المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة من سجين



ابن ابي العبد
29-03-2005, 11:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ به من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لااله الا الله واشهد ان محمداً عبده ورسوله الى الناس اجمعين [ صلى الله عليه واله وصحبه الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا والذين آووا ونصروا وسلم تسليما كثيرا ]

أما بعد:
قال تعالى :{فذكر ان الذكرى تنفع المؤمنين }.
وقال تعالى:{فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمصيطر الا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر}.
وقال النبي محمد [صلى الله عليه وسلم].((الدين النصيحة .قلنا لمن يارسول الله . قال :لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم )) [رواه مسلم ] .
وقال تعالى:{والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
والله عزوجل اقسم في هذه السورة بالعصر على ان كل انسان فهو في خيبة وخسارة مهما كثر ماله وولده وعظم قدره وشرفه الا من جمع هذه الاوصاف الاربعة :
احدها :الايمان ويشمل كل مايقرب الى الله تعالى من اعتقاد صحيح وعلم نافع .
ثانيا : العمل الصالح وهو كل قول او فعل يقرب الى الله عزوجل يكون فعله لله مخلصا ولمحمد [صلى الله عليه وسلم ] متبعا .
ثالثا : التواصي بالحق وهو التواصي على فعل الخير والحث عليه والترغيب فيه .
رابعا : التواصي بالصبر بان يوصي بعضهم بعضا بالصبر على فعل اوامر الله او ترك محارم الله ويتحمل اقدار الله .
والتواصي بالحق وبالصبر يتضمنان الامر بالمعروف والنهي عن النكر الذين بهما قوام الامة وصلاحها ونصرها وحصول الشرف والفضيلة لها قال تعالى: {كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }...

واعلموا اخوتي واعزائي واحبابي في الله:

ان الله تعالى امر المؤمنين بالاستعانة على امورهم الدينية والدنيوية بالصبر والصلاة واعلموا ان الصبر هو حبس النفس وكفها عماتحب و تكره .
وهو ثلاثة اقسام :
اولا : الصبر على طاعة الله حتى تؤديها.
وثانيا : وعن معصية الله حتى تتركها .
ثالثا : وعلى اقدار الله المؤلمة فلا تسخطها .
والصبر هو معونة عظيمة على كل امر يصاب به العبد فلا سبيل لغير الصابر ان يدرك مطلوبه وخصوصا الطاعات الشاقة المستمرة مثل الجهاد في سبيل الله فانها مفتقرة اشد الافتقار الى الصبر وتجرع المرارة الشاقة فاذا لازم صاحبها الصبر فان النجاح والفوز العظيم في الدنيا والآخرة في جنات خـلد.

واعلموا اخوتي في الله :
ان الله ذكر الاستعانة بالصبر والصلاة وذكر بعدها الاستشهاد في سبيل الله وقال:{ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله امواتا بل احياء ولكن لاتشعرون }.

ولما ذكر تبارك وتعالى الامر بالاستعانة على جميع الاحوال كنموذج مما يستعان بالصبر عليه وهو الجهاد في سبيله وهو افضل الطاعات البدنية واشقها على النفوس لمشقته في نفسه ولكونه مؤديا للقتل وعدم الحياة التي انما يرغب الراغبون في هذه الدنيا بحصول الحياة ولوازمها وكل ما يتصرفون به فانه سعي لها ودفع لما يضادها ومن المعلوم ان المحبوب لايتركه عاقل الا لمحبوب اعلى منه واعظم فاخبر تعالى انه من قتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه الظاهر لالغير ذلك من الاغراض فانه لم تَفته الحياة المحبوبة بل حصل له حياة اعظم وأكمل مما تظنون او تحسبون فالشهداء : { احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحق بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولاهم يحزنون يستبشرون بنعمة الله وفضله وان الله لايضيع اجر المؤمنين }...

فهل اعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى وتمتعهم برزقه البدني في الماكولات والمشروبات اللذيذه و الرزق الروحي وهو الفرح وهو الاستبشار وزوال كل الخوف وحزنه فهذه الحياة البرزخية اكمل من الحياة الدنيوية بل قد أخبر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ان أرواح الشهداء في اجواف طيور خضر ترد انهار الجنة وتأكل من ثمرها وتأوي الى قناديل معلقة بالعرش وفي هذه الاية اعظم حث على الجهاد في سبيل الله وملازمة الصبر عليه فلو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب لم يتخلف عن الجهاد أحد ولكن عدم العلم اليقيني التام هو الذي فتر العزائم وزاد نوم النائمين وتفويت الاجور العظيمة والغنائم لمن لايكون كذلك

والله تعالى قد : {اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون }...

