــســــاً
من المفاسد هذه الفعلهالقبيحه ــ أعني التفجير في الخبر ــ أنها توجب الفوضى في هذه البلاد التي ينبغي أنتكون أقوى بلاد العالم في الأمن والاستقرار ، لأنها تشمل بيت الله الذي جعله مثابة للناس وأمناً ، ولأن فيها الكعبة البيت الحرام التي جعلها الله قياماً للناس تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم ، قال تعالى (( وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا))
وقال تعالى (( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس ))
ومن المعلوم أن الناس لن يصلوا إلى هذا البيت إلا عن طريق المرور بهذه البلاد جميعها من إحدى الجهات
ســـادســـاً
ومن مفاسد هذه الفعلة الشنيعة ماحصل بها من تلف النفوس والأموال وتضرر شيء منها كما شاهد الناس ذلك في الوسائل لإعلام ؛ شاهد الناس ذلك في الوسائل ماشاهدوا منها ، وإن القلوب لتتفجر والأكباد لتتفتت ، والموع لتذذرف حين يشاهد الإنسانُ الأطفال على سرر التمريض مابين مصاب بعينه أو بأذنه أو يده أو رجله أو أى جزء من أجزاء بدنه تدور أعينهم فيمن يعودهم لا يملكون رفعاً لما وقع ولا ويتوقع فهل أحد يقر ذلك أو يرضى به؟
هل ضمير لايتحرك لمثل هذه الفواجع ؟ ولا أدري ماذا يراد من هذه الفعله ، أيراد الإصلاح ؟
فالإصلاح لايأتي بمثل هذا ، إن السيئة لاتأتي بحسنة ولن تكون الوسائل السيئة طرقاً لإصلاح أبداً ، فكيف يطهر القذر بما هو أقذر منه ، وإننا وغيرنا من ذوى الخبره والإنصاف ليعلمُ أن بلادنا ولله الحمد خيرُ بلاد المسلمين اليوم في الحكم بما أنزل الله ، وفي اجتناب سفاسف الأمور ودمار الأخلاق ليس في بلادنا ولله الحمد قبورُ ُ يُطافُ بها وتعبد ، وليس فيها الخمور تباع علنا وتشرب ، وليس فيها كنائس ظاهرة يُعبد فيها غير الله عزوجل ، وليس فيها مما هو معلوم في كثير من بلاد المسلمين اليوم ، فهل يليق به أن ينقل الفتن إلى بلادنا ؟ ألا فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً وليفعلوا فعلاً حميداً
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا بانتظار فريضة من فرائض أن تقضي على الفساد والمفسدين ، اللهم اقض على الفساد والمفسدين ، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم وتدبيرهم تدميراً عليهم يارب العالمين ، اللهم إنا نسألك أن تقضي بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم قنا شرور أنفسنا وشرور عبادك ، وأدم على بلادنا أمنها وزدها صلاحاً وإصلاحاً ، إنك على كل شيء قدير .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة للشيخ / محمدبن صالح الثيمين (رحمه الله )
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرساه الله تعالى بين يدى الساعه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلغ الرساله وأدى الأمانه ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاده وترك أمته على بيضاء نقيه لا يزيغ عنها إلا هالك .
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فــ
(( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً))
عباد الله .. إن دين الأسلام الذي ارتضاه الله لكم وبعث به خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم إنه لدين الوفاء ، دين الأمانه ، دين العدل، دين الصدق، دين البر، دين الصله ، قال الله عزوجل((وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً))
وقال تعالى (( ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود))
وقال تعالى ((ياأيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ))
وقال تعالى ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا )) ـ أى لايحملكم بغض قوم على عدم العدل ـ (( أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون ))
وقال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ))
وقال عزوجل (( واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ))
وقال تعالى (( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ))
وإن دين الإسلام كما يأمر بالأخلاق الفاضلة والآداب العادلة ، فإنه يحارب الغدر والخيانه والجور والكذب
والعقوق والقطيعه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من الأخلاق السيئة :(( أربع من كن قيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كن فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ، قلنا : بلى يا رسول الله ! قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين )) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( لايدخل الجنة قاطع )) يعني قاطع رحم . فالإسلام دين الفضيلة ، دين الأخلاق ، إنه يحارب الرذيله .