فوالله لو كان للانسان الف نفس تذهب نفسنا نفسا في سبيل الله لم يكن عظيما في جانب هذا الاجر العظيم ولهذا لايتمنى الشهداء بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزاءه الا ان يرد الى الدنيا حتى يقتلوا في سبيله مرة بعد مرة ولهذا الكلام نقول هنيئا لمن اتخذه الله منكم شهيدا في سبيله وهو القائل :{ويتخذ منكم شهداء }...
فهنيئا لاخوتنا الشهادة.الذين كانوا معنا واستشهدوا.
وقال سبحانه وتعالى : { ولنبلونكم }. أخبر تعالى انه لابد ان يبتلي عباده بالمحن ليتبين الصادق من الكاذب والجازع من الصابر وهذه سنة الله في عباده لان السراء لو استمرت لأهل الايمان ولم يحصل معها المحنة لحصل الاختلاط الذي هو فساد وحكمة الله تقتضي تمييز اهل الخير من اهل الشر هذه فائدة المحن لا لأزالة ما مع المؤمنين من الايمان ولاردهم عن دينهم فما كان الله ليضيع ايمان المؤمنين فاخبر في هذه الآية انه سيبتلي عباده بشيء يسير منها لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله لهلكوا والمحن تمحص لاتهلك .
{ونقص من الأموال }...
وهذا يشمل جميع النقص المادي من السيارات والأموال وما شابه ذلك وما يلزمكم الا الصبر على ذلك وعدم التفرقة والتشاجر والتنازع في هذا الامر .


{ الأنفس } أي ذهاب الأحباب من الأولاد والأقارب والأصحاب فهذه الأمور لابد ان تقع لان العليم الخبير أخبر بها فوقعت كما أخبر فلما وقعت انقسم الناس الى قسمين :


جازعين ,وصابرين .

والجازع حصلت له مصيبتان :فوات المحبوب وهو هذه المصيبة .وفوات ماهو اعظم منه وهو الأمر بامتثال أمر الله بالصبر ففاز بخسارة وحرمان ونقص مامعه من الايمان وفاته الصبر والرضى والشكر وحصل له السخط الدال على شدة النقصان...
واما من وفقه الله بالصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولا وفعلا وأحتسب أجره عند الله وعلم ان ما يدركه نعمة في حقه لانها صارت طريقا لحصول ماهو خير له وانفع منها وقد امتثل امر الله وفاز بالثواب ولهذا قال تعالى :
{ وبشر الصـابرين } ...اي بشرهم بانهم يوفون اجورهم بغير حساب فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة .
{ آولئك }... الموصوفون بالصبر المذكور.
{ عليهم صلوات من ربهم } ... أي ثناء وتنويه بحالهم .
{ ورحمة }... عظيمة ومن رحمته اياهم ان وفقهم للصبر الذي ينالون به كامل الاجر .


{ وآولئك هم المهتدون}... الذين عرفوا الحق وهو في هذا الموضع علمهم بانهم لله وانهم اليه راجعون وعملوا به وهو هنا صبرهم لله ودلت هذا الاية على ان من لم يصبر فله ضد ما لهم فحصل له الذم من الله والعقوبة والضلال والخسارة . فما اعظم الفرق بين الفريقين . وما اقل تعب الصابرين واعظم عناء الجازعين . وقد اشتملت هاتان الايتان على توطين النفوس على المصائب قبل وتوعها لتخف وتسهل اذا وقعت وبيان ما تقابل به اذا وقعت وهو الصبر وبيان يعين على الصبر وما للصابرين من الاجر ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر وان هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان انواع المصائب .
وقد يكون بان الله ابتلاكم بهذا الأمر لأمــرين :
الاول : هو ان الله سبحانه وتعالى اراد ان يمتحنني وقد يكون رفع درجة لي .وقد يكون عاقبني بذنب من ذنوبي والله تعالى اعلم ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يكون رفع درجة لي في جنات الفردوس .

والامر الثاني : هو اراد الله ان يبتليكم بي ليبين الصادق منكم و الكاذب الذي يعمل في سبيل الله او في سبيل [فلان] او في سبيل المادة والأموال وما شابه ذلك من الامور الدنيوية فاحذروا من هذا الأمر .

ثم وصف الله بقوله تعالى : { الذين اذا اصابتهم مصيبة } ... وهي كل ما يؤلم القلب والبدن اوكليهما مما تقدم ذكره.

{ قالوا انا لله }... أي مملوكون لله مدبرون تحت امره وتصرفه فليس لنا من انفسنا واموالنا شيء فاذا ابتلانا بشيء منها فقد تصرف ارحم الراحمين بمالكه وامواله ولاعتراض عليه بل من كمال عبودية العبد علمه بان الله وقوع البلية من المالك الحكيم الذي هو ارحم بعبده من نفسه يوجب له الرضى عن الله والشكر له على تدبيره لما هو خير لعبده وان لم يشعر بذلك .

{ وانا اليه راجعون }...مع اننا مملوكون له فإننا إليه راجعون يوم الميعاد فيجازي كل عامل بفعله فان صبرنا واحتسبنا وجدنا اجرنا موفورا عنده وان جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا الا السخط وفوات الاجر وكون العبد لله وراجع اليه من اقوى اسباب الصبر .

وقال تعالى : {ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله الا ان نصر الله قريب }...