عباد الله إن الوفاء بالعهد من أخلاق الإسلام الفاضله التى أمر الله بها وحث عليها ومدح عليها ،وإن الغدر والخيانه من الأخلاق الذميمة التى حرمتها الشرائع وتنفر منها الطبائع ، وإن من أعظم الغدر قتل النفس التى المحرمة هى نفس المؤمن فقط ، بل النفوس التى حرمها الله عزوجا ، وحرم قتلها ، أربع أنفس : نفس المسلم ، ونفس الكافر الذمي ، ونفس الكافر المعاهد ، ونفس الكافر المستأمن .
وأما الذمي والمعاهد فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال (( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ،وأن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً)) رواه بخاري في صحيحه.
وروى البخارى أيضاً عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم](( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصيب دماً حراماً ))
وقد علمتم الدماء المحرمة وأنها أربعة أصناف ، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لن يزال في فسحة في دينه مالم يصب دماً حراماً)) قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما :( إن من ورطات الأمور التي لامخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) أخرجه البخاري أيضاً.
ولقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما أن من ورطات الأمور التي لامخرج لمن أوقع نفسه فيها أن يسفك الإنسان الدم الحرام بغير حله وإن دم المعاهدحرام وسفكه من الكبائر الذنوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر من قتله لم يرح رائحة الجنة ، وكل ذنب توعد الله عليه في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فإنه من كبائر الذنوب .
وأما المستأمن فقد قال الله عزوجل في كتابه (( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اله ثم أبلغه مأمنه )) أى إجعله في حماية منك حتى يبلغ المكان الآمن في بلده .
وفي الصحيح البخارى ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لايقبل منه صرف ولا عدل ))
ومعنى الحديث أن الإنسان المسلم إذا أمن إنساناً وجعله في عهده فإن ذمته ذمة للمسلمين جميعاً من أخفرها وغدربها الذي أعطى الأمان من المسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وإننا لنعلن من لعنة الله ورسوله وملائكة وأنه لايقبل منه صرف ولاعدل.
وفي الصحيح البخاري أن أم هانيء بنت أبي طالب رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فسلمت عليه فقال :((من هذه )) فقالت : أم هانئ بنت أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((مرحباً بأم هانيء)) .فقالت : يارسول الله زعم ابن أمي عليُُُُُُ ُ ـــ تعني علي بن أبي طالب ــ أنه قاتل رجلاً قد أجرته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ )) فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم أمان المرأة وجعل أمانها عاصماً لدم المشرك ، وعلى هذا فمن كان عندنا من الكفار بأمان فهو محترم ، محرم الدم ، وبذلك نعرف خطأ عملية التفجير التي وقعت في الخبر في مكان آهل بالسكان المعصومين في دمائهم وأموالهم ، ليلة الأربعاء العاشر من هذا الشهر شهر صفر عام سبعة عشر وأربعمائة وألف ، الذي حصل من جرائة أكثر من ثمانية عشر قتيلا ً وثلاثمائة وستة وثمانين مصابا ، منهم المسلمون والأطفال والنساء والشيوخ والكهول والشباب ، وتلف من جراء ذلك أموال ومساكن كثيرة ولاشك أن هذه العملية لايقرها شرع ولاعقل ولافظره .
أما الشرع فقد استمعتم إلى النصوص القرآنيه والنبويه الدالة على وجوب احترام المسلمين في دمائهم وأموالهم ، وكذلك الكفار الذين لهم ذمة أو عهد أو أمان ، وأن هؤلاء المعاهدين والمستأمنين والذميين إحترمهم من محاسن الدين الإسلامي ، ولا يلزم من إحترامهم بمقتضى عهودهم لايلزم ذلك محبة ولا ولاء ومناصرة ، ولكنه الوفاء بالعهد إن العهد كان مسؤولاً .
وأما العقل فلأن الإنسان العاقل لن يتصرف أبدأً في شيء محرم لأنه يعلم سوء النتيجة والعاقبة ، وإن الإنسان العاقل لن يتصرف في شيء مباح حتى يتبينله ما نتيجته ، وماذا يترتب عليه ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم من مقتضيات الإيمان وكماله أن لايقول اٌنسان إلا خيراً أو ليسكت .
فكذلك يقال : إن من مقتضيات الإيمان وكماله أن لايفعل الإنسان إلا خيراً أو ليمسك ، ولاشك أن هذه
الفعلة الشنيعة يترتب عليها من المفاسد ما سنذكر ما تيسر منه إن شاء الله .
وأما مخالفة هذه الفعلة الشنيعة للفطرة ، فإن كل ذي فطرة سليمة يكره العدوان على الغير ويراه من المنكر
، فما ذنب المصابين بهذا الحادث من المسلمين ؟ ما ذنب الآمنين على فرشهم في بيوتهم أن يصابوا بهذا الحادث المؤلم ؟
ماذنب المصابين من المعاهدين والمستتأمنين ؟
ماذنب الأطفال والشيوخ والعجائز ؟
إنه لحادث منكر لامبرر له!!
أما المفاســــد ،
فأولاً:
من مفاسد ذلك : أنه معصية لله ورسوله واتهاك لحرمات الله وتعرض للعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأن لايقبل من فاعله صرف ولاعدل .
ثــانـيــاً
من مفاسده تشويه سمعة الإسلام ، فإن أعداء الإسلام سوف يستغلون مثل هذا الحدث بتشويه سمعة الإسلام وتنفير الناس عنه مع أن الإسلام برئ من ذلك ، فأخلاق الإسلام صدق وبر ووفاء ، والدين الإسلامي يحذر من هذا وأمثاله أشد التحذير .
ثـالـثـــاً
من مفاسده أن أصابع في الداخل والخارج سوف تشير إلى أن هذا من صنع الملتزمين بالإسلام مع أننا نعلم علم اليقين أن الملتزمين بشريعة الله حقيقة لن يقبلوا مثل ذلك ، ولن يرضوا به أبداً ، بل يتبرءون منه وينكرونه أعظم إنكار لأن الملتزم بدين الله حقيقة هو الذي يقوم بدين الله على مايريد الله لا على ما تهواه نفسه ويملي عليه ذوقه المبني على العاطفة الهوجاء والمنهج المنحرف وهذا ـــ أعني الالتزام الموافق للشريعة ــ كثير في شبابنا ولله الحمد .
رابــعــاً
من مفاسده أن كثيراً من العامة الجاهلين بحقيقة الالتزام بدين الله سوف ينظرون إلى كثير من الملتزمين البراء من هذا الصنيع نظرة عداء وتخوف وحذر وتحذير كما سمعنا عن بعض جهال العوام من تحذير أبنائهم من الالتزام لاسيما بعد أ،شاهدوا صور الذين حكم عليهم في قضية تفجير المتفجرات في الرياض .
وإنني أيها الإخوة بهذا المناسبة لأعجب من أقوام أطلقوا ألسنتهم بشأن الحكم فيهم مع أن هذا الحكم صادر بأقوى طرق الحكم ، فقد صدر من عدد من قضاة المحكمة الذين يؤتمنون على دماء الناسوأموالهم وفروجهم
وأُيدَ الحكم ُ بموافقة هيئة التمييز ثم بموافقة المجلس الأعلى للقضاء ثم جرى تنفيذه من قبل ولى أمر هذه البلاد .