يخبر الله تعالى بهذه الآيات الكريمات انه لابد ان يمتحن عباده بالسراء والضراء ومشقة كما فعل بمن قبلهم فهي سنته الجارية التي لاتـتغير ولاتبديل ان من قام بدينه وشرعه لابد ان يبتليه فان صبر على امر الله ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيل الله فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله صدته المكاره عما هو يصدده وشتته المحن عن مقصده فهو الكاذب في دعوى الايمان فانه ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني ولا الدعاوي حتى تصدقه او تكذبه فقد جرى على الأمم الأقدمين ماذكر الله عنهم :{مستهم البأساءوالضراء }... أي الفقر والامراض والاذى في الابدان :{ وزلزلوا }... بأنواع من التهديد بالقتل والنفي وأخذ الاموال وقتل الأحبة من الآباء والابناء والازواج وانواع المضار وحتى وصل بهم الحال وآل بهم الزلزال الى ان استبطئوا نصر الله مع يقينهم به ولكن لشدة الأمر وضيقه : {يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله }...وكلما ضاق الأمر اتسع

قال تعالى : { الا ان نصر الله قريب } ... فهكذا كل من قام بالحق فانه يمتحن وكلما اشتدت عليه وصعبت [ اذا صابر وثابر على ما هو عليه ]. انقلبت المحنة في حقه منحة والمشقات راحات وأعقابه ذلك الانتصار على الاعداء وشفاء مافي قلبه من السراء وهذه الآية نظير. قوله تعالى : { احسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } . وقوله تعالى : { ام احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }...

اعلموا اخوتي في الله :

عند البلاء والامتحان يكرم المرء أو يهان
وقال تعالى : { ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم }...

اعلموا اخوتي في الله :ان في هذه الاعمال الثلاث وهي الايمان والهجرة والجهاد في سبيل الله هي عنوان السعادة وقطب رحى العبودية وبها يعرف ما مع الانسان من الربح والخسران فإما الايمان فلا تسأل عن فضله وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين آهل السعادة وآهل الشقاوة وآهل الجنة من آهل النار وهو الذي اذا كان مع العبد قبلت أعمال الخير منه وإذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل ولا فرض ولا نفل ...

وإما الهجرة في مفارقة المحبوب المألوف لرضا الله تعالى وترك المهاجر وطنه وماله وآهله وخلانه تقربا الى الله ونصرة دينه .

واما الجهاد فهو بذل الجهد في مقارعة الاعداء والسعي التام في نصرة دين الله وقمع دين الشيطان وهو ذروة الاعمال الصالحة .وجزاه افضل الجزاء وهو السبب الأكبر لتوسيع دائرة الإسلام وخذلان عباد الأصنام وأمن المسلمين على أنفسهم وأموالهم وأولادهم فمن قام بهذه الاعمال الثلاث متحملا لأواءها ومشقتها كان لغيرها اشد قياما بها وتكميلا . فحقيق بهؤلاء ان يكونوا هم الراجين رحمة الله لأنهم أتوا بالسبب الموجب لرحمته.

وفي هذا دليل على ان الرجاء لايكون الا بعد القيام باسباب السعادة واما الرجاء المقارن للكسل وعدم القيام بالأسباب فهذا عجز وتمني وغرور وهو دال على ضعف همة صاحبه كما يزعم المرجئة يرجون ان تقوم دولة إسلامية بدون قتال الاعداء !!!

واما الذين يعملون الاعمال الثلاثة السابقة :{ اولئك يرجون رحمة الله }... اشارة الى ان العبد لو أتى من الأعمال بما أتى فأنه لاينبغي له ان يعتمد عليها ويعول عليها بل يرجو قبول أعماله مغفرة ذنوبه وستر عيوبه ولهذا قال الله تعالى :

{ والله غفور رحيم } ...اي لمن تاب توبة نصوحا.

وعلموا اخوتي في الله ان من ضمن هذا الكلامان نذكر بالعهد الذي يكون بينكم وبين الله وبين الخلق انفسهم وقال تعالى :

{بلى من أوفى بعهده وتقى فان الله يحب المتقين ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا اولئك لاخلاق لهم في الاخرة ولايكلمهم الله ولاينظر اليهم يوم القيامة ولايزكيهم ولهم عذاب اليم } ...اي من كان بخلاف ذلك فلم يفِ بعهده وعقوده التي بينه وبين الخلق ولاقام بتقوى الله فان الله يمقته ويجازيه على ذلك اعظم النكال أي الذين يشترون الدنيا بالدين فيختارون الطعام القليل من الدنيا ويتوسلون اليهم بالايمان الكاذبة والعهود المنكثة لايكلمهم الله ولاينظر اليهم يوم القيامة ولايزكيهم ولهم عذاب اليم ...اي قد حق عليهم سخط الله ووجب عليهم عقابه وحرموا ثوابه ومنعوا من التزكية وهي تطهير بل يردون يوم القيامة وهم متلوثون متدنسون بالذنوب العظام وقال تعالى :{ وافوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا } ...العهد الذي عاهدتم الله عليه والذي عاهدتم الخلق عليه أي مسؤولون عن الوفاء به فان وفيتم فلكم الثواب الجزيل وان لم تفعلوا فعليكم الاثم العظيم ...


(( وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم )) ...
اخوكم في سجن من سجون اميركا في العراق 2005