أفبعد هذا يمكن أنيطلق المسلم الذي يؤمن بالله وكلماته أن يطلق لسانه في هذا الحكم ويقول ما هو أقرب منه إلى الإثم من السلامة، وإذا كان الإنسان يقول هذا الحكم الصادر بأقوى أدوات الحكم وطرقه يقول ما يقول فإنه يمكن أن يقول فيما دونه ما يقول ، ومن المعلوم للخاصة والعامة أن بلادنا ولله الحمد أقوى بلاد العالم الآن في الحكم بما أنزل الله عزوجل يشهد بذلك القاضي والداني وإني لأظن أنه لوكان على أحد من أهله ضرر من هذا التفجير لم يقل ماقال ، وإذا تنزلنا جدلاً لما يقول هؤلاء فإن الحاكم الذي حكم بذلك مغفور له مأجور بأجر واحد كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما إذا اجتهد الحاكم فأخظأ، والحكم الصادر نكال لمن حاول الفساد والإفساد في هذه البلاد والحكوم عليهم قضوا ما قدر لهم من حياة ، ويثابون على ماحصل لهم من فوات ، ولكن لا شك أننا في بلادنا واثقون بما صدر من حكامنا القاضين والمنفذين . نسأل الله تعالى أن يسددهم في أقوالهم وأعمالهم.
خـــامـــســــاً
من المفاسد هذه الفعلهالقبيحه ــ أعني التفجير في الخبر ــ أنها توجب الفوضى في هذه البلاد التي ينبغي أنتكون أقوى بلاد العالم في الأمن والاستقرار ، لأنها تشمل بيت الله الذي جعله مثابة للناس وأمناً ، ولأن فيها الكعبة البيت الحرام التي جعلها الله قياماً للناس تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم ، قال تعالى (( وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا))
وقال تعالى (( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس ))
ومن المعلوم أن الناس لن يصلوا إلى هذا البيت إلا عن طريق المرور بهذه البلاد جميعها من إحدى الجهات
ســـادســـاً
ومن مفاسد هذه الفعلة الشنيعة ماحصل بها من تلف النفوس والأموال وتضرر شيء منها كما شاهد الناس ذلك في الوسائل لإعلام ؛ شاهد الناس ذلك في الوسائل ماشاهدوا منها ، وإن القلوب لتتفجر والأكباد لتتفتت ، والموع لتذذرف حين يشاهد الإنسانُ الأطفال على سرر التمريض مابين مصاب بعينه أو بأذنه أو يده أو رجله أو أى جزء من أجزاء بدنه تدور أعينهم فيمن يعودهم لا يملكون رفعاً لما وقع ولا ويتوقع فهل أحد يقر ذلك أو يرضى به؟
هل ضمير لايتحرك لمثل هذه الفواجع ؟ ولا أدري ماذا يراد من هذه الفعله ، أيراد الإصلاح ؟
فالإصلاح لايأتي بمثل هذا ، إن السيئة لاتأتي بحسنة ولن تكون الوسائل السيئة طرقاً لإصلاح أبداً ، فكيف يطهر القذر بما هو أقذر منه ، وإننا وغيرنا من ذوى الخبره والإنصاف ليعلمُ أن بلادنا ولله الحمد خيرُ بلاد المسلمين اليوم في الحكم بما أنزل الله ، وفي اجتناب سفاسف الأمور ودمار الأخلاق ليس في بلادنا ولله الحمد قبورُ ُ يُطافُ بها وتعبد ، وليس فيها الخمور تباع علنا وتشرب ، وليس فيها كنائس ظاهرة يُعبد فيها غير الله عزوجل ، وليس فيها مما هو معلوم في كثير من بلاد المسلمين اليوم ، فهل يليق به أن ينقل الفتن إلى بلادنا ؟ ألا فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً وليفعلوا فعلاً حميداً
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا بانتظار فريضة من فرائض أن تقضي على الفساد والمفسدين ، اللهم اقض على الفساد والمفسدين ، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم وتدبيرهم تدميراً عليهم يارب العالمين ، اللهم إنا نسألك أن تقضي بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم قنا شرور أنفسنا وشرور عبادك ، وأدم على بلادنا أمنها وزدها صلاحاً وإصلاحاً ، إنك على كل شيء قدير .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة للشيخ / محمدبن صالح الثيمين (رحمه الله